فيروس كورونا المستجد (كوفيد-١٩)

هذه الجائحة غير مسبوقة، وسببت قدرًا كبيرًا من الارتياب والمشقة في جميع أنحاء العالم، على صعيد الصحة العامة، وكذلك أيضًا على الرفاه الاجتماعي والاقتصادي للشعوب وأمنهم الغذائي وتغذيتهم. وتزداد صعوبة هذا الوضع كثيرًا نظرًا لعدم إمكانية التوقع به. وبينما تتراجع الأزمة في بعض البلدان، إلا أنها تظهر من جديد أو تستمر في بلدان أخرى. وقد أدت القيود المفروضة على الحركة والحجر الصحي والحواجز التجارية والتأخير في الشحن إلى تعطيل سلاسل الإمدادات الغذائية والتجارة والخدمات اللوجستية، ولا سيما مع تأثر سلاسل الإمدادات الغذائية في البلدان النامية بشكل غير متناسب.

ينصب تركيز الحكومات والجهات المانحة فعليًا على تلبية الاحتياجات الفورية للمجتمعات الأكثر فقرًا وضعفًا حيث فقد الأفراد وظائفهم أو تقلصت أجورهم. ففي هذه الأحوال يكون من شأن المساعدة الغذائية الطارئة والتدخلات التغذوية وشبكات الأمان القوية وبرامج الحماية الاجتماعية أن تساعد هؤلاء الأفراد على التأقلم والتعايش في هذه الأوقات العصيبة.

ومن الضروري كذلك أن تستمر سلاسل الإمداد الزراعية والغذائية في العمل بفعالية، خاصةً خلال فترات الحظر والإغلاق، مع الامتثال لتدابير السلامة الخاصة بجائحة كوفيد-19.

ينبغي ضمان تدفق الغذاء الذي يُلبي متطلبات السلامة الغذائية الحالية عبر الحدود، كما يجب تمكين المزارعين من الوصول إلى مستلزمات الإنتاج والتمويل والأسواق حتى يتمكنوا من إنتاج غذائهم وحصاده وبيعه. أما بالنسبة للمستهلكين، فيجب تمكينهم من الوصول بأمان إلى أغذية صحية ومغذية وبأسعار معقولة.

توفر الأزمة، التي تؤثر على جانبي العرض والطلب الغذائي، فرصًا فريدة من نوعها، فنحن نشهد تحولات كبيرة في طريقة تسوق الأفراد والأغذية التي يتناولونها. ويتم استخدام التكنولوجيات الرقمية لإنشاء منصات التجارة الإلكترونية، وتقصير سلاسل الإمدادات الغذائية بربط المزارعين مباشرةً بتجار التجزئة والعملاء، خاصةً في المناطق الحضرية وشبه الحضرية.

يمكن للحكومات والقطاع المصرفي التعاون للتخفيف من حدة الاضطرابات من خلال التمويل المختلط وتزويد الشركات الصغيرة والمتوسطة بخطوط الائتمان وخطط الضمان. وقد يواجه صغار المزارعين والتعاونيات في المناطق الريفية المزيد من الصعوبات في الحصول على التمويل والائتمان لمواسم الزراعة والحصاد القادمة. وقد يكون من المستحيل زيارة البنوك فعليًا بسبب القيود المفروضة نتيجة للجائحة، لكن تعمل البنوك على مساعدة الأشخاص على الالتزام بقواعد التباعد الجسدي والحد من التأخير بتقديم الخدمات المصرفية السريعة عبر الهواتف المحمولة.

أطلقت بنغلاديش مبادرة تجريبية تستخدم مراكز اتصال افتراضية تقدم خدمات استشارية للمزارعين، وتساعدهم على استخدام الممرات الرقمية الحالية للتجارة الإلكترونية والمدفوعات غير النقدية. ومن السهل نسبيًا استخدام هذه التدابير والكثير غيرها لضمان توسيع نطاق الوصول والتواصل في الوقت الفعلي بالحد الأدنى من البنية التحتية.

نحن بحاجة إلى اتخاذ إجراءات سريعة، سواء كانت على الجانب السياسي أو الاستثماري. ولكن، علينا الحذر وتجنب الحلول العامة التي لا تأخذ بعين الاعتبار الحالات القطرية الخاصة

إن تحقيق أهداف التنمية المستدامة بحلول عام 2030، وخاصةً القضاء التام على الجوع والفقر، أصبح أكثر صعوبة الآن. لذا، فنحن بحاجة إلى مضاعفة جهودنا لبناء نظم مستدامة للأغذية الزراعية بحيث تكون قادرة على الصمود أمام الأزمات والصدمات.

لم يكن نهج تسيير العمل كالمعتاد أسلوبًا فعالا قبل الأزمة، والآن أصبح أقل فعالية.

خلال العشرين عامًا الماضية، واجهنا أزمة أسعار الغذاء في 2008، وصاحبتها الأزمة المالية في 2009، والآن نمر بأزمة كوفيد-19. وعلينا أن نسأل أنفسنا "ما هي الإجراءات الصحيحة وما هي الإجراءات الخاطئة التي اتخذناها في 2008، وما الدروس التي يمكن الاستفادة منها من الأزمة الحالية؟"

نحن نعلم أنه ينبغي تصميم السياسات وخطط الاستثمار بحيث تتناسب مع الواقع والاحتياجات الخاصة لكل بلد. ويتطلب ذلك جمع بيانات مناسبة وإجراء تحليل سريع حتى يمكن الوقوف على المشكلات وتحديد الحلول الممكنة.

هناك شعور كبير بالحاجة الملحة إلى مساعدة البلدان على التعامل مع هذا الواقع الجديد، بدءًا من إعادة هيكلة المشروعات الاستثمارية الجارية إلى تصميم المشروعات الجديدة القادرة على التصدي لتحديات كوفيد-19 المتعلقة بأنظمة الأغذية الزراعية. ويركز العديد من المتخصصين في الاستثمار لدينا على هذه المشكلة وحدها.

عندما بدأ تفشي الفيروس، بدأنا في التعاون مع البنك الدولي، أحد أقدم شركائنا الماليين، لتصميم أداة للتقييم التشخيصي للاستثمار تجمع معلومات عن الأمن الغذائي وقطاع الأغذية الزراعية وتحللها بسرعة. تساعد هذه البيانات على إعادة العمل على مقترحات المشاريع للتغلب على تحديات كوفيد-19، واطلاع وتوجيه الاستثمارات الجديدة لمساعدة البلدان على التعايش مع الأزمة والإسراع بوتيرة التعافي منها. وجاري تطبيق هذه التقييمات حاليًا في الكثير من البلدان.

تأمل البلدان أن تقدم منظمة الأغذية والزراعة إرشادات سياسية حول الاستجابة لأزمة كوفيد-19. لذا، ساهمنا في إعداد بعض موجزات السياسات للمنظمة حول موضوعات مختلفة، ومنها على سبيل المثال تقديم إرشادات للدول الجزرية الصغيرة النامية، ودور الحكومة المحلية في الحفاظ على استمرار النظم الغذائية، والأسواق المحلية والزراعة الرقمية. ونعقد كذلك حلقات دراسية شبكية (webinars) حول الزراعة الرقمية، ونساهم في بعض الدراسات المواضيعية، حيث نقوم على سبيل المثال بمشاركة البنك الدولي ومكتبنا الإقليمي في أفريقيا في دراسة عن الثروة الحيوانية ونهج الصحة الواحدة، كما نُعد دراسة أخرى في منطقة شرق آسيا والمحيط الهادئ حول نهج الصحة الواحدة والحد من مخاطر الأمراض المعدية الناجمة عن الحياة البرية.

ونحن نعمل مع البنك الدولي وشركاء ماليين آخرين منذ فترة طويلة مثل الصندوق الدولي للتنمية الزراعية والبنك الأوروبي للإنشاء والتعمير لإعادة هيكلة عمليات الاستثمار لتشمل تمويل حالات الطوارئ المرتبطة بأزمة كوفيد-19 واستجابات منتصف المدة.

من أمثلة هذا التعاون، إعداد حزمة مشتركة مع البنك الأوروبي للإنشاء والتعمير للتعامل مع أزمة كوفيد-19، حيث يتم تمويل أنشطة المساعدة الفنية في وسط وشرق أوروبا وآسيا الوسطى وتركيا وجنوب وشرق البحر الأبيض المتوسط. وفكرة هذه الحزمة هي الحد من الاضطرابات قصيرة المدى في سلاسل القيمة الغذائية الزراعية مع دعم الانتقال في الوقت نفسه نحو أنظمة غذائية زراعية أكثر مرونة واستدامة.

ونقوم أيضًا بدمج أنشطة الاستجابة لفيروس كوفيد-19 في مشروعات البرنامج العالمي للزراعة والأمن الغذائي التي يجري حاليًا الانتهاء منها، ومنها المشروعات المنفذة في كوت ديفوار وجمهورية الكونغو الديمقراطية وليبيريا وجمهورية إفريقيا الوسطى. ونحن نعمل مع إدارات منظمة الأغذية والزراعة الأخرى، مثل إدارة الزراعة ومصايد الأسماك، لإجراء دراسات استجابة للأزمة في بلدان مختلفة.

كما نساهم في تصميم أدوات السياسة الخاصة بمنظمة الأغذية والزراعة على الإنترنت، مثل استخدام البيانات الضخمة للحصول على معلومات في الوقت الفعلي حول تأثير الجائحة على الأغذية والزراعة وسلاسل القيمة وأسعار الغذاء والأمن الغذائي العالمي. كما ندعم عقد اجتماعات وزارية رفيعة المستوى بشأن الأزمة، ومنها الاجتماع الذي يحضره مديرنا العام ومدير الاتحاد الأفريقي بشأن الأمن الغذائي في أفريقيا.

يدفعنا تفويض منظمة الأغذية والزراعة إلى التركيز في المقام الأول على الفئات الأكثر ضعفًا واحتياجاتهم. وسنواصل الاعتماد على شراكاتنا طويلة الأمد مع مؤسسات التمويل الدولية وبنوك التنمية الإقليمية، وتعاوننا مع الشُعب الفنية التابعة للمنظمة والمكاتب الإقليمية والقطرية لمساعدة البلدان على تقليل الاضطرابات الناجمة عن جائحة كوفيد-19وتأثيرها على الأغذية والزراعة.

إننا نمتلك خبرة طويلة في تنظيم الاجتماعات بين أصحاب المصلحة من القطاعين العام والخاص، ومنهم المزارعين ومنظماتهم، لمناقشة قضايا السياسات وتجاوز العقبات.

ونقدم لشركائنا التوصيات حول نقاط الوصول إلى التمويل المختلط (Blended Finance) للتغلب على قيود السيولة وثغرات التمويل لخلق سلاسل قيمة للأغذية الزراعية تتسم بمزيد من القدرة على التأقلم والصمود. وتقدم المنظمة، من خلال مبادرة أغرينتل (AgrIntel) التي يمولها الاتحاد الأوروبي، مشورة للصناديق والمنشآت التي تستثمر في قطاع الأغذية الزراعية على نحو منتظم.

ومع تطور الأزمة، سنستمر في الدعوة إلى إقامة حوار حول السياسات، وتقديم المساعدة الفنية عند الحاجة، وتبادل المعرفة والابتكار، ورفع الوعي بالوضع عبر وسائل الإعلام.

إن تنفيذ الاستثمارات المناسبة اليوم، سواء في البنية التحتية أو في الرأس المال البشري أو في القدرات أو التكنولوجيا، سيساعد على بناء أنظمة غذائية تتسم بمزيد من القدرة على التأقلم والشمولية في المستقبل.