English |Français | Español | Chinese

إحصائيات مصايد الأسماك:
موثوقيتها والإنعكاسات على السياسات

مصلحة مصايد الأسماك بمنظمة الأغذية والزراعة

أشارت مقالة علمية حديثة في مجلة  Nature    (الطبيعة)    1   إلى أن الإحصائيات الصينية غالت في أرقام إنتاج المصايد الطبيعية البحرية في الصين خلال الفترة 1995-1999 وهي الأرقام التي قدمت إلى منظمة الأغذية والزراعة والتي قامت بنشرها. وتذكر المجلة أن نتيجة هذا احتمال انخفاض إنتاج المصايد الطبيعية البحرية العالمية - باستثناء أنشوفة بيرو - منذ 1988 بدلا من أن يظل ثابتا كما أشارت إلى ذلك الإحصائيات. وطبقا للمؤلفين من جامعة كولومبيا البريطانية   (UBC) ، فإن ذلك كان سيؤدي إلى فهم تدهور مصايد الأسماك في العالم وسياسات وقرارات استثمار خاطئة. وتم تناول القضية بعد ذلك عدد من الصحف وأجهزة الإعلام بما في ذلك مجلة The Economist    ( الايكونومست)   2 . وفي حين أن المقالات كانت مفيدة في استرعاء انتباه الرأي العام الأوسع بأهمية الإحصائيات التي يعتمد عليها لإدارة مصايد الأسماك ورصدها، فإنها عكست أيضا عددا من المفاهيم الخاطئة عن:   (1)  فهم منظمة الأغذية والزراعة للإحصائيات الصينية؛   (2)  دور المنظمة في إحصائيات مصايد الأسماك العالمية؛   (3)  النتائج الممكنة المترتبة على المغالاة في تقدير إنتاج مصايد الأسماك في الصين على المشورة في مجال إدارة مصايد الأسماك العالمية والسياسات والمساهمة في الأمن الغذائي. وترد فيما يلي بعض التوضيحات.

1. فهم منظمة الأغذية والزراعة للإحصائيات الصينية

ليست هذه أول مرة يشير العلماء إلى "النتائج" بأن هناك مغالاة في تقدير إحصائيات إنتاج مصايد الأسماك في الصين. وفي الواقع، أشار علماء صينيون عديدون في السابق إلى المشكلة. كما أبدت منظمة الأغذية والزراعة انشغالها بشأن إحصائيات الزراعة ومصايد الأسماك في الصين طوال سنوات عديدة وعملت مع الصين على تصحيحها. وعقب أول تعداد زراعي قطري في الصين، أجري بالتعاون مع المنظمة في 1997، عدلت إحصائيات إنتاج اللحوم بالتخفيض بنحو 25 في المائة. وفيما يتعلق بالفروق في زراعة الأراضي بين التعداد والسلسلة الزمنية المنتظمة تبلغ النسبة 37 في المائة. كما عدلت بيانات المخزونات من الحبوب في الصين التي تحتفظ بها المنظمة.

ومنذ حوالي 6 أعوام، اتسعت الاختلافات الظاهرة بين بيانات نصيب الفرد من إمدادات الأغذية السمكية المستخلصة من احصائيات إنتاج الأسماك والتجارة من ناحية، وأرقام الاستهلاك المستمدة من عمليات المسح الأسري من ناحية أخرى. وقد استرعت المنظمة انتباه السلطات الصينية المسؤولة، أي مكتب مصايد الأسماك التابع لوزارة الزراعة. ومنذ ذلك الحين، تم تنظيم اجتماعات مشتركة وبعثات عديدة وثلاث حلقات دراسية وطنية   (مثل منظمة الأغذية والزراعة، 2001)  وسلمت آخرها، في أبريل/نيسان 2001، بالمشكلة واقترحت أنشطة متابعة لدراسة الجوانب المختلفة للمشكلة كأساس ممكن لإجراء علاجي. وبدأت المنظمة عددا من أنشطة المتابعة بالتزامن مع مؤسسات صينية عديدة، بما في ذلك إنشاء مشروع تجريبي لجمع بيانات مسح عينات في مقاطعة واحدة في 2002. وفضلا عن ذلك، سيجري تقييم كمية عمليات إنزال الأسماك غير المجهزة التي تستخدم كأعلاف مباشرة في تربية الأحياء المائية. ومن المعتقد أن الكميات كبيرة جدا، ويفترض خطأ أنها تذهب في الوقت الحالي، لأغراض الاستهلاك البشري. ومن ثم، فالمشكلة معروفة ويجري اتخاذ إجراء بشأنها.

إن التحليل الذي اضطلعت به جامعة كولومبيا البريطانية، باستخدام قاعدة البيانات الإحصائية للمنظمة، هو مقارنة الإنتاج لكل وحدة مساحة في المياه مقابل الساحل الصيني، استنادا الى الإحصائيات الرسمية، بالبلدان الأخرى ذات خواص لنظام ايكولوجي مماثلة. وعلى نطاق أصغر، استخدمت المنظمة إجراء مماثلا لسنوات عديدة للتصدي لمشكلة مماثلة في بلد أفريقي. ويتطلب كل من عمليتي التحليل افتراضات كثيرة ومعالجة مكثفة لبيانات غير متحقق منها، إلا أن المنظمة تعتبرها إشارة إضافية صالحة لمشكلة محتملة. ولقد عرضت المنظمة في حلقة عمل في بيجينج في أبريل/نيسان 2001 خرائط تبين إحصائيات غير قياسية مشتقة من تحليل مبكر لجامعة كولومبيا البريطانية وضعت من أجل شمال غرب المحيط الهادي باعتبارها مؤشرا للمشكلة. وطبقا لموظف في المنظمة   (Caddy et al., 1998) , "إن أفضل استخدام لمجموعة بيانات المنظمة هي اعتبارها مؤشرا للاتجاه ومولدا لافتراضات البحوث حيث يجري اختبارها بواسطة تحليلات أكثر دقة في مناطق الصيد المنفردة والأصغر والمتجانسة، حيث تدل تقديرات الإنتاج لكل منطقة إلى إجراء مزيد من التطوير".

2. دور منظمة الأغذية والزراعة في إحصائيات مصايد الأسماك

تذكر معظم الأخبار الصحفية المتعلقة بمقالة جامعة كولومبيا البريطانية خطأ أن المنظمة يمكن أن تقبل بيانات فقط من البلدان دون أي محاولة للتأكد منها أو تحسينها. وفي حين أن هذا يحد بطريقة ملائمة مسؤولية المنظمة عن أي خطأ في البيانات التي تنشرها، فإنه لا يعكس الحقيقة. إذ إن المنظمة تشترك بدرجات مختلفة في   (أ)  تعزيز جمع الإحصائيات واستخدامها؛   (ب)  إصدار أدلة إحصائية وبرامجيات؛   (ج) تدريب موظفي الإحصاء؛   (د)  تنمية/الارتقاء بالنظم الإحصائية القطرية  (كما كانت الحالة مؤخرا مع بلدانا أفريقية ومتوسطية كثيرة) ؛  (هـ)  تيسير التعاون العملي ووضع معايير في مجال إحصائيات مصايد الأسماك  ( من خلال فريق التنسيق المشترك بين الوكالات بإحصائيات مصايد الأسماك) ؛; (و)  جمع الإحصائيات المختلفة من البلدان وهيئات مصايد الأسماك الإقليمية وسجلات النقل البحري الدولي وصناعة المنتجات السمكية  (مثل بيانات التسويق والتجارة) ؛  (ز)  التأكد من البيانات الواردة عند أول مستوى، من أجل الاتساق الداخلي وتحديد الأنواع أو الاتجاهات غير القياسية؛  (ح)  التحقق مع البلدان المعنية من أي خروج عن القياس؛  (ط)  نشر الإحصائيات عن الجوانب المختلفة لمصايد الأسماك في كتب سنوية أو على الانترنيت وتلقي معلومات تغذية مرتدة مكثفة من المستعملين وتبعا لذلك، يجري تصحيح الإحصائيات المقدمة من السلطات القطرية بشكل روتيني عندما تكون الأخطاء واضحة، وعندما تتاح بيانات أفضل من هيئات مصايد الأسماك الإقليمية أو عندما تتفق البلدان مع تقديرات المنظمة. وتتفاعل المنظمة مع البلدان لاستكشاف المشكلات ومحاولة حلها، بالرغم من أن العملية يمكن أن تكون حساسة وبطيئة. وعندما لا تستجيب البلدان لاستفسارات المنظمة، تستخدم تقديرات المنظمة من جانب واحد. وفي بعض الأحيان، عندما تقدم البلدان شرحا مدعما للإحصائيات قليلة ومشكوك فيها، توضع الإحصائيات المبلغ عنها جانبا وتنشر إحصائيات المنظمة. وقد يكون هذا الإجراء حساسا واستفزازيا، ولكنه يدفع في بعض الأحياء إلى إجراء عمل تصحيحي. وكما تمت الإشارة في مكان آخر في هذه المقالة، تعمل الصين مع المنظمة للتصدي لهذه المسائل.

إن التقارير الوطنية هي المصدر الرئيسي، وإن لم يكن الوحيد، للبيانات التي تستخدمها المنظمة لأجل استمرارية قاعدة بيانات إحصائيات لمصايد الأسماك. وفي الحالات التي لا تتوافر لها البيانات أو أن تكون غير موثوق بها، تضع المنظمة تقديرات على أساس أفضل المعلومات المتاحة من أي مصدر، مثل منظمات مصايد الأسماك الإقليمية أو وثائق المشروعات أو مجالات الصناعة أو استكمال الإحصائيات. أما بالنسبة لسجلات أساطيل النقل البحري الدولي، تعيد المنظمة فحص البيانات المقدمة من البلدان وتدقق فيها مع بيانات من مصادر أخرى مثل سجلات النقل البحري الدولي. ويجري الحصول على المعلومات عن التقدم التكنولوجي  (الذي يؤثر على طاقات الصيد)  من خلال أفرقة الخبراء. ويجري الحصول على إحصائيات التجارة الدولية من البلدان ويتم استكمالها من خلال شبكة شاملة من المؤسسات الحكومية الدولية الإقليمية التي أنشأتها المنظمة  (النظام الحاسوبي لمعلومات تسويق الأسماك) .

أجرت منظمة الأغذية والزراعة في التسعينات مراجعة شاملة للسلاسل الزمنية لإحصائيات مصايد الأسماك المتوفرة، مع إدخال البيانات الصادرة منذ العام 1950 في برامج حاسوبية واستكمال البيانات الناقصة وتوزيع البيانات وفقاً لمناطق الصيد وأخذ التغيرات السياسية بالاعتبار  (كقيام دول جديدة)  وتحسين تحديد الأنواع  (مع تطوّر التصنيف)  وتحسين التمييز بين تربية الأحياء المائية وإنتاج المصايد الطبيعية. وجميع هذه البيانات، كما وردت في دراسة جامعة كولومبيا البريطانية وفي الكثير غيرها من التحاليل، متوفرة على شبكة الإنترنت  (FishStat PLUS) .

لا تشكل إحصائيات المصيد مصدر المعلومات الرئيسي بالنسبة إلى الاستعراضات العامة لحالة المخزونات التي تعدّها وتنشرها منظمة الأغذية والزراعة، لأن هنالك في الغالب، مؤشرات مباشرة عن حالة الموارد بخلاف المصيد. ويتم استخلاص المعلومات الأولية من جماعات العمل مباشرة في المنظمات الإقليمية لمصايد الأسماك التابعة لمنظمة الأغذية والزراعة وغير التابعة لها وغيرها من الترتيبات الرسمية والمراجع العلمية  (المجلات العلمية والأطروحات وغيرها) ، واستكمالها بالمعلومات من مجلات صناعة الصيد ومعلومات مستقلة عن مصايد الأسماك كالبيانات التجارية. وفي حال عدم وجود منظمات إقليمية لمصايد الأسماك، كما في شمال غرب المحيط الهادئ، يمكن الاستعانة بعمليات التقدير الثنائية الأطراف  (بين الصين واليابان وجمهورية كوريا مثلاً) . وفي حال عدم توفر أية بيانات، عن الكميات المرتجعة مثلاً، تتم التقديرات لمرّة واحدة فقط  (مثلاً Alverson et al., 1994)  استعانة بخبراء استشاريين أو مشاورات خبراء مخصصة لهذا الغرض. ولا توجد أية معلومات على المستوى العالمي في المجالات التي لم يتسنّ بعد لمنظمة الأغذية والزراعة العمل فيها بشكل فعّال، كما في مجال الإنتاج من الصيد غير القانوني. لكن كل هذه البيانات متوافرة فقط لبعض المناطق أو لسنوات معينة. ولعلّ الميزة الكبرى لإحصائيات المصيد الصادرة عن منظمة الأغذية والزراعة أنها تؤمّن تغطية عالمية شاملة وتحتوي على سلاسل زمنية كاملة منذ 1950 ويتمّ تحديثها باستمرار؛ لذا فهي تعطي صورة عامة عن الاتجاهات في مصايد الأسماك بحسب الأقاليم  (مثلاً منظمة الأغذية والزراعة، 1994)  وتشكل مؤشرات لحالة الموارد في حالة نقص البيانات الأخرى  (مثلاً منظمة الأغذية والزراعة، 1997) .

وشهد الدعم المالي لتطوير وصيانة نظم إحصائية قطرية للمصايد تراجعاً حاداً بالأرقام الحقيقية خلال العقد الفائت، في مقابل زيادة هائلة في المتطلبات الإحصائية الخاصة بالمصيد العارض والكميات المرتجعة، وطاقات الصيد، والصيد غير القانوني، والسفن التي يُرخص لها بالصيد في أعالي البحار، والبيانات الاقتصادية  (التكاليف والعائدات والأسعار والإعانات) ، وتوفير فرص العمل، ونظم الإدارة، وحصر المخزونات ومصايد الأسماك، وتربية الأحياء المائية وغيرها.

ورغم ما تبذله منظمة الأغذية والزراعة من جهود، لا تزال البيانات المتوافرة غير موثوق بها كلياً. كما أنها غير مرضية من حيث التغطية والتوقيت والنوعية. وغالباً ما ترد البيانات إلى المنظمة بعد سنة أو سنتين من التأخير. ويلاحظ تراجع نسبة المصيد من كل الأنواع مع مرور الوقت، في مقابل ارتفاع نسبة "الأسماك غير المعروفة" في تقارير الإبلاغ تبعا لتنوّع المصايد واستنزاف كمية كبيرة من المخزونات. وتشكل جماعات العمل لتقييم المخزونات وسيلة مناسبة لفرز بيانات المصيد، رغم تراجع وتيرة تقدير المحزونات في العديد من الأقاليم النامية بسبب الافتقار الى الموارد البشرية والمالية. ولم يتحسّن بالإجمال توفّر البيانات في العشرين سنة الماضية. ولا زالت الإحصائيات الواردة من المصايد الحرفية والمصايد الحدية مصدر انشغال والعديد من الإحصائيات الأساسية غير موجودة، كالبيانات الاقتصادية والاجتماعية والكميات المرتجعة وطاقات الصيد. وكنتيجة لذلك، فإن الإحصائيات المتوافرة تعكس صورة موثوقة للاتجاهات العامة كما يظهر من خلال العلاقات الطيّبة في اتجاهات التنمية العالمية أو التغيرات المناخية  (Klyashtorin, 2001) . إلاّ أنّ الأرقام وعمليات التقدير السنوية غير مؤكّدة نوعاً ما وقد لا تكون التغيرات الطفيفة من سنة إلى أخرى ذات أهمية من الناحية الإحصائية.

وترى مصلحة مصايد الأسماك في منظمة الأغذية والزراعة أنّ العمل مع البلدان هو الطريقة الوحيدة لتحسين إحصائيات المصايد وتلبية الحاجات القطرية فيما يتعلق بالأمن الغذائي وإدارة المصايد، وكذلك حاجات هيئات المصايد الإقليمية ومنظمة الأغذية والزراعة. ويستحيل بدون الإحصائيات الموثوقة، إدارة المصايد وصياغة السياسات بصورة فعالة، وما يستتبع ذلك من انعكاسات سلبيّة على المستويين القطري والإقليمي. لكن لسوء الحظّ أنّ تأهيل النُظم القطرية لتجميع البيانات الأساسية لتأمين الإحصائيات الموثوقة هي بالضرورة عملية بطيئة.

3. الإنعكاسات على الإدارة والسياسات والأمن الغذائي

ذكرت مقالات صحفية أنّ الاختلافات في الإحصائيات أعطت إشارات خاطئة للحكومات والصناعة، وأدّت إلى قرارات خاطئة في السياسات والاستثمارات وبالتالي إلى الرضى بواقع الحال. وسنبيّن في ما يلي أنّ هذا مرده الى سوء فهم.

3.1 حالة المخزونات في العالم

اعتبر البعض أنّ الخطأ المحتمل في الإحصائيات ربما أثّر على "رؤية" حالة المخزونات. وتشدد منظمة الأغذية والزراعة على أنّها تستند بشكل أساسي، في حكمها على حالة المخزونات في العالم، كما ورد مثلاً فيمنظمة الأغذية والزراعة  (1997) , على نتائج عمليات التقدير المباشرة مدعومةً بتحليل بيانات المصيد. ويتم جمع نتائج عمليات التقدير من جماعات العمل التابعة لهيئات الصيد الإقليمية ومراكز الخبرة الرفيعة القطرية والمطبوعات العلمية وتقارير غير رسمية وإلى غير ذلك. إضافة إلى معلومات ثانوية. وأدى ذلك إلى صدور سلاسل زمنية  (الشكل . 1 و الشكل . 2)  وعرض نموذجي  (الشكل . 3)  لحالة المخزونات.

الشكل 1: : تطوّر حالة الموارد العالمية 1950-1994، إستناداً فقط إلى الاتجاهات الإحصائية  (Grainger and Garcia, 1996) 
الشكل 2: تطوّر حالة المخزونات، 1974-1999، استناداً بالأخصّ إلى نتائج تقدير المخزونات  (Garcia and De Leiva Moreno, 2001) 

الشكل 3: حالة المخزونات عام 1999  (From Garcia and De Leiva Moreno, 2001) 

أدى تحديث شامل لقاعدة بيانات انتاج المصايد في منظمة الأغذية والزراعة إلى صدور سلسلتي تحاليل  (Grainger and Garcia, 1996; Garcia and Newton, 1997) . كانت الأولى  (Grainger and Garcia, 1996)  إستطلاعية والغريب أنها أظهرت اتساقاً بين البيانات وتاريخ المصايد المعروف وعكست، من بين جملة أمور أخرى، صورة مذهلة وفريدة عن تطوّر الصيد المفرط منذ العام 1950  (الشكل 1)  . وهيأت الثانية لمنظمة الأغذية والزراعة أن تضع نموذجا اقتصاديا حيويا فريدا من نوعه للمصايد في العالم  (Garcia and Newton, 1997)  أظهر للمرة الأولى:  (أ)  وجود إفراط في صيد أهمّ الأنواع على الصعيد العالمي منذ الثمانينات؛  (ب)  بلوغ الإمكانيات العالمية في منتصف التسعينات؛  (ج)  واستخدام قدر كبير من الدعم على الأرجح للمحافظة على أسطول الصيد الذي كان يعمل بطاقات تزيد ما بين 30-50%. ,من الواضح بالتالي أنه، رغم وجود أي خطأ محتمل في أرقام الإنتاج الصينية، كان الاتجاه السلبي العام في المخزونات العالمية وضعف الأداء الاقتصادي للمصايد العالمية واضحاً جداً وقد أشير إليه ولُفتت إليه انتباه الدول الأعضاء في منظمة الأغذية والزراعة والرأي العام على السواء. والواقع أنّ العلماء استندوا إلى هذه الاستنتاجات وجرى نشرها على نطاق واسع في وسائل واستخدمتها جميع المنظمات غير الحكومية الرائدة.

./Na

في ما يخصّ تحديداً شمال غرب المحيط الهادئ، فإنّ أية أخطاء في الإحصائيات الصينية لا تؤثر سوى على تقدير المخزونات المستغلة من قبل الصين وجيرانها. وقد درست منظمة الأغذية والزراعة تغير الاتجاه في المنطقة وفي مناطق صيد أخرى، من حيث الإنتاج لكل منطقة  (Caddy et al., 1998)  وعلى المستوى الغذائي  (Caddy and Garibaldi, 2000) . وقام Caddy et al  (1998)  بتوثيق تراجع اتجاهات الإنتاج الإقليمية وموضحا الأسباب. كما نشرت منظمة الأغذية والزراعة تقريراً أعدّه عالِم صيني  (Chen, 1999)  يثبت الإفراط في استغلال العديد من الموارد البحرية في الصين.

وفي المقالة التي نشرتها مجلّة Nature لم يكتفِ المؤلفون بتصحيح ما ورد عن المصيد العالمي في إشارة إلى "الخطأ" الصيني، بل أسقطوا منه أيضاً مصيد البَلَم الكبير، الذي لا شك في حالته الراهنة، على اعتبار أنّ تقلباته المعهودة قد "تحجب" الانخفاض الحاصل. مما يؤدي إلى تفاقم تراجع الإنتاج، ربما بسبب الانحراف الصيني في قاعدة البيانات العالمية ويُعتبر "الانخفاض" اللاحق ظاهرة جديدةً. والواقع أنّ منظمة الأغذية والزراعة قد طرحت عام 1994 مشكلة تقلّب المخزونات الكبيرة من أنواع السطح وشبه السطح  (Garcia and Newton, 1997) . وبعدما استثنت من إجمالي الإنتاج صيد الأنواع المتقلّبة الخمسة الأساسية  (البَلَم، الماكريل الفرسي الشيلي، البلشار الياباني والأميركي، وبلوق ألسكا)  التي يُستعمل القسم الأكبر منها لخفض الأعلاف، أثبتت منظمة الأغذية والزراعة أنّ إنزال الأنواع الكبيرة ذات قيمة عالية تراجع منذ مطلع الثمانينات وأنّ جميع هذه الأنواع عانت آنذاك من الإفراط في صيدها بنسبة 30%. مما يعني أنّ "الخبر" الوارد في مجلة Nature يؤكد بكل بساطة معلومة هامة أعطتها منظمة الأغذية والزراعة منذ عدة سنوات.

من الواضح على ضوء هذه التحاليل أنه، رغم احتمال ورود أخطاء في البيانات، ظهرت الاتجاهات العالمية الأساسية بوضوح وبرزت أهمّ الاستنتاجات. وكانت هذه النتائج، إضافة إلى نتائج مماثلة أخرى على المستويين الإقليمي والقطري، أساس الإدارة الرشيدة والتغييرات المؤسسية منذ عام 1990.

3.2 الأمن الغذائي

اعتبر البعض أيضاً أنّ الخطأ المحتمل قد يغيّر منحى الاتجاهات العالمية الصادرة عن منظمة الأغذية والزراعة بشأن الإمدادات الغذائية للفرد من الأسماك ومساهمة المصايد في تحقيق الأمن الغذائي. ويتوقف الأمن الغذائي على الإمدادات الغذائية  (الإنتاج زائد الواردات ناقص الصادرات) ، والتوافر  (التجارة) ، وسهولة الحصول عليها  (القوة الشرائية) . وهي مرتبطة بإجمالي كمية الغذاء المتوفرة  (بما في ذلك اللحوم والحبوب) . ويما أنّ المستهلكين يستطيعون الانتقال بسهولة بين مصادر البروتينات وأنواع الأسماك وفق هذه المعايير، علماً أنّ منظمة الأغذية والزراعة تعتبر عادة "السمك"، الطليق منه والمستزرع، سلعةً واحدةً. لكن فصل "الأسماك" عن اللحوم وأنواع الغذاء الأخرى يزيد التفسير تعقيداً. كما أنّ النظر إلى مصدر غذاء سمكي واحدة، سواء أكان من المصايد الداخلية أو البحرية أو من إنتاج تربية الأحياء المائية، يحصر أكثر معنى المعلومة في سياق الأمن الغذائي. لكن بانتظار إيجاد حلٍ نهائي لهذه المسألة، يمكن بحث مدى مساهمة مصايد الأسماك البحرية الطبيعية في تحقيق الأمن الغذائي من الناحية المطلقة أو النسبية  (للفرد) ، مع إدخال البيانات الصينية أو من دونها. فمن الناحية المطلقة، تشير الاتجاهات العالمية إلى ارتفاع طفيف ولو مستمر عند إدخال الإحصائيات الصينية في مقابل استقرار الأرقام اعتباراً من منتصف الثمانينات عند إدخالها  (الشكل.4) . لذا اعتبرت منظمة الأغذية والزراعة أنّ الإمدادات العالمية من مصايد الأسماك البحرية بقيت "مستقرّة". لكن من الناحية الفردية، يدل الاتجاه إلى استقرار الإمداد الفردي اعتباراً من منتصف السبعينات عند إدخال الإحصائيات الخاصة بالصين مقابل انخفاض قدره 2.5 كلغ للفرد الواحد في السنة منذ منتصف الثمانينات  (من 11.8 كلغ عام 1986 إلى 9.3 كلغ عام 1999)  في حال عدم إدخالها  (بقيت نسبة الاستهلاك البشري على حالها بمعدل 72% خلال نفس الفترة) . وتشير هذه الأرقام إلى أنّ معدلات نمو إنتاج مصايد الأسماك الطبيعية من الغذاء السمكي العالمي باستثناء الصين عجز عن مواكبة النمو السكاني  (+23% خلال هذه الفترة) . ويصحّ هذا أيضاً، بحسب تقارير منظمة الأغذية والزراعة  (منظمة الأغذية والزراعة، 2000) ، حتى بالنسبة إلى إجمالي إنتاج الغذاء السمكي، بما في ذلك تربية الأحياء المائية التي تلعب دوراً متنامياً لتلبية حاجات الأمن الغذائي وستكون أساسية لتلبية الطلب المستقبلي. وقد حذّرت مثلاً منظمة الأغذية والزراعة "أنّ البروتينات السمكية في الأغذية المعتادة في بعض البلدان  (مثل غانا وليبيريا وملاوي)  أقلّ في التسعينات منها في السبعينات"  (منظمة الأغذية والزراعة، 2000) . وخلافاً لما تدعيه بعض التقارير الصحفية، لم تكن منظمة الأغذية والزراعة "راضية". ورغم الصعوبات التي طرحتها البيانات، أصابت المنظمة في قولها إنّ الإنتاج السمكي، رغم استقراره الظاهر، لم يواكب النمو السكاني وحذّرت من بدء تراجع الإمداد الفردي بالبروتينات السمكية في بعض المناطق.

الشكل 4: الإنتاج الغذائي السمكي المطلق للفرد من مصايد الأسماك البحرية الطبيعية في العالم وفي العالم باستثناء الصين  (1950-1999) 

إنّ الغموض السائد بشأن إنتاج تربية الأحياء المائية، حاضراً ومستقبلاً، والوقع البيئي والتغيرات المناخية والنمو السكاني وكمية الثروة الاقتصادية وتوزيعها قد يكون لها وقع أكبر على الأمن الغذائي مستقبلاً على المستوى العالمي في العشرين أو الثلاثين سنة القادمة مقارنة مع الخطأ المحتمل في التقارير الصينية. لكن في حال ثبُت هذا الانحراف وتم تصحيحه، ستتراجع مساهمة المحيطات في تحقيق الأمن الغذائي على المستوى العالمي. لكن مما لا شك فيه أنه، خلافاً للادعاءات، فإنّ أي إفراط في التقارير الصينية بشأن إنتاج مصايد الأسماك ستكون له انعكاساته على الاستهلاك الحالي للبروتينات وإسقاطات الإمدادات المستقبلية في الصين، نظراً إلى ضعف صادرات الأغذية السمكية الصينية مقارنة مع الإنتاج  (مع أنّ الصين تستورد كميات كبيرة من المساحيق السمكية التي تستخدم في الأعلاف الحيوانية وتربية الأحياء المائية ومع أنّ الصادرات كبيرة من ناحية الأرقام المطلقة وهي على ارتفاع) .

ونظراً إلى استعمال القسم الأكبر من الصيد العالمي في المساحيق السمكية  (30%، يستعمل أقل من ثلثها في أعلاف تربية الأحياء المائية، خلافاً لبعض التقارير الصحفية) ، إلاّ أنّ الكميات المجهولة لكن الكبيرة على الأرجح المستعملة كأعلاف طازجة في تربية الأحياء البحرية  (لا سيما في الصين)  والكمية الكبيرة المرتجعة  (20 مليون طن في السنة تقريباً)  تشكل مخزوناً احتياطياً من الغذاء السمكي للاستهلاك البشري، رغم الغموض السائد بشأن المعدل الفعلي لتغيير وجهة استعمالها الحالية. ولعلّ العامل المقيِّد في المستقبل سيكون القوة الشرائية  (والفقر)  أكثر منه الإمدادات السمكية.

والغريب في الأمر ربما، رغم الوقع البيئي المتزايد لتربية الأحياء المائية والإفراط في الصيد وبالنظر إلى جميع الأخطاء الإحصائية المتعمَّدة أو غير المتعمَّدة، أنّ مساهمة مصايد الأسماك وتربية الأحياء المائية في تحقيق الأمن الغذائي لا تبدو في خطر بالإجمال على المدى المتوسط. ولا يجب بالتالي المزج بين حالة الموارد وحالة الأمن الغذائي. فتردي حالة الموارد مقلق جداً اليوم وكان يجب تصحيحها في العقدين الماضيين. أما مساهمة مصايد الأسماك وتربية الأحياء المائية لتحقيق الأمن الغذائي، فلا تدعو للقلق في الوقت الراهن. إلا أنّ مدى توفر الأمن الغذائي في المستقبل بالنسبة إلى السكان الأفقر في العالم، مُقلق بسبب نمو التجارة الخارجية وارتفاع الأسعار. ومن المشاكل الأخرى، نوعية الأغذية البحرية مستقبلاً بفعل ازدياد التلوث وعدم ملاءمة تقنيات التربية المستعملة. لكن هذه المخاوف لا تزال محصورة، في الوقت الراهن وعلى المدى القريب، ولا نشهدها إلا في حالات متفرّقة  (على المستويين القطري وشبه القطري) ، في بعض نظم الإنتاج وفي بعض المناطق وبالنسبة إلى بعض الشرائح السكانية. وقد حذّرت منظمة الأغذية والزراعة مثلاً في SOFIA 2000  (منظمة الأغذية والزراعة، 2000)  من تراجع الإمدادات الغذائية للفرد في أفريقيا ومن أنها ستستمرّ في التراجع إذا لم تحسّن الدول الأفريقية إدارة مواردها و/أو زيادة إنتاجها من تربية الأحياء المائية.

لكن من المؤكّد أنّ تراجع الصيد البحري على المستوى العالمي كان ليبعث رسالة أشدّ وقعاً على البلدان والرأي العام والمنظمات غير الحكومية مقارنة مع الرسالة التي بعثت بها منظمة الأغذية والزراعة مراراً وتكراراً منذ مطلع التسعينات. ومن الضروري الآن التثبُّت من كمية الانحراف الصيني واتجاهه وخصائصه، إذا وُجد فعلاً. وبالانتظار، كما حصل في SOFIA 2000، ستُعرض تحاليل منظمة الأغذية والزراعة ذات الصلة كتدبير إحترازي لكل من الصين و سائر العالم على حِدة.

3.3 الوقع على السياسات والتخطيط

تتم عادة مراقبة موارد المصايد وإدارتها قطرياً أو إقليمياً  (في إطار أجهزة المصايد الإقليمية مثلاً) . وإذا صحّت الأخطاء الإحصائية، سوف تطال الانعكاسات العملية المباشرة على الاستدامة والأمن الغذائي، بشكل أساسي، موارد الصيد في الصين وبمقدار أقلّ الموارد المشتركة في شمال شرق المحيط الهادئ.

إستندت لجنة مصايد الأسماك التابعة لمنظمة الأغذية والزراعة وغيرها من المنتديات العالمية إلى الإحصائيات العالمية. وقد ساندت هذه البيانات، رغم بعض الخلل فيها، الجهود القطرية لإحداث تغييرات مؤسسية داخل المنظمة ولجنة التنمية المستدامة والجمعية العامة للأمم المتحدة. وقد نتج عنها على المستوى العالمي اتفاق الأمم المتحدة الخاص بالمخزونات السمكية واتفاق منظمة الأغذية والزراعة لتعزيز امتثال السفن ومدوّنة السلوك وخطط العمل الدولية الأربعة التابعة لها. وبرزت جميع هذه الجهود من الاعتراف بمشكلة المصايد على أعلى مستويات الحكم وصناعة الصيد وهي لا تعني بالتأكيد أنّ منظمة الأغذية والزراعة "راضية" عنها. فالقرارات التنفيذية مثلاً بشأن استثمارات القطاع الخاص وتوزيع الإعانات وتطبيق اللامركزية على عملية اتخاذ القرارات وإبرام اتفاقات تسمح لأساطيل الصيد في أعالي البحار بالوصول إلى مناطق الصيد تُتخذ جميعها على المستوى القطري، على ضوء الاعتبارات المحلية بمعزل عن أي صورة عالمية تعكسها منظمة الأغذية والزراعة.

لكن البعض اعتبروا أنّ الصورة التي تعطيها إحصائيات المنظمة قد "تؤثر" على صانعي القرارات. وعلى أمل ألاّ يصحّ هذا كلياً، لا بد لنا أن نتذكر رسائل المنظمة في موازاة تطوّر المصايد  (أُشير إلى السنوات الحاسِمة بين قوسين) :

إنّ هذه الرسائل ما هي إلا عيّنة بسيطة عن رسالة منظمة الأغذية والزراعة العامة عن المصايد. وانطلاقاً منها، أو من قسم منها على الأقلّ، وضعت الدول الأعضاء حيّز التنفيذ اتفاقية قانون البحار الصادرة عام 1982  (1994)  واتفاق الأمم المتحدة الخاص بالمخزونات السمكية  (2001) ؛ وتوصلت إلى اتفاق منظمة الأغذية والزراعة لتعزيز امتثال السفن  (1993)  و ومدوّنة السلوك بشأن الصيد الرشيد  (1995) ; وكيّفت قوانينها القطرية مع هذه الصكوك؛ واعتمدت المقاربة الوقائية وشرعت في تطبيقها؛ وافقت على مبدأ الإدارة الأيكولوجية للمصايد؛ اعتمدت أربع خطط عمل دولية  (لإدارة طاقة الصيد وإدارة مصايد أسماك القرش وخفض صيد طيور البحر العرضي في مصايد الخيوط الطويلة والصيد غير القانوني والذي لا يتم الإبلاغ عنه وغير المنظّم)  وستنظر في إمكانية اعتماد خطة عمل لتحسين المعلومات الخاصة بحالة واتجاهات مصايد الأسماك الطبيعية.

إنّ المعلومات الموضوعية والموثوقة عن حالة واتجاهات المصايد مهمة لمساندة جهود التوصل إلى مصايد مستدامة ودعم تطبيق مدوّنة السلوك. وتتسم التقارير ذات الصلة بأهمية خاصة لإعداد سياسات فعّالة وإدارة المصايد ومراقبة مخزون ومصايد الأسماك من الناحيتين البيولوجية والاقتصادية. وقد عبّرت بعض الأطراف الدولية عن قلقها إزاء طريقة جمع ونشر المعلومات حول الحالة والاتجاهات والتي تشكل الإحصائيات عن المصايد جزءاً كبيراً منها. فأطلقت منظمة الأغذية والزراعة عدة أنشطة لمواجهة الخلل الحاصل في الممارسات الحالية. وستعقد المنظمة في هذا الإطار، عام 2002، مشاورة لتحسين المعلومات بشأن حالة واتجاهات مصايد الأسماك الطبيعية وستستمر في العمل مع البلدان النامية لتعزيز قدراتها في هذا المجال. كما يمكن إعداد خطة عمل دولية لتحسين المعلومات بشأن حالة واتجاهات المصايد.

قد يرى البعض أن هذه الإنجازات لم تحقّق بعد التحسّن المرجو وأنّ الرهان الأبرز الآن هو تعزيز الإرادة والالتزام السياسيين وبناء القدرات وتعبئة الموارد وتحقيق الإنصاف. لكن رغم كل هذه التحديات، يجمع معظم المراقبين على اعتبار ما تحقق حتى الآن في قطاع المصايد إحدى أبرز نتائج مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالبيئة والتنمية. فلا يمكن بالتالي القول إنّ المبالغة في الإحصائيات الصينية قد دفعت الدول الأعضاء في منظمة الأغذية والزراعة إلى اعتماد سياسات خاطئة. وحده المستقبل سيثبت مدى مواءمة نتائج تلك القرارات مع الآمال المعقودة عليها.

استنتاجات

اعتبرت معظم المقالات الصادرة بعد دراسة جامعة كولومبيا البريطانية التي نُشرت في مجلّة Nature، أنّ منظمة الأغذية والزراعة عمدت، من خلال رفع تقرير عن إحصائيات الصيد العالمية الخاطئة التي قدمتها الصين، التي تعتبر من أبرز البلدان التي تعتمد على الصيد في العالم، إلى  (1)  تشويه الصورة العالمية للمصايد؛  (2)  تشويه الآمال المعقودة على مساهمة المصايد في تحقيق الأمن الغذائي؛ و (3)  وجود خطأ في السياسات وتوجيه الاستثمارات والقرارات.

إنّ المعلومات أعلاه والتي هي جزء بسيط مما هو متوفر على موقع المنظمة على شبكة الإنترنت وفي غيرها من المطبوعات، يثبت أن لا أساس لهذه التأكيدات في وسائل الإعلام العالمية. فالرسالة التي بعثتها منظمة الأغذية والزراعة لم تكن يوماً أنّ "فتح مجالات جديدة أبعد حقق التوازن مع استنزاف مجالات الصيد المحلية" وأنّ "المحزونات ثابتة". . بل كان على العكس الإشارة إلى انتشار الصيد المكثّف المفرط من الشمال إلى الجنوب وتحذير الدول الأعضاء باستمرار من النتائج على استدامة نظام الصيد العالمي. وليس صحيحاً أنّ الإحصائيات المشوّهَة أخفت "الوضع الحرج". إذ إنه بدا واضحاً في تحاليل المنظمة وأجمعت عليه الدول الأعضاء كما يظهر في عدد من الصكوك الدولية المبرمة مؤخراً بشأن الصيد. وكان التحذير الصادر عن إحصائيات المنظمة العامل الأساسي الذي أدى إلى هذا التحرك المعياري الدولي الموسّع. وليس صحيحاً أنّ "معظم الأسماك المستزرعة تتغذى من السمك بشكل أساسي"، مع أنها نقطة غير مهمة كثيراً في هذا السياق. وتشكل الأسماك آكلة الأعشاب والرخويات 90% تقريباً من الإنتاج العالمي لتربية الأحياء المائية.

هذا ما يتضح من خلال بعض الاقتباسات التالية من عرض عام قدمته مؤخراً منظمة الأغذية والزراعة في مؤتمر ريكيافيك في شهر أكتوبر/تشرين الأول 2001  (Garcia and De Leiva Moreno, 2001)  "بعد خمسين سنة من التوسّع الجغرافي والتطور التكنولوجي المتسارع وارتفاع المحصول السنوي بشكل ملحوظ، توجد المصايد البحرية الآن على مفترق طرق. ويُعاد النظر الآن في استدامة نظام الصيد الحالي بسبب الاستغلال المفرط أو الكامل أو المكثّف لموارد الصيد". لكن المنظمة لم تركز على أيّ نمو في إنتاج المصايد الطبيعية، بل أشارت على العكس إلى بلوغ الصيد" 80 مليون طنّ في منتصف الثمانينات واستقراره بعد ذلك عند 85 مليون طن تقريباً...بمعدل زيادة سنوية متناقصة حتى الصفر تقريباً في التسعينات، مما يشير عامة إلى بلوغ المحيطات حول العالم طاقة إنتاجها القصوى في ظلّ نظام الصيد الحالي". ويضيف العرض أنّ " النسبة العالمية للمخزونات التي عانت من الصيد المفرط ظلت ترتفع في الربع قرن الماضي، رغم تباطؤ هذه الظاهرة. وتؤكد المعلومات تقديرات منظمة الأغذية والزراعة في مطلع السبعينات التي أفادت أنّ الإمكانات العالمية الكامنة للمصايد البحرية تقدّر بنحو 100 مليون طن تقريباً، لا يمكن اصطياد إلاّ 80 مليون منها فقط لأسباب عملية...ولا بد من تحسين نوعية البيانات عن حالة الموارد وصناعة الصيد لتحسين مراقبة أداء الإدارة وتقييمه. لكن المعلومات المتوافرة حتى الآن تشير إلى ارتفاع نسبة المخزونات التي تعاني من الصيد المفرط وانتشار الصيد المفرط في كل المحيطات في العالم".

في ما يتعلق بالتوقعات بشأن الأمن الغذائي، تنظر منظمة الأغذية والزراعة إلى الغذاء السمكي على اختلاف مصادره، بما في ذلك تربية الأحياء المائية، نظراً إلى واقع إمدادات وأسواق السمك. وقد ذكرت المنظمة أنّه "نظراً إلى ركود الإنتاج الإجمالي للمصايد الطبيعية البحرية، يتوقع حصول انخفاض ملحوظ في إمدادات المصايد الطبيعية البحرية للفرد ما لم تتحسّن إدارة المصايد الطبيعية ويتم تطوير تربية الأحياء المائية لزيادة الإنتاج." وركّزت المنظمة على احتمال تراجع الغذاء للفرد من المصايد الطبيعية في المستقبل.

وتعترف منظمة الأغذية والزراعة أنّ  (1)  الإحصائيات الخاصة بالمصايد وعملية جمعها تحتاج إلى تحسين ملحوظ  (في تربية الأحياء المائية أيضاً) ؛  (2)  التشويهات التي أدخلها منتجون كبار، عمداً أو عن غير قصد، قد تشوّه الأرقام العالمية وتؤثر على الرأي العام؛  (3)  الأرقام العالمية حدّت مع ذلك من استعمالها الفعلي في اتخاذ القرارات القطرية أو المحلية؛  (4)  لا زالت هناك نقاط غامضة كثيرة بشأن مساهمة المصايد مستقبلاً في تحقيق الأمن الغذائي. لكن من المؤكد أنّ تحسّن نوعية البيانات على المدى الطويل لن يتحقق إلا من خلال التعاون مع المؤسسات العلمية والإحصائية القطرية والإقليمية.

كما تؤمن منظمة الأغذية والزراعة بالشفافية وهي فخورة بنظم المعلومات التي يمكن المحللين الوصول إليها بالكامل للإطلاع على البيانات وإعادة معالجتها والتوصل إلى استنتاجاتهم الخاصة واستكمال طاقة المنظمة التحليلية.

ويتعيّن على منظمة الأغذية والزراعة، خلافاً لوسائل الإعلام الشعبية، اعتماد مقاربة متوازنة حيال "الأخبار" لتوفير الإحصائيات والتحاليل وإصدار الإنذارات بالشكل واللغة اللذين تفرضهما عليها مكانتها ومهمتها كمنظمة حكومية دولية. وهي تعتبر، ولو من باب التفاؤل أحياناً، أنّ جميع الأطراف ستقرأها بموضوعية.

قائمة المراجع

Caddy J.F., F. Carocci and S. Coppola  (1998) . Have peak fishery production levels been passed in continental shelf areas? Some perspectives arising from historical trends in production per shelf area. J. Northwest. Atl. Fish. Sci., 23:191-219

Caddy, J.F. and L. Garibaldi  (2000) . Apparent changes in the trophic composition of world marine harvests: the perspective from the FAO capture database. Ocean and Coastal Management, 43 (8-9) : 615-655

Chen, W.  (1999) . Marine resources, their status of exploitation and management in the People’s Republic of China. FAO Fish.Circ.,  (950) :60 p.

FAO  (1994) . World review of highly migratory species and straddling stocks. FAO Fish.Tech.Pap.,  (337) :74 p.

FAO  (1997) . Review of the state of world fishery resources: Marine fisheries. FAO Fisheries Circular,  (920) :173 p.

FAO  (2000) . The state of world fisheries and aquaculture 2000. Rome, FAO, 142 p.

FAO  (2001) . Proceedings of the National Seminar on the System of Food and Agriculture Statistics in China, Beijing, 23-24 September 1999. Volumes I and II. Field Document No. 2/CHN/3 of Project GCP/RAS/171/JPN, Improvement of Agricultural Statistics in Asia and Pacific Countries. Rome, FAO

Garcia S.M. and I. De Leiva Moreno  (2001) . Global overview of marine fisheries. Paper presented at the FAO-Iceland Conference on Responsible Fisheries in the Marine Ecosystem, Reykjavik, 1-4 October 2001

Garcia S.M. and C. Newton  (1997) . Current situation, trends and prospects in worldcapture fisheries. In E.L. Pikitch, D.D. Huppert and M.P. Sissenwine  (eds.)  Global trends: Fisheries management. American Fisheries Society Symposium, 20. Bethesda, Maryland  (USA) , pp. 3-27

Grainger R. J.R. and S.M. Garcia  (1996) . Chronicles of marine fishery landings  (1950-1994) . Trend analysis and fisheries potential. FAO Fish.Tech.Pap.,  (359) :51 p.

Klyashtorin, L.B.  (2001) . Climate change and long-term fluctuations of commercial catches: the possibility of forecasting. FAO Fish.Tech.Pap.,  (410) :86 p.


1 Watson, R. and D. Pauly  (2001) : Systematic distortions in world fisheries catch trends. Nature, 414, 29 November 2001: 534-536
2 The Economist  (2001) : Global fish stocks: Fishy figures. The Economist, December 2001: 99-100