هذا المنشور الرئيسي هو جزء من سلسلة حالة العالم التي تنشرها منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة
الاقتباس المطلوب:
منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (المنظمة) والصندوق الدولي للتنمية الزراعية ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) وبرنامج الأغذية العالمي ومنظمة الصحة العالمية. 2020. حالة الأمن الغذائي والتغذية في العالم 2020. تحويل النظم الغذائية من أجل أنماط غذائية صحيّة ميسورة الكلفة. روما، منظمة الأغذية والزراعة.
https://doi.org/10.4060/ca9692ar
إنّ الأوصاف المستخدمة وطريقة عرض المواد في هذا المنتج الإعلامي لا تعبّر عن أي رأي خاص لمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (المنظمة) أو الصندوق الدولي للتنمية الزراعية أو منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) أو برنامج الأغذية العالمي أو منظمة الصحة العالمية في ما يتعلق بالوضع القانوني أو التنموي لأي بلد أو إقليم أو مدينة أو منطقة، أو في ما يتعلق بسلطاتها أو بتعيين حدودها وتخومها. ولا تعبّر الإشارة إلى شركات محددة أو منتجات بعض المصنّعين، سواء كانت مرخصة أم لا، عن دعم أو توصية من جانب منظمة الأغذية والزراعة أو الصندوق الدولي للتنمية الزراعية أو اليونيسف أو برنامج الأغذية العالمي أو منظمة الصحة العالمية أو تفضيلها على مثيلاتها مما لم يرد ذكره.
ولا تعبّر الأوصاف المستخدمة وطريقة عرض المواد الإعلامية في الخرائط عن أي رأي خاص لمنظمة الأغذية والزراعة أو الصندوق الدولي للتنمية الزراعية أو اليونيسف أو برنامج الأغذية العالمي أو منظمة الصحة العالمية في ما يتعلق بالوضع القانوني أو الدستوري لأي بلد أو إقليم أو مجال بحري، أو في ما يتعلق بتعيين حدود كل منها.
وقد اتخذت منظمة الأغذية والزراعة والصندوق الدولي للتنمية الزراعية واليونيسف وبرنامج الأغذية العالمي ومنظمة الصحة العالمية جميع الاحتياطات المعقولة للتحقق من المعلومات الواردة في هذا المنشور. ومع ذلك، يجري توزيع المواد المنشورة دون ضمان من أي نوع، سواء بشكل صريح أو ضمني. وإنّ مسؤولية تفسير المادة الإعلامية واستخدامها تقع على عاتق القارئ. ومنظمة الأغذية والزراعة والصندوق الدولي للتنمية الزراعية واليونيسف وبرنامج الأغذية العالمي ومنظمة الصحة العالمية ليست مسؤولة، في أي حال من الأحوال، عن الأضرار الناجمة عن استخدامها.
ISSN 2663-8703 (طباعة)
ISSN 2663-8711 (عبر الانترنت)
ISBN 978-92-5-132905-4
© FAO 2020
بعض الحقوق محفوظة. ويتاح هذا العمل بموجب ترخيص المشاع الإبداعي – نسب المصنف - غير التجاري - الترخيص بالمثل 3.0 لفائدة المنظمات الحكومية الدولية (CC BY-NC-SA 3.0 IGO; https://creativecommons.org/licenses/by-nc-sa/3.0/igo).
بموجب أحكام هذا الترخيص، يمكن نسخ هذا العمل، وإعادة توزيعه، وتكييفه لأغراض غير تجارية، بشرط التنويه بمصدر العمل على نحو مناسب. وفي أي استخدام لهذا العمل، لا ينبغي أن يكون هناك أي اقتراح بأن المنظمة تؤيد أي منظمة، أو منتجات، أو خدمات محددة. ولا يسمح باستخدام شعار المنظمة. وإذا تم تكييف العمل، فإنه يجب أن يكون مرخصا بموجب نفس ترخيص المشاع الإبداعي أو ما يعادله. وإذا تم إنشاء ترجمة لهذا العمل، فيجب أن تتضمن بيان إخلاء المسؤولية التالي بالإضافة إلى التنويه المطلوب: ”لم يتم إنشاء هذه الترجمة من قبل منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة. والمنظمة ليست مسؤولة عن محتوى أو دقة هذه الترجمة. وسوف تكون الطبعة الإنجليزية الأصلية هي الطبعة المعتمدة.“
وتجرى أي وساطة تتعلق بالنزاعات الناشئة بموجب الترخيص وفقا لقواعد التحكيم للجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي المعمول بها في الوقت الحاضر.
مواد الطرف الثالث. يتحمل المستخدمون الراغبون في إعادة استخدام مواد من هذا العمل المنسوب إلى طرف ثالث، مثل الجداول، والأشكال، والصور، مسؤولية تحديد ما إذا كان يلزم الحصول على إذن لإعادة الاستخدام والحصول على إذن من صاحب حقوق التأليف والنشر. وتقع تبعة المطالبات الناشئة عن التعدي على أي مكون مملوك لطرف ثالث في العمل على عاتق المستخدم وحده.
المبيعات، والحقوق، والترخيص. يمكن الاطلاع على منتجات المنظمة الإعلامية على الموقع الشبكي للمنظمة (www.fao.org/publications) ويمكن شراؤها من خلال [email protected]. وينبغي تقديم طلبات الاستخدام التجاري عن طريق: www.fao.org/contact-us/licence-request. وينبغي تقديم الاستفسارات المتعلقة بالحقوق والترخيص إلى: .[email protected]
صورة الغلاف: ©Mint Images
تايلاند. سوق عائم على قناة في بانكوك، حيث القوارب المحلية محملة بالأغذية الطازجة.
تقوم البلدان بمراجعة إحصاءاتها الرسمية بانتظام بالنسبة إلى الفترات الماضية وكذلك بالنسبة إلى أحدث الفترات التي يُفاد عنها. وينطبق الأمر ذاته على الإحصاءات الواردة في هذا التقرير. وفي كل مرة يحدث فيها ذلك، تتم مراجعة التقديرات على هذا الأساس. لذلك، يُرجى من المستخدمين العودة إلى التغييرات في التقديرات مع مرور الوقت فقط في إطار الطبعة عينها من تقرير حالة الأمن الغذائي والتغذية في العالم والامتناع عن مقارنة البيانات الصادرة في مطبوعات تعود لسنوات مختلفة.
تتّبع هذه الطبعة تكوين الأقاليم الجغرافية كما عرضته شعبة الإحصاءات التابعة لأمانة الأمم المتحدة وذلك لاستخدامها بشكل أساسي في مطبوعاتها وقواعد بياناتها (https://unstats.un.org/unsd/methodology/m49). وإن تخصيص البلدان أو المناطق لمجموعات محدّدة هو لتسهيل الإحصاءات، ولا يعني أي افتراض من جانب الأمم المتحدة بشأن الانتماء السياسي أو أي انتماء آخر للبلدان أو المناطق. ويرجى الرجوع إلى القائمة إلى اليمين للاطلاع على التركيبة القطرية لكل إقليم كما ترد في جداول الملحق 1 وفي الجداول من 1 إلى 4 في القسم 1-1.
ولم تجرِ الإفادة عن البلدان والمناطق والأراضي التي لا تتوفر لها بيانات كافية أو التي تكون البيانات بشأنها غير موثوقة لإجراء التقييم، كما أنه لم يتم إدراجها في البيانات المجمعة. وعلى وجه التحديد:
◂ أفريقيا الشمالية: بالإضافة إلى البلدان/الأراضي المدرجة في الجدول، يشمل معدل انتشار النقص التغذوي وانعدام الأمن الغذائي القائم على مقياس المعاناة من انعدام الأمن الغذائي تقديراتٍ خاصة بالصحراء الغربية. وتُستثنى الصحراء الغربية من تقديرات الهزال والتقزّم والوزن الزائد في مرحلة الطفولة، وانخفاض الوزن عند الولادة، والسمنة لدى البالغين والرضاعة الطبيعية الخالصة وفقر الدم.
◂ أفريقيا الشرقية: في ما يتعلق بتصنيف M49، تُستثنى أراضي المحيط الهندي البريطاني، والأراضي الفرنسية الجنوبية والقطبية، ومايوت وريونيون.
◂ أفريقيا الغربية: في ما يتعلق بتصنيف M49، تُستثنى سانت هيلانة.
◂ آسيا وآسيا الشرقية: في ما يتعلق بتصنيف M49، يُستثنى اليابان من البيانات المجمعة الخاصة بانخفاض الوزن عند الولادة، والهزال والتقزم والوزن الزائد في مرحلة الطفولة.
◂ البحر الكاريبي: في ما يتعلق بتصنيف M49، تُستثنى أنغويلا، وأَروبا، وبونير، وسانت أوستاتيوس وسابا، وجزر فيرجين البريطانية، وجزر كايمان، وكوراساو، وغوادلوب، ومارتينيك، ومونتسيرات، وسانت بارتيليمي، وسانت مارتن (الجزء الفرنسي)، وسانت مارتن (الجزء الهولندي)، وجزر تركس وكايكوس، وجزر فرجين التابعة للولايات المتحدة. وبالإضافة إلى ذلك، تستثني تقديرات فقر الدم سانت كيتس ونيفيس. وتُستثنى بورتوريكو من بيانات السمنة لدى البالغين والهزال والتقزم والوزن الزائد في مرحلة الطفولة، وانخفاض الوزن عند الولادة والرضاعة الطبيعية الخالصة.
◂ أمريكا الجنوبية: ما يتعلق بتصنيف M49، تُستثنى جزيرة بوفيت، وجزر فوكلاند (مالفيناس)، وغيانا الفرنسية، وجورجيا الجنوبية، وجزر ساندويتش الجنوبية.
◂ أستراليا ونيوزيلندا: في ما يتعلق بتصنيف M49، تُستثنى جزيرة كريسماس، وجزر كوكوس (كيلينغ)، وجزيرة هيرد، وجزر ماك دونالد، وجزيرة نورفولك.
◂ ميلانيزيا: في ما يتعلق بتصنيف M49، تستثني تقديرات فقر الدم، والهزال والتقزم والوزن الزائد في مرحلة الطفولة، وانخفاض الوزن عند الولادة والرضاعة الطبيعية الخالصة كاليدونيا الجديدة.
◂ ميكرونيزيا: في ما يتعلق بتصنيف M49، تُستثنى غوام، وجزر ماريانا الشمالية، والجزر الصغرى النائية التابعة للولايات المتحدة من تقديرات السمنة لدى البالغين، وفقر الدم، والهزال والتقزم والوزن الزائد في مرحلة الطفولة، وانخفاض الوزن عند الولادة والرضاعة الطبيعية الخالصة. وبالإضافة إلى ذلك، تستثني تقديرات فقر الدم ناورو وبالاو.
◂ بولينيزيا: في ما يتعلق بتصنيف M49، تُستثنى جزر بيتكيرن وجزر واليس وجزر فوتونا. وتستثني التقديرات بشأن السمنة لدى البالغين، والهزال والتقزم والوزن الزائد في مرحلة الطفولة، وانخفاض الوزن عند الولادة والرضاعة الطبيعية الخالصة ساموا الأمريكية، وبولينيزيا الفرنسية وتوكيلاو (عضو منتسب). وبالإضافة إلى ذلك، تستثني البيانات المجمعة بشأن فقر الدم جزر كوك، ونيوي، وتوفالو.
◂ أمريكا الشمالية: في ما يتعلق بتصنيف M49، تُستثنى سانت بيير وميكلون. كما تستثني البيانات المجمعة بشأن السمنة لدى البالغين، وفقر الدم، وانخفاض الوزن عند الولادة والرضاعة الطبيعية الخالصة بيرمودا وغرينلاند. وتستند البيانات المجمعة بشأن الهزال والتقزم إلى بيانات الولايات المتحدة الأمريكية فقط.
◂ أوروبا الشمالية: في ما يتعلق بتصنيف M49، تُستثنى جزر أولاند، وجزر القنال، وجزر فارو (عضو منتسب)، وجزيرة مان، وجزر سفالبارد وجان مايين.
◂ أوروبا الجنوبية: في ما يتعلق بتصنيف M49، يستثنى جبل طارق والكرسي الرسولي وسان مارينو. إنما تشمل تقديرات انخفاض الوزن عند الولادة سان مارينو.
◂ أوروبا الغربية: ففي ما يتعلق بتصنيف M49، تُستثنى ليختنشتاين وموناكو. إنما تشمل تقديرات انخفاض الوزن عند الولادة موناكو.
تشمل مجموعات البلدان الأقل نموًا، والبلدان النامية غير الساحلية، والدول الجزرية الصغيرة النامية، البلدان على النحو الذي قدمته شعبة الإحصاءات في الأمم المتحدة (https://unstats.un.org/unsd/methodology/m49).
◂ الدول الجزرية الصغيرة النامية: تستثني التقديرات بشأن الهزال والتقزم والوزن الزائد في مرحلة الطفولة، والسمنة لدى البالغين والرضاعة الطبيعية الخالصة وانخفاض الوزن عند الولادة ساموا الأمريكية، وبولينيزيا الفرنسية، وبورتوريكو، وأنغويلا، وأَروبا، وبونير، وسانت أوستاتيوس وسابا، وجزر فرجين البريطانية، وكوراساو، وغوام، ومونتسيرات، وكاليدونيا الجديدة، وجزر ماريانا الشمالية، وسانت مارتن (الجزء الهولندي)، وجزر فرجين التابعة للولايات المتحدة الأمريكية. إضافةً إلى ذلك، تستثني التقديرات بشأن فقر الدم جزر كوك، وناورو، ونيوي، وبالاو، وسانت كيتس ونيفيس، وتوفالو.
وتشمل البلدان المرتفعة الدخل والمتوسطة الدخل من الشريحتين العليا والدنيا والمنخفضة الدخل، البلدان على النحو الذي يعرضه تصنيف البنك الدولي للفترة المالية 2019-2020 (https://datahelpdesk.worldbank.org/knowledgebase/articles/906519). وقد استُخدم تصنيف البنك الدولي للفترة المالية 2017-2018 في البيانات بشأن فقر الدم لدى النساء وانخفاض الوزن عند الولادة.
بلدان العجز الغذائي المنخفضة الدخل: إثيوبيا، وإريتريا، وأفغانستان، وأوزبكستان، وأوغندا، وبنغلاديش، وبنن، وبوركينا فاسو، وبوروندي، وتشاد، وتوغو، وجزر القمر، وجزر سليمان، وجمهورية أفريقيا الوسطى، والجمهورية العربية السورية، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، جمهورية تنزانيا المتحدة، وجمهورية كوريا الشعبية الديمقراطية، وجنوب السودان، ورواندا، وزمبابوي، وسان تومي وبرنسيبي، والسنغال، والسودان، وسيراليون، والصومال، وطاجيكستان، وغامبيا، وغانا، وغينيا – بيساو، وغينيا، وفييت نام، وقيرغيزستان، والكاميرون، وكوت ديفوار، والكونغو، وكينيا، وليبيريا، وليسوتو، ومالي، ومدغشقر، وملاوي، وموريتانيا، وموزامبيق، ونيبال، والنيجر، ونيكاراغوا، وهايتي، والهند، وجيبوتي، واليمن.
أفريقيا الشمالية: الجزائر، وجمهورية مصر العربية، وليبيا، والمغرب، والسودان، والصحراء الغربية، وتونس.
أفريقيا الشرقية: أوغندا، وإريتريا، وإثيوبيا، وبوروندي، وجزر القمر، وجيبوتي، وجمهورية تنزانيا المتحدة، وجنوب السودان، وزامبيا، وزمبابوي، كينيا، ومدغشقر، وموريشيوس، وموزامبيق، وملاوي، وسيشيل، والصومال، ورواندا.
أفريقيا الوسطى: أنغولا، وجمهورية أفريقيا الوسطى، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، والكاميرون، والكونغو، وسان تومي وبرنسيبي، وتشاد، وغابون، وغينيا الاستوائية.
أفريقيا الجنوبية: إسواتيني، وبوتسوانا، وجنوب أفريقيا، وليسوتو، وناميبيا.
أفريقيا الغربية: بوركينا فاسو، وبنن، وكابو فيردي، وكوت ديفوار، وليبيريا، ومالي، وموريتانيا، ونيجيريا، والنيجر، وسيراليون، والسنغال، وتوغو، وغامبيا، وغانا، وغينيا، وغينيا-بيساو.
آسيا الوسطى: أوزبكستان، وطاجيكستان، وكازاخستان، وتركمانستان، وقيرغيزستان.
آسيا الشرقية: جمهورية كوريا، وجمهورية كوريا الشعبية الديمقراطية، واليابان، ومنغوليا، والصين.
جنوب شرق آسيا: إندونيسيا، وبروني دار السلام، وجمهورية لاو الديمقراطية الشعبية، وكمبوديا، وماليزيا، وميانمار، وسنغافورة، وفيت نام، والفلبين، وتايلند، وتيمور ليشتي.
آسيا الجنوبية: أفغانستان، وباكستان، وبوتان، وبنغلاديش، وجمهورية إيران الإسلامية، والهند، وملديف، ونيبال، وسري لانكا.
آسيا الغربية: أرمينيا، وأذربيجان، والبحرين، وجورجيا، والجمهورية العربية السورية، واليمن، والكويت، ولبنان، والمملكة العربية السعودية، وعمان، والعراق، وفلسطين، وقبرص، وقطر، وتركيا.
البحر الكاريبي: انتيغوا وباربودا، وبورتوريكو، وبربادوس، وجامايكا، وجزر البهاما، وجزر غرينادين وترينيداد وتوباغو، والجمهورية الدومينيكية، ودومينيكا، وهايتي، وكوبا، وسانت كيتس ونيفيس، وسانت لوسيا، وسانت فنسنت غرينادا.
أمريكا الوسطى: بليز، وبنما، وهندوراس، وكوستاريكا، والمكسيك، ونيكاراغوا، وغواتيمالا.
أمريكا الجنوبية: أوروغواي، وإكوادور، والأرجنتن، وباراغواي، ودولة بوليفيا المتعددة القوميات، وبيرو، والبرازيل، وجمهورية فنزويلا البوليفارية، وكولومبيا، وسورينام، وشيلي، وغيانا.
أستراليا ونيوزيلندا: أستراليا، ونيوزيلندا.
ميلانيزيا: بابوا غينيا الجديدة، وجزر سليمان، وكاليدونيا الجديدة، وفانواتو، وفيجي.
ميكرونيزيا: بالاو، وجزر مارشال، وولايات ميكرونيزيا الموحدة، وكيريباس، وناورو.
بولينيزيا: بولينيزيا الفرنسية، وجرز كوك، ونيوي، وساموا الأمريكية، وساموا، توكيلاو، وتونغا، وتوفالو.
أمريكا الشمالية: برمودا، والولايات المتحدة الأمريكية، وكندا، وغرينلاند.
أوروبا الشرقية: أوكرانيا، والاتحاد الروسي، وبولندا، وبيلاروس، وبلغاريا، وجمهورية مولدوفا، وهنغاريا، وسلوفاكيا، ورومانيا، وتشيكيا.
أوروبا الشمالية: آيرلندا، وآيسلندا، وإستونيا، والدانمرك، ولاتفيا، وليتوانيا، والمملكة المتحدة لبريطانيا العظمى وأيرلندا الشمالية، والنرويج، والسويد، وفنلندا.
أوروبا الجنوبية: إيطاليا، وألبانيا، وأندورا، وإسبانيا،و البوسنة والهرسك، والبرتغال، والجبل والأسود، واليونان، وكرواتيا، ومالطا، ومقدونيا الشمالية، وسلوفينيا، وصربيا.
أوروبا الغربية: ألمانيا، وبلجيكا، وهولندا، ولوكسمبورغ، والنمسا، وسويسرا، وفرنسا.
بعد مضي خمس سنوات على الالتزام العالمي بوضع حد للجوع وانعدام الأمن الغذائي وجميع أشكال سوء التغذية، ما زلنا خارج المسار الصحيح لبلوغ هذا الهدف بحلول عام 2030. وتشير البيانات إلى أنّ العالم لا يحرز تقدمًا لا باتجاه المقصد 1 من الهدف 2 من أهداف التنمية المستدامة المتمثل في ضمان الحصول على أغذية آمنة ومغذية وكافية للجميع على مدار السنة ولا باتجاه المقصد 2 منه المتمثل في استئصال جميع أشكال سوء التغذية.
وثمة عديد من التهديدات المحدقة بهذا التقدم. وكشف التقرير في إصداريْه لعامي 2017 و2018 عن أن النزاعات والتقلبات المناخية والأحوال المتطرّفة تقوّض الجهود المبذولة في سبيل القضاء على الجوع وانعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية. وفي عام 2019، أظهر التقرير أنّ حالات التباطؤ والانكماش الاقتصادي قد أطاحت بهذه الجهود. وفي عام 2020، ألقت جائحة كوفيد19- وحالات تفشي الجراد الصحراوي غير المسبوقة في أفريقيا الشرقية بظلالها على التوقعات الاقتصادية بطرق لم يكن أحد يتوقعها وهذا الوضع مرشح للتفاقم ما لم نتحرك على وجه السرعة ونتخذ إجراءات غير مسبوقة.
وتشير آخر التقديرات لعام 2019 إلى أنه قبل جائحة كوفيد19-، كان نحو 690 مليون شخص، أي ما يعادل 8.9 في المائة من سكان العالم، يعانون النقص التغذوي. وتستند هذه التقديرات إلى بيانات جديدة عن السكان وإمدادات الأغذية والأهم من ذلك، إلى بيانات جديدة منبثقة عن دراسة استقصائية للأسر أمكن من خلالها مراجعة البيانات الخاصة بعدم المساواة في استهلاك الأغذية بالنسبة إلى 13 بلدًا، من ضمنها الصين. وأدت مراجعة التقديرات الخاصة بالنقص التغذوي في الصين بالعودة إلى سنة 2000 إلى عدد أقل بكثير من الذين يعانون من النقص التغذوي على صعيد العالم ككلّ. ذلك أنّ الصين تضمّ خُمس سكان العالم. ومع ذلك، لا يزال الاتجاه الذي أفادت عنه الإصدارات السابقة من هذا التقرير قائمًا وهو ارتفاع بطيء في عدد الجياع في العالم منذ سنة 2014. واتضح من خلال التقديرات الجديدة لعام 2019 أنّ الجوع قد طال 60 مليون شخص إضافي منذ سنة 2014. وإذا ما استمرّ هذا الاتجاه على حاله، من المتوقع أن يتخطى عدد الذين يعانون من النقص التغذوي 840 مليون نسمة بحلول عام 2030. لهذه الأسباب، فإنّ العالم لا يمضي في المسار السليم نحو تحقيق القضاء التام على الجوع حتى بمعزل عن التأثيرات السلبية المحتملة لجائحة كوفيد19- على الجوع. وتفيد الإسقاطات الأولية المستندة إلى آخر التوقعات العالمية المتاحة والمعروضة أيضًا في هذا التقرير بأنّ جائحة كوفيد19- قد تؤدي إلى التحاق 83 إلى 132 مليون نسمة بصفوف الذين يعانون من النقص التغذوي في عام 2020.
وبالنظر إلى أبعد من مسألة الجوع، اضطر عدد متزايد من الأشخاص إلى خفض كمية الأغذية التي يتناولونها وجودتها. وقد عانى مليارا (2) نسمة أو ما يعادل 25.9 في المائة من سكان العالم من الجوع أو لم يحصلوا بشكل منتظم على أغذية مغذية وكافية في عام 2019. وقد يتفاقم هذا الوضع ما لم نتحرك على وجه السرعة وبشجاعة.
وتساهم اتجاهات الأمن الغذائي هذه في زيادة خطر سوء التغذية لدى الأطفال ذلك أنّ انعدام الأمن الغذائي يؤثر في نوعية النمط الغذائي، بما في ذلك نوعية الأنماط الغذائية للأطفال والنساء، وفي صحة الإنسان بطرق مختلفة. وعليه، ومهما كان تقبّل هذا الواقع صعبًا، لا عجب في أن يبقى عبء سوء تغذية الأطفال تهديدًا محدقًا بالعالم: ففي عام 2019 كانت نسبة 21.3 في المائة (144.0 مليونًا) من الأطفال دون الخامسة من العمر تعاني من التقزّم و6.9 في المائة (47.0 مليونًا) من الهزال و5.6 في المائة (38.3 ملايين) من الوزن الزائد، في حين أنّ ما لا يقلّ عن 340 مليون طفل كانوا يعانون من نقص في المغذيات الدقيقة. ولعلّ الخبر السار هو أنّ معدل انتشار تقزم الأطفال في العالم قد تراجع بمعدل الثلث بين عامي 2000 و2019. غير أنّ العالم ليس على المسار الصحيح لبلوغ المقاصد العالمية الخاصة بالتغذية، بما في ذلك تلك المتعلقة بالهزال والتقزم والوزن الزائد لدى الأطفال بحلول عام 2030. فضلاً عن كون السمنة لدى البالغين تشهد ارتفاعًا في الأقاليم كافة. وإنّ إسقاطات عام 2030، حتى من دون النظر إلى احتمال حدوث ركود اقتصادي عالمي، تدق ناقوس الخطر وتنذر مجددًا بأنّ الجهود المبذولة حاليًا غير كافية على الإطلاق لوضع حد لسوء التغذية خلال العقد القادم.
وما زال النجاح في متناولنا لكن فقط إذا عملنا على ضمان حصول الجميع ليس على الأغذية فحسب بل على أغذية مغذية تشكل قوام النمط الغذائي الصحي. وقد أرادت الوكالات الخمس مجتمعة من خلال هذا التقرير توجيه رسالة حازمة: إنّ السبب الرئيسي لمعاناة ملايين الأشخاص في مختلف أنحاء العالم من الجوع وانعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية إنما هو عدم قدرتهم على تكبّد كلفة أنماط غذائية صحية. فالأنماط الغذائية الصحية المكلفة وغير الميسورة الثمن ترتبط بازدياد انعدام الأمن الغذائي وجميع أشكال سوء التغذية، بما في ذلك التقزم والهزال والوزن الزائد والسمنة. وتعني الاختلالات في الإمدادات الغذائية والافتقار إلى الدخل بسبب فقدان سبل العيش والتحويلات النقدية نتيجة جائحة كوفيد19- أنّ الأسر حول العالم تواجه صعوبات متنامية من أجل الحصول على أغذية مغذية وتجعل من الصعب بقدر أكبر بالنسبة إلى الشرائح السكانية الأشدّ فقرًا وضعفًا اتباع أنماط غذائية صحية.
لكن من غير المقبول، في عالم ينتج ما يكفي من غذاء لإطعام سكانه أجمعين، أن يعجر أكثر من 1.5 مليارات نسمة عن تحمل كلفة نمط غذائي يلبي المستويات اللازمة من المغذيات الأساسية في حين أنّ أكثر من 3 مليارات نسمة عاجزون حتى عن تأمين أزهد الأنماط الغذائية الصحية. ويتوزّع الأشخاص الذين يفتقرون إلى نمط غذائي صحي في مختلف أقاليم العالم مما يعني أننا نواجه مشكلة عالمية تعنينا جميعًا.
وتولّد كذلك الأنماط الحالية لاستهلاك الأغذية ما يطلق عليه تقرير هذا العام تسمية "التكاليف المستترة" ويقصد بها التكاليف الصحية (الهدف 3 من أهداف التنمية المستدامة) وتكاليف تغير المناخ (الهدف 13 من أهداف التنمية المستدامة). وإذا ما استمرت الأنماط الحالية لاستهلاك الأغذية على حالها، من المتوقع أن تتخطى التكاليف الصحية المرتبطة بالنمط الغذائي والمتصلة بمعدل الوفيات والأمراض غير المعدية المتصلة بالنمط الغذائي 1.3 ترليون دولار أمريكي في السنة بحلول عام 2030. ومن المتوقع أن تتعدى التكاليف الاجتماعية المرتبطة بالنمط الغذائي نتيجة غازات الدفيئة والمتصلة بالأنماط الغذائية الحالية 1.7 ترليون دولار أمريكي في السنة بحلول عام 2030. وهاتان الكلفتان المستترتان كلتاهما لا تفيان بالتقديرات الفعلية. فالتكاليف البيئية لا تراعي التأثيرات البيئية السلبية الأخرى في حين أنّ التكاليف الصحية لا تأخذ في الحسبان التأثيرات السلبية لنقص التغذية بسبب القيود الناجمة عن البيانات. وفي ضوء هذه الأدلة، من الواضح أنّ اتباع أنماط غذائية صحية تراعي اعتبارات الاستدامة من شأنه أن يخفض بشكل ملحوظ التكاليف المستترة وأن يولّد أوجه تآزر ملحوظة مع أهداف التنمية المستدامة الأخرى.
ولا بد لنا من النظر على امتداد النظام الغذائي في كيفية معالجة العوامل التي تؤدي إلى رفع كلفة الأغذية المغذية. ويعني هذا دعم منتجي الأغذية – لا سيما صغار المنتجين – من أجل إيصال أغذية مغذية إلى الأسواق بكلفة منخفضة والحرص على نفاذ هؤلاء الأشخاص إلى أسواق الأغذية تلك وجعل أداء سلاسل الإمدادات الغذائية مجدية للفئات الضعيفة – انطلاقًا من صغار المنتجين وصولاً إلى مليارات المستهلكين الذين لا يكفي دخلهم لتحمل كلفة أنماط غذائية صحية.
ومن الواضح إذًا أننا أمام تحدي تحويل النظم الغذائية بما يكفل عدم فرض قيود على أي أحد بسبب ارتفاع أسعار الأغذية المغذية أو الافتقار إلى الدخل اللازم لتحمل كلفة نمط غذائي صحي، بموازاة الحرص على مساهمة الإنتاج الغذائي واستهلاك الأغذية في الاستدامة البيئية. لكن ليس من حلّ سحري يناسب جميع البلدان وسوف يتعين على واضعي السياسات تقييم الحواجز الخاصة بكل سياق وإدارة المقايضات وتعظيم أوجه التآزر – من قبيل المكاسب البيئية المحتملة – من أجل تحقيق عمليات التحوّل المطلوبة.
وإننا على أتمّ الثقة من أنّ توصيات هذا التقرير، عند تصويبها بما يناسب سياق كل بلد من البلدان، سوف تساعد الحكومات على خفض كلفة الأغذية المغذية وستجعل الأنماط الغذائية الصحية ميسورة الكلفة للجميع وستمكّن الفئات الضعيفة العاملة في النظم الغذائية من كسب دخل لائق بما يعزز أمنها الغذائي. وسيكون هذا منطلقًا لتحويل النظم الغذائية القائمة حاليًا بما يجعلها قادرة على الصمود ومستدامة. ويجب أن تشمل مجالات التركيز على مستوى السياسات إعادة التوازن بين السياسات الزراعية والحوافز الزراعية وصولاً إلى استثمارات مراعية للتغذية؛ واتخاذ إجراءات على مستوى السياسات على امتداد سلاسل الإمدادات الغذائية مع التركيز على أغذية مغذية من أجل أنماط غذائية صحية من أجل خفض الفواقد الغذائية وخلق فرص لصغار المنتجين الضعفاء ولغيرهم من العاملين في النظم الغذائية وتعزيز أوجه الكفاءة. وستكون كذلك سياسات الحماية الاجتماعية المراعية للتغذية أساسية لزيادة القدرة الشرائية والقدرة على تحمل كلفة الأنماط الغذائية الصحية من جانب الفئات السكانية الأضعف. وينبغي أيضًا تشجيع قيام بيئة مشجعة من خلال سياسات تحسّن، بشكل عام، الجودة التغذوية للأغذية التي يتم إنتاجها وإتاحتها في الأسواق ودعم عملية تسويق أغذية مغذية ومتنوعة وتوفير التثقيف والمعلومات للتشجيع على تغيير السلوك الفردي والاجتماعي نحو أنماط غذائية صحية.
وتتماشى هذه التوصيات على مستوى السياسات مع التوصيات الرئيسية المنبثقة عن عقد الأمم المتحدة للعمل من أجل التغذية، 2016–2025. وفي اعتقادنا أنّ ما يتضمنه هذا التقرير من تحليل وتوصيات على مستوى السياسات سوف يساعد أيضًا في وضع جدول أعمال مؤتمر القمة الأول للأمم المتحدة بشأن النظم الغذائية الذي من المقرر عقده خلال سنة 2021 والذي سيسعى إلى تحقيق هدف شامل يتمثل في مساعدة أصحاب المصلحة على تكوين فهم أفضل للخيارات التي تؤثر في مستقبل النظم الغذائية وإدارتها على نحو أفضل، بالإضافة إلى ضرورة تحويلها لإحراز تقدم سريع وملحوظ باتجاه تحقيق أهداف التنمية المستدامة بحلول عام 2030.
وإنّ وكالاتنا ملتزمة التزامًا راسخًا بدعم عملية التحوّل هذه لجعل الأنماط الغذائية الصحية ميسورة الكلفة للجميع والمساهمة في القضاء على الجوع وانعدام الأمن الغذائي وجميع أشكال سوء التغذية لدى الأطفال والبالغين على السواء. وسوف تضمن جهودنا حدوث هذا التحول على نحو مستدام، للأشخاص ولكوكبنا، وخلق أوجه تآزر لدفع عجلة التقدم بالنسبة إلى سائر أهداف التنمية المستدامة الأخرى.
Henrietta H. Fore |
Gilbert F. Houngbo |
شو دونيو |
Tedros Adhanom Ghebreyesus |
David Beasley |
1 معدل انتشار النقص التغذوي في العالم في الفترة 2019−2005
2 عدد الذين يعانون من النقص التغذوي في العالم في الفترة 2019−2005
5 أهداف التغذية العالمية التي أقرتها جمعية الصحة العالمية وتمديدها إلى عام 2030
9 أكثر من 3 مليارات شخص في العالم لم يكن بوسعهم تحمّل كلفة نمط غذائي صحي في عام 2017
13 معاقبة الإنتاج الزراعي في البلدان المنخفضة الدخل ودعمه في البلدان المتوسطة والمرتفعة الدخل (2016−2005)
14 أكثر ما تدعمه الحكومات على نطاق العالم إنتاج السكر والأرز والمنتجات الحيوانية من خلال التدخلات، بينما تضر بإنتاج الفاكهة والخضار الغنية بالمغذيات (2016−2005)
ألف2-2 مصادر البيانات المستخدمة لتقييم الأنماط الغذائية: مواطن قوتها وضعفها في ما خص التقييم العالمي
ألف2-3 تصنيفات المجموعات الغذائية المستخدمة في التحليل
ألف3-1 قيم المتناول من المغذيات لامرأة مرجعية تبلغ 30 سنةً من العمر
ألفألف5-1 تقديرات متوسط المرونة السعرية لكل من المجموعات الغذائية
12 أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى هي الإقليم الفرعي الوحيد الذي يزداد فيه عدد الأطفال المصابين بالتقزم
14 انتشار التقزم أعلى في المناطق الريفية وفي أفقر الأسر
16 الطرق المختلفة لتطبيق مبادئ الأنماط الغذائية الصحية: أمثلة من ثلاثة بلدان
21 مستوى التنوع الغذائي أفضل بين أطفال أسر المناطق الحضرية والعائلات الميسورة
28 النمط الغذائي الصحي غير ميسور الكلفة للفقراء في كل إقليم من أقاليم العالم في عام 2017
1 المعلومات المحدثة عن الصين تحسّن دقة التقديرات العالمية للجوع
2 السلسلة المراجعة لتقديرات معدل انتشار النقص التغذوي والتوقعات حتى عام 2030
3 كيف يمكن أن تؤثر جائحة كوفيد19- على الجوع في العالم
4 تأثير جائحة كوفيد19- على سوء التغذية
5 المبادئ التوجيهية للأنماط الغذائية الصحية
8 الحد الأدنى للتنوع الغذائي للنساء: أدلة من ثلاثة بلدان
10 وصف الأنماط الغذائية الثلاثة المستخدمةفي تحليل التكاليف والقدرة على تحمّلها
11 حساب أدنى كلفة للأنماط الغذائية الثلاثة المستخدمة في تحليل التكاليف والقدرة علىتحمّلها
12 حساب القدرة على تحمّل كلفة الأنماط الغذائية المرجعية الثلاثة
14 تقدير التكاليف الصحية والمرتبطة بتغيّر المناخ: البيانات والأساليب الأساسية
24 تحرير التجارة يُساعد على خفض كلفة الأغذية الملائمة من حيث المغذّيات في أمريكا الوسطى
تولت شعبة اقتصاديات التنمية الزراعية إعداد تقرير حالة الأمن الغذائي في العالم 2020 بالتعاون مع شعبة الإحصاء التابعة إلى إدارة التنمية الاقتصادية والاجتماعية ومع فريق من الخبراء الفنيين من منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة والصندوق الدولي للتنمية الزراعية ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة وبرنامج الأغذية العالمي ومنظمة الصحة العالمية.
واسترشدت عملية إعداد التقرير بفريق استشاري رفيع المستوى يضمّ كبار المدراء المعَيّنين من شركاء النشر الخمسة في الأمم المتحدة. وقرّر هذا الفريق، بقيادة منظمة الأغذية والزراعة، الخطوط العريضة للتقرير وحدد تركيزه المواضيعي. كما أنّه أشرف على فريق الصياغة الفنّي المؤلّف من خبراء من كلّ من الوكالات الخمس المشاركة في النشر. وأُعدّت وثائق معلومات أساسية فنية للاستناد إليها في البحوث وتحليل البيانات التي اضطلع بها أعضاء فريق الصياغة.
وأصدر فريق التحرير عددًا من النتائج المؤقّتة، بما في ذلك مخطط تفصيلي ومسودة أوّلية ومسودة نهائية للتقرير. وقام فريق استشاري رفيع المستوى باستعراض مسودات التقرير والتحقق من صحتها والموافقة على إصدارها في كلّ مرحلة من مراحل عملية الإعداد. وقد خضع التقرير النهائي لمراجعة تقنية دقيقة من جانب الإدارة العليا والخبراء الفنيّين من مختلف الشعب والإدارات داخل كل وكالة من الوكالات الخمس للأمم المتحدة، سواء أكان ذلك في المقارّ الرئيسية أو المكاتب الميدانية. وأخيرًا، خضع التقرير لاستعراض تنفيذي وتم إقراره من قبل رؤساء الوكالات الخمس المشاركة في النشر.
شارك في إعداد تقرير حالة الأمن الغذائي والتغذية في العالم 2020 كل من منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (المنظمة) والصندوق الدولي للتنمية الزراعية ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) وبرنامج الأغذية العالمي ومنظمة الصحة العالمية.
وتولّى Marco V. Sánchez Cantillo، و José Rosero Moncayoإدارة المطبوع بتوجيه عام من Maximo Torero Cullen وبالتنسيق العام مع محررة المطبوع Cindy Holleman، وجميعهم من إدارة التنمية الاقتصادية والاجتماعية في المنظمة. وقادت عملية إعداد التقرير لجنة توجيهية مؤلفة من ممثلين عن الوكالات الخمس المشاركة في النشر. وهم: Marco V. Sánchez Cantillo (الرئيس)، و Sara Savastano (الصندوق الدولي للتنمية الزراعية)، و Victor Aguayo (اليونيسيف)، وعارف حسين (برنامج الأغذية العالمي)، و Francesco Branca (منظمة الصحة العالمية). وساهم كل من Alessandra Garbero و Tisorn Songsermsawas (الصندوق الدولي للتنمية الزراعية)، وChika Hayashi، و Roland Kupka (اليونيسيف)، و Yvonne Forsén (برنامج الأغذية العالمي)، و Marzella Wüstefeld (منظمة الصحة العالمية) في التنسيق وقدموا الدعم الفني. وقدم الرؤساء التنفيذيون وكبار الموظفين في الوكالات الخمس المشاركة في إعداد التقرير تعليقات قيّمة وأعطوا موافقتهم النهائية على التقرير.
وتولت Anne Kepple (منظمة الأغذية والزراعة) تنسيق الجزء الأول من التقرير. وأعد Carlo Cafiero القسم 1–1 بإسهام من Piero Conforti، وJuan Feng، وAdeeba Ishaq، وAnne Kepple و Sara Viviani (منظمة الأغذية والزراعة). وتولى إعداد القسم 1–2 Elaine Borghi بالاشتراك مع Elisa Dominguez (منظمة الصحة العالمية)، وChika Hayashi، وJulia Krasevec، وRichard Kumapley، وRoland Kupka، و Vrinda Mehra (اليونيسيف) بإسهام من Katrina Lundberg، وLisa Rogers، وZita Weise Prinzo، و Marzella Wüstefeld (منظمة الصحة العالمية). وأعدت Anne Kepple القسم 1–3 بالاشتراك مع Cristina Álvarez-Sánchez، وMarinella Cirillo، وAna Moltedo، وRamani Wijesinha-Bettoni، وTrudy Wijnhoven، و Isabela Sattamini (منظمة الأغذية والزراعة)، وChika Hayashi، و Vrinda Mehra (اليونيسيف) وبإسهام من Nancy Aburto و Lidan Du (منظمة الأغذية والزراعة)، وKatrina Lundberg، وKaren McColl، وMarzella Wüstefeld (منظمة الصحة العالمية) وبإسهام من Terri Ballard، و Anna Herforth. وقدَّم José Rosero Moncayo الدعم في مجال التحرير والإسهامات في الجزء الأول.
ويتضمن تقرير هذا العام تحديثات مهمة، وخاصة تنقيح معدلات انتشار النقص التغذوي في الصين. ويتسم هذا التنقيح بأهميته بالنظر إلى أن سكان الصين يشكلون خُمس سكان العالم، ولذلك سعينا إلى الحصول على تقييم مستقل لنزاهة نهجنا ومنهجيتنا من أربعة خبراء مرموقين:Joachim von Braun، أستاذ التغيير الاقتصادي والتكنولوجي ومدير مركز بحوث التنمية في جامعة بون ورئيس اللجنة العلمية لمؤتمر القمة بشأن النُظم الغذائية لعام 2021؛ وChristopher Barrett، أستاذ الاقتصاد التطبيقي والإدارة والأستاذ الدولي للزراعة في كلية تشارلز ه. دايسون للاقتصاد التطبيقي والإدارة بجامعة كورنيل؛ وDavid Laborde، الباحث الأول والرئيس المواضيعي للاقتصاد الكلي والتجارة في المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية؛ وMaria Ana Lugo، كبيرة الخبراء الاقتصاديين في الممارسات العالمية للفقر والإنصاف في البنك الدولي.
وخلص المراجعون إلى أن نهج منظمة الأغذية والزراعة في تحديث تقديرات معامل الاختلاف في استهلاك الغذاء على المستوى الوطني في الصين والذي يعتمد على التحليل المشترك للبيانات المستمدة من دراستين استقصائيتين أسريتين مختلفتين، نهج صحيح وأن المنهجية المتبعة سليمة. وشهد المراجعون على ازدياد اتساق نتائجنا المنقحة مع الأدلة القائمة المتعلقة بالتغذية في الصين وكذلك مع مجموعة من مؤشرات التنمية الاقتصادية في البلد، بما يشمل الفقر المدقع، ومعدلات انتشار التقزم، وتوزيع النفقات الغذائية، والازدهار المشترك. وأكد أيضًا المراجعون النظراء أن نتائجنا متوائمة مع نتائج تحليلاتنا المستندة إلى مختلف عمليات النمذجة الاقتصادية القياسية. وتُعرب المنظمة عن بالغ امتنانها للمراجعين النظراء الذين لم يضنوا بوقتهم وخبرتهم.
وتولت Cindy Holleman (منظمة الأغذية والزراعة) تنسيق الجزء الثاني من التقرير. وأعدت Cindy Holleman أيضًا القسمين 2–1 و2–2 بإسهام من Giovanni Carrasco Azzini، وValentina Conti، و Lidan Du (منظمة الأغذية والزراعة)؛ وCaterina Ruggeri Laderchi، و Tisorn Songsermsawas (الصندوق الدولي للتنمية الزراعية)؛ و Saskia de Pee، وSimone Gie، و Nora Hobbs (برنامج الأغذية العالمي)؛ وJoyce Haddad، وKatrina Lundberg، وKaren McColl، و Marzella Wüstefeld (منظمة الصحة العالمية). وقُدِّمت إسهامات إضافية من خلال ورقة معلومات أساسية من إعداد Anna Herforth، وYan Bai، وAishwarya Venkat، وAlissa Ebel، و William A. Masters (جامعة تافتس) و Kristi Mahrt (المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية)؛ وورقة معلومات أساسية من إعداد Marco Springmann (جامعة أوكسفورد)؛ ومن المستشار الخاص للبحوث Harold Alderman. وتولى إعداد القسم 2–3 كل من Yvonne Forsen (برنامج الأغذية العالمي) بالاشتراك مع Mark Smulders (منظمة الأغذية والزراعة) وبإسهام من Giovanni Carrasco Azzini، وValentina Conti، وChristian Derlagen، وEmiliano Magrini، و Valentina Pernechele (منظمة الأغذية والزراعة)؛ وCaterina Ruggeri Laderchi، و Tisorn Songsermsawas (الصندوق الدولي للتنمية الزراعية)؛ وSaskia de Pee، وSimone Gie، وNora Hobbs، و Jeandamour Nkundimana (برنامج الأغذية العالمي)؛ وElaine Borghi، وKaren McColl، وMarzella Wüstefeld (منظمة الصحة العالمية). وأعد القسم 2–4 Mark Smulders بإسهام من Giovanni Carrasco Azzini، وChristian Derlagen، وEmiliano Magrini (منظمة الأغذية والزراعة)؛ وRichard Abila، وRomina Cavatassi، وAntonella Cordone، وIsabel de la Peña، وRon Hartman، وAthur Mabiso، وJoyce Njoro، وCaterina Ruggeri Laderchi، وTisorn Songsermsawas (الصندوق الدولي للتنمية الزراعية)؛ وRoland Kupka (اليونيسيف)؛ وKaren McColl، وMarzella Wüstefeld (منظمة الصحة العالمية)؛ و Selina Chan، وSaskia de Pee، وSimone Gie، وNora Hobbs، وKelly Stablein (برنامج الأغذية العالمي). وقدَّم Marco V. Sánchez Cantillo الدعم في مجال التحرير والإسهامات في الجزء الثاني.
وقدم عديد من الزملاء من مختلف الوحدات والإدارات في الوكالات الخمس المشاركة في النشر تعليقات فنية وإسهامات قيِّمة في التقرير. وسهَّلت عملية الموافقة التقنية على نطاق الوكالات إجراء استعراض فني شامل شارك فيه كثير من الخبراء التقنيين. ومن الصعب الإشارة إلى كل الإسهامات كما أن ذلك يمكن أن يزيد من احتمالات إغفال إسهامات مهمة.
وتولى كل من Juan Feng وSara Viviani المسؤولية عن إعداد البيانات المتعلقة بالنقص التغذوي والأمن الغذائي في القسم 1–1 بإسهام من Verónica Boero، وMarinella Cirillo، وFilippo Gheri، وAdeeba Ishaq، وTalent Manyani، وAna Moltedo، وMaría Rodríguez، وعبد الستار، وفراس ياسين، وتحت إشراف Carlo Cafiero . وقُدِّمت البيانات الداعمة من الفريق المعني بميزانيات الأغذية تحت قيادة Salar Tayyib من شُعبة الإحصاءات في منظمة الأغذية والزراعة. وتولى Richard Kumapley (اليونيسيف) المسؤولية عن توحيد بيانات التغذية في القسم 1–2 بإسهام من Elaine Borghi، وElisa Dominguez، وLeanne Riley (منظمة الصحة العالمية)؛ وChika Hayashi، وJulia Krasevec، وVrinda Mehra (اليونيسيف). وساهم كل من Tomasz Filipczuk، وFilippo Gheri، وSalar Tayyib (منظمة الأغذية والزراعة) في تحليل توافر الأغذية، وساهم كل من Talent Manyani، وNathalie Troubat، وفراس ياسين (منظمة الأغذية والزراعة) في تحليل استهلاك الأغذية والأمن الغذائي في القسم 1–3. وتولى كل من Anna Herforth، وYan Bai، وAishwarya Venkat، وAlissa Ebel، وWilliam A. Masters (جامعة تافتس)، وKristi Mahrt (المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية)، وMarco Springmann (جامعة أوكسفورد) وValentina Conti (منظمة الأغذية والزراعة) المسؤولية عن إعداد تحليل البيانات في الجزء الثاني والملاحق من 3 إلى 8.
وقدم كل من Giovanni Carrasco Azzini، وAndrew Park (مستشار التحرير) وDaniela Verona في إدارة التنمية الاقتصادية والاجتماعية في منظمة الأغذية والزراعة، الدعم في إعداد التقرير.
وقدم فرع اللغات لدى منظمة الأغذية والزراعة خدمات الترجمة بالإضافة إلى المساهمين المذكورين أعلاه.
وقدمت المجموعة المعنية بالنشر (فرع المطبوعات) التابعة لمكتب الاتصالات في المنظمة الدعم في تحرير هذا الإصدار باللغات الرسمية الست، وتصميمه وتنسيق إعداده وخدمات الطباعة. وأعد الرسوم البيانية كل من Elaine Borghi (منظمة الصحة العالمية) وJulia Krasevec (اليونيسيف)، وتولت Nona Reuter (اليونيسيف) تصميم الخرائط في القسم 1–2.
بعد مضي خمسة أعوام على انطلاق خطة التنمية المستدامة لعام 2030 (خطة عام 2030)، حان الوقت لتقييم تقدّمها والتساؤل عما إذا كانت الجهود المتواصلة التي طبّقت حتى اليوم ستتيح للبلدان تحقيق مقاصد الهدف 2 من أهداف التنمية المستدامة. ولهذا السبب، يعمد التقرير هذا العام إلى استكمال التقييم الاعتيادي لحالة الأمن الغذائي والتغذية في العالم بواسطة توقعات بشأن ما ستكون عليه حالة العالم بحلول 2030 في حال استمرت الاتجاهات التي سادت خلال العقد المنصرم. والمهم هو أنه فيما تواصل جائحة كوفيد19- تطورها، يحاول هذا التقرير توقع بعض من تأثيرات هذه الجائحة العالمية في الأمن الغذائي والتغذية. ولكن بما أنّ المدى الكامل للخراب الذي ستعيثه جائحة كوفيد19- لا يزال مجهولاً بنسبة كبيرة، من المهم الإقرار بأنّ أي تقدير في هذه المرحلة سيكون محفوفًا بدرجة عالية من عدم اليقين وسيتوجب تفسيره بحذر.
سبق للإصدارات الثلاثة الأخيرة لهذا التقرير أن قدمت الدليل على أن التراجع في معدلات الجوع حول العالم الذي طال عقودًا، مقاسًا بواسطة معدل انتشار النقص التغذوي، قد بلغ نهايته للأسف. فإن أدلة إضافية وتحديثات عدة مهمة للبيانات، تشمل تعديلاً لكامل سلسلة انتشار النقص التغذوي في الصين عام 2000، قد بيّنت أن حوالي 690 مليون شخص في العالم (8.9 في المائة من السكان في العالم) قد عانوا النقص التغذوي في عام 2019. ويؤكد التعديل، في ضوء البيانات الجديدة التي أدت إلى تخفيض مواز في مجمل السلسلة العالمية لبيانات انتشار النقص التغذوي، ما خلصت إليه الإصدارات السابقة لهذا التقرير ألا وهو أن عدد الجياع في العالم آخذ في التزايد ببطء. وقد بدأ هذا الاتجاه في عام 2014 واستمرّ حتى عام 2019. وأمسى عدد الذين يعانون من النقص التغذوي اليوم أكثر مما كان عليه في عام 2014 بواقع 60 مليون نسمة تقريبًا، حين كانت نسبة الانتشار 8.6 في المائة – بزيادة بلغت 10 ملايين نسمة فيما بين عامي 2018 و2019.
أما مسببات الزيادة التي لوحظت في السنوات القليلة الأخيرة فمتعددة. ويمكن عزو نسبة كبيرة من الزيادة الأخيرة في انعدام الأمن الغذائي إلى ارتفاع عدد النزاعات التي غالبًا ما تفاقمها الصدمات المتصلة بالمناخ. وحتى في بعض البيئات التي يعمّها السلام، مُني الأمن الغذائي بالتدهور نتيجة الركود الاقتصادي الذي أعاق وصول الفقراء إلى الأغذية.
وتبيّن الأدلة أيضًا أن العالم ليس على المسار السليم نحو تحقيق المقصد 2–1، أي القضاء التام على الجوع بحلول عام 2030. فتشير التوقعات المختلطة للاتجاهات الأخيرة لحجم السكان وتركيبتهم وإجمالي الأغذية المتاحة ودرجة انعدام المساواة في الوصول إلى الأغذية، إلى زيادة في معدل انتشار النقص التغذوي بنسبة نقطة مئوية واحدة تقريبًا. ونتيجة لذلك فإن العدد العالمي لالذين يعانون من النقص التغذوي في عام 2030 قد يتخطى 840 مليون نسمة.
ويقدّر معدل انتشار النقص التغذوي في أفريقيا بما نسبته 19.1 في المائة من إجمالي عدد السكان عام 2019 أي أكثر من 250 مليون شخص ناقص التغذية، مقابل 17.6 في المائة في عام 2014. ويزيد هذا معدل بمقدار الضعف عن المتوسط العالمي (8.9 في المائة)، وهو الأعلى بين الأقاليم كافة.
ويعيش في قارة آسيا أكثر من نصف مجموع عدد الذين يعانون من النقص التغذوي في العالم – أي ما يقدر بـ 381 مليون شخص في عام 2019. إلا أن معدل انتشار النقص التغذوي لدى سكان الإقليم يبلغ 8.3 في المائة، أي ما دون المتوسط العالمي (8.9 في المائة) وأقل من نصف المتوسط الأفريقي. وقد أحرزت آسيا تقدمًا في خفض عدد الجياع في السنوات الأخيرة بما قدره 8 ملايين شخص منذ عام 2015.
وفي أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي، بلغ معدّل انتشار النقص التغذوي 7.4 في المائة عام 2019 فكان ما دون المتوسط العالمي البالغ 8.9 في المائة، إلا أن هذه النسبة لا تزال تعني عددًا لا يستهان به يبلغ 48 مليون شخص ناقص التغذية. وقد شهد الإقليم ارتفاعًا في معدلات الجوع خلال السنوات القليلة الماضية، مع زيادة عدد الذين يعانون من النقص التغذوي بواقع 9 ملايين شخص بين عامي 2015 و2019.
وتفيد توقعات عام 2030 أن أفريقيا هي حتمًا خارج مسار تحقيق مقصد القضاء على الجوع بحلول عام 2030. وفي حال استمرار معدلات الزيادة التي سادت مؤخرًا، فإن معدّل انتشار النقص التغذوي سيرتفع من 19.1 إلى 25.7 في المائة. كما أن أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي خارج المسار المطلوب ولو بدرجة أقل بكثير. وبسبب التدهور في السنوات الأخيرة إجمالاً، من المتوقع لمعدّل انتشار النقص التغذوي أن يرتفع من 7.4 في المائة عام 2019 إلى 9.5 في المائة عام 2030. أما آسيا، على الرغم من التقدم الذي تحرزه، فلن تحقق هي الأخرى هذا المقصد بحلول 2030، استنادًا إلى الاتجاهات الأخيرة.
وبصورة عامة، وبدون أخذ تبعات جائحة كوفيد19- في الاعتبار، فإن الاتجاهات المرتقبة للنقص التغذوي قد تغيّر التوزيع الجغرافي للجوع في العالم بشكل جذري. ففيما ستبقى آسيا موطن حوالي 330 مليونًا من الجياع في عام 2030، ستتقلص حصتها من الجوع في العالم بنسبة غير قليلة. وستتجاوز أفريقيا القارة الآسيوية لتصبح الإقليم الذي يضم أكبر عدد من الذين يعانون من النقص التغذوي (433 مليونًا) أي 51.5 في المائة من المجموع.
وأثناء كتابة هذه التقرير، كانت جائحة كوفيد19- متفشية في جميع أنحاء المعمورة مهددة الأمن الغذائي العالمي. وتشير التقديرات الأولية المستندة إلى آخر التوقعات الاقتصادية العالمية المتاحة إلى أن جائحة كوفيد19- قد تزيد عدد الذين يعانون من النقص التغذوي بما يتراوح بين 83 و132 مليون نسمة في عام 2020، بحسب سيناريو النمو الاقتصادي (حيث تتراوح الخسائر بين 4.9 و10 نقاط مئوية في نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي). ومن شأن النهوض المتوقع في عام 2021 أن يخفّض عدد الذين يعانون من النقص التغذوي ولكن هذا العدد سيبقى أعلى مما هو متوقع في ظل سيناريو خال من الجائحة. ومرة أخرى، من المهم الإدراك بأن أي تقدير في هذه المرحلة سيكون غير أكيد بنسبة عالية، وسينبغي تفسيره بتأن.
وتفيد آخر التقديرات أنّ 9.7 في المائة من سكان العالم (أي أقل من 750 مليون نسمة بقليل) تعرضوا لمستويات شديدة من انعدام الأمن الغذائي في 2019. وفي جميع أقاليم العالم، باستثناء أمريكا الشمالية وأوروبا، راوح معدّل انتشار انعدام الأمن الغذائي الشديد مكانه من 2014 إلى 2019. ويتطابق ذلك بشكل واسع أيضًا مع أحدث الاتجاهات المسجلة في معدل انتشار النقص التغذوي في العالم وعبر الأقاليم، مع استثناءٍ جزئي لآسيا.
وفي حين أن وجود 746 مليون نسمة يواجهون انعدام الأمن الغذائي الشديد يدعو إلى القلق البالغ، فإن نسبة إضافية تبلغ 16 في المائة من سكان العالم، أي أكثر من 1.25 مليار شخص قد اختبرت انعدام الأمن الغذائي بمستويات معتدلة. وإن الأشخاص الذين يعانون انعدام الأمن الغذائي بصورة معتدلة هم الذين لا يستطيعون الوصول بانتظام إلى الغذاء بكميات مغذية وكافية حتى وإن لم يعانوا بالضرورة من الجوع.
وبحسب التقديرات، بلغ معدل انتشار انعدام الأمن الغذائي المعتدل أو الشديد على (مؤشر أهداف التنمية المستدامة 2– 1– 2) 25.9 في المائة في عام 2019 في العالم أجمع. وتضاهي هذه النسبة ما مجموعه ملياري شخص. وقد تزايد معدل انعدام الأمن الغذائي الإجمالي (سواء أكان معتدلا أم شديدًا) بصورة مطّردة على المستوى العالمي منذ عام 2014 والسبب الرئيسي هو تزايد انعدام الأمن الغذائي المعتدل.
وعلى الرغم من أن أفريقيا هي الإقليم الذي تلاحظ فيه أعلى مستويات انعدام الأمن الغذائي الإجمالي، تسجل أسرع معدلات ازدياد انعدام الأمن الغذائي في إقليم أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي من 22.9 في المائة في عام 2014 إلى 31.7 في المائة في عام 2019 بسبب ما شهدته أمريكا الجنوبية من زيادة حادة.
وفي ما يتعلق بتوزيع الأشخاص الذين يعانون انعدام الأمن الغذائي بالإجمال (سواء أكان معتدلاً أم شديدًا) حول العالم، فمن أصل ملياري شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي، يوجد 1.03 مليار في آسيا، و675 مليونًا في أفريقيا و205 ملايين في أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي، و88 مليونًا في أمريكا الشمالية وأوروبا، و5.9 ملايين في أوسيانيا.
وعلى المستوى العالمي، كان انتشار انعدام الأمن الغذائي على المستوى المعتدل أو الشديد، وعلى المستوى الشديد فقط، أعلى لدى النساء منه لدى الرجال. أما الفجوة بين الجنسين في الوصول إلى الغذاء فقد ارتفعت من 2018 إلى 2019 ولا سيما على المستوى المعتدل أو الشديد.
على الصعيد العالمي، بلغ معدّل انتشار تقزم الأطفال في 2019، 21.3 في المائة أو 144 مليون طفل. وعلى الرغم من إحراز بعض التقدم، فإن معدلات خفض التقزم أدنى بكثير من المطلوب لبلوغ الغاية التي وضعتها جمعية الصحة العالمية لعام 2025 ومقصد أهداف التنمية المستدامة لعام 2030. وفي حال تواصلت الاتجاهات الأخيرة، فإن تلك المقاصد لن تتحقق إلا في عامي 2035 و2043 تباعًا.
وفي عام 2019، عاش في آسيا أو في أفريقيا ما يفوق 9 من أصل عشرة أطفال مصابون بالتقزّم فشكّلوا 40 و54 في المائة من مجمل الأطفال المصابين بالتقزّم حول العالم، تباعًا. وقد أحرزت معظم الأقاليم بعض التقدم على صعيد خفض معدلات التقزم بين عامي 2012 و2019، ولكن ليس بالنسبة اللازمة لتحقيق غايتي 2025 و2030. وعلى الصعيد العالمي، تختلف تقديرات التقزم باختلاف مستوى الثروة. فإن معدّل انتشار التقزم لدى الأطفال في الشريحة الخمسية الأكثر فقرًا فاق ضعف ما هو عليه لدى الأطفال من الشريحة الخمسية الأغنى.
ولم يشهد المعدل العالمي لانتشار الوزن الزائد لدى الأطفال دون سن الخامسة أي تحسّن، بحيث انتقل من 5.3 في المائة عام 2012 إلى 5.6 في المائة أي ما يعادل 38.3 مليون طفل عام 2019. وعاش 24 في المائة من هؤلاء في أفريقيا و45 في المائة في آسيا. وتشكل أستراليا ونيوزيلندا الإقليم الفرعي الوحيد الذي سجّل معدل انتشار عاليًا جدًا (بلغ 20.7 في المائة). ويعتبر معدلا الانتشار في كل من أفريقيا الجنوبية (12.7 في المائة) وأفريقيا الشمالية (11.3 في المائة) مرتفعين.
وعلى الصعيد العالمي، أصيب 6.9 في المائة من الأطفال دون سن الخامسة (47 مليونًا) بالهزال في عام 2019 – وهو رقم أعلى بكثير من الغاية المحددة لعام 2025 (5 في المائة) ولعام 2030 (3 في المائة) في ما خص هذا المؤشر.
وعلى الصعيد العالمي، ولد 14.6 في المائة من الرضع بوزن منخفض (أي أقل من 500 2 غرام) عام 2015. وتشير الاتجاهات الخاصة بهذا المؤشر على المستويين العالمي والإقليمي إلى إحراز بعض التقدم في السنوات الأخيرة ولكن ليس بالقدر الكافي لتحقيق الغاية المتمثلة في خفض معدلات انخفاض الوزن عند الولادة بنسبة 30 في المائة بحلول 2025 أو حتى 2030.
وعلى الصعيد العالمي، اعتبارًا من 2019، قدّر أن 44 في المائة من الرضع الذين يقل عمرهم عن ستة أشهر قد تلقوا رضاعة طبيعية خالصة. وفي الوقت الراهن، يسير العالم على المسار السليم نحو تحقيق مقصد عام 2025 المتمثل في تقديم الرضاعة الطبيعية الخالصة لما لا يقل عن 50 في المائة من الرضع دون سن الستة أشهر. وإن لم تبذل جهود إضافية، فإن الغاية العالمية لعام 2030 والمتمثلة في نسبة 70 في المائة كحد أدنى لن تتحقق قبل 2038. وتحرز معظم الأقاليم الفرعية حاليًا بعض التقدم على الأقل، باستثناء آسيا الشرقية والكاريبي. وإذا حافظت الأقاليم الفرعية لأفريقيا الشرقية وآسيا الوسطى وآسيا الجنوبية على معدلاتهما الحالية في التقدم، فسوف تبلغ الغايتين المحددتين لعامي 2025 و2030.
وتواصل معدلات السمنة لدى البالغين ارتفاعها حيث انتقلت من 11.8 في المائة عام 2012 إلى 13.1 في المائة عام 2016 وهي ليست على المسار المطلوب لبلوغ الغاية العالمية، أي وضع حد لارتفاع السمنة لدى البالغين بحلول 2025. وفي حال استمر انتشار السمنة لدى البالغين في التزايد بمعدل 2.6 في المائة سنويًا، فإن السمنة لدى البالغين ستزيد بنسبة 40 في المائة بحلول 2025 مقارنة بعام 2012. وقد اتصفت الأقاليم الفرعية جميعها باتجاهات تصاعدية لمعدل انتشار السمنة لدى البالغين بين 2012 و2016.
تنطوي جودة النمط الغذائي على أربعة جوانب رئيسية هي: التنوع، والكفاية، والاعتدال، والاتزان الشامل. وبحسب منظمة الصحة العالمية يقي النمط الغذائي الصحي من سوء التغذية بكافة أشكاله، ومن الأمراض غير المعدية كداء السكّري ومرض القلب والسكتة الدماغية والسرطان. وهو يحتوي على مجموعة متزنة ومنوعة ومناسبة من الأغذية المختارة التي تؤكل ضمن فترة زمنية معينة. ويكفل النمط الغذائي الصحي تلبية احتياجات الشخص من المغذيات الكبيرة (بروتينات ودهون وكربوهيدرات بما فيها الألياف الغذائية) والمغذيات الدقيقة الأساسية (الفيتامينات والمعادن) التي تناسب جنسه وسنه ومستوى نشاطه الجسدي وحالته البدنية. وتشمل الأنماط الغذائية الصحية أقل من 30 في المائة من المتناول من الطاقة عن طريق الدهون، ويصاحب ذلك تحول عن استهلاك الدهون المشبعة إلى استهلاك الدهون غير المشبعة والتخلص من الدهون المتحولة الصناعية، وأقل من 10 في المائة من إجمالي المتناول من الطاقة من السكريات الحرة (يفضل استهلاك أقل من 5 في المائة)، واستهلاك ما لا يقل عن 400 غرام من الفاكهة والخضار يوميًا، وما لا يزيد على 5 غرامات يوميًا من الملح (المعالج باليود). وفيما أن المكونات المحددة للنمط الغذائي الصحي تختلف باختلاف الخصائص الفردية المذكورة وكذلك السياق الثقافي والأغذية المتاحة على المستوى المحلي والتقاليد الغذائية، تبقى المبادئ الأساسية لمقوّمات النمط الغذائي الصحي هي ذاتها.
ويطرح التقييم العالمي لاستهلاك الأغذية وجودة النمط الغذائي العديد من التحديات. فحتى تاريخه لا يوجد أي مؤشر مركّب وموثوق لقياس الأبعاد المتعددة لجودة النمط الغذائي عبر البلدان كلها.
وتتسم البيانات بشأن إتاحة الأغذية على المستوى القطري بتفاوتات كبيرة في نصيب الفرد من الأغذية المتاحة التي تعود إلى مجموعات غذائية مختلفة عبر مختلف فئات البلدان المصنفة بحسب الدخل. فإن البلدان المنخفضة الدخل والبلدان المتوسطة الدخل من الشريحة الدنيا تعتمد بقوة على الأغذية الأساسية كالحبوب والجذور والدرنات وموز الجنة. وبالإجمال، لم تتغير إتاحة الأغذية الأساسية في العالم بشكل يذكر بين عام 2000 و2017. وقد زادت إتاحة الجذور والدرنات وموز الجنة في البلدان المتوسطة الدخل من الشريحة الدنيا جرّاء ازديادها في أفريقيا، فيما تراجعت في البلدان المرتفعة الدخل.
وفي البلدان المنخفضة الدخل، مثّلت الحبوب والجذور والدرنات وموز الجنة حوالي 60 في المائة من مجمل الأغذية المتاحة في 2017. وتتراجع هذه النسبة المئوية تدريجيًا تبعًا لفئة دخل البلد إلى أن تصل إلى 22 في المائة لدى البلدان المرتفعة الدخل.
وقد ارتفع المتوسط العالمي لإتاحة الفاكهة والخضار؛ ومع ذلك لا يوجد سوى في آسيا وعالميًا في البلدان المتوسطة الدخل من الشريحة العليا ما يكفي من الفاكهة والخضار المتاحة لتلبية التوصية المشتركة الصادرة عن منظمة الأغذية والزراعة ومنظمة الصحة العالمية والتي تقضي باستهلاك ما لا يقل عن 400 غرام في اليوم منها.
وتبلغ إتاحة الأغذية الحيوانية المصدر عامة أعلى مستوياتها في البلدان المرتفعة الدخل، بيد أنها تشهد نموّا سريعًا في البلدان المتوسطة الدخل من الشريحة العليا. وقد لوحظت معظم الزيادات العالمية في الأغذية الحيوانية المصدر لدى بلدان الدخل المتوسط من الشريحتين الدنيا والعليا. وسجّلت آسيا الزيادة الأكبر للكمية الإجمالية المتاحة من الأغذية الحيوانية المصدر.
وتتفاوت مساهمات الأغذية الحيوانية المصدر تبعًا لفئة دخل البلد. فهي أعلى لدى البلدان المرتفعة الدخل (29 في المائة) مقارنة بالبلدان المتوسطة الدخل من الشريحتين العليا والدنيا (20 في المائة) فيما تبلغ أدناها لدى البلدان المنخفضة الدخل (11 في المائة).
وبحسب منظمة الأمم المتحدة للطفولة، كان التنوع الغذائي لدى الرضع وصغار الأطفال متدنيًا في معظم الأقاليم، مع حصول أقل من 40 في المائة من الأطفال على الحد الأدنى من التنوع الغذائي في سبعة أقاليم فرعية من أصل 11. وبالإضافة إلى ذلك، هناك فوارق صارخة في معدلات انتشار الحد الأدنى من التنوع الغذائي بحسب مكان الإقامة (حضري/ريفي) ومستوى الثروة. فإن معدل انتشار الأطفال الذين يتناولون أغذية من خمس مجموعات على الأقل من أصل المجموعات الغذائية الثماني، هو أعلى في المتوسط بواقع 1.7 مرة لدى أولاد الأسر الحضرية منه لدى أولاد الأسر الريفية، ولدى أولاد الأسر الأغنى مقارنة بالأسر الأكثر فقرًا.
وجد تحليلٌ للأنماط الغذائية يستند إلى مستويات انعدام الغذائي، أن نوعية النمط الغذائي تتدهور مع ازدياد انعدام الأمن الغذائي شدةً.
وتختلف الطرق التي يطبّقها من يعانون من انعدام الأمن الغذائي المعتدل لغاية تغيير أنماطهم الغذائية، باختلاف مستوى دخل البلد. ففي اثنين من البلدان المتوسطة الدخل من الشريحة الدنيا التي شملتها الدراسة (كينيا والسودان) لوحظ انخفاض ملحوظ في استهلاك معظم المجموعات الغذائية، وارتفاع نسبة الأغذية الأساسية في النمط الغذائي. وفي اثنين من البلدان المتوسطة الدخل من الشريحة العليا التي شملتها الدراسة (المكسيك وساموا) لوحظ أن الأشخاص الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي المعتدل يستهلكون مزيدًا من الأغذية المتدنية الكلفة بناء على السعرات الحرارية (أي الحبوب والجذور والدرنات وموز الجنة) ويستهلكون كميات أقل من الأغذية المرتفعة السعر (كاللحوم ومنتجات الحليب) مقارنة بمن ينعمون بالأمن الغذائي. وقد سجّلت المكسيك بوجه خاص تراجعًا في استهلاك الفاكهة ومنتجات الحليب بموازاة ارتفاع شدّة انعدام الأمن الغذائي.
وباختصار، مع أن عام 2030 سيحل بعد عشر سنوات من اليوم، لا يزال العالم خارج المسار السليم نحو تحقيق مقاصد أهداف التنمية المستدامة المتعلقة بالجوع وبسوء التغذية. وبعد عقود من تراجع طال أمده، عاود عدد الجياع تزايده ببطء منذ 2014. وبصرف النظر عن الجوع، هناك عدد متزايد من الأشخاص الذين أجبروا على المساومة على جودة و/أو كمية الأغذية التي يستهلكونها، بحسب ما يدل عليه ارتفاع انعدام الأمن الغذائي المعتدل أو الشديد منذ 2014. وحتى من دون وضع التداعيات المحتملة لجائحة كوفيد19- في الحسبان، فإن التوقعات حتى 2030 تحذّر من أن المستوى الحالي للجهود المبذولة غير كاف للقضاء التام على الجوع بعد عشر سنوات من اليوم.
أما بالنسبة إلى التغذية، فهناك بعض التقدم المحرز في الوقت الراهن على مستوى خفض تقزم الأطفال وانخفاض الوزن عند الولادة وزيادة الرضاعة الطبيعية الخالصة خلال الأشهر الستة الأولى من الحياة. إلا أن معدل انتشار الهزال يفوق الغايات المحددة بفارق ملحوظ، كما أن نسبة انتشار زيادة الوزن عند الأطفال والسمنة لدى البالغين تزيد في الأقاليم كلها تقريبًا. ويتوقع لجائحة كوفيد19- أن تفاقم كل هذه الاتجاهات فتزيد من انكشاف الشرائح السكانية الضعيفة.
وينبغي لزيادة إتاحة الأغذية المغذية التي تنطوي على أنماط غذائية صحية والوصول إليها أن يكونا بمثابة مكون رئيسي لجهود أقوى تبذل من أجل تحقيق المقاصد بحلول عام 2030. وتشكل السنوات المتبقية من عقد الأمم المتحدة للعمل من أجل التغذية للفترة 2016–2025 فرصةً أمام صانعي السياسات والمجتمع المدني والقطاع الخاص للعمل معًا وتعزيز الجهود.
كما سبق وأشرنا إليه أعلاه، تشكل جودة النمط الغذائي صلةً حيويةً بين الأمن الغذائي ونتائج التغذية يجب أن تكون موجودة في سياق جميع الجهود لتحقيق المقاصد المتعلقة بالجوع والأمن الغذائي والتغذية تحت الهدف 2 من أهداف التنمية المستدامة. ولن يكون تنفيذ تلك المقاصد ممكنًا إلا إذا كفلنا حصول الناس على ما يكفيهم من الغذاء، وأن يكون ما يأكلونه مغذيًا فعلاً. إلا أن أحد أكبر التحديات في تحقيق ذلك هي الكلفة الراهنة والقدرة على تحمل كلفة الأنماط الغذائية الصحية وهما موضع تركيز الجزء الثاني من تقرير هذا العام.
يرمي تحليل جديد ضمن هذا التقرير إلى تحديد ما إذا كان النظام الغذائي يضع ثلاثة مستويات من جودة الأنماط الغذائية في متناول الشرائح الأشد فقرًا. وتمثّل الأنماط الغذائية الثلاثة المختارة مستويات تصاعدية الجودة بدءًا من نمط غذائي أساسي كافي الطاقة يلبي الاحتياجات من السعرات الحرارية إلى نمط غذائي كافي المغذيات وصولاً إلى نمط غذائي صحي، حيث يتضمن الأخير تقييمًا للمتناول الموصى به من مجموعات غذائية أكثر تنوعًا ومرغوب فيها. وكما هو متوقع، فإن كلفة النمط الغذائي تتزايد تدريجيًا بموازاة ارتفاع جودته، ويصح ذلك عبر الأقاليم وفئات دخل البلدان كافة. وتكون كلفة النمط الغذائي الصحي أعلى بنسبة 60 في المائة من كلفة النمط الغذائي كافي المغذيات وأعلى 5 مرات تقريبًا من كلفة النمط الغذائي كافي الطاقة.
وفيما أن معظم الفقراء حول العالم يستطيعون تحمل كلفة نمط غذائي كافي الطاقة، بحسب ما هو معرّف هنا، فليس بمقدورهم تحمل كلفة نمط غذائي كافي المغذيات أو صحي. فإن النمط الغذائي الصحي أعلى كلفة بكثير من القيمة الكاملة لخط الفقر الدولي البالغ 1.90 دولارًا أمريكيًا من حيث تعادل القوة الشرائية في اليوم، ناهيك عن الجزء من خط الفقر الذي يمكن تخصيصه بصورة معقولة لشراء الغذاء (63 في المائة)، فنصل في النهاية إلى حد يعادل 1.20 دولارًا أمريكيًا من حيث تعادل القوة الشرائية في اليوم. ولدى مقارنة كلفته بالنفقات الغذائية للأسرة، يبقى النمط الغذائي الصحي في المتوسط غير ميسور الكلفة إذ تمثل كلفته 95 في المائة من متوسط النفقات الغذائية للفرد في اليوم على المستوى العالمي. والملفت هو أن كلفة النمط الغذائي الصحي تتعدى المتوسط الوطني للنفقات الغذائية في معظم بلدان الجنوب.
وبناء على تقديرات توزيع الدخل، تشير التقديرات إلى أن أكثر من 3 مليارات شخص في العالم لم يتمكنوا من تحمل كلفة نمط غذائي صحي في عام 2017. ويوجد معظم هؤلاء في آسيا (1.9 مليار شخص) وأفريقيا (965 مليون شخص) على الرغم من وجود الملايين غيرهم أيضًا في أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي (104.2 مليون نسمة) وفي أمريكا اللاتينية وأوروبا (18 مليون نسمة).
وفي حين أن كلفة الأنماط الغذائية والقدرة على تحملها تتفاوت حول العالم عبر الأقاليم والسياقات الإنمائية المتنوعة المختلفة، فهي قد تتفاوت أيضًا ضمن البلد الواحد بسبب عوامل مناخية وجغرافية، فضلاً عن الاختلافات في الاحتياجات التغذوية للأفراد عبر دورة الحياة. ولا ترد تفاوتات الكلفة هذه ضمن البلد الواحد في التحليل العالمي والإقليمي الوارد أعلاه، بيد أن الأدلة المستمدة من دراسات الحالات تدل على أن هكذا تفاوتات قد تكون كبيرة ومهمة.
بوسع تقدير التكاليف المستترة (أو الآثار الخارجية السلبية) المرتبطة بالأنماط الغذائية المختلفة، أن يعدّل بشكل ملحوظ تقييمنا لما هو "ميسور الكلفة" من منظور اجتماعي أوسع، ويظهر كيف يمكن للخيارات الغذائية أن تؤثر في أهداف التنمية المستدامة الأخرى. أما الكلفتان المستترتان الأكثر حرجًا فتتعلقان بتداعيات خياراتنا الغذائية المتصلة بالصحة (الهدف 3) وبالمناخ (الهدف 13) والنظم الغذائية التي تدعمها. وتترجم التداعيات الصحية والبيئية للأنماط الغذائية غير المتزنة وغير الصحية إلى تكاليف فعلية للأفراد والمجتمع ككل، كالتكاليف الطبية المرتفعة وتكاليف الأضرار المناخية من بين التكاليف البيئية الأخرى.
وقد عمد تحليل جديد ضمن هذا التقرير إلى تقدير التكاليف المتصلة بالصحة وبتغير المناخ لخمسة أنماط مختلفة للتغذية هي: النمط الغذائي المرجعي الذي يمثل الأنماط الحالية لاستهلاك الأغذية، وأربعة أنماط غذائية صحية بديلة تتضمن جميعها اعتبارات الاستدامة، ولو أنها تختلف من حيث تضمينها الأغذية من مجموعات متعددة، والتنوع ضمن المجموعات الغذائية.
ولا يجب الاستهانة بتأثيرات النوعية الرديئة للنمط الغذائي في الصحة. فإن الأنماط الغذائية ذات النوعية الرديئة من العوامل المساهمة الرئيسية في الأعباء المتعددة لسوء التغذية – أي التقزم والهزال والنواقص في المغذيات الدقيقة والوزن الزائد والسمنة، كما أن نقص التغذية في مطلع الحياة، والوزن الزائد والسمنة من عوامل المخاطرة الرئيسية للإصابة بالأمراض غير المعدية. وتشكل الأنماط الغذائية غير الصحية عامل المخاطرة الرئيسي للوفاة جراء الأمراض غير المعدية. وفضلاً عن ذلك، فإن ارتفاع تكاليف الرعاية الصحية المرتبطة بارتفاع معدلات السمنة يمثل اتجاهًا سائدًا في أنحاء العالم.
وإذا ما افترضنا أنّ الأنماط الحالية لاستهلاك الأغذية تستوعب التغيرات المتوقعة في الدخل وفي السكان، بحسب السيناريو المرجعي الذي يمثل الأنماط الحالية لاستهلاك الأغذية، يتوقع للتكاليف المتصلة بالصحة أن تبلغ 1.3 ترليون دولار أمريكي في المتوسط عام 2030. وإن أكثر من نصف تلك التكاليف (57 في المائة) هي تكاليف مباشرة للرعاية الصحية نظرًا إلى ارتباطها بالتكاليف المترتبة عن معالجة الأمراض المختلفة المتصلة بالنمط الغذائي. أما الجزء الآخر (43 في المائة) فيمثل تكاليف غير مباشرة بما فيها الخسائر في إنتاجية العمل (11 في المائة) والرعاية غير الرسمية (32 في المائة).
وبدلاً من ذلك، إذا ما تم الأخذ بأي من أنماط التغذية البديلة الأربعة في التحليلات (النمط الغذائي المرن، والنباتي السمكي، والنباتي، والنباتي التام)، ستنخفض التكاليف الصحية المتصلة بالنمط الغذائي انخفاضًا كبيرًا يتراوح بين 1.2 و1.3 ترليون دولار أمريكي، ويمثل ذلك انخفاضًا بما متوسطه 95 في المائة من النفقات الصحية المرتبطة بالنمط الغذائي على نطاق العالم بالمقارنة مع السيناريو المرجعي في عام 2030.
فإن ما يأكله الناس وكيفية إنتاج ذلك الغذاء لا يؤثران فقط في صحتهم، وإنما لهما تشعبات كبرى بالنسبة إلى حالة البيئة وتغيّر المناخ. فالنظام الغذائي الذي تقوم عليه أنماط التغذية الحالية في العالم مسؤول عن 21 إلى 37 في المائة من انبعاثات غازات الدفيئة، الأمر الذي يبيّن أنه محرك رئيسي لتغير المناخ، حتى من دون مراعاة التأثيرات البيئية الأخرى.
وإن معظم التقييمات العالمية وفي ما بين البلدان التي تتناول التأثيرات البيئية، تركّز على انبعاثات غازات الدفيئة، لأن محدودية البيانات تعرقل المقارنات العالمية في ما بين البلدان للتأثيرات الأخرى المهمة المتصلة باستخدام الأراضي والطاقة واستعمال المياه. وتؤثر محدودية البيانات هذه سلبًا في التحليل العالمي لهذا التقرير نفسه الذي يتناول التكاليف المستترة لتغير المناخ عبر التركيز بشكل حصري على انبعاثات غازات الدفيئة وتأثيراتها المناخية.
وتقدر الكلفة الاجتماعية للنمط الغذائي المترتبة عن انبعاثات غازات الدفيئة في ما يخص الأنماط الحالية لاستهلاك الأغذية بحوالي 1.7 ترليون دولار أمريكي لعام 2030 في إطار سيناريو تكون فيه الانبعاثات مستقرةً. ويبين التحليل الذي أجريناه أن اعتماد أي من الأنماط الغذائية الصحية البديلة الأربعة التي تتضمن اعتبارات الاستدامة، قد يساهم في خفض ملحوظ للتكاليف الاجتماعية الناجمة عن انبعاثات غازات الدفيئة، والتي تتراوح بين 0.7 دولارات أمريكية و1.3 ترليون دولار أمريكي عبر الأنماط الأربعة (41–74 في المائة) في عام 2030.
تحقيقًا لأنماط غذائية صحية تتضمن اعتبارات الاستدامة، يجب إحداث تغييرات تحويلية كبيرة في النظم الغذائية وذلك على المستويات كافة. ونظرًا إلى التنوع الكبير في النظم الغذائية الراهنة، والتفاوتات الواسعة في حالة الأمن الغذائي والتغذية بين البلدان وداخلها، لا يوجد حل موحد يناسب الجميع تعتمده البلدان للانتقال من الحالة الراهنة إلى تحقيق أنماط غذائية صحية وإيجاد أوجه تآزر لخفض بصمتها البيئية أو الحد منها. وإن تقييم العوائق المتصلة بالسياق المحدد، وإدارتها على المدى القصير والطويل (وحتى تحملها أحيانًا) واستغلال أوجه التآزر، من الأمور الحيوية في هذا الصدد.
وبينما تقل كلفة النمط الغذائي الصحي عن أنماط الاستهلاك الغذائي الحالية، حين ننظر في التأثيرات الخارجية المرتبطة بالصحة وبالمناخ في بعض الحالات، نكتشف تكاليف أخرى غير مباشرة ومقايضات مهمة. ففي البلدان التي لا يقتصر فيها النظام الغذائي على توفير الأغذية فحسب وإنما يحرّك الاقتصاد الريفي، سيكون من المهم مراعاة أثر الانتقال إلى أنماط غذائية صحية، من حيث سبل معيشة المزارعين أصحاب الحيازات الصغيرة والفقراء الريفيين. ويجب في هذه الحالات إيلاء العناية للتخفيف من الأثر السلبي على الدخل وسبل المعيشة أثناء تحول النظم الغذائية من أجل تحقيق أنماط غذائية صحية ميسورة الكلفة.
وقد يحتاج العديد من بلدان الشريحة الدنيا من الدخل، التي يعاني سكانها أصلاً من نواقص في المغذيات، إلى زيادة بصمته الكربونية من أجل تلبية الاحتياجات الغذائية الموصى بها أولاً والغايات التغذوية، بما فيها تلك المتعلقة بنقص التغذية. ومن جهة أخرى، فإن البلدان الأخرى ولا سيما البلدان المتوسطة الدخل من الشريحة العليا والبلدان المرتفعة الدخل التي تتخطى فيها أنماط التغذية الاحتياجات المثلى من الطاقة، والتي يستهلك الناس فيها أغذية ذات مصدر حيواني أكثر من المستوى المطلوب، سيكون عليها إجراء تغييرات كبرى في ممارساتها الغذائية وبيئاتها الغذائية فضلاً عن تطبيق تغييرات شاملة في إنتاج الأغذية والتجارة بها.
يجب خفض كلفة الأغذية المغذية من أجل زيادة القدرة على تحمل كلفة الأنماط الغذائية الصحية. وتحدد عوامل كثيرة السعر الاستهلاكي للأغذية المغذية بدءًا من نقطة الإنتاج وعلى طول سلسلة إمدادات الأغذية وأيضًا ضمن البيئة الغذائية، حين يتعامل المستهلكون مع النظام الغذائي لاتخاذ قرارات بشأن ابتياع الأغذية وإعدادها واستهلاكها.
ويمكن لمعالجة الإنتاجية المتدنية في مجال إنتاج الأغذية أن تكون طريقةً فعّالة لزيادة إجمالي الإمدادات الغذائية، بما فيها الأغذية المغذية، عبر خفض أسعار الأغذية وزيادة الدخل لا سيما للمزارعين الأسريين وصغار المنتجين الأشد فقرًا في البلدان المنخفضة الدخل والبلدان المتوسطة الدخل من الشريحة الدنيا، مثل المزارعين والرعاة وصيادي الأسماك. وبالإضافة إلى الإنتاجية المتدنية، فإن التنويع غير الكافي باتجاه منتجات البستنة والبقوليات ومصايد الأسماك الصغيرة النطاق وتربية الأحياء المائية والإنتاج الحيواني وغيرها من المنتجات الغذائية المغذية من شأنه أيضًا أن يحد من إمدادات الأغذية المتنوعة والمغذية في الأسواق، مما يؤدي إلى زيادة أسعار الأغذية.
أما خفض الفواقد قبل الحصاد وبعده في الجودة والكمية على مستوى الإنتاج في قطاعات الزراعة والمصايد والحراجة فيشكل انطلاقة مهمة لخفض كلفة الأغذية المغذية على امتداد سلسلة إمدادات الأغذية، بما أن ذلك يخفف من الإتاحة الإجمالية لتلك الأغذية – فيما قد يساهم في الاستدامة البيئية كذلك. ويتمثل أحد المكونات المهمة الأخرى للبنية التحتية للسوق في الجودة الإجمالية للشبكة الوطنية للطرقات والنقل وكفاءتها نظرًا إلى أهميتها الحيوية في نقل المحصول من بوابة المزرعة إلى الأسواق بكلفة معقولة.
كما يمكن اعتبار المسافة المؤدية إلى أسواق الأغذية والوقت الذي يتطلبه إعداد وجبة صحية في زمن التحضر السريع وزيادة مشاركة النساء في الأنشطة الاقتصادية، من الدوافع الكامنة وراء التكاليف، لأن الأشخاص الذين يحاولون تخطيها يضطرون إلى القبول بكلفة إضافية تزاد إلى كلفة الغذاء نفسه.
كما تتسم السياسات الغذائية والزراعية بالقدرة على التأثير في كلفة الغذاء، بصورة مباشرة أو غير مباشرة. وبالأخص، فإن أولويات إطار السياسات الغذائية والزراعية تُبرز صعوبة تحقيق التوازن المطلوب لدى الاختيار بين تطبيق إجراءات في الزراعة مقابل تطبيقها في القطاعات الأخرى؛ والأهداف الحكومية المختلفة (كالسياسات الضريبية المختلفة)؛ والمنافع للمنتجين والمستهلكين والوسطاء وحتى بين القطاعات الفرعية الزراعية المختلفة.
وتؤثر السياسات التجارية في كلفة الأنماط الغذائية الصحية والقدرة على تحملها عبر تعديل الأسعار ذات الصلة بين الأغذية المستوردة وتلك التي تنافس الاستيراد. وإن التدابير التجارية الحمائية مثل فرض التعريفات على الواردات ومنع الاستيراد وتحديد حصّة له – إلى جانب برامج دعم المدخلات – غالبًا ما تندرج في إطار الاكتفاء الذاتي واستراتيجيات الاستعاضة عن الاستيراد. وفي البلدان المنخفضة الدخل، حمت هذه السياسة الإنتاج المحلي للأغذية الكثيفة الطاقة مثل الأرزّ والذرة وحفزته ولكن غالبًا ما كان ذلك على حساب المنتجات الغنية بالفيتامينات والمغذيات الدقيقة (كالفاكهة والخضار). وقد يكون لذلك تأثير سلبي في تيسر الأغذية الأكثر تغذية. وإن التدابير غير الجمركية كالتدابير الصحية وتدابير الصحة النباتية والحواجز التقنية أمام التجارة قد تؤثر سلبًا هي أيضًا في القدرة على تحمل كلفة الأنماط الغذائية المحلية إذ قد يواجه المصدّرون والمستوردون مثلاً تكاليف إضافية للامتثال للإجراءات التنظيمية، الأمر الذي سيرفع من كلفة التجارة.
وأخيرًا وليس آخرًا، اقترنت العولمة بنمو ضخم في الاستثمارات من جانب المؤسسات الغذائية عبر الوطنية وتزايد وتيرة بيع الأغذية من خلال المتاجر الكبرى والمعروفة باسم "ثورة السوبرماركت". وتمثل تلك التطورات جانبًا رئيسيًا للاقتصاد السياسي الذي يدفع تحوّل النظم الغذائية ويؤثر في كلفة الغذاء والقدرة على تحملها.
لا تزال أمامنا عشر سنوات لتحقيق المقاصد الطموحة لأهداف التنمية المستدامة ضمن البيئة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الراهنة – وهي بيئة تزداد انكشافًا أمام الصدمات المناخية وغيرها من الصدمات، ناهيك عن التأثيرات الصحية والاجتماعية والاقتصادية غير المسبوقة الناجمة عن جائحة كوفيد19-. وضمن هذا الإطار الزمني القصير، ينبغي للبلدان أن تحدد ماهية التغييرات الحاسمة في السياسات والاستثمارات وأن تنفذها لضمان قدرة كل شخص على تحمّل كلفة الحصول على أنماط غذائية صحية تشمل اعتبارات الاستدامة وثمة ضرورة ملحّة للعمل، لا سيما للشرائح الأكثر فقرًا في المجتمع التي تواجه أشد التحديات.
وعلى خفض كلفة الأغذية المغذية وزيادة القدرة على تحمل كلفة الأنماط الغذائية الصحية أن يبدأ بإعادة توجيه للأولويات الزراعية باتجاه إنتاج غذائي وزراعي أكثر مراعاة لشؤون التغذية. وينبغي للنفقات العامة أن تزيد لتمكين العديد من قرارات السياسات والاستثمارات المطلوبة لزيادة الإنتاجية وتشجيع التنويع في الإنتاج الغذائي وضمان إتاحة الأغذية المغذية بكميات وافرة.
وينبغي تجنب السياسات التي تعاقب الإنتاج الغذائي والزراعي (من خلال فرض الضرائب المباشرة وغير المباشرة) إذ أنها تميل إلى ممارسة تأثيرات سلبية في إنتاج الأغذية المغذية. كما ينبغي تعديل مستويات الدعم في مجالي الأغذية والزراعة ولا سيما في البلدان المنخفضة الدخل، تفاديًا لفرض ضرائب على الأغذية المغذية. وينبغي للسياسات أن تشجع الاستثمار في البنية التحتية للري بحيث تستهدف تحديدًا تحقيق قدرة معززة على إنتاج الخضار لجميع المواسم والسلع الأخرى عالية القيمة لزيادة إتاحة الأغذية المغذية. وبالمثل، فإن الاستراتيجيات والبرامج الوطنية للأغذية والزراعة يجب أن تعزّز الاستثمار في البحوث والتطوير، لتزيد الإنتاجية من الأغذية المغذية وتساعد في خفض كلفتها، فيما تعزز الوصول إلى تكنولوجيات محسنة ولا سيما للمزارعين الأسريين وصغار المنتجين من أجل الحفاظ على مستويات كافية من الربحية.
وثمة حاجة إلى سياسات أقوى من أجل سلاسل قيمة أكثر مراعاة للتغذية. وتتضمن إجراءات السياسات الرئيسية الاستثمار في تحسين التخزين والتجهيز والحفظ من أجل صون القيمة التغذوية للمنتجات الغذائية بدلاً من الاستثمار في الأغذية عالية التجهيز. وبوسع تحسين شبكة الطرقات الوطنية، فضلاً عن البنية التحتية للنقل والأسواق، أن يسهم مساهمة كبيرة في ضمان القدرة على تحمل أكبر لكلفة الأنماط الغذائية الصحية. وبالإضافة إلى تخزين الأغذية، فإن للمرافق المناسبة لمناولة الأغذية وتجهيزها أهمية أساسية في زيادة الوفورات على امتداد سلسلة القيمة من أجل توفير الأغذية المغذية.
وينبغي للسياسات والاستثمارات أن تركز أيضًا على الحد من الفاقد من الأغذية فبوسع ذلك أن يعزز تيسّر الأغذية المغذية بطريقتين: أولاً، عبر التركيز على المراحل الأولية (الإنتاج) لسلسلة إمدادات الأغذية، بما أن ذلك يميل إلى تعزيز الإمدادات وبالتالي خفض أسعار الأغذية عند بوابة المزرعة. ويتسم الأمر بأهمية خاصة في ما خص خفض الفواقد في السلع سريعة التلف كالفاكهة والخضار ومشتقات الحليب والسمك واللحوم. وثانيًا عبر استهداف الأجزاء المعينة من سلسلة إمدادات الأغذية حيث الفاقد من الأغذية في أعلاه، لأن ذلك قد يؤثر بدرجة أكبر في الحد من كلفة السلع الغذائية المستهدفة. وسيختلف التأثير الإجمالي للسعر من سلعة إلى أخرى وأيضًا من بلد إلى آخر.
ويصعب في أحيان كثيرة إيجاد توازن بين سياسات التجارة والتسويق الهادفة إلى خفض كلفة الغذاء للمستهلكين وبين تفادي عوائق الإنتاج المحلي للأغذية المغذية. ومع ذلك فإن كفاءة الآليات الداخلية للتجارة والتسويق قد تضاهي تدابير دعم التجارة الدولية – لا بل قد تفوقها – أهمية لجهة تحديد كلفة الأنماط الغذائية الصحية للمستهلكين في المدن والريف على حد سواء، فيما تضمن أيضًا استيفاء معايير السلامة الغذائية.
وتكتسي السياسات الرامية إلى خفض الفقر وانعدام المساواة في الدخل، مع تعزيز العمالة والأنشطة المولدة للدخل، أهميةً رئيسية في زيادة دخل الناس، وبالتالي القدرة على تحمل كلفة الأنماط الغذائية الصحية. وتوجد أوجه تآزر مهمة بين السياسات المعزّزة للعمالة والمخفّضة لانعدام المساواة في الدخل من أجل زيادة الأمن الغذائي وتحسين التغذية، بما في ذلك الحماية الاجتماعية، تم تناولها بشكل معمق في إصدار عام 2019 من هذا التقرير.
وفي هذا الإصدار من التقرير، تم تسليط الضوء بشكل خاص على أهمية سياسات الحماية الاجتماعية المراعية للتغذية. فإنّ هذا النوع من السياسات يعتبر الأنسب لتوفير وصول أفضل إلى الأغذية المغذية للمستهلكين الأقل دخلاً، وبالتالي قدرتهم على تحمل كلفة الأنماط الغذائية الصحية على نحو أكبر. ومن المهم تعزيز آليات الحماية الاجتماعية المراعية للتغذية، مع ضمان تمكنّها من دعم استكمال المغذيات الدقيقة عند الحاجة، فضلاً عن استحداث بيئات غذائية صحية عبر تشجيع المستهلكين على تنويع أنماطهم الغذائية لخفض الاعتماد على الأغذية الأساسية النشوية، وخفض استهلاك الأغذية الغنية بالدهون والسكريات و/أو الأملاح وتضمين المزيد من الأغذية المتنوعة والمغذية. ويمكن لتلك الآليات أن تتضمن عددًا من أدوات السياسات التي تتمثل عادةً في برامج التحويلات النقدية وأيضًا في التحويلات العينية وبرامج التغذية المدرسية ودعم الأغذية المغذية. ويمكن لتلك السياسات أن تكون مهمة بصورة خاصة بمواجهة الشدائد، بحسب ما نلاحظه اليوم خلال جائحة كوفيد19-.
ونظرًا إلى نقاط الانطلاق المختلفة والتحديات في كل بلد، فضلاً عن المقايضات المتبادلة الممكنة، من الأرجح أن يكون تطبيق مزيج من تدخلات السياسات التكميلية الرامية إلى خفض كلفة الأغذية المغذية، بالاقتران مع تعزيز تيّسر كلفة النظم الغذائية الصحية، أكثر فعاليةً من أي تدبير منفرد على مستوى السياسات.
ومن أجل تحقيق أنماط تغذية صحية، ستدعو الحاجة إلى تغييرات تحويلية كبيرة في النظم الغذائية على المستويات جميعها، ومن المهم التشديد على أنه بالرغم من بعض التداخلات، تتخطى تلك التغييرات نطاق السياسات والاستثمارات المصممة والمنفذة صراحة للحد من كلفة النظم الغذائية الصحية وزيادة القدرة على تحملها. ما يعني أنه ينبغي استيفاء شروط أخرى تتطلب جملة كاملة من السياسات الأخرى المصممة بصراحة للتوعية والتأثير في سلوك المستهلك لحمله على اختيار الأنماط الغذائية الصحية، مع أوجه تآزر مهمة إذا أمكن، لأجل الاستدامة البيئية.
أعربت البلدان الأعضاء في الأمم المتحدة في عام 2015 عن التزامها بخطة التنمية المستدامة لعام 2030 (خطة عام 2030). وتعترف هذه الخطة بأهمية النظر إلى ما يتجاوز هدف القضاء على الجوع والتوجه نحو الأهداف المتعلقة بضمان حصول الجميع على ما يكفيهم من الغذاء المأمون والمغذي طوال العام، ووضع نهاية لجميع أشكال سوء التغذية (المقصدان 1 و2 للهدف 2 من أهداف التنمية المستدامة). وبعد مضي خمسة أعوام على البدء بتنفيذ خطة عام 2030، حان الوقت الآن لتقييم تقدّمها والتساؤل عما إذا كانت الجهود المتواصلة التي بُذلت حتى اليوم ستتيح للبلدان تحقيق هذه الأهداف. ولهذا السبب، يستكمل تقرير هذا العام التقييم الاعتيادي لحالة الأمن الغذائي والتغذية في العالم بواسطة توقعات لما ستكون حالة العالم عليه بحلول عام 2030، في حال استمرار الاتجاهات التي سادت خلال العقد المنصرم. والأهمّ من ذلك، في ظلّ استمرار تفشي جائحة كوفيد19-، أنّ هذا التقرير يحاول توقع بعض آثار هذه الجائحة العالمية على الأمن الغذائي والتغذية. لكن، كون الأضرار التي ستخلفها جائحة كوفيد19- لا تزال مجهولة إلى حد كبير، من المهم الاعتراف بأن أي تقييم في هذه المرحلة سيكون غير أكيد بنسبة عالية، وسينبغي تفسيره بتأن.
والأمن الغذائي والتغذية صنوان لا يفترقان. ويمكن أن يؤدي انعدام الأمن الغذائي إلى مظاهر مختلفة من سوء التغذية. وهناك عنصر أساسي يشرح هذا الارتباط وهو الأغذية التي يتناولها الأشخاص، وتحديدًا، جودة النمط الغذائي. ويمكن أن يؤثر انعدام الأمن الغذائي على جودة النمط الغذائي بطرق مختلفة، ويحتمل أن يفضي إلى النقص التغذوي والوزن الزائد والسمنة. ويشكل ضمان الحصول على نمط غذائي صحي شرطًا أساسيًا من أجل تحقيق مقصد أهداف التنمية المستدامة الرامي إلى وضع نهاية لجميع أشكال سوء التغذية. ولهذا السبب، يدرس هذا التقرير قضايا عديدة تتعلق بجودة الأنماط الغذائية، بما في ذلك تحديات التقييم والمراقبة في ما يخص استهلاك الأغذية وجودة الأنماط الغذائية على المستوى العالمي.
ويعرض القسم 1–1 أحدث الأدلة المتاحة بشأن التقدم نحو تحقيق المقاصد المتعلقة بالجوع وانعدام الأمن الغذائي (المقصد 1 للهدف 2 من أهداف التنمية المستدامة). وهذا التقييم يكمّله تقييم أولي للقدرة على تحقيق هذه المقاصد بحلول عام 2030 على المستويين العالمي والإقليمي استنادًا إلى الافتراض القائل باستمرار الاتجاهات الملاحظة في العقد الماضي.
ويعرض القسم 1–2 أحدث الأرقام بشأن التقدم نحو تحقيق المقاصد العالمية لسبعة مؤشرات تخص التغذية (بما فيها 3 مؤشرات للمقصد 2 للهدف 2 من أهداف التنمية المستدامة)، فضلاً عن تسليط الضوء على تقزم الأطفال. ويلقي القسم كذلك نظرة على ما ستكون عليه حالة التغذية في عام 2030 لو استمرت الاتجاهات الحالية.
وتستخدم التحليلات المذكورة في القسمين 1–1 و1–2 بيانات المدخلات المجمّعة حتى مارس/آذار 2020، ولكن بفترة مرجعية تنتهي في عام 2019. وبالتالي، ينبغي أن تُفهم على أنها تمثل حالة الأمن الغذائي والتغذية قبل تفشي جائحة كوفيد19-. وفي هذه المرحلة، لا يتسنى إجراء قياس كامل ومطّلع لحجم الأثر الذي ستخلّفه جائحة كوفيد19-. ورغم ذلك، يعرض هذا التقرير تقييمًا للطريقة التي قد تؤثر فيها الجائحة على الأمن الغذائي والتغذية، وذلك ضمن الحدود التي تفرضها المعلومات المتاحة حاليًا.
ويصف القسم 1–3 تحديات تحديد جودة الأنماط الغذائية ومراقبتها. ويعرض كذلك أدلة على ما يتناوله الأشخاص حول العالم، بما في ذلك الاتجاهات العالمية في توافر الأغذية، وتقييمات جودة الأنماط الغذائية على المستويين العالمي والوطني. وفي الختام، ينظر القسم في الرابط المهم بين انعدام الأمن الغذائي لدى الأشخاص (الحصول على الأغذية) وجودة الأنماط الغذائية. وينقلنا ذلك إلى الجزء الثاني من هذا التقرير، الذي يفحص بتعمق كلفة الأنماط الغذائية الصحية والقدرة على تحملها. وفي الختام يلخص القسم 1–4 الجزء الأول.
يعرض هذا الإصدار من التقرير أحدث الأدلة المتاحة بشأن التقدم نحو تحقيق المقاصد المتعلقة بالجوع وانعدام الأمن الغذائي. ويحاول أيضًا التنبؤ بحالة الأمن الغذائي في عام 2030 عن طريق تقييم التوجه الحالي للجوع على المستويين العالمي والإقليمي.
ويستفيد التقييم من التحديثات المهمة لبيانات العديد من البلدان. وتسنى بصفة خاصة بفضل البيانات الجديدة التي أتيحت عن الصين تحديث التقديرات الخاصة بحالات التفاوت في استهلاك الطاقة الغذائية في البلد. وأتاح لنا ذلك بدوره مراجعة كامل سلسلة معدل انتشار النقص التغذوي في البلاد منذ عام 2000، وبالتالي، تقدير الجوع في العالم بمزيد من الدقة (أنظر الإطار 1).
من المعتاد مراجعة معايير تقدير معدل انتشار النقص التغذوي سنويا في ظل ازدياد توافر البيانات. ويؤدي ذلك إلى استحالة مقارنة تقديرات معدلات انتشار النقص التغذوي بين مختلف إصدارات التقرير (أنظر الإطار 2 والملحق 2). ومع ذلك، لا تتاح البيانات اللازمة لتحديث المعايير لجميع البلدان كل سنة. وكانت هذه السنة حافلة بالتحديثات، بما في ذلك مراجعة المعيار الحاسم لعدم المساواة في استهلاك الغذاء في 13 بلدًا، بما في ذلك بعض البلدان الأكثر اكتظاظًا بالسكان في العالم. وكما أكدت الإصدارات السابقة، كان من الصعب بصفة خاصة حتى هذا العام الوصول إلى بيانات أحدث لتنقيح معايير عدم المساواة في استهلاك الغذاء في الصين. وبالنظر إلى أن البلد يستضيف خُمس سكان العالم، فإن أي تحديث للمعايير الصينية يمكن أن يحدث فرقًا كبيرًا في التقديرات العالمية.
وبينما لا تزال الصين تواجه تحديات تتعلق بالأمن الغذائي والتغذية، فقد حققت منذ التحديث الأخير مكاسب كبيرة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية لا تعكسها التقييمات السابقة. ومما أكد قناعتنا بالحاجة إلى تحديث معدل انتشار النقص التغذوي للصين من خلال أحدث تقييم عن حالة التغذية في الصين تقرير الأمراض المزمنة والتغذية لدى سكان الصين لعام 2015، الذي نشرته اللجنة الصينية المعنية بالصحة الوطنية والتخطيط الأسري في 30 يونيو/حزيران 2015. ويظهر التقرير تحسنًا مهمًا في الحالة التغذوية لسكان الصين، بما في ذلك انخفاض النقص التغذوي لدى البالغين (الذي يُقاس بالنسبة المئوية للأفراد مع مؤشر كتلة الجسم دون 18.5 كيلوغرام/متر مربع) من 8.5 في المائة في عام 2002 إلى 6 في المائة في عام 2012، وكذلك انخفاض تقزم الأطفال دون سن السادسة من 16.3 في المائة في عام 2002 إلى 8.1 في المائة في عام 2013. 12،11 * ومع ذلك، تعذر استخدام البيانات الواردة في التقرير لإجراء التحديث لأنها لا توفر معلومات عن عدم المساواة في استهلاك الغذاء بين السكان.
وحصلت المنظمة هذا العام على بيانات استقصائيتين في الصين يمكن استخدامهما لتحديث تقديرات معدل انتشار النقص التغذوي. وأولاهما هي الدراسة الاستقصائية للصحة والتغذية في الصين،** التي أجريت من عام 1990 إلى عام 2011 وتغطي 12 منطقة إدارية على مستوى المقاطعات في الصين. وأما الثانية فهي الدراسة الاستقصائية الخاصة بالشؤون المالية للأسر في الصين،*** التي تغطي 28 منطقة من أصل 34 منطقة إدارية على مستوى المقاطعة في الصين، وقد أُجريت هذه الدراسة كل عامين من عام 2011 إلى عام 2017. وباستخدام هذه البيانات، تسنى تحديث المعلومات عن عدم المساواة في استهلاك الطاقة الغذائية بين سكان الصين، وبالتالي تقديرات معدل انتشار النقص التغذوي في الصين، وتنقيح السلسلة كلها حتى عام 2000 من أجل الحفاظ على اتساقها.
ورغم الاستناد إلى أطر وتصاميم مختلفة للعينات، توفر كل من الدراسة الاستقصائية للصحة والتغذية في الصين والدراسة الاستقصائية الخاصة بالشؤون المالية للأسر في الصين تقديرات موثوقة بشكل كافٍ لمتوسط استهلاك الأغذية ومتوسط نفقات الأغذية، على التوالي، بحسب المقاطعة وفئة الدخل. ومكّن ذلك تقدير دالة إحصائية تربط بين الاستهلاك اليومي للطاقة الغذائية في الأسر العادية في الصين وما تنفقه شهريًا على الأغذية. واستُخدم النموذج المقدّر من أجل التنبؤ بمستويات استهلاك الطاقة بحسب فئة الدخل في كل مقاطعة وفي كل عام بناء على بيانات نفقات الأغذية الواردة في الدراسة الاستقصائية الخاصة بالشؤون المالية للأسر في الصين. وقد استُخدمت النتائج، المقاسة بعدد السكان الحالي في كل فئة دخل في المقاطعة، من أجل حساب تقديرات عدم المساواة في الاستهلاك الاعتيادي للطاقة الغذائية بسبب الدخل (معامل الاختلاف|الدخل) في الأعوام 2011 و2013 و2015 و2017. واستخدمت هذه التقديرات بعد ذلك من أجل تحديث سلسلة معدل انتشار النقص التغذوي في الصين.**** ومع المراجعة، يقل معدل الانتشار المقدر للنقص التغذوي في الصين في عام 2017 عن 2.5 في المائة من السكان، وهي أقل قيمة يمكن ذكرها بشكل موثوق باستخدام منهجية معدل انتشار النقص التغذوي. وبدون المراجعة، سيكون تقدير عام 2017 في حدود 10 في المائة.
وأسفرت تنقيحات سلسلة الصين عن سلسلة جديدة من تقديرات معدل انتشار النقص التغذوي وعدد من الذين يعانون من النقص التغذوي في العالم، والتي تعكس معلومات جديدة، أصبحت الآن أكثر دقة مما كانت عليه من قبل. وأسفر ذلك عن تحول كبير نحو الهبوط في كامل سلسلة أرقام الجوع العالمية، كما هو مبين في الشكل ألف. وعلى الرغم من هذا التحول في المستويات، تؤكد المراجعة الاتجاه الذي أفادت به الإصدارات السابقة من هذا التقرير من أنّ عدد الأشخاص الذين يعانون الجوع في العالم يرتفع بشكل بطيء منذ عام 2014.
ألف- عدد الذين يعانون من النقص التغذوي في العالم، مع المراجعة الخاصة بالصين ومن دونها
وبالإضافة إلى اتجاهات تحسن التغذية في الصين التي يشير إليه تقرير عام 2015 أعلاه، تم إجراء مزيد من التحقق من المراجعة عن طريق مقارنة التقديرات العالمية المراجعة لمعدل انتشار النقص التغذوي بالتقديرات الأخيرة لمعدل انتشار انعدام الأمن الغذائي الشديد بناء على مقياس المعاناة من انعدام الأمن الغذائي. وعلى النحو الموضح في الإصدارات السابقة للتقرير، فإن معدل انتشار النقص التغذوي ومعدل انتشار انعدام الأمن الغذائي الشديد بناء على مقياس المعاناة من انعدام الأمن الغذائي هما معدلان مختلفان، ومقياسان مستقلان لمدى انتشار الحرمان التغذوي الجسيم، ويقومان على طرق ومصادر بيانات مختلفة. غير أنهما يشكلان طريقتين تكميليتين للنظر في مدى انتشار الجوع في العالم (أنظر أيضًا القسم الخاص بالمؤشر 2-1-2 لأهداف التنمية المستدامة في هذا التقرير).
وتظهر التقديرات المراجعة لمعدل انتشار النقص التغذوي، للعالم بأسره والعالم باستثناء الصين على السواء (الشكل باء)، تقاربًا ملحوظًا مع سلسلة معدل انتشار انعدام الأمن الغذائي الشديد في الفترة 2014-2019. ويؤكد ذلك صحة المراجعة والحاجة الماسة إليها. والتوافق الكبير لهذين المؤشرين - للصين والعالم - هو خطوة إيجابية نحو وضع خط أساس موحد لقياس التقدم على طريق تحقيق الهدف 2 من أهداف التنمية المستدامة.
باء- معدل انتشار النقص التغذوي في العالم مع احتساب الصين ومن دون احتسابها، مقارنة بمعدل انتشار انعدام الأمن الغذائي الشديد بناء على مقياس المعاناة من انعدام الأمن الغذائي
ويعرض التقرير تقييمًا لعام 2019 استنادًا إلى البيانات التي كانت متاحة في مارس/آذار 2020، قبيل أن تبدأ جائحة كوفيد19- بالتفشي. ويبدو أن التحدي المتمثل في القضاء على الجوع وضمان حصول الجميع على الغذاء المأمون والمغذي بات الآن أكثرت هولاً. وتعطي الأرقام والتوقعات الواردة في هذا القسم والقسم 1–2 صورة عن طريقة تطور انعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية لو لم تظهر جائحة كوفيد19-. وفي هذا الصدد، يُعد هذا التقييم تقييمًا مهمًا ليستخدم كخط أساس من أجل تقييم أثر الجائحة على انعدام الأمن الغذائي والتغذية.
سبق للإصدارات الثلاثة الأخيرة من هذا التقرير أن قدمت الدليل على أن تراجع الجوع في العالم الذي طال عقودًا، مقاسًا باستخدام معدل انتشار النقص التغذوي، قد بلغ نهايته للأسف. وقد بيّنت أدلة إضافية وعدة تحديثات مهمة للبيانات، بما يشمل مراجعةً لكامل سلسلة انتشار النقص التغذوي في الصين (أنظر الإطارين 1 و2)، أن حوالي 690 مليون شخص في العالم (8.9 في المائة من السكان في العالم) قد عانوا من نقص التغذية في عام 2019 (الشكل 1 والجدولان 1 و2). وتؤكد المراجعة في ضوء البيانات الجديدة التي تفضي إلى تراجع تنازلي موازٍ في مجمل السلسلة العالمية لانتشار النقص التغذوي، ما خلصت إليه الإصدارات السابقة لهذا التقرير، من أن عدد الجياع في العالم آخذ في التزايد ببطء. وقد بدأ هذا الاتجاه في عام 2014 واستمرّ حتى عام 2019. ويزيد حاليًا عدد الذين يعانون من النقص التغذوي بحوالي 60 مليون شخص تقريبًا مقارنة بعام 2014 الذي بلغ فيه معدل الانتشار 8.6 في المائة – بزيادة بلغت 10 ملايين شخص في ما بين عامي 2018 و2019.
تجري دائمًا مراجعة سلسلة معدل انتشار النقص التغذوي قبيل نشر كل إصدار جديد لتقرير حالة الأمن الغذائي والتغذية في العالم. ويجري ذلك من أجل مراعاة أي معلومات جديد تلقتها المنظمة منذ نشر الإصدار السابق. ونظرًا إلى أن هذه العملية تنطوي على تعديلات رجعية للسلسلة بكاملها، يجب على القارئ أن يتجنب مقارنة سلسلة معدل انتشار النقص التغذوي بين مختلف إصدارات هذا التقرير. ويجب أن يرجع دائمًا إلى أحدث تقرير، بما في ذلك من أجل القيم القديمة. ولهذا أهمية خاصة هذا العام، نظرًا إلى المراجعة التنازلية الكبيرة لتقديرات سلسلة معدل انتشار النقص التغذوي الناتجة عن تحديث معدل انتشار النقص التغذوي للصين (أنظر الإطار 1).
ووسع هذا الإصدار نطاق التوقعات لتصل حتى عام 2030 من أجل تقديم المؤشرات الأولية عما إذا كان العالم على المسار المطلوب من أجل تحقيق مقصد أهداف التنمية المستدامة المتعلق بالقضاء التام على الجوع في عام 2030. وأُجري ذلك إضافة إلى المراجعات الروتينية بسبب معالجة البيانات الجديدة ودون توقع بداية جائحة كوفيد19-.
المراجعات الروتينية
وتتضمن إحدى المراجعات الروتينية سلسلة بيانات السكان المستخدمة لجميع البلدان. واقتُبست الأرقام السكانية الوطنية من منشور التوقعات السكانية في العالم الصادر في يونيو/حزيران 2019 عن شعبة السكان التابعة لإدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية، التابعة لأمانة الأمم المتحدة. وجدير بالذكر أن السلسلة الجديدة لتقديرات السكان تذكر أرقامًا مختلفة كذلك بالنسبة إلى الأعوام الأخيرة، نظرًا إلى أن السلسلة الإحصائية الرسمية تُراجع بشكل رجعي كل مرة تتاح فيها بيانات جديدة، وتُصحح أوجه التضارب. ويترتب على أرقام السكان، من حيث تركيبة العمر والجنس، آثارًا عديدة بالنسبة إلى تقديرات معدل انتشار النقص التغذوي. فهي تدخل في حساب مستويات إمدادات الطاقة الغذائية لكل فرد، وفي تقديرات الحد الأدنى من متطلبات الطاقة الغذائية، وتقديرات معامل الاختلاف لاستهلاك الطاقة التي يمكن إرجاعها إلى الاختلافات في متطلبات الطاقة (معامل الاختلاف|متطلبات الطاقة) والمعايير المستخدمة في حساب عدد الأشخاص الذين يعانون من النقص التغذوي. وأظهرت البيانات الجديدة من مراجعة 2019 في التوقعات السكانية في العالم انخفاض التقديرات السابقة لمستويات الحد الأدنى من متطلبات الطاقة الغذائية ومعامل الاختلاف|متطلبات الطاقة، مما ينتج عنه انخفاض في مستويات معدل انتشار النقص التغذوي مقارنة بتقييمات من أعوام سابقة.
والمراجعة الكبيرة الأخرى التي تجريها المنظمة بشكل منتظم هي تحديث سلسلة ميزانية الأغذية المستخدمة في تقدير متوسط إمدادات الطاقة الغذائية. ومنذ مايو/أيار 2019، استخدمت شعبة الإحصاء في المنظمة طرقًا محسنة من أجل جمع ميزانيات الأغذية، مما أفضى إلى مراجعة سلسلة إمداد الأغذية في جميع بلدان العالم. وفي ديسمبر/كانون الأول 2019، أُضيف حقل جديد لميزانية الأغذية في قاعدة البيانات الإحصائية الموضوعية في المنظمة، مصحوباً بسلسلة من عام 2014 وحتى عام 2017. ومع نهاية عام 2020، سيتم توسيع نطاق السلسلة حتى عام 2018 بالنسبة إلى جميع البلدان. وترقباً لهذا الإصدار، استخدمت البيانات الجديدة غير المنشورة لميزانية الأغذية بالنسبة إلى 50 بلدًا في عام 2018، وذلك من أجل تحديث تقديرات استهلاك الطاقة الغذائية بين السكان، وهو ما يرشد تقديرات معدل انتشار النقص التغذوي في عام 2018 المذكورة في هذا التقرير. وكانت مراجعة ميزانية الأغذية أساسية لعدد من البلدان، إذ إنها أشارت حتى إلى إمدادات غذائية أقل في الأعوام الأخيرة مقارنة بالتوقعات السابقة.
وأخيرًا، بما أنه أُتيحت بيانات جديدة عن استهلاك الأغذية من الدراسات الاستقصائية للأسر، جرى دراسة التقديرات المراجعة لمعامل الاختلاف الخاص بالمستويات العادية لاستهلاك الطاقة الغذائية يوميًا لكل فرد بالنسبة إلى قليل من البلدان ولأعوام قليلة. ومنذ الإصدار السابق لهذا التقرير، عولجت البيانات من 25 دراسة استقصائية جديدة في 13 بلدًا لتحديث معامل الاختلاف: بنغلاديش، والصين، وكولومبيا، وإكوادور، وإثيوبيا، والمكسيك، ومنغوليا، وموزامبيق، ونيجيريا، وباكستان، وبيرو، والسودان، وتايلاند. وعند توفر تقدير جديد لمعامل الاختلاف من دراسة استقصائية في بلد ما، يتم مراجعة السلسلة الكاملة وتُربط آخر نقطة بيانات متاحة مع أحدث نقطة بيانات عن طريق الاستكمال الخطي. ولكن بالنسبة إلى أغلب البلدان، تعود أحدث الدراسات الاستقصائية المتاحة إلى عام 2014 أو قبل ذلك.
وعند توفر تقدير موثوق لمعدل انتشار انعدام الأمن الغذائي الشديد بناء على مقياس المعاناة من انعدام الأمن الغذائي - أنظر القسم التالي بشأن المؤشر 2-1-2 لأهداف التنمية المستدامة - بالنسبة إلى البلدان، يجري تحديث عنصر معامل الاختلاف لاستهلاك الأغذية، المرتبط باختلافات الدخل بين الأسر (معامل الاختلاف|الدخل). ويستند التحديث إلى اتجاه معدل انتشار انعدام الأمن الغذائي الشديد من عام 2015 أو العام الذي تتوفر فيه آخر دراسة استقصائية لاستهلاك الأغذية، في حال كان الأخير أحدث. ويتم التحديث من أجل معرفة الاتجاهات الأخيرة في مجال عدم المساواة في استهلاك الأغذية. وعند الربط بين معدل انتشار انعدام الأمن الغذائي الشديد ومعامل الاختلاف، لم يُنظر إلا في أجزاء التغيير في قيم معدل انتشار النقص التغذوي التي يمكن أن تُعزى إلى التغييرات في عدم المساواة في استهلاك الأغذية.
التوقعات
عند توسيع نطاق توقعات معدل انتشار النقص التغذوي من أجل تقييم آفاق تحقيق المقصد المتعلق بالقضاء التام على الفقر بحلول عام 2030، تم الأخذ بنهج يقوم على توقع كل عنصر من العناصر الثلاثة الأساسية لتقديرات معدل انتشار النقص التغذوي بشكل منفصل لكل بلد. وتم جمع قيم معدل انتشار النقص التغذوي وعدد الذين يعانون من النقص التغذوي على المستويين الإقليمي والعالمي.
أولاً، استخدمت التوقعات الخاصة بحجم وتركيبة السكان ( المتغيرات المتوسطة) متاحة بسهولة في التوقعات السكانية في العالم. وأتاح ذلك الحصول على توقعات قيم الحد الأدنى من متطلبات الطاقة الغذائية ومعامل الاختلاف|متطلبات الطاقة حتى عام 2030.
وثانيًا، فإن السلسلة الزمنية الحالية لإجمالي إمدادات الطاقة الغذائية من 2005 وإلى 2017/2018 قد تم التنبؤ بها حتى عام 2030 باستخدام نسخة مبسطة من التمهيد الأسّي، التي تعالج المتوسطات المرجّحة في الإحصاءات السابقة مع تدهور المقاييس أسّيًا كلما زاد عمر الإحصاءات. وبعبارة أخرى، كلما كانت الإحصائية حديثة ارتفع المقياس المرتبط بها. وقُسم بعد ذلك إجمالي إمدادات الطاقة الغذائية على الأرقام المتوقعة للسكان من أجل توفير مؤشر لتطور المستويات لكل فرد.
وأخيرًا، تم توسيع نطاق الاتجاهات في معامل الاختلاف كما هو مقدّر من عام 2015 أو من تاريخ آخر دراسة استقصائية متاحة لتصل حتى عام 2030، وذلك باتباع المبدأ ذاته الذي وجّه تحديث معامل الاختلاف حتى عام 2019.
وللاطلاع على مزيد من التفاصيل، بما في ذلك بشأن منهجية التوقعات حتى عام 2030، أنظر الملحوظة المنهجية في الملحقين 1باء و2.
وهناك عدد من الأسباب وراء زيادة الجوع في الأعوام القليلة الماضية. وتشكل الظروف الاقتصادية الضعيفة والراكدة والمتدهورة أسبابًا كامنة وراء زيادة الفقر والنقص التغذوي. وقد كان لتباطؤ الاقتصاد وتراجعه، وخاصة منذ الأزمة الاقتصادية في الفترة 2008–2009، آثار كبيرة على الجوع من خلال قنوات متعددة.1 ورغم التقدم الكبير في العديد من أفقر بلدان العالم، وانخفاض معدل الفقرة المدقع في العامين الأخيرين من أكثر من 50 في المائة إلى حوالي 30 في المائة، يعيش 10 في المائة تقريبًا من سكان العالم على 1.90 دولارًا أمريكيًا في اليوم أو أقل، ولا سيما في أفريقيا جنوب الصحراء وآسيا الجنوبية.2 وزاد الدين بشكل كبير في العديد من الاقتصادات الفقيرة خلال العقد الماضي، إذ بلغت مجموع الديون 170 في المائة تقريبًا من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2018، 3 وساهمت بالتالي في زيادة المخاطر العالمية وإضعاف آفاق النمو في العديد من الاقتصادات الناشئة والنامية.
ويشكل المستوى العالي من الاعتماد على تصدير السلع وعلى استيرادها عاملاً آخر يجعل بلدانًا ومناطق عديدة أكثر عرضة للصدمات الخارجية. وما يقوض كذلك الحصول على الأغذية، خاصة بالنسبة إلى الفئات الفقيرة والضعيفة، هو انعدام المساواة بشكل كبير في توزيع الدخل والأصول والموارد. وتتفاعل الظروف الاقتصادية والاختلالات الهيكلية وشمولية الإطار السياساتي مع الأسباب الطبيعية ومن صنع الإنسان لتتسبب في استمرار الفقر والجوع.
وتشكل الوتير المتزايدة للأحداث المناخية القاسية، والظروف البيئية المتغيرة، وما يرتبط بذلك من انتشار الآفات والأمراض على مر الأعوام الخمسة عشر الماضية، عوامل تساهم في حدوث الدائرة المفرغة للفقر والجوع، ولا سيما عندما تتفاقم بسبب المؤسسات الهشة والنزاعات والعنف وتهجير السكان على نطاق واسع. 7،6،5،4 وقد زاد عدد الأشخاص المهجرين في العالم في عام 2018 عن عام 2010 بنسبة تزيد عن 70 في المائة، إذ وصل العدد تقريبًا إلى 70.8 مليون، وتستضيف البلدان النامية معظم هذا العدد.2
والمتضررون بشكل أكبر من هذه الظواهر هم صغار المزارعين والمجتمعات التي تعتمد بشكل مباشر على قدرتها على إنتاج غذائها الخاص. وعلاوة على ذلك، يرتفع معدل انتشار الجوع في البلدان ذات النمو السكاني السريع والحصول الضعيف على الرعاية الصحية والتعليم. ويُرسي ذلك روابط مباشرة بين الأمن الغذائي والتغذية والظروف الصحية لدى السكان، مما يؤثر بدوره على آفاق النمو الاقتصادي والتنمية.
ويُظهر الشكل 1 أن العالم ليس على المسار المطلوب من أجل تحقيق المقصد 1 للهدف 2 من أهداف التنمية المستدامة المتمثل في القضاء التام على الجوع بحلول 2030. وتشير التوقعات المجموعة للاتجاهات الأخيرة في حجم وتركيبة السكان، والتوافر الإجمالي للأغذية، ودرجة عدم المساواة في الحصول على الأغذية، إلى زيادة في معدل انتشار النقص التغذوي بحوالي نقطة مئوية. وكنتيجة لذلك، فإن العدد العالمي لالذين يعانون من النقص التغذوي في عام 2030 سيتخطى عتبة 840 مليون شخص (أنظر وصف منهجية التوقع في الإطار 2 والملحق 2).
وتشير هذه التوقعات لعام 2030 إلى أن المقصد 2–1 لخطة التنمية المستدامة لعام 2030 – "القضاء على الجوع وضمان حصول الجميع، ولا سيما الفقراء والفئات الضعيفة، بمن فيهم الرضّع، على ما يكفيهم من الغذاء المأمون والمغذّي طوال العام بحلول عام 2030" – لن يتحقق مالم يتخذ أصحاب المصلحة على جميع المستويات، من المستوى الوطني الفرعي وصولاً إلى المستوى العالمي، إجراءات عاجلة ومتسقة من أجل عكس هذه الاتجاهات.أ
وهذه هي الحالة المتوقعة في عام 2030 بناء على الاتجاهات في الأعوام الأخيرة، دون احتساب الأثر المجهول لجائحة كوفيد19-. وستسرّع الجائحة على الأرجح الزيادة المتوقعة في عدد الجياع، على الأقل في المستقبل القريب. ويعزز ذلك الحاجة إلى اتخاذ إجراء عاجل من أجل العودة إلى المسار المطلوب نحو تحقيق هدف القضاء التام على الجوع. ويناقش الإطار 3 الأثر المحتمل لجائحة كوفيد19- على تطلعات الأمن الغذائي في العالم في عام 2030.
يعرض هذا التقرير توقعات (الشكل 1) بشأن المدى المحتمل لتفشي الجوع في العالم في عام 2030، في حال استمرار اتجاهات العقد الماضي الملاحظة حتى أواخر العام الماضي (أنظر الإطار 2 والملحقين 1باء و2). وحتى نشر هذا التقرير (يونيو/حزيران 2020)، تواصل جائحة كوفيد19- انتشارها عبر أنحاء المعمورة وتشكل بشكل واضح تهديدًا جسيمًا للأمن الغذائي العالمي. ولا شك في أن الجائحة ستعرّض المزيد من الأشخاص لانعدام الأمن الغذائي وستسرع الارتفاع المتوقع في عدد الجياع، ما لم تُتخذ إجراءات فورية. وبما أنه يُجهل القدر الذي ستستمر فيه جائحة كوفيد19-، سواء من حيث النطاق أو الشدة، يجب اعتبار التوقعات الواردة هنا على أنها توقعات أولية.
وهناك طرق عديدة يمكن بها للجائحة أن تؤثر على النظم الغذائية والأمن الغذائي.16،15،14 ومن الواضح أن جائحة كوفيد19- تسبب بالفعل في شتى أنحاء العالم صدمات لجانبي الإمداد والطلب في النظم الغذائية. فمن جانب الإمداد، قد لا تسبب جائحة كوفيد19- ذاتها نقصًا في الأغذية، نظرًا إلى أن إنتاج محاصيل الأغذية الرئيسية (القمح والأرز والذرة وفول الصويا) يُتوقع أن يبقى فوق المتوسط في عام 2020. 17 ولكن الجائحة قد عطّلت بالفعل سلسلة الإمدادات الغذائية. والتدابير الرامية إلى احتواء جائحة كوفيد19- تحد بالفعل من تنقل اليد العاملة في المناطق التي تعتمد على العمل الموسمي أو العمال المهاجرين، وهذا ما يصعب الوصول إلى الأسواق ونقل الأغذية ضمن البلدان وعبرها. ويمكن لحالات التعطل الأخرى في المجال اللوجيستي أن توقف مواسم الزراعة الجديدة.
كيف يمكن أن تؤثر جائحة كوفيد19- على الجوع في العالم: السيناريوهات الثلاثة
ومن جانب الطلب، يُتوقع أن حالات حظر التجول الهائلة في شتى بقاع العالم ستعيق قدرة الأشخاص على الحصول على الأغذية وستخلق حالات خطيرة من التراجع الاقتصادي. وسيصعّب ذلك تحمل كلفة الأغذية، ولا سيما بالنسبة إلى الفئات الفقيرة والمستضعفة. ويحتمل أن تكون البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل من البلدان الأكثر تأثرًا لأنها لا تملك آليات للطوارئ وصناديق لتحفيز اقتصاداتها وحماية الفئات الأكثر ضعفًا. ونتيجة لذلك، يحتمل أن تقوم أزمة اقتصادية عالمية بسبب الجائحة بتوليد جيوب جديدة من انعدام الأمن الغذائي حتى في البلدان التي لم تتطلب تدخلات في السابق.
وسيكون تقدير أثر جائحة كوفيد19- على الأمن الغذائي مشوبًا بدرجة عالية من عدم اليقين، وذلك بسبب الافتقار إلى البيانات والوضوح بشأن ما سيكون عليه مستقبل الاقتصاد في العالم. وقد تتخذ السيناريوهات المحتملة أشكالاً مختلفة بحسب نوع السياسات التي ستوضع والوقت الذي ستأخذه لتظهر آثارها. وفي وقت كتابة هذه السطور، يبدو أن ما يسمى "التعافي البطيء" هو الأكثر احتمالاً، ويمكن أن يعني ذلك تراجعًا في عام 2020 ويعقبه بعد ذلك تعافٍ لا تعرف مدته، ولكن يبدأ في عام 2021. وهذا التعافي مرهون بالموجات الثانية للإصابات غير الظاهرة أو التي لا يمكن احتواءها بسهولة.
ورغم أنه من المبكر جدًا قياس حجم الأثر الكامل للجائحة، يظهر هذا الإطار نتائج التحليل الكمي للعواقب المحتملة من حيث معدل انتشار النقص التغذوي، وذلك على أساس التطلعات الاقتصادية العالمية. ويهدف التحليل إلى إظهار كيف يمكن أن يتغير السيناريو الموصوف في الشكل 1 فور دخول بعض الآثار المحتملة لجائحة كوفيد19- في الحسابات.
ولأن جائحة كوفيد19- تسبب صدمات لجانبي الإمداد والطلب في الاقتصاد العالمي، فإن الطريقة الأبسط لقياس الأثر المحتمل للجائحة على معدل انتشار النقص التغذوي هي عن طريق قياس أثرها على نمو الاقتصاد العالمي. ويتم ذلك عن طريق جميع البيانات من تقرير آفاق الاقتصاد العالمي، الذي صندوق النقد الدولي في أبريل/نيسان وتم تحديثه في يونيو حزيران 2020. 18 مع تحليل إحصائي للعلاقة بين النمو الاقتصادي وتوفر الأغذية. وتتبع هذه الطريقة المنهجية والنماذج القطرية للتمرين السابق الذي أجرته المنظمة باستخدام البيانات المتاحة سابقًا.20،19
وبناء على السلسلة الزمنية لإجمالي إمدادات الأغذية ونمو الناتج المحلي الإجمالي خلال الفترة 1995-2017 في أغلب بلدان العالم، يظهر التحليل الإحصائي أن الانخفاض في نمو الناتج المحلي الإجمالي يؤثر بشكل كبير على صافي إمدادات الأغذية في البلدان المستوردة الصافية للأغذية، وخصوصًا في بلدان العجر الغذائي ذات الدخل المنخفض. وفي المتوسط، يُتوقع أن الانخفاض بنقطة مئوية واحدة في نمو الناتج المحلي الإجمالي سيقلل إمدادات الأغذية في البلدان المستوردة الصافية للأغذية بنسبة 0.06 في المائة في البلدان المستوردة الصافية للأغذية التي ليست من البلدان المنخفضة الدخل، وبنسبة 0.306 في المائة في بلدان العجر الغذائي ذات الدخل المنخفض.
ويتنبأ تقرير آفاق الاقتصاد العالمي الصادر عن صندوق النقد الدولي بانكماش بنسبة 4.9 في المائة للناتج المحلي الإجمالي العالمي في عام 2020، ويعقبه تعافٍ بنسبة 5.4 في المائة في عام 2021. ويتيح تقديرات خاصة بالبلدان لتغير الناتج المحلي الإجمالي في عامي 2020 و2021. وجرى تطبيق أوجه المرونة المذكورة آنفًا، التي قدرتها المنظمة، باستخدام تنبؤات نمو الناتج المحلي الإجمالي لعامي 2020 و2021 بالنسبة إلى جميع البلدان المستوردة الصافية للأغذية (مع التمييز بين بلدان العجر الغذائي ذات الدخل المنخفض والبلدان التي ليست من هذه الفئة) من أجل تقدير التحول المحتمل في سلسلة إجمالي إمدادات الطاقة الغذائية. ويستخدم ذلك من أجل حساب معدل انتشار النقص التغذوي في ظل سيناريوهات ثلاثة توضحها خطوط ثلاثة مختلفة في الشكل المعروض أدناه. وتناقض سيناريوهات المحاكاة الثلاثة التوقعات المذكورة في الشكل 1، الذي يعرض التوقعات العالمية دون جائحة كوفيد19-.
ويستند السيناريو الأول إلى تقرير آفاق الاقتصاد العالمي، الذي يتنبأ بأن يكون نمو الاقتصادي العالمي -4.9 في المائة في عام 2020 و+5.4 في المائة في عام 2021، وهي نسبة تقترب كثيرًا من توقعات سابقة أجراها المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية.2 ويُوضح ذلك بالخط البرتقالي الموجود في الشكل. وسينطوي هذا الأداء الاقتصادي السلبي في عام 2020 على ارتفاع يبلغ حوالي 56 مليون ناقص تغذية في عام 2020 (من 695.7 إلى 778.3)، ويُعزى ذلك إلى جائحة كوفيد19-.
ويتوقع السيناريو الثاني (الخط الأحمر) أن يقل نمو الناتج المحلي الإجمالي بما قدره 2.1 نقاط مئوية في عامي 2020 و2021 مقارنة بالنمو الأساسي (ويعني ذلك أن النمو الاقتصادي العالمي سيكون في المتوسط -7 في المائة في عام 2020 و+3.3 في المائة في عام 2021 على التوالي). وفي هذه الحالة، فإن الارتفاع في عدد الذين يعانون من النقص التغذوي في عام 2020 سيبلغ 103 ملايين.
وأما السيناريو الثالث الأكثر تشاؤمًا (الخط الأحمر الغامق)، فينطوي على انخفاض قدره 5.1 نقاط مئوية في معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي مقارنة بالسيناريو الأول، ويفترض بذلك أن يبلغ النمو الاقتصادي العالمي -10 في المائة في عام 2020 و+0.3 في المائة في عام 2021 على التوالي. وسيرفع هذا السيناريو عدد الذين يعانون من النقص التغذوي إلى حوالي 828 مليونًا في عام 2020، ويمكن أن يُعزى أكثر من 132 مليونًا من هذا العدد إلى الأثر الذي تخلفه جائحة كوفيد19-. وسيقلل التعافي المتوقع في عام 2021 من عدد الذين يعانون من النقص التغذوي ليصل إلى 766 مليونًا، أي 62 مليونًا أكثر من التوقع السابق المثير للقلق في غياب الجائحة (ويُشار إلى هذا السيناريو باللون الأصفر).
وفي جميع الحالات، لن يتعافى الاقتصاد العالمي تمامًا في عام 2021.
ويقتصر التحليل على الأثر المحتمل للجائحة على صافي إمدادات الأغذية فقط، بما أن توقعات ما قبل جائحة كوفيد19- لم تتغير بالنسبة إلى حجم وتركيبة السكان وعدم المساواة في استهلاك الأغذية. وكنتيجة لما سبق، لا يذكر التحليل الأثر الكامل للتراجع الاقتصادي، ولا ينظر في العواقب المحتملة من حيث عدم المساواة في الحصول على الأغذية ضمن البلدان. ولذلك، فإنه قد يقوض من إجمالي الأثر المحتمل لجائحة كوفيد19- على انعدام الأمن الغذائي في حال حصلت سيناريوهات المحاكاة الخاصة بالنمو الاقتصادي. ومن المهم أيضًا، كما هو مبين في تقرير آفاق الاقتصاد العالمي الصادر عن صندوق النقد الدولي، تسليط الضوء على أن التحليل يفترض حصول التعافي خلال عامين. ونظرًا إلى وجود درجة عالية من عدم اليقين بشأن مدة التعافي، فإن ذلك يشكل تقييدًا كبيرًا لهذا التقييم.
ورغم أن هذا التحليل لا يمكن اعتباره تحليلاً دقيقًا ومفصلاً، لكن يظهر أنه إذا لم تُتخذ إجراءات الوقاية من التعطل المتوقع في نظم الأغذية العالمية، لا سيما في بلدان العجر الغذائي، ستزيد جائحة كوفيد19- من تعقيد التحدي المخيف بالفعل المتعلق بتحقيق مقصد أهداف التنمية المستدامة المتعلق بالقضاء التام على الجوع.
ووفقًا للتقديرات، بلغ معدل انتشار النقص التغذوي في أفريقيا 19.1 في المائة من السكان في عام 2019، أو أكثر من 250 مليون شخص ناقص التغذية، وارتفع عن معدل عام 2014 ب الذي كان 17.6 في المائة. ويفوق معدل الانتشار هذا المعدل العالمي (8.9 في المائة) بأكثر من الضعف، وهو الأعلى بين جميع الأقاليم (الجدولان 1 و2).
ويعيش أغلبية الأشخاص الذين يعانون من النقص التغذوي في أفريقيا في الإقليم الفرعي لأفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، وهو إقليم يظهر زيادة بحوالي 32 مليون شخص ناقص التغذية منذ عام 2015. ويزداد الجوع في شتى أرجاء أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى منذ عام 2014، على الرغم من أن الزيادة كانت كبيرة على وجه الخصوص في الإقليمين الفرعيين الشرقي والغربي، وكذلك في وسط أفريقيا حيث وصلت نسبة الجوع إلى 29.8 في المائة من مجموع السكان في عام 2019 (الشكل 2 والجدولان 1 و2).
وتساعد حالات التباطؤ والتراجع الاقتصادية على شرح قسم كبير من الزيادة الملحوظة في الجوع في عدة أجزاء من أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، ولا سيما خلال العامين الأخيرين إلى الأعوام الثلاثة الأخيرة. وعلى سبيل المثال، في أفريقيا الغربية، كانت الزيادات الأخيرة في النقص التغذوي مصحوبة بهذه العوامل الاقتصادية الضارة، على غرار حالة كوت ديفوار وغامبيا وغينيا بيساو وموريتانيا والنيجر ونيجيريا.1
وإضافة إلى ذلك، تأثر الإقليم الفرعي بعدد من النزاعات في الأعوام الأخيرة، بما في ذلك في بوروندي وجمهورية أفريقيا الوسطى وكوت ديفوار وجمهورية الكونغو الديمقراطية وليبيا ومالي وشمال شرق نيجريا وجنوب السودان.4،ا8 وعند استمرار هذه الاضطرابات على فترات طويلة فإنها تضعضع جميع جوانب الأمن الغذائي، من قدرة الحصول على الأغذية إلى توافر الإمدادات وسبل العيش في المجتمعات الريفية، إلى جانب سلاسل الإنتاج التي تضمن توزيع الأغذية. ويمكن في حال طال عدم الاستقرار أن يدمر بسهولة قدرة النظم الغذائية الفعالة على الصمود.
والزيادة الأخيرة في النقص التغذوي في وسط أفريقيا وأجزاء من أفريقيا الشرقية هي نتيجة مزيج من العنف الواسع الانتشار في بلدان مثل جمهورية أفريقيا الوسطى والصومال – حيث يعاني نصف السكان تقريبًا من النقص التغذوي – وهبوط في غلات المحاصيل بسبب تقلب المناخ. وعلى سبيل المثال، في منطقتي البحيرات الكبرى والقرن الأفريقي، ازداد في الأعوام الأخيرة تناقص الغلات الضعيفة للمنتجات الرئيسية، مثل الذرة والذرة الرفيعة والفول السوداني.7 والتواجد الكبير للأشخاص المهجرين من البلدان المجاورة قد أضيف إلى التحديات التي تُواجهها بالفعل بلدان مثل جمهورية الكونغو الديمقراطية وإثيوبيا وكينيا والسودان.4
وعلاوة على ذلك، ساهمت حالات الجفاف على نطاق واسع، الناتجة عن التذبذب الجنوبي لظاهرة النينيو، في زيادة انعدام الأمن الغذائي الملاحظ في الأعوام الأخيرة في عدة بلدان من الأقاليم الفرعية الأفريقية الشرقية والغربية، بما في ذلك مدغشقر وجنوب أفريقيا وزامبيا وزمبابوي.7
وفي الوقت ذاته، تؤدي الظروف البيئية المتغيرة والتنافس على الموارد الرئيسية، مثل الأراضي والمياه، دورًا كبيرًا في تأجيج العنف والنزاعات المسلحة، مما يفاقم الحلقة المفرغة للجوع والفقر. فعلى سبيل المثال، يُعزى النزاع في دارفور بشكل كبير إلى طيلة ظروف الجفاف. وتشكل المنافسة بين الرعاة والمزارعين مصدرًا للنزاعات في القرن الأفريقي، حيث أثّرت محدودية الحركة بسبب النزاع على أنماط المراعي والوصول إلى الأراضي والمياه. وأذكت حوادث مماثلة النزاع في أجزاء أخرى من منطقة الساحل، مثل حالة مالي، حيث يقلل التصحر من توفر أراضي المحاصيل.7
وتفيد توقعات عام 2030 (الجدول 1 والشكل 2) بأن أفريقيا حتمًا خارج المسار السليم نحو تحقيق مقصد القضاء التام على الجوع، حتى دون احتساب أثر جائحة كوفيد19-. ففي حال استمرار الاتجاهات الأخيرة، فإن معدّل انتشار النقص التغذوي في أفريقيا سيرتفع من 19.1 إلى 25.7 في المائة. ومن المتوقع أن يزداد معدل انتشار النقص التغذوي سوءًا، وخاصة في الإقليم الفرعي لأفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. وبحلول عام 2030، ستتسبب الزيادة المتوقعة في معدل انتشار النقص التغذوي في جعل عدد الجياع في أفريقيا يصل إلى 433 مليون جائع تقريبًا، وسيكون 412 مليونًا منهم في بلدان أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى (الجدول 2).
ويعيش في آسيا أكثر من نصف مجموع عدد الذين يعانون من النقص التغذوي في العالم – ويبلغ العدد المقدر 381 مليون شخص في عام 2019. ومع ذلك، فإن معدل انتشار النقص التغذوي بين مجموع سكان الإقليم يبلغ 8.3 في المائة، أي ما دون المتوسط العالمي (8.9 في المائة) وأقل من نصف المتوسط في أفريقيا (الجدولان 1 و2). وإضافة إلى ذلك، منذ عام 2005، انخفض عدد الجياع في آسيا في الأعوام الأخيرة بأكثر من 190 مليون شخص. وتُظهر هذه النتيجة أن أغلب التقدم قد حصل في الأقاليم الفرعية الشرقية والجنوبية. أما في الأقاليم الفرعية الأخرى فالحالة مستقرة منذ عام 2015، باستثناء آسيا الغربية (الجدولان 1 و2 والشكل 3)، حيث تزداد الحالة سوءًا بسبب الانتشار الواسع للأزمات طويلة الأمد.
ويقع الإقليمان الفرعيان اللذان يظهران انخفاضًا في النقص التغذوي – آسيا الشرقية والجنوبية – تحت سيطرة أكبر اقتصادين في القارة – وهما الصين والهند. وعلى الرغم من الاختلاف الكبير في ظروف التقدم وتاريخه ومعدلاته، فإن انخفاض الجوع في كلا البلدين هو نتيجة للنمو الاقتصادي طويل الأجل وانخفاض عدم المساواة وتحسين الحصول على السلع والخدمات الأساسية. وفي الأعوام الخمسة والعشرين الماضية، بلغ متوسط نمو الناتج المحلي الإجمالي 8.6 في المائة في الصين و4.5 في المائة الهند.1 وفي آسيا الجنوبية، أُحرز تقدم كبير في خفض الجوع خلال الأعوام العشرة الماضية في بلدان مثل نيبال وباكستان وسري لانكا، ويُعزى ذلك بشكل كبير إلى تحسن الظروف الاقتصادية.
وتشكل النزاعات وعدم الاستقرار الأسباب الرئيسية الكامنة وراء زيادة الجوع الموجود في آسيا الغربية. وعلى وجه الخصوص، زادت النزاعات من النقص التغذوي في الجمهورية العربية السورية واليمن. وفي اليمن، نتج عن التراجع الاقتصادي عقب النزاع الذي بدأ في عام 2015 انهدام شبكات الحماية الاجتماعية والخدمات الأساسية، مما يساهم في الظروف الحرجة للأمن الغذائي والتغذية. وفي الجمهورية العربية السورية، دمّرت الحرب الأهلية التي اندلعت في عام 2011 الاقتصاد والبنى التحتية والإنتاج الزراعي والنظم الغذائية والمؤسسات الاجتماعية. ويتفاقم كل ما سبق ذكره بالوجود الكبير للسكان النازحين داخليًا، وهو ما يؤثر أيضًا على البلدان المجاورة.
وتُظهر التوقعات في آسيا لعام 2030 (الجدولان 1 و2، والشكل 3) إحراز تقدم كبير في خفض النقص التغذوي في جميع الأقاليم الفرعية، باستثناء آسيا الغربية حيث النقص التغذوي آخذ في الازدياد (أنظر الإطار 2 من أجل الاطلاع على شرح لطريقة إجراء التوقعات). ومن دون احتساب الأثر المحتمل لجائحة كوفيد19-، فإن آسيا الشرقية والوسطى على المسار المطلوب من أجل تحقيق المقصد 1 للهدف 2 من أهداف التنمية المستدامة بحلول عام 2030. وآسيا الجنوبية وآسيا الشرقية آخذتان في إحراز التقدم، ولكنهما رغم ذلك ليستا على المسار المطلوب من أجل تحقيق المقصد بحلول عام 2030. والاتجاه الحالي المتزايد في آسيا الغربية هو عكس ما تدعو الحاجة إليه من أجل تحقيق المقصد بحلول عام 2030.
وفي أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي، بلغ معدل انتشار النقص التغذوي 7.4 في المائة في عام 2019، وهو أقل من معدل الانتشار في العالم الذي بلغ 8.9 في المائة، وهو ما يعادل تقريبًا 48 مليون شخص يعانون من النقص التغذوي. وشهدت المنطقة زيادة في الجوع في الأعوام القليلة الماضية، وزاد عدد الأشخاص الذين يعانون من النقص التغذوي بواقع 9 مليون بين عامي 2015 و2019، ولكن توجد اختلافات كبيرة بين الأقاليم الفرعية. وأظهر البحر الكاريبي، وهو الإقليم الفرعي ذو معدل الانتشار الأعلى، شيئًا من التقدم المعتدل في الماضي القريب، بينما ساءت الحالة في أمريكا الوسطى وأمريكا الجنوبية (الشكل 4).
وعلى غرار الأقاليم الأخرى، فإن التقدم والتراجع في خفض الفقر هما نتيجة الظروف الاقتصادية والظواهر المناخية المتطرفة وعدم الاستقرار السياسي والنزاعات.
وفي البحر الكاريبي، توجد أشد الظروف في هايتي، التي عصف بها استنزاف الموارد الطبيعية والظواهر المناخية المتطرفة مثل حالات الجفاف والفيضانات وموجات الحر الشديدة والزلازل. وقد ساهمت في الظروف الاقتصادية الصعبة وانتشار الفقر على نطاق واسع والمستويات العالية للنقص التغذوي. وعلى الرغم من بعض التحسينات في العقد الأخير، لا يزال من المقدر أن نصف السكان يعانون من النقص التغذوي.
وفي أمريكا الجنوبية، فإن الحالة في جمهورية فنزويلا البوليفارية هي التي تدفع بشكل رئيسي زيادة النقص التغذوي خلال الأعوام الأخيرة، حيث ازداد معدل انتشار النقص التغذوي من 2.5 في المائة في الفترة 2010–2012 إلى 31.4 في المائة في الفترة 2017–2019. ولا تزال الأزمة السياسية والاقتصادية المستمرة تذكي الانخفاض في مستويات وجودة الأمن الغذائي والتغذية. ومعظم إمدادات الأغذية في البلد مستوردة، وما يزيد في غلاء الأغذية المستوردة هو انخفاض قيمة العملية البوليفارية. ونتيجة لذلك، هبطت هذه الواردات بنسبة 67 في المائة في الفترة 2016–2017، بينما يحد التضخم الشديد من القدرة الشرائية لدى الأسر وقدرتها على الحصول على الأغذية والسلع الأساسية الأخرى. وزادت شدة هذه الحالة في البلد من عدد اللاجئين الذي يفرون إلى البلدان المجاورة، ولا سيما كولومبيا وإكوادور.9
ولا يمضي إقليم أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي في المسار السليم نحو تحقيق المقصد 1 للهدف 2 من أهداف التنمية المستدامة المتعلق بالقضاء التام على الجوع بحلول عام 2030 (الجدولان 1 و2). ويُتوقع أن يكون في المنطقة 19 مليون جائع إضافي في عام 2030 مقارنة بعام 2019، حتى دون احتساب الأثر المحتمل لجائحة كوفيد19-. ويُتوقع أن تبلغ الزيادة في معدل انتشار النقص التغذوي في أمريكا الوسطى 3 نقاط مئوية. وفي أمريكا الجنوبية، يُتوقع أن يزيد معدل انتشار النقص التغذوي إلى 7.7 في المائة في عام 2030، وهو ما يعادل تقريبًا 36 مليون شخص. ولا يمضي الإقليم الفرعي للبحر الكاريبي، رغم إحرازه بعض التقدم، في المسار السليم نحو تحقيق المقصد بحلول عام 2030.
وباختصار، رغم تحقيق آسيا لمعظم التقدم في الحد من النقص التغذوي، لكنها تضم الآن أكثر من 55 في المائة من الذين يعانون من النقص التغذوي في العالم. ويوجد في أفريقيا أعلى معدل لانتشار النقص التغذوي، وثاني أعلى رقم للذين يعانون من النقص التغذوي، وهو ما يمثل 36.4 في المائة من الإجمالي العالمي. وتُلاحظ حصة أصغر بكثير في أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي (7 في المائة تقريبًا)، وحصة أصغر من ذلك أيضًا في أوسيانيا والأقاليم الأخرى (الشكل 5، المخطط الأيمن).
وحتى من دون احتساب آثار جائحة كوفيد19-، فإن اتجاهات النقص التغذوي المتوقعة ستغير التوزع الجغرافي للجوع في العالم بشكل هائل (الشكل 5، المخطط الأيسر). ورغم أن آسيا ستبقى موطنًا لما يقارب 330 مليون جائع في عام 2030، لكن حصتها من الجوع في العالم ستقل بشكل كبير، وذلك بفضل التقدم في البلدان المكتظة بالسكان في آسيا الشرقية والجنوبية. وستتخطى أفريقيا آسيا لتصبح الإقليم الذي فيه أعلى رقم للأشخاص الذين يعانون من النقص التغذوي، وهو ما يمثل 51.5 في المائة من الإجمالي. وعلى نحو مماثل، ولكن بدرجة أقل، ستكون في أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي في عام 2030 حصة أكبر بقليل من الحصة الحالية للأشخاص الذين يعانون من الجوع.
وتُظهر توقعات البنك الدولي بشأن الفقر المدقع نمطًا مماثلاً، مع كون أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، ولا سيما اقتصادات المنطقة الهشة المتأثرة بالنزاعات، مقر النسبة الكبيرة من فقراء العالم في عام 2030. 10
وقد تتغير توقعات النقص التغذوي بشكل كبير بفعل الآثار المختلفة لجائحة كوفيد19- في شتى المناطق. ولا يزال النطاق الكامل لأثر الوباء قيد التقييم. ويرد في الإطار 3 مزيد من التفاصيل بهذا الشأن، بما في ذلك تحليل للسيناريو الأولي.
منذ أن طرحت المنظمة في عام 2014 مقياس المعاناة من انعدام الأمن الغذائي، أصبح المقياس على وجه السرعة مرجعًا عالميًا لقياس انعدام الأمن الغذائي بناء على بيانات الأسر و/أو بيانات الأفراد. واعتمدت هذا المقياس مؤسسات عديدة مسؤولة عن تقييمات الأمن الغذائي، بما في ذلك مكاتب إحصائية ووكالات حكومية أخرى، بوصفه أداة موحدة لجمع بيانات الأمن الغذائي في الدراسات الاستقصائية للسكان. ونتيجة لذلك، فإن المزيد من مجموعات البيانات الوطنية أصبحت تُتاح من أجل تكميل بيانات المنظمة التي جُمعت عن طريق استطلاع غالوب العالمي السنوي من أجل توليد تقديرات لمعدل انتشار انعدام الأمن الغذائي المعتدل أو الشديد (المؤشر 2–1–2 لأهداف التنمية المستدامة).
وعند إجراء التقييم العالمي، تُعطى الأفضلية للبيانات المناسبة والموثوقة لمقياس المعاناة من انعدام الأمن الغذائي التي تتاح من دراسات استقصائية وطنية كبيرة، بينما تُستخدم بيانات المنظمة المجموعة في استطلاع غالوب العالمي من أجل تجميع تقديرات البلدان التي لا يوجد بيانات أخرى بشأنها و/أو لسد الثغرات في السلسلة الزمنية. وهذا العام، استُخدمت بيانات مقياس المعاناة من انعدام الأمن الغذائي أو المقاييس المكافئة للمعاناة من انعدام الأمن الغذائي، التي تجمعها المؤسسات الوطنية، من أجل 30 بلدًا وشملت ما يقارب 20 في المائة من سكان العالم (أنظر الملحق 1 باء). وبما أن البيانات الوطنية كثيرًا ما تتوفر لعام أو عامين بعد فترة المراقبة، فإن بيانات المنظمة تُستخدم كمصدر تكميلي للمعلومات من أجل استنتاج الاتجاهات وتكميل سلسلة التقديرات السنوية. وفي جميع الأحوال، تتاح إمكانية مقارنة النتائج بين جميع البلدان والأقاليم بغض النظر عما إذا كان المصدر الرئيسي للنتائج هو المنظمة أو البيانات الوطنية الرسمية، وذلك عن طريق معايرة المقاييس القطرية المقدرة مع المقياس المرجعي العالمي الموحد المتمثل في مقياس المعاناة من انعدام الأمن الغذائي.22
ومقارنة بالمؤشر 2–1–1 لأهداف التنمية المستدامة، يولي هذا المؤشر اهتمامًا خاصًا إلى انعدام الأمن الغذائي المعتدل (الشكل 6). وعلى النحو المشار إليه في إصدار عام 2019 لهذا التقرير، فإن الأشخاص الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي المعتدل لا يحصلون بشكل منتظم على الغذاء المغذي والكافي، حتى وإن لم يكونوا بالضرورة يعانون من الجوع. ويمكن لهذا المستوى من انعدام الأمن الغذائي أن يكون له آثار سلبية على نوعية النمط الغذائي (أنظر القسم 1–3) وأن يزيد من مخاطر الأشكال المتعددة لسوء التغذية والصحة السيئة. وهذا جانب مهم للغاية في وقتنا الحالي، إذ إن الأشخاص في أجزاء عديدة من العالم بدأوا بمواجهة عواقب جائحة كوفيد19-. ورغم أن بيانات مقياس المعاناة من انعدام الأمن الغذائي لم تُجمع بعد في سياق الجائحة، يُتوقع أنه قد يواجه بعض الأشخاص الذين كانوا سابقًا يتمتعون بالأمن الغذائي صعوبات جديدة في الحصول على الأغذية نتيجة للتعطل في أنظمة توزيع الأغذية، والقيود المفروضة على الحركة، وخسارة الدخل.
يبلّغ المؤشر 2–1–2 لأهداف التنمية المستدامة عن مدى انتشار انعدام الأمن الغذائي على أي مستوى من المستويين (المعتدل أو الشديد)، من أجل التمكن دون لبس من تفسير أي انخفاض بوصفه تحسنًا. ومع ذلك، على النحو الوارد في الإصدارات السابقة للتقرير، من المفيد أيضًا استكشاف الحالة من حيث معدل انتشار انعدام الأمن الغذائي الشديد فقط، نظرًا إلى علاقته المتوقعة بمعدل انتشار النقص التغذوي.
وتفيد آخر تقديراتنا بأن نسبة 9.7 من سكان العالم (أقل بقليل من 750 مليون شخص) تعرضت لمستويات شديدة من انعدام الأمن الغذائي في عام 2019 (الجدولان 3 و4).
وعلى الرغم من الوصول إلى التقديرات باستخدام بيانات وطرق مختلفة، فإن معدل انتشار انعدام الأمن الغذائي الشديد مماثل من الناحية المفاهيمية لمعدل انتشار النقص التغذوي. ويرجع ذلك إلى احتمال ألّا يقدر الأشخاص الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي الشديد، المقاس على أساس مقياس المعاناة من انعدام الأمن الغذائي، على الحصول على الغذاء الكافي من أجل تلبية متطلبات الطاقة الغذائية لديهم على نحو مستمر.
ومن غير المستغرب أن معدل انتشار انعدام الأمن الغذائي الشديد في أفريقيا (19 في المائة) قريب جدًا من معدل انتشار النقص التغذوي في الإقليم (19.1 في المائة، أنظر الجدول 1)، وهو الأعلى بين جميع أقاليم العالم. وفي آسيا، يقل معدل انتشار انعدام الأمن الغذائي الشديد (9.2 في المائة) عن معدل أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي (9.6 في المائة)، ولكنه ليس أقل من أمريكا الشمالية وأوروبا (1.1 في المائة) (الجدول 3).
وفي جميع أقاليم العالم، باستثناء أمريكا الشمالية وأوروبا، ارتفع معدّل انتشار انعدام الأمن الغذائي الشديد بين عامي 2014 و2019 (الشكل 7، الشريطان الغامقان). ويتطابق ذلك بشكل عام أيضًا مع الاتجاهات الحديثة لمعدل انتشار النقص التغذوي في العالم وعبر الأقاليم، على النحو المذكور في القسم السابق من هذا التقرير. ويقع الاستثناء الجزئي الوحيد في آسيا، حيث يبدو أن انعدام الأمن الغذائي الشديد آخذ بالارتفاع قليلاً في عامي 2018 و2019 مقارنة بالأعوام السابقة – على خلاف ما ذُكر بناء على تقديراتنا لمعدل انتشار النقص التغذوي لما قبل جائحة كوفيد19-.
ويمكن تفسير الاختلاف بالتواقيت المختلفة للبيانات المستخدمة في التحليلات. ورغم التوافر شبه الآني لبيانات مقياس المعاناة من انعدام الأمن الغذائي، لا يتم جمع بيانات استهلاك الأغذية في الدراسات الاستقصائية للأسر على أساس سنوي. وبما أن تقديرات معدل انتشار النقص التغذوي تعتمد على البيانات التي تشير إلى الأعوام القليلة الماضية، وفي بعض الأحيان إلى عدة أعوام ماضية، فقد لا تعكس الظاهرة التي تؤثر على المدى الفعلي لانتشار عدم المساواة في استهلاك الأغذية. وعندما تتاح البيانات الحديثة لاستهلاك الأغذية، تتجه السلسلتان إلى التقارب بشكل أوثق.
في حين أن وجود 746 مليون شخص يواجهون انعدام الأمن الغذائي الشديد يبعث على قلق كبير، فإن نسبة إضافية تبلغ 16.3 في المائة من سكان العالم، أي أكثر من 1.25 مليار شخص، قد عانت من انعدام الأمن الغذائي بمستويات معتدلة. وتشير التقديرات إلى أن معدل انتشار الأمن الغذائي المعتدل أو الشديد (المؤشر 2–1–2 لأهداف التنمية المستدامة) سيبلغ 25.9 في المائة في عام 2019 بالنسبة إلى العالم بأسره. وتساوي هذه النسبة ما مجموعه ملياري (2) شخص (الجدولان 3 و4). وقد تزايد معدل انعدام الأمن الغذائي الإجمالي (سواء أكان معتدلاً أم شديدًا) بصورة مطّردة على المستوى العالمي منذ عام 2014 (الشكل 7)، والسبب الرئيسي لذلك هو تزايد انعدام الأمن الغذائي المعتدل.
ويظهر الشكل 7 أيضًا أن معدل انتشار انعدام الأمن الغذائي (المعتدل أو الشديد) لا يزال مستمرًا في اتجاه الارتفاع في أفريقيا. ويفسر ذلك الارتفاع الحاصل في إقليم جنوب الصحراء. وعلى الرغم من أن أفريقيا هي موطن المستويات الأعلى لانعدام الأمن الغذائي الإجمالي الملاحظ، فإن أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي هي مكان الارتفاع الأسرع لانعدام الأمن الغذائي، إذ ارتفع من نسبة 22.9 في عام 2014 إلى نسبة 31.7 في المائة في عام 2019، وذلك بسبب الارتفاع الحاد الحاصل في أمريكا الجنوبية (الجدول 3). وفي آسيا، فإن النسبة المئوية للأشخاص المعرضين لانعدام الأمن الغذائي المعتدل أو الشديد بقيت مستقرة من عام 2014 إلى عام 2016، وبدأت بعد ذلك بالارتفاع من عام 2017 فصاعدًا. ويتركز الارتفاع في آسيا الجنوبية حيث ارتفع معدل الانتشار الإجمالي لانعدام الأمن الغذائي من أقل من 30 في المائة في عام 2017 إلى أكثر من 36 في المائة في عام 2019.
ومن المؤكد أن الأزمة العالمية التي تسببت بها جائحة كوفيد19- سترفع هذه الأرقام إلى مستويات أعلى بكثير، حتى في أقاليم من العالم كانت تتمتع بالأمن الغذائي تقليديًا، مثل أمريكا الشمالية وأوروبا.
ويظهر الشكل 8 أنه في الوقت الحالي، من أصل ملياري (2) شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي، يوجد 1.03 مليار شخص منهم في آسيا و675 مليونًا في أفريقيا و205 ملايين في أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي و88 مليونًا في أمريكا الشمالية وأوروبا و5.9 ملايين في أوسيانيا.
جمعت المنظمة سنويًا بيانات مقياس المعاناة من انعدام الأمن الغذائي في أكثر من 140 بلدًا على المستوى الفردي (لا على مستوى الأسر المعيشية) من 2014 إلى 2019، وتوفر هذه البيانات فرصة فريدة من أجل تحليل الاختلافات في معدل انتشار انعدام الأمن الغذائي في صفوف الرجال والنساء.
ويظهر الشكل 9 معدل انتشار انعدام الأمن الغذائي على مستويات الشدة المختلفة بين الرجال والنساء حول العالم وفي جميع الأقاليم، ويبرز التطور من عام 2014 إلى عام 2019. وعلى المستوى العالمي، كان معدل انتشار انعدام الأمن الغذائي بمستوى معتدل أو شديد أعلى لدى النساء منه لدى الرجال، إضافة إلى وجود اختلافات كبيرة في جميع الأعوام تقريبًا بالنسبة إلى أفريقيا وأمريكا اللاتينية. وبالنسبة إلى أمريكا الشمالية وأوروبا، فإن الاختلاف رغم صغره مهم إحصائيًا في أغلب الأعوام. وأما في ما يخص انعدام الأمن الغذائي الشديد، فمعدل الانتشار أعلى لدى النساء أيضًا منه لدى الرجال. والاختلافات كبيرة إحصائيًا على المستوى العالمي في عام 2019، وفي جميع الأعوام بالنسبة إلى أمريكا اللاتينية. وعلى المستوى العالمي، وبوضوح أكثر في أفريقيا وأمريكا اللاتينية، زادت الفجوة بين الجنسين في الحصول على الغذاء من عام 2018 إلى عام 2019، ولا سيما على المستوى المعتدل أو الشديد.
ويقدم تحليل معمق أجرته المنظمة عن طريق دمج البيانات التي جمعتها عن مقياس المعاناة من انعدام الأمن الغذائي من عام 2014 إلى عام 2018، مزيدًا من التفاصيل بشأن الخصائص الاجتماعية والاقتصادية للأفراد الذين لا يحصلون على الغذاء الكافي.23 وإضافة إلى اكتشاف أن انعدام الأمن الغذائي ينتشر بين النساء أكثر منه بين الرجال، بغض النظر عن مستوى الشدة، فإن الأشخاص المعرضين لخطر انعدام الأمن الغذائي أكثر من غيرهم هم الأشخاص في الشريحة الدنيا للدخل، وذوو مستوى التعليم المتدني، والعاطلون عن العمل، والذين يعانون من مشاكل صحية، والذين يعيشون في المناطق الريفية، وأصحاب الفئة العمرية المتراوحة بين 25 إلى 49 عامًا، والمنفصلون أو المطلقون (أنظر الملحق 2 من أجل الاطلاع على وصف المنهجية).
وبعد ضبط الخصائص الاجتماعية والاقتصادية، تبقى النساء معرضة للخطر أكثر من الرجال بنسبة 13 في المائة في ما يخص المعاناة من انعدام الأمن الغذائي المعتدل أو الشديد، وتتعرضن لخطر أكبر بنسبة 27 في المائة في ما يخص المعاناة من الأمن الغذائي الشديد على المستوى العالمي.
وعالميًا، لم تنخفض الفجوة بين الجنسين في انعدام الأمن الغذائي على المستويين المعتدل أو الشديد والشديد فقط إلّا قليلاً من عام 2014 إلى عام 2018. وتتسع الفجوة بين الجنسين في انعدام الأمن الغذائي بين الطبقات الأفقر والأقل تعليمًا من السكان، وكذلك بالنسبة إلى الأفراد خارج عداد القوى العاملة، والذين يعانون من مشاكل صحية، والذين يعيشون في ضواحي المدن الكبرى، مقارنة بأولئك الذين يعيشون في المناطق الريفية.
وتشير هذه النتائج إلى الحاجة إلى فهم أعمق لأشكال التمييز التي تجعل الحصول على الأغذية أصعب لدى النساء، حتى عندما يتساوين مع الرجال في مستويات الدخل والتعليم ذاتها ويعشن في مناطق مماثلة.
وبإيجاز، فإن الارتفاع التدريجي المستمر في عدد الجياع والأشخاص الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي يثير الجزع. وقد يزداد ذلك سوءًا أمام جائحة كوفيد19- مشددًا على الحاجة إلى مضاعفة الجهود من أجل تحقيق مقاصد أهداف التنمية المستدامة في الأعوام العشرة المتبقية حتى عام 2030. ويمكن لاتجاهات انعدام الأمن الغذائي المذكورة في هذا القسم أن يكون لها عواقب تغذوية، ويحتمل أن تؤدي هذه العواقب إلى ظواهر مختلفة من سوء التغذية. ويعرض القسم التالي أحدث الأرقام بشأن التقدم نحو القضاء على جميع أشكال سوء التغذية، إضافة إلى توقعات عام 2030. ويرد في القسم تركيز خاص على تقزم الأطفال.
ويقدم هذا القسم أحدث تقييم للتقدم المحرز نحو تحقيق أهداف التغذية العالمية، وعلى وجه التحديد المقصد 2–2 من أهداف التنمية المستدامة وتلك التي أقرتها جمعية الصحة العالمية في عام 2012 والتي ينبغي أن تتحقق بحلول عام 2025. 24 وبغية المواءمة مع خطة أهداف التنمية المستدامة لعام 2030، تم تمديد الإطار الزمني للأهداف التي أقرتها جمعية الصحة العالمية إلى عام 2030 (أنظر الجدول 5).25 وبالإضافة إلى ذلك، تبنت جمعية الصحة العالمية إطار رصد عالمي للوقاية من الأمراض غير المعدية ومكافحتها في عام 2013. ويشمل هذا الإطار هدفًا لوقف ارتفاع معدلات السمنة لدى البالغين، وهو عامل من عوامل المخاطر التغذوية بالنسبة للأمراض غير المعدية بحلول عام 2025. 26
في أبريل/نيسان 2016، تم إعلان عقد الأمم المتحدة للعمل بشأن التغذية (2016–2025)27 لتزويد جميع أصحاب المصلحة بفرصة فريدة لتعزيز الجهود المشتركة للقضاء على جميع أشكال سوء التغذية بحلول عام 2025.
ويبحث التقييم التقدم المحرز منذ خط الأساس (2012) والمسارات المتوقعة نحو أهداف عامي 2025 و2030 (ترد تفاصيل إضافية في الملحق 2)، مع النظر إلى المستويات الإقليمية الفرعية والإقليمية والعالمية. وهو يستند إلى البيانات المتاحة قبل جائحة كوفيد19-، والذي من المرجح أن يؤثر على التقدم في الأشهر المقبلة، إن لم يكن في السنوات المقبلة. ويتضمن هذا الإصدار تسليط الضوء على التقزم، وإبراز عوامل رئيسية أخرى مرتبطة بتعزيز النمو الأمثل.
يتضمن تقرير هذا العام تقديرات محدثة لأربعة من مؤشرات التغذية العالمية السبعة: التقزم لدى الأطفال، والهزال، والوزن الزائد، والرضاعة الطبيعية الخالصة. وعلى الصعيد العالمي، يجري إحراز تقدم نحو تحقيق الأهداف المتعلقة بالحد من التقزم وتعزيز الرضاعة الطبيعية الخالصة، ولكن لابد من زيادة الوتيرة لتحقيق هذه الأهداف بحلول عامي 2025 و2030. وفي الوقت الحالي، يزيد انتشار الهزال لدى الأطفال عن نسبة 5 في المائة المستهدفة لعام 2025، مما يعرض حياة عشرات الملايين من الأطفال للخطر في الأجل القريب. وإن الاتجاه المتزايد في زيادة الوزن لدى الأطفال يثير قلقًا كبيرًا ولابد من معالجته على وجه السرعة.
ولا يزال فقر الدم لدى النساء في سن الإنجاب (15 إلى 49 عاما) هو أكثر أهداف التغذية صعوبة في الرصد. وهناك مبادرات بحثية مختلفة لتحسين قاعدة الأدلة بالنسبة للمؤشر المستخدم في تقييم هذا الهدف. وفي عام 2016، عانت نسبة 32,8 في المائة (أو 613 مليون) من النساء في سن الإنجاب (15 إلى 49 سنة) من فقر الدم على مستوى العالم، وهي نسبة لم تتغير عمليًا منذ عام 2012. 42،28 ومن المتوقع أن يتم تحديث التقديرات العالمية بشأن فقر الدم في عام 2021. ومن ثم، فإن التقدم المحرز في مجال تحقيق هذا الهدف لم يقيَّم في هذا التقرير.
الشكل 10 يلخص التقدم المحرز نحو تحقيق أهداف التغذية على الصعيد العالمي. وفي مختلف أنحاء العالم، عانى 21.3 في المائة من الأطفال دون الخامسة من العمر من التقزم في عام 2019، أو 144 مليون طفل.29 ورغم إحراز بعض التقدم، فإن معدلات خفض نسبة التقزم أدنى بكثير مما هو مطلوب، حيث استقرت عند مستوى 2.3 في المائة سنويًا خلال السنوات الأخيرة (التي عُرفت على أنها الفترة من 2008 إلى 2019). ولابد أن يبلغ المعدل نسبة 3.9 في المائة سنويًا لتحقيق أهداف خفض الحالات بنسبة 40 في المائة في عام 2025 وخفض الحالات بنسبة 50 في المائة في عام 2030، بدءًا من السنة المرجعية (2012).30 وإذا استمرت الاتجاهات الأخيرة، فلن تتحقق هذه الأهداف إلا في عامي 2035 و 2043 على التوالي.
ولم يتحسن الانتشار العالمي للوزن الزائد لدى الأطفال دون سن الخامسة، حيث زاد قليلاً من 5.3 في المائة في عام 2012 إلى 5.6 في المائة، أو 38.3 مليون طفل في عام 2019. 29 وهناك حاجة ملحة إلى بذل جهود عاجلة لعكس هذا الاتجاه من أجل وقف ارتفاع معدلات الوزن الزائد لدى الأطفال بحلول عام 2025 وتحقيق هدف عدم تجاوز نسبة 3 في المائة بحلول عام 2030.
والهزال هو حالة حادة يمكن أن تتغير باستمرار وبسرعة خلال السنة التقويمية نفسها. ويصعب بالتالي الحصول على اتجاهات موثوقة مع الوقت باستخدام البيانات المتاحة. وعليه يبيّن هذا التقرير أحدث التقديرات العالمية والإقليمية فقط. وعلى الصعيد العالمي، عانى 6.9 في المائة من الأطفال دون سن الخامسة (47 مليون طفل) من الهزال في 2019 29 – وهي نسبة أعلى بكثير من الهدف المطلوب عام 2025 (5 في المائة والهدف المطلوب عام 2030 (3 في المائة).
وفي جميع أنحاء العالم، ولِد 14.6 في المائة من الأطفال الرضع الذين يعانون من انخفاض الوزن عند الولادة (أقل من500 2 غرام) في عام 2015. 31 ويبيّن متوسط معدل التخفيض السنوي لهذا المؤشر الذي يبلغ 1 في المائة سنويًا أنه قد تم إحراز بعض التقدم في السنوات الأخيرة، ولكن ليس بالقدر الكافي لتحقيق هدف انخفاض الوزن عند الولادة بنسبة 30 في المائة بحلول عام 2025 (هدف عام 2030 هو نفس الهدف المطلوب). وإذا استمر التقدم بالمعدل الحالي، فلن يتحقق الهدف إلا في عام 2046.
وحتى عام 2019، كان من المقدر أن 44 في المائة من الرضع الذين تقل أعمارهم عن ستة أشهر على مستوى العالم يتم إرضاعهم رضاعة طبيعية خالصة.32 وإن العالم يسير الآن على المسار الصحيح لتحقيق هدف عام 2025 بنسبة 50 في المائة على الأقل لهذا المؤشر. ولكن إذا لم تُبذل جهود إضافية فإن الهدف العالمي لعام 2030 والذي ينبغي أن يبلغ 70 في المائة على الأقل لن يتحقق قبل عام 2038.
ويتواصل ارتفاع السمنة لدى البالغين، من 11.8 في المائة في عام 2012 إلى 13.1 في المائة في عام 2016 33 وهي ليست على المسار الصحيح للوصول إلى الهدف العالمي لوقف ارتفاع معدلات السمنة لدى البالغين بحلول عام 2025. وإذا استمر انتشار السمنة في الارتفاع بنسبة 2.6 في المائة سنويا، فإن السمنة لدى البالغين ستزيد بنسبة 40 في المائة بحلول عام 2025، مقارنة بمستوى عام 2012.
ولا تأخذ التوقعات الخاصة بعامي 2025 و2030، الموضحة في هذا القسم في الاعتبار التأثير المحتمل لجائحة كوفيد19- على مختلف أشكال سوء التغذية. ولا يزال من المبكر جدًا معرفة حجم الجائحة ومدتها والتنبؤ بتأثيرها على التقدم المتوقع نحو الأهداف العالمية. ويقدم الإطار 4 بعض الأوجه التي يمكن أن تؤثر بها جائحة كوفيد19- على سوء التغذية.
مع أنه من السابق لأوانه تقديم أدلة على تأثير جائحة كوفيد19- على الحالة التغذوية للسكان، فمن المتوقع أن تؤدي هذه الجائحة إلى زيادة مستويات سوء التغذية بجميع أشكاله في الأسر الضعيفة. وقد يحدث ذلك بسبب:
◂ زيادة انعدام الأمن الغذائي، على سبيل المثال، بسبب تعطل سلاسل الإمداد الغذائية مما يعقد نقل الأغذية إلى الأسواق، والقيود المفروضة على الحركة التي تؤثر على وصول المستهلكين إلى الأسواق، وزيادة الأسعار، ولا سيما في البلدان التي تعتمد على الاستيراد، وفقدان العمل والدخل نتيجة للركود الاقتصادي وتعطل آليات الحماية الاجتماعية أو انعدامها. ذلك أن ارتفاع أسعار الأغذية، وخاصة بالنسبة للأغذية المغذية، وانخفاض القدرة على تحمل كلفة الأنماط الغذائية الصحية من الممكن أن يؤثر سلبًا على المتناول من المغذيات وجودة النظام الغذائي، وبالتالي زيادة خطر سوء التغذية.
◂ وجود عبء كبير على الأنظمة الصحية من أجل تقديم خدمات علاجية ووقائية بما في ذلك رعاية الأطفال والرعاية قبل الولادة وذلك بسبب عوامل مثل توقف الخدمات ومرض وإجهاد العاملين الصحيين وندرة الأدوية الأساسية، وتضاؤل فرص الحصول على الخدمات الصحية، بما في ذلك فقدان تغطية التأمين الصحي، فضلا عن السلوكيات التحوطية للأسر.34 وفي حالة الأطفال، قد يعيق هذا الأمر إدارة الهزال، الأمر الذي يؤثر على حالتهم التغذوية وصحتهم، مما يؤدي إلى ارتفاع خطر الوفاة.35 وفي الوقت نفسه، يتعذر على العديد من الناس الذين يعانون من الأمراض غير المعدية الوصول إلى الأدوية التي يحتاجون إليها.
◂ الزيادة المحتملة في معدلات الإصابة بالأمراض لدى الرضع والأطفال بسبب تضاؤل موارد الرعاية الصحية لمنع وعلاج الملاريا والإسهال وأمراض أخرى معدية35 وزيادة سوء التغذية.
◂ توقف أو تعليق الأنشطة على مستوى المجتمع المحلي بما في ذلك زيارات العاملين في المجتمعات المحلية للأسر لتقديم المشورة وتقديم التدخلات، فضلا عن إلغاء تناول فيتامين A وحملات التطعيم، وأنشطة رصد النمو وتعزيزه.
◂ تسبب عملية إغلاق المدارس في فقدان وجبات الطعام وبرامج التثقيف في مجال التغذية التي يتم تقديمها عادة من خلال برامج الغذاء والتغذية المدرسية.36
◂ تدهور ممارسات رعاية الأطفال. وقد يحدث ذلك بسبب فصل الأمهات/مقدمي الرعاية عن الأطفال بسبب الحجر الصحي أو العزل الذاتي أو المرض أو الوفاة. وقد يؤدي تضاؤل أو تعليق أنشطة تشجيع الرضاعة الطبيعية وأنشطة المشورة الغذائية، جنبًا إلى جنب مع مخاوف الأمهات بشأن عدوى جائحة كوفيد19-، إلى زيادة استخدام بدائل عن حليب الأم. وقد يحفز ذلك أيضًا التسويق الانتهازي، مما يجعل تبني وإنفاذ القانون الدولي بشأن بدائل عن حليب الأم أكثر أهمية.37
◂ تغيير أنماط الشراء لصالح منتجات ذات مدة صلاحية أطول وغالبًا ما تكون ذات ملامح تغذوية ضعيفة،38 مما قد يؤدي إلى مستويات أعلى من نقص التغذية، فضلاً عن زيادة الوزن والسمنة.40،39
◂ إن شبكات الأمان الاجتماعي والجهود المبذولة لتوفير معلومات دقيقة عن كيفية انتقال الفيروس تشكل عاملًا أساسيًا في تخفيف التأثيرات السلبية المحتملة لجائحة كوفيد19-. ومن المرجح أن تتدهور الحالة التغذوية للسكان بسبب الأثر الاجتماعي والاقتصادي المترتب عن جائحة كوفيد19-، ولا سيما في المناطق التي تكون فيها برامج الصحة والغذاء والحماية الاجتماعية هشة أو لا يمكن تحسينها بحسب الحاجة.
لا تكشف التقديرات العالمية لمختلف مؤشرات التغذية عن الاختلافات الواسعة القائمة بين المناطق. ويلخص الجدول 6 التقدم المحرز منذ خط الأساس (2012) والمسارات المتوقعة نحو أهداف عامي 2025 و2030 استنادًا إلى الاتجاهات الحالية، بحسب الإقليم والإقليم الفرعي.
وفي عام 2019، كان أكثر من تسعة من أصل عشرة أطفال يعانون من التقزم يعيشون في أفريقيا أو آسيا، أي ما يمثل 40 في المائة و54 في المائة من كل الأطفال المصابين بالتقزم في العالم على التوالي. ولقد أحرزت أغلب الأقاليم بعض التقدم في الحد من التقزم بين عامي 2012 و2019 ولكن ليس بالمعدل المطلوب لتحقيق أهداف عامي 2025 و2030. وإن انتشار التقزم في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى آخذ في التناقص، ولكن بنصف المعدل المطلوب فقط، ولا يزال مرتفعًا للغاية (31.1 في المائة في عام 2019). وعلاوة على ذلك، شهد الإقليم الفرعي بالفعل زيادة في عدد الأطفال المصابين بالتقزم من 51.2 مليون طفل في عام 2012 إلى 52.4 مليون طفل في عام 2019. وتسير الأقاليم الفرعية في آسيا الوسطى وآسيا الشرقية ومنطقة البحر الكاريبي على الطريق الصحيح لتحقيق أهداف عامي 2025 و2030 (الجدول 6). وإذا استمر التقدم الحالي، فإن منطقة آسيا وأمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي ستقترب للغاية من تحقيق الأهداف المطلوبة في عامي 2025 و2030 (ينقصها عام واحد فقط)، في حين ستحتاج أفريقيا إلى ثلاثة أضعاف معدل تقدمها إذا استمر النمو السكاني في الزيادة كما هو متوقع (الشكل 11).
ومن بين 38.3 مليون طفل يعانون من زيادة الوزن في عام 2019، كان 24 في المائة يعيشون في أفريقيا و45 في المائة في آسيا، رغم أن هذه المناطق لديها أدنى معدل لانتشار الوزن الزائد لدى الأطفال (4.7 في المائة في أفريقيا و4.8 في المائة في آسيا). وأستراليا ونيوزيلندا هي الإقليم الفرعي الوحيد الذي لديه معدل انتشار مرتفع جدا (20.7 في المائة). ويتميز الجنوب الأفريقي (12.7 في المائة) وأفريقيا الشمالية (11.3 في المائة)، بمعدلات انتشار مرتفعة،41 تليها أوسيانيا (9.4 في المائة) وآسيا الغربية (8.4 في المائة). كما شهدت أستراليا ونيوزيلندا أكبر معدلات للوزن الزائد لدى الأطفال، تليها منطقة أوسيانيا (باستثناء أستراليا ونيوزيلندا)؛ وتتطلب هذه المناطق الفرعية بذل جهود متضافرة لعكس اتجاهاتها الصاعدة السريعة الارتفاع. ولم يحدث تقدم يذكر أو لم يحدث أي تقدم لوقف زيادة معدلات الوزن الزائد في معظم الأقاليم الفرعية بين عامي 2012 و2019 (الجدول 6). وقد أوقفت أفريقيا ككل معدل الزيادة في الوزن الزائد لدى الأطفال حتى الآن، ولكن هناك حاجة إلى بذل جهود متزايدة لتحقيق النسبة المستهدفة، وهي 3 في المائة بحلول عام 2030. كما تحتاج كافة الأقاليم الأخرى إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لعكس اتجاهاتها الصاعدة (الشكل 11).
وتشير أحدث التقديرات (2012–2015) إلى أن أي إقليم من الأقاليم لا يسير على المسار الصحيح لتحقيق هدف خفض نسبة الأطفال المولودين بانخفاض الوزن عند الولادة بنسبة 30 في المائة، حتى بحلول عام 2030. ومن الجدير بالذكر أن الإقليم الفرعي لجنوب آسيا كان صاحب أعلى تقدير لانتشار المرض (26.4 في المائة في عام 2015). ومعدلات الانخفاض لهذا المؤشر منخفضة جدًا بالنسبة لجميع الأقاليم الفرعية حيث يبلغ الحد الأقصى لمتوسط معدل التخفيض السنوي 1.2 في المائة سنويًا في جنوب آسيا. وعلاوة على ذلك، فإن الاتجاهات الأخيرة تشير إلى عدم وجود انخفاض في أمريكا الجنوبية وإلى زيادة طفيفة في أستراليا ونيوزيلندا (الجدول 6).
وتحرز معظم الأقاليم الفرعية بعض التقدم على الأقل نحو تحقيق أهداف عامي 2025 و2030 المتعلقة بالرضاعة الطبيعية الخالصة، باستثناء شرق آسيا ومنطقة البحر الكاريبي، وهي الأقاليم الفرعية الوحيدة التي تشهد انخفاضًا في معدلات الانتشار. وهكذا تعتبر أمريكا الوسطى تقريبًا على المسار الصحيح بغية تحقيق أهداف عامي 2025 و2030 في ما يخص الرضاعة الطبيعية الخالصة، وهي ينقصها فقط عام واحد من أجل تحقيق هذه الأهداف معا إذا استمرت الاتجاهات الحالية. وإذا حافظت الأقاليم الفرعية لأفريقيا الشرقية وآسيا الوسطى وآسيا الجنوبية على معدلات التقدم الحالية، فإنها ستحقق الأهداف المحددة لكل من 2025 و2030. وتمثل المناطق الأفريقية والآسيوية اتجاهًا متزايدًا بشكل مستمر في الرضاعة الطبيعية الخالصة وهي على المسار الصحيح لتحقيق هدف 50 في المائة على الأقل بحلول عام 2025، ولكن ليس هدف 2030 بنسبة 70 في المائة على الأقل (الشكل 11).
وتظهر جميع الأقاليم الفرعية اتجاهات متزايدة في انتشار السمنة لدى البالغين بين عامي 2012 و2016. وعلى هذا فإنها بعيدة عن تحقيق هدف وقف ارتفاع معدلات السمنة بحلول عام 2025. وحققت أمريكا الشمالية وآسيا الغربية وأستراليا ونيوزيلندا أعلى مستويات، حيث بلغت 35.5 في المائة و29.8 في المائة و29.3 في المائة على التوالي، في عام 2016. كما كانت مستويات أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي ككل وأوسيانيا باستثناء أستراليا ونيوزيلندا أعلى من 20 في المائة في عام 2016.
ويتم تقييم هزال الأطفال بناءً على آخر التقديرات (2019) من خلال مقارنة مباشرة بالمستويات المستهدفة وهي 5 في المائة و3 في المائة لعامي 2025 و2030، على التوالي. وتبلغ نسبة انتشار الهزال في إقليم أفريقيا 6.4 في المائة، بينما تتميز منطقة الجنوب الأفريقي بمعدل انتشار أقل من 5 في المائة. وتتميز منطقة أوسيانيا باستثناء أستراليا ونيوزيلندا بأعلى معدل لانتشار الهزال في جميع المناطق (9.5 في المائة)، تليها آسيا (9.1 في المائة). وتعتبر آسيا الجنوبية، التي تضم أكثر من نصف نسبة الأطفال الذين يعانون من الهزال في العالم دون سن الخامسة، هي الإقليم الفرعي الوحيد الذي لديه معدل انتشار بنسبة عالية بلغت 14.3 في المائة (25 مليون) في عام 2019. وعلى النقيض من ذلك، فإن أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي هي الإقليم الوحيد الذي لديه معدل لانتشار الهزال (1.3 في المائة) يقل بالفعل عن أهداف عامي 2025 و2030 (الشكل 11).
يعرف التقزم، أو قصر القامة الشــديد بالنســبة إلى عمر الشــخص، بأنه انخفاض طول/ارتفاع الشخص بالنسبة لعمره الذي يزيد عن انحرافـيـن معيارييــن دون متوســط معايـيـر منظمة الصحــة العالمية لنمــو الطفل.43 وهذا المؤشر مؤشر خطر معروف يدل على ضعف النمو لدى الطفل. وقبل أن يبلغ الطفل سنتين، يتوقع المؤشر حدوث نتائج ضعيفة على مستوى النمو الإدراكي والتعليمي لاحقًا خلال مرحلة الطفولة والمراهقة،44 فضلاً عن قابلية الإصابة بالأمراض غير المعدية في سن الرشد.45 ويرتبط التقزم أيضًا بإعاقة عملية التعلم والتنمية الاقتصادية على مستويات الفرد والأسرة والمجتمع المحلي.46 وطبقًا لتقديرات البنك الدولي فإن نقص الطول لدى البالغين بنسبة 1 في المائة بسبب التقزم في الطفولة يرتبط بخسارة في الإنتاجية الاقتصادية تبلغ 1.4 في المائة.47 وتشير التقديرات إلى أن الأطفال المصابين بالتقزم يكسبون 20 في المائة أقل خلال سن الرشد مقارنة بالأطفال الذين لا يعانون من التقزم.48 كما أن الأطفال الذين يعانون من التقزم والهزال يواجهون مخاطر وفيات أعلى، وهو ما يزداد ارتفاعًا عندما يعانون من الحالتين معًا.49
إن التقزم ناتج عن الأنماط الغذائية الفقيرة والالتهابات المتكررة. وفي بعض المناطق، تعزى نسبة عالية من التقزم إلى نقص التغذية في رحم الأم، على سبيل المثال، إلى سوء تغذية الأمهات. وهذه المحددات تقوم بدورها على عوامل اجتماعية واقتصادية وديمغرافية أخرى.52،51،50اج وعندما يحدث الحمل أثناء المراهقة، فإن متطلبات النمو المستمر للأمهات يحد من المغذيات المتاحة للجنين، والتي يمكن أن تؤدي إلى حدوث التقزم لدى الأطفال.46 وكثيرًا ما يستمر تأخر النمو بعد الولادة، كانعكاس لممارسات الرضاعة الطبيعية دون المستوى الأمثل وعدم كفاية التغذية التكميلية ومكافحة العدوى.53 وتمثل فترة التغذية التكميلية، التي تتناسب عمومًا مع سن ستة أشهر حتى 24 شهرًا، فترة مهمة من الحساسية إزاء التقزم مع العواقب التي قد لا يمكن عكس اتجاهها مدى الحياة.54 لذا فإن التركيز على نافذة الألف يوم الحرجة منذ الحمل وحتى عيد ميلاد الطفل الثاني يشكل أهمية أساسية.
وقد يؤدي التقزم وغير ذلك من أشكال نقص التغذية في وقت مبكر من الحياة إلى الوزن الزائد والأمراض غير المعدية في وقت لاحق من حياتهم. وفي بعض السياقات، قد يؤدي التقزم المبكر إلى جعل الفرد عرضة لمزيد من تراكم الشحم والدهون في أعمار لاحقة، والتي يمكن أن تترجم إلى زيادة الوزن أو السمنة. وقد يتفاقم مدى تأثير السمنة لدى الأمهات بشكل سلبي على النمو المبكر ونمو الذرية إذا كانت الأم تعاني من نقص التغذية في مرحلة مبكرة من حياتها، الأمر الذي يعزز من دورة سوء التغذية بين الأجيال في أشكالها المختلفة.55
في عام 2019، عانى 144 مليون طفل دون سن 5 سنوات من التقزم في مختلف أنحاء العالم، وهو انخفاض بنسبة 12 في المائة مقارنة بالسنة المرجعية الأساسية للأهداف العالمية للتغذية في عام 2012 (164 مليون طفل). ولا يكفي التقدم الحالي لكي يحقق العالم هدف خفض عدد الأطفال المصابين بالتقزم بنسبة 40 في المائة بحلول عام 2025 (98.6 مليون طفل)، فضلاً عن هدف عام 2030 المتمثل في خفض عدد الأطفال المصابين بالتقزم بنسبة 50 في المائة (82.2 مليون طفل). وعبر الأقاليم الفرعية، يظهر التقدم المحرز في الحد من التقزم بين سنوات خط الأساس (2012) والسنوات الأخيرة (2019) الفوارق من حيث السرعة المطلوبة لتحقيق أهداف عامي 2025 و2030 (الشكل 12).
ولا يزال التحدي الأكبر قائمًا في الإقليم الفرعي لأفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، حيث إن النمو السكاني السريع المتوقع لدى الأطفال دون سن الخامسة سيعوض عن التقدم المتوقع من حيث الانتشار، مما سيعيق الجهود الرامية إلى خفض عدد الأطفال المتأثرين. وعلى النقيض من ذلك، فإن الانخفاض المتوقع في عدد السكان في آسيا وأمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي، إلى جانب الانخفاض المتوقع في انتشار هذه النسبة، قد أسهم في إحراز تقدم نحو تحقيق الهدف المتوخى.
إن انتشار التقزم غير متساوٍ في جميع أنحاء العالم، بل وحتى داخل المناطق والأقاليم الفرعية، مع مستويات متباينة من الشدة (الشكل 13).
وعلى الصعيد العالمي، تتفاوت التقديرات المتعلقة بالتقزم تبعًا للثروة والإقامة والسن ونوع الجنس(الشكل 14).56 ومن بين التجمعات المتاحة، يوجد أكبر تفاوت في انتشار التقزم بين أفقر شريحة خُمسية للثروة وأغنى شريحة خُمسية للثروة. وكان انتشار الإصابة بالتقزم في أوساط الأطفال من الشريحة الخمسية الأكثر فقرًا بنسبة 43 في المائة، أي أكثر من ضعف معدل انتشار التقزم لدى الأطفال من الشريحة الخمسية الأكثر ثراءً. وكان انتشار التقزم لدى الأطفال المقيمين في المناطق الريفية 34 في المائة، أي بزيادة قدرها 1.7 مرة عن الأطفال في المناطق الحضرية. أما الفارق بين الفتيان والفتيات في انتشار التقزم فضئيل على المستوى العالمي. وتتراكم نسبة كبيرة من حالات التقزم لدى الأطفال التي تشكل عبء التقزم على عاتق الأطفال دون سن الخامسة خلال الأيام الألف الأولى من الحياة. وتتفق هذه النتائج مع الدراسات السابقة53 وتؤكد من جديد الحاجة إلى استهداف تدخلات الوقاية من التقزم أثناء هذه الفرصة الحاسمة.
ويلاحظ وجود تفاوت في انتشار التقزم لدى الأطفال بين الأسر الأكثر ثراءً والأكثر فقرًا في جميع الأقاليم والأقاليم الفرعية التي تتوافر تقديرات بشأنها (الشكل 15). وتحجب الاختلافات الكبيرة على الصعيد الإقليمي في أفريقيا وآسيا تباينات كبيرة على الصعيد الإقليمي الفرعي. فعلى سبيل المثال، كان انتشار التقزم لدى الأطفال المنتمين إلى أفقر الأسر في آسيا الوسطى أقل كثيرًا من انتشار التقزم في أكثر الأسر ثراءً في آسيا الجنوبية. وآسيا الجنوبية هي الإقليم الفرعي الوحيد الذي يتعرض فيه أكثر من نصف الأطفال من الشريحة الخُمسية الأكثر فقرًا للتقزم. فأشدّ الأسر فقرًا في أفريقيا الشمالية لديها معدل انتشار للتقزم أعلى بواقع 1.4 مرة فقط مقارنة بأغنى الأسر، وهو أصغر فرق نسبي في جميع الأقاليم الفرعية في العالم. ومن ناحية أخرى، فإن أفريقيا الغربية هي الإقليم الفرعي الوحيد الذي تتجاوز فيه الفجوة في انتشار التقزم بين أفقر الأسر وأغنى الأسر 30 نقطة مئوية. وفي حين أن الفارق المطلق بين أغنى المجموعات وأفقر المجموعات في بلدان أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي هو الأصغر بين كافة الأقاليم، فإن الفارق النسبي هو الأكبر، حيث يصنف الأطفال من أكثر الأسر ثراءً كفئة لها أدنى معدل لانتشار التقزم، وأطفال الأسر الأكثر فقرًا الذين لديهم أعلى معدل لانتشار التقزم من حيث مستوى الشدة. وهذا يشير إلى الحاجة إلى تكثيف الجهود لمعالجة أوجه عدم المساواة حتى في هذه المنطقة حيث قد لا يعتبر الحد من التقزم في مجموعه قضية ملحة.
في أعقاب مجموعة التوصيات الواردة في إطار عمل المؤتمر الدولي الثاني المعني بالتغذية، وعقد الأمم المتحدة للعمل بشأن التغذية وبرنامج عمله، يجري تشجيع البلدان على معالجة المشكلة المستمرة المتمثلة في التقزم لدى الأطفال.57،27،25 ووفقًا للإطار المفاهيمي بشأن التقزم الذي وضعته منظمة الصحة العالمية،58 يلزم اتخاذ مجموعة من الإجراءات تستهدف الأفراد والأسر والمجتمع والمستويات الوطنية والعالمية.
ويتطلب التصدي للتقزم لدى الأطفال إشراك قطاعات مختلفة، بما في ذلك الصحة والزراعة والحماية الاجتماعية والتعليم، ومختلف مستويات المشاركة، من التخطيط والتنفيذ إلى الرصد والتقييم.
وتتضمن بعض الإجراءات الأساسية القائمة على الأدلة ما يلي:
1- تغذية المراهقات والأمهات: يكتسي الحصول المستمر على الأغذية بأسعار معقولة والتي تدعم الأنماط الغذائية الصحية، بما في ذلك المصادر الغذائية للفيتامينات والمعادن، أهمية بالغة لضمان قدرة المراهقات والنساء على الحفاظ على نمط غذائي مناسب طيلة فترة الحمل والرضاعة. وعلى الصعيد العالمي، تحدث نحو 11 في المائة من الولادات لدى الفتيات اللاتي تتراوح أعمارهن بين 15 و19 سنة. وتعتبر التغذية الكافية قبل وأثناء الحمل ضرورية لتلبية احتياجات نمو الأمهات والأجنة، وتحقيق نتائج مثالية عند الولادة والحد من مخاطر الأمراض غير المعدية اللاحقة. وعندما تصبح مراهقة في مرحلة النمو حاملًا، هناك منافسة للحصول على المغذيات بين الأم والجنين. وقد يؤدي هذا إلى توقف نمو الأم الخطي المتوقع وزيادة خطر التقزم، وقد يؤدي أيضًا إلى تقييد نمو الجنين وانخفاض الوزن عند الولادة.46 بيد أن العديد من المراهقات والنساء لا يستطعن الحصول على أغذية صحية لازمة لتلبية احتياجات الحمل، ولا سيما في البلدان المنخفضة الدخل والمتوسطة الدخل التي تتعايش فيها أوجه قصور عديدة في المغذيات الدقيقة. وتشكل الطاقة المتوازنة وتكميل البروتينات تدخلًا مهمًا لمنع النتائج السلبية في فترة ما قبل الولادة لدى النساء اللاتي يعانين من نقص التغذية. وهو يزيد من وزن المواليد بمقدار 41 غرامًا ويقلل من خطر المواليد الموتى بنسبة 40 في المائة، ومخاطر نقص وزن المواليد عن المعتاد مقارنة بفترة الحمل بنسبة 21 في المائة.59 وبالتالي، يوصى بزيادة المتناول من الطاقة والبروتينات يوميًا لدى النساء الحوامل من الفئات السكانية التي تعاني من نقص التغذية للحد من خطر المواليد الذين يعانون من انخفاض الوزن عند الولادة، وخاصة في المناطق التي تعاني من انعدام الأمن الغذائي بدرجة كبيرة أو لدى السكان الذين لا تتوفر لديهم سوى فرص ضئيلة للحصول على مجموعة متنوعة من الأغذية. كما تعمل برامج الحماية الاجتماعية على زيادة الأمن الغذائي والحد من خطر نقص التغذية لدى النساء بسبب فترات الحمل والرضاعة.60
2- ممارسات الرضاعة الطبيعية المثلى: توفر عملية البدء المبكر والرضاعة الطبيعية الخالصة للأشهر الستة الأولى الحماية من التهابات الجهاز الهضمي، التي قد تؤدي إلى نضوب شديد في المغذيات وبالتالي إلى التقزم.61 كما أن حليب الأم هو مصدر رئيسي للمواد المغذية أثناء الإصابة. وقد ربطت الدراسات التي أجريت في المناطق التي تفتقر إلى الموارد الرضاعة الطبيعية غير الخالصة بنواتج نمو أقل، لأن حليب الأم يستبدل بالأغذية ذات القيمة التغذوية الأدنى أو المياه، وهو ما يعرض الأطفال أيضًا للإصابة بالإسهال. وعلى نحو مماثل، يسهم الاستمرار في الرضاعة الطبيعية خلال العام الثاني بشكل كبير في استيعاب المواد الغذائية الرئيسية التي تفتقر إليها أنماط غذائية تكميلية منخفضة الجودة في المناطق الفقيرة من حيث الموارد.
3- التنويع الغذائي لدى الأطفال: من بين أكثر التدخلات فعالية لمنع التقزم أثناء فترة التغذية التكميلية تحسين نوعية الأنماط الغذائية للأطفال. فعلى سبيل المثال، جرى ربط استهلاك الأغذية الحيوانية المصدر بتحسين النمو الخطي للأطفال.63،62 ويعتبر وجود الفيتامينات والمعادن في النظام الغذائي أيضًا ذا أهمية حيوية لأنه يعزز المناعة والنمو الصحي.64 وإن تقييم التدخلات الزراعية المراعية للتغذية يحدد التنوع الغذائي والأنشطة المدرة للدخل من خلال الزراعة الأسرية باعتبارها مسارات محتملة قد تعمل من خلالها الزراعة والأنظمة الغذائية على تحسين التغذية والحد من التقزم. وتشير التحليلات الأخيرة إلى أن الأسر التي تستطيع تحمل كلفة الأنماط الغذائية المتنوعة، بما في ذلك الأغذية التكميلية المعززة، تشهد تحسنًا في المتناول من المغذيات وتقلص التقزم.46 ورغم ذلك تظل المفارقة مطروحة لأن سعر ومدى إمكانية الحصول على هذه الأغذية المغذية الضرورية للنمو الصحي أعلى كثيرًا من نظيراتها المغذية بشكل أقل. وتشكل أنماط الأسعار هذه عنصرًا من عناصر تحول الأنماط الغذائية التي لُوحظت في "التحول التغذوي".65 وبالتالي فإن تحسين توفر الأغذية المغذية والقدرة على تحمل كلفتها التي تساهم في توفير أنماط غذائية صحية من شأنه أن يضمن عادات صحية في التغذية والأكل والحد من خطر التقزم لدى الأطفال (أنظر الجزء الثاني).
4- المياه والصرف الصحي والنظافة: إن الأمراض المعدية الناجمة عن انعدام الظروف الصحية والمياه النظيفة من العوامل الحاسمة في حدوث التقزم لدى الأطفال. ومن بين التدخلات الرئيسية في المناطق المحرومة توفير مياه الشرب النظيفة والكافية، والمرافق الصحية المناسبة، ومصارف مياه الصرف الصحي، والإدارة السليمة للنفايات الصلبة.
5- الحماية الاجتماعية/برامج التحويلات النقدية: يمكن لبرامج الحماية الاجتماعية أن تحسن من إمكانية الحصول على المنتجات الغذائية الغنية بالبروتينات والفيتامينات والمعادن التي لا يمكن لولا ذلك أن تكون في متناول الأسر الفقيرة. وهذه البرامج الموجهة إلى الأسر المنخفضة الدخل تكون أكثر فعالية عندما تقترن بتدخلات إضافية أو شروط مثل الرعاية الصحية وخدمات التغذية والممارسات الصحية الجيدة.
6- رصد أوجه التفاوت في الصحة: يلزم رصد التقزم على الصعيدين الوطني ودون الوطني لتحديد المناطق الجغرافية والفئات السكانية الفرعية حيث تكون حالات الانتشار أعلى. وينبغي إعطاء الأولوية للتدخلات الموجهة لأكثر المناطق والفئات السكانية تضررًا. وغالبًا ما تكون الفئات الأكثر حرمانًا وضعفًا هي فئات المراهقين والنساء والأطفال الذين يعيشون في أفقر الأسر في المناطق الريفية، ولكن أيضًا في المناطق الحضرية. ومن شأن معالجة أشكال التفاوت هذه أن تساعد في منع التقزم.
ومن منطلق إدراك أن العوامل والحلول المتعلقة بالجوانب المتعددة لسوء التغذية ترتبط ارتباطًا وثيقًا، فقد تم تحديد عشرة من "الإجراءات المزدوجة" لمعالجة مشاكل نقص التغذية (بما في ذلك التقزم) والسمنة في نفس الوقت.67،66 وتشــمل الإجــراءات المزدوجة التدخلات والبرامج والسياســات الواجب تنفيذها على جميع مستويات السكان – البلد والمدينة والمجتمع المحلي والأسرة والأفراد. كما يعتبر العديد من التوصيات المذكورة أعلاه إجراءات مزدوجة للتصدي لسوء التغذية بجميع أشكاله. وتشمل الإجراءات المزدوجة الأخرى برامج التغذية المدرسية وسياسات لتعزيز البيئات الغذائية القادرة على توفير أنماط غذائية صحية.67
وباختصار، مع أن البلدان تحرز بعض التقدم،68 غير أن هذه البلدان تُشجع بموجب عقد الأمم المتحدة للعمل بشأن التغذية على زيادة وتعزيز العديد من الإجراءات المذكورة أعلاه لمكافحة التقزم.69 وتهدف العديد من التدخلات المذكورة أعلاه إلى منع التقزم من خلال تنفيذ استراتيجيات ترمي إلى تحقيق المقصد 2–2 من أهداف التنمية المستدامة الرامي إلى القضاء على جميع أشكال سوء التغذية. وفي القسم التالي، سينصب التركيز على كيفية مساهمة الأنماط الغذائية الصحية في تحقيق هذه الغاية وغيرها من الغايات التي حددتها خطة أهداف التنمية المستدامة.
منذ عام 2017، يفيد تقرير حالة الأمن الغذائي والتغذية في العالم عن التقدم المحرز نحو القضاء التام على الجوع وانعدام الأمن الغذائي (المقصد 1 للهدف 2 من أهداف التنمية المستدامة) وعلى سوء التغذية بكافة أشكاله (المقصد 2 للهدف 2)، مقدمًا الدليل على الرابط بين هذين الهدفين. وكما سبق وذكرت الإصدارات السابقة من هذا التقرير، بوسع انعدام الأمن الغذائي أن يزيد من مخاطر التعرض لسوء التغذية بكافة أشكاله.7،4،1 أما أحد العناصر الحيوية الذي يساعد في شرح ذلك فهو الغذاء الذي يأكله الناس: أي جودة النظم الغذائية تحديدًا. فبوسع انعدام الأمن الغذائي أن يؤثر في جودة النمط الغذائي بأكثر من طريقة، كما يحتمل أن يفضي إلى نقص التغذية بما يشمل نواقص المغذيات الدقيقة فضلاً عن الوزن الزائد والسمنة.
وتشكّل الأنماط الغذائية الصحية شرطًا أساسيًا لتحقيق العديد من أهداف التنمية المستدامة ومقاصد التغذية العالمية.70 ولكن الرصد العالمي لجودة النمط الغذائي يطرح تحديات عدّة. ففيما أن هناك مبادئ توجيهية قائمة على الأدلة للأنماط الغذائية الصحية، يصعب وضع مقاييس صالحة متصلة بالغذاء أو بالأنماط الغذائية لقياس جودة النمط الغذائي لغايات الرصد العالمي بسبب التنوّع الكبير في الأغذية المستهلكة وفي أنماط التغذية المنتشرة حول العالم. أما المقاييس المتداولة حاليًا فجديدة نسبيًا ولم تطبّق بعد على مستوى واسع بما فيه الكفاية لتوفير بيانات عالمية أو تختص بمجموعات سكانية معيّنة دون سواها. كما أنّ ندرة البيانات بشأن ما يتناوله الناس من أغذية – ولا سيما البيانات القابلة للمقارنة في ما بين البلدان – تزيد من صعوبة رصد الاتجاهات على صعيد جودة الأنماط الغذائية حول العالم.
وبعد وصف بعض من تلك التحديات بالنسبة إلى رصد جودة الأنماط الغذائية حول العالم، يعرض هذا القسم أدلة على الاتجاهات العالمية لإتاحة الغذاء للاستهلاك البشري، وتقييمات الأنماط الغذائية على المستويين العالمي والوطني. وقد جرى أيضًا تناول الرابط الهام القائم بين انعدام الأمن الغذائي وجودة الأنماط الغذائية.
في منتصف القرن العشرين، ركزت تدخلات الأمن الغذائي على استراتيجيات الإنتاج الزراعي لزيادة الإمدادات الغذائية ولتلبية الاحتياجات من الطاقة التغذوية. وقد جرى التشديد على أهمية إنتاج الأغذية الأساسية مع إيلاء اهتمام أقلّ للجودة التغذوية للنمط الغذائي.
وفي العقود التالية، تنامى الإدراك بأن محط التركيز هذا على جانب كبير من الضلال. فقد تمثّلت المشكلة الحقيقية في عجز العديد من الناس على مدار العام عن الوصول إلى أنماط غذائية صحية ومأمونة وميسورة الكلفة بالكميات الكافية اللازمة لدعم الصحة والرفاه.71 فأصبحت كفاية المغذيات في الأنماط الغذائية عنصرًا محوريًا لبرامج الأمن الغذائي والتغذية.
ومع دنوّ ذلك القرن من نهايته، اتضح أكثر فأكثر أن انعدام الأمن الغذائي لم يكن مرتبطًا فقط بالنقص الغذائي وإنما أيضًا في أغلب الأحيان، بالوزن الزائد والسمنة ولا سيما في البلدان المتوسطة الدخل من الشريحة العليا وفي البلدان المرتفعة الدخل. فأبرز ذلك الأوجه الأخرى لجودة النمط الغذائي في سياق النقاش بشأن سياسة الأمن الغذائي والتغذية. وبالتالي، انتقلت التدخلات والسياسات من ردم فجوة الطاقة التغذوية إلى إتاحة الأنماط الغذائية الصحية على نطاق أوسع وجعلها ميسورة الكلفة، مع التصدي في الوقت نفسه إلى الأشكال المتعددة من سوء التغذية عبر اعتماد إجراءات المهام المزدوجة (أنظر القسم 1–2).66 وينبغي للإجراءات والسياسات الرامية إلى ضمان الأمن الغذائي أن تركز أيضًا على زيادة الوصول إلى الأغذية المغذية التي تساهم في أنماط غذائية صحية من أجل مكافحة سوء التغذية بكافة أشكاله.
تقوم جودة النمط الغذائي على أربعة جوانب رئيسية هي التنوع/تعدد الأصناف (ضمن المجموعة الغذائية الواحدة وفي ما بين المجموعات الغذائية)، والكفاية (كفاية المغذيات أو المجموعات الغذائية مقارنة بالمتطلبات)، والاعتدال (الأغذية والمغذيات التي ينبغي استهلاكها بتحفّظ) والاتزان العام (تركيبة المتناول من المغذيات الدقيقة).72 كما أنّ التعرّض لأخطار السلامة الغذائية يمثّل جانبًا مهمًا آخر في ما خص الجودة. فبحسب منظمة الصحة العالمية، يقي النمط الغذائي الصحي من سوء التغذية بأشكاله كافة ومن الأمراض غير المعدية كداء السكّري ومرض القلب والسكتة الدماغية والسرطان.73 وهو يحتوي على مجموعة متزنة ومنوّعة ومناسبة من الأغذية المختارة التي يتم تناولها ضمن فترة زمنية معينة. ويكفل النمط الغذائي الصحي تلبية احتياجات الفرد من المغذيات الكبيرة (بروتينات ودهون وكربوهيدرات، بما فيها الألياف الغذائية) ومن المغذيات الدقيقة الأساسية (فيتامينات ومعادن) التي تناسب نوع جنسه وسنه ومستوى نشاطه الجسدي وحالته الفيسيولوجية. وتشمل الأنماط الغذائية الصحية أقل من 30 في المائة من المتناول من الطاقة عن طريق الدهون، ويصاحب ذلك تحول عن استهلاك الدهون المشبعة إلى استهلاك الدهون غير المشبعة والتخلص من الدهون المتحولة الصناعية، وأقل من 10 في المائة من إجمالي المتناول من الطاقة من السكريات الحرة (يفضل استهلاك أقل من 5 في المائة)، واستهلاك ما لا يقل عن 400 غرام من الفاكهة والخضار يوميًا، وما لا يزيد على 5 غرامات يوميًا من الملح (المعالج باليود).73 وبينما تختلف التركيبة المحددة للنمط الغذائي الصحي تبعًا لخصائص الفرد والسياق الثقافي والأغذية المتاحة على المستوى المحلي والعادات الغذائية السائدة، تبقى هذه المبادئ الأساسية لمقوّمات النمط الغذائي الصحي نفسها (الإطار 5).
الأنماط الغذائية الصحية:74
◂ تُستهلّ في مطلع حياة الإنسان مع التوجّه المبكر إلى الرضاعة الطبيعية، وممارسة الرضاعة الطبيعية الخالصة حتى سن الستة أشهر، ومواصلة الرضاعة الطبيعية حتى سن السنتين وما فوق، بالاقتران مع تغذية تكميلية مناسبة؛
◂ وتقوم على تنوّع كبير في الأغذية غير المجهزة أو الأغذية متدنية التجهيز، مع تأمين الاتزان عبر مختلف المجموعات الغذائية والحدّ من الأغذية والمشروبات عالية التجهيز؛*
◂ وتتضمن الحبوب الكاملة والبقول وأصناف الجوز ووفرةً من الفاكهة والخضار المنوعة؛**
◂ وقد تتضمن كميات معتدلة من البيض ومشتقات الحليب والدواجن والسمك؛ وكميات قليلة من اللحم الأحمر؛
◂ وتشتمل على مياه الشرب المأمونة والنظيفة باعتبارها السائل الأمثل؛
◂ وهي كافية (أي أنها تلبي الاحتياجات من دون أن تتخطاها) من حيث الطاقة والمغذيات لأجل النمو والتطوّر، ولتلبية احتياجات العيش المفعم بالنشاط والصحة على امتداد دورة الحياة؛
◂ وتتماشى مع الخطوط التوجيهية لمنظمة الصحة العالمية للحدّ من مخاطر الإصابة بالأمراض غير المعدية المرتبطة بالنمط الغذائي وضمان الصحة والرفاه للسكان عامة؛73
◂ وتتضمن حدًا أدنى، من الممرضات والتوكسينات والعوامل الأخرى القادرة على التسبب بالأمراض المنقولة بواسطة الأغذية، أو تخلو منها إذا أمكن.
تتفاوت التغييرات المطلوبة في مختلف النظم الغذائية وخارجها، الرامية إلى تعزيز النظم الغذائية الصحية، تفاوتًا كبيرًا بناء على السياق. فإنّ المجموعات السكانية تتسم بخصائص صحية وتغذوية مختلفة عن إحداها الأخرى، فضلاً عن اختلاف عاداتها وتقاليدها الغذائية وسبل معيشتها ونظمها الإيكولوجية وسلاسل إمداداتها الغذائية. وفيما يحدد العلم شروطًا معينة للمتناول من المغذيات بالنسبة إلى المجموعات السكانية المختلفة، هناك طرق كثيرة للمواءمة بين فرادى الأغذية العائدة إلى مجموعات غذائية مختلفة ضمن إطار الأنماط الغذائية لتلبية تلك الاحتياجات. ولتلك الأسباب، فيما أن المبادئ الأساسية للأنماط الغذائية الصحية في الإطار 5 تنطبق على جميع البلدان، ليس من المجدي تعيين نمط غذائي صحي واحد ينبغي لجميع البلدان اتباعه من حيث الأغذية وكمياتها المحددة. وبدلاً من ذلك، ينبغي لكل بلد أن يترجم المبادئ الأساسية للأنماط الغذائية الصحية إلى خطوط توجيهية محددة يتبعها سكانه. وبناء عليه، قام عدد متنام من البلدان بإرساء خطوط توجيهية بشأن النظم الغذائية القائمة على الأغذية (الخطوط التوجيهية)، مصحوبةً بتوصيات غذائية تتناسب مع سياقاتها الفريدة. وتقوم بعض البلدان أيضًا ضمن خطوطها التوجيهية بتناول مسألة المواءمة بين الأغذية (الوجبات) وطرق الأكل واعتبارات السلامة الغذائية والجوانب المتعلقة بنمط العيش والاستدامة.
وتبيّن أمثلة الخطوط التوجيهية لكل من أستراليا والصين وتايلند في الشكل 16 كيف يمكن لتطبيق مبادئ الأنماط الغذائية الصحية أن يختلف من بلد إلى آخر.76، 77 د وتستند الخطوط التوجيهية لكل بلد على أغذية متاحة وسهلة المنال ومناسبة ثقافيًا لسكانه. وهي تُستخدم لتصميم أنماط التغذية الموصى بها التي توفر المتناول المطلوب من المغذيات، بالإضافة إلى مبادئ أخرى للأنماط الغذائية، ولمعالجة الشواغل الرئيسية للبلد على الصعيد التغذوي. ومع أنّ البلدان الثلاثة جميعها تقع في إقليم آسيا والمحيط الهادئ، فهي تتسم بفوارق وتباينات مهمة. ويرمز الرسم البياني الذي اختاره كل من البلدان إلى صورة ثقافية ذات صلة بنظر السكان. ولدى مقارنة المجموعات الثلاث للخطوط التوجيهية، عبر النظر في النسبة المئوية المرجحة لمساهمة كل مجموعة غذائية في النمط الغذائي الإجمالي، استنادًا إلى التوصيات، تظهر ثلاثة فوارق: ألا وهي طريقة تصنيف الأغذية؛ والنسب ذات الصلة بالمجموعات الغذائية؛ والأغذية المصوّرة. وتعكس تلك الفوارق المشاكل الصحية والتغذوية وإتاحة الأغذية وأنماط تناول الغذاء والثقافات الغذائية التي يختص بها كل بلد (أنظر الملحق 2 للاطلاع على مزيد من التفاصيل والملحق 4، الجدول ألف 4–1 للاطلاع على أمثلة إضافية عن الخطوط التوجيهية الوطنية الخاضعة للقياس).
حين تتضمن الخطوط التوجيهية الوطنية توصيات كمية، يمكن استخدامها كذلك كأداة لتقييم الامتثال للخطوط التوجيهية لدى مجموعة سكانية معيّنة (أنظر الإطار 6). وتيسّر التوصيات الكمّية استخدام الخطوط التوجيهية لغايات البحوث الأخرى أيضًا: أما أحد الأمثلة فهو تحليل كلفة الأنماط الغذائية المعروضة في القسم 2–1 والقدرة على تحملها (أنظر الإطار 11 والملحق 4). ولكن في الوقت الراهن، يقوم فقط ثلث البلدان تقريبًا التي لها خطوط توجيهية، بتحديد الكميات، الأمر الذي يطرح تحديات أمام تقييم الامتثال للخطوط التوجيهية وأمام البحوث الرامية إلى إجراء تحاليل على المستويين العالمي والإقليمي.
بغية المساعدة في إرشاد الخيارات الغذائية اليومية، يحتوي بعض الخطوط التوجيهية أنماطًا موصى بها للمتناول الغذائي معبّرًا عنها كحصص (غالبًا بالغرامات) ينبغي استهلاكها من كل مجموعة غذائية في اليوم، بحسب السن ومجموعة نوع الجنس. وفي هكذا حالات، إذا كانت بيانات استهلاك الغذاء للفرد الواحد متاحة للبلد المعين، يمكن تقييم امتثال مجموعات سكانية محددة للخطوط التوجيهية.
وتبيّن الصورة اليسرى في الشكل أدناه رسمًا بيانيًا هرميًا اختارته بلجيكا للإبلاغ عن التوصيات الواردة في خطوطها التوجيهية الوطنية. أما الصورة اليمنى فتقارن متوسط الاستهلاك الغذائي الاعتيادي لمن يتراوح عمرهم بين 14 و17 عامًا في بلجيكا المستمدّ من المسح الوطني لاستهلاك الأغذية للفترة 2014-2015 مع توصيات الخطوط التوجيهية لهذه المجموعة العمرية.78
وحين ننظر إلى الرسم البياني، يظهر جليًا أن المراهقين في بلجيكا يأكلون كميات أقل بكثير من الكمية الموصى بها لمعظم المجموعات الغذائية. ويشبه هذا النمط الأنماط السائدة في البلدان الأوروبية الأخرى. وقد اكتشفت دراسة شملت عشر مدن في تسعة بلدان أن المراهقين يأكلون نصف الكمية الموصى بها من الفاكهة والخضار، وأقل من ثلثي الكمية الموصى بها من الحليب (ومشتقات الحليب) ولكنهم يستهلكون كميات من اللحوم (ومنتجات اللحوم) والدهون والأغذية والمشروبات الغنية بالسكريات بكميات تفوق بأشواط ما هو موصى به. ومع ذلك تشير التقديرات إلى أن متوسط المتناول الإجمالي اليومي من السعرات يكاد يتطابق مع التوصيات.79
وقد وضعت بعض البلدان "مؤشرًا للغذاء الصحي" استنادًا إلى خطوطها التوجيهية، عبر تحويل رسائل خطوطها التوجيهية تلك إلى مقياس يستخدم في رصد جودة النمط الغذائي عبر الوقت. ولكن، بما أنه ينبغي تطوير مؤشر للغذاء الصحي والتثبت منه وتحديثه كلما جرى تنقيح الخطوط التوجيهية، فإن تلك المؤشرات ليست شائعةً جدًا وهي ليست متاحة حاليًا لأي من البلدان المتوسطة الدخل من الشريحة الدنيا. وفي غياب تلك المؤشرات، قد يكون من المفيد جدًا عرض "لمحة" تقارن النمط الغذائي الحالي بالخطوط التوجيهية، شبيهة بما هو معروض هنا لبلجيكا.
امتثال متوسط استهلاك الأغذية الاعتيادي للخطوط التوجيهية التغذوية القائمة على الأغذية لدى المراهقين (14-17 سنة)
وفي ما يتعيّن على كل بلد تحديد الطريقة الفضلى لترجمة المبادئ الأساسية للأنماط الصحية إلى خطوط توجيهية مناسبة لسياقه الخاص، بُذلت جهود في السنوات الأخيرة لتحديد أنماط نظرية عالمية للتغذية الصحية (أنظر القسم 2–2)، وذلك لغايات البحث في الأنماط العالمية للمتناول الغذائي وفي علاقتها بالنتائج الصحية والبيئية، ولتمكين المقارنات في ما بين البلدان.
وإذ تطور مفهوم الأنماط الغذائية الصحية مع تنامي المعرفة بتأثيرات الأنماط الغذائية في النتائج الصحية، أصبح تأثير الأنماط الغذائية في البيئة موضع المزيد من التمحيص. فقد بيّنت مجموعة متنامية من الأدلة العلمية كيف يؤثر أسلوبنا في إنتاج الأغذية واستهلاكها سلبًا في قاعدة الموارد الطبيعية وكيف يساهم في انبعاثات غازات الدفيئة (أنظر القسم 2–2).82،81،74 وسوف تزيد التأثيرات البيئية والصحية في حال استمرار الاتجاهات السائدة على صعيد النمط الغذائي ونمو السكان.83 ومع ازدياد السكان ثراء وتمدنًا، يطالبون بمزيد من الغذاء ولا سيما المزيد من اللحوم والسمك ومشتقات الحليب والبيض والسكر والدهون والزيوت،84 الأمر الذي قد يساهم في ارتفاع خطر الإصابة بالأمراض المتصلة بالنمط الغذائي فضلاً عن ترتيب تأثيرات بيئية أكبر، كتلك المتصلة باستهلاك الأغذية الحيوانية المصدر على سبيل المثال. وفضلاً عن ذلك، فإن النمو المتوقع للسكان بواقع ملياري شخص بحلول 2050، والذي من الأرجح أن يحصل معظمه في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل، سيسهم في زيادة الضغط البيئي الناجم عن النمط الغذائي. وفي ضوء هذه الاتجاهات، يصبح من الحيوي بالتالي تعزيز الأنماط الغذائية الصحية بطرق مستدامة بيئيًا.
يطرح التقييم العالمي لاستهلاك الأغذية ولجودة النمط الغذائي العديد من التحديات. فحتى تاريخه لا يوجد أي مؤشر محددّ مركّب وموثوق لقياس الأبعاد المتعددة لجودة النمط الغذائي المذكورة أعلاه في البلدان كلها: ألا وهي التنوع/تعدد الأصناف؛ والكفاية؛ والاعتدال والاتزان الشامل. وتتضمن النهج البديلة لتقييم جودة النمط الغذائي للسكان استخدام مقاسات تتناول جانبًا واحدًا لجودة النمط الغذائي، مثل التنوع الغذائي،72 أو استهلاك المجموعات الغذائية أو فرادى الأغذية أو تركيبات الأغذية التي ينبغي زيادة المتناول منها أو الحدّ منها لحماية الصحة.85،72 ويتمثل أحد التحديات الأخرى في قلة البيانات التي يمكن التعويل عليها ومقارنتها عبر البلدان بشأن المتناول الغذائي للفرد حول العالم.86 وفي غياب تلك البيانات، يجوز استخدام مصادر مختلفة من البيانات للتقييم العالمي للمتناول من الغذاء والمغذيات ولجودة النمط الغذائي، ولكل منها مواطن قوة معينة ومواطن ضعف (أنظر الملحق 2).
ومن المسائل الإضافية التي تعيق قابلية مقارنة التقديرات والتوصيات الغذائية المستمدة من دراسات وبلدان مختلفة، هناك استخدام تصنيفات مختلفة لمجموعات الأغذية ومجموع عدد المجموعات الغذائية المستخدمة. فيمكن تصنيف الأغذية ضمن مجموعات غذائية بالاستناد إلى جوانب متعددة مثل الخصائص التغذوية للأغذية (مثلاً، غنية بالبروتينات)، والهدف من التحليل (مثلاً، تحديد الأغذية الغنية بالفيتامين A وبالحديد) وتعريف علم النبات لها واستخدامها الشائع (مثلاً الطماطم والباذنجان تستهلك كخضار مع أنها فاكهة من منظور علم النبات). وفضلاً عن ذلك، من الصعب فرض تصنيفات على البيانات المتداولة حاليًا رهن درجة تفصيل البيانات. فعلى سبيل المثال ليس من الممكن تعريف الأغذية عالية التجهيز والغنية بالدهون والسكريات و/أو الملح باستخدام بيانات ميزانيات الأغذية أو حسابات استخدام الإمدادات. وتعرض بقية هذا القسم والجزء 2 تحاليل متنوعة تعتمد على مجموعات غذائية مختلفة الواحدة عن الأخرى بنسبة طفيفة. غير أن كل تحليل يستند إلى تصنيف للمجموعات الغذائية ذي صلة، بناء على الغاية من الدراسة وعلى نوع البيانات المستخدمة.
يستعين علماء الاقتصاد والباحثون وصانعو السياسات بصورة واسعة بالبيانات المتصلة بإتاحة الأغذية المستدامة من ميزانيات الأغذية للمنظمة، باعتبارها وسيطًا للمتوسط الوطني لاستهلاك الأغذية. وهي تستخدم لتحديد جوانب عريضة جدًا لأنماط التغذية حول العالم. والحقيقة أن ميزانيات الأغذية قد تكون بالنسبة إلى بعض البلدان، لا سيما للبلدان المنخفضة الدخل مصدر البيانات الوحيد المتاح لهذه الغاية.
ووضعت المنظمة ميزانيات للأغذية سنويًا لمعظم البلدان والأقاليم منذ عام 1961. ويتم تجميع الميزانيات88،87 اعتمادًا على حسابات استخدام الإمدادات والتي هي عبارة عن قوائم مفصّلة تضم ما يفوق 400 سلعة غذائية وزراعية. وتحتسب تقديرات إتاحة الأغذية عبر موازنة بيانات الإمدادات الغذائية للبلد المعني (أي الإنتاج والاستيراد والأرصدة الافتتاحية) بموجب استخدامه للأغذية (الصادرات وإتاحتها للاستهلاك والبذور والأعلاف والفاقد في مرحلة ما بعد الحصاد، والاستخدامات الأخرى والأرصدة الختامية). وتقدم ميزانيات الأغذية معلومات عن الكميات المعبر عنها كمُكافئات أولية للمحاصيل ومنتجات الماشية والسلع السمكية. أما حسابات استخدام الإمدادات فتقدم معلومات أدقّ عن الكميات الرسمية أو المقدرة للمنتجات الغذائية المتّجر بها. بيد أنّ كلاً من بيانات ميزانيات الأغذية وبيانات حسابات استخدام الإمدادات يعرض معلومات إتاحة الأغذية على المستوى الوطني الإجمالي وحسب. وهي لا تقدم معلومات عن المتناول الفعلي للفرد من الأغذية أو المغذيات، أو توزيع وصول المجموعات السكانية إلى الغذاء المتاح. وفي بعض الحالات، قد لا تعكس حسابات استخدام الإمدادات الوطنية وميزانيات الأغذية، إنتاج المزارع الصغيرة أو الأسر الخاصة. وبالتالي، ينبغي النظر بدقة في تلك العقبات لدى استخدام بيانات ميزانيات الأغذية وحسابات استخدام الإمدادات وتفسيرها.
وفي التحليل أدناه، استخدمت بيانات حسابات استخدام الإمدادات لوصف اتجاهات توافر 10 مجموعات غذائية مختارة وثلاث مجموعات فرعية من اللحوم بحسب الإقليم وبحسب فئة دخل البلد للسنوات 2000–2017.ه كما عرضت مساهمة المجموعات الغذائية كافة (ضمن سبع مجموعات) في إجمالي إمدادات الطاقة الغذائية لعام 2017 بحسب فئة دخل البلد. أما الجديد في هذا التحليل فهو أن له 3 شقوق: فأولاً، يستخدم التحليل بيانات حسابات استخدام الإمدادات بدلاً من بيانات ميزانيات الأغذية. وثانيًا، صُنّفت الأغذية الفردية ضمن مجموعات غذائية بناء على أهميتها التغذوية بحسب التصنيفات المستخدمة في أداة "بيانات الاستهلاك العالمي الفردي للأغذية" المشتركة بين منظمة الأغذية والزراعة ومنظمة الصحة العالمية89 عوضًا عن تصنيفات ميزانيات الأغذية. وثالثًا، تم تكييف كميات الأغذية بموجب المهدر الذي قد يطرأ على مستوى البيع بالتجزئة ومع مراعاة الأجزاء غير الصالحة للأكل. ويطبّق ذلك بغية تقدير كميات أقرب إلى ما قد يستهلكه الناس في الواقع. وتعكس التقييمات المعروضة الأغذية المتاحة (الكميات الصالحة للأكل) للاستهلاك البشري. وبالتالي، يرجح أن تكون أعلى من المتناول الفردي الفعلي (أنظر الملحق 2 وGheri وآخرين (سيصدر قريبًا)90 من أجل وصف موسّع لمنهجية بيانات حسابات استخدام الإمدادات وميزانيات الأغذية ونتائجها وعراقيلها).
تعتمد البلدان المنخفضة الدخل والبلدان المتوسطة الدخل من الشريحة الدنيا بقوّة على الأغذية الأساسية كالحبوب والجذور والدرنات وموز الجنة. وبالإجمال، لم تتغير إتاحة الأغذية الأساسية في العالم بشكل يذكر بين عامي 2000 و2017 (الشكل 17). فقد طرأت تغيّرات طفيفة في إتاحة الحبوب عبر الأقاليم فئات دخل البلدان. وفي عام 2017، كانت إتاحة الحبوب في أعلاها لدى البلدان المتوسطة الدخل من الشريحة الدنيا (391 غرامًا للشخص في اليوم) وفي أدناها لدى البلدان المرتفعة الدخل (259 غرامًا للشخص في اليوم). وقد ارتفعت إتاحة الجذور والدرنات وموز الجنة في البلدان المتوسطة الدخل من الشريحة الدنيا جرّاء ارتفاعها في أفريقيا. فيما تراجعت في البلدان المرتفعة الدخل بسبب تناقصها بالدرجة الأولى في أمريكا الشمالية وأوروبا. وزادت إتاحة البقول والبذور وأصناف الجوز حول العالم بنسبة 24 في المائة من عام 2000 إلى 2017 مع تسجيل أعلى الزيادات في البلدان المنخفضة الدخل والبلدان المتوسطة الدخل من الشريحة الدنيا (الشكل 18).
البلدان المتوسطة الدخل من الشريحة العليا وآسيا هي الوحيدة التي لديها ما يكفي من الفاكهة والخضار المتاحة لتلبية التوصية المشتركة الصادرة عن منظمة الأغذية والزراعة ومنظمة الصحة العالمية بشأن استهلاك ما لا يقل عن 400 غرام منها في اليوم.92،91 في عام 2000، كانت إتاحة الفاكهة والخضار للاستهلاك البشري في الأقاليم كافة أقل من 400 غرام للشخص في اليوم. ومن أصل فئات الدخل لجميع البلدان، لم يتجاوز هذا الحد سوى البلدان المتوسطة الدخل من الشريحة العليا. وبين عامي 2000 و2017 ارتفع المتوسط العالمي لإتاحة الفاكهة والخضار من 306 غرامات إلى 390 غرامًا للشخص في اليوم (الشكل 17). وقد سجّلت البلدان المتوسطة الدخل من الشريحة العليا أعلى نسبة مئوية من التغيير التصاعدي (50 في المائة) في الكمية الإجمالية من الفاكهة والخضار المتاحة. وقد اتسمت تلك البلدان بإتاحة إجمالية مختلطة أعلى بشكل ملحوظ للفاكهة والخضار (645 غرامًا للشخص في اليوم) مقارنةً بغيرها من فئات دخل البلدان. وبالنسبة إلى البلدان المرتفعة الدخل، تراجعت إتاحة الفاكهة والخضار بشكل طفيف مع الوقت.
ومن عام 2000 إلى 2017، ارتفعت إتاحة الفاكهة والخضار في أفريقيا من 167 إلى 191 غرامًا للشخص في اليوم. وفي البلدان المنخفضة الدخل نمت من 121 إلى 142 غرامًا للشخص في اليوم. ولكن الكميات الإجمالية المتاحة في أفريقيا والبلدان المنخفضة الدخل تقل بكثير عن الهدف المتمثل في استهلاك 400 غرام منها في اليوم. وفي عام 2017، كانت آسيا الإقليم الوحيد الذي لديه ما يكفي من الفاكهة والخضار المتاحة لتلبية الكمية الموصى بها (470 غرامًا للشخص في اليوم). ولكن حتى ولو بدا أنّ نصيب الفرد من الكميات المتاحة يغطي الاستهلاك الموصى به على مستوى السكان ككل، لا شيء يضمن توزيع الاستهلاك بطريقة تلبّي احتياجات الأفراد كلهم.
وتتفق نتائج هذا التحليل عامة مع نتائج دراستين أخريين مستندتين إلى بيانات على المستوى الفردي وجدتا أن استهلاك الأغذية والخضار (بين البالغين) في معظم الأقاليم في العالم غير كاف بدرجة كبيرة.94،93
تبلغ إتاحة الأغذية الحيوانية المصدر أعلى مستوياتها في البلدان المرتفعة الدخل، بيد أنها تشهد نموّا سريعًا في البلدان المتوسطة الدخل من الشريحة العليا. اتّسمت الاتجاهات العالمية لإتاحة الأغذية الحيوانية المصدر بزيادة في كميات البيض والسمك والدواجن واللحوم المجهزة ومشتقات الحليب بين عامي 2000 و2017 (الأشكال 17 و18 و19).
وقد لوحظت معظم الزيادات العالمية للأغذية الحيوانية المصدر لدى البلدان المتوسطة الدخل من الشريحتين الدنيا والعليا. وسجّلت آسيا الزيادة الأكبر في الكمية الإجمالية للأغذية الحيوانية المصدر المتاحة، مدفوعةً بشكل رئيسي بالزيادات في مشتقات الحليب في وسط آسيا وجنوبها (غير معروضة).
وفي البلدان المرتفعة الدخل خلال الفترة 2000–2017، بلغت إتاحة اللحوم ومنتجات الحليب ضعف الكمية المتاحة في بلدان فئات الدخل الأخرى. ففي عام 2017، بلغت إتاحة اللحم الأحمر في تلك البلدان 97 غرامًا للشخص في اليوم ما يعني 35.4 كلغ للشخص في السنة. وقد زادت إتاحة اللحوم المجهزة في جميع الأقاليم وفئات دخل البلدان بين 2000 و2017، لا سيّما في البلدان المتوسطة الدخل من الشريحة العليا وفي آسيا وأمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي. وتراجعت إتاحة مشتقات الحليب في البلدان المرتفعة الدخل منذ عام 2000، ولا سيما في أوسيانيا وأمريكا الشمالية وأوروبا. وقد سجّلت البلدان المنخفضة الدخل الإتاحة الأدنى للحوم والبيض والسمك مع تباينات طفيفة. وقد لوحظت زيادات كبيرة في إتاحة البيض والسمك بين عامي 2000 و2017 في بلدان الدخل المتوسط من الشريحتين الدنيا والعليا.
وقد تترتب عن زيادة إتاحة اللحم، التي ربما تعكس زيادة الطلب، تداعيات إيجابية أو سلبية على الصحة، وذلك بحسب السياق. فبالنسبة إلى الفقراء والمنكشفين في معظم البلدان المنخفضة الدخل والمجموعات السكانية ذات الاحتياجات الأعلى من المغذيات كالرضع والنساء في سن الإنجاب، يمكن لزيادة صغيرة في كمية اللحوم وفي الأغذية الأخرى الحيوانية المصدر أن تحسّن بدرجة كبيرة الكفاية التغذوية لأنماطهم الغذائية بما أنها مصادر جيدة للبروتينات عالية الجودة وللمغذيات الدقيقة المهمة.95 بيد أنه يمكن للاستهلاك المرتفع للحوم الحمراء والمجهزة أن يساهم في ارتفاع المتناول من الدهون المشبعة و/أو الملح ما يرتبط بزيادة احتمال الإصابة بأنواع معينة من السرطان والأمراض غير المعدية الأخرى المتصلة بالنمط الغذائي.96،93 فضلاً عن ذلك، للأنماط الغذائية الغنية بالأغذية الحيوانية المصدر ولا سيما لحوم البقر والضأن والحليب ومنتجات الحليب الأخرى تأثير بيئي أعلى مقارنةً بالأنماط الغذائية القائمة على النبات (أنظر القسم 2–2).
تبلغ إتاحة السكريات والدهون أعلى مستوياتها لدى البلدان المرتفعة الدخل بيد أن أكبر الزيادات قد سجلت في البلدان المتوسطة الدخل من الشريحة العليا. زادت إتاحة الدهون والزيوت بوتيرة مطردة في جميع الأقاليم وفئات دخل البلدان من عام 2000 إلى 2017 (أنظر الشكل 19). ولوحظت أعلى الزيادات لدى البلدان المتوسطة الدخل من الشريحة العليا. وقد سجّلت البلدان المرتفعة الدخل أعلى معدلات الإتاحة على مر الوقت، ولكنها سجلت الزيادة الأقل للتغيّر في النسب المئوية. وحين ننظر إلى السكريات والمحليات، نرى أن الإتاحة في البلدان المرتفعة الدخل (109 غرامات للشخص في اليوم أو 39.8 كيلوغرامات للشخص في السنة) بلغت ضعف ما هي عليه لدى البلدان المتوسطة الدخل من الشريحة الدنيا في عام 2017 وأربع مرات الكمية المتاحة في البلدان المنخفضة الدخل.
وتتماشى النتائج المعروضة في الأشكال 17 و18 و19 مع الأدلة التجريبية الأخرى التي تُظهر أن الأنماط الغذائية، لا سيما لدى البلدان المتوسطة الدخل من الشريحة العليا، انتقلت في العقود الأخيرة من استهلاك الأغذية الأساسية نحو استهلاك المزيد من الأغذية الحيوانية المصدر والسكريات والدهون والزيوت.97،84
تختلف المجموعات الغذائية المتاحة للاستهلاك باختلاف فئات دخل البلدان. فعلى المستوى العالمي في عام 2017، مثلت الحبوب والجذور والدرنات وموز الجنة أعلى مساهمة في إجمالي الأغذية المتاحة للاستهلاك البشري، من حيث الكميات الصالحة للأكل (34 في المائة) وكذلك من حيث الطاقة التغذوية (51 في المائة) (الشكل 20). وعلى المستوى العالمي، في فئات دخل، زادت إتاحة المتناول من الطاقة منذ عام 2000 مع تسجيل البلدان المرتفعة الدخل الزيادة الأقل (غير معروضة). وتمثل الفاكهة والخضار ثاني أكثر مجموعة غذائية متاحة (من حيث النسبة المئوية المرجحة) فيما أن مساهمتها في الإتاحة الإجمالية للطاقة التغذوية محدودة (6 في المائة عالميًا) وهو أمر متوقع، لأنها تكون عادةً قليلة الطاقة التغذوية. وفي المقابل، تشكّل السكّريات والدهون ثاني أعلى مجموعة من حيث المساهمة الإجمالية في الطاقة التغذوية، ولكنها تمثل جزءًا صغيرًا نسبيًا من حيث الكميات المتاحة.
وفي البلدان المنخفضة الدخل، مثّلت الحبوب والجذور والدرنات وموز الجنة حوالي 60 في المائة من مجمل الأغذية المتاحة (بحسب الوزن) في عام 2017. وتقلّ هذه النسبة المئوية تدريجيًا بحسب فئات الدخل إلى أن تبلغ 22 في المائة لدى البلدان المرتفعة الدخل. وبالمثل، فإن مساهمة الأغذية الحيوانية المصدر (أي الأسماك واللحوم والبيض ومنتجات الألبان) في النسبة المئوية المرجحة تختلف تبعًا لفئة دخل البلد. فهي أعلى لدى البلدان المرتفعة الدخل (29 في المائة) مقارنة ببلدان الدخل المتوسط من الشريحتين العليا والدنيا (20 في المائة)، فيما تبلغ أدناها لدى البلدان المنخفضة الدخل (11 في المائة).
إن بيانات حسابات استخدام الإمدادات التي ترشد التحاليل أعلاه تظهر إتاحة الأغذية للاستهلاك البشري حتى عام 2017. وهكذا لا يضع هذا التحليل في الاعتبار تداعيات جائحة كوفيد19- على إتاحة الأغذية. ويعرض الإطار 7 بإيجاز بعضًا من طرق تأثير جائحة كوفيد19- في إتاحة الأغذية المغذية، وبالتالي في جودة النمط الغذائي للسكان.
بغض النظر عن التهديد المباشر لصحة الناس ورفاههم جرّاء الإصابة بالفيروس، من شأن جائحة كوفيد19- أيضًا أن تؤثر في وصولهم إلى الأغذية المغذية، وفي الجودة الإجمالية للنمط الغذائي عبر القنوات الاجتماعية والاقتصادية وتعكير النظم الغذائية. أما بعض أوجه التأثير المحتملة فهي كما يلي:
◂ احتمال أن تحد التأثيرات الاقتصادية الثانوية من القدرة على شراء أغذية كافية ومأمونة ومغذية، ولا سيما للعاملين اليوميين غير الرسميين.98 وسيخسر المهاجرون وعائلاتهم القدرة الشرائية جراء تراجع دفق التحويلات التي تنفق بمعظمها على شراء الأغذية.99 ومن الأرجح تأثر النساء100 والشباب101 وذوي الإعاقات102 أكثر من سواهم بالجائحة بما أنهم أصلاً محرومون من الوصول إلى الموارد الاقتصادية والمالية. وفضلاً عن ذلك، من شأن القيود على حرية تنقل الأشخاص أن تنتقص من الوصول إلى الغذاء حتى بالنسبة إلى الذين يتمتعون بالإمكانات الاقتصادية الكافية للحصول عليه.
◂ وقد يكون تأثير التداعيات الاقتصادية للجائحة أشد في جودة الأنماط الغذائية منه في كميتها، بما أن إمدادات القمح لا تبدو عرضًة للخطر، وهذا لأن إنتاج القمح لا يحتاج إلى كثافة في اليد العاملة وهو قابل للتخزين لفترات أطول. وقد كان الطلب على الأغذية الأساسية أقل تأثرّا عادةً بتغيّر الأسعار مقارنة بالطلب على الفاكهة والخضار واللحوم ومنتجات الحليب.
◂ وفي العديد من البلدان، تؤثر تدابير مكافحة الجائحة، مثل ضرورة التباعد الجسدي وفرض القيود على التنقل، في إنتاج أغذية مغذية عالية القيمة وقابلة للتلف وكثيفة اليد العاملة ونقلها، مثل الفاكهة والخضار واللحوم والحليب ومنتجات الألبان الأخرى. وكثيرًا ما يحتاج إعداد المحاصيل الطازجة بوجه خاص إلى عمل العديد من الأشخاص على مقربة من أحدهم الآخر لغايات الزرع والحصد والتجهيز. كما أن ظروف العمل في أمكنة مكتظة، كالتي تتصف بها غالبية مصانع تجهيز مشتقات الحليب واللحوم، تعيق الالتزام بضرورات التباعد الجسدي. وبالإضافة إلى ذلك، ينبغي لتلك الأغذية القابلة للتلف أن تنقل من المزرعة إلى المستهلكين ما يجعلها أشد تأثرًا بالقيود على السفر وإغلاق الأسواق.
◂ ومن شأن إغلاق الأسواق غير الرسمية أن يفاقم من التعذّر المتزايد للوصول إلى الأغذية المغذية. وبالإضافة إلى الأهمية الاجتماعية والثقافية للأسواق غير الرسمية، تدعم هذه الأخيرة الأنماط الغذائية الصحية والمغذية فضلاً عن سبل معيشة المجموعات السكانية الأكثر فقرًا. وغالبًا ما تكون كلفة الأغذية الطازجة المباعة في المتاجر الكبرى والأسواق الرسمية أقل تيسرًا أو خارج متناول الفقراء من سكان المدن.
◂ وتكون الأغذية عالية التجهيز والمعلّبة عادةً غنية بالدهون والسكريات و/أو الأملاح، وهي في الغالب أقل ثمنًا من الأغذية الطازجة المغذية ولا سيما في البلدان المرتفعة الدخل والبلدان المتوسطة الدخل من الشريحة العليا.103 ويوحي السعر الأدنى للمنتجات الغذائية عالية التجهيز وطول عمرها التخزيني، بالاقتران مع الوصول المحدود إلى الأغذية الطازجة والمغذية، بإمكان استهلاكها بكميات أكبر ما يؤدي إلى تدني جودة النمط الغذائي.104
ولا يزال مدى التداعيات الاقتصادية الثانوية وتأثير شروط التباعد الجسدي مجهولين حتى اللحظة. أما المخاطر على المدى القريب والمتوسط والبعيد المتعلقة بالوصول إلى الأغذية وبجودة النمط الغذائي فغير مفهومة بالكامل بعد.
وتوفر تحاليل إتاحة الأغذية على المستوى الوطني هذه معلومات غير مباشرة بشأن اتجاهات جودة الأغذية عبر الوقت وعبر الأقاليم وفئات دخل البلدان. ولكن المعلومات المنبثقة عن البيانات الفعلية لاستهلاك الأغذية وللمتناول من المغذيات – لدى توفرها – هي التي تتيح وضع تقديرات مفصّلة لجودة الأنماط الغذائية لدى المجموعات السكانية المختلفة. أما مؤشرات التنوعّ الغذائي كتلك المستخدمة في القسم التالي والتي تم تجميعها بناء على تلك البيانات، فتشكل مكونًا متنامي القيمة في قاعدة الأدلة.
يتمثل أحد العناصر الرئيسية لجودة النمط الغذائي في التنوعّ الغذائي، أو تعدد أصناف الأغذية التي تعود إلى المجموعات الغذائية المختلفة التي يتكوّن منها النمط الغذائي. فإن تناول تشكيلة منوّعة من الأغذية قد يزيد من احتمال أن يستهلك الشخص كميات كافية من المغذيات المختلفة الضرورية لصحته ولرفاهه الإجماليين. وقد وضعت أدوات عدة لقياس التنوع الغذائي لمجموعات سكانية محددة بما فيها مؤشر الحد الأدنى للتنوع الغذائي للنساء (الإطار 8)، ومؤشر الحد الأدنى للتنوع الغذائي للرضع وصغار الأطفال، ويُستخدم هذا الأخير لأجل التقييم العالمي أدناه. أمّا البيانات التي ترشد تلك المؤشرات فتُجمع عادة باستخدام استمارات للاستهلاك غير الكمّي للأغذية على مستوى الفرد، فتقيّم ما يتناوله الناس بشكل أكثر صراحةً من بيانات حسابات استخدام الإمدادات.
يعتبر مؤشر الحد الأدنى للتنوع الغذائي للنساء وسيطًا يعكس التنوع الغذائي وكفاية المغذيات الدقيقة للنساء في سن الإنجاب.109 وهو يحتسب من خلال إحصاء عدد المجموعات من أصل المجموعات الغذائية العشر* التي استُهلكت خلال الساعات الـ24 السابقة. وفي حال تم استهلاك أغذية من خمس أو أكثر من تلك المجموعات الغذائية، يمكن الاعتبار أن الحد الأدنى للتنوع الغذائي - الذي يرتبط بفرصة أكبر للحصول على متناول كاف من 11 مغذيًا دقيقًا - قد استوفي.110 ومنذ إطلاق مؤشر الحد الأدنى للتنوع الغذائي للنساء عام 2015، قامت عشرة بلدان بجمع بيانات على المستوى الوطني للحد الأدنى للتنوع الغذائي للنساء، وقام الكثير من البلدان الأخرى باستخدام تلك البيانات للبحوث أو لتقييم الأثر على المستوى دون الوطني. وإن مؤشر الحد الأدنى للتنوع الغذائي للنساء هو من المؤشرات المؤسسية التي وضعها برنامج الأغذية العالمي والتي يستخدمها للوقاية من التقزم ولأجل البرمجة المراعية للتغذية في سياقات محددة. وفي عام 2018، كانت هناك بيانات متاحة تخص برامج منفذة في 29 بلدًا.** وفي عام 2019، تقرر إدراج الحد الأدنى للتنوع الغذائي للنساء كمؤشر أساسي لبرنامج المسح الديمغرافي والصحي الذي يغطي حاليًا 90 بلدًا.
ولكن قبل اتخاذ هذا القرار، كان العديد من البلدان قد أدرج مؤشر الحد الأدنى للتنوع الغذائي للنساء في مسوحه الديمغرافية والصحية الوطنية. وقد قام كل من نيبال (2016) وطاجيكستان (2017) ونيجيريا (2018) بالإبلاغ عن أحدث النتائج المتاحة.113،112،111 ويبيّن الجدول في هذا الإطار النسبة المئوية من النساء بين سن 15 و49 عامًا اللواتي استوفين الحد الأدنى للتنوع الغذائي للنساء (≥ خمس مجموعات غذائية) في هذه البلدان الثلاثة بحسب منطقة الإقامة (حضرية/ريفية) وخميسية الثروة. وبشكل عام، حققت ما نسبته 50 في المائة من نساء نيبال الحد الأدنى للتنوع الغذائي؛ وقد بلغت النسبة في نيجيريا 56 في المائة وفي طاجيكستان 80 في المائة. أما نسبة سكان المدن الذين حققوا الحد الأدنى للتنوع الغذائي فقد فاقت ما هي عليه لدى نظرائهم في القرى.
وقد كانت الأغذية في مجموعة "الحبوب والجذور والدرنات البيضاء وموز الجنة" هي الأكثر استهلاكًا. فقد أبلغ أكثر من 98 في المائة من النساء في البلدان الثلاثة عن تناولهنّ إياها. وأبلغ ما لا يقل عن 70 في المائة من النساء في نيجيريا وطاجيكستان عن استهلاك أغذية من مجموعة "اللحوم والدواجن والسمك" مقارنة بــ35 في المائة فقط في نيبال. أما نسبة النساء اللواتي أبلغن عن استهلاك "الخضار الورقية الخضراء الداكنة" فقد بلغت أعلى مستوياتها في نيجيريا (72.7 في المائة) وأدناها في طاجيكستان (18.7 في المائة). وبالنسبة إلى مجموعة "الفاكهة والخضار الأخرى الغنية بفيتامين A" فقد كانت النسبة المئوية في أعلاها في طاجيكستان (59.9 في المائة). وبالنسبة إلى "الفاكهة الأخرى" فقد انخفضت النسبة المئوية إلى أدناها في نيجيريا (35.7 في المائة).
النسبة المئوية للنساء بين 15 و49 عامًا اللواتي يحققن الحد الأدنى للتنوع الغذائي للنساء (≥ 5 مجموعات غذائية) خلال الساعات الأربع والعشرين السابقة على المقابلة، بحسب مكان الإقامة في الحضر/الريف والشريحة الخمسية للثروة
وتتسم السنتان الأوليان من الحياة بنمو جسدي وتطور دماغي سريعين. أما الأطفال الذين تتراوح سنهم بين 6 و23 شهرًا فمعرضون بشكل خاص لتعثر النمو والنقص في المغذيات. وبغية تلبية احتياجات الرضع وصغار الأطفال من الطاقة والمغذيات، يوصى بتشكيلة منوعة من الأغذية وبحد أدنى من الإطعام في اليوم.106،105 وقد أوصت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) ومنظمة الصحة العالمية بثلاثة مؤشرات (هي الحد الأدنى للتنوع الغذائي، والحد الأدنى لعدد الوجبات، والحد الأدنى للنمط الغذائي المقبول) لأجل تقييم جودة النمط الغذائي لصغار الأطفال من خلال المسوح الأسرية.107 وتراعي تلك المؤشرات عدد المجموعات الغذائية المختلفة المستهلكة، وعدد مرات إطعام الطفل خلال الـ24 ساعة السابقة للمسح.
ويدل مؤشر الحد الأدنى للتنوع الغذائيو إلى النسبة المئوية من الأطفال في سن 6–23 شهرًا الذين استهلكوا العدد الأدنى الموصى به (خمس) من المجموعات الغذائية الثماني التالية: حليب الأم؛ والحبوب؛ والجذور والدرنات؛ والبقول وأصناف الجوز؛ ومشتقات الحليب (المستحضر الغذائي للرضع والحليب واللبن والجبن)؛ والأغذية من لحم الحيوان (اللحم الأحمر والسمك والدواجن ولحوم الكبد والأعضاء)؛ والبيض؛ والفاكهة والخضار الغنية بالفيتامين A؛ وغير ذلك من فاكهة وخضار. وبصفته وسيطًا لمحتوى المغذيات في الأغذية التي يستهلكها الرضع وصغار الأطفال، فهو بمثابة مؤشر مندرج في الإطار العالمي لرصد التغذية من أجل تتبع التقدم باتجاه تحقيق الغايات التغذوية العالمية التي وضعتها جمعية الصحة العالمية لمقاصد أهداف التنمية المستدامة لعامي 2025 و2030. ويمكن جمع معلومات بشأن التنوع الغذائي بمجرد السؤال عن مدى استهلاك الطفل للأغذية من المجموعات الغذائية المختلفة خلال الساعات الأربع والعشرين السابقة على الاستجواب، مثل ما يجري في المسوح الديمغرافية والصحية والمسوح العنقودية المتعددة المؤشرات التي تجريها منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف). ويمكن كذلك تشكيل البيانات أيضًا عبر استخدام بيانات الاستذكار الغذائي للساعات الأربع والعشرين السابقة طالما من الممكن تصنيف الأغذية ضمن المجموعات القياسية المذكورة أعلاه. وتقوم اليونيسف بجمع البيانات ومسك قاعدة بيانات بشأن الأنماط الغذائية للأطفال منذ مطلع التسعينيات حين تم إرساء المجموعة الأولية من المؤشرات المعيارية العالمية. وقد وضعت مؤشرات تقييم جودة الأنماط الغذائية للأطفال، من قبيل مؤشر الحد الأدنى للتنوع الغذائي، في حقبة حديثة نسبيًا (2008–2010) وهي قد أدرجت في قواعد البيانات العالمية منذ 2014.
وعلى الصعيد العالمي، استوفى أقل من طفل واحد من أصل ثلاثة أطفال في سن 6–23 شهرًا (29 في المائة) الحد الأدنى للتنوع الغذائي، أي أنه تناول أغذية من خمس على الأقل من ثماني مجموعات غذائية في اليوم السابق للاستجواب، على الرغم من وجود تفاوت واسع على نطاق العالم (الشكل 21).108 وكان التنوع الغذائي لدى الرضع وصغار الأطفال متدنيًا في معظم الأقاليم مع استيفاء أقل من 40 في المائة من الأطفال الحد الأدنى للتنوع الغذائي في سبعة من أصل 11 إقليمًا فرعيًا (الشكل 22). وقد استوفى حوالي ثلاثة من أصل خمسة أطفال في سن 6–23 شهرًا الحد الأدنى للتنوع الغذائي في أمريكا الوسطى مقارنة بطفل واحد فقط من خمسة في آسيا الجنوبية ووسط أفريقيا. وبوجه عام، لا توجد فوارق ملحوظة في التنوع الغذائي بين الفتيان والفتيات، وإنما هناك فوارق سافرة في معدل انتشار الحد الأدنى للتنوع الغذائي بحسب مكان الإقامة (حضري/ريفي) وحالة الثروة. وإن معدل انتشار الأطفال الذين يتناولون أغذية من خمس على الأقل من المجموعات الغذائية الثماني، هو أعلى بمعدل 1.7 مرة في المتوسط لدى أطفال المدن منه لدى أطفال الريف، ولدى أولاد الأسر الثرية مقارنة بالأسر الفقيرة (الشكل 21).
تفيد أنماط الاستهلاك لكل من المجموعات الغذائية أنّ ثلاثة من أصل أربعة أطفال يستهلكون الحبوب/الأغذية النشوية وحليب الأم. وتشير المبادئ التوجيهية لمنظمة الصحة في البلدان الأمريكية ولمنظمة الصحة العالمية، بشأن تغذية الأطفال الحاصلين وغير الحاصلين على الرضاعة الطبيعية، إلى وجوب استهلاك الأغذية اللحمية والبيض يوميًا (أو لأكبر عدد ممكن من المرات) لأنها مصادر غنية بالعديد من المغذيات الدقيقة الرئيسية كالحديد والزنك.106،105 ولكنّ أقل من طفل واحد من أصل ثلاثة أطفال قد استهلك أغذية لحمية كاللحوم والدواجن والسمك، فيما استهلك طفل واحد فقط من أصل خمسة البيض في اليوم السابق للاستجواب (الشكل 23).108
إن الأسر والأفراد الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي لا يكونون أكيدين من قدرتهم على نيل ما يكفي من الأغذية المأمونة والمغذية لعيش حياة مفعمة بالنشاط وبالصحة، وذلك بسبب قلة المال أو الموارد الأخرى. ونتيجةً لذلك، قد يكون نمطهم الغذائي أكثر فقرًا من النمط الغذائي الذي يتمتع به الآمنون غذائيًا أو الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي المعتدل.
وإن قسمًا كبيرًا من الأدلة الحالية التي تثبت الرابط بين مستويات انعدام الأمن الغذائي الأسري وبين النتائج التغذوية صادر من أمريكا الشمالية واللاتينية، ويستند إلى بيانات تم جمعها باستخدام مقاييس لانعدام الأمن الغذائي قائمة على التجارب، شبيهة بمقياس المعاناة من انعدام الأمن الغذائي. وقد دلّت دراسات من بلدان مختلفة على أنّ كلا من التنوع الغذائي ومن استهلاك الأغذية المغذية كالفاكهة والخضار ومشتقات الحليب واللحوم يتفاقمان مع اشتداد انعدام الأمن الغذائي.119،118،117،116،115 ويشير التحليل التمهيدي لبيانات مقياس المعاناة من انعدام الأمن الغذائي، بالاقتران مع بيانات تم جمعها باستخدام مقاسات قابلة للمقارنة للأنماط الغذائية في ما بين البلدان، إلى ارتباط مشابه (الإطار 9). وتتنامى مجموعة الأدلة القابلة للمقارنة في ما بين البلدان إذ يقوم المزيد من البلدان بإدراج مقياس المعاناة من انعدام الأمن الغذائي، أو المقاييس الأخرى المطابقة له، في المسوح الوطنية القائمة على السكان التي تجمع أيضًا بيانات بشأن استهلاك الأغذية.
بحسب ما ذُكر في بداية القسم 1-3، يعدّ النمط الغذائي مركّبًا متعدد الأوجه، يشمل التنوّع والكفاية والاعتدال والاتزان الإجمالي. وقد صيغ استبيان لجودة النمط الغذائي بهدف قياس جودة النمط الغذائي على مستوى السكان بطريقة قابلة للمقارنة عبر البلدان، ويتطلب ملؤه خمس دقائق أو أقل.121 وهو مصمم لجمع بيانات عن استهلاك المجموعات الغذائية تستخدم من ثم لاستحداث سلسلة من مؤشرات النمط الغذائي الصحي.
وفي ما يلي ثلاثة من مؤشرات جودة النمط الغذائي المبينة بمزيد من التفصيل في الملحق 2:
◂ درجة تنوعّ المجموعة الغذائية
◂ درجة استهلاك الأغذية المغذية التي تساهم في الأنماط الغذائية الصحية
◂ درجة استهلاك المكونات الغذائية التي يجب الحد منها أو تفاديها
تبيّن درجة تنوعّ المجموعة الغذائية درجة التنوع الغذائي للسكان عامةً،* فيما يبيّن المؤشران الآخران مدى احتمال تلبية التوصيات الغذائية العالمية الحالية التي وضعتها منظمة الصحة العالمية. ويمكن استخدام تلك المؤشرات لتحديد المجالات الإشكالية في الأنماط الغذائية على مستوى السكان، مثل الاستهلاك الشديد التدني للفاكهة والخضار والحبوب الكاملة والبقول وأصناف الجوز والألياف الغذائية، أو المتناول المفرط من السكريات الحرة والأملاح والدهون الإجمالية والدهون المشبعة.
وفي عام 2019، نفّذ استطلاع غالوب العالمي (Gallup© World Poll) كلاً من استبيان جودة النمط الغذائي، ومقياس المعاناة من انعدام الأمن الغذائي في غانا وجمهورية تنزانيا المتحدة.*** وترد هنا تحاليل لتقييم الرابط بين حالة الأمن الغذائي وبين جودة النمط الغذائي (أنظر الملحق 2 لمزيد من التفاصيل). وقد تناولت النماذج حجم الأسرة والسن ونوع الجنس والوضع الزوجي والتعليم والدخل.
وفي كلا البلدين، يستهلك الأشخاص الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي أنماطًا غذائية أقل تنوعًا ونسبةً أقل من الأغذية المغذية التي تساهم في النمط الغذائي الصحي. وتتدهور جودة النمط الغذائي مع ازدياد شدّة انعدام الأمن الغذائي. وفضلاً عن ذلك، فإن الأفراد الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي في هذين البلدين يميلون كذلك إلى استهلاك مكونات غذائية ينبغي الحدّ منها، كالأغذية عالية التجهيز وكثيفة الطاقة والغنية بالدهون و/أو السكريات و/أو الملح. وفي البلدان الأخرى ذات السياق الاجتماعي الاقتصادي المختلف، هناك رابط محتمل بين انعدام الأمن الغذائي وزيادة استهلاك هذه الأغذية. ومن المهم رصد المؤشرات الثلاثة لجودة النمط الغذائي هذه لا سيما في ضوء الأدلة التي تشير إلى حصول انتقال غذائي وتغذوي، وفي ضوء العبء المتعدد لسوء التغذية في بلدان الدخل المتوسط من الشريحتين الدنيا والعليا.122 وفي جمهوريّة تنزانيا المتحدة، هناك ارتباط أيضًا بين نوع الجنس وبين الاختلافات في جودة النمط الغذائي. فقد استهلكت النساء أنماطًا غذائية أقل تنوعًا وكميّات أقل من الأغذية المغذية، وأغذية أقل كثافة بالطاقة وأغنى بالدهون و/أو السكريات و/أو الملح مما استهلكه الرجال.****
باختصار، تشير النتائج إلى أن انعدام الأمن الغذائي في كلا البلدين يرتبط بتدني جودة النمط الغذائي من حيث تنوع المجموعات الغذائية والأغذية المغذية على حد سواء. وفي جمهوريّة تنزانيا المتحدة، هناك ارتباط بين كون الشخص من الإناث وبين انخفاض جودة النمط الغذائي.
ويتوسع التحليل المعروض أدناه في مضمون الدراسات السابقة عبر تناوله مقاييس لانعدام الأمن الغذائي قابلة للمقارنة في ما بين البلدان قد تمت معايرتها بموجب النطاق العالمي لمقياس المعاناة من انعدام الأمن الغذائي. وهو يستكشف أنماط التغذية بحسب مستويات انعدام الأمن الغذائي، بناء على تحليل بيانات الأمن الغذائي واستهلاك الأغذية لدى بلدين من البلدان المتوسطة الدخل من الشريحة الدنيا، هما كينيا والسودان، وبلدين من البلدان المتوسطة الدخل من الشريحة العليا، هما المكسيك وساموا.ز أما تقديرات متوسط الاستهلاك الاعتيادي لـ11 مجموعة غذائية ولإجمالي الطاقة الغذائية على مستوى السكان، فتحسب لكل فئة من فئات انعدام الأمن الغذائي. وقد حُدّدت المجموعات الغذائية بناء على أهميتها التغذوية تبعًا للتصنيفات المستخدمة في أداة بيانات الاستهلاك العالمي الفردي للأغذية المشتركة بين منظمة الأغذية والزراعة ومنظمة الصحة العالمية89 (GIFT) مع بعض الاستثناءات. وقد أبلغ عن النتائج ذات الأهمية الإحصائية وحسب.ح
وفي كينيا وساموا والسودان، جُمعت المعلومات عن استهلاك الأغذية على مستوى الأسر من خلال مسوح الاستهلاك والإنفاق الأسريين.ط وفي المكسيك، سجّلت تلك المعلومات على المستوى الفردي باستخدام مسوح لاستهلاك الأغذية على مستوى الفرد. وتوفر المسوح على مستوى الفرد معلومات كمية مفصلة عن المتناول من الأغذية والمغذيات يمكن تقسيمها على مستويات عدة (كنوع الجنس والسن). ونظرًا إلى ارتفاع كلفتها وتعقيدها، فإن عدد المسوح الأخيرة على المستوى الوطني متدن نسبيًا. أما البيانات بشأن استهلاك الأغذية المستمدة من مسوح الاستهلاك والإنفاق الأسريين من جهة أخرى، فمتاحة على نطاق أوسع لدى مختلف البلدان وعلى امتداد الفترات الزمنية. بيد أنّ مسوح الاستهلاك والإنفاق الأسريين ليست مصمّمة تحديدًا بهدف قياس استهلاك الأغذية. وإنما توفّر معلومات على مستوى الأسرة المعيشية، ولو أنها لا تتناول فرادى أعضاء الأسرة. ولهذا السبب، فيما أن حالة انعدام الأمن الغذائي في التحليل التالي قابلة للمقارنة في ما بين البلدان، ينبغي مقارنة مستويات استهلاك الأغذية بحذر (أنظر الوصف الكامل للمنهجية والنتائج في الملحق 2 و Sanchez وآخرين (سيصدر قريبًا)120).
وبصورة عامة، يبيّن التحليل أن الأشخاص الذين يختبرون انعدام الأمن الغذائي المعتدل أو الشديد يستهلكون كمية من اللحوم ومنتجات الحليب (في البلدان الأربعة كلها) ومن الفاكهة والخضار (في كينيا والسودان) أقل مما يستهلكه الآمنون من الناحية الغذائية أو الأشخاص الذين يختبرون انعدام الأمن الغذائي المعتدل (ويشار إليهم من الآن فصاعدًا بالآمنين من الناحية الغذائية) (الشكل 24). أمّا استهلاك الحبوب والجذور والدرنات وموز الجنة والبقول والبذور وأصناف الجوز فإما يتراجع قليلاً وإما يراوح مكانه أو يزيد، مؤديًا إلى مساهمة أعلى نسبيًا لهذه المجموعات الغذائية في النمط الغذائي الإجمالي. وكلما زاد انعدام الأمن الغذائي للناس، زادت حصة الأغذية الأساسية في نمطهم الغذائي. ويصح ذلك حتى وإن قام الأشخاص الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي في كينيا والسودان بخفض استهلاكهم من الأغذية الأساسية جراء تخفيض أكثر لاستهلاكهم للمجموعات الغذائية الأخرى.
وفي كينيا والسودان، يستهلك الأشخاص الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي المعتدل كميات من المجموعات الغذائية كلها أقل مما يستهلكه الآمنون من الناحية الغذائية – باستثناء الحبوب في كلا البلدين والسمك في كينيا – كما أن لديهم حد أدنى للمتناول من الطاقة الغذائية. ويستهلك الأشخاص الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي الشديد كميات أقل من الجذور والدرنات وموز الجنة ومشتقات الحليب والخضار والدهون والزيوت والحلويات والسكريات (كينيا والسودان)، ومن الحبوب والفاكهة والبيض والسمك (كينيا) مقارنةً بمن يعانون مستويات معتدلة من انعدام الأمن الغذائي. وفي كينيا، يستهلك الأشخاص الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي كميةً أعلى بقليل من السمك مقارنة بالآمنين من الناحية الغذائية. ويمكن تفسير ذلك من منطلق أن صيد الكفاف يمارسه بعض من أفقر المجتمعات في البلاد وأكثرها معاناة للأمن الغذائي.124
وقد لوحظت في المكسيك وساموا تفاوتات ملحوظة في النمط الغذائي كذلك بين المجموعات الآمنة من الناحية الغذائية والمجموعات التي تعاني من انعدام الأمن الغذائي، غير أنه تتبع وتيرة مختلفة عما نراه في كينيا والسودان. ومع ازدياد انعدام الأمن الغذائي شدةً، يبقى المتناول من الطاقة الغذائية مستقرًا نسبيًا في ساموا، ويتراجع في المكسيك ولكن بشكل أقل حدة مما نراه في كينيا والسودان. وهناك انخفاض في استهلاك بعض من الأغذية الحيوانية المصدر (كمشتقات الحليب واللحوم)، ولكن التغيير لا يذكر (لا بل أن هناك زيادة) في استهلاك بعض من الأغذية النباتية المصدر (كالحبوب والجذور والدرنات وموز الجنة والبقول والبذور وأصناف الجوز والخضار) والحلويات والسكريات. وفي المكسيك، تراجع استهلاك الفاكهة مع استتباب انعدام الأمن الغذائي، في حين أنه يتزايد في ساموا. وفي المقابل، فإن استهلاك البيض في المكسيك أعلى لدى الشرائح التي تعاني من انعدام الأمن الغذائي.
أمّا الاستنتاج بأن جودة النمط الغذائي تسوء مع ازدياد انعدام الأمن الغذائي شدةً فيتماشى مع التركيب النظري لانعدام الأمن الغذائي الذي يرتكز عليه مقياس المعاناة من انعدام الأمن الغذائي: حيث إن الأشخاص الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي المعتدل لا يكونون أكيدين من قدرتهم على نيل الغذاء ويكونون مضطرين إلى المساومة على الجودة التغذوية و/أو على كمية الأغذية التي يستهلكونها. ومن ناحية أخرى، الأشخاص الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي الشديد هم عادةً الذين ينفذ منهم الغذاء بالكامل، وفي أسوأ الأحوال قد أمضوا يومًا أو أكثر بدون تناول أي طعام.125
تختلف الأساليب التي ينتهجها من يعانون من انعدام الأمن الغذائي المعتدل لغاية تغيير أنماطهم الغذائية، باختلاف مستوى دخل البلد. في اثنين من البلدان المتوسطة الدخل من الشريحة الدنيا التي شملتها الدراسة (كينيا والسودان)، هناك انخفاض ملحوظ في استهلاك معظم المجموعات الغذائية، وارتفاع في حصة الأغذية الأساسية للنمط الغذائي. وفي اثنين من البلدان المتوسطة الدخل من الشريحة العليا التي تناولتها الدراسة (المكسيك وساموا)، لوحظ أن الأشخاص الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي المعتدل يستهلكون مزيدًا من الأغذية متدنية الكلفة بناء على السعرات الحرارية، (أي الحبوب والجذور والدرنات وموز الجنة) ويستهلكون كميات أقل من الأغذية المرتفعة السعر (كاللحوم ومنتجات الحليب) مقارنة بالآمنين من الناحية الغذائية. وقد سجّلت المكسيك بوجه خاص انخفاضًا في استهلاك الفاكهة ومشتقات الحليب مع اشتداد انعدام الأمن الغذائي. ويتماشى ذلك مع الدراسات التي تدلّ على أن شراء الفاكهة والحليب شديد التأثر بالتغيرات في الدخل والأسعار.126 ويمكن شرح الزيادة في استهلاك الفاكهة في ظلّ تفاقم انعدام الأمن الغذائي في ساموا من منطلق أنّ الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي يستهلكون مزيدًا من الفاكهة من إنتاجهم الخاص بدلاً من شرائها.127
وثمة أسباب كثيرة ممكنة لتأثير انعدام الأمن الغذائي، مقاسًا بواسطة مقاييس قائمة على التجارب، كمقياس المعاناة من انعدام الأمن الغذائي، في مختلف النواتج الغذائية لدى بلدان الدخل المتوسط من الشريحتين الدنيا والعليا، لدرجة أن تلك البلدان قد تكون قدوةً للبلدان الأخرى في مجموعة مستوى الدخل نفسها. فأولاً، قد تكون الأنماط الغذائية الصحية عامة أقل تيسرًا في البلدان المتوسطة الدخل من الشريحة الدنيا مما هي عليه في بلدان الشريحة العليا. وبحسب ما ناقشه القسم 2–1 من هذا التقرير، فإن الأنماط الغذائية الصحية غير ميسورة الكلفة للعديد من الناس ولا سيما للفقراء في كل إقليم من العالم. وثانيًا، قد تتلقى برامج الحماية الاجتماعية تمويلاً أقلّ في البلدان المتوسطة الدخل من الشريحة الدنيا.128 وختامًا، قد يكون وصول الأشخاص المنكشفين إلى الغذاء، ولا سيما الأغذية المغذية القابلة للتلف، أكثر صعوبةً في البلدان المتوسطة الدخل من الشريحة الدنيا مما هو عليه للشريحة العليا، وذلك جرّاء غياب البنية التحتية المادية وتكنولوجيا تجهيز الأغذية وتخزينها، ناهيك عن مشاكل السلامة الغذائية.129 فإن هذا النوع من المشاكل المرتبطة بسلسلة إمدادات الأغذية يزيد كلفة الأغذية المغذية كما ناقشنا في القسم 2–3 من هذا التقرير.
ويتمثل أحد الأسباب الممكنة لكون الفارق في المتناول من الطاقة الغذائية بين الآمنين من الناحية الغذائية ومن يعانون أشكالاً معتدلة من انعدام الأمن الغذائي، أقلّ في المكسيك وساموا منه لدى كينيا والسودان، في أن المكسيك وساموا في صدد انتقال تغذوي يتجلّى في التحول السريع لتركيبة النمط الغذائي إلى متناول أكبر من الأغذية عالية التجهيز وكثيفة الطاقة التي لها قيمة تغذوية دنيا وبخسة الثمن ومتاحة على نطاق واسع.97
وبينما يزداد عدد البلدان التي تجمع بيانات ذات نوعية جيدة عن الأمن الغذائي واستهلاك الأغذية على المستوى الأسري أو الفردي، يمكن توسيع هذا التحليل ليسلّط المزيد من الضوء على الروابط القائمة بين انعدام الأمن الغذائي وبين جودة الأنماط الغذائية حول العالم. وإلى جانب الجهود الجارية لصياغة خطوط توجيهية وطنية بشأن النظم الغذائية القائمة على الأغذية، ولمعالجة التحديات التي تعترض الرصد العالمي لجودة النمط الغذائي، ستتوفر أدلة أكثر وأفضل عمّا قريب لإرشاد الإجراءات الرامية إلى ضمان وصول الجميع إلى ما يكفي من الأغذية المغذية من أجل تحقيق أنماط غذائية صحية.
فيما لا تفصلنا عن عام 2030 سوى عشر سنوات، ما زال العالم خارج المسار الصحيح لتحقيق مقاصد أهداف التنمية المستدامة المتعلقة بالقضاء على الجوع وسوء التغذية. وبعد تراجع عدد الأشخاص الذين يعانون من الجوع على مدى عقود، بدأ هذا العدد يرتفع ببطء منذ عام 2014. وتشير الاتجاهات التي يبيّنها معدّل انتشار نقص التغذية ومعدّل انعدام الأمن الغذائي الحاد بحسب مقياس المعاناة من انعدام الأمن الغذائي، إلى الفشل في إحراز التقدم. وبالإضافة إلى الجوع، اضطرّ عدد متزايد من السكّان إلى التنازل عن جودة الأغذية و/أو الكميات التي اعتادوا على استهلاكها على النحو الذي أثبتته الزيادة في معدّل انعدام الأمن الغذائي المعتدل أو الحاد منذ عام 2014. وتشير التوقعات لعام 2030، وحتى من غير أخذ التأثير المحتمل لجائحة كوفيد19- في الحسبان، إلى أن المستوى الحالي للجهود لا يكفي لتحقيق هدف القضاء على الجوع في غضون عشر سنوات من اليوم.
أما في ما يتعلق بالتغذية، فقد تم إحراز تقدّم في تقليص معدّلي التقزّم لدى الأطفال وانخفاض الوزن عند الولادة وزيادة معدّل الرضاعة الطبيعية الخالصة خلال الأشهر الستة الأولى من الحياة. ولكنّ انتشار الهزال يزيد بشكل ملحوظ عن المعدّل المستهدف، كما أنّ انتشار الوزن الزائد لدى الأطفال والسمنة لدى البالغين آخذ في الازدياد في الأقاليم كلها تقريبًا، وهو اتجاه مقلق سيزيد من العبء العالمي للمرض ويزيد من تكاليف خدمات الصحة العامة والرعاية الصحية. فلا بدّ من عكس مسار هذه الاتجاهات للجوع وانعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية. ومن المتوقّع أن تؤدي جائحة كوفيد19- إلى تفاقم هذه الاتجاهات، ما سيجعل السكّان الضعفاء أشدّ ضعفًا. وثمة حاجة إلى اتخاذ إجراءات عاجلة من أجل تحقيق مقاصد عام 2030 حتى في ظل تأهّب العالم لمواجهة تأثيرات الجائحة.
وينبغي أن تكون زيادة توافر الأغذية المغذّية التي تضمن أنماطًا غذائية صحيّة، وإمكانية الحصول عليها، عنصرًا رئيسيًا من عناصر الجهود المتضافرة لتحقيق مقاصد عام 2030. فقد ازداد توافر الطاقة الغذائية للفرد على المستوى العالمي خلال العقدين الماضيين. غير أن ذلك لم يتجسّد في زيادة توافر الأغذية المغذيّة التي تساهم في أنماط غذائية صحية. وثمة أوجه تباين كبيرة بين نصيب الفرد من كميات الأغذية المتوافرة في مختلف مجموعات الأغذية عبر البلدان ذات مستويات الدخل المختلفة. إذ تعتمد البلدان المنخفضة الدخل بشكل أكبر على الأغذية الأساسية وبشكل أقل على الفاكهة والخضار والأغذية الحيوانية المصدر مقارنة بالبلدان المرتفعة الدخل. وقد لوحظ ارتفاع نصيب الفرد من الفاكهة والخضار المتوافرة منذ عام 2000. ولكن، ووفقًا للتحليل المعروض، فإن نصيب الفرد من الأغذية المتوافرة لا يتجاوز مستوى الاستهلاك الموصى به إلا في البلدان المتوسطة الدخل من الشريحة العليا وفي آسيا. وعلى الصعيد العالمي، يتناول أقل من ثلث الأطفال الصغار أغذية من الحد الأدنى من مجموعات الأغذية الخمس اللازمة لتلبية احتياجاتهم من الطاقة والمغذيات.
وتتراجع جودة الأنماط الغذائية لدى السكّان بسبب تزايد القيود التي تعيق حصولهم على الأغذية، ما يعرّضهم بقدر أكبر لخطر نقص التغذية والوزن الزائد والسمنة. وتشكّل التكاليف من بين جملة من العوامل الأخرى، عاملًا أساسيًا في الحصول على الغذاء. ويسلّط الجزء الثاني من هذا التقرير الضوء على كيفية مساهمة أسعار الأغذية والقدرة على تحمّل كلفة الأنماط الغذائية في انعدام الأمن الغذائي وتفاوت جودة الأنماط الغذائية. ويحدّد كذلك الإجراءات اللازمة لإعادة تشكيل النظم الغذائية بطرق تضمن حصول الجميع على الأغذية الكافية والمغذية التي تساهم في أنماط غذائية صحية. وتتيح السنوات المتبقية من عقد الأمم المتحدة للعمل من أجل التغذية (2016–2025) الفرصة لواضعي السياسات والمجتمع المدني والقطاع الخاص للعمل معًا والإسراع في وتيرة الجهود المبذولة. وما زال هناك وقت للعودة إلى المسار الصحيح للقضاء على الجوع وإنهاء جميع أشكال سوء التغذية بحلول عام 2030.
لطالما شكّلت السياسات الهادفة إلى زيادة توافر الأغذية والمتناول من الطاقة والتي قلّما ركّزت على تحسين جودة الأغذية، عنصرًا أساسيًا من الجهود الرامية إلى القضاء على الجوع. ولكن هذا النموذج آخذ في التغيّر الآن. فينبغي أن تقوم الاستراتيجية السائدة للقضاء على الجوع وسوء التغذية بمواجهة تحديات أخرى متعددة الأوجه: (1) هناك أعباء متعددة لسوء التغذية؛ (2) ولقد بالغت السياسات الغذائية في التركيز على السعرات الحرارية وكميّة البروتينات، هاملة طائفة أوسع من الجودة الغذائية اللازمة لصحة الأشخاص ونموهم؛ (3) وينبغي لأي نهج يرمي إلى التصدي للجوع وسوء التغذية بجميع أشكاله أن يأخذ في الاعتبار أيضًا استدامة النظم الغذائية.
وكما هو مبيّن في الجزء الأول من التقرير، فإن معظم البلدان ليست في سبيلها إلى تحقيق مقاصد الهدف 2 من أهداف التنمية المستدامة المتمثلة في القضاء على الجوع وانعدام الأمن الغذائي (المقصد 2–1) وسوء التغذية بجميع أشكاله (المقصد 2–2) بحلول عام 2030. وستزيد جائحة كوفيد19- من صعوبة الرجوع إلى المسار الصحيح. ويُظهر الجزء الأول أن النقص التغذوي وانعدام الأمن الغذائي لا يشكلان التحديين الوحيدين، إنما أيضًا الوزن الزائد والسمنة وأشكال سوء التغذية الأخرى. وفي هذا الصدد، تشكل جودة الأغذية والأنماط الغذائية حلقة حاسمة تربط بين النتائج على صعيد الأمن الغذائي والتغذية بجميع أشكالها، لا سيما الوزن الزائد والسمنة. ولا شك في أنه يجب تقوية هذه الحلقة لتحقيق الهدف 2 من أهداف التنمية المستدامة.
وإن الآثار الصحية المتصلة بالأنماط الغذائية المتدنية الجودة، كبيرة جدًا. وتمثّل الأنماط الغذائية غير الصحية سببًا رئيسيًا للإصابة بالأمراض غير المعدية، ولا سيما أمراض شرايين القلب والسرطان وداء السكري، التي تؤدي إلى الموت.1 ويشكل الوزن الزائد والسمنة عوامل خطر كبيرة للإصابة بالأمراض غير المعدية، وباتت زيادة تكاليف الرعاية الصحية المرتبطة بارتفاع معدلات السمنة تشكل اتجاهًا سائدًا في مختلف أنحاء العالم. وتعزى 40.5 مليون حالة وفاة، أو 71 في المائة من الوفيات البالغ عددها حول العالم 56.9 مليون في عام 2016، إلى الأمراض غير المعدية.2
ويوفّر النمط الغذائي الصحي السعرات الحرارية والمغذّيات الكافية. كما أنه ينطوي على متناول متوازن ومتنوع من الأغذية المتأتية من مجموعات غذائية مختلفة عديدة. ويرمي النمط الغذائي الصحي إلى تلبية جميع متطلبات كفاية المغذّيات ويساعد على الوقاية من سوء التغذية بجميع أشكاله ومن الأمراض غير المعدية. وتشكل جودة الأنماط الغذائية رابطًا مهمًا بين النتائج على صعيد الأمن الغذائي والتغذية وجزءًا أساسيًا من جميع الجهود الرامية إلى تحقيق مقاصد الهدف 2 من أهداف التنمية المستدامة المتعلقة بالجوع والأمن الغذائي والتغذية. ولن يكون بالإمكان بلوغ هذه المقاصد إلا من خلال حصول الأشخاص على القدر الكافي من الغذاء لتناوله وإلا إذا كان ما يتناولونه مغذيًا.
ويتمثل أحد أكبر تحديات تحقيق ذلك في كلفة الأنماط الغذائية الصحية وتوافرها بأسعار معقولة. وتشير البراهين الجديدة الواردة في هذا الجزء من التقرير إلى أن الأنماط الغذائية الصحية ليست في متناول الكثير من الأشخاص في مختلف أقاليم العالم، ولا سيما الفقراء والذين يواجهون تحديات اقتصادية. وتبيّن الأدلة المعروضة في هذا الجزء من التقرير أيضًا أن ارتفاع كلفة الأنماط الغذائية الصحية وعدم القدرة على تحمّلها يرتبطان بزيادة انعدام الأمن الغذائي وبمختلف أشكال سوء التغذية، بما في ذلك التقزم والسمنة لدى البالغين. وتؤدي الصدمات من قبيل جائحة كوفيد19- إلى تفاقم هذه المشكلة لأنها تؤثر سلبًا على جودة الأنماط الغذائية المتوافرة للفقراء وتزيد من صعوبة الحصول على أنماط غذائية صحية في أنحاء عديدة من العالم.
غير أن القصة لا تنتهي عند هذا الحدّ. فهناك أيضًا تكاليف مستترة وعوامل خارجية مرتبطة بالأنماط الحالية لاستهلاك الأغذية، ولا سيما بالآثار الصحية والبيئية المترتبة عن خياراتنا الغذائية. ومن شأن هذه التكاليف والعوامل الخارجية أن تزيد من كلفة معالجة المشاكل الصحية والآثار السلبية لتقلّب المناخ من جملة تحديات بيئية أخرى. ولكن لا تنعكس هذه التكاليف في أسعار الأغذية والأنماط الغذائية.
ويجب النظر في هذه القضايا في سياق عالم يستمر فيه ازدياد الجوع ويعاني فيه ملياري (2) نسمة من انعدام الأمن الغذائي ويشكل فيه عبء سوء التغذية بجميع أشكاله تحديًا. ومع بقاء عقد واحد من الزمن لتحقيق خطة التنمية المستدامة لعام 2030 (2015–2030) وخمس سنوات فقط من عقد الأمم المتحدة للعمل من أجل التغذية (2016–2025)، لا يزال هناك أسئلة صعبة تُطرح. كيف يمكن للعالم أن يقضي على الجوع وسوء التغذية بجميع أشكاله وأن يحوّل النظم الغذائية لتوفير أنماط غذائية صحية بأسعار معقولة للجميع؟ وكيف يمكن الاستفادة من السنوات المتبقية من عقد الأمم المتحدة للعمل من أجل التغذية بغية تسريع وتيرة الإجراءات المتخذة؟ وما هي التكاليف والمقايضات المترتبة عن مختلف هذه الإجراءات؟ يقدّم هذا الجزء من التقرير أدلة جديدة تعالج هذه التساؤلات المهمة وتحدد المحرّكات الرئيسية التي تجعل من الصعب الحصول على أنماط غذائية صحية بأسعار معقولة. وعلاوة على ذلك، يحدد هذا الجزء من التقرير أيضًا العوامل الرئيسية وراء ارتفاع كلفة الأغذية المغذية، ويوفر للبدان توجيهات بشأن السياسات والاستثمارات اللازمة لتحويل نظمها الغذائية بما يتيح للجميع الحصول على أنماط غذائية صحية ميسورة الكلفة، بموازاة معالجة المقايضات والاستفادة من أوجه التآزر لأغراض الاستدامة البيئية.
يواجه العالم تحديات فورية لجعل الأنماط الغذائية الصحية في متناول الجميع، وهو ما يُعتبر شرطًا أساسيًا لتحقيق المقصدين المتصلين بالجوع والتغذية الواردين في الهدف 2 من أهداف التنمية المستدامة. وما يزيد الطين بلّة جائحة كوفيد19-، حيث يكمن أحد أكبر التحديات الراهنة في التكاليف الحالية للأنماط الغذائية الصحية وعدم القدرة على تحمّلها.
تُعتبر كلفة الأغذية التي تشكل نمطًا غذائيًا صحيًا والقدرة على تحمّلها عوامل مهمة تحدد الخيارات الغذائية. بالتالي، يمكن أن تطال آثارها الأمن الغذائي والتغذية والصحة. وتشير التكاليف إلى ما يجب على الناس دفعه لقاء نمط غذائي محدد. ومن جهة أخرى، فإن القدرة على تحمل الكلفة تعني كلفة النمط الغذائي بالنسبة للدخل.ي وتبيّن الأدلة أن كلفة النمط الغذائي والقدرة على تحمّلها ترتبطان بجودة النمط الغذائي والأمن الغذائي والنتائج التغذوية.7،6،5،4،3
ويشكل الوزن الزائد والسمنة نتيجة لمجموعة كبيرة من العوامل الاجتماعية والاقتصادية، إلى جانب نقص التغذية لدى في مرحلة الطفولة.ك ولكن ثمة أدلة قوية على أن ارتفاع أسعار الخيارات الغذائية الصحية وتدني أسعار الخيارات الغذائية ذات القيمة التغذوية الأدنى، يساهمان في تنامي الاتجاه السائد. وتحدث التغيّرات في الأسعار النسبية بين الأغذية الكثيفة الطاقة ذات القيمة التغذوية المحدودة والأغذية المغذية، فارقًا أيضًا. ويظهر الأثر الأكبر على الأشخاص ذوي الدخل المنخفض الذين هم الأشد تأثرًا وتضررًا بكلفة الأغذية.8
وخلصت دراسة عالمية حديثة قارنت التكاليف النسبية للوحدة الحرارية للأغذية المغذية والأغذية الغنيّة بالطاقة التي تحتوي على نسبة عالية من الدهون و/أو السكر و/أو الملح،ل إلى أن تقلّب أسعار الأغذية يساعد على تفسير الأنماط الدولية في تقزم الأطفال والوزن الزائد والسمنة لدى البالغين.7 ولوحظ أن الانخفاض النسبي في سعر هذه الأغذية الغنيّة بالطاقة يرتبط ارتباطًا إيجابيًا بوزن الجسم الزائد لدى البالغين. وهناك علاقة وثيقة بين معدل انتشار الوزن الزائد لدى البالغين وتدني أسعار السكر وكذلك الأغذية والمشروبات التي تحتوي على كمّيات كبيرة منه. ويتماشى ذلك مع العدد المتزايد من الأدبيات التي تربط استهلاك هذه المنتجات بزيادة الوزن.9،10
ولا تنطبق هذه النتائج على البلدان المرتفعة الدخل وحسب، بل أيضًا على البلدان المتوسطة الدخل من الشريحة الدنيا والبلدان المنخفضة الدخل حيث يُعتبر الوزن الزائد والسمنة مشكلة متفشية ومتنامية. ويرتبط نمو الدخل في البلدان بتدني مستويات التقزم وزيادة الوزن الزائد والسمنة.11 ويترتب عن تدني سعر الأغذية الغنيّة بالطاقة التي تحتوي على نسبة عالية من الدهون والسكر والملح، ارتفاعًا في معدلات السمنة. وينطبق ذلك على البلدان المرتفعة الدخل12 وعلى الاقتصادات التي تمرّ بمرحلة انتقالية مثل الصين والهند والمناطق الحضرية في أفريقيا. وتُظهر البحوث الجديدة أيضًا أن ارتفاع معدل الوزن الزائد في البلدان المتوسطة الدخل من الشريحة الدنيا يعزى بصورة أساسية إلى التغيّرات السريعة جدًا في النظم الغذائية، ولا سيما توافر الأغذية العالية التجهيز والمشروبات المحلاة بالسكر بأسعار رخيصة.13
وتبيّن الأدلة الحديثة أن تراجع التقزم لدى الأطفال، ما يقلل من خطر المعاناة من الوزن الزائد والسمنة، يرتبط بتدني الأسعار النسبية لحليب البقر الطازج والبيض واللحوم والأسماك وأغذية الرضّع المدعمة.7،ا14 ولكن هذه الأدلة ليست دامغة ويلزم إجراء دراسات إضافية، بما في ذلك حول الآثار التغذوية المحتملة المترتبة عن البيض وحليب البقر على مجموعات مستهدفة رئيسية.15،ا16،ا17،ا18،ا19
ويوفّر تحليل جديد في هذا التقرير أدلة إضافية على العلاقة بين كلفة النمط الغذائي الصحي والقدرة على تحملها من جهة (أنظر الإطار 10 للاطلاع على التعريف والملحق 3 للمنهجية الخاصة بالنمط الغذائي الصحي) والأمن الغذائي والنتائج التغذوية من الجهة الأخرى.م ويُظهر التحليل أنه كلما كان النمط الغذائي الصحي غير متوافر بأسعار معقولة في مختلف الأقاليم وفئات دخل البلدان، كلما زاد معدل انتشار النقص التغذوي وتقزّم الأطفال (الشكل 25). ولكن تتسم الفوارق الإقليمية والسياق الإنمائي بالأهمية. فإذا نظرنا إلى فئات الدخل في الشكل 25ألف، نرى أن البلدان المرتفعة الدخل التي تمثّل أوروبا وأمريكا الشمالية بصورة رئيسية، تتركّز في أسفل الرسم البياني من الجهة اليسرى الأمر الذي يدل على وجود مستويات أدنى من النقص التغذوي وإمكانية أكبر على تحمّل كلفة الأنماط الغذائية الصحية منها في بلدان أخرى. وبصورة مماثلة، تسجّل البلدان الأفريقية الممثلة بالنقاط الزرقاء في الشكل 25دال، أعلى معدلات من التقزم المتصل بعدم توافر الأنماط الغذائية الصحية بأسعار معقولة (مع وجود بعض الاستثناءات).
لغرض هذا التحليل، يجري تحليل كلفة ثلاثة أنماط غذائية مرجعية والقدرة على تحمّلها لمحاكاة المستويات التدريجية لجودة النمط الغذائي، من نمط غذائي أساسي كافٍ من حيث الطاقة الغذائية إلى نمط غذائي ملائم من حيث المغذّيات ثم نمط غذائي صحي.
"النمط الغذائي الكافي من حيث الطاقة"
يوفّر هذا النمط الغذائي السعرات الحرارية الكافية لميزان الطاقة من أجل العمل كل يوم. ويتم تحقيق ذلك باستخدام الأغذية النشوية الأساسية فقط في بلد ما (مثل الذرة أو القمح أو الأرزّ فقط).
"النمط الغذائي الملائم من حيث المغذّيات"
لا يوفّر هذا النمط الغذائي السعرات الحرارية الكافية (وفقًا للنمط الغذائي الكافي من حيث الطاقة الغذائية الوارد ذكره أعلاه) فحسب، بل أيضًا قيم المتناول ذي الصلة من 23 من المغذّيات الكبيرة والدقيقة عن طريق مزيج متوازن من الكربوهيدرات والبروتينات والدهون والفيتامينات والمعادن الأساسية ضمن الحدود العليا والدنيا اللازمة للوقاية من حالات القصور وتجنّب السمّية. ويتراوح متناول المغذّيات الكبيرة ضمن النطاق المقبول لتوزيع المغذّيات الكبيرة الذي حدده معهد الطب (2006).45
"النمط الغذائي الصحي"
يوفّر هذا النمط الغذائي السعرات الحرارية والمغذّيات الكافية (بحسب النمط الغذائي الكافي من حيث الطاقة الغذائية والنمط الغذائي الملائم من حيث المغذّيات المذكورين أعلاه) ويشمل أيضًا متناولًا أكثر تنوعًا من الأغذية التي تنتمي إلى مجموعات غذائية مختلفة عديدة. وعلى النحو المبيّن في القسم الأخير من الجزء الأول من هذا التقرير، يهدف هذا النمط الغذائي إلى تأمين المتناول المطلوب من المغذّيات وإلى المساعدة على الوقاية من سوء التغذية بجميع أشكاله، بما في ذلك الأمراض غير المعدية المتصلة بالنمط الغذائي (أنظر الإطار 5 في الجزء الأول).
ويستند النمط الغذائي الصحي إلى خطوط توجيهية عالمية48،47،46 مكيّفة وطنيًا مع الخصائص الفردية لكل بلد، والسياق الثقافي، وتوافر الأغذية على المستوى المحلي، والعادات الغذائية من خلال الخطوط التوجيهية الوطنية بشأن النظم الغذائية القائمة على الأغذية. ولكن في الوقت الراهن، هناك عدد قليل نسبيًا من البلدان التي تملك خطوطًا توجيهية وطنية محددة كميًا بشأن النظم الغذائية القائمة على الأغذية. بالتالي، ولأغراض التحليل، يسترشد النمط الغذائي الصحي في هذا القسم بالتوصيات الكمية المستمدة من عشرة خطوط توجيهية وطنية بشأن النظم الغذائية القائمة على الأغذية والتي تمثّل سلسلة من التوصيات الغذائية التي وضعتها البلدان. ومن ثم يتم تكييف هذه التوصيات على المستوى المحلي في كل بلد من خلال تعيين السلع الغذائية الأقل كلفة المتاحة في كل مجموعة غذائية في كل بلد (أنظر الإطار 11 والجدول ألف4-1 في الملحق 4 للاطلاع على وصف للخطوط التوجيهية العشرة بشأن النظم الغذائية القائمة على الأغذية). وعلى الرغم من أنه لا يتم اختيار النمط الغذائي الصحي بالاستناد إلى المغذّيات بل يتم تحديده من جانب الخطوط التوجيهية بشأن النظم الغذائية القائمة على الأغذية، يلبي هذا النمط الغذائي 95 في المائة من الاحتياجات من المغذّيات في المتوسط ويمكن بالتالي اعتبار أنه يوفّر دائمًا المغذّيات المناسبة.49
الهدف من تحليل التكاليف والقدرة على تحمّلها
يتمثل الهدف الرئيسي من التحليل الوارد في هذا القسم في قياس ما إذا كانت النظم الغذائية تضع المستويات الثلاثة للجودة الغذائية في متناول الأشخاص الأشد فقرًا باستخدام الأغذية التي تستوفي كل معيار بأقل كلفة ممكنة. وفي هذه الحالة، تكون التكاليف الأقل للأنماط الغذائية الثلاثة نظرية ولا تمثّل بالضرورة الأنماط الغذائية التي يجري استهلاكها حاليًا.
أنظر الإطارين 11 و12 للاطلاع على وصف موجز للمنهجية المتّبعة لتقدير كلفة الأنماط الغذائية الثلاثة والقدرة على تحمّلها والتحذيرات بشأنها. أنظر الملحق 3 للاطلاع على وصف كامل لتعريف الأنماط الغذائية الثلاثة ومنهجيتها ومصادر البيانات الخاصة بها.
المستويات الثلاثة المتزايدة لجودة النمط الغذائي
وإن الصلة القائمة بين السمنة لدى البالغين والقدرة على تحمّل كلفة نمط غذائي صحي هي عكس الصلات الأخرى. فالبلدان المرتفعة الدخل تسجّل أعلى الأرقام من حيث القدرة على تحمّل كلفة الأنماط الغذائية الصحية، وفي الوقت نفسه أعلى معدلات السمنة لدى البالغين. وبالمثل، فإن معدلات السمنة لدى البالغين في أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي هي من بين الأعلى على الرغم من أن معدل توافر الأنماط الغذائية الصحية بأسعار معقولة أدنى بقليل (الشكل 25هاء–واو) بما أن كلفة هذه الأنماط الغذائية في المنطقة أعلى من المتوسط المسجّل في البلدان المرتفعة الدخل (3.98 دولارًا أمريكيًا مقابل 3.43 دولارًا أمريكيًا). في الواقع، تتماشى النتائج في هذه الأقاليم مع البحوث الحديثة حول مختلف مراحل ما يطلق عليه "الانتقال إلى السمنة" الذي يزيد فيه معدل انتشار الوزن الزائد والسمنة بدرجة كبيرة كلما تطورت البلدان ونما ناتجها المحلي الإجمالي للفرد الواحد. ولكن تحجب هذه الصورة وجود اختلافات ديمغرافية واجتماعية واقتصادية داخل البلدان تتأثر بها مجموعات مختلفة مع مرور الوقت. فسوف يشتري الفقراء الأغذية الرخيصة الثمن والغنية بالطاقة وذات القيمة التغذوية المتدنية أينما كانت متوافرة بما أن كلفة الأنماط الغذائية الصحية تبقى عالية بالنسبة إليهم.20،ا21 ولقد كان العديد من البلدان المرتفعة الدخل، ولا سيما الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا، لبعض الوقت في مرحلة "الانتقال إلى السمنة" التي يتخطى فيها معدل انتشار السمنة لدى الأشخاص ذوي الوضع الاجتماعي والاقتصادي الأدنى المعدل المسجّل لدى الأشخاص ذوي الوضع الاجتماعي والاقتصادي الأعلى. ولكن تجدر الإشارة إلى أنه بالرغم من أن ذلك لا يمثّل العامل المتغيّر الوحيد الذي يؤثر على زيادة الوزن، يبقى موضع تركيز هذا التقرير هو التكاليف والقدرة على تحمّلها.
تقيس التكاليف والقدرة على تحمّلها جانبًا واحدًا من النظم الغذائية، وهو مدى تقييد أسعار الأغذية ودخل الأسرة (أو الفرد) للخيارات الغذائية. وتعدّ التكاليف والقدرة على تحمّلها من بين أهم الحواجز أمام الحصول على الأغذية، لا سيما المغذية منها.22،ا23 وتشير منظمة الأغذية والزراعة ومنظمة الصحة العالمية (2019)24 إلى أنه "بصرف النظر عن الجوانب الاجتماعية والثقافية للخيارات الغذائية، يتناول الأشخاص عادةً ما يمكنهم تحمّل كلفته."
ويتم تحديد إمكانية الحصول على الأغذية عادةً عن طريق الوصول المادي (مثل الإنتاج الخاص، وبُعد المسافة عن الأسواق، والتوافر في الأسواق، والموارد الطبيعية والتنوع البيولوجي التي توفّر الأغذية البرّية) والوصول الاقتصادي أو المالي (مثل القوة الشرائية والحصول على القروض). وفي بعض الحالات، يمكن للوصول الاجتماعي (مثل القدرة على تأمين الأغذية من خلال الشبكات الاجتماعية بالاستناد إلى الأسرة الممتدة أو الانتماء العرقي أو الديني أو السياسي) أن يشكل بديلًا عن الوصول المالي والمادي.
وعلى المستوى العالمي، يتم إنتاج أو تخزين ما يكفي من الأغذية لتلبية الاحتياجات من الطاقة الغذائية. ومع ذلك، هناك تباين في توافر الأغذية وإمكانية الحصول عليها بين مختلف الأقاليم وفئات دخل البلدان، لا سيما في ما يخص الأغذية التي تشكل نمطًا غذائيًا صحيًا. وعلى الرغم من أن النظم الغذائية تيسّر توافر الأغذية في الأسواق على جميع المستويات، لا يزال هناك قيود مادية واقتصادية واجتماعية تحول دون حصول الكثير من الأشخاص على الأغذية بصورة مستدامة من أجل حياة مفعمة بالنشاط وموفورة الصحة. ويمكن للقيود المادية أن تشمل البنية التحتية الرديئة للطرقات أو مجرّد غياب وسائل النقل والمسافات الطويلة التي يجب قطعها للوصول إلى الأسواق.
وخلال تفشي جائحة كوفيد19- مثلًا، كانت الأغذية متاحة بوفرة. ولكن من غير الواضح بعد إلى أي مدى ستبقى سلاسل الإمدادات الغذائية بمنأى عن الاضطرابات والأسعار بدون تغيير؛ ويمكن أن تستمر البلدان في استيراد الأغذية، ولن يتأثر استهلاك السكان الضعفاء للأغذية بسبب فقدان الدخل وتدابير الاحتواء التي اعتمدتها الحكومات في جميع أنحاء العالم. ومن الممكن أن يتحول كل ذلك إلى مشاكل على مستوى توافر الأغذية والحصول عليها، ولكن لم يكن هناك سوى قدرًا ضئيلاً من المعلومات عن ذلك حتى تاريخ إعداد هذا التقرير للخروج بالاستنتاجات. وستقوم الإصدارات اللاحقة من هذا التقرير برصد الانعكاسات المستقبلية وتحليلها.
وتأكيدًا لما سبق، يتوقف ما يتناوله الأشخاص من طعام على ما هو متاح وعلى ما يمكنهم تحمّل كلفته – وهو دالة لكلفة الأغذية والدخل.25 وعندما تكون الأغذية متوافرة، تأتي الخيارات الغذائية كنتيجة للتفاعل بين الدخل والأسعار والأفضليات بحيث تتيح الدخل الأعلى والأسعار الأدنى خيارات أكثر، ما يسمح للأشخاص باستهلاك المزيد من الأغذية المتنوعة. والقدرة على تحمل الكلفة هي مفهوم نسبي يشمل سعر غذاء ما في السوق مقارنة بالنفقات الأخرى ودخل الأسرة.
وحالما يتم تأمين إمكانية الحصول على الأغذية، يمكن تحديد الخيارات الغذائية عن طريق عوامل أخرى قابلة للتعديل بصورة فردية مثل الوقت والسهولة، والمعرفة بالتغذية،ن والأذواق والعادات. وتتشكل هذه الخيارات عن طريق البيئة الغذائية، بما في ذلك التسويق، والدعاية، والتوسيم، وأشكال الترويج الأخرى، وعن طريق العوامل الاجتماعية والقوى من خارج النظام الغذائي مثل المساواة بين الجنسين، والرعاية بالأطفال، والتوزيع داخل الأسرة، والسكن، والنقل.26 وعلى سبيل المثال، فإن الوقت الذي يقدمه معدّ الأغذية وكلفة الوقود والمياه أمور ضرورية لإعداد الأغذية. وتتسم القيود الاجتماعية بالأهمية أيضًا في بعض المجتمعات التي يُحظر فيها على بعض المجموعات استهلاك أغذية معيّنة.
لفهم تأثير الأسعار والدخل على استهلاك الأنماط الغذائية الصحية، لا بد من النظر في مدى تغيّر كمية الأغذية المستهلكة استجابة للتغيّرات في الأسعار والدخل. ويبيّن نطاق الاستجابة، أو المرونة، النسبة المئوية للتغيير في الطلب على سلعة غذائية معيّنة بعد حدوث نسبة مئوية من التغيير في سعرها أو في دخل الفرد. وبصورة عامة، هناك علاقة سلبية بين أسعار الأغذية وكمّية الغذاء المطلوب، في حين أن العلاقة إيجابية بين هذه الأخيرة والدخل.
وتشير المرونة السعرية إلى التغيّرات في الطلب بسبب تغير في سعرها، وهي سلبية عمومًا.س ولكن يلاحظ تفاوت في مدى انخفاض الكمية. وعلى سبيل المثال، تُعتبر الحبوب الأساسية عادةً سلعًا ضرورية لذلك فإن الطلب عليها ليس مرنًا (أي أنها تتمتع بمرونة سعرية أقل). ولا تؤدي زيادة سعر الحبوب أو انخفاضه إلى تغيير كبير في الطلب على هذه الحبوب مقارنة بالسلع الغذائية الأخرى. وهناك مرونة سعرية متداخلة أيضًا يتغيّر فيها الطلب على سلعة ما استجابة لتغيير في سعر سلعة أخرى إذا كانت السلعتان موادًا بديلة أو مكمّلة. وتحدد مرونة الدخل إزاء الطلب مدى تغيّر الطلب بسبب التغيّرات في الدخل.
وتعكس المرونة السعرية والمرونة السعرية المتداخلة ومرونة الدخل إزاء الطلب على أي مجموعة معيّنة من الأغذية، مزيجًا من آثار الاستبدال (مثل استبدال الأرزّ بالبطاطا عندما يرتفع سعره) وآثار الدخل (مثل استهلاك المزيد من الأغذية الأخرى عندما ينخفض سعر جميع الأغذية الأساسية النشوية). وعلى سبيل المثال، إذا انخفض سعر الأغذية الأساسية، يوفّر تراجع كلفة النمط الغذائي الأساسي الذي يشمل هذه الأغذية المال لشراء المزيد من الأغذية الأغلى ثمنًا. ويترجم ذلك إلى مستوى أعلى من الدخل الحقيقي، مع بقاء جميع الأمور الأخرى ثابتة. وتتسم هذه المفاهيم بأهمية حاسمة لفهم كيف تؤثر كلفة الأغذية والقدرة على تحمّلها على الأنماط الغذائية للسكان.
ومن المعروف أن مرونة الأسعار والدخل إزاء الطلب على الأغذية الأساسية صغيرة جدًا ولا تختلف كثيرًا عن الصفر، أقلّه في الأجل القصير.27 وحتى التقلبات الكبيرة في الأسعار أو الدخل لا ترتبط بتغيّرات ملحوظة في إجمالي السعرات الحرارية المتأتية من الأغذية الأساسية المستهلكة. ولكن تؤثر استجابة المتناول الغذائي في الأجل القصير للتغيّرات في الأسعار والدخل على تركيبة النمط الغذائي، ذلك أن الأشخاص يستبدلون الأغذية في ما بينها لتلبية احتياجاتهم اليومية من الطاقة.
وتكون المرونة السعرية للأغذية المغذية أكبر منها للأغذية الأساسية.28،ا29 ويعزى ذلك إلى آثار الاستبدال والدخل على السواء. ويظهر تحليل تجميعي أن زيادة في أسعار الفاكهة والخضار بنسبة 10 في المائة ترتبط بتراجع استهلاكها بنسبة 6.1 في المائة في المتوسط في حين أن الزيادة نفسها في أسعار الحبوب ترتبط بتراجع استهلاكها بنسبة 5.2 في المائة في المتوسط.30 علاوة على ذلك، يتبيّن أن المرونة السعرية المقدّرة على مستوى المنتج (مثل التفاح) تميل إلى أن تكون أكبر بالقيمة المطلقة من تلك المقدّرة لفئات أوسع من المنتجات (مثل الفاكهة). ويمكن أن يعزى ذلك إلى إمكانيات الاستبدال بين المنتجات في فئة الأغذية نفسها، الأمر الذي يحدّ من معدل الاستجابة السعرية لفئة المنتجات (الجدول ألف5–1 في الملحق 5).30،ا31
وبصورة عامة، لا يتسم استهلاك الأغذية بالمرونة إزاء الدخل، على الرغم من الاختلافات الكبيرة الموجودة إذ إن مرونة الدخل إزاء الطلب تميل إلى أن تكون أكبر في البلدان التي يكون فيها دخل الفرد أدنى نسبيًا (الشكل 26). ويمكن رؤية مرونة كبيرة في الدخل إزاء الطلب لدى الشرائح الأفقر من السكان داخل البلدان، وحتى في البلدان المرتفعة الدخل. وهناك أيضًا فوارق كبيرة في استجابة الدخل لمختلف السلع الغذائية. فيتمتع الطلب على الأغذية الأساسية مثل الحبوب عادةً بمرونة أقل منه على الفاكهة والخضار أو اللحوم ومنتجات الألبان.
وتميل المرونة السعرية إلى الارتفاع في البلدان ذات معدلات التنمية الاقتصادية الأدنى، ما يعني أن الزيادة في أسعار جميع الأغذية تؤدي إلى تراجع أكبر في استهلاكها في البلدان الفقيرة (الجدول ألف5–2 في الملحق 5).28 وتُظهر الدراسات التي تتناول البلدان المرتفعة الدخل والاقتصادات الناشئة أنه من الأرجح أن يستجيب الأشخاص ذوي الدخل المنخفض للتغيّرات في الأسعار.8 وكان للتغيّرات في أسعار الأغذية آثار سعرية أكبر في البلدان المنخفضة الدخل. وكانت الآثار السعرية المتداخلة أكثر تباينًا، ولوحظ أنها تعزز الآثار السعرية أو تقوّضها أو تخففها تبعًا لفئة دخل البلد.29،ا32،ا33،ا34
وبالنظر إلى مرونة الدخل، تؤدي زيادة الدخل إلى زيادة استهلاك الأغذية المغذية مثل الفاكهة والخضار.35 وإن مرونة الدخل إزاء الأغذية الحيوانية المصدر والفاكهة والخضار إيجابية ودائمًا أكبر منها إزاء الحبوب والدرنات. كما أن مرونة الدخل إزاء الطلب على الأغذية المغذية مثل منتجات البستنة واللحوم ومنتجات الألبان، أكبر في البلدان الفقيرة كتلك الواقعة في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. وبصورة عامة، فإن القدرة على تحمّل كلفة هذه السلع الغذائية أقل من القدرة على تحمّل كلفة الأغذية الأساسية. في الواقع، تكون استجابة الطلب للتغيّرات في الدخل في حالة الأغذية الأساسية مثل الحبوب، أصغر منها في حالة السلع الغذائية العالية القيمة مثل اللحوم والأسماك ومنتجات الألبان.3،ا28،ا36
وفي البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل، يرتبط الوضع الاجتماعي والاقتصادي الجيّد أو العيش في المناطق الحضرية ببعض العناصر المكوّنة للأنماط الغذائية الصحية، بما في ذلك ارتفاع متناول الفاكهة والخضار، وتحسّن الجودة الغذائية، وزيادة التنوع الغذائي، وارتفاع متناول الفيتامينات والمعادن. ولكن لوحظ أن الوضع الاجتماعي والاقتصادي الجيّد أو العيش في المناطق الحضرية يرتبط أيضًا بارتفاع متناول الطاقة والكوليسترول والدهون المشبّعة بسبب الاستهلاك المتزامن للأغذية العالية التجهيز.37
والخلاصة أن تخفيض أسعار الأغذية – الذي يمكن أن ينشأ عن تغيّرات يحدثها العرض38 والطلب – لن يكون له على الأرجح تأثير على الطلب على السعرات الحرارية، ولكن تخفيض أسعار أغذية بعينها هو ما يؤثر تأثيرًا كبيرًا على خيارات الاستهلاك. ويعني ذلك أن كلفة الأغذية المغذية تحديدًا تتسم بالأهمية لفهم الوصول الاقتصادي إلى الأنماط الغذائية الصحية. ولقد ثبت أن هذه التكاليف ليست في متناول الكثير من الأشخاص كما سيتبيّن لاحقًا.
تشير الأدلة على مقارنات التكاليف الخاصة بكل صنف من أصناف السلع الغذائية و/أو المجموعات الغذائية والمستمدة من الدراسات القائمة، إلى أن كلفة الأغذية المغذية مثل الفاكهة والخضار والأغذية الحيوانية المصدر تكون عادةً أعلى من كلفة الأغذية الغنية بالطاقة التي تحتوي على نسبة عالية من الدهون و/أو السكر و/أو الملح وأعلى من كلفة الأغذية الأساسية النشوية والزيوت والسكريات. ولكن تتباين هذه التكاليف حول العالم وبحسب الدخل القومي الإجمالي للفرد الواحد في كل بلد.4،ا39،ا40
ولقد ثبت أيضًا أن الأسعار النسبية للأغذية المغذية والأغذية الغنية بالطاقة ذات القيمة التغذوية المتدنية تختلف بصورة منهجية مع اختلاف مستويات الدخل والأقاليم.7،ا14 وإن معظم الأغذية من غير الحبوب متدنية التكاليف نسبيًا في البلدان المرتفعة الدخل، بما في ذلك الأغذية الغنية بالسكر والدهون. وفي البلدان المنخفضة الدخل، تكون كلفة الأغذية الغنية بالمغذّيات أو المدعّمة أعلى عادةً، ولا سيما معظم الأغذية الحيوانية المصدر وأغذية الرضّع المدعمة. ويتبيّن أن أسعار الخضار والأغذية الحيوانية المصدر تكون دائمًا أعلى من أسعار الأغذية الأساسية النشوية في جميع أنحاء العالم.7،ا14
ولقد أظهرت الدراسات أيضًا أن التكاليف النسبية للوحدة الحرارية في معظم الأغذية المغذية تكون أعلى في البلدان الأفقر على الرغم من وجود بعض الاستثناءات.7،ا41 علاوة على ذلك، تميل كلفة الأغذية المغذية إلى التباين بقدر أكبر بين مختلف المواقع الجغرافية. وتتسم الأغذية المغذية في الكثير من الأحيان بقابلية التلف بسرعة وهي أقل قابلية للتداول التجاري. وتحدَّد بالتالي أسعارها بدرجة كبيرة عن طريق الإنتاجية المحلية وكفاءة سلسلة القيمة، بما في ذلك سلاسل النقل والتبريد.7،ا42
وتشير بعض الأدلة إلى أن الفرق في التكاليف بين الأغذية المغذية والأغذية الغنية بالطاقة يتزايد مع الوقت في بعض أنحاء العالم.4 وعلى سبيل المثال، خلصت دراسة في الولايات المتحدة الأمريكية إلى أن تباين الأسعار بين الأغذية المغذية والأغذية الغنية بالطاقة ذات القيمة التغذوية المتدنية قد زاد بين عامي 2004 و2008 في بعض أنحاء البلاد.42 وتُظهر النتائج من جنوب شرق آسيا أنماطًا مشابهة.43
ولكن تتعلّق معظم الأدلة المتاحة حاليًا بشأن كلفة الأغذية المغذية بمقارنات التكاليف الخاصة بكل صنف من أصناف السلع الغذائية و/أو المجموعات الغذائية. وهناك أدلة محدودة تقارن تكاليف الأنماط الغذائية ككلع والقدرة على تحمل تلك التكاليف، فضلًا عن عدد ضئيل من التحليلات العالمية الشاملة لعدّة بلدان.56،44 ولقد اقتصر تحليل الوصول الاقتصادي إلى الأغذية على الدخل أو على مؤشرات أسعار الأغذية التي لا ترتبط بشكل واضح بالأنماط الغذائية الصحية.
ويقوم هذا التقرير بسدّ بعض الفجوات في المعارف. فهو يعرض تحليلًا جديدًا بشأن كلفة الأنماط الغذائية ذات الجودة الغذائية المتنامية والقدرة على تحمّلها حول العالم، وذلك بحسب الأقاليم ومختلف السياقات الإنمائية. وتجري محاكاة ثلاثة أنماط غذائية لتحديد مدى توافر ثلاثة مستويات من الجودة الغذائية المتنامية بأسعار معقولة، من نمط غذائي أساسي كافٍ من حيث الطاقة الغذائية يلبي الاحتياجات من السعرات الحرارية، إلى نمط غذائي ملائم من حيث المغذّيات، ثم نمط غذائي صحي يشمل تقديرًا للمتناول الموصى به لمجموعات غذائية أكثر تنوعًا واستصابًا. ويرد وصف كامل لهذه الأنماط الغذائية الثلاثة في الإطار 10.
ويهدف تحليل كلفة الأنماط الغذائية الثلاثة والقدرة على تحمّلها إلى الإجابة على ثلاثة أسئلة: (1) ما هي كلفة المستويات الثلاثة المختلفة من الجودة الغذائية وما مدى توافرها بأسعار معقولة؟ (2) وما هو الفارق النسبي في الكلفة والقدرة على تحمل الكلفة لدى الانتقال من نمط غذائي كافٍ من حيث الطاقة الغذائية إلى نمط غذائي ملائم من حيث المغذّيات ومن ثم إلى نمط غذائي صحي؟ (3) وكم عدد الأشخاص الذين لا يمكنهم تحمّل كلفة كل نوع من هذه الأنماط الغذائية وأين يتواجدون في العالم؟ يستكشف التحليل هذه الأسئلة من منظور عالمي وإقليمي ومن منظور السياق الإنمائي.
وعندما تجري مقارنة الأنماط الغذائية الفعلية، يتبيّن أن الأشخاص الأشد فقرًا في العالم يستهلكون شيئًا قريبًا من النمط الغذائي الأساسي الكافي من حيث الطاقة الغذائية. ويتم إنفاق أي دخل إضافي يتجاوز مستوى الكفاف عادةً لتحسين النمط الغذائي القائم على الأغذية الأساسية النشوية بفضل كميات صغيرة من الأغذية من مجموعة غذائية ثانية أو ثالثة يكون ثمنها أعلى لكل سعرة حرارية ولكنها توفّر على الأقل بعض التنوع وتضيف قيمة تغذوية.
وترتبط الزيادات الإضافية في الدخل عادةً بشراء المزيد من الأغذية المتنوعة، الأمر الذي يوفّر في الكثير من الأحيان مستويات أعلى من معظم المغذّيات ولكن ينطوي على استخدام مكوّنات سعرها أعلى من النمط الغذائي الأقل كلفة الملائم من حيث المغذّيات في مسعى إلى بلوغ مستويات أعلى من الاستساغة والراحة وغيرها من الخصائص التي لا تقتصر على المغذّيات الأساسية. وفي حالة البلدان المرتفعة الدخل التي فيها تدرّج عكسي بين الثروة والسمنة، هناك ترابط بين تدني الدخل والسمنة وفقًا لمبدأ "الانتقال إلى السمنة" الذي جرى شرحه أعلاه، وذلك بسبب "الانتقال التغذوي".
وهناك بين النمط الغذائي الكافي من حيث الطاقة الغذائية والنمط الغذائي الملائم من حيث المغذّيات، أنماط غذائية أخرى لا يقتصر محتواها على الأغذية الأساسية فقط لتلبية الاحتياجات من الطاقة الأساسية ولكن تبقى المغذّيات الأساسية فيها قليلة. ويمكن أن تُعتبر هذه الأنماط الغذائية غير صحية لأنها قد تحتوي على وفرة من الدهون والسكريات غير الصحية و/أو الملح، أو لأنها قد تفتقر بكل بساطة إلى الكمية الكافية من الأغذية الغنية بالمغذّيات لتلبية الاحتياجات من المغذّيات (مثلًا بسبب الفقر أو مزارع الكفاف ذات الإمكانيات المحدودة للوصول إلى الأسواق).
وبالنسبة إلى الأشخاص الذين لا يمكنهم تحمّل كلفة نمط غذائي صحي بسبب ارتفاع كلفة الأغذية المغذية، تتوافر الخيارات غير الصحية مثل المشروبات المحتوية على السكر والوجبات الخفيفة الغنية بالسكر أو الدهون المشبعة أو الملح بكلفة ميسورة أكثر ويمكنها أن تكون جذابة لأنه يسهل الحصول عليها أو لأنها جاهزة للأكل أو لأنه يجري تسويقها بشكل مبالغ. وقد يتعرّض الأشخاص الذين لا يمكنهم تحمّل كلفة الخيارات الصحية أيضًا لضغوط أخرى مرتبطة بكسب الدخل وضيق الوقت لإعداد الوجبات المتوازنة. ولكن لا يتم تحليل هذه الأنماط الغذائية غير الصحية في هذا التقرير بما أن الغرض من تحليل القدرة على تحمل الكلفة هو تحديد أدنى كلفة ممكنة لتحقيق أهداف تغذوية معيّنة.
ويرد موجز للأساليب المتّبعة لحساب كلفة الأنماط الغذائية الثلاثة التي جرت محاكاتها لهذا التحليل في الإطار 11 والأساليب المتّبعة لحساب القدرة على تحمّل كلفة هذه الأنماط الغذائية في الإطار 12. ويرد وصف كامل للمنهجية ومصادر البيانات ولحدود هذا التحليل في الملحق 3.
يجري وصف الأنماط الغذائية المرجعية الثلاثة المستخدمة في تحليل التكاليف والقدرة على تحمّلها في الإطار 10. ويستند تحليل كلفة هذه الأنماط الغذائية الثلاثة إلى عيّنة من 170 بلدًا تتوافر بشأنها بيانات عن أسعار البيع بالتجزئة في عام 2017. وتُستمد الأسعار من برنامج المقارنة الدولي لدى البنك الدولي بالنسبة إلى السلع الموحّدة على المستوى الدولي، معبّرًا عنها بالدولارات الدولية باستخدام تعادل القوة الشرائية. وتُقدّر كلفة كل نمط غذائي لكل بلد باستخدام التشكيلة الأقل ثمنًا من السلع المباعة بالتجزئة التي تستوفي تركيبتها الغذائية المعايير الخاصة بكل نمط غذائي والتي يتم تحديدها بشكل تجريبي في كل مكان وزمان. وهذا ما يسميه التقرير "الأنماط الغذائية الأقل كلفة". وتُقدّر قيمة الأنماط الغذائية الأقل كلفة في حالة النمط الغذائي الكافي من حيث الطاقة الغذائية والنمط الغذائي الملائم من حيث المغذّيات انطلاقًا من نموذج برمجة خطية يختار الأغذية بالكميات اللازمة للتقليل من التكاليف الخاضعة لقيود الطاقة والمغذّيات. وفي حالة النمط الغذائي الصحي، يُستخدم الترتيب الأمثل. وبصورة خاصة، تعرف الأنماط الغذائية الثلاثة الأقل كلفة على النحو التالي.
كلفة نمط غذائي كافٍ من حيث الطاقة الغذائية: هي كلفة الغذاء الأساسي النشوي الأقل ثمنًا والمتوافر في أسواق التجزئة بكميّات كافية لتلبية متناول الطاقة الغذائية الذي يبلغ 2 329 كيلو سعرة حرارية والذي يجب إتاحته لمجموعة مرجعية تمثّلها امرأة بالغة في سن الإنجاب. ويساعد هذا المقياس الافتراضي50 على وضع حد أدنى لكلفة البقاء على المدى القصير وعلى تحديد التكاليف الإضافية اللازمة لتحقيق أهداف أطول أجلًا محددة في النمطين الغذائيين الآخرين. ويتمثل الهدف من هذا النمط الغذائي في وضع مقياس يُستخدم كأساس للمقارنة لدى مناقشة القدرة على تحمّل كلفة النمط الغذائي الملائم من حيث المغذّيات والنمط الغذائي الصحي. وينطوي تحديد كلفة نمط غذائي نموذجي على خليط من النمذجة المستندة إلى تقديرات المتناول الغذائي الحالي للسكان الفقراء أو على قرارات عشوائية بشأن كمية الأغذية الأخرى التي يجب شملها لتلبية المتطلبات من الطاقة الغذائية. وتتمثل رؤية المجتمع الدولي للأمن الغذائي في أنه لا يجب أن يُجبر أحد على تناول نوع واحد من الأغذية فقط (أو حتى نوعين أو ثلاثة)، ولكن في الحقيقة هذا هو واقع الحال بالنسبة إلى بعض الأشخاص في أوقات وأماكن معيّنة في العالم.
كلفة نمط غذائي ملائم من حيث المغذّيات: هي الحد الأدنى لكلفة الأغذية التي تلبّي جميع المتطلبات المعروفة من المغذّيات الأساسية والتي تؤمن متناولًا من الطاقة الغذائية يبلغ 2 329 كيلو سعرة حرارية تحتاجه امرأة بالغة في سن الإنجاب. ويستند حساب هذه التكاليف على المستوى المحلي إلى التشكيلة الأقل ثمنًا من السلع المباعة بالتجزئة التي تستوفي تركيبتها الغذائية المعايير المذكورة والتي يجري تحديدها بشكل تجريبي في كل مكان وزمان. وعادةً، يفضي نموذج البرمجة الخطية إلى اختيار ما بين 6 و8 سلع مختلفة، بما فيها غذاء أساسي نشوي فضلًا عن نوع واحد أو أكثر من الحبوب البقولية مثل الفاصوليا، وكمّيات صغيرة من الخضار والفاكهة والأغذية الحيوانية المصدر ذات التكاليف المتدنية مثل الأسماك المجففة والبيض. ويساعد هذا النمط الغذائي الملائم من حيث المغذّيات على تقدير كلفة الحصول على جميع المغذّيات بالكميات اللازمة وبأسعار معقولة بغية تحديد قدرة النظام الغذائي في كل بلد على تأمين المغذّيات المناسبة في جميع الأوقات والأماكن. وتشكل التكاليف الأدنى لنمط غذائي ملائم من حيث المغذّيات أيضًا حدًا أدنى مفيد لكلفة المغذّيات.
كلفة نمط غذائي صحي: نظرًا إلى أن التركيبة المحددة لنمط غذائي صحي تختلف بحسب السياق المحلي، قامت البلدان بوضع الخطوط التوجيهية الوطنية بشأن النظم الغذائية القائمة على الأغذية لإبراز سياقها الثقافي المحدد والأغذية المتاحة فيها محليًا وعاداتها الغذائية. ولكن هذه الخطوط التوجيهية ليست متاحة لجميع البلدان، وفي حال توافرت، لا تحتوي دائمًا على الكمّيات المحددة من الأغذية.38 ولمواجهة محدودية البيانات، يطبّق هذا التحليل التوصيات الكمّية داخل المجموعات الغذائية وفي ما بينها المستمدة من الخطوط التوجيهية العشرة بشأن النظم الغذائية القائمة على الأغذية التي تمثّل سلسلة من التوصيات الغذائية الموضوعة من جانب البلدان. ومن ثم يجري تكييف هذه التوصيات على المستوى المحلي في كل بلد بحيث يتم إظهار الأفضليات القطرية المحددة من ناحية أنماط استهلاك الأغذية، عبر تحديد السلع الغذائية المحلية بأسعار البيع بالتجزئة.
وتُحسب التكاليف المحلية لنمط غذائي صحي باستخدام نموذج الترتيب الأمثل لاختيار السلعتين الغذائيتين من كل مجموعة اللتين تملآن كل فئة بأدنى كلفة واللتين تؤمنان متناول الطاقة البالغ 2 329 كيلو سعرة حرارية. وتُحسب لكل بلد 10 تكاليف للأنماط الغذائية الصحية عبر تطبيق الخطوط التوجيهية العشرة المختلفة والمحددة كميًا بشأن النظم الغذائية القائمة على الأغذية، ذلك أن كل واحد منها مرتبط بكلفة مختلفة اختلافًا طفيفًا. وأخيرًا، تُحسب كلفة نمط غذائي صحي لكل بلد عن طريق حساب متوسط التقديرات للتكاليف العشر (أنظر الملحق 3 للاطلاع على وصف كامل للمنهجية). ويُعتبر هذا النموذج طريقة أمتن لتقدير النمط الغذائي الصحي الأقل كلفة بدلًا من تطبيق وصف كمي عالمي واحد للنمط الغذائي الصحي. ويساعد حساب كلفة هذا النمط الغذائي على تحديد قدرة النظام الغذائي في كل بلد على توفير أنماط غذائية مقبولة تتضمن تنوعًا غذائيًا أكبر وتعزز الصحة وتحميها على المدى الطويل. وتوفّر التكاليف الأدنى لنمط غذائي صحي حدًا أدنى مفيد للكلفة التي يجب أن يتحمّلها الفرد عند سعيه إلى تحقيق الأمن الغذائي والتغذية من خلال مشتريات السوق. وبالنسبة إلى النمط الغذائي الصحي، تؤخذ الأفضليات الغذائية في الحسبان فقط بقدر ما تعكس الأسعار المبلّغ عنها في برنامج المقارنة الدولي50 لدى البنك الدولي الأغذية المقبولة ثقافيًا التي تشغل نسبة كبيرة من النفقات. ومن شأن إدماج الأفضليات الغذائية بدرجة أكبر أن يزيد التكاليف التقديرية للأنماط الغذائية والتقديرات المتعلّقة بعدد الأشخاص الذين لا يمكنهم تحمّلها.
ويوفّر النمط الغذائي الصحي الأقل كلفة الطاقة الكافية والتوازن بين المجموعات الغذائية والتنوع داخلها. كما أنه يحقق عادةً كفاية المغذّيات ولكنه قد لا يضمن توافر جميع المغذّيات بكميات كافية في جميع الحالات. وتراعي كلفة النمط الغذائي الصحي التعريف الوارد في الخطوط التوجيهية بشأن النظم الغذائية القائمة على الأغذية. ويمكن الاطلاع على وصف كامل للأساليب في الملحق 3 وعلى وصف الخطوط التوجيهية بشأن النظم الغذائية القائمة على الأغذية في الملحق 4.
مصادر البيانات المستخدمة لحساب التكاليف: يتم استخدام البيانات التالية لتقدير كلفة الأنماط الغذائية الثلاثة: (1) أسعار البيع بالتجزئة المستمدة من برنامج المقارنة الدولي لدى البنك الدولي بالنسبة إلى السلع الموحّدة على المستوى الدولي في عام 2017 (يتم توفير سعر واحد لكل سلعة غذائية في كل بلد، ما يمثّل متوسطًا في مختلف الأسواق وعلى مدار السنة)؛(2) والبيانات بشأن التركيبة الغذائية المستمدة من بنك البيانات المتعلّقة بالمغذّيات في وزارة الزراعة الأمريكية بالنسبة إلى السلع الموحّدة على المستوى الدولي، والمكمّلة ببيانات أخرى بشأن تركيبة الأغذية؛ (3) وكميات السلع الغذائية الموجودة داخل المجموعات الغذائية التي تساعد معًا على تلبية المتناول الموصى به من المغذّيات، وفي ما بينها. وهذه البيانات مستمدة من عشرة خطوط توجيهية منشورة بشأن النظم الغذائية القائمة على الأغذية التي تمثّل سلسلة من التوصيات الغذائية التي وضعتها البلدان (أنظر الملحق 4).
بلغ متوسط التكاليف العالمية لتلبية الاحتياجات من السعرات الحرارية باستخدام الأغذية الأساسية النشوية الأقل ثمنًا في كل مكان وزمان (النمط الغذائي الكافي من حيث الطاقة الغذائية)، والمعبّر عنه بالدولارات الدولية باستخدام تعادل القوة الشرائية، 0.79 دولارًا أمريكيًا للفرد الواحد في اليوم في عام 2017 ف (الجدول 7). وبلغت التكاليف حدها الأدنى في البلدان المنخفضة والمرتفعة الدخل (0.70 و0.71 دولارًا أمريكيًا على التوالي) وحدّها الأقصى في البلدان المتوسطة الدخل من الشريحتين الدنيا والعليا (0.88 و0.87 دولارًا أمريكيًا على التوالي). وفي ما يتعلّق بالمناطق الجغرافية، سُجّلت التكاليف الأعلى لنمط غذائي كافٍ من حيث الطاقة الغذائية في أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي (1.06 دولارات أمريكية) حيث كانت أعلى بنسبة 34 في المائة من متوسط التكاليف العالمية. وسُجّل متوسط التكاليف الأدنى في أمريكا الشمالية وأوروبا (0.54 دولارًا أمريكيًا) وأوسيانيا (0.55 دولارًا أمريكيًا)، حيث كان أقل بحوالي 30 في المائة من متوسط التكاليف العالمية.
وكما هو متوقع، تتزايد كلفة النمط الغذائي بشكل تدريجي مع تزايد جودته. وإن كلفة النمط الغذائي الصحي هي أعلى بنسبة 60 في المائة من كلفة النمط الغذائي الملائم من حيث المغذّيات وحوالي 5 أضعاف كلفة النمط الغذائي الكافي من حيث الطاقة الغذائية. ويسود هذا الاتجاه في مختلف الأقاليم وفئات دخل البلدان (الجدول 7). وعلى المستوى العالمي، بلغت كلفة النمط الغذائي الملائم من حيث المغذّيات 2.33 دولارًا أمريكيًا للفرد الواحد في اليوم في عام 2017 في حين بلغت كلفة النمط الغذائي الصحي 3.75 دولارًا أمريكيًا للفرد الواحد في اليوم.
ويختلف متوسط كلفة نمط غذائي ما بحسب الأقاليم وفئات دخل البلدان. ولكن نطاق التكاليف واسع ومتداخل بين بلدان هذه الأقاليم وفئات دخل البلدان في العالم (أنظر الجدول ألف3–2 في الملحق 3 للاطلاع على كلفة الأنماط الغذائية الثلاثة بحسب البلدان ومستويات الدخل والسكان). وعلى سبيل المثال، في هذا التحليل كانت كلفة النمط الغذائي الصحي في المتوسط أعلى للفرد الواحد في اليوم في البلدان المتوسطة الدخل من الشريحة الدنيا حيث قدّرت بمبلغ 3.98 دولارًا أمريكيًا، ولكنها تراوحت في هذه البلدان بين 2.85 و5 دولارات أمريكية. وكان النمط الغذائي الصحي التالي الأكثر كلفة موجودًا في البلدان المتوسطة الدخل من الشريحة العليا (3.95 دولارًا، وتتراوح بين 2.80 و5.60 دولارًا أمريكيًا) والبلدان المنخفضة الدخل (3.82 دولارًا أمريكيًا، وتتراوح بين 2.77 و5.72 دولارًا أمريكيًا). وكانت الأنماط الغذائية الصحية الأقل ثمنًا في البلدان المرتفعة الدخل (3.43 دولارًا أمريكيًا وتتراوح بين 1.88 و5.50 دولارًا أمريكيًا).
ومن الناحية الجغرافية، سُجّلت التكاليف الأعلى لنمط غذائي صحي في أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي (3.98 دولارًا أمريكيًا، وتتراوح بين 2.80 و5.60 دولارًا أمريكيًا) وفي آسيا (3.97 دولارًا أمريكيًا، وتتراوح بين 2.81 و5.50 دولارًا أمريكيًا)، لا سيما في بلدان شرق آسيا (الجدول 7)، مع تباين النطاقات بين بلدان هذين الإقليمين. وسُجّلت التكاليف الأدنى لنمط غذائي صحي في أوسيانيا (3.06 دولارات أمريكية وتتراوح بين 2.37 و4.06 دولارات أمريكية) وأمريكا الشمالية وأوروبا (3.21 دولارًا أمريكيًا وتتراوح بين 1.88 و4.42 دولارًا أمريكيًا) وأفريقيا (3.87 دولارًا أمريكيًا وتتراوح بين 2.77 و5.72 دولارًا أمريكيًا).
وتراوحت التكاليف بين الخطوط التوجيهية الوطنية العشرة بشأن النظم الغذائية القائمة على الأغذية المستخدمة لتقدير كلفة نمط غذائي صحي (أنظر الإطار 11)، بين 3.27 و4.57 دولارًا أمريكيًا للفرد الواحد في اليوم مع استناد التقدير إلى كلفة وسيطة قدرها 3.75 دولارًا أمريكيًا (الملحق 4 والشكل ألف4–1). ويمكن مقارنة ذلك مثلًا بكلفة الصيغ الأقل كلفة من الأشكال الأربعة المختلفة للنمط الغذائي المرجعي للجنة EAT–Lancet (النباتي المرن، والنباتي السمكي، والنباتي، والنباتي التام) والتي تتراوح بين 3.31 و3.61 دولارًا أمريكيًا، حيث استند التقدير إلى كلفة وسيطة قدرها 3.44 دولارًا أمريكيًا (الشكل ألف4–1). ويشير النمط الغذائي المرجعي إلى قيم المتناول الموصى به التي اقترحتها لجنة EAT–Lancet الساعية إلى معالجة الحاجة إلى توفير نمط غذائي صحي للسكان الذين يزداد عددهم وتحديد، في الوقت نفسه، النظم الغذائية المستدامة التي تقلل إلى أدنى حد ما يلحق بكوكبنا من أضرار.ص ويجري تحليل الأشكال الأربعة من النمط الغذائي المرجعي للجنة EAT–Lancet لتقييم التكاليف ذات الصلة المرتبطة بالصحة وتغيّر المناخ في القسم التالي.
ويسلّط حساب النسب بين كلفة الأنماط الغذائية في مختلف الأقاليم وفئات دخل البلدان، الضوء على نتيجة مهمة: يجب دفع أقساط كبيرة (أي تكاليف إضافية) للتمكن من تحمّل كلفة نمط غذائي أعلى جودة في مختلف الأقاليم والسياقات الإنمائية. وفي العالم، فإن كلفة نمط غذائي ملائم من حيث المغذيات أعلى 3.4 مرّات في المتوسط (ما بين 1 و9) من نمط غذائي كافٍ من حيث الطاقة الغذائية. وتعدّ كلفة النمط الغذائي الصحي أعلى 1.7 مرّات (ما بين 1 و2.8) من النمط الغذائي الملائم من حيث المغذّيات و5.4 مرّات (ما بين 2 و11) من النمط الغذائي الكافي من حيث الطاقة الغذائية.
وبصورة عامة، تواجه البلدان المنخفضة الدخل تليها البلدان المتوسطة الدخل من الشريحة الدنيا، كلفة أكبر نسبيًا من البلدان الأخرى للانتقال من نمط غذائي ملائم من حيث المغذّيات إلى نمط غذائي صحي. ومن الناحية الجغرافية، تمثل أفريقيا وآسيا الإقليمين اللذين يواجهان أكبر التكاليف في الانتقال من نمط غذائي ملائم من حيث المغذّيات إلى نمط غذائي صحي. ويشكّل ذلك تحديًا كبيرًا نظرًا إلى أن معظم الأشخاص الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية في البلدان المتوسطة الدخل من الشريحة الدنيا والبلدان المنخفضة الدخل يستهلكون أنماطًا غذائية قريبة من النمط الغذائي الكافي من حيث الطاقة الغذائية. وعلى سبيل المثال، يتكلّف شخص يعيش في بلد منخفض الدخل حوالي 6 مرّات أكثر للانتقال من نمط غذائي كافٍ من حيث الطاقة الغذائية إلى نمط غذائي صحي.
والنتائج مدهشة أكثر في حالة البلدان المرتفعة الدخل ذلك أن 75 في المائة منها يدفع 7.4 مرّات أكثر على نمط غذائي صحي منه على نمط غذائي كافٍ من حيث الطاقة الغذائية. ويرجع ذلك إلى كون كلفة النمط الغذائي الكافي من حيث الطاقة الغذائية في البلدان المرتفعة الدخل (0.71 دولارًا أمريكيًا للفرد الواحد في اليوم) أدنى بكثير من متوسط القيمة العالمية (0.79 دولارًا أمريكيًا للفرد الواحد في اليوم). وفي حين نجحت البلدان الغنيّة في جعل السعرات الحرارية رخيصة الثمن، أغفلت عن جعل الأغذية المغذّية رخيصة أيضًا. فيتعيّن على شخص في بلد مرتفع الدخل أن يدفع في المتوسط 6 مرّات أكثر للانتقال من نمط غذائي كافٍ من حيث الطاقة الغذائية إلى نمط غذائي صحي.
وتعدّ منتجات الألبان والفاكهة والخضار والأغذية الغنية بالبروتينات (النباتية والحيوانية المصدر) المجموعات الغذائية الأعلى كلفة في العالم من حيث الكمية الموصى باستهلاكها في اليوم للتمتع بنمط غذائي صحي (الشكل 27ألف). وثمة فوارق إقليمية حيث إن أسعار الفاكهة والخضار أعلى بكثير في شرق آسيا وأسعار منتجات الألبان أعلى في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وآسيا الشرقية وجنوب شرق آسيا، ولكنها أقل في أوروبا الغربية والشمالية وأستراليا ونيوزيلاندا. وتمثّل الأغذية الأساسية النشوية والزيوت 16 في المائة فقط من كلفة النمط الغذائي الصحي. وتمثّل الفاكهة والخضار أقل بقليل من 40 في المائة من كلفته فيما تشكّل منتجات الألبان والأغذية الغنية بالبروتينات مجتمعة أكثر بقليل من 44 في المائة من كلفته (الشكل 27باء).
وتتباين هذه النسب بعض الشيء بحسب فئات دخل البلدان حيث إن كلفة منتجات الألبان أعلى بكثير في البلدان المنخفضة الدخل (أنظر الشكلين ألف5–1 وألف5–2 في الملحق 5). وتدل هذه النتائج على أنه يجب أن تنخفض كلفة الأغذية المغذّية التي تساهم في تشكيل النمط الغذائي الصحي، ولا سيما منتجات الألبان الخضار والفاكهة والأغذية الغنية بالبروتينات، لكي يزيد استهلاكها.
بعد تحليل كلفة الأنماط الغذائية المرجعية الثلاثة المذكورة في هذا التقرير، تتمثل الخطوة التالية المهمة في النظر في القدرة على تحمّلها. وفي هذا التحليل، تقاس القدرة على تحمل الكلفة عبر مقارنة التكاليف التقديرية للنمط الغذائي الأقل كلفة للفرد الواحد في اليوم لكل من الأنماط الغذائية المرجعية الثلاثة التي جرى وصفها بالأمور التالية: (1) خط الفقر الدولي؛ (2) والنفقات الغذائية النموذجية في كل بلد؛ (3) وتقديرات توزيع الدخل في كل بلد. ويجري ويرد في الإطار 12 وصف المنهجية المتّبعة.
لقياس مدى القدرة على تحمل الكلفة، يجب مقارنة كلفة كل نمط من الأنماط الغذائية الثلاثة التي جرى وصفها في هذه التحليلات (أنظر الإطار 11) بدخل أو نفقات معيارية. ويستخدم تحليلنا هذا المعايير الثلاثة التالية.
1-خط الفقر الدولي: يقوم المقياس الأول للقدرة على تحمل الكلفة بمقارنة كلفة كل نمط غذائي بنسبة 63 في المائة من خط الفقر الدولي البالغ 1.90 دولارًا أمريكيًا من تعادل القوة الشرائية في اليوم، ما يساوي 1.20 دولارًا أمريكيًا (أنظر الشكل 28). وتستحوذ نسبة 63 في المائة على نصيب من خط الفقر يمكن تخصيصه بصورة موثوقة للأغذية استنادًا إلى الملاحظات التي تبيّن أن الأشخاص الأشد فقرًا في البلدان المنخفضة الدخل ينفقون في المتوسط 63 في المائة من دخلهم على الأغذية (قاعدة البيانات العالمية للاستهلاك التابعة للبنك الدولي).*55 ويفترض أنه ينبغي تخصيص 37 في المائة من النفقات على الأقل للنفقات غير الغذائية مثل السكن، والنقل، والتعليم، والصحة، والمدخلات الزراعية.54،53،52،51 وفي الواقع، تُعتبر نسبة 37 في المائة من النفقات افتراضًا متحفظًا. فعلى سبيل المثال، يمكن أن تستحوذ النفقات غير الغذائية على حصة أكبر في البلدان المرتفعة الدخل.
2-متوسط النفقات الغذائية اليومية في كل بلد: يقوم المقياس الثاني للقدرة على تحمل الكلفة بمقارنة كلفة كل نمط غذائي بمتوسط النفقات الغذائية اليومية في كل بلد. ويحسب Herforth وآخرين (2020)40 المتوسط الوطني للنفقات الغذائية للفرد الواحد المستخدمة في مقياس القدرة على تحمل الكلفة هذا بالاستناد إلى البيانات المستمدة من برنامج المقارنة الدولي، ويعبّرون عنه بواسطة المعدلات أو النسب المئوية. وتعرّف المعدلات على أنها كلفة نمط غذائي ما مقسومة على متوسط النفقات الغذائية القطرية: يشير المعدل الذي تتجاوز قيمته 1 إلى أن النمط الغذائي ليس ميسور الكلفة لأنه يتخطى متوسط النفقات الغذائية في بلد معيّن (أنظر الشكل 29). وفي المقابل، يمكن التعبير عن كلفة نمط غذائي ما كنسبة من متوسط النفقات الغذائية في بلد معيّن: لا يكون النمط الغذائي ميسور الكلفة عندما تتخطى القيم نسبة 100 في المائة (أنظر الجدول في الإطار 13 والشكل ألف5-3).
3-تقديرات توزيع الدخل في كل بلد: يقوم المقياس الثالث للقدرة على تحمل الكلفة بمقارنة كلفة كل نمط غذائي بالتوزيع التقديري للدخل في بلد معيّن باستخدام توزيعات الدخل في واجهة PovcalNet التابعة للبنك الدولي.**57 وبصورة خاصة، يُعتبر نمط غذائي غير ميسور الكلفة عندما تتخطى كلفته نسبة 63 في المائة من متوسط الدخل في بلد معيّن، وفقًا للأساس المنطقي نفسه المعتمد مع المقياس الأول للقدرة على تحمل الكلفة. ويوفّر هذا المقياس الثالث تقديرات بشأن نسبة الأشخاص الذين لا تكون كلفة نمط غذائي محدد في متناولهم. ومن ثم يتم ضرب النسب بعدد السكان في كل بلد في عام 2017 للحصول على العدد التقديري للأشخاص الذين لا يمكنهم تحمّل كلفة نمط غذائي معيّن في بلد معيّن (أنظر الجدول 8 والجدول في الإطار 13). وبما أن تقديرات البنك الدولي لتوزيعات الدخل ليست متاحة لعام 2017، يتم استخدام توزيعات عام 2018 التي تستند إلى دراسات استقصائية للأسر أجريت في 164 اقتصادًا (أنظر الملحق 3 للاطلاع على وصف كامل للمنهجية المتبعة ومصادر البيانات). وتتوافر المعلومات بشأن نسبة وعدد الأشخاص الذين لا يمكنهم تحمّل كلفة الأنماط الغذائية في 143 بلدًا من أصل 170 يشملهم هذا التحليل. ولتحديد نطاق هذه التقديرات، جرى حساب الحدود الدنيا والعليا لتقديرات مقياس القدرة على تحمل الكلفة هذا وعرضها في الملحق 3 (الجدول ألف3-3). وتظهر كلفة الأنماط الغذائية الثلاثة والقدرة على تحمّلها في الجدول ألف3-2 (الملحق 3). وتُعرض الخرائط العالمية التي تُظهر نطاقات القدرة على تحمل الكلفة في الشكل ألف5-3 (الملحق 5) للبلدان التي جرى تحليلها والتي يبلغ عددها 143 بلدًا.
تُظهر النتائج أنه في الوقت الذي يتمتع فيه الفقراء حول العالم بالقدرة على تحمّل كلفة نمط غذائي كافٍ من حيث الطاقة الغذائية على نحو ما هو محدد هنا، فإنه يتعذّر عليهم تحمّل كلفة نمط غذائي ملائم من حيث المغذّيات ونمط غذائي صحي (الشكل 28). فكلفة نمط غذائي صحي أعلى بكثير من كامل قيمة خط الفقر الدولي البالغ 1.90 دولارًا أمريكيًا من تعادل القوة الشرائية في اليوم، ناهيك عن الحد الأعلى من خط الفقر الذي يمكن تخصيصه بشكل موثوق للأغذية 63 في المائة) والذي يبلغ 1.20 دولارًا أمريكيًا من تعادل القوة الشرائية في اليوم (الشكل 28). ومن المفترض أنه ينبغي تخصيص 37 في المائة من النفقات على الأقل للنفقات غير الغذائية مثل السكن، والنقل، والتعليم، والصحة، والمدخلات الزراعية.51،ا52،ا53،ا54 وفي المتوسط، فإن كلفة نمط غذائي ملائم من حيث المغذّيات ونمط غذائي صحي أعلى مرّتين وثلاث مرّات على التوالي من عتبة الفقر البالغة 1.20 دولارًا أمريكيًا للفرد الواحد في اليوم. ويصح ذلك وفقًا لأي تعريف من تعريفات الأنماط الغذائية الصحية (المستندة إلى الخطوط التوجيهية الغذائية الوطنية بشأن النظم الغذائية القائمة على الأغذية) المستخدمة في هذه التحليلات (أنظر الشكل ألف4–1 في الملحق 4).
ولا يتوافر النمط الغذائي الملائم من حيث المغذّيات والنمط الغذائي الصحي بسعر معقول للأشخاص الذين يعيشون تحت خط الفقر. كما أنهما ليسا في متناول السكان المعرّضين للوقوع في براثن الفقر لأن دخلهم أعلى بقليل من خط الفقر، إذ أن كلفتهما تتجاوز بكثير خط الفقر البالغ 1.90 دولارًا أمريكيًا للفرد الواحد في اليوم.
ويصح ذلك في مختلف الأقاليم أيضًا. فكلفة النمط الغذائي الملائم من حيث المغذّيات والنمط الغذائي الصحي تتجاوز 1.20 دولارًا أمريكيًا (63 في المائة من خط الفقر) في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، وهي أعلى 1.7 و3.2 مرّات من خط الفقر على التوالي. كما أنها أعلى 2.3 و3.3 مرّات على التوالي في أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي، و1.8 و3.3 مرّات على التوالي في آسيا. وفي أمريكا الشمالية وأوروبا، لا يتوافر النمط الغذائي الملائم من حيث المغذّيات ولا النمط الغذائي الصحي بسعر معقول للفقراء ذلك أن كلفتهما أعلى 1.9 و2.6 مرّات من خط الفقر على التوالي.
وبينما تتجاوز كلفة النمط الغذائي الصحي 1.20 دولارًا أمريكيًا في جميع البلدان، فإن النمط الغذائي الأقل كلفة الملائم من حيث المغذّيات يقل عن هذه العتبة فقط في قطر وتتراوح كلفته بين 1.20 و1.90 دولارًا أمريكيًا في 17 بلدًا أفريقيًا و11 بلدًا آسيويًا و6 بلدان أوروبية وبلد واحد من أمريكا اللاتينية وبلد واحد من أوسيانيا. وفي المقابل، يمكن للفقراء في جميع أنحاء العالم شراء النمط الغذائي الأقل كلفة الكافي من حيث الطاقة (باستخدام العتبة المحددة بمبلغ 1.20 دولارًا أمريكيًا)، إلا في دولة بوليفيا المتعددة القوميات (1.42 دولارًا أمريكيًا)، وجزر فيرجين البريطانية (1.56 دولارًا أمريكيًا)، ودومينيكا (1.22 دولارًا أمريكيًا)، وإكوادور (1.31 دولارًا أمريكيًا)، والسلفادور (1.46 دولارًا أمريكيًا)، وغرينادا (1.33 دولارًا أمريكيًا)، واليابان (3.03 دولارًا أمريكيًا)، ونيكاراغوا (1.44 دولارًا أمريكيًا)، وسانت فنسنت وجزر غرينادين (1.32 دولارًا أمريكيًا)، وسانت مارتن (1.72 دولارًا أمريكيًا)، وجنوب أفريقيا (1.26 دولارًا أمريكيًا)، وتايوان (1.46 دولارًا أمريكيًا)، وتوغو (1.94 دولارًا أمريكيًا).
وتشير هذه النتائج إلى أنه قد يلزم تعديل خط الفقر الدولي لتجنّب التضليل، ذلك أنه يشكل أساس غايات البرامج وبرامج شبكات الأمان الاجتماعي إلا أنه لا يدعم حاليًا قدرة الأشخاص على الحصول حتّى على أقل الأشكال كلفة لنمط غذائي صحي. وبصورة خاصة، فإن خطوط الفقر ليست مرتفعة بما فيه الكفاية لتعكس الدخل/الاستهلاك اللازم لدعم الأمن الغذائي والاحتياجات التغذوية. وتحدَّد خطوط الفقر من خلال تطبيق الأنماط النموذجية لاستهلاك الأغذية المعبّر عنها بنسب الإنفاق على الأغذية عبر اتباع ما يسمى "نهج الاحتياجات الأساسية". ويستخدم هذا النهج أسعار الأغذية لتحديد كلفة الاحتياجات من السعرات الحرارية المرجّحة بنسب الإنفاق على الأغذية. ويُظهر تحليل كلفة النمط الغذائي الصحي الوارد أعلاه أن خط الفقر الذي يشمل توفير الاحتياجات الغذائية الأساسية، لا يكفل الحصول على نمط غذائي ملائم من حيث المغذّيات ولا نمط غذائي صحي في معظم البلدان. بالتالي، هناك حاجة إلى مقاييس جديدة لأسعار الأغذية تستند إلى الأهداف التغذوية والغذائية العالمية لتقدير خطوط الفقر الغذائي المراعية للتغذية. وتظهر هذه المسألة كمجال يجري المزيد من البحث فيه في القسم الأخير من هذا التقرير (أنظر الإطار 29).
بالنظر الآن إلى تكاليف الأنماط الغذائية مقارنة بمتوسط النفقات الغذائية الوطنية للفرد الواحد في اليوم، يلحظ التقرير أن النمط الغذائي الكافي من حيث الطاقة الغذائية ميسور الكلفة في معظم بلدان العالم (الشكل 29ألف). وفي المتوسط، يمثّل هذا النمط الغذائي 19 في المائة من متوسط النفقات الغذائية في العالم، الأمر الذي يشير إلى أنه يمكن تحمّل كلفته. ولكن يتباين مدى القدرة على تحمّل هذه التكاليف بين البلدان وسياقات التنمية.
وكما هو متوقع، فإن الأنماط الغذائية الكافية من حيث الطاقة متاحة بتكلة ميسورة أكثر في البلدان المرتفعة الدخل (حيث تبلغ كلفته 10.5 في المائة من متوسط النفقات الغذائية) وتتراجع القدرة على تحمّل هذه التكاليف بموازاة انخفاض مستوى الدخل في البلد. وكلفة هذا النمط الغذائي أقل معقولية في البلدان المنخفضة الدخل (40 في المائة)، تليها البلدان المتوسطة الدخل من الشريحة الدنيا (23 في المائة) والبلدان المتوسطة الدخل من الشريحة العليا (16 في المائة). وتُعتبر كلفة النمط الغذائي الكافي من حيث الطاقة الغذائية الأقل معقولية في البلدان المنخفضة الدخل في أفريقيا الغربية (50 في المائة). وهذا هو الإقليم الوحيد الذي لا تتاح في اثنين من بلدانه أنماط غذائية كافية من حيث الطاقة بكلفة ميسورة، ذلك أن هذه التكاليف أعلى من متوسط النفقات الغذائية. وتزيد تحديدًا كلفة النمط الغذائي الكافي من حيث الطاقة الغذائية بمقدار 1.3 مرّات على النفقات الغذائية للفرد الواحد في ليبيريا وبمقدار 1.4 مرّات عليها في توغو (الشكل 29ألف).
وهناك بلدان أخرى كثيرة في العالم لا تتوافر فيها الأنماط الغذائية الملائمة من حيث المغذيات بكلفة ميسورة (الشكل 29باء). فبالنسبة إلى البلدان المنخفضة الدخل عمومًا، هذا النمط الغذائي غير ميسور الكلفة لأنه يمثّل 113 في المائة من متوسط النفقات الغذائية، ما يعني أن كلفته في المتوسط أعلى 1.13 مرّات من متوسط هذه النفقات. وتتوافر القدرة على تحمّل كلفة نمط غذائي ملائم من حيث المغذّيات في البلدان المرتفعة الدخل (حيث تبلغ التكاليف 34 في المائة من متوسط النفقات الغذائية)، والبلدان المتوسطة الدخل من الشريحة العليا (46 في المائة)، والبلدان المتوسطة الدخل من الشريحة الدنيا ولكن بقدر أقل (62 في المائة).
وبصورة عامة، يتوافر النمط الغذائي الملائم من حيث المغذّيات بكلفة ميسورة في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى (91.4 في المائة). ولكن في هذا الإقليم، تتباين القدرة على تحمّل هذه التكاليف بين مختلف الأقاليم الفرعية والبلدان (الشكل 29باء). في الواقع، لا يتوافر النمط الغذائي الملائم من حيث المغذّيات بكلفة ميسورة في أفريقيا الغربية لأنه يمثّل 109 في المائة من متوسط النفقات الغذائية وكلفته في بلدان مثل النيجر وليبيريا أعلى مرّتين وحوالي أربع مرّات على التوالي من متوسط النفقات الغذائية الوطنية. وعلى الرغم من أن هذا النمط الغذائي متوافر بكلفة ميسورة في أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي (57.3 في المائة) وفي آسيا (43 في المائة)، لا تملك بلدان عديدة في هذين الإقليمين القدرة على تحمّل هذه التكاليف (الشكل 29باء).
وعلى المستوى العالمي، يُعتبر النمط الغذائي الصحي في المتوسط ميسور الكلفة ذلك أنه يمثّل 95.3 في المائة من متوسط النفقات الغذائية للفرد الواحد في اليوم. ولكن هناك تباينات كبيرة في القدرة على تحمّل كلفة هذا النمط الغذائي حول العالم وبين مختلف السياقات الإنمائية. والملفت أن كلفة النمط الغذائي الصحي تتخطى متوسط النفقات الغذائية الوطنية في معظم بلدان الجنوب.ق ولا يتوافر النمط الغذائي الصحي بكلفة ميسورة في البلدان المتوسطة الدخل من الشريحة الدنيا (105 في المائة) وهو أبعد من أن يكون كذلك في البلدان المنخفضة الدخل حيث تبلغ كلفته حوالي 3 مرّات متوسط النفقات الغذائية (226 في المائة). ومن جهة أخرى، يتوافر النمط الغذائي الصحي عمومًا بكلفة ميسورة في البلدان المرتفعة الدخل حيث يمثّل 50 في المائة من متوسط النفقات الغذائية، وفي البلدان المتوسطة الدخل من الشريحة العليا ولكن بدرجة أقل (71 في المائة).
ومن بين جميع أقاليم العالم، تشكّل القدرة على تحمّل كلفة نمط غذائي صحي التحدي الأكبر في أفريقيا. فإن متوسط كلفة النمط الغذائي الصحي في هذه القارة يتجاوز متوسط النفقات الغذائية (3.87 مقابل 3.57 دولارًا أمريكيًا) وهو أعلى 2.2 مرّات في أفريقيا الغربية ( 4.03 مقابل 2.66 دولارًا أمريكيًا) (الشكل 29جيم). وكلفة هذا النمط الغذائي غير متناسبة بقدر أكبر في بعض البلدان مقارنة بمتوسط نفقاتها الغذائية. ففي بوروندي وليبيريا والنيجر وتوغو بصورة خاصة، تُعتبر كلفة الأنماط الغذائية الصحية أعلى ما بين 4 و7 مرّات من متوسط النفقات الغذائية، مع وجود القدرة الأدنى على تحمل الكلفة في ليبيريا.
وبينما يمكن في المتوسط تحمل كلفة النمط الغذائي الصحي في شمال أفريقيا (71 في المائة من متوسط النفقات الغذائية)، لا تتوافر القدرة على تحمّل كلفته في ثلاثة أقاليم فرعية من أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى (أفريقيا الشرقية والوسطى وأفريقيا الغربية). وفي أفريقيا الغربية، تزيد كلفته بمقدار 2.2 مرّات على متوسط النفقات الغذائية، وفي أفريقيا الشرقية ووسط أفريقيا تزيد كلفته بمقدار 1.8 و1.4 مرّات على التوالي على متوسط هذه النفقات. ويتوافر النمط الغذائي الصحي بكلفة ميسورة في أفريقيا الجنوبية حيث يمثّل 92 في المائة من متوسط النفقات الغذائية. وبصورة عامة، لا تتوافر القدرة على تحمّل كلفة النمط الغذائي الصحي في أكثر من 70 في المائة من البلدان في أفريقيا (35 من أصل 50).
وفي آسيا، يتوافر النمط الغذائي الصحي بكلفة ميسورة (78 في المائة من متوسط النفقات الغذائية) بفضل توافر القدرة على تحمّل هذه التكاليف في آسيا الغربية (56 في المائة) وآسيا الشرقية (81 في المائة) وآسيا الوسطى (85 في المائة) وجنوب شرق أسيا (88 في المائة). ولكن لا يتوافر هذا النمط الغذائي بكلفة ميسورة في آسيا الجنوبية (102 في المائة). وفي 10 بلدان في آسيا من أصل 40 بلدًا جرى تحليلهم، تتجاوز كلفة النمط الغذائي الصحي متوسط النفقات الغذائية.
وتواجه البلدان التي تتخبط في أزمة غذائية تحديات أكبر من أجل تأمين نمط غذائي صحي، لا سيما البلدان التي تشهد أزمات ممتدة تتسم بوجود نزاعات معقدة ومتعددة الأبعاد وأوضاعًا هشة للغاية. وفي هذه السياقات، تكون كلفة النمط الغذائي الصحي مماثلة للمتوسط العالمي (3.80 و3.75 دولارًا أمريكيًا للفرد الواحد على التوالي)؛ ولكن نسبة الأشخاص الذين لا يمكنهم تحمّل هذه التكاليف أعلى بكثير من المتوسط العالمي. ويعجز معظم السكان أو 86 في المائة منهم في البلدان التي تشهد أزمات ممتدة، عن تأمين نمط غذائي صحي. وهذه النسبة هي أكثر من ضعف المتوسط العالمي (38 في المائة) وهي أعلى بنسبة 57 في المائة مما تشير إليه التقديرات بالنسبة إلى بلدان الجنوب (الإطار 13).
تواجه البلدان التي تشهد أزمة غذائية تحديات كبيرة لتأمين توافر الأغذية المغذية والقدرة على تحمّل كلفة نمط غذائي صحي. وينطبق ذلك على وجه الخصوص في البلدان التي تعاني من حالات أزمات ممتدة* والتي تتسم عمومًا بوجود نزاعات معقدة ومتعددة الأبعاد وطويلة وأوضاع هشة للغاية.
وتواجه البلدان التي تشهد أزمات ممتدة تحديات محددة تتعلّق بكلفة الأنماط الغذائية الصحية والقدرة على تحمّلها.59 ولقد شهد جميع هذه البلدان تقريبًا شكلًا معينًا من أشكال النزاع العنيف طيلة فترات طويلة من الزمن. ويعاني سكان هذه البلدان من تقلبات وزيادات مفاجئة ومتكررة في أسعار الأغذية، واختلالات في إمدادات الأغذية والوصول إلى الأسواق الفعالة، وقدر أكبر من أوجه عدم اليقين والمخاطر وأوجه القصور في النظم الغذائية. ويتّسم معظم هذه البلدان أيضًا بضعف الحوكمة، وانهيار المؤسسات المحلية، وتردي الأوضاع الصحية للسكان المتضررين، وارتفاع خطر التقلبات المناخية وآثار تغيّر المناخ، وانتشار الكوارث الطبيعية. علاوة على ذلك، فإن نسبة كبيرة من السكان في هذه السياقات معرّضة بشكل حاد للجوع وسوء التغذية والمرض ولانقطاع سبل عيشها على مدى فترات طويلة.
وتحدد منظمة الأغذية والزراعة حاليًا وجود 22 بلدًا في حالة أزمة ممتدة ولكن لا تتوافر المعلومات عن التكاليف والقدرة على تحمّلها في سبعة منها هي: أفغانستان، وإريتريا، وجمهورية كوريا الشعبية الديمقراطية، والجمهورية العربية السورية، وجنوب السودان، واليمن، والصومال (أنظر الملحق 6). ويعرض الجدول أدناه تحليل كلفة الأنماط الغذائية المرجعية الثلاثة (أي النمط الغذائي الكافي من حيث الطاقة الغذائية، والنمط الغذائي الملائم من حيث المغذّيات، والنمط الغذائي الصحي) والقدرة على تحمّلها في 15 بلدًا في أزمات ممتدة وتتوافر بشأنها البيانات المتعلّقة بالأسعار.
ويسلط تحليل كلفة الأنماط الغذائية المختلفة والقدرة على تحمّلها الضوء على التحدي الكبير المتمثل في تأمين الأنماط الغذائية الصحية الميسورة الكلفة في هذه السياقات. وتُظهر النتائج أنه في وقت تكون فيه كلفة نمط غذائي صحي في هذه السياقات مماثلة للمتوسط العالمي، فإن نسبة السكان الذين لا يمكنهم تحمّلها أعلى بكثير. وبصورة خاصة، إن متوسط كلفة النمط الغذائي الصحي أعلى بقليل من المتوسط العالمي (3.80 و3.75 دولارًا أمريكيًا للفرد الواحد على التوالي). ولكن هذه التكاليف ليست في متناول معظم السكان (86 في المائة) في البلدان التي تعاني من أزمة ممتدة، وهذه النسبة هي أكثر من ضعف المتوسط العالمي (38 في المائة) وهي أعلى بنسبة 56 في المائة مما تشير إليه التقديرات بالنسبة إلى بلدان الجنوب.
ويتوافر تحليل التقلبات في التكاليف والقدرة على تحمّلها لعدد من البلدان الأشد تضررًا من الأزمات الممتدة.** وتُظهر النتائج أن كلفة نمط غذائي كافٍ من حيث الطاقة الغذائية تكون عادةً أعلى بقليل مقارنة بالبلدان المستقرة. ولكن كلفة نمط غذائي ملائم من حيث المغذّيات أعلى بكثير بسبب أوجه القصور في العرض وقلّة توافر الأغذية المغذية.
وعلى سبيل المثال، في شمال بوروندي ومنطقة تنجانيقا في جمهورية الكونغو الديمقراطية ومنطقتي مارادي وزيندر في النيجر وهضبة الدوجون في مالي، لا يتوافر النمط الغذائي الملائم من حيث المغذّيات بكلفة ميسورة لأحد تقريبًا (أكثر من 90 في المائة).60 وفي جمهورية الكونغو الديمقراطية والصومال، تميل الأسواق الريفية إلى تقديم أصناف من الأغذية أقل تنوعًا منها في الأسواق الحضرية في المناطق نفسها، لا سيما في ما يتعلّق بالأغذية الحيوانية المصدر.*** ولدى مقارنة كلفة نمط غذائي ملائم من حيث المغذّيات بكلفة نمط غذائي كافٍ من حيث الطاقة الغذائية، لوحظ أن كلفة النمط الغذائي الأول في هذه المناطق أعلى ما بين 4 و7 مرّات مقارنة بمرّتين إلى أربع مرّات في البلدان المستقرة.
ونظرًا لحدّة واستمرار انعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية فيها، تحتاج البلدان التي تشهد أزمات ممتدة إلى عناية ونُهج خاصة لتحويل النظم الغذائية من أجل ضمان أنماط غذائية صحية ميسورة الكلفة للجميع.62،61،59
كلفة النمط الغذائي الصحي مماثلة للمتوسط العالمي ولكن نسبة الأشخاص الذين لا يمكنهم تحمّلها أعلى بكثير في البلدان التي تعاني من أزمات ممتدة
أظهر التحليل أعلاه بوضوح أن كلفة النمط الغذائي الملائم من حيث المغذّيات والنمط الغذائي الصحي أقل يسرًا من كلفة النمط الغذائي الكافي من حيث الطاقة الغذائية. وفي العديد من البلدان، قد يضطر الفقراء إلى استخدام معظم أو كل دخلهم الإجمالي لشراء الكميات المناسبة من المغذّيات الأساسية والأغذية المغذية المتنوعة؛ وحتى هذا المبلغ قد يكون غير كاف في عدد من البلدان. وفي هذه الحالات، تفرض القدرة على تحمل الكلفة عقبة لا يمكن تخطيها، لذا لا بد من معالجة القيود المتعلّقة بالأسعار والدخل في البيئات الغذائية الداعمة لكي تتسم المعارف التغذوية وتغيير السلوك بالفعالية في التأثير على الخيارات.
وفي نهاية المطاف، يتمثل الهدف من تحليل التكاليف والقدرة على تحمّلها الذي جرى عرضه حتى الآن في تحديد عدد الأشخاص الذين لا يمكنهم الحصول حتى على النمط الغذائي الصحي الأقل كلفة. ويعرض الجدول 8 التقديرات المتعلّقة بنسبة الأشخاص الذين لا يمكنهم تحمّل كلفة المستويات الثلاثة من الجودة الغذائية وعددهم الإجمالي بالاستناد إلى تقديرات توزيع الدخل. وتفترض هذه التقديرات أن الأشخاص ينفقون في المتوسط 63 في المائة من دخلهم على الأغذية، بحيث تمثّل هذه النسبة المختارة حصة النفقات الغذائية للشريحة الأشد فقرًا من السكان في البلدان المنخفضة الدخل وفقًا للبنك الدولي (أنظر الإطار 12 والملحق 3). ولإعطاء الموثوقية لهذه التقديرات، يتم حساب نسبة الأشخاص الذين لا يمكنهم تحمّل كلفة الأنماط الغذائية الثلاثة وعددهم باستخدام الحدود الدنيا والعليا للتقديرات الواردة في الملحق 3 (الجدول ألف3–3).
وبالاستناد إلى هذا التحليل، تشير التقديرات إلى أنه تعذّر على ما يزيد عن 3 مليارات شخص في العالم تحمّل كلفة نمط غذائي صحي في عام 2017. ويعيش السواد الأعظم من هؤلاء الأشخاص في آسيا (1.9 مليارات) وأفريقيا (965 مليونًا)، مع أن ملايين الأشخاص منهم يعيشون في أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي (104.2 ملايين) وأمريكا الشمالية وأوروبا (18 مليونًا). وتتواجد أعلى نسبة من السكان الذين لا يمكنهم تحمّل كلفة نمط غذائي صحي في أفريقيا الغربية (82 في المائة) ووسط أفريقيا (78 في المائة) وأفريقيا الشرقية (75 في المائة) وأفريقيا الجنوبية (64 في المائة)، يليها آسيا الجنوبية (58 في المائة) وجنوب شرق آسيا (46 في المائة) والبحر الكاريبي (37 في المائة) وآسيا الوسطى (33 في المائة) وأمريكا الوسطى (28 في المائة). وبالنظر إلى فئات دخل البلدان، تسجّل النسبة الأعلى في البلدان المنخفضة الدخل (86 في المائة) والبلدان المتوسطة الدخل من الشريحة الدنيا (59 في المائة) التي يواجه سكانها التحديات الأكبر لتحمّل كلفة الأنماط الغذائية الصحية.
والخلاصة أن 77 في المائة أو أكثر من السكان في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى و58 في المائة منهم في آسيا الجنوبية يعجزون عن تحمّل كلفة الأنماط الغذائية الصحية. كما أنه يتعذّر على نسبة عالية من السكان في أجزاء أخرى من آسيا (30 في المائة) وأمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي (26 في المائة) تحمّل كلفة الأنماط الغذائية الصحية أيضًا (أنظر الشكل ألف5–3 في الملحق 5).
وهذه النتائج إن دلّت على شيء فإنما تدلّ على أنه (1) ينبغي خفض كلفة الأغذية المغذية التي تشكل أنماطًا غذائية صحية، بما في ذلك منتجات الألبان والفاكهة والخضار والأغذية الغنية بالبروتينات؛ (2) وقد يتعيّن رفع خطوط الفقر لأنها تشكل أساس غايات البرامج وبرامج شبكات الأمان الاجتماعي، ولا تتيح في الوقت الحالي مقياسًا جيدًا لمدى قدرة الأشخاص على تأمين حتى أقل الأشكال كلفة لنمط غذائي صحي. وبالتالي، فإنها لا تدعم تحقيق الأمن الغذائي والتغذية.
وتشكل الخطوط التوجيهية الوطنية بشأن النظم الغذائية القائمة على الأغذية ترجمة للمبادئ التوجيهية العالمية بشأن النمط الغذائي الصحي الذي يأخذ في الاعتبار الوضع التغذوي في بلد ما، وتوافر الأغذية، وثقافات الطهو، والعادات الغذائية (أنظر القسم 1–3 في الجزء الأول في هذا التقرير). وترمي هذه الخطوط التوجيهية إلى وضع أساس للسياسات والبرامج الخاصة بالأغذية والتغذية، والصحة العامة، والتعليم، والحماية الاجتماعية، والزراعة، وللسياسات والبرامج القطاعية الأخرى وبرامج التثقيف الغذائي والتغذوي بغية تعزيز العادات الغذائية الصحية. وتشير النتائج إلى أنه كجزء من الاستراتيجيات الشاملة لتحويل استهلاك السكان نحو الأنماط الغذائية الموصى بها عبر تمكين الجميع من الحصول على أنماط غذائية صحية، يجب أن تنخفض أسعار هذه الأنماط الغذائية.
تختلف كلفة الأنماط الغذائية والقدرة على تحمّلها في مختلف أرجاء العالم باختلاف الأقاليم والسياقات الإنمائية. كما أنهما قد تختلفان داخل البلدان جراء عوامل زمنية وجغرافية، وكذلك بفعل الاختلافات في الاحتياجات التغذوية للأفراد على امتداد مراحل دورة الحياة. ولا تؤخذ هذه الاختلافات في التكاليف الموجودة داخل البلدان في الاعتبار في التحليل العالمي والإقليمي الوارد أعلاه.
يمكن أن تتباين القدرة على تحمّل كلفة نمط غذائي صحي تباينًا كبيرًا داخل بلد ما بفعل وجود اختلافات بين المناطق في ما يتعلّق بارتفاع أسعار الأغذية المغذية، أو تدني الوضع الاقتصادي للسكان، أو قلّة توافر الأغذية المغذية أو تنوعها المحدود، أو بفعل اجتماع هذه العوامل. وهناك أنماط زمنية وجغرافية ملحوظة في الاختلافات في التكاليف. فعلى سبيل المثال، أظهرت دراسة في آسيا الجنوبية أن سعر سلّة الأغذية الملائمة من حيث المغذّيات اختلف في بعض البلدان مع اختلاف المواسم وقد زاد بوتيرة أسرع من سعر سلة الأغذية النموذجية. وتعزى هذه الظاهرة إلى حد كبير إلى التكاليف المتغيّرة للخضار.66
وتُستخدم البيانات المتعلّقة بأسعار الأغذية أيضًا في مجموعة مختارة من الدراسات القطرية لتقدير الأنماط الغذائية الملائمة من حيث المغذّيات الأقل كلفةر، ومن ثم مقارنتها بمنحنيات النفقات الغذائية للأسر من أجل حساب نسبة الأسر التي يمكنها تحمّلها داخل البلد ش. ويُظهر الشكل 30 نطاق الاختلاف القطري في عدم القدرة على تحمّل كلفة نمط غذائي ملائم من حيث المغذّيات في 25 بلدًا. وسجلت في مدغشقر، على سبيل المثال، تباينات كبيرة، إذ تراوحت صعوبة تحمل كلفة الحصول على نمط غذائي ملائم من حيث المغذّيات بين 25 و97 في المائة.
ويعكس الاختلاف في أسعار الأغذية الذي يؤثر مباشرة على كلفة نمط غذائي ملائم من حيث المغذّيات، وجود فجوات بين المناطق الحضرية والريفية في الكثير من الأحيان. ففي المناطق الحضرية في جنوب موزامبيق، بلغت أسعار البيض والطماطم المستوردة من جنوب أفريقيا 4 إلى 5 أضعاف الأسعار في المنطقة الوسطى الريفية حيث يتم إنتاج البيض والطماطم بصورة رئيسية من جانب الأسر المحلية. ولكن كانت كلفة النمط الغذائي الملائم من حيث المغذّيات ميسورة أكثر في المناطق الحضرية الجنوبية ولو أنها أعلى لأن الدخل أعلى. وهذا الاستنتاج نموذجي في العديد من البلدان. وتأثرت المناطق الريفية أيضًا بقدر أكبر بالطابع الموسمي إذ كانت أسعار الأغذية أعلى خلال الموسم الأعجف منها في السياقات الحضرية.
وفي جميع السياقات، تباينت أسعار الأغذية بحسب النظام الإيكولوجي وسبل المعيشة. وفي منطقة أيياروادي الريفية التي تُعد سلّة الخبز في ميانمار إذ يتم فيها إنتاج الأرزّ وغيره من المحاصيل وبيعها في الأسواق الريفية، كانت كلفة نمط غذائي ملائم من حيث المغذّيات أدنى بنسبة تراوحت بين 10 و25 في المائة منها في المناطق النائية من البلاد حيث يلزم تأمين النقل والتخزين والبيع بالتجزئة لإيصال الأغذية. وفي منطقة الحزام الرعوي في شمال بوركينا فاسو، تعذّر على 82 في المائة من الأسر تحمّل كلفة نمط غذائي ملائم من حيث المغذّيات. وفي المقابل، أظهرت المناطق الزراعية الجنوبية تباينًا تراوح بين 35 و43 في المائة في عدم القدرة على تحمّل كلفة نمط غذائي ملائم من حيث المغذّيات.
علاوة على ذلك، كانت أسعار الأغذية وكلفة النمط الغذائي الملائم من حيث المغذّيات أعلى في المجتمعات الجبلية النائية في ليسوتو والسلفادور بسبب التحديات المرتبطة بالإمدادات الغذائية والصعوبات في تلبية الاحتياجات الغذائية من الأغذية المتاحة محليًا. وفي السلفادور، تراجع عدد الأغذية المغذية المتاحة في الأسواق كلما زاد الارتفاع عن سطح البحر، الأمر الذي أدى إلى زيادة كلفة تلبية الاحتياجات الغذائية. وتراوحت صعوبة تحمّل كلفة نمط غذائي ملائم من حيث المغذّيات بين 23 في المائة في السهول و44 في المائة في منطقة مورازان المرتفعة.
وحتى مع افتراض وجود أسعار موحدة نسبيًا للأغذية في جميع أنحاء بلد ما، يمكن أن تختلف القدرة على تحمّل كلفة نمط غذائي ملائم من حيث المغذّيات بين المناطق تبعًا لمستويات الفقر والدخل. ففي محافظات زامبيزيا وجازا ونامبولا في موزامبيق حيث فرص كسب الدخل قليلة والدخل أدنى بكثير، أنفقت الأسر نصف المبلغ الذي تنفقه نظيراتها في محافظة مابوتو في الجنوب على الأغذية.ت وبالمثل، كانت كلفة النمط الغذائي الملائم من حيث المغذّيات من بين الأدنى في منطقة الأمازون الإكوادورية مقارنة بسائر مناطق البلاد (7.40 دولارًا أمريكيًا في اليوم في المتوسط لأسرة مؤلفة من خمسة أشخاص مقارنة بالمتوسط الوطني البالغ 8.60 دولارًا أمريكيًا). ولكن لا ينعكس ذلك في زيادة القدرة على تحمّل كلفة الأنماط الغذائية الملائمة من حيث المغذّيات في هذه المناطق بسبب الوضع الاقتصادي المتردي فيها. وكما هو مبيّن أعلاه، إن كلفة النمط الغذائي الصحي المرجعي أعلى من كلفة النمط الغذائي المرجعي الملائم من حيث المغذّيات، لذلك فإنه من المرجّح أن تواجه العائلات صعوبات أكبر في تحمّل كلفة نمط غذائي صحي يسمح لها بتعزيز الصحة على المدى الطويل وحمايتها.
تتباين الاحتياجات التغذوية في مختلف مراحل دورة الحياة، وبالتالي تختلف متطلبات المتناول الغذائي من حيث الكمية والتنوع على السواء. ويترتب عن ذلك انعكاسات على التكاليف والقدرة على تحمّلها وعلى إمكانية المعاناة من نقص في المغذّيات الدقيقة.67 وليست كلفة نمط غذائي ملائم من حيث المغذّيات نفسها للجميع داخل الأسرة نفسها ذلك أن الأفراد يتواجدون عادةً في مراحل مختلفة من الحياة. ويعزى ذلك بصورة رئيسية إلى زيادة الحاجة خلال مراحل معيّنة مثل الحمل أو المراهقة، إلى بعض المغذّيات التي يجب تأمينها بفضل أغذية ذات قيمة تغذوية أعلى تميل إلى أن تكون أغلى ثمنًا.49
وعلى سبيل المثال، في ملاوي، تحمّلت النساء الحوامل والمرضعات والمراهقين الذكور الكلفة الأعلى لنمط غذائي ملائم من حيث المغذّيات. وتجاوز متوسط كلفة النمط الغذائي الملائم من حيث المغذّيات لهذه الفئات 1.50 دولارًا أمريكيًا في اليوم، وهذا مبلغ أعلى بكثير من نسبة 70 في المائة من خط الفقر الدولي ومن النفقات الغذائية للفرد الواحد في اليوم في ملاوي.49 وفي ما يتعلّق بالكلفة لكل 000 1 كيلو سعرة حرارية، تحمّلت الإناث في العموم كلفة أعلى من الذكور نظرًا لحاجتهن إلى المزيد من الأغذية المغذية. ويسجّل الاتجاه نفسه على المستوى العالمي، الأمر الذي يبيّن أن المراهقات والنساء الأكبر سنًا يواجهن تحديات معيّنة في ما يتعلّق بالحاجة إلى الأغذية المغذية جدًا.49
وخلصت دراسة حديثة وضعت نموذجًا لكلفة نمط غذائي ملائم من حيث المغذّيات بالاستناد إلى الأغذية المتاحة محليًا في أربعة بلدان (السلفادور، وغانا، وجمهورية لاو الديمقراطية الشعبية، ومدغشقر)، إلى أن احتياجات فتاة مراهقة في أسرة مؤلفة من خمسة أشخاص هي الأعلى كلفة، فهي لا تتجاوز فقط كلفة النمط الغذائي لرجل بالغ، بل لامرأة مرضع أيضًا.64،ا68،ا69،ا70 وكان ارتفاع كلفة النمط الغذائي الملائم من حيث المغذيات مدفوعًا بصورة أساسية بالحاجة الكبيرة إلى الكالسيوم والحديد والفيتامين ألف الضروريين لتحفيز النمو والتعويض عن المغذّيات المفقودة أثناء الحيض. وفي البلدان التي جرت دراستها، يتم تأمين هذه المغذّيات بأقصى قدر ممكن من الكفاءة من حيث الكلفة عن طريق الأغذية من قبيل اللحوم ومنتجات الألبان التي تتجاوز كلفتها كلفة الأغذية المغذية بقدر أقل مثل الأغذية الأساسية النشوية.
وفي غانا، تبلغ كلفة نمط غذائي ملائم من حيث المغذّيات لفتاة مراهقة ثلاثة أضعاف كلفة النمط الغذائي نفسه لفتى في العمر ذاته ومرّتين أكثر من كلفة نمط غذائي ملائم من حيث المغذّيات لرجل بالغ. وترتفع الاحتياجات التغذوية للفتاة، وبالتالي كلفة النمط الغذائي، إذا حدث أن حملت أو أرضعت بسبب زيادة متطلبات المتناول من المغذّيات. وخلصت التحليلات المتعلّقة بالسلفادور وجمهورية لاو الديمقراطية الشعبية إلى أن الحمل زاد في المتوسط كلفة النمط الغذائي الملائم من حيث المغذّيات بنسبة 12 في المائة لفتاة مراهقة وبنسبة 18 في المائة إذا كانت تقوم بالإرضاع.68،ا69،ا70
ويبيّن الشكل 31 حصة الطاقة الغذائية والحديد اللازمة لمختلف الفئات السكانية من إجمالي احتياجات الأسرة في بوروندي وأوغندا. وإن حصة الحديد اللازمة للفتيات المراهقات والنساء الحوامل أو المرضعات أعلى من حصة الطاقة، في حين أنها أدنى بالنسبة إلى الأطفال الذين يرضعون والرجال البالغين والأطفال في سن الدراسة. ويميل نصيب الفتيات المراهقات والنساء الحوامل أو المرضعات من كلفة النمط الغذائي الملائم من حيث المغذّيات التي تتحمّلها الأسرة إلى أن يكون أعلى من نصيبهن من الطاقة، ولكن تُظهر البيانات وجود اختلافات في هذا المجال لأن الأمر يتوقف على كلفة الأغذية المحلية التي تحتوي على المغذّيات التي تشتد الحاجة إليهاث. ومن المرجح أن يكون هذا الوضع أسوأ في البلدان التي لا تحصل فيها النساء والفتيات وصغار الأطفال على حصة أكبر من الأغذية المغذية لتلبية احتياجاتهم الأكبر من المغذّيات، بسبب قلّة الوعي والديناميكيات الجنسانية. وعلى الرغم من ارتفاع التكاليف، يشكل تأمين التغذية المثلى للفتيات والنساء، ولا سيما للمراهقات، عائدًا حكيمًا على الاستثمار لضمان صحتهن وصحة الأجيال المستقبلية نظرًا إلى حلقة سوء التغذية المتوارث بين الأجيال.
والمرحلة الأخرى من الحياة التي تتطلب أغذية ذات قيمة تغذوية عالية هي الفترة بين 6 و23 شهرًا. ففي هذا العمر، تكون احتياجات الأطفال من المغذّيات كبيرة للنمو ولكن ليس بإمكانهم أن يأكلوا سوى كميات صغيرة من الأغذية بسبب صغر معدتهم؛ بالتالي، فإنهم بحاجة إلى الرضاعة الطبيعية والأغذية التكميلية الغنيّة بالمغذّيات. ومع أن كلفة التغذية التكميلية لطفل يتراوح عمره بين 6 و23 شهرًا هي الأدنى في الأسرة، فإن عدد الأغذية المختارة لهذا الطفل وجودتها أعلى منها لرجل بالغ بسبب كثافة المغذّيات المطلوبة. وعلى سبيل المثال، يحتاج رضيع يتراوح عمره بين 6 و8 أشهر ويتغذى من الرضاعة الطبيعية إلى 9 أضعاف ما يستهلكه رجل بالغ من الحديد و4 أضعاف ما يستهلكه من الزنك لكل 100 كيلو سعرة حرارية من الأغذية.71
الخلاصة أن تحليل كلفة المستويات المرجعية الثلاثة لجودة الأنماط الغذائية والقدرة على تحمّلها المعروض في هذا القسم، يساعد على تحديد المناطق الجغرافية التي يجب إيلاء العناية بها ليصبح النمط الغذائي الصحي متوافرًا بكلفة ميسورة للجميع في مختلف البلدان وداخلها، بحسب الأقاليم وفئات دخل البلدان. وتسلّط الأدلة المعروضة الضوء على المجالات التي يجب أن تنخفض فيها كلفة النمط الغذائي الصحي لتكون ميسورة للجميع والمجالات التي تشتد فيها الحاجة إلى ذلك ليتمكن الأشخاص من الحصول على المزيد من الخيارات. وتبيّن الأدلة أنه يتعذّر على الكثير من الأشخاص، ولا سيما الفقراء، في كل إقليم حول العالم تحمّل كلفة الأنماط الغذائية الصحية. في الواقع، حتى النمط الغذائي الصحي الأقل كلفة ليس متوافرًا بكلفة ميسورة لأكثر من 3 مليارات شخص. وفي العديد من بلدان العالم، كلفة النمط الغذائي الصحي أعلى بكثير من خط الفقر الدولي البالغ 1.90 دولارًا أمريكيًا في اليوم من تعادل القوة الشرائية، ومن متوسط النفقات الغذائية. ولا تتوافر هذه الأنماط الغذائية بكلفة ميسورة لأكثر من 77 في المائة من السكان في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى و57 في المائة من السكان في آسيا الجنوبية، وتزداد التحديات في البلدان التي تشهد أزمات ممتدة. ويتعذّر على ما يزيد عن 1.5 مليارات شخص في العالم حتى أن يتحمّلوا كلفة نمط غذائي يوفّر لهم المستويات المطلوبة من المغذّيات الأساسية فقط.
وبالإضافة إلى الاعتراف بالتكاليف الباهظة التي تنطوي عليها الأنماط الغذائية الصحية بالنسبة إلى الكثير من سكان العالم، لا بد من فهم ما الذي يجعل هذه الأنماط الغذائية مكلفة. وتشير الأدلة إلى عدد من العوامل المختلفة التي تؤدي إلى رفع أسعار الأغذية المغذية على امتداد النظم الغذائية. وتواصل الأقسام التالية استكشاف هذه المسألة لتحديد المجالات الرئيسية للتدخلات السياساتية والتحولات في النظم الغذائية.
نجحت النظم الغذائية الحالية في إنتاج السعرات الحرارية بكلفة متدنية، الأمر الذي عزز تزايد عدد السكان وتحضّرهم وحفّز النمو الاقتصادي بشكل أعم. ولكن هذه المكاسب في الإنتاجية وتدني كلفة السعرات الحرارية لم تحسن سبل الوصول إلى الأنماط الغذائية الصحية التي تبقى مكلفة وبعيدة عن منال المليارات من الأشخاص في العالم. وتشكل مسألة كلفة الأنماط الغذائية معضلة على صعيد آخر أيضًا، وهذا أمر لا يجب التغاضي عنه.
فالنظر فقط في كلفة الأنماط الغذائية المختلفة وفي القدرة على تحمّلها كما هي الحال في القسم 2–1، يعجز عن تبيان التكاليف المستترة المتصلة بالإنتاج الحالي للأغذية واستهلاكها. ويتسم فهم هذه التكاليف بأهمية حاسمة لتحديد المقايضات وأوجه التآزر المرتبطة بتحقيق سائر أهداف التنمية المستدامة. وترتبط أهم كلفتين مستترتين بما يترتب عن نماذجنا الغذائية والنظم الغذائية الداعمة لها من آثار متصلة بالصحة (الهدف 3 من أهداف التنمية المستدامة) والمناخ (الهدف 13 من أهداف التنمية المستدامة). وتُعتبر هذه التكاليف الصحية والبيئية "مستترة" لأنها تستحق بعد مرور سنوات على الإنتاج والاستهلاك.خ
وتُعتبر الآثار الصحية المتصلة بالأنماط الغذائية المتدنية الجودة كبيرة جدًا بالنسبة إلى الكثير من الأشخاص في العالم. وبالإضافة إلى التكاليف الصحية والاجتماعية المتصلة بنقص التغذية، تشكل الأنماط الغذائية غير الصحية عامل خطر رئيسي يتسبب بالوفيات والإعاقة المرتبطة بالأمراض غير المعدية. ويمثّل ارتفاع تكاليف الرعاية الصحية المرتبطة بزيادة معدلات السمنة، اتجاهًا سائدًا في مختلف أنحاء العالم ويشكل الوزن الزائد والسمنة عاملي خطر كبيرين للإصابة بالأمراض غير المعدية. وتعزى 40.5 مليون حالة وفاة، أو 71 في المائة من الوفيات البالغ عددها 56.9 مليون في العالم في عام 2016، إلى الأمراض غير المعدية.2 والأمراض غير المعدية الرئيسية هي أمراض شرايين القلب والسرطان وداء السكري وأمراض الرئة المزمنة.
وتترتب عن أساليب إنتاج الأغذية المعتمدة حاليًا في العالم، آثار بيئية سلبية72 لها انعكاسات على المجتمع بكامله. ويظهر ذلك مثلًا في البلدان التي يكون فيها متناول الطاقة واستهلاك الأغذية الحيوانية المصدر كبيرًا جدًا وحيث قد يلزم إعادة توازن الأنماط الغذائية لزيادة محتواها من الأغذية النباتية بغية الحد من الآثار البيئية السلبية، بما في ذلك استخدام الأراضي واستخراج المياه العذبة والتدفقات البيولوجية والجغرافية والكيميائية.73
وتترجم الآثار الصحية والبيئية المترتبة عن الأنماط الغذائية غير الصحية إلى تكاليف فعلية يتحملها العديد من الأشخاص في العالم والمجتمع بكامله، مثل التكاليف الطبّية المتزايدة وتكاليف تغيّر المناخ على التوالي. وفي الوقت الراهن، لا تنعكس هذه التكاليف المترتبة عن إنتاج الأغذية واستهلاكها في سعر هذه الأغذية على الرغم من كونها نتيجة لهما. وتشكل هذه التكاليف ما يسمّيه علماء الاقتصاد عوامل خارجية سلبية ويمكنها أن تؤدي إلى إخفاقات في السوق، وإفراط في الاستهلاك، وإنتاج أغذية وأنماط غذائية غنيّة بالطاقة ومضرّة بالاستدامة البيئية. ووفقًا للنظرية الاقتصادية، يتطلب تصحيح إخفاقات السوق هذه إدماج التكاليف السابقة غير المحسوبة في سعر هذه الأغذية ليتمكن المستهلكون والمنتجون من اتخاذ قراراتهم بالاستناد إلى التكاليف الكاملة.
ومن شأن تقدير هذه التكاليف المستترة أو العوامل الخارجية المرتبطة بالنظم الغذائية تقديرًا صحيحًا أن يؤدي إلى تعديل تقييمنا بشكل كبير لما هو "ميسور الكلفة". ولإبراز أهمية هذا الأمر، يعرض هذا القسم تقديرات جديدة للقيمة الاقتصادية للآثار الصحية والمناخية المتّصلة بالخيارات الغذائية والتي لا تنعكس حاليًا في كلفة هذه الخيارات.
وبصورة خاصة، يعرض هذا القسم تقديرات جديدة للتكاليف الصحية والمرتبطة بتغيّر المناخ التي تتصل بأنماط الاستهلاك الحالي للأغذية. واستنادًا إلى هذه التقديرات، يحدد هذا القسم الآثار المترتبة عن تحوّل النماذج الغذائية إلى أنماط غذائية صحّية تراعى فيها اعتبارات الاستدامة.ذ ويمكن للسياسات الغذائية أن تسترشد بهذا التمرين لتحفيز التغيّرات نحو أنماط غذائية صحية تكون أكثر استدامة من الناحية البيئية.
وبالنظر إلى الاستهلاك العالمي الإجمالي، يؤدي إعادة توازن الاستهلاك باتجاه أنماط غذائية صحية تراعى فيها الاستدامة البيئية إلى الحد بشكل ملحوظ من العوامل الخارجية السلبية وإلى توليد أوجه التآزر لتحقيق سائر أهداف التنمية المستدامة. ولكن لا يحتاج هذا النمط العالمي إلى أن يؤدي إلى تراجع في كل بلد. فعلى المستوى الوطني، يتوقّف تأثير إعادة التوازن هذا على حالة الأمن الغذائي والتغذية في البلد، وعلى سرعة التقدم الذي تمكن هذا الأخير من تحقيقه، وعلى حجم العوامل الخارجية الصحية والبيئية. وبالنسبة إلى بعض البلدان، يمكن أن ينطوي التحوّل على مقايضات قد تدوم جوانبها السلبية لبعض الوقت. وعلى سبيل المثال، قد يكون للنمط الغذائي الحالي لطفل صغير في بلد منخفض الدخل بصمة بيئية منخفضة، ولكن قد يكون محتواه التغذوي غير ملائم. وفي هذه الحال، يتعيّن زيادة الأثر البيئي لتحقيق الأهداف التغذوية المرجوّة أولًا. والمثل الآخر هو الحاجة إلى تنويع إنتاج السلع الغذائية الصحية. وللتقليل من المقايضات غير المواتية، ينبغي إسناد الأولوية لسبل عيش المزارعين الأسريين وصغار المنتجين الذين قد يتعذّر عليهم الانتقال فورًا إلى التنويع، لا سيما في البلدان التي لا توفّر فيها النظم الغذائية الأغذية فحسب، بل تحرّك عجلة الاقتصاد الريفي أيضًا. بالتالي، يعرض هذا القسم أفكارًا لتحديد الأولويات والاستفادة إلى أقصى حد من أوجه التآزر مع تجنّب في الوقت نفسه المقايضات غير المواتية طوال عملية تحوّل النظم الغذائية.
يشمل تقدير التكاليف المستترة للنماذج الغذائية في هذا التقرير عمليات منفصلة لتقدير التكاليف الصحية والمرتبطة بتغيّر المناخ من غير النظر في العديد من التكاليف البيئية المحتملة الأخرى. ولكن يتسم النظر في التكاليف البيئية والمرتبطة بتغيّر المناخ بأهمية حاسمة في أي تحوّل في النظم الغذائية يهدف إلى توفير أنماط غذائية صحية ميسورة الكلفة تراعى فيها اعتبارات الاستدامة. وفي حين أن هاتين التكلفتين تختلفان بطبيعتهما، إذ تؤثر إحداهما مباشرة على بعض الأشخاص فقط (التكاليف الصحية) فيما تؤثر الأخرى على العالم بأسره، يتم تقييمهما معًا هنا لفهم كامل الأثر المترتب عنهما على نظم إنتاج الأغذية الحالية والمستقبلية.
ولقد تم تقدير الكلفتين المستترتين لخمسة نماذج غذائية مختلفة: نمط غذائي أساسي أو مرجعي واحد يمثّل الأنماط الحالية لاستهلاك الأغذية وأربعة نماذج أنماط غذائية صحية بديلة تراعي اعتبارات الاستدامة.ض وتختلف الأنماط الغذائية الصحية البديلة الأربعة التي جرى تحليلها هنا عن النمط الغذائي الصحي الذي جرى تحليله في القسم 2–1 في كونها مصممة على النحو الأمثل لتحقيق الصحة وتشمل أيضًا اعتبارات الاستدامة البيئية. ولتقدير التكاليف الصحية، تم جمع التقديرات المحدّثة لعبء الصحة المترتب عن المخاطر الغذائية (المرتبطة بمساهمتها في الأمراض غير المعدية المتصلة بالنظام الغذائي) مع تقديرات كلفة المرض. ولتقدير التكاليف المرتبطة بتغيّر المناخ، تم جمع التقديرات المتعلّقة باستهلاك الأغذية مع البصمات المحدّثة لانبعاثات غازات الدفيئة والتقديرات المتعلّقة بتكاليف الأضرار المناخية المترتبة عن هذه الانبعاثات، على النحو المعبّر عنها في الكلفة الاجتماعية للكربون. بالتالي، لا يؤخذ عدد من التكاليف البيئية في الحسبان. ويرد وصف موجز للأساليب المتبعة والبيانات الأساسية المستخدمة في هذا التقدير في الإطار 14 ووصف شامل للبيانات والمنهجية في الملحق 7.
يرتبط التحديد الكمّي للتكاليف الصحية والبيئية بتحوّل في الأنماط الغذائية من أنماط الاستهلاك الوطني المتوسط للأغذية إلى أنماط غذائية صحية تراعى فيها اعتبارات الاستدامة. ولتحديد التكاليف الصحية، تم استخدام أسلوب للصحة خاص بكل إقليم ويغطي عوامل الخطر المتعلقة بالنمط الغذائي والوزن. ولتحديد التكاليف البيئية، تم استخدام أساليب حساب الانبعاثات والتقدير الاقتصادي.
البيانات الأساسية والأنماط الغذائية الصحيةالبديلة الأربعة
بالنسبة إلى النمط الغذائي المرجعي، أُخذت التقديرات المتعلقة بتوافر الأغذية في عام 2010 من مجموعة بيانات منسّقة عن ميزانيات الأغذية الخاصة بمنظمة الأغذية والزراعة والتي تشمل سلسلة كاملة من 16 سلعة غذائية. وتُستخدم التقديرات بشأن توافر الأغذية كبديل للاستهلاك الوطني المتوسط للأغذية بعد تطبيق البيانات الإقليمية بشأن الفاقد من الأغذية على مستوى الاستهلاك وعوامل التحويل إلى مادة صالحة للأكل (أنظر الملحق 7). ويستند التحليل إلى تقديرات بشأن الاستهلاك الوطني المتوسط للأغذية في السنة المرجعية 2010 وإلى الاستهلاك المستقبلي للأغذية المتوقع في عام 2030 والذي يتم تقديره بالنظر إلى التغيّرات المتوقعة في الدخل وعدد السكان والأفضليات الغذائية.75 وفي هذا التحليل، يشار إلى الاستهلاك الوطني المتوسط للأغذية على أنه النمط الغذائي المرجعي أو النماذج الحالية لاستهلاك الأغذية في نتائج التقارير.
وانطلاقًا من التقديرات بشأن توافر الأغذية، تم استخدام النموذج الدولي لتحليل السياسات المتعلقة بالسلع الأساسية الزراعية74 لمحاكاة النمط الغذائي المرجعي والأنماط الغذائية الصحية البديلة الأربعة التي تراعى فيها اعتبارات الاستدامة في 157 بلدًا في عام 2030. وتم وضع التوقعات أيضًا لعام 2050 من أجل إجراء تحليل الحساسية. وفي النموذج الدولي لتحليل السياسات المتعلقة بالسلع الأساسية الزراعية، تُحدد أسعار السلع الأساسية الإقليمية داخليًا من خلال شروط المبادلة السوقية التي تأخذ في الحسبان التغيّرات في الأسعار العالمية والسياسات التجارية والتكاليف والتدابير الداعمة للمنتجين والمستهلكين في الأسواق الوطنية. واستندت أسعار السلع الأساسية في السنة المرجعية إلى بيانات مستمدة من قاعدة بيانات الوصول إلى الأسواق الزراعية التابعة لمنظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي،77،76 وتم اعتماد التقديرات بشأن التعريفات الجمركية على الصادرات والواردات من مشروع تحليل التجارة العالمية.78
وتم تصميم الأنماط الغذائية الصحية البديلة الأربعة من جانب لجنة EAT-Lancet المعنية بالأنماط الغذائية الصحية المتأتية من النظم الغذائية المستدامة بالاستناد إلى استعراض شامل للأدبيات بشأن الغذاء الصحي واستدامة النظم الغذائية:79 نمط غذائي نباتي مرن يحتوي على كميات صغيرة إلى معتدلة من الأغذية الحيوانية المصدر؛ ونمط غذائي نباتي سمكي يتضمن كميات معتدلة من الأسماك ولكنه يخلو من أي أنواع أخرى من اللحوم؛ ونمط غذائي نباتي يحتوي على كميات معتدلة من منتجات الألبان والبيض ولكنه يخلو من الأسماك أو أي أنواع أخرى من اللحوم؛ ونمط غذائي نباتي تام يقوم على مجموعة متنوعة من الفاكهة والخضار والحبوب الكاملة ومصادر البروتينات النباتية مثل البقوليات والمكسرات. وتتماشى هذه الأنماط الغذائية مع الأنماط الغذائية المرصودة.82،81،80 أنظر الملحق 7 للاطلاع على وصف كامل لهذه الأنماط الغذائية.
الأساليب المتبعة لتقدير التكاليف الصحية
لتقدير التكاليف الصحية، تم أولًا حساب نسبة الوفيات وحالات الإصابة بالمرض الناجمة عن عوامل الخطر المرتبطة بالأنماط الغذائية والوزن، مع التركيز على الأمراض غير المعدية. وهذه هي النسب التي يمكن تجنّبها إذا تغيّر التعرّض للخطر من أنماط الاستهلاك الحالي للأغذية إلى أي من الأنماط الغذائية الصحية البديلة الأربعة. وتم حساب التغيّرات في الوفيات على المستوى الإقليمي عبر ضرب هذه النسب بمعدل الوفيات الخاص بكل إقليم ومرض وعمر وبعدد السكان. ولقياس عبء الصحة الناجم عن الأنماط الغذائية، تم اتباع الأساليب التي طوّرها مشروع "العبء العالمي للأمراض" باستخدام إطار للتقييم المقارن للمخاطر المرتبطة بالأنماط الغذائية والوزن.83 وشمل التقييم مؤشرات لقياس أربعة أمراض: مرض القلب التاجي والسكتة الدماغية وداء السكري من النوع الثاني والسرطان (الحالات المجمّعة والحالات الخاصة بكل موقع مثل سرطان الكولون والمستقيم)80 بما يتماشى مع التقديرات المتوافرة بشأن كلفة المرض.84 وشملت عوامل الخطر سبعة مخاطر متعلّقة بالنمط الغذائي: انخفاض المتناول من الفاكهة، والخضار، والبقوليات، وأصناف الجوز والحبوب الكاملة، وارتفاع المتناول من اللحوم الحمراء والمجهّزة. وشملت عوامل الخطر أيضًا ثلاثة مخاطر مرتبطة بالوزن: نقص الوزن، والوزن الزائد، والسمنة. وتجدر الإشارة إلى أن ارتفاع متناول الصوديوم ليس مشمولًا ضمن عوامل الخطر في هذا التحليل. وعلى الرغم من أن تقديرات التكاليف تتضمن أيضًا في الحالة المثلى التكاليف المرتبطة بالآثار الصحية المترتبة عن نقص التغذية، من حيث الوفيات وفقدان الإنتاجية على السواء، لم تُشمل هذه التقديرات بسبب عدم توافر البيانات بشأنها. ولهذا السبب، فإنه من المرجّح أن يكون قد أسيء تقدير التكاليف.
ولتحديد كلفة الآثار الصحية، تم اتباع نهج كلفة المرض. ولتقدير التكاليف الصحية للأنماط الغذائية، تم تجميع التقديرات المتعلّقة بحالات الوفاة التي تعزى إلى أسباب محددة والمستمدة من التقييم المقارن للمخاطر مع تقديرات كلفة المرض. وتشمل هذه التقديرات الأخيرة التكاليف المباشرة (مثل التكاليف الطبيّة وتكاليف الرعاية الصحية) وغير المباشرة (تكاليف الرعاية غير الرسمية وأيام العمل الضائعة) المتصلة بمرض محدد.1
الأساليب المتبعة لتقدير التكاليف المرتبطة بتغيّر المناخ
لتقدير التكاليف المرتبطة بتغيّر المناخ والمترتبة عن الأنماط الغذائية، تم حساب انبعاثات غازات الدفيئة المتصلة باستهلاك الأغذية ومن ثم جمعها مع تقديرات التكاليف المترتبة عن الأضرار المناخية. ولحساب انبعاثات غازات الدفيئة، تم اعتماد مجموعة من العوامل المحددة للانبعاثات مستمدة من تقييمات دورة الحياة، بما في ذلك تقييم عالمي لدورة الحياة يشمل تفاصيل إقليمية تغطي المنتجات الحيوانية أجرته منظمة الأغذية والزراعة،85 وتحليل تجميعي شامل لتقييمات دورة الحياة الخاصة بمنتجات غذائية أخرى.86 وشملت التقييمات جميع الانبعاثات (ثاني أكسيد الكربون، والميثان، وأكسيد النيتروز) ومصادرها الرئيسية على طول سلسلة الإمدادات الغذائية من بوابة المزرعة إلى نقطة البيع بالتجزئة: الإنتاج، والتجهيز، والنقل، بما في ذلك التجارة الدولية، فضلًا عن استخدام الأراضي وإنتاج العلف بالنسبة إلى المنتجات الحيوانية. وفي ما يتعلّق بالأسماك والأغذية البحرية، تم التمييز87 بين إنتاج الأسماك المتأتية من الصيد البري وإنتاج الأسماك المستزرعة وجمعهما مع بصمة الانبعاثات ذات الصلة.89،88 وتم حساب التحسينات في كثافة الانبعاثات الناجمة عن الأغذية مع مرور الوقت عبر إدماج قدرة التغيّرات المنطلقة من القاعدة في ممارسات الإدارة والتكنولوجيات والمستمدة من منحنيات تكاليف الانحسار الهامشية، على التخفيف من الأثر بما يتماشى مع التقييمات السابقة. وأخيرًا، لتحويل انبعاثات غازات الدفيئة إلى مبلغ نقدي، تم استخدام التقديرات بشأن التكاليف الاجتماعية للكربون ما يمثلّ التكاليف الاقتصادية المترتبة عن طن إضافي من انبعاثات غازات الدفيئة. وبصورة خاصة، تأتي التقديرات من نسخة منقحة بالكامل للنموذج الإقليمي المتكامل للمناخ والاقتصاد وتتعلّق بسيناريو يحد من ارتفاع درجة الحرارة المستقبلية فوق 2.5 درجات (حدود درجات الحرارة محسوبة على مدى 100 عام) بما يتماشى مع أهداف السياسات.91،90،73
وبالنسبة إلى السنوات القادمة، بحسب التقرير التحسينات في كثافة الانبعاثات الناجمة عن الأغذية مع مرور الوقت عبر إدماج قدرة التغيّرات المنطلقة من القاعدة في ممارسات الإدارة والتكنولوجيات والمستمدة من منحنيات تكاليف الانحسار الهامشية،90 على التخفيف من الأثر بما يتماشى مع التقييمات السابقة.80 وشملت خيارات التخفيف من الأثر التغيّرات في الري والزراعة والتسميد التي تحد من انبعاثات الميثان وأكسيد النيتروز المتأتية من الأرزّ وغيره من المحاصيل، والتغيّرات في إدارة الروث وتحويل العلف والمواد المضافة إلى الأعلاف التي تحد من التخمّر المعوي لدى الماشية. وتماشيًا مع الالتزامات التي قُطعت في إطار أهداف التنمية المستدامة، شمل هذا التقرير أيضًا خفضًا للفاقد والمهدر من الأغذية بمقدار النصف بحلول عام 2030 في مسارات التنمية. ولتحويل انبعاثات غازات الدفيئة إلى مبلغ نقدي، استخدم هذا التقرير التقديرات بشأن التكاليف الاجتماعية للكربون ما يمثلّ التكاليف الاقتصادية المترتبة عن طن إضافي من انبعاثات غازات الدفيئة.
أنظر الملحق 7 للاطلاع على قائمة كاملة بالمراجع وتفاصيل إضافية بشأن المنهجية المتّبعة ومصادر البيانات.
ولأغراض التحليل، يركّز هذا التقرير على عبء الصحة وتغيّر المناخ المتوقع في عام 2030 باعتباره إطارًا زمنيًا ملائما من الناحية السياسية في ضوء السنة المستهدفة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، وبصورة خاصة مقاصد الهدف 2 من أهداف التنمية المستدامة المتعلّقة بالقضاء على الجوع وانعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية بجميع أشكاله.غ
ويستند تحليل تقدير التكاليف الصحية والمرتبطة بتغيّر المناخ إلى التقديرات بشأن الاستهلاك الحالي والمستقبلي للأغذية وإلى سيناريوهات الاستهلاك البديلة الأربعة التي تم وضعها باعتبارها سيناريوهات صحية ومراعية لاعتبارات الاستدامة. ويقدَّر الطلب الحالي على الأغذية، الذي يطلق عليه "النمط الغذائي المرجعي" في التحليل الوارد أدناه، بالاستناد إلى مجموعة منسّقة من البيانات المتعلّقة بتقديرات توافر الأغذية الموضوعة من جانب منظمة الأغذية والزراعة. ويتم تقدير الطلب المستقبلي على الأغذية من خلال النظر في التغيّرات المتوقعة في الدخل وعدد السكان والأفضليات الغذائية.74 ويمكن مقارنة التوقعات بشأن الطلب على الأغذية بتقديرات أخرى.75
ويتم تحليل أربعة نماذج أنماط غذائية صحية بديلة على النحو الآتي: نمط غذائي نباتي مرن بالأساس يحتوي على كميات صغيرة إلى معتدلة من الأغذية الحيوانية المصدر؛ ونمط غذائي نباتي سمكي يقوم على تربية الأحياء المائية المستدامة ويتضمن كميات معتدلة من الأسماك ولكنه خالٍ من أي أنواع أخرى من اللحوم؛ ونمط غذائي نباتي يحتوي على كميات معتدلة من منتجات الألبان والبيض ولكنه خالٍ من الأسماك أو أي أنواع أخرى من اللحوم؛ ونمط غذائي نباتي تام يقوم على مجموعة متنوعة من الفاكهة والخضار والحبوب الكاملة ومصادر البروتينات النباتية مثل البقوليات والمكسرات. وتُعتبر هذه الأنماط الغذائية مطابقة للتوصيات العامة الصادرة عن لجنة EAT–Lancet المعنية بالأنماط الغذائية الصحية المتأتية من النظم الغذائية المستدامة، وتراعي الأفضليات الإقليمية لصالح محاصيل أساسية وفاكهة وخضار محددة وفئات أخرى من الأغذية فضلًا عن احتياجات السكان من الطاقة (الإطار 14).
والغرض من تحديد الأنماط الغذائية البديلة الأربعة هو النظر في التكاليف المستترة التي تنطوي عليها مختلف الأنماط الغذائية الصحية الشاملة لجوانب الاستدامة البيئية، وليس في تأييد أي نموذج غذائي محدد. وليست سيناريوهات الأنماط الغذائية البديلة الأربعة سوى أمثلة ويمكن تطوير أشكال أخرى منها لإجراء تحليل مماثل للتكاليف المستترة. وفي وقت توجد فيه مجموعة من الأنماط الغذائية الصحية التي تستند إلى الخطوط التوجيهية العالمية والتي يمكن تصميمها لتشمل اعتبارات الاستدامة، لا تُعتبر كلها صحية ومناسبة لجميع المجموعات السكانية. ويمكن للأنماط الغذائية النباتية الصرف أن تنطوي بصورة خاصة على مخاطر كبيرة من حيث نقص المغذّيات.ظ وقد تكون هذه هي الحال في السياقات التي تتسم بتدني الجودة الغذائية العامة: مثلًا حيث لا يمكن توفير المغذّيات الدقيقة بسهولة أو إدارتها عن طريق وفرة من الأغذية النباتية الغنية بالمغذّيات؛ أو في حالة صغار الأطفال والنساء الحوامل والمرضعات اللواتي يحتجن إلى كميات أكبر من المغذّيات؛ أو حيث يعاني السكان بالفعل من نقص في المغذّيات.93،ا94
كما هو مبيّن في القسم 1–3 من هذا التقرير، يوفّر النمط الغذائي الصحي السعرات الحرارية والمغذّيات الكافية ويشتمل على متناول متوازن ومتنوع من الأغذية التي تنتمي إلى مجموعات غذائية مختلفة والتي يتم تناولها خلال فترة من الزمن. ويرمي هذا النمط الغذائي إلى تلبية جميع متطلبات كفاية المغذّيات وإلى المساعدة على الوقاية من سوء التغذية بجميع أشكاله ومن الأمراض غير المعدية. وتشكل الأنماط الغذائية المتدنية الجودة عاملًا أساسيًا يساهم في الأعباء المتعددة لسوء التغذية، مثل التقزم والهزال والنقص في المغذّيات الدقيقة والوزن الزائد والسمنة. ويُعد نقص التغذية في المراحل الأولى من الحياة والوزن الزائد والسمنة عوامل خطر مهمة للإصابة بالأمراض غير المعدية.95
وإن تقدير التكاليف الصحية المرتبطة بتدني جودة الأنماط الغذائية، بما في ذلك الأعباء المتعددة لسوء التغذية والأمراض غير المعدية ذات الصلة، أمر محفوف بالتحديات المتصلة بتوافر البيانات والطابع المعقد للنتائج المترابطة. ويتمثل أحد أكبر التحديات في الافتقار إلى البيانات بشأن التكاليف المرتبطة بالآثار الصحية لنقص التغذية، من حيث الوفيات وفقدان الإنتاجية على السواء. وهناك عدد قليل من دراسات الحالة التي تتناول تقديرات التكاليف المترتبة عن نقص التغذية.96،ا97 وعلى سبيل المثال، يُتوقع أن يؤدي نقص التغذية إلى خفض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة تصل إلى 11 في المائة في أفريقيا وآسيا بحلول عام 2050.ا98 وحتى الآن، لا يوجد سوى القليل من التقديرات العالمية. ولكن قلّة البيانات الشاملة القابلة للمقارنة تمنع جهود النمذجة العالمية من التقاط التأثير الكامل للأنماط الغذائية على نقص التغذية، بما يشمل الأطفال والمراهقين.أأ
وحتى إذا تم أخذ السمنة وحدها في الحسبان، تتباين التكاليف الاقتصادية المقدّرة في الدراسات القائمة تباينًا ملحوظًا بسبب اختلاف المنهجيات المتبعة لتقدير التكاليف المباشرة وغير المباشرة.95،ا99 وعلى سبيل المثال، تتراوح التقديرات المتعلّقة بإجمالي التكاليف السنوية في الولايات المتحدة الأمريكية بين 89 و212 مليار دولار أمريكي؛ وتشير التقديرات إلى أن هذه التكاليف تمثّل في الصين 3.6 و8.7 في المائة من الناتج القومي الإجمالي في عامي 2020 و2025 على التوالي؛ وفي البرازيل، من المتوقع أن تزيد تكاليف الرعاية الصحية المرتبطة بالسمنة بمقدار الضعف من 5.8 مليار دولار أمريكي في عام 2010 إلى 10.1 مليار دولار أمريكي في عام 2050.
وهناك أيضًا بيانات قليلة عن تكاليف الرعاية الصحية وتأثير السمنة والوزن الزائد على الإنتاجية والإعاقة ذلك أنه نادرًا ما تمت دراستهما في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل على الرغم من أن أكثر من 70 في المائة من مجموع الأشخاص الذين يعانون من السمنة أو الوزن الزائد في العالم يعيشون في هذه السياقات. وتفيد الدراسة التي استُشهد بها على نطاق واسع في عام 2014 بأن من المتوقع أن تكلّف السمنة ترليوني (2) دولار أمريكي سنويًا بحلول عام 2050، ويعزى ذلك إلى حد كبير إلى قيمة الإنتاجية الاقتصادية المفقودة وتكاليف الرعاية الصحية المباشرة.100
ولا يرتبط تقدير الآثار الاقتصادية المترتبة عن الأنماط الغذائية المتدنية الجودة بمعدل الوفيات وتكاليف الرعاية الصحية والتكاليف الطبية المباشرة المتصلة بعلاج مرض محدد فحسب، بل يشمل أيضًا التكاليف غير المباشرة. ويمكن لهذه الأخيرة أن تكون باهظة حيث تمثّل ما يصل إلى 60 في المائة من إجمالي التكاليف المترتبة عن المعاناة من الوزن الزائد أو السمنة.101 وتشمل هذه التكاليف مثلًا تراجع المستوى التعليمي، وانخفاض الدخل مدى العمر، وتكاليف الرعاية غير الرسمية، وفقدان الإنتاجية، وزيادة الإعاقة، وفقدان أيام العمل.
وعلى الرغم من هذه التحديات، يوفّر تقدير الآثار الصحية المترتبة عن الأمراض المتصلة بالنمط الغذائي، ولا سيما الأمراض غير المعدية، مؤشرًا مفيدًا على مستوى هذه الآثار. ويعرض هذا التقرير تحليلًا مقارنًا للمنافع الصحية للتغيّرات العالمية في الأنماط الغذائية في جميع الأقاليم الرئيسية في العالم وبحسب فئات دخل البلدان. ويجمع تحليل التكاليف المستترة أو العوامل الخارجية المرتبطة بالأثر الصحي للأنماط الغذائية، بين معيارين هما: العدد التقديري للوفيات من جرّاء أربعة أمراض غير معدية محددة (أمراض شرايين القلب والسكتة الدماغية والسرطان وداء السكري من النوع الثاني) والتكاليف الصحية المقدّرة المتصلة بهذه الأمراض. ونظرًا إلى قلّة البيانات، ترتبط التكاليف غير المباشرة المشمولة في التحليل الوارد في هذا التقرير بفقدان الإنتاجية/أيام العمل وبتكاليف الرعاية غير الرسمية فقط.
وكما ذُكر أعلاه، يجب أن تشمل تقديرات التكاليف في الحالة المثلى التكاليف المرتبطة بالأثر الصحي لنقص التغذية، من حيث الوفيات وفقدان الإنتاجية نتيجة للأنماط الغذائية غير المغذية بالقدر الكافي. ولكن لا تتوافر البيانات عن هذه التقديرات. بالتالي، فإنه من المرجّح أن يكون قد أسيء تقدير التكاليف الصحية المعروضة هنا. ولكن على الرغم من قلّة هذه البيانات، يوفّر التحليل الحالي معلومات مهمة عن التكاليف والمنافع الصحية لاستهلاك أنماط غذائية صحية.
يترافق التحوّل إلى الأنماط الغذائية الصحية الذي لا يقتصر على الحد من استهلاك الأغذية الكثيفة الطاقة ذات القيمة التغذوية المحدودة بل يشمل أيضًا زيادة تنوّع الأغذية المغذّية، مع تراجع ملحوظ في معدل الوفيات. وتلاحَظ هذه النتيجة في سيناريوهات الأنماط الغذائية الصحية الأربعة عند النظر في متوسط التقديرات المتعلّقة بعدد الوفيات المتجنّبة في عام 2030 مقارنة بالسيناريو المرجعي للأنماط الحالية للاستهلاك الوطني المتوسط للأغذية (الشكل 32). وعلى المستوى العالمي مثلًا، سيؤدي اعتماد النمط الغذائي النباتي المرن إلى تجنّب 12.7 مليون حالة وفاة في المتوسط مع تراوح العدد بين 7 ملايين حالة كحد أدنى و18.3 مليون حالة كحد أقصى. ومن المتوقع أن يكون عدد الوفيات المتجنّبة بفضل الأنماط الغذائية الثلاثة الأخرى، أعلى: 13.2 مليون حالة وفاة في المتوسط (7.5–18.9) للنمط الغذائي النباتي السمكي، و12.9 مليون حالة (7.3–18.6) للنمط الغذائي النباتي، و13.6 مليون حالة (7.9–19.4) للنمط الغذائي النباتي التام (الشكل 32).
وبالابتعاد عن المتوسطات العالمية، تبرز فوارق مهمة في المنافع الصحية بين مختلف الأقاليم وفئات دخل البلدان. وستحقق البلدان المتوسطة الدخل التي تمثّل 69 في المائة من سكان العالم في عام 2030، المكاسب الأهم من حيث تراجع معدل الوفيات عبر التحوّل إلى أي من سيناريوهات الأنماط الغذائية البديلة الأربعة. وسيتم تجنّب ما بين 73 و75 في المائة من الوفيات في العالم على نطاق الأنماط الغذائية الأربعة، في البلدان المتوسطة الدخل. وبصورة خاصة، ستسجّل النسبة الأعلى من الوفيات المتجنّبة (ما بين 54 و56 في المائة) في البلدان المتوسطة الدخل من الشريحة الدنيا تليها البلدان المتوسطة الدخل من الشريحة العليا (ما بين 19 و20 في المائة)، والبلدان المرتفعة الدخل (ما بين 17 و19 في المائة)، والبلدان المنخفضة الدخل (8 في المائة) التي سيبلغ انخفاض معدل الوفيات فيها النسبة نفسها مع الأنماط الغذائية الأربعة. وتعزى النسب المتدنية المسجّلة في البلدان المنخفضة الدخل إلى كون معدل الوفيات مقاس فقط من حيث الأمراض غير المعدية التي تشكل سببًا رئيسيًا للوفيات في البلدان المرتفعة الدخل. وفي البلدان المنخفضة الدخل، ترتبط الأسباب الرئيسية للوفيات بالأشكال المتعددة للأمراض المعدية والأمراض التي تصيب الأمّ وحديثي الولادة وبنقص التغذية. ومن بين البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل، تسجّل أعلى نسبة من المنافع الصحية المتمثلة في تجنّب الوفيات نتيجة اعتماد أي من سيناريوهات الأنماط الغذائية الأربعة، والتي تتراوح بين 22 و23 في المائة، في بلدان جنوب شرق آسيا.
وعلى أساس الفرد الواحد، ومع مراعاة مجموع عدد السكان في كل فئة من فئات دخل البلدان، فإنه من المتوقع أن تبلغ نسبة الوفيات المتجنّبة للفرد الواحد في البلدان المتوسطة الدخل من الشريحة العليا 36 في المائة. ويلي ذلك نسبة 30 في المائة في البلدان المرتفعة الدخل، و23 في المائة في البلدان المتوسطة الدخل من الشريحة الدنيا، و11 في المائة في البلدان المنخفضة الدخل.
ويتم الحصول على المزيد من الإيضاحات عبر النظر في مساهمة عوامل الخطر المرتبطة بالوزن (السمنة، والوزن الزائد، ونقص الوزن) وعوامل الخطر المرتبطة بالنمط الغذائي (بحسب المجموعات الغذائية) في إجمالي الوفيات المتجنّبة. ويبيّن ذلك أنه في سيناريوهات الأنماط الغذائية الأربعة، تعزى معظم الوفيات التي يمكن تجنّبها (68 في المائة في المتوسط) إلى أوجه عدم التوازن في التركيبة الغذائية. وتعزى النسبة المتبقية من الوفيات المتجنّبة والتي تبلغ 32 في المائة إلى مستويات الاختلال في الوزن (أنظر الجدول ألف8–1 في الملحق 8).
ويتوقع، على افتراض أن الأنماط الحالية لاستهلاك الأغذية تراعي التغيّرات المرتقبة في الدخل والسكان وفقًا للسيناريو المرجعي، أن تبلغ التكاليف الصحية 1.3 ترليون دولار أمريكي في المتوسط في عام 2030 (الشكل 33). وإن أكثر من نصف هذه التكاليف (57 في المائة) هي تكاليف خاصة بالرعاية الصحية المباشرة لأنها تتصل بالإنفاق على علاج مختلف الأمراض المرتبطة بالنمط الغذائي. أما الجزء الآخر (43 في المائة)، فيمثّل التكاليف غير المباشرة، بما فيها الخسائر المتكبّدة في إنتاجية العمالة (11 في المائة) والرعاية غير الرسمية (32 في المائة).
ويتأثر مستوى التكاليف الإجمالية في مختلف فئات دخل البلدان (الشكل ألف8–1 في الملحق 8) بالمستوى العام للإنفاق على الرعاية الصحية (تكاليف الرعاية الصحية هي الأعلى في البلدان المرتفعة الدخل) وبعدد السكان (تضم البلدان المتوسطة الدخل النسبة الأكبر من سكان العالم والتي تقدّر عند 76 في المائة). بالتالي، تسجّل التكاليف الأعلى في البلدان المرتفعة الدخل (637 مليار دولار أمريكي) تليها البلدان المتوسطة الدخل من الشريحة الدنيا (415 مليار دولار أمريكي) والبلدان المتوسطة الدخل من الشريحة العليا (252 مليار دولار أمريكي) والبلدان المنخفضة الدخل (17 مليار دولار أمريكي).
وفي حال تم، عوضًا عن ذلك، اعتماد أي من الأنماط الغذائية البديلة الأربعة المستخدمة في التحليلات (نمط غذائي نباتي مرن، ونمط غذائي نباتي سمكي، ونمط غذائي نباتي، ونمط غذائي نباتي تام)، تتراجع التكاليف الصحية المرتبطة بالنمط الغذائي تراجعًا كبيرًا بمبلغ يتراوح بين 1.2 و1.3 ترليون دولار أمريكي، وهو ما يمثّل تراجعًا نسبته 95 في المائة في المتوسط من الإنفاق على الصحة المرتبط بالنمط الغذائي في مختلف أرجاء العالم مقارنة بالسيناريو المرجعي في عام 2030 (الشكل 34).
وعلى الرغم من أن معظم الوفيات التي يمكن تجنّبها تحدث في البلدان المتوسطة الدخل (أكثر من ضعف الوفيات في البلدان المرتفعة الدخل)، ستسجّل نسبة 49 في المائة من وفورات التكاليف في المتوسط في البلدان المرتفعة الدخل بسبب الإنفاق الأعلى على الصحة فيها.
ولن تستفيد البلدان المتوسطة الدخل من الشريحة الدنيا من العدد الأكبر من الوفيات المتجنّبة وحسب، بل ستكون وفورات التكاليف فيها أيضًا كبيرة جدًا بحيث تحلّ في المرتبة الثانية بعد البلدان المرتفعة الدخل. والأهم من ذلك أن هذه الوفورات في التكاليف في البلدان المتوسطة الدخل من الشريحة الدنيا تنبع بشكل أساسي من الوفورات المحققة في التكاليف غير المباشرة التي تشمل تجنّب فقدان الإنتاجية وأيام العمل، وهو ما يمكنه أن يؤدي إلى آثار إيجابية تترتب في مرحلة ثانية على سبل المعيشة والنمو الاقتصادي بشكل عام.
لا تنطوي الخيارات التي يقوم بها الناس بشأن ما يأكلونه وكيفية إنتاجه على آثار تنال من صحتهم فحسب، بل يترتب عنها أيضًا تداعيات مهمة تطال حالة البيئة وتغيّر المناخ. وتركّز معظم عمليات تقدير الآثار البيئية العالمية والمشتركة بين البلدان على انبعاثات غازات الدفيئة لأن قلّة البيانات تعيق المقارنات العالمية بين البلدان في ما يخص الآثار البيئية المهمة الأخرى المتعلّقة باستخدام الأراضي والطاقة والمياه.
وخلال فترة 2007–2016، كان النظام الغذائي الذي ترتكز عليه الأنماط الحالية لاستهلاك الأغذية في العالم مسؤولًا عن نسبة تتراوح بين 21 و37 في المائة من إجمالي انبعاثات غازات الدفيئة البشرية المنشأ (أي الناجمة عن أنشطة الإنسان)، وهو ما يدل على أنها أحد الدوافع الرئيسية الكامنة وراء تغير المناخ حتى من دون أخذ الآثار البيئية الأخرى بالاعتبار.102 بب ويشمل هذا التقدير الانبعاثات التي تتراوح نسبتها بين 10 و12 في المائة نتيجة الأنشطة الخاصة بالمحاصيل والثروة الحيوانية عند بوابة المزرعة؛ وبين 8 و10 في المائة نتيجة استخدام الأراضي والتغيّر فيه، بما في ذلك إزالة الغابات وتدهور المستنقعات العشبية؛ وبين 5 و10 في المائة نتيجة أنشطة سلسلة الإمداد، بما في ذلك انبعاثات غازات الدفيئة من الفاقد والمهدر من الأغذية.
ومن المتوقع أن تستمر الزيادة في انبعاثات غازات الدفيئة وغيرها من الآثار البيئية في ظل أنماط استهلاك الأغذية والنظم الغذائية الحالية. وتقدّر منظمة الأغذية والزراعة أن العالم سيحتاج إلى زيادة إنتاجه من الأغذية بنسبة 50 في المائة بحلول عام 2050 لإطعام سكان العالم الذين يتزايد عددهم، مع افتراض عدم حدوث أي تغيّرات في الفاقد والمهدر من الأغذية.103 وإذا بقيت النماذج والنظم الغذائية الحالية على حالها، ستحدث زيادات ملحوظة في انبعاثات غازات الدفيئة والآثار البيئية الأخرى، بما في ذلك فقدان التنوع البيولوجي وتدهور التربة والتلوّث واستخدام المياه.
وتشير دراسات عديدة إلى أنه يمكن للتحوّلات في الأنماط الغذائية أن تحدّ بشكل ملحوظ من انبعاثات غازات الدفيئة. ويمكن لوضع أهداف غذائية وتغذوية بدون مراعاة للبيئة أن يزيد في بعض الحالات من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري.136 وعلى سبيل المثال، تؤكد عدة دراسات أنه إذا بقيت الاتجاهات السائدة حاليًا في الأنماط الغذائية على حالها، فن ذلك يمكن أن يؤدي إلى مستوى كبير من الانبعاثات المناخية الناجمة عن الزراعة بمقدار 20 جيغا طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون في السنة بحلول عام 2050.أ73،ا84،ا104،ا105،ا106،ا107،ا108 وتخلص بعض الدراسات إلى نتائج متناقضة ولكنها تركّز على مكوّن واحد أو أكثر من مكوّنات الأنماط الغذائية الصحية من الاختيار الذاتي (الأنماط الغذائية التي يختارها المستهلكون بحرّية). واستنتجت إحدى الدراسات أن الأنماط الغذائية التي جرى تحليلها والتي تنتج أقل قدر من الانبعاثات تحتوي على كمية قليلة من اللحوم وكمية أكبر من الزيوت والحبوب المكررة والسكر المضاف.109
ولقد شددت تحليلات حديثة على أن تراجع استهلاك اللحوم ومنتجات الألبان في العديد من الأنماط الغذائية لن يعود بمنافع صحية على العديد من البلدان فحسب، بل بمنافع بيئية كبيرة أيضًا. ولقد أظهرت التحليلات أنه من شأن تراجع الاستهلاك العالمي من اللحوم والتغيّرات الأخرى في الأنماط الغذائية مثلًا، تخفيف الضغوط على استخدام الأراضي84،ا86،ا110 وخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري.86،ا106،ا110،ا111 ولاحظت دراسات أخرى أنه يمكن لإعادة توازن الاستهلاك باتجاه الأنماط الغذائية الصحية أن يساعد على خفض الانبعاثات الناتجة عن النظم الغذائية111 بشكل ملحوظ، وقد يكون ضروريًا لتجنّب الآثار البيئية السلبية مثل التوسع الزراعي105 الكبير والاحترار العالمي بأكثر من درجتين مئويتين106 مع ضمان في الوقت نفسه حصول سكان العالم الذين يتزايد عددهم على الأغذية المأمونة والميسورة الكلفة.112
ويقدّم التقرير الخاص الأخير بشأن تغيّر المناخ الصادر عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيّر المناخ، دراسة معمّقة عن انبعاثات غازات الاحتباس الحراري وعلاقتها بالتخفيف من آثار تغيّر المناخ وتحقيق الأمن الغذائي، ويستنتج وجود فرص كبيرة لتحقيق الهدفين بشكل متزامن102 عبر اعتماد أنماط غذائية تتماشى مع التوصيات الغذائية القائمة على الصحة. وتستند الخطوط التوجيهية الوطنية بشأن النظم الغذائية القائمة على الأغذية من أجل غذاء صحي، إلى الخطوط التوجيهية العالمية46 وهي متشابهة إلى حد كبير في معظم البلدان. وهذه الأنماط الغذائية مقيّدة بعدد السعرات الحرارية والمتناول الكبير من الأغذية النباتية مثل الخضار والفاكهة والحبوب الكاملة والبقوليات والمكسّرات والبذور، والمتناول القليل من الدهون المتحولة والمشبّعة، كما أنها تخلو من السكر والملح. ويمكن لهذه الأنماط الغذائية أن تكون صحّية وأن تشمل أيضًا اعتبارات الاستدامة، ولكن يتطلب ذلك أخذ تغيّر المناخ والصحة في الحسبان معًا.
وتتيح الأنماط الغذائية الصحية فرصًا مهمة للحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري في بعض السياقات لأنها غنيّة بالأغذية النباتية التي ينخفض مستوى انبعاثات غازات الاحتباس الحراري منها مقارنة بالأنماط الغذائية التي يكثر فيها استهلاك اللحوم الحمراء. ولكن قد لا يشكل ذلك الخيار الأفضل في السعي إلى خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري لا سيما في السياقات التي يمكن فيها لاستهلاك اللحوم الحمراء ومنتجات الألبان أن يشكل مصدرًا قيّمًا للمغذّيات الأساسية للسكان الضعفاء، لا سيما للوقاية من نقص التغذية. وليس هناك تركيبة محددة لنمط غذائي صحي يراعي اعتبارات الاستدامة، ولكن المبادئ التوجيهية المتعلّقة بهذا النمط الغذائي هي نفسها (أنظر الإطار 5 في القسم 1–3). وينصّ أحد هذه المبادئ التوجيهية على أنه يمكن لنمط غذائي صحي أن يحتوي على أغذية حيوانية المصدر بكميات معتدلة إلى صغيرة. وبصورة خاصة، يمكن لهذا النمط الغذائي أن يحتوي على كميات معتدلة من البيض ومنتجات الألبان والدجاج والسمك وعلى كميات صغيرة من اللحوم الحمراء. ويتيح هذا المبدأ القائم على اعتبارات صحية، فرصة لتحدث البلدان التحوّل نحو الأنماط الغذائية الصحية ولتساهم في الوقت نفسه في الحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري.
ولا تشمل جميع الأنماط الغذائية الصحية جوانب خاصة بالاستدامة لأنه لا يوجد نمط غذائي صحي "واحد". وعلى سبيل المثال، تقدّم معظم الخطوط التوجيهية الوطنية بشأن النظم الغذائية القائمة على الأغذية التي تعرّف النمط الغذائي الصحي الوطني، توصيات مختلفة جدًا ولا تشمل عادةً جوانب خاصة بالاستدامة. وفي حين يرتبط بعض هذه الخطوط التوجيهية بخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، يُعتبر هذا الخفض عادةً معتدلًا. ولا تتفق معظم الخطوط التوجيهية بشأن النظم الغذائية القائمة على الأغذية مع مجموعة من الأهداف البيئية العالمية المتعلّقة بتغيّر المناخ والموارد البيئية. وليست التدابير السياساتية التي تحوّل الإنتاج والاستهلاك إلى أنماط غذائية صحية مصممة خصيصًا لمعالجة مشاكل تغيّر المناخ في العالم. ولكن تتيح الأنماط الغذائية الصحية التي تشمل جوانب خاصة بالاستدامة فرصًا مهمة لتحقيق التآزر من أجل خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري. وليست سيناريوهات الأنماط الغذائية الأربعة التي جرى تحليلها سوى أربعة من أصل العديد من السيناريوهات التي يمكن محاكاتها لتحقيق النتائج المتعلّقة بخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري.
وبكل بساطة، ليست جميع الأنماط الغذائية الصحية مستدامة وليست جميع الأنماط الغذائية المراعية للاستدامة صحية دائمًا أو ملائمة لجميع المجموعات السكانية. ولا يحظى هذا الفرق المهم بفهم جيّد كما أنه يغيب في الكثير من الأحيان عن النقاشات والمداولات الجارية بشأن مساهمة الأنماط الغذائية الصحية في الاستدامة البيئية.
ويمكن للتحوّلات في الأنماط الغذائية التي تراعى فيها اعتبارات الاستدامة أن تؤدي دورًا مهمًا باعتبارها جزءًا من استراتيجية أوسع لتعزيز الاستدامة البيئية للنظم الغذائية. وهي تشمل الحد من تأثير الأنماط الغذائية على البيئة من خلال التطورات التكنولوجية وتحسين الإنتاجية، واستخدام الأراضي والموارد الطبيعية بطريقة مستدامة ومتكاملة، وتحسين أوجه الكفاءة والابتكارات على طول سلسلة الإمدادات الغذائية، بما في ذلك تلك الرامية إلى الحد من الفاقد والمهدر من الأغذية. ويمكن للحد من تأثيرات الأنماط الغذائية على البيئة بهذه الطريقة أن يساعد على توليد حلقة حميدة أو على تكرار أحداث يكون لكل واحد منها أثر إيجابي على التالي ذلك أن جميع التحسينات تساهم في تقليل التكاليف البيئية لإنتاج الأغذية المغذّية. ويتم توضيح ذلك في القسم التالي.
وعلى الرغم من أن ذلك يخرج عن نطاق هذا التقرير، هناك وفرة من المعارف التكنولوجية والممارسات التي يمكنها أن توجّه مجموعة من النُهج الرامية إلى زيادة الاستدامة البيئية للنظم الغذائية.113 وأحد الأمثلة على ذلك هو ممارسات الإدارة المستدامة للأراضي التي لا تستلزم تغييرًا في وجهة استخدام الأراضي والتي لا تولّد الطلب على تحويل المزيد من الأراضي، وتشمل الإدارة المستدامة لإنتاج الأراضي الزراعية والرعوية والثروة الحيوانية والغابات ومصايد الأسماك وتربية الأحياء المائية.102 والمثل الآخر هو النظم المتكاملة للإنتاج الزراعي التي تستخدم ممارسات الزراعة الذكية مناخيًا الفعالة مثل النظم المتكاملة للأرزّ وتربية الأسماك والنظم المتكاملة للمحاصيل والثروة الحيوانية.114 وتتسم معالجة مساهمة الإنتاج الحيواني في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بأهمية حاسمة ولكن هناك العديد من العمليات المستدامة لتعزيز الكفاءة التي يمكن تكييفها وتطبيقها في مختلف نظم الإنتاج الحيواني المتنوعة (مثل تعزيز استخدام المنتجات الثانوية والمهدر كعلف للحيوانات وإعادة تدوير الروث لتوليد الطاقة والمغذّيات).115،ا116،ا117،ا118 ويُعتبر تنظيم استخدام الأراضي ومكافحة التصحّر والحد من فقدان التنوع البيولوجي، أمورًا مهمة أيضًا.102 ويمكن أن تساهم هذه النُهج أيضًا في خفض كلفة الأنماط الغذائية الصحيّة.
وكما ذُكر سابقًا، تعيق قلّة البيانات إجراء المقارنات العالمية بين البلدان للآثار البيئية المهمة الأخرى المرتبطة باستخدام الأراضي والطاقة والمياه. ولقد حدّ ذلك بالطبع من نطاق التحليل العالمي الذي أجراه هذا التقرير الذي ينظر في التكاليف المستترة المرتبطة بتغيّر المناخ عبر التركيز حصريًا على انبعاثات غازات الاحتباس الحراري وآثارها على المناخ. ومع ذلك، يلخّص الجدول 9 أدلة إضافية مستمدة من الأدبيات وتتعلّق بتأثير النماذج الغذائية الحالية على هذه الآثار البيئية الأخرى، والتقديرات المتعلّقة بالتداعيات المحتملة للتحوّل إلى الأنماط الغذائية الصحية التي تراعى فيها اعتبارات الاستدامة. وإن الأثر البيئي الآخر الذي يجب النظر فيه هو التنوع البيولوجي للأغذية الذي يعدّ ضروريًا من أجل ضمان تنوّع الأنماط الغذائية حول العالم.119 ويُعتبر التغيير في استخدام الأراضي والأنماط الغذائية أحد العوامل الرئيسية المؤثرة على فقدان التنوع البيولوجي. ولقد كانت الأغذية الحيوانية المصدر بصورة خاصة أحد العوامل الرئيسية المساهمة في فقدان التنوع البيولوجي.120
نظرًا إلى القيود على توافر البيانات اللازمة لإجراء تحليل عالمي أو إقليمي، يعرض هذا التقرير تقديرات بشأن التكاليف البيئية المترتبة عن الأنماط الغذائية بالتركيز فقط على انبعاثات غازات الاحتباس الحراري. ولهذا السبب، يتضمن هذا التقرير إشارات إلى التكاليف المرتبطة بتغيّر المناخ أكثر منها إلى جميع التكاليف البيئية. وتم اعتماد نهج من خطوتين. وفي الخطوة الأولى، يتم حساب انبعاثات غازات الاحتباس الحراري المتصلة باستهلاك الأغذية. أما في الخطوة الثانية، فيتم جمع هذه الانبعاثات بتقديرات التكاليف المترتبة عن الأضرار المناخية لقياس التكاليف المرتبطة بتغيّر المناخ والمترتبة عن كل نمط غذائي (أنظر الملحق 7 للاطلاع على المنهجية المتبعة ومصادر البيانات والملحق 8 للاطلاع على مزيد من الأشكال والجداول). وتقدّم الخطوتان نتائج مهمة لها انعكاسات على مستوى السياسات.
في سيناريو النمط الغذائي المرجعي الذي يفترض أن الأنماط الحالية لاستهلاك الأغذية ستبقى من دون تغيير، يبلغ حجم الانبعاثات المتوقعة من غازات الاحتباس الحراري المتصلة بالنمط الغذائي 8.1 جيغا طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون في عام 2030 (معدّل بناء على التغييرات في الدخل وعدد السكان). ويمثّل ذلك 13 في المائة من إجمالي انبعاثات غازات الاحتباس الحراري المقدّرة في هذا العام. ومن شأن اعتماد أي من الأنماط الغذائية الصحية البديلة الأربعةجج في العالم أن يخفض الانبعاثات المتوقعة من غازات الاحتباس الحراري المرتبطة بالنمط الغذائي بنسبة تتراوح بين 41 و74 في المائة (الشكل 35).
وفي ظل الأنماط الحالية لاستهلاك الأغذية (سيناريو النمط الغذائي المرجعي)، اتصل أكثر من ثلاثة أرباع انبعاثات غازات الاحتباس الحراري المرتبطة بالنمط الغذائي (77 في المائة) بالأغذية الحيوانية المصدر المستهلكة في العالم، بما في ذلك لحوم الأبقار والأغنام (41 في المائة)دد والحليب ومنتجات الألبان (25 في المائة)، التي شكلت العوامل المساهمة الرئيسية على المستوى العالمي. وتعكس هذه النتائج العالمية النتائج التي توصلت إليها دراسات أخرى بشأن الانعكاسات الناجمة عن زيادة متناول اللحوم ومنتجات الألبان على المناخ. وتكرر هذه النتائج أيضًا أهمية خفض متناول المنتجات الحيوانية في البلدان التي يرتفع استهلاكها فيها وتوفير استراتيجيات تضع الأغذية النباتية في المقدمة عبر تعزيز الأنماط الغذائية التي تشكل فيها الحبوب الكاملة والفاكهة والخضار والمكسّرات والبقوليات النسبة الأكبر من الأغذية المستهلكة – في البلدان التي تمرّ في مرحلة تحوّل.44،ا79،ا84،ا105
ويرتبط أكثر من نصف الانبعاثات الناجمة عن الأنماط الحالية لاستهلاك الأغذية (4.2 جيغا طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون أو 52 في المائة) بالطلب على الأغذية في البلدان المتوسطة الدخل من الشريحة الدنيا (الجدول ألف8–2 في الملحق 8). ولكن في ما يتعلّق بالانبعاثات للفرد الواحد، فهي الأكبر في البلدان المتوسطة الدخل من الشريحة العليا (1.6 ميغا طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون) تليها البلدان المرتفعة الدخل (1.0 ميغا طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون). واتصلت الكمية الأدنى من الانبعاثات بالبلدان المنخفضة الدخل (0.7 ميغا طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون).
وتبرز فوارق مهمة في المنافع المناخية عند النظر في النتائج بحسب الأقاليم وفئات دخل البلدان في ظل الأنماط الغذائية البديلة الأربعة (الشكل 35). ويتراوح انخفاض الانبعاثات نتيجة لاعتماد أي من الأنماط الغذائية الصحية البديلة الأربعةهه بين 45 و78 في المائة في البلدان المتوسطة الدخل التي تمثّل 69 في المائة من سكان العالم في 2030. وستسجل النسبة الأعلى من انخفاض الانبعاثات (بين 60 و86 في المائة) في البلدان المتوسطة الدخل من الشريحة العليا تليها البلدان المرتفعة الدخل (بين 60 و77 في المائة) والبلدان المتوسطة الدخل من الشريحة الدنيا (بين 31 و70 في المائة) والبلدان المنخفضة الدخل (بين 27 و68 في المائة). وفي البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل، سيتراوح أكبر انخفاض لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري بين 65 و88 في المائة كما يحدث في أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي.
وتخفي المجاميع العالمية والقطرية لفئات الدخل تباينات مهمة في مختلف الأقاليم الفرعية والبلدان. وتشير هذه التباينات من جهتها إلى إمكانية وجود مقايضات يلزم إدارتها في ظل تحويل البلدان لنظمها الغذائية نحو الأنماط الغذائية الصحية التي تراعى فيها اعتبارات الاستدامة. وعلى سبيل المثال، قد تشهد البلدان التي تعاني من عبء ثقيل ناجم عن النقص التغذوي ومختلف أشكال سوء التغذية، ارتفاعًا في انبعاثاتها المرتبطة بالاستهلاك مع اعتماد نسبة متزايدة من سكانها أنماطًا غذائية صحية وملائمة من حيث المغذيات. وفي هذه الحالات، تطغى محاربة الجوع وسوء التغذية عبر زيادة تنوّع الأغذية المغذية المتوافرة للرضّع وصغار الأطفال، على الآثار السلبية المترتبة عن ارتفاع الانبعاثات الوطنية لغازات الاحتباس الحراري.
وخلصت دراسة شملت 140 بلدًا وحددت كمية انبعاثات غازات الاحتباس الحراري الناجمة عن تسعة من الأنماط الغذائية التي تركز بصورة متزايدة على الأغذية النباتيةوو إلى أن عدة بلدان ستحتاج إلى زيادة بصمتها من حيث انبعاثات غازات الاحتباس الحراري للفرد الواحد لتلبية الاحتياجات من الطاقة ومتناول البروتينات الموصى به (12 في المائة من الطاقة). وعلى سبيل المثال، في الشكل 36، فإن بصمة أوغندا من حيث انبعاثات غازات الاحتباس الحراري (المنحنى الصلب) تحت الخط المتقطع، الأمر الذي يعني أن البلد سيحتاج إلى زيادة بصمته من حيث الانبعاثات للفرد الواحد لتلبية الاحتياجات من الطاقة ومتناول البروتينات الموصى به. وفي المقابل، فإن بصمة الولايات المتحدة الأمريكية من حيث انبعاثات غازات الاحتباس الحراري فوق الخط، الأمر الذي يعني أن البلد يؤمّن ما يفوق احتياجاته من الطاقة وأنه بمجرّد خفض الطاقة والمحافظة على 12 في المائة على الأقل من تلك المتأتية من البروتينات يمكن تحقيق بعض التراجع في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري. علاوة على ذلك، يمكن تحقيق انخفاض إضافي في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري في البلدان الواردة على يسار المنحنى عبر تحويل الأنماط الغذائية لتضع الأغذية النباتية بقدر أكبر في المقدمة.
لتقدير التكاليف المرتبطة بتغيّر المناخ والمتصلة بالأنماط الغذائية البديلة، تم تحويل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري إلى مقابل نقدي باستخدام تقديرات التكاليف الاجتماعية للكربون، ما يمثّل التكاليف الاقتصادية المترتبة عن كل طن إضافي من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري. ويستند ذلك إلى دراسة سابقة84 مع استخدام التقديرات الواردة في نسخة منقحة بالكامل للنموذج الديناميكي المتكامل للمناخ والاقتصاد المتعلقة بسيناريو يحصر ارتفاع درجة الحرارة العالمية المستقبلية بدرجتين ونصف (حدود درجات الحرارة محسوبة على مدى 100 عام) بما يتماشى مع أهداف السياسات المعلنة.91 ويشار إلى هذا السيناريو باسم "DICE 2016 T2.5". وبلغت قيم التكاليف الاجتماعية للكربون في هذا السيناريو 107 و204 و543 من الدولارات الأمريكية لكل طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون في الأعوام 2015 و2030 و2050.زز
ويترتب عن الأنماط الحالية لاستهلاك الأغذية كلفة اجتماعية كبيرة من حيث انبعاثات غازات الاحتباس الحراري وتغيّر المناخ. وتقدّر التكاليف الاجتماعية المرتبطة بالنمط الغذائي والمترتبة عن انبعاثات غازات الاحتباس الحراري الناجمة عن الأنماط الحالية لاستهلاك الأغذية بحوالي 1.7 ترليون دولار أمريكي في عام 2030 في ظل سيناريو تثبيت مستوى الانبعاثات (أي سيناريو "DICE 2016 T2.5") الذي يحصر ارتفاع درجة الحرارة العالمية بدرجتين ونصف الدرجة (في المتوسط على مدى فترة مدتها 100). وتشير التقديرات إلى الكلفة ستبلغ بحوالي 0.9 ترليون دولار أمريكي في عام 2030 في ظل سيناريو غير مقيّد تُخصم فيه الأضرار المستقبلية الناجمة عن تغيّر المناخ أو تحوّل إلى قيم حالية بمعدل 3 في المائة (الملحق 8، الشكل ألف8–3).حح
ويُظهر التوزيع الإقليمي للكلفة الاجتماعية لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري أنه في مجموعة البلدان المتوسطة الدخل من الشريحة الدنيا، ستتحمل منطقتا جنوب شرق آسيا وغرب المحيط الهادئ التكاليف الاجتماعية الأعلى للانبعاثات في عام 2030 وقدرها 339 مليار دولار أمريكي في المتوسط، في حين ستتحمل البلدان المتوسطة الدخل من الشريحة الدنيا في أوروبا التكاليف الاجتماعية الأدنى للانبعاثات (75 مليار دولار أمريكي). وتماشيًا مع التوزيع الإقليمي للانبعاثات المقدّرة، ستمثّل البلدان المتوسطة الدخل من الشريحة الدنيا نصف التكاليف الاجتماعية (52 في المائة)، والبلدان المتوسطة الدخل من الشريحة العليا خمسها (21 في المائة)، وكل من البلدان المرتفعة والمنخفضة الدخل 15 إلى 12 في المائة منها على التوالي.
ويُظهر التحليل أنه يمكن لاعتماد أي من الأنماط الغذائية الصحية البديلة الأربعة (نمط غذائي نباتي مرن، ونمط غذائي نباتي سمكي، ونمط غذائي نباتي، ونمط غذائي نباتي تام)طط أن يساهم في إحداث تخفيضات ملحوظة في التكاليف الاجتماعية لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري تتراوح بين 0.7 و1.3 ترليون دولار أمريكي (41 إلى 74 في المائة) في عام 2030 (الشكل 37).
ويترتب حوالي 75 في المائة من التكاليف الاجتماعية لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري الناجمة عن الأنماط الحالية لاستهلاك الأغذية، عن اللحوم ومنتجات الألبان. وتأتي النسبة الأكبر منها من لحوم الأبقار (36 في المائة)، يليها الحليب (25 في المائة). وتمثّل الحبوب 11 في المائة من التكاليف الإجمالية. ومن شأن اعتماد أي من الأنماط الغذائية الصحية البديلة الأربعة، بما في ذلك النمط الغذائي النباتي المرن الذي يحتوي على كميات معتدلة من الأغذية الحيوانية المصدر وكميات صغيرة من اللحوم الحمراء، أن يؤدي إلى تخفيضات ملحوظة في التكاليف الاجتماعية لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري (الشكل ألف8–4 في الملحق 8).
لوضع التكاليف الصحية والمرتبطة بتغيّر المناخ في سياقها، من المفيد مقارنة التكاليف المستترة بتكاليف البيع بالجملة التي تنطوي عليها الأنماط الغذائية، على أن يتم تقديرها على مستوى الاستهلاك وتقييمها بالاستناد إلى تقديرات أسعار السلع الأساسية بحسب الأقاليم. وعلى المستوى الكلي، تعكس تكاليف البيع بالجملة التي تنطوي عليها الأنماط الغذائية التكاليف المقيّمة على مستوى الاستهلاك ولا تشمل التكاليف المستترة (أنظر الملحق 7 للاطلاع على منهجية تقدير تكاليف البيع بالجملة التي تنطوي عليها الأنماط الغذائية).
ويسمح جمع التكاليف الإجمالية للأنماط الغذائية المقاسة بالأسعار الحالية للبيع بالجملة وتقديرات التكاليف المستترة الصحية والمرتبطة بتغيّر المناخ، بإجراء تقدير أكثر اكتمالًا لكامل كلفة هذه الأنماط الغذائية. ويمكن لتقديرات التكاليف الكاملة أن تساعد على إرشاد السياسات الغذائية لتحفيز التحوّلات إلى الأنماط الغذائية الصحية التي تراعى فيها اعتبارات الاستدامة (أنظر القسم 1–3).
ولوحظ أن التكاليف الإجمالية للبيع بالجملة التي ينطوي عليها كل نمط من الأنماط الغذائية الصحية البديلة الأربعةيي أعلى من كلفة بيع الأنماط الغذائية الحالية بالجملة في البلدان المنخفضة الدخل وبعض البلدان المتوسطة الدخل من الشريحة الدنيا ولكن ليس في البلدان المرتفعة الدخل والعديد من البلدان المتوسطة الدخل من الشريحة العليا (الشكل 38).
وإذا أضيفت التكاليف الصحية والمرتبطة بتغيّر المناخ المتصلة بالنمط الغذائي إلى إجمالي كلفة البيع بالجملة للنمط الغذائي المرجعي الذي يمثّل النمط الحالي للاستهلاك، سترتفع عندها كامل كلفة هذا النمط الغذائي المرجعي بنسبة 50 في المائة على الصعيد العالمي من 6 ترليون إلى 8.9 ترليون دولار أمريكي بحلول عام 2030. وتتراوح هذه الزيادة بين 35 في المائة في البلدان المتوسطة الدخل من الشريحة الدنيا و87 في المائة في البلدان المرتفعة الدخل.
ومن جهة أخرى، إذا أضيفت التكاليف الصحية والمرتبطة بتغيّر المناخ المتصلة بالنمط الغذائي إلى إجمالي كلفة البيع بالجملة للأنماط الغذائية البديلة الأربعة (نمط غذائي نباتي مرن، ونمط غذائي نباتي سمكي، ونمط غذائي نباتي، ونمط غذائي نباتي تام)، سترتفع عندها كامل كلفة هذه الأنماط الغذائية بنسبة تتراوح بين 8 و19 في المائة فقط على الصعيد العالمي. وبصورة عامة، يترجم ذلك إلى وفورات كبيرة في التكاليف مقارنة بالنمط الغذائي المرجعي. وبالنظر إلى التكاليف الكاملة (كلفة البيع بالجملة والتكاليف الصحية والمرتبطة بتغيّر المناخ المتصلة بالنمط الغذائي)، يؤدي اعتماد أي من الأنماط الغذائية البديلة الأربعة إلى تخفيضات في كامل كلفة هذه الأنماط الغذائية بين 22 و29 في المائة عالميًا، وبين 11 و21 في المائة في البلدان المنخفضة الدخل و52 و58 في المائة في البلدان المرتفعة الدخل (الشكل 38).
بالتالي، يُعتبر الاعتراف بالعوامل الخارجية الناتجة عن الأنماط الحالية لاستهلاك الأغذية أمرًا مهمًا. ويبيّن التحليل أن العوامل الخارجية الصحية والمرتبطة بتغيّر المناخ تولّد مقابل كل دولار أمريكي يتم إنفاقه على الأغذية، كلفة إضافية قدرها 0.5 دولارات أمريكية. بعبارة أخرى، إذا نظرنا إلى جميع التكاليف (النقدية والخارجية)، تشكل التكاليف الخارجية للأغذية ثلث التكاليف الإجمالية. ولكن هناك بعض التباين بين الأقاليم. فمثلًا في بلدان أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، تمثّل العوامل الخارجية الصحية والبيئية كلفة قدرها 0.35 دولارًا أمريكيًا أو 26 في المائة من التكاليف الإجمالية لكل دولار أمريكي يتم إنفاقه على الأغذية.
وفي ظل النمط الغذائي المرجعي، تتواجد التكاليف الأعلى للعوامل الخارجية الصحية والمرتبطة بتغيّر المناخ في البلدان المرتفعة الدخل والبلدان المتوسطة الدخل من الشريحة العليا: تبلغ هذه التكاليف الخارجية 0.87 و0.79 دولارًا أمريكيًا على التوالي لكل دولار أمريكي يتم إنفاقه على الأغذية. ويمثّل ذلك 47 و44 في المائة من كامل التكاليف (قيمة البيع بالجملة زائدًا التكاليف المستترة) في البلدان المرتفعة الدخل والمتوسطة الدخل من الشريحة العليا على التوالي. وبالعكس، فإن كلفة العوامل الخارجية الصحية والمرتبطة بتغيّر المناخ أدنى بكثير في البلدان المنخفضة الدخل والمتوسطة الدخل من الشريحة الدنيا، حيث تبلغ فقط 0.37 و0.35 دولارًا أمريكيًا على التوالي.
وبالطبع، تكون التكاليف المستترة المقدّرة أو العوامل الخارجية أعلى بكثير من 0.5 دولارات أمريكية لكل دولار يتم إنفاقه على الأغذية لو كانت البيانات متوافرة لمراعاة المجموعة الكاملة من الآثار الصحية المترتبة عن سوء التغذية بجميع أشكاله، بما في ذلك نقص التغذية، وجميع الآثار البيئية المترتبة عن الأنماط الغذائية الحالية والمرتبطة باستخدام الأراضي والطاقة والمياه.
ومن شأن تجاهل التكاليف المستترة للأنماط الغذائية الحالية أن يؤدي إلى تقدير ناقص للكلفة الحقيقية المترتبة عن تحقيق الأمن الغذائي والتغذية والاستدامة البيئية. ويمكن للكشف عن التكاليف الصحية والمرتبطة بتغيّر المناخ غير المحسوبة سابقًا أن يساعد على إرشاد السياسات الملموسة التي تستهدف مثل هذه العوامل الخارجية، بما في ذلك السياسات الضريبية التي تحفّز التحوّل نحو الأنماط الغذائية الصحية. وكما هو مبيّن أعلاه، يؤدي التحوّل إلى الأنماط الغذائية الصحية إلى تخفيضات كبيرة في التكاليف الصحية الفردية وبصمة الكربون العالمية على السواء بحلول عام 2030 مقارنة بالأنماط الغذائية الحالية. ولكن نظرًا إلى أن الأنماط الغذائية الصحية ليست كلها مستدامة وإلى أن كل الأنماط الغذائية المصممة لمراعاة الاستدامة ليست دائمًا صحية للجميع، يجب البت في طبيعة هذا التحوّل بعناية على نحو ما نفعله في الدراسة أدناه.
يُعتبر التحوّل إلى الأنماط الغذائية الصحية التي تشمل أيضًا اعتبارات الاستدامة أمرًا ضروريًا إذا أردنا القضاء على الجوع وسوء التغذية بجميع أشكاله وضمان استدامة نظم الزراعة وإنتاج الأغذية، أي باختصار إذا أردنا تحقيق الهدف 2 من أهداف التنمية المستدامة. والتحدي كبير بما أن معظم البلدان لا تفي بالتوصيات الغذائية المتعلّقة بالأنماط الغذائية الصحية أو أنه من غير المرجّح أن تفي بها بحلول عام 2030 استنادًا إلى الاتجاهات الحالية.
وسيحتاج هذا التحوّل في الأنماط الغذائية إلى تغيّرات تحوّلية كبيرة في النظم الغذائية على جميع المستويات. ونظرًا إلى التنوع الكبير في النظم الغذائية الحالية والتباينات الواسعة في حالة الأمن الغذائي والتغذية بين البلدان وداخلها، لا يوجد حل واحد يناسب الجميع لتحوّل البلدان إلى أنماط غذائية صحية وتوليد أوجه التآزر من أجل الحد من بصمتها البيئية.44،ا73،ا80،ا84 ومما يعقد التوعية والتأثير على السياسات المتعلّقة بالأنماط الغذائية الصحية استمرار ارتفاع مستويات الجوع ونقص التغذية في كثير من البلدان، وانخفاض مستوى الفهم فيما يتصل بالأعباء المتعددة لسوء التغذية وكيفية ترابطها.
وكما لوحظ من قبل، من أجل التصدي للجوع وسوء التغذية بجميع أشكاله، قد تحتاج بلدان عديدة إلى زيادة بصمتها الكربونية لضمان توافر بعض السلع الغذائية لسكانها، ولا سيما الفئات الأشد ضعفًا. ويتّضح ذلك بشكل جلي في تحليل قطري يتناول الوضع في إندونيسيا (الإطار 15). فمعظم الأنماط الغذائية التي يعتمدها الإندونيسيون لا تفي بالحد الأدنى من التوصيات الغذائية ولكنها تتخطى المستويات الموصى بها من متناول الطاقة الغذائية بسبب الاستهلاك الكبير للأرزّ والسكر والدهون. بالتالي، لزيادة التنوّع الغذائي سيلزم إحداث بعض الزيادات في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري المرتبطة باستهلاك الأغذية. ولخفض الفائض في متناول الطاقة، سيلزم تحقيق تراجع كبير في استهلاك الأرزّ على الرغم من أن هذا الأخير كان يتصدّر سياسة الأمن الغذائي في البلاد. وسيتطلب ذلك إحداث تغيّرات كبيرة في الممارسات الغذائية الحالية وفي إنتاج الأغذية بما أنه سيتردد صدى الآثار المترتبة عنها على طول سلسلة الإمدادات الغذائية مع بروز تداعيات على التجارة المحلية والدولية أيضًا. ويُظهر التحليل أيضًا أن القدرة على تحمّل كلفة الأنماط الغذائية الصحية تشكل حاجزًا رئيسيًا أمام أغلبية الإندونيسيين، ذلك أن كلفة الأنماط الغذائية الصحية أعلى من متوسط النفقات الغذائية الحالية في البلاد. ويمكن التوصل إلى استنتاجات مماثلة في البلدان التي لا تفي فيها شرائح واسعة من السكان بالحد الأدنى من التوصيات الغذائية.
إندونيسيا هي بلد ناشئ متوسط الدخل من الشريحة الدنيا حقق مكاسب كبيرة في الحد من الفقر، ومعدل انتشار النقص التغذوي فيه البالغ حاليًا حوالي 8 في المائة، دون المتوسط المسجّل في البلدان المتوسطة الدخل من الشريحة الدنيا. ولكن يشهد البلد عبئًا ثلاثيًا لسوء التغذية: فأكثر من ثلث الأطفال دون سن الخامسة يعانون من التقزم، ما يشير إلى وجود مشكلة كبيرة في نقص التغذية؛ وربع البالغين يعانون من الوزن الزائد أو السمنة؛ والنقص في المغذّيات الدقيقة واسع الانتشار.
وتطغى على الأنماط الغذائية الحالية الأغذية الأساسية، لا سيما الأرزّ، التي توفّر 70 في المائة من احتياجات الطاقة الغذائية (أنظر النمط الغذائي المرجعي في الشكل ألف). ويزيد المتناول من الطاقة على ما هو موصى به في الخطوط التوجيهية الوطنية الإندونيسية بشأن النظم الغذائية القائمة على الأغذية في حين أن المتناول من البروتينات أقل مما توصي به تلك الخطوط التوجيهية الوطنية. وتؤدي قلّة التنوع الغذائي في البلد إلى عدم كفاية المتناول من المغذّيات الدقيقة الأساسية، الأمر الذي يؤثر على صحة الأشخاص ونموهم على المديين القصير والطويل؛ كما أن المتناول الحالي من الأغذية المغذية منخفض جدًا للوقاية من الأمراض غير المعدية. علاوة على ذلك، يؤدي المستوى العالي بشكل غير متناسب لمتناول الطاقة من الأرزّ والأغذية الغنيّة بالدهون والسكر، إلى زيادة معدل انتشار الوزن الزائد والسمنة في موازاة استمرار النقص في المغذّيات الدقيقة.
الأنماط الغذائية الحالية والمنمذجة في إندونيسيا
ويشير تحليل حديث126،44 يقارن الاستهلاك الحالي بعدد من الأنماط الغذائية الصحية المختلفة التي تراعى فيها اعتبارات الاستدامة (أي الأنماط الغذائية التي تساعد على الحد من التكاليف المرتبطة بتغيّر المناخ) إلى ضرورة حدوث بعض الزيادات في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري المرتبطة باستهلاك الأغذية لتتمكن إندونيسيا من تنفيذ التوصيات الغذائية العالمية133،132،131،130،129،128،127،44 (الشكل باء). وتبيّن النتائج أن الأنماط الحالية لاستهلاك الأغذية ("المرجعية")127 توفّر2 607 كيلو سعرة حرارية و56 غرامًا من البروتينات للفرد الواحد في اليوم. ومن شأن خفض كمية الطاقة لتتماشى أكثر مع الاحتياجات المقدّرة لنمط غذائي صحي (أي2 300 كيلو سعرة حرارية للفرد الواحد في اليوم وتأمين 12 في المائة من الطاقة من البروتينات (69 غرامًا للفرد الواحد في اليوم) مع المحافظة في الوقت نفسه على المساهمات النسبية لمصادر البروتينات الغذائية الحالية) أن يؤدي إلى زيادة بنسبة 15 في المائة في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري في إندونيسيا (أنظر "خط الأساس المعدّل" في الشكل باء).
وليس خفض استهلاك الأرزّ الموصى به بالأمر السّهل ويحتاج إلى إحداث تغيّرات كبيرة في الممارسات الغذائية وأنماط إنتاج الأغذية. ومقارنة بالأنماط الحالية لاستهلاك الأغذية، يتسبب النمط الغذائي الخالي من اللحوم الحمراء والنمط الغذائي النباتي السمكي والنمط الغذائي من أسفل السلسلة الغذائية والنمط الغذائي النباتي التام، بانبعاثات أقل لغازات الاحتباس الحراري (الشكل باء). ولكن ينجم عن النمطين الغذائيين الأخيرين فقط انبعاثات أقل من الهدف الخاص بالنظم الغذائية المستدامة.126،44 وفي ما يتعلّق بكفاية المغذّيات، يحقق النمط الغذائي الأمثل النتيجة الأفضل ولكنه يتسبب أيضًا بأعلى نسبة من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري.
وبإيجاز، يحتاج الإندونيسيون إلى اعتماد أنماط غذائية أكثر تنوعًا لتلبية الاحتياجات من المغذّيات، والوقاية من نقص التغذية وما يترتب عنه من آثار على تنمية رأس المال البشري، والوقاية من خطر الإصابة بالأمراض غير المعدية في مرحلة لاحقة من الحياة، وتشجيع الحياة المفعمة بالصحة بصورة عامة. ويتمثل التحدي في كون النمط الغذائي الأكثر تنوعًا الذي يحتوي على كمية أقل من الأرزّ مكلفًا أكثر ويتسبب بانبعاثات أعلى من غازات الاحتباس الحراري مقارنة بالأنماط الغذائية المعتمدة اليوم حتى عندما يتم الحد من زيادة استهلاك الأغذية الحيوانية المصدر والتركيز على الحيوانات من غير المجترّات والأغذية البحرية كمصادر حيوانية للبروتينات والمغذّيات الدقيقة. والاستثناءان من ذلك هما النمط الغذائي من أسفل السلسلة الغذائية والنمط الغذائي النباتي التام، ولكن هذان النمطان الغذائيان لا يلبيان الاحتياجات من المغذّيات.
وسيتعيّن على السياسات الرامية إلى تحسين إمكانية الحصول بكلفة ميسورة على أنماط غذائية صحية وأكثر تنوعًا تلبّي الاحتياجات من المغذّيات وتساهم في الحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، أن تركّز على خفض كلفة الأغذية المغذية وإضافة القيمة التغذوية وتعزيز اعتماد الممارسات الزراعية المستدامة. ويمكن تحقيق ذلك من خلال إنتاج الأغذية، وتحسين سلسلة القيمة الغذائية، وإثراء الأغذية بالمغذّيات، وتهيئة بيئات الأغذية الصحية. وسيتطلب ذلك أيضًا توافر سياسات تؤمّن حصول المستهلكين ذوي الدخل المنخفض بشكل أفضل على الأغذية المغذية من خلال أدوات الحماية الاجتماعية، بما في ذلك برامج التغذية المدرسية وسياسات المشتريات العامة الصحية. ويتم عرض المزيد من التوصيات في مجال السياسات التي تصب في هذا الاتجاه في وقت لاحق.
ومن الواضح أن عملية تحوّل النظم الغذائية لن تكون أمرًا سهلًا، وبالتالي سيتعيّن على البلدان أن تقيّم بعناية الحواجز الخاصة بالسياق وأن تدير المقايضات وأوجه التآزر المحتملة. وعلى سبيل المثال، عندما لا توفر النظم الغذائية الغذاء فحسب، بل تشكل أيضًا محرّكًا للاقتصاد الريفي، فإن التحوّل إلى أنماط غذائية صحية يمكن أن يعني فقدان صغار المزارعين وكذلك فقراء الريف سبل عيشهم أو دخلهم. وفي هذه الحالات، يجب الحرص على التخفيف من الأثر السلبي على الدخل وسبل المعيشة أثناء تحوّل النظم الغذائية لتوفير الأنماط الغذائية الصحية الميسورة الكلفة. وقد يحتاج العديد من البلدان المنخفضة الدخل التي يعاني سكانها من نقص في المغذّيات، إلى زيادة الانبعاثات الوطنية لغازات الاحتباس الحراري من أجل تحقيق الأهداف التغذوية أولًا. وفي المقابل، في البلدان المتوسطة الدخل من الشريحة العليا والبلدان المرتفعة الدخل التي تتجاوز الأنماط الغذائية فيها المتطلبات المثلى من الطاقة والتي يستهلك الناس فيها كميات من الأغذية الحيوانية المصدر أكبر من المطلوب، سيلزم إحداث تغيّرات كبيرة في الممارسات الغذائية وعلى مستوى النظام الغذائي في أنماط إنتاج الأغذية للتقليل من آثارها البيئية.
شدد القسم 2–1 من هذا التقرير على أنه يجب خفض كلفة النمط الغذائي الصحي إلى مستوى يكون في متناول الجميع لتمكين الأشخاص من استهلاك نمط غذائي صحي. ولكن تتخذ مسألة التكاليف بعدًا أخر أوسع نطاقًا يجب النظر فيه. ولقد أظهر القسم 2–2 أن الأنماط الغذائية تنطوي على تكاليف مستترة لا يُعتبر النظر فيها أمرًا حاسمًا لتحقيق مقاصد الهدف 2 من أهداف التنمية المستدامة المتعلّقة بالقضاء على الجوع وانعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية بجميع أشكاله بحلول عام 2030 فحسب، بل لتحقيق سائر أهداف التنمية المستدامة أيضًا. وبصورة خاصة، كشف هذا القسم عن الآثار الصحية (الهدف 3 من أهداف التنمية المستدامة) والمرتبطة بتغيّر المناخ (الهدف 13 من أهداف التنمية المستدامة) المترتبة عن نماذج أنماطنا الغذائية وعن النظم الغذائية الداعمة لها.
وأظهر هذا القسم، باستخدامه أشكالًا مختلفة من الأنماط الغذائية الصحية كمرجع، أنه يمكن للتحوّل إلى الأنماط الغذائية الصحية أن يحدث وفورات يتوقّع أن تتجاوز قيمتها 1.3 ترليون دولار في السنة بحلول عام 2030 في ظل تجنّب التكاليف الصحية المباشرة وغير المباشرة المتصلة بالأمراض غير المعدية المرتبطة بالنمط الغذائي. كما يمكن للتحولات إلى أنماط غذائية صحية أن تؤدي دورًا مهمًا في تعزيز الاستدامة البيئية للنظم الغذائية. وعلى سبيل المثال، تقدّر التكاليف الاجتماعية لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري المرتبطة بالنمط الغذائي المتصلة بالأنماط الغذائية الحالية بأكثر من 1.7 ترليون دولار أمريكي في السنة بحلول عام 2030، وهي كلفة يمكن خفضها بشكل ملحوظ من خلال التحوّل نحو الأنماط الغذائية الصحية.
ولكن لا يوجد نمط غذائي صحي واحد، ناهيك عن نمط غذائي صحي واحد يشمل اعتبارات الاستدامة في كل سياق. وعلاوة على ذلك، يمكن أن تكون هناك تطورات أخرى تكنولوجية وعلى صعيد الإنتاجية قد تتسم بفعالية أكبر من حيث التكاليف في معالجة الشواغل المتعلّقة بالاستدامة والتخفيف من آثار تغيّر المناخ. وسيتعيّن على كل بلد أن ينظر في المقايضات وأوجه التآزر المحتملة الناتجة عن التحوّلات اللازمة لانتقاله إلى أنماط غذائية صحية تراعى فيها اعتبارات الاستدامة.
وكما يتّضح من تحليل كامل التكاليف الوارد في هذا القسم، ستكون البلدان المرتفعة الدخل والمتوسطة الدخل من الشريحة العليا أكثر البلدان المستفيدة من التحولات نحو الأنماط الغذائية الصحية ذلك أن الكلفتين المستترتين المنظور فيهما تشكلان حوالي نصف التكاليف الكاملة للأنماط الحالية لاستهلاك الأغذية فيها (أي 47 و44 في المائة من كامل التكاليف على التوالي). بالفعل، عند النظر في الانبعاثات للفرد الواحد الناجمة عن الأنماط الحالية لاستهلاك الأغذية، يتبيّن أنه من المرجّح أن تبلغ أعلى مستوياتها في البلدان المتوسطة الدخل من الشريحة العليا والبلدان المرتفعة الدخل. بالتالي، فإنه من المهم أن يحدث التغيير الأكبر نحو الأنماط الغذائية الصحية التي تراعى فيها اعتبارات الاستدامة في البلدان المتوسطة الدخل من الشريحة العليا وفي البلدان المرتفعة الدخل.
ومن جهة أخرى، وكما تبيّن من توزيع التكاليف الاجتماعية لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري بحسب الدخل الإقليمي والقطري الوارد أعلاه، يمكن إحداث فارق كبير في البلدان المتوسطة الدخل من الشريحة الدنيا بما أنها ستمثل أكثر من نصف التكاليف الاجتماعية لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري الناجمة عن الأنماط الحالية لاستهلاك الأغذية أو 52 في المائة منها بحلول عام 2030 لأن أغلبية سكان العالم يعيشون في هذه البلدان. ويمكن للتغيّرات الصغيرة في هذه البلدان أن تحدث فارقًا كبيرًا، كما أن التغيير اللازم إحداثه في هذه البلدان في مجال الأنماط الغذائية أصغر بكثير من التغيّرات اللازمة في البلدان المتوسطة الدخل من الشريحة العليا والبلدان المرتفعة الدخل.
ولا شك في أنه يمكن للتحوّل نحو الأنماط الغذائية الصحية التي تساعد على التخفيف من آثار تغيّر المناخ أن يولّد حلقة حميدة. ويمكن تحقيق ذلك مثلًا عبر الحد من آثار الأنماط الغذائية على البيئة عن طريق التطورات التكنولوجية وعلى صعيد الإنتاجية ومن خلال الاستخدام المستدام والمتكامل للأراضي والموارد الطبيعية. ومن الأمثلة الأخرى على ذلك تحسين أوجه الكفاءة والابتكارات على طول سلسلة الإمدادات الغذائية، بما في ذلك تلك الرامية إلى الحد من الفاقد والمهدر من الأغذية والمصحوبة بتدابير سياساتية ملموسة من قبيل السياسات الضريبية. وسيساهم الانتقال إلى الأنماط الغذائية الصحية عن طريق هذه التحسينات، في خفض كلفة إنتاج الأغذية المغذية واستهلاكها لأنه يعالج بعض الدوافع الكامنة وراء كلفة الأغذية في آن واحد، كما سيتبيّن في القسم التالي. وتتيح السنوات المتبقية من عقد الأمم المتحدة للعمل من أجل التغذية الذي يشكل فيه إنشاء نظم غذائية مستدامة وقادرة على الصمود من أجل أنماط غذائية صحية إحدى الأولويات، فرصة لتسريع وتيرة العمل القطري في هذا المجال.
يتبيَّن من تحليل الكلفة والقدرة على تحمل الكلفة أن الكلفة التقديرية للنمط الغذائي الصحي، حتى أكثرها تحفظًا، غير ميسورة لأكثر من 3 مليارات شخص في العالم. ونحتاج كي نفهم الدوافع الكامنة وراء التكاليف المرتفعة للأنماط الغذائية الصحية مقارنة بدخل الأشخاص إلى النظر في مجموعات الأغذية الأعلى كلفة. وكما هو موضح من قبل فإن أعلى مجموعات الأغذية كلفة في النمط الغذائي الصحي هي المجموعات التي تحتوي على أغذية مغذية أكثر: منتجات الألبان والفاكهة والخضار والأغذية الغنية بالبروتينات (النباتية والحيوانية المصدر)، مع بعض التفاوتات بحسب الإقليم (الشكل 27). ولذلك لا بد من تخفيض تكاليف هذه الأغذية المغذية من أجل زيادة القدرة على تحمل كلفة الحصول على أنماط غذائية صحية.
وتُمثل التطورات في أسعار الأغذية العالمية مؤشرًا مهمًا للتغييرات في كلفة الأغذية على المستويات القطرية.كك وفي أعقاب تراجع استمر لفترة طويلة خلال القرن العشرين، سجلت الأسعار الغذائية للسلع الرئيسية، بما فيها اللحوم ومنتجات الألبان والحبوب والزيوت النباتية والسكر زيادة حادة خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. وبحلول عام 2011، ارتفعت مؤشرات أسعار هذه المجموعات من السلع بمقدار الضعف (بل وتضاعف بعضها ثلاث مرات). ومنذ بلوغ الذروة في الفترة 2011–2013، هبطت الأسعار العالمية لهذه السلع بحوالي 29 في المائة على الرغم من تراجع أسعار اللحوم ومنتجات الألبان بنسبة أقل تراوحت تقريبًا بين 15 و19 في المائة عن أعلى مستوياتها.134
وخيّم على أسواق الأغذية مؤخرًا كثير من عدم التيقن الذي أثر على أسعار الأغذية وتراوح بين التغيُّرات السريعة في بيئة التجارة والانتشار السريع لحمى الخنزير الأفريقي في عدة قارات، وتفشي الجراد الصحراوي في شرق أفريقيا وجنوب آسيا، والآثار المدمِّرة الناجمة عن جائحة كوفيد19- على اقتصادات وأسواق العديد من بلدان العالم (الإطار 16). وتفرض هذه الأحداث الرئيسية ضغوطًا تدفع أسعار الأغذية نحو الصعود، مما يؤثر بالتالي على كلفة الأنماط الغذائية الصحية والقدرة على تحمل كلفتها. ولم يظهر بعد الأثر الكامل لجائحة كوفيد19- على أسعار الأغذية.
ازدادت صعوبة حصول أكثر من 3 مليارات نسمة على أنماط غذائية صحية. ويجتاح الأثر البشري المأساوي لجائحة كوفيد19- العالم ويحدث أيضًا دمارًا واسعًا للاقتصاد العالمي* مصحوبًا بتأثيرات متعددة على انخفاض قدرة الناس على الحصول على أنماط غذائية صحية. وتشير التقديرات في هذا التقرير إلى أن المستويات القياسية للبطالة وفقدان سُبل كسب العيش**، وارتفاع مستويات الفقر*** ستؤدي إلى زيادة صعوبة تحمل 3 مليارات نسمة كلفة شراء الأنماط الغذائية الصحية. ومن المرجح أن يزداد هذا الرقم خلال عام 2020.
هناك ما يكفي من الغذاء، ولكن ملايين الناس معرضون لخطر عدم الحصول على أغذية متنوعة ومغذية. وينتج العالم الغذاء أو يخزنه بكميات كافية لتلبية احتياجات الطاقة الغذائية. ولكن إغلاق الحدود والحجر الصحي وتعطل الأسواق وسلاسل الإمداد والتجارة يفرض قيودًا على قدرة الناس الفعلية على الوصول إلى مصادر أغذية كافية ومتنوعة ومغذية، لا سيما في البلدان الأكثر تضررًا من الجائحة أو المتأثرة بالفعل من ارتفاع مستويات انعدام الأمن الغذائي.135 وتُلقى السلع العالية القيمة القابلة للتلف في النفايات بسبب منع العمال الأساسيين في قطاع الأغذية والزراعة من عبور الحدود، وتعطل سلاسل إمدادات الأغذية.136 ويمكن أن يؤدي إغلاق الأسواق غير الرسمية إلى مفاقمة عدم القدرة على شراء الأنماط الغذائية الصحية. وترد في الجزء الأول (أنظر الإطار 3) التقديرات المبنية على سيناريوهات نمذجة الآثار المحتملة لجائحة كوفيد19- على عدد الأشخاص الذين يعانون من نقص التغذية في العالم، بينما ترد في الإطار 4 الآثار المحتملة على سوء التغذية.
وتتعرض حاليًا حياة وسبل معيشة ما يقدر بحوالي 265 مليون شخص في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل لتهديد شديد ما لم تتخذ إجراءات سريعة لمعالجة أثر جائحة كوفيد19-.137
تتزايد خسائر الأغذية جراء الضغوط الواقعة على سلاسل إمدادات الأغذية. ورغم الجهود الكبيرة المبذولة لإبقاء الباب مفتوحًا أمام إنتاج الأغذية والتجهيز والتجارة وشبكات النقل، والوصول إلى أسواق الأغذية ومنافذ البيع بالتجزئة، هناك تقارير تُشير إلى خسائر كبيرة في الأغذية، لا سيما الفاكهة والخضار، والأسماك، واللحوم، ومنتجات الألبان.138 وعلاوة على ذلك، تسفر القيود المفروضة على السفر عن نقص شديد في اليد العاملة في قطاع الإنتاج الغذائي والزراعي وصناعات التجهيز، مما يؤدي إلى اختلالات في الإنتاج والإمداد. ووقعت أشد التأثيرات على البلدان المتوسطة والمرتفعة الدخل بسبب ازدياد مستويات خسائر الأغذية نتيجة لعدم قدرة المنتجين على تسويق منتجاتهم، مما فرض ضغوطًا دفعت أسعار الأغذية نحو الصعود، وخاصة أسعار السلع القابلة للتلف.136
يمكن أن ترتفع أسعار الأغذية في ظل عدم وجود تدابير وإجراءات تصحيحية عاجلة ومنسقة على صعيد السياسات. وتختلف كيفية تأثير الظروف الاقتصادية القاسية على أسعار الأغذية تفاوتًا كبيرًا بين البلدان وداخلها، وبين المناطق الحضرية والريفية، وبين مختلف فئات الأغذية. وسيحدِّد عمق الأزمة الاقتصادية وطول مدتها، ومدى اتخاذ تدابير تصحيحية على مستوى السياسات وتنفيذها بطريقة منسقة، ما إذا كان يمكن تجنب حدوث زيادات في أسعار الأغذية. والأهم من ذلك أن قنوات التجارة يجب أن تبقى مفتوحة لمنع حدوث زيادات في أسعار الأغذية. وينبغي لمصدري الأغذية ومستورديها على السواء عدم فرض حواجز تجارية في إطار الاستجابة للجائحة. وينبغي للبلدان إزالة القيود المفروضة على التصدير، بما في ذلك ضرائب الصادرات والحظر المفروض على التصدير، وينبغي أن يكون ذلك مصحوبًا أيضًا بتخفيض في التعريفات الجمركية لتسهيل الاستيراد.139
أدلة على تأثر أسعار الأغذية. أشار عدد قليل من البلدان، أثناء كتابة هذا التقرير، إلى زيادات كبيرة في أسعار الأغذية، باستثناء عدد من الأسواق المحلية بسبب النقص المؤقت في الأغذية. ويمكن حدوث مزيد من التدهور في بلدان غرب أفريقيا، مثل جمهورية أفريقيا الوسطى وغامبيا وليبيريا وموريتانيا والنيجر والسنغال وسيراليون، حيث حالة الأسواق هشة بالفعل. وفي عديد من هذه البلدان، سُجلت زيادات غير موسمية في الأسعار تراوحت بين 10 و20 في المائة بالفعل في التغيُّرات الشهرية للمنتجات الغذائية. وسجلت البلدان الأكثر تضررًا بالجائحة انخفاضًا في الطلب على الفاكهة ومحاصيل البستنة والمنتجات الأخرى القابلة للتلف، مثل المنتجات المائية، مما أدى إلى تراجع في أسعار الأغذية. وواجهت أيضًا سلاسل إنتاج الدواجن والبيض ضغوطًا قوية دفعت الأسعار نحو الهبوط.138
الأثر على بعض أكثر الشرائح السكانية هشاشة. تأثر العمال المهاجرون بعمليات الإغلاق، وتعطل التجارة، وحالات التسريح من العمل، والمرض، في نفس الوقت الذي انخفضت فيه كثيرًا قدرتهم على إرسال تحويلات مالية إلى بلدانهم الأصلية. وسيؤثر ذلك على الأسر، لا سيما في بنغلاديش وإثيوبيا وإندونيسيا وكينيا ونيبال ونيجيريا والصومال وطاجيكستان وبلدان أخرى كثيرة تُشكل فيها التحويلات المالية نسبة كبيرة من دخل الأسر الفقيرة.
وينبغي أن تمنع سياسات مكافحة التأثيرات السلبية لجائحة كوفيد19- على النُظم الغذائية في العالم حدوث زيادات كبيرة في تكاليف الأغذية المغذية، وينبغي أن تدعم القدرة على تحمل كلفة الأنماط الغذائية الصحية. وترد توصيات في الإطار 21.
وتتحدَّد القدرة على شراء الأنماط الغذائية بكلفة الأغذية مقارنة بدخل الشخص. وتناول إصدار عام 2019 من هذا التقرير العلاقة بين الأمن الغذائي والتغذية والفقر. وأظهر التقرير أن انخفاض الفقر وعدم المساواة حاسمان لتحسين قدرة الناس على الحصول على أغذية كافية ومغذية، مشيرًا إلى توصيات السياسات القوية التي أعيد النظر في بعضها في القسم الأخير من هذا الجزء من التقرير. وفي حين أن القضية الأوسع لكيفية زيادة دخل الناس تُشكل صميم التنمية الاقتصادية144 يتجاوز هذا الموضوع نطاق تقرير هذا العام. ومن الناحية الأخرى، فإن زيادة القدرة على تحمل الكلفة من خلال تخفيضات أسعار الأغذية لم تخضع للدراسة على نطاق واسع وبالتالي ينصب محور تركيز هذا القسم على الدوافع الكامنة وراء كلفة الأغذية، وليس على محركات دخل السكان.
وتحدد عوامل كثيرة أسعار استهلاك الأغذية المغذية بدءًا من نقطة الإنتاج في كل مراحل سلسلة إمدادات الأغذية وكذلك بيئة الأغذية حيث ينخرط المستهلكون مع النظام الغذائي لاتخاذ قرارات بشأن الحصول على الأغذية وتحضيرها واستهلاكها. وفي ظل ازدياد عولمة النُظم الغذائية والتوسع في تصنيعها والهيمنة عليها من جانب الجهات الفاعلة الرئيسية القادرة على تحقيق وفورات في الحجم والحفاظ على سلاسل إمدادات طويلة،145 أدى ذلك إلى تأثيرات مختلفة على أسعار الأغذية والقدرة على تحمل كلفة مختلف الأنماط الغذائية عبر البلدان. وهناك عوامل أخرى، بما فيها ارتفاع مستوى الدخل، وازدياد التوسع الحضري وتغيُّر طلبات المستهلكين، أدّت بأسواق الأغذية إلى أن تصبح منافذ للأغذية المنتجة بكميات كبيرة والعالية التجهيز وهي غالبًا أغذية كثيفة الطاقة لا تحتوي إلاّ على أقل القليل من القيمة التغذوية، وغنية بالدهون والسكريات و/أو الملح.145 ونتيجة لذلك، أصبحت الخضار والفاكهة والأغذية الحيوانية المصدر في كثير من الأحيان باهظة الكلفة وغير ميسورة لكثير من الأسر، مما أدى إلى انخفاض الجودة التغذوية للأنماط الغذائية.
وضمن السياق الأوسع لهذه الاتجاهات العالمية فإن الهيكل والأداة اللذين ينفرد بهما العديد من النُظم الغذائية (وسلاسل إمداداتها) على المستويات الوطنية ودون الوطنية وعلى مستوى البلديات (أو المجتمعات المحلية) يحملان في طياتهما اختلافات في هياكل تكاليف الأغذية المغذية في مختلف المواقع. وتتقاطع بعض الدوافع الكامنة وراء التكاليف، مثل الفاقد والمهدر من الأغذية، في النُظم الغذائية، في حين أن بعضها الآخر يتباين بحسب المجموعة الغذائية أو يخص سياقًا قطريًا بعينه، مثل السياسات المحلية الهادفة إلى زيادة توافر الأغذية الأساسية. وتُمثِّل أيضًا التجارة الدولية والسياسات الحكومية ذات الصلة وجوانب الاقتصاد السياسي للغذاء دوافع كامنة رئيسية وراء كلفة الأغذية المغذية. وأخيرًا فإن الصدمات المناخية (التي ركز عليها إصدار عام 2018 من هذا التقرير) والصدمات غير المتوقعة الأخرى، بما فيها صدمات ناشئة عن موجات الغزو والأمراض على المستوى الإقليمي (مثل حمى الخنزير الأفريقي أو تفشي الجراد الصحراوي) أو على المستوى العالمي (كوفيد19-) باتت أكثر تواترًا وشدة، مما يؤدي في كثير من الأحيان إلى اختلال سلاسل إمدادات الأغذية في العالم.
ومن هنا فإن النُظم الغذائية اليوم تواجه تحديات هائلة في التكيُّف مع العديد من التطورات. وتواجه في الوقت نفسه مطالب لضمان أن الأنماط الغذائية الصحية ميسورة ليس فقط للعدد المتزايد من سكان العالم في المناطق الحضرية، بل وكذلك بصفة خاصة لغالبية الشرائح السكانية الأشد فقرًا في المناطق الريفية. وفي حين أن التطورات في الإنتاج والتجهيز جعلت الأغذية أكثر سهولة ومتاحة على نطاق أوسع وميسورة لأجزاء كبيرة من العالم،146 فإن هذه النُظم الغذائية هي نفسها العامل المهيمن الذي يحرِّك ازدياد توافر الأغذية الكثيفة الطاقة ذات القيمة التغذوية المتدنية الغنية بالدهون والسكريات و/أو الملح. وهي أيضًا عامل محرِّك للتهديدات الصحية، مثل الأمراض غير السارية وكثير من التهديدات البيئية، بما فيها تغيُّر المناخ، وفقدان التنوع البيولوجي، وتدهور الأراضي والتربة والمياه العذبة.
ويركز هذا القسم على أربع مجموعات رئيسية من الدوافع الكامنة وراء تحديد كلفة الأغذية. ويتناول هذا القسم تحديدًا الدوافع الكامنة وراء التكاليف التالية:
1-الدوافع الكامنة وراء التكاليف المرتبطة بإنتاج أغذية مغذية متنوعة تُسهم في أنماط غذائية صحية (عدم كفاية التنويع وانخفاض الإنتاجية؛ وانخفاض مستويات التكنولوجيا؛ وخسائر ما قبل الحصاد وما بعده؛ والعوامل الموسمية وغيرها من عوامل المخاطر المناخية الأخرى؛ وعدم كفاية الاستثمار في البحث والتطوير، وضيق سُبل الوصول إلى المعرفة والمعلومات).
2-الدوافع الكامنة وراء التكاليف المرتبطة بسلسلة إمدادات الأغذية التي تتجاوز الإنتاج (عدم كفاية تخزين الأغذية ومناولتها وحفظها، لا سيما الأغذية القابلة للتلف؛ والفاقد من الأغذية الذي يتجاوز خسائر ما قبل الحصاد وما بعده؛ وضعف شبكات الطرق وقدرات النقل المحدودة).
3-الدوافع الكامنة وراء التكاليف المرتبطة ببيئة الأغذية وكذلك طلب المستهلكين وسلوكهم (النمو السكاني، والتوسع الحضري، والوصول إلى الأسواق؛ والتفضيلات والثقافة الغذائية؛ ومعرفة المستهلك وسلوكه).
4-الدوافع الكامنة وراء التكاليف المرتبطة بالاقتصاد السياسي للغذاء (بما في ذلك الأثر الفريد للسياسات الغذائية والزراعية على كلفة الأغذية المغذية، والتدابير التجارية والسياسات الحكومية التي تحابي الأغذية الكثيفة الطاقة ذات المحتوى التغذوي المحدود على حساب الأغذية المغذية؛ والإنفاق العام؛ وآليات التجارة غير المواتية، وأثر ضغوط صناعة الأغذية والزراعة على كلفة الأغذية المغذية).
يمكن لمعالجة انخفاض الإنتاجية في إنتاج الأغذية أن تُشكل طريقة فعالة لزيادة المعروض عمومًا من إمدادات الأغذية، بما فيها الأغذية المغذية، وخفض أسعار الأغذية ورفع مستوى الدخل، لا سيما بالنسبة للمزارعين الأسريين وصغار المنتجين الأفقر في البلدان المنخفضة الدخل والبلدان المتوسطة الدخل من الشريحة الدنيا، مثل المزارعين والرعاة وصيادي الأسماك. ويعتمد نمو الإنتاجية المستمر في قطاع الأغذية والزراعة، من دون استنفاد الموارد الطبيعية، على قدرة منتجي الأغذية على الابتكار (تمكينهم من زيادة الغلات)، وإدارة المدخلات بمزيد من الفعالية، واستخدام محاصيل أو سلالات جديدة، وتحسين الجودة والحفاظ في الوقت نفسه أيضًا على الموارد الطبيعية.147
يتطلب نمو الإنتاجية في كل مرحلة من مراحل سلسلة الإمداد ابتكارات تكنولوجية ومؤسسية، مما يسمح بإنتاج الأغذية ومناولتها وتجهيزها لكي تظل مربحة بكلفة أقل لكل وحدة للمستهلكين،103 ولكي تظل في الوقت نفسه مستدامة. وفي العقود الأخيرة، لم يسهم توسيع المناطق الزراعية سوى بدور هامشي في زيادة الإنتاج. وهناك بالتالي حاجة ماسة إلى الابتكار التكنولوجي بعدة أشكال (مثل الميكنة، وزيادة الوصول إلى الري، وتربية النباتات والحيوانات، وتحسين ممارسات الإدارة، إلى جانب زيادة الوصول إلى المعلومات العالمية والمحلية) لتحقيق نمو كبير ومستدام في الغلات والإنتاجية في معظم أنحاء العالم، لا سيما في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. وعلاوة على ذلك، ينبغي أن يشكل الحد من خسائر الإنتاج قبل الحصاد وبعده جزءًا لا يتجزأ من جهود زيادة الإنتاجية.
وبالإضافة إلى انخفاض الإنتاجية فإن التنويع غير الكافي نحو إنتاج المنتجات البستانية والبقوليات ومصايد الأسماك الصغيرة النطاق وتربية الأحياء المائية والثروة الحيوانية وغيرها من المنتجات الغذائية المغذية يحد أيضًا من إمداد الأسواق بأغذية متنوعة ومغذية، مما يؤدي إلى ارتفاع أسعار الأغذية. ولا يؤدي تنويع نُظم الإنتاج وزيادة تكاملها إلى زيادة توافر الأغذية المغذية فحسب، بل يساعد أيضًا الشرائح السكانية الضعيفة على زيادة قدرتها على الصمود في مواجهة صدمات المناخ والأسعار، ويحد من التقلبات الموسمية في إنتاج الأغذية.148 ومن الحاسم أيضًا زيادة المجموعة المتنوعة من الأغذية التي يتم إنتاجها والتحول إلى المنتجات الأعلى قيمة، مثل تنويع إنتاج الأغذية الأساسية ليشمل أيضًا إنتاج الفاكهة والخضار والمنتجات الغذائية القابلة للتصدير.149
وتباينت كثيرًا خلال العقود الأخيرة الزيادات في الإنتاجية الزراعية عبر البلدان والأقاليم، وسُجلت أسرع معدلات النمو (قياسًا بالناتج الإجمالي للمحاصيل والثروة الحيوانية لكل هكتار من الأراضي الزراعية) في البلدان المتقدمة من شرق آسيا (اليابان وجمهورية كوريا). وفي المقابل، بلغ نمو الإنتاجية الزراعية للأسف أدنى مستوى له في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وجنوب آسيا.149 وأدى الاستثمار غير الكافي في الأغذية المغذية، وخاصة في البلدان المنخفضة الدخل التي ترتفع فيها معدلات انتشار نقص التغذية، إلى ارتفاع نسبي في كلفة هذه الأغذية. من ذلك على سبيل المثال أن إنتاجية الخضار تتباين تباينًا واسعًا بين البلدان في ظل وجود إمكانات هائلة للتحسين. وفي نيجيريا، على سبيل المثال، بلغ متوسط الغلة في إنتاج الطماطم 4 أطنان فقط للهكتار مقابل 51 طنًا للهكتار في الصين.لل ويمكن تضييق هذه الفجوات الواسعة في الإنتاجية بنجاح من خلال زيادة الاستثمار العام والخاص في البحوث الزراعية ونقل التكنولوجيا والمساعدة التقنية لمنتجي الفاكهة والخضار. وفي إندونيسيا، أدى إنشاء مدارس المزارعين الحقلية الموجَّهة تحديدًا إلى منتجي الخضار إلى زيادة غلة الطماطم والفلفل الحار بنسبة 20 في المائة و12 في المائة على التوالي مقارنة بمجموعة مرجعية.150 وأسفر مشروع لنقل التكنولوجيا في جمهورية تنزانيا المتحدة عن زيادات مهمة في غلة أربعة أصناف من الخضار وسجلت زيادات في إنتاج الطماطم بأكثر من 20 في المائة.151
وتمثل الإنتاجية بطبيعة الحال مجرد عامل واحد من عدة عوامل تحدِّد أسعار الاستهلاك النهائية، ولكنها مع ذلك تبقى عاملًا مهمًا. وأظهر تحليل عالمي استخدام النموذج الدولي لتحليل السياسات المتعلقة بالسلع الأساسية الزراعية وتجارة المواد الزراعيةمم أن زيادة إنتاجية الفاكهة والخضار والبقول والدواجن بنسبة 25 في المائة يمكن أن يسفر عن تخفيض في متوسط الأسعار العالمية لهذه السلع بنسبة تتراوح بين 20 و25 في المائة. وأسفرت السيناريوهات المختلفة عن نتائج مماثلة. من ذلك على سبيل المثال أن مضاعفة الإنتاجية الزراعية لهذه السلع يمكن أن يؤدي أيضًا إلى تخفيض نسبته 50 في المائة في الأسعار.152
ويمكن أن يتطلب بذل مزيد من الجهود لتحسين جودة النمط الغذائي، لا سيما للأعداد المتزايدة من السكان في البلدان المنخفضة الدخل، زيادة استهلاك الأغذية الحيوانية المصدر، بما فيها منتجات الألبان، وكذلك المنتجات السمكية ومنتجات تربية الأحياء المائية، من أجل تلبية متطلبات المتناول من البروتينات لهذه الشرائح السكانية. ويمكن لزيادة الإنتاج الحيواني أن يفضي إلى انخفاض في أسعار المنتجات الحيوانية وبالتالي زيادة إمكانية حصول الفقراء على تلك المنتجات، لا سيما المستهلكين الفقراء في المناطق الحضرية.153 غير أن قابلية الأغذية الحيوانية المصدر للتلف، وبخاصة الألبان الطازجة والأسماك والبيض، يمكن أن يؤدي إلى تقييد المعروض من الإمدادات وبالتالي زيادة الأسعار. وحتى في ظل خيار الواردات المنخفضة الكلفة فإن هذه المنتجات لا تتيح سوى هامش محدود لتخفيض الأسعار.7
والواقع أن الأسعار المرتفعة لوحظت بالفعل في بلدان كثيرة بسبب ضعف الإنتاجية في قطاعي منتجات الألبان والدواجن. ويواجه إنتاج الألبان من ناحيته بعض القيود المحددة، ومنها على سبيل المثال أنه لا يناسب كثيرًا المناخ المداري. ومما يعيق تربية الحيوانات الحلوب في كثير من أنحاء أفريقيا ذبابة تسي تسي. ومن المفارقة أن أسعار البيض في كثير من أنحاء العالم مرتفعة على الرغم من أن الدواجن هي أكثر أنواع الإنتاج الحيواني انتشارًا في البلدان المنخفضة الدخل. ومما يؤسف له أن الإنتاج المنزلي للدواجن تعيقه في كثير من الأحيان أمراض مثل الالتهاب الدماغي الرئوي في الطيور (نيوكاسل) والافتقار إلى المدخلات. وشهدت بلدان مثل الهند التي حققت إنتاجًا تجاريًا واسع النطاق باستخدام السلالات المحسنة والأعلاف والحظائر واللقاحات تراجعًا ملحوظًا في أسعار البيض ومنتجات الدواجن حتى في خِضم ازدياد الطلب.7
وفي جنوب شرق آسيا، أدت التقنيات الزراعية الابتكارية "الذكية مناخيًا" التي تشمل ممارسات زراعية منخفضة الكلفة وسليمة بيئيًا إلى ارتفاع مستوى دخل الأسر الفقيرة، خاصة في المناطق الريفية والنائية، بينما أدّت أيضًا إلى زيادة تنوع المواد الغذائية المتاحة في الأسواق المحلية. من ذلك على سبيل المثال أن ممارسات "استزراع الأسماك في حقول الأرز" التي تجمع بين المنتجات المائية والأرز كمحصول رئيسي في جمهورية لاو الديمقراطية الشعبية أدّت إلى زيادة الدخل الأسري من خلال التنويع وزيادة كفاءة استخدام المدخلات.154 وأدّت الحيوانات والنباتات المائية المستزرعة في حقول الأرز إلى زيادة تنوع النمط الغذائي في الاستهلاك الغذائي وتوفر للسكان مصدرًا مهمًا وميسور الكلفة للبروتينات والمغذيات الدقيقة.155
وتؤكد مجموعة كبيرة من الأدلة أن هناك عائدًا كبيرًا على الاستثمارات العامة في البحث والتطوير الزراعي. ويمكن لإدخال التكنولوجيات الزراعية والممارسات الجديدة في آن واحد أن يزيد كثيرًا من الإنتاجية ويخفض أسعار الأغذية في البلدان المنخفضة الدخل. وفيما يتعلق بالأغذية الأساسية، يمكن لهذه الجهود المتضافرة أن تخفِّض أسعار الأغذية بنسبة تصل إلى 49 في المائة للذرة، و43 في المائة للأرز، و45 في المائة للقمح.156 ويمكن لأصحاب الحيازات الصغيرة في البلدان المنخفضة الدخل الاستفادة من مجموعة واسعة من التكنولوجيات، بما فيها الزراعة بدون حرث، واستخدام المحاصيل القادرة على تحمل الحرارة، والتلقيح الاصطناعي في الماشية، والنُهج القائمة على الحمض النووي للكشف عن مسببات الأمراض ورصدها.157،ا158
وعلى الرغم من الإمكانات الهائلة للتطورات التكنولوجية، لا يزال حاليًا البحث والتطوير في القطاع الزراعي غير كافٍ في كثير من البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل.159 من ذلك على سبيل المثال أن عينة من 70 بلدًا من البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل كشفت عن أن متوسط عدد الباحثين في القطاع العام لكل مليون من السكان في البلد يتراوح بين 4 و5 في مجال بحوث الحبوب، ويبلغ باحثًا واحدًا فقط في كل منها في مجال زراعة الفاكهة والخضار.160 ويرجع استمرار ارتفاع الأسعار، لا سيما أسعار السلع الغذائية الأكثر قابلية للتلف، مثل الفاكهة والخضار والمنتجات الحيوانية والسمكية، إلى التركيز على الأغذية الأساسية.
واقترن التقدم الاقتصادي السريع في إثيوبيا خلال العقدين الفائتين بزيادات هائلة في الإنتاجية الزراعية، مدفوعًا بالسياسات والاستثمارات الحكومية. ومع ذلك فقد انطوى ذلك على توجيه مستويات أعلى كثيرًا من الاستثمار نحو زيادة إنتاجية الأغذية النشوية، مما أدى في نهاية المطاف إلى خفض أسعار الأغذية الأساسية وزيادة نسبية في أسعار الأغذية المغذية (أنظر الإطار 17).
خلال الفترة 2004-2010، كانت إثيوبيا واحدة من أسرع الاقتصادات نموًا في العالم وبلغ متوسط نمو ناتجها المحلي الإجمالي السنوي آنذاك 11 في المائة وأقل بقليل من 10 في المائة خلال الفترة 2011-2017. وكان من بين العوامل العديدة التي ساهمت في هذا النجاح الاقتصادي سرعة تحديث القطاع الزراعي، مما أدى إلى زيادة ملحوظة في إنتاجية الحبوب.162
وصاحب هذا التحول الاقتصادي زيادة سريعة في التضخم الغذائي وزيادات في الأجور الاسمية في الفترة من 2002 إلى 2016. وازدادت بصفة خاصة تكاليف الأغذية الحيوانية المصدر والفاكهة والخضار والبقول بسرعة أكبر كثيرًا من كلفة الأغذية النشوية والزيوت والدهون، وهو ما يُعبِّر في جانب منه عن التزام الحكومة بزيادة إنتاجية أصناف المحاصيل التقليدية، مثل حشيشة الحب الحبشية والقمح والذرة.163
غير أن التحول الزراعي لم يأخذ في الحسبان جودة النمط الغذائي والعواقب الصحية للأنماط الغذائية ذات الجودة التغذوية المنخفضة. وساعد التحول الزراعي على التخفيف من حدة الفقر من خلال خفض أسعار الحبوب، ولكن عدم كفاية الاستثمار في إنتاج المحاصيل العالية القيمة، مثل الفاكهة والخضار والأغذية الحيوانية المصدر ساهم في رفع الأسعار النسبية لهذه الأغذية مقارنة بالأغذية النشوية، مما أدى بالتالي إلى تقييد القدرة على شراء هذه الأغذية المغذية، خاصة في الأسر الأشد فقرًا.
وأثناء هذا التحول، ازدادت الأجور الاسمية بوتيرة أسرع من كلفة النمط الغذائي الملائم من حيث المغذيات، مما أدى إلى زيادة القدرة على تحمل كلفة هذا النمط الغذائي (كما هو مبيَّن في الإطار 10) بمرور الوقت، إذ بات يُمثِّل 22 في المائة من متوسط الأجر الاسمي في عام 2016 مقارنة بنسبة بلغت 32 في المائة في عام 2008. غير أن هذا التحسن كان ناجمًا عن زيادات في الأجور وليس عن تراجع أسعار الأغذية.164
وحتى إذا كانت الزيادات في الأجور إيجابية بصفة عامة بالنسبة للقدرة الحقيقية على تحمل كلفة النمط الغذائي مثلما حدث في إثيوبيا فإن الزيادة الأعلى في كلفة الأنماط الغذائية الصحية تفرض تحديات مهمة. وبالنظر إلى المرونة الكبيرة في الطلب على الأغذية المغذية (أي أن أي تغيير طفيف في الأسعار يقابله تغيير كبير في الطلب)، يميل المستهلكون إلى الإحجام عن استخدام الزيادات في الأجور لشراء هذه الأغذية. ويتطلب خفض أسعار السلع العالية الجودة تركيز التحول الاقتصادي في البلد ليس فقط على المحاصيل الأساسية التقليدية، بل وكذلك على تحسين نُظم إنتاج قطاعات المحاصيل من غير الحبوب.49
غير أن زيادة الإنتاجية قد لا تحقق مكاسب من تلقاء نفسها. وبدون الوصول إلى الأسواق لاستيعاب المعروض من الإمدادات المحلية الزائدة، لن تكون هناك حوافز قوية تشجِّع على زيادة الإنتاج لأن ذلك لن يفضي إلاّ إلى خفض أسعار باب المزرعة.161 ويؤدي هذا الانخفاض في الأسعار بدوره إلى تثبيط زيادة إنتاج الأغذية والابتكار التكنولوجي في القطاع،161 ويفضي في نهاية المطاف إلى ارتفاع أسعار الأغذية.
يمكن لمزاولة العمل في قطاع الأغذية والزراعة أن يكون مسعى محفوفًا بمخاطر متأصلة سواءً في الإنتاج المحصولي أو الحيواني، أو مصايد الأسماك وتربية الأحياء المائية، أو الحراجة. وينطبق ذلك بصفة خاصة على المزارعين الأسريين وصغار المنتجين الأفقر في الأراضي الحدية أو المنتجين الذين تضيق سُبل وصولهم إلى التكنولوجيا أو رأس المال أو الموارد الإنتاجية الأخرى. وفي قطاع إنتاج المحاصيل، تنطوي الأغذية الأساسية التقليدية عمومًا على مخاطر أقل بالمقارنة مع إنتاج الأغذية العالية القيمة والمغذية. وقد يكون من المنطقي لكثير من أصحاب الحيازات الصغيرة ذوي الدخل المنخفض اختيار التقيُّد بالإنتاجية المنخفضة والخيارات التكنولوجية الأقل مخاطرة، ولكن سيكون من نتيجة ذلك أن الأسر الفقيرة قد لا تنتج في أي وقت من الأوقات ما يكفي لتمكينها من توفير الغذاء المغذي المتنوع الكافي للأسرة. ويتناقض ذلك بصورة صارخة مع قطاعات الأغذية والزراعة في البلدان المرتفعة الدخل التي يمكن فيها للمنتجين شراء التأمين لحماية دخلهم.
وتشكل إدارة المخاطر جانبًا مهمًا لإنتاج الأغذية في جميع قطاعات الأغذية والزراعة، وهي جانب يؤثر تأثيرًا كبيرًا على ما يقرر المنتجون زراعته أو تربيته أو صيده. ويؤثر ذلك بصورة غير مباشرة على الأسعار وبالتالي على كلفة الأنماط الغذائية ومدى قدرة المستهلك على تحمل كلفة شرائها. ويُشار في كثير من الأحيان إلى إنتاج الخضار بأنه خيار مربح ولكنه ينطوي على مخاطر أكبر لأصحاب الحيازات الصغيرة. وتشمل عوامل المخاطر ارتفاع مستويات الإنفاق الرأسمالي، مثل معدات الري؛ وخسائر الحصاد المحتملة بسبب ظروف الطقس المتطرفة؛ وما تتسم به الخضار بحكم طبيعتها من قابلية شديدة للتلف؛ وتغيُّر مستويات طلب المستهلكين؛ وتقلب أسعار المنتجين. وتتطلب قطاعات أخرى، مثل تربية الحيوانات أو مصايد الأسماك أو تربية الأحياء المائية أيضًا مستويات كبيرة من الاستثمار الرأسمالي وتتطلب بالتالي فهمًا جيدًا لعوامل الخطر قبل الانخراط في الإنتاج.
وخلصت دراسة نوعية أُجريت في إثيوبيا لتصورات أصحاب الحيازات الصغيرة بشأن مخاطر إنتاج الخضار إلى أن المخاطر الرئيسية التي لاحظها المزارعون هي تقلبات أسعار السوق، وتليها موجات الجفاف والآفات.165 وفي ملاوي وموزامبيق، تتعرض سلاسل قيمة الخضار التقليدية لمخاطر ليس فقط على مستوى الإنتاج، بل وكذلك في سائر مراحل سلسلة القيمة بسبب ضعف البنية التحتية والافتقار إلى مرافق التجهيز أو التغليف.166
وفي ظل عدم إمكانية الوصول إلى المعرفة والمعلومات والائتمان، يمثل كل ما سبق مخاطر تؤثر على قرارات منتجي الأغذية المتعلقة بالاستثمار في إنتاج المحاصيل أو الإنتاج الحيواني أو تربية الأحياء المائية، مما يؤثر في نهاية المطاف على توافر الأغذية المغذية وأسعارها بصفة عامة. وسيواصل كثير من المنتجين زراعة ما لديهم معرفة أفضل بإنتاجه، وهو في جانب كبير منه الأغذية الأساسية، بدلًا من المغامرة بزراعة منتجات أكثر عرضة للمخاطر أو غيرها من السلع ذات المحتوى التغذوي الأعلى.167
وواجه أصحاب الحيازات الصغيرة الذين شاركوا بنجاح في إنتاج الخضار عوامل عديدة مشتركة تمثلت في إمكانية الوصول إلى الأسواق، والسُبل المعززة للحصول على الائتمان، والبنية التحتية للري، والتكنولوجيا، والمعرفة،168 وتمثل الزراعة التعاقدية للكثيرين أداة يمكن أن توفِّر لهم تيقنًا بشأن العائد المتوقع من الإنتاج. وفي الهند، على سبيل المثال، أسهمت الزراعة التعاقدية في مجال إنتاج البصل إلى زيادة الغلات ورفع المستويات العامة للإنتاج.169
تتسم أسعار معظم المنتجات الغذائية والزراعية بتغيرات موسمية كبيرة، فهي تصل في العادة إلى ذروتها قبل الحصاد مباشرة، عندما تكون الإمدادات الغذائية شحيحة، وتتراجع بعد ذلك. وعادة ما تكون التغيرات الموسمية في أسعار الفاكهة والخضار أكثر تطرفًا نظرًا لاختلاف مراحل ذروتها تبعًا لتوقيت جني المحصول. وحتى في الحالات التي يقوم فيها الناس بالاستعاضة عن الأغذية تبعًا لتقلبات الأسعار فإن أقل النفقات المحتملة المطلوبة لتلبية جميع متطلبات المتناول من المغذيات تتباين كثيرًا بسبب التغيرات الموسمية، بينما تقل في العادة تقلبات كلفة السعرات الحرارية (المستمدة في جانب كبير منها من الأغذية الأساسية الأقل عرضة للتلف)170 (أنظر الإطار 18).
طاجيكستان بلد غير ساحلي متوسط الدخل من الشريحة الدنيا يعتمد بدرجة كبيرة على الزراعة والتحويلات المالية. ويؤدي طول فصل الشتاء وتعرض البلد بشدة للصدمات الطبيعية والتغيرات الموسمية في إنتاج الأغذية إلى تقييد إمكانية وصوله إلى الأسواق والأغذية المغذية.172 وبالإضافة إلى ذلك، تعتمد أسر كثيرة بشدة على التحويلات المالية من العمالة الموسمية التي يزاول معظمها أعمال البناء في الاتحاد الروسي. وتسبب التأثير المزدوج للصدمات المرتبطة بالمناخ والتغيرات الموسمية والتحويلات المالية غير المنتظمة في حدوث زيادات موسمية وسنوية في أسعار الأغذية، مما أدى إلى رفع كلفة الأنماط الغذائية الملائمة من حيث المغذيات في نفس الوقت الذي تراجعت فيه مستويات القدرة على تحمل كلفة الحصول على تلك الأنماط الغذائية. وتُنفق الأسر بالفعل ما يتراوح بين 50 و60 في المائة من نفقاتها على الغذاء، وهي لذلك غير قادرة على تحمل كثير من التغيير في أسعار الأغذية.
وساعد تحليل سد فجوة المغذيات بدعم من برنامج الأغذية العالمي على الكشف عن الحواجز الرئيسية التي تواجهها الفئات الأشد ضعفًا في أربعة من الأقاليم في طاجيكستان في الحصول على أغذية مغذية.173 وتبيَّن من التحليل أن ما تراوح بين 29 و42 في المائة من الأسر لم يكن بوسعه تحمل كلفة الحصول على نمط غذائي يحتوي على ما يكفي من المغذيات. وعندما أخذت في الحسبان معدلات الاستهلاك المعتاد العالي للزيوت النباتية والدهون، ازدادت هذه النسبة إلى ما تراوح بين 41 و56 في المائة.
ونتيجة للزيادة من سنة إلى أخرى في أسعار الأغذية والمواد غير الغذائية والتقلبات في فرص كسب الدخل خلال الفترة 2014-2017 أي انخفاض نسبة الأسر التي ذكرت أنها "عملت خلال الأسبوع السابق" - لوحظ اتجاه نحو الهبوط في القدرة على تحمل الكلفة. وكشف التحليل عن تراجع القدرة على تحمل الكلفة من 55 في المائة في مايو/أيار 2015 إلى 45 في المائة في يونيو/حزيران 2016، بينما أظهرت بيانات عمليات الرصد التي أجراها برنامج الأغذية العالمي أن نسبة الأسر الريفية التي أبلغت عن إنفاق أكثر من 65 في المائة من نفقاتها على الأغذية ازدادت من 33 في المائة في ديسمبر/كانون الأول 2014 إلى 60 في المائة في ديسمبر/كانون الأول 2017. 174
وفي الحالات التي تتسم فيها أسعار الأغذية بدرجة كبيرة من التغير الموسمي، يمكن أن ينطوي ذلك على عواقب خاصة بالنسبة للمتناول الغذائي والنتائج التغذوية ويمكن أن يتسبب أيضًا في زيادة تقلب أسعار الأغذية،171 مما يؤدي إلى فرض مزيد من التحديات على الأمن الغذائي والتغذية. وأشارت دراسة شملت 13 سلعة في 193 سوقًا في سبعة بلدان إلى ارتفاع مستويات التغيرات الموسمية في أسعار في أسواق الأغذية الأفريقية اعتمادًا على قياس "الفجوة الموسمية". وبلغت الفجوة الموسمية، التي تعرّف بأنها متوسط الفرق بين السعر المرتفع قبل الحصاد مباشرة والسعر المنخفض بعد الحصاد على مدى عدة سنوات، أعلى مستوياتها في الفاكهة والخضار بينما بلغت أدنى مستوى لها في السلع المنتجة طوال السنة، مثل البيض (الجدول 10). ووصلت التغيرات الموسمية لأسعار الأغذية في بعض البلدان إلى مستويات عالية للغاية حتى في الأغذية الأساسية، مثل الذرة.171
ومن المتوقع أن يؤدي تغيُّر المناخ إلى زيادة مفاقمة الموسمية من خلال زيادة تكرار موجات الجفاف واختلال إنتاج الأغذية بسبب الفيضانات والعواصف المدارية، وارتفاع درجات الحرارة وازدياد تقلبها، وازدياد عدم انتظام هطول الأمطار. وتعاني الدول النامية الجزرية الصغيرة بصفة خاصة من هذه التأثيرات الناجمة عن تغيُّر المناخ، بما فيها التأثيرات الناجمة عن الأعاصير بمختلف أنواعها، وارتفاع مستويات سطح البحر، وتآكل السواحل. وتفاقم هذه التغييرات بيئاتها الطبيعية الهشة بالفعل مما يزيد من صعوبة إنتاج أغذية كافية بكلفة معقولة لتلبية احتياجاتها الغذائية.175
وسيؤدي تغيُّر المناخ إلى تراجع عام في الإنتاج الزراعي خلال العقدين المقبلين أو العقود الثلاثة المقبلة، وهو ما سيُشكِّل دافعًا كامنًا رئيسيًا وراء كلفة الأغذية في المستقبل القريب. وعلاوة على ذلك، يؤدي التدهور العام في جودة التربة وظروف النظام البيئي الزراعي إلى انخفاض عام في الإنتاج الزراعي.176،ا177 وأشارت التنبؤات إلى أنه بالنظر إلى أن تغيُّر المناخ في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى يؤثر على إنتاج الأغذية، لا سيما من خلال متوسط درجة الحرارة وتغيُّر أنماط هطول الأمطار، يمكن أن يزداد متوسط سعر الاستهلاك للذرة وغيره من الحبوب الخشنة بنسبة تتراوح بين 150 و200 في المائة خلال فترة مدتها 20 سنة (2010–2030)، وستُسجَّل أكبر الزيادات في الأسعار في الجنوب الأفريقي.178 وتشير دراسة حول تغير المناخ في أكبر خمسة بلدان في جنوب آسيا إلى أن من المرجح حدوث آثار سلبية كبيرة على إنتاج الأغذية والإنتاجية الزراعية، بينما من المتوقع أن ترتفع أسعار الأغذية. وينطوي ذلك على تداعيات مهمة بالنسبة للأمن الغذائي والتغذية.179 وبالمثل، تُظهر دراسة طويلة الأمد في ماليزيا (1980–2017) أن تغير المناخ أثر سلبًا على إنتاج الفاكهة والخضار180 وأن ذلك يمكن أن يدفع إلى تحول أنماط تناول الطعام نحو تناول كميات أقل من الفاكهة والخضار وزيادة استهلاك الأغذية والمشروبات العالية التجهيز الغنية بالدهون المشبَّعة والدهون المتحولة والسكريات و/أو الملح.145
وتُشكل أنماط استهلاك الأغذية الحالية والنُظم الغذائية التي تدعمها محركات رئيسيةً للآثار البيئية السلبية وتغيُّر المناخ على حد سواء، مما يؤدي إلى إيجاد حلقة مفرغة. وكما يتبيَّن من القسم 2–2، تنطوي هذه الأنماط والنُظم على تشعُّبات كبيرة بالنسبة لحالة البيئة وتغيُّر المناخ. وتؤدي الأنماط الحالية للطلب على الأغذية إلى تكاليف اجتماعية كبيرة مستترة من حيث انبعاثات غازات الاحتباس الحراري وتغيُّر المناخ، وهي تكاليف تُشير التقديرات إلى أنها ستصل إلى 1.7 ترليون دولار أمريكي سنويًا بحلول عام 2030 (الشكل 37). ومع ذلك، هناك أيضًا أدلة قوية تثبت دور تغيُّر المناخ العالمي في زيادة تقلبات المناخ والظواهر المتطرفة والتغيرات الموسمية التي لا يمكن التنبؤ بها بحسب ما أكده التحليل المناخي المتعمِّق الذي ورد في إصدار عام 2018 من هذا التقرير. وتتفاقم التقلبات المناخية والظواهر الجوية الشديدة والأنماط الموسمية التي لا يمكن التنبؤ بها بسبب عدم معالجة التكاليف المستترة البيئية والمرتبطة بتغيُّر المناخ. ويؤثر ذلك بدوره تأثيرًا سلبيًا على الإنتاجية في القطاعين الغذائي والزراعي، ويؤدي في نهاية المطاف إلى زيادة كلفة الأغذية المغذية والأنماط الغذائية الصحية.
بالإضافة إلى تحديات تنويع إنتاج الأغذية وزيادة إنتاجية الأغذية المغذية، هناك مجموعة من المعوقات على طول سلسلة إمدادات الأغذية يجب معالجتها من أجل تقديم مجموعة متنوعة من الأغذية المغذية والمأمونة بكلفة أقل للمستهلكين.
يُمثِّل الحد من خسائر ما قبل الحصاد وبعده من حيث الكم والنوعية على مستوى الإنتاج في قطاعات الزراعة ومصايد الأسماك والحراجة منطلقًا مهمًا نحو خفض تكاليف الأغذية المغذية على طول سلسلة إمدادات الأغذية. ويرجع السبب في ذلك إلى أن الخسائر تقلل من توافر هذه الأغذية بصفة عامة بينما يمكن أن تقوِّض الاستدامة البيئية. ومن الحاسم في البلدان المنخفضة الدخل التي يبلغ فيها انعدام الأمن الغذائي مستويات شديدة في كثير من الأحيان، زيادة إمكانية الحصول على كمية ومجموعة متنوعة أكبر من الأغذية.
وسيختلف تأثير الحد من الفاقد من الأغذية على إمكانية الحصول على الغذاء بالنسبة لكل عنصر فاعل في سلسلة إمدادات الأغذية، تبعًا للتأثير العام على الأسعار. من ذلك على سبيل المثال أن انخفاض الأسعار يمكن أن يُحسِّن إمكانية حصول المستهلكين على الغذاء، ولكن إذا لم يكن مدعومًا بزيادات متناسبة في الإنتاجية على مستوى الإنتاج فإنه يمكن أن يُقلل حالة الأمن الغذائي للأسر الزراعية التجارية نظرًا لأنها ستحصل حينئذ على أسعار أقل مقابل منتجاتها.181 ويؤكد ذلك أهمية الجمع بين الحد من الخسائر قبل الحصاد وبعده على مستوى الإنتاج، والاستثمارات الأخرى لتحقيق زيادات في الإنتاجية (كما هو موضح أعلاه) في إطار الجهود الشاملة لزيادة الإنتاجية. ويمكن لهذه الجهود المتضافرة أن تسهم ليس فقط في تخفيض أسعار الاستهلاك، بل وكذلك زيادة هوامش الربح لمنتجي الأغذية.
وتُظهر آخر التقديرات أن حوالي 14 في المائة من أغذية العالم يفقد أثناء مرحلة الإنتاج بعد الحصاد وقبل الوصول إلى مستوى التجزئة. ويجمع برنامج الأمم المتحدة للبيئة تقديرات عالمية منقحة للنسب المئوية للأغذية المهدرة سنويًا على مستوى التجزئة والمستهلكين.181
وعلى طول سلسلة الإمداد من الإنتاج إلى مستوى تجارة الجملة والتجزئة، تُسجَّل أعلى مستويات الفاقد والمهدر من الأغذية بصفة عامة في الأغذية المغذية القابلة للتلف، بما فيها الفاكهة والخضار والمنتجات الحيوانية. وخلص تحليل أُجري مؤخرًا إلى أن الفاقد والمهدر يبلغ مستويات أعلى في الفاكهة والخضار مقارنة بالحبوب والبقول في جميع مراحل سلسلة إمدادات الأغذية، باستثناء الخسائر التي تحدث في المزرعة وأثناء النقل في شرق آسيا وجنوبها الشرقي.181 من ذلك على سبيل المثال أن الفاقد والمهدر من الفاكهة والخضار على مستوى التجزئة في مرحلة واحدة فقط من سلسلة الإمداد يبلغ 35 في المائة في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى.
ومن الأسباب المهمة للفاقد في مرحلة الإنتاج التعرض لظروف الطقس المناوئة، وممارسات الحصاد والمناولة، وكذلك تحديات التسويق. وينشأ عن عدم ملاءمة ظروف التخزين والقرارات المتخذة في المراحل المبكرة من سلسلة الإمداد (مثل الافتقار إلى الإدارة السليمة للصحة النباتية وعدم كفاية تعبئة الأغذية وتغليفها) تقصير مدة صلاحية المنتجات. ويمكن للتخزين البارد الكافي بصفة خاصة أن يكون حاسمًا في منع الخسائر الكمية والنوعية في الأغذية القابلة للتلف. وعلاوة على ذلك، تتسم البنية التحتية المادية الجيدة وكفاءة لوجستيات التجارة أثناء النقل بأهمية رئيسية في منع الفاقد من الأغذية.
ويتطلب الحد من الفاقد والمهدر من الأغذية بصفة عامة تكاليف معيَّنة. ولن يبذل المنتجون والمستهلكون الجهود اللازمة ما لم تكن فوائد ذلك تفوق التكاليف. وبالنسبة للمنتجين فإن فوائد الحد من الفاقد من الأغذية عن طريق الاستثمار في التكنولوجيا أو الممارسات المحسَّنة يمكن أن تكون صغيرة جدًا بالمقارنة مع كلفة الاستثمار. وبالنسبة للمستهلكين، يمكن أن تكون قيمة وقتهم أعلى من أن تُبرر الجهد المبذول للحد من المهدر، مثل تخطيط مشتريات الأغذية، وتحضير الوجبات، وإدارة مخزونات الأغذية.181 ومرة أخرى، يتوقف أثر الحد من الفاقد والمهدر من الأغذية على الطريقة التي ينتقل بها تأثير ذلك على الأسعار في كل مراحل سلسلة إمدادات الأغذية؛ ويمكن أن تستفيد بعض الجهات الفاعلة بينما تخسر جهات فاعلة أخرى. وينبغي أن توفِّر السياسة العامة الحوافز المناسبة التي تُشجِّع المنتجين على الحد من الفاقد من الأغذية وتُحفِّز المستهلكين على الحد من المهدر من الأغذية من أجل تعظيم الفوائد الاجتماعية وخفض كلفة الأغذية المغذية.
تتسم الفاكهة والخضار والأغذية الحيوانية المصدر بقابليتها الشديدة للتلف، لا سيما الأسماك والألبان الطازجة واللحوم والبيض. ويمكن لعدم وجود بنية تحتية مناسبة للسوق وتكنولوجيا التجهيز المحدودة أن يُسفر عن فواقد في الأغذية وبالتالي رفع أسعارها، خاصة الأغذية ذات القابلية الشديدة للتلف، مثل الألبان. وكما جاء أعلاه فإن التكنولوجيا والبنية التحتية المحسَّنة في المناولة والتخزين والمعالجة (نُظم التخزين البارد، والسلاسل الباردة، وتقنيات التجفيف، والتغليف المحسَّن) تتيح فرصًا للحد من الفاقد وتخفيض أسعار استهلاك الأغذية. ويمكن لبعض تقنيات التجهيز زيادة محتوى المغذيات في الأغذية وتحسين التوافر البيولوجي للمغذيات بوسائل تشمل التخمير والإنبات والتحميص.182،ا248
ويعتمد بعض تقنيات الحفظ على مستويات منخفضة من التكنولوجيا (مثل الهواء الطلق أو التجفيف الشمسي أو تدخين الأسماك)؛ غير أن توفير إمدادات مستقرة من الكهرباء مهم للتخزين البارد للسلع القابلة للتلف التي تتطلب تبريدًا. وفي أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى لا تزال مرافق التبريد غير متاحة لمعظم أصحاب الحيازات الصغيرة. وتُشير التقديرات إلى تدهور 25 في المائة من الألبان في جمهورية تنزانيا المتحدة بسبب نقص مرافق التبريد؛ ولم يتم تبريد 97 في المائة من اللحوم الحمراء المباعة في البلد في أي وقت من الأوقات.183 وتتطلب الأغذية الشديدة القابلية للتلف مرافق تخزين يمكن التحكم في درجة حرارتها وظروف رطوبتها. وفي ظل عدم وجود هذه المرافق، لا يتاح لكثير من المنتجين سوى خيار بيع منتجاتهم فورًا بغض النظر عن سعر السوق أو مواجهة خطر تكبد خسائر فادحة.183 ومن هنا فإن الافتقار إلى مرافق التخزين الكافية يؤثر تأثيرًا سلبيًا على دخل أصحاب الحيازات الصغيرة وعلى توافر الأغذية الطازجة المنتجة محليًا وتكاليفها.
ومن المكونات المهمة الأخرى للبنية التحتية للسوق الجودة العامة لكفاءة شبكة الطرق والنقل الوطنية التي تُسهم بدور حاسم في نقل المنتجات من باب المزرعة إلى الأسواق بكلفة معقولة. ويتسم الاستثمار في الطرق الريفية المناسبة لجميع ظروف الطقس بأهمية خاصة. ويُقلِّص ذلك المدة الزمنية التي يستغرقها الوصول إلى الأسواق في المناطق الريفية والحضرية ويساعد أيضًا على الحد من خسائر ما قبل الحصاد وما بعده، بما في ذلك الفاكهة والخضار القابلة للتلف. وفي كثير من البلدان، تُشكل تكاليف النقل حاجزًا يحول دون زيادة القدرة على تحمل كلفة الحصول على الأنماط الغذائية الصحية، لا سيما بين المستهلكين ذوي الدخل المنخفض (الإطار 19). ولذلك يحقق الاستثمار في البنية التحتية للطرق عائدًا كبيرًا في توصيل الأغذية المغذية إلى السوق بكلفة أقل.
يمكن للاستثمارات العامة في شبكات الطرق في 14 بلدًا أفريقيًا أن تساعد على زيادة القدرة، خاصة لدى الشرائح السكانية الأشد فقرًا، على شراء أنماط غذائية ملائمة من حيث المغذيات،* عن طريق خفض تكاليف النقل بما يصل إلى 50 دولارًا أمريكيًا لكل أسرة سنويًا. وساعدت محاكاة أثر التحسينات في البنية التحتية للطرق على تخفيض أسعار السلع الغذائية الرئيسية على زيادة مستويات القدرة على شراء أنماط غذائية ملائمة من حيث المغذيات في بلدان بعينها**.
ويستند تقدير وفورات التكاليف المحتملة لذلك النمط الغذائي، كما هو مبيَّن في الشكل الوارد أدناه، إلى افتراضين. أولًا، سيؤدي تحسين شبكة الطرق إلى خفض متوسط تكاليف نقل سلعة غذائية معيَّنة مقارنة بكلفة نقل نفس المنتج في جنوب أفريقيا، وهي البلد الذي يُعد الأكثر كفاءة من حيث شبكة النقل في الإقليم.*** ثانيًا، ينتقل انخفاض التكاليف إلى سعر التجزئة النهائي للسلعة الغذائية موضوع التحليل.
النتائج. إذا ازدادت كفاءة النقل نتيجة لتحسن شبكة الطرق فإن الوفورات المحتملة يمكن أن تبلغ 7 دولارات أمريكية للفرد في المتوسط سنويًا في جميع البلدان موضوع التحليل. وبافتراض أن متوسط حجم الأسرة هو خمسة أفراد187 في البلدان موضوع التحليل فإن هذه الوفورات يمكن أن تبلغ 35 دولارًا أمريكيًا للأسرة سنويًا. وبالنظر إلى اختلاف تركيبة النظام الغذائي المغذي وهيكله في كل بلد، يختلف تأثير الوفورات الناجم عن تخفيض تكاليف النقل باختلاف البلدان. من ذلك على سبيل المثال أن الوفورات لكل أسرة في بوركينا فاسو يمكن أن تصل إلى 55 دولارًا أمريكيًا في السنة. ويقترب نصيب الفرد من الوفورات في كلفة النمط الغذائي في بوركينا فاسو وبوروندي وموزامبيق من 1 في المائة من نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي السنوي. ولا يلاحظ التأثير بنفس درجة الوضوح في ملاوي ورواندا والسنغال التي تقل فيها كلفة النمط الغذائي الملائم من حيث المغذيات بمقدار 25 دولارًا أمريكيًا للأسرة سنويًا. وبالنظر إلى أن انخفاض تكاليف النقل يمكن أن يغيِّر السعر النسبي للمنتجات المختلفة فإن ذلك يمكن أن يؤدي أيضًا إلى تغييرات تدريجية في تركيبة النمط الغذائي. من ذلك على سبيل المثال أن المستهلكين في بنن يمكنهم البدء في استهلاك مزيد من البطاطا نظرًا لازدياد القدرة على تحمل كلفة شرائها مقارنة بالذرة.
وتؤكد هذه النتائج أهمية الاستثمارات العامة في البنية التحتية لدعم زيادة القدرة على تحمل كلفة النمط الغذائي الملائم من حيث المغذيات. ويمكن للسياسات والاستثمارات التي تدعم توفير المنافع العامة، مثل الطرق والسكك الحديدية وخدمات النقل، وهي سياسات مختلفة عن سياسات التجارة التي غالبًا ما تولِّد حوافز متعارضة للمنتجين والمستهلكين كما هو موضح أدناه (أنظر الإطار 24 المتعلق بسياسة التجارة في أمريكا الوسطى)، أن تؤثر تأثيرًا إيجابيًا على جميع الجهات الفاعلة على طول سلسلة إمدادات الأغذية.
الاستثمارات العامة وتحسين شبكات الطرق في أفريقيا يمكن أن تؤدي إلى تخفيضات سنوية كبيرة في كلفة النمط الغذائي الملائم من حيث المغذيات (2014-2017)
وتحسَّنت بصفة عامة قدرة صغار ومتوسطي المنتجين على التعامل مع الأسواق على المستويين المحلي والدولي. ونشأ هذا الاتجاه أساسًا عن تحسن إمكانية وصولهم إلى البنية التحتية المحلية (مثل شبكة الطاقة الكهربائية والطرق) والمتاجر الكبرى المحلية،184 إلى جانب قربهم من الأسواق في المراكز الحضرية المتنامية. غير أن هذه الميزة غالبًا ما تقابلها صعوبات يواجهها صغار المنتجين في الامتثال لعمليات الشراء الموحدة المتزايدة التي تصاحب الاتجاهات في "تطبيق عادات التسويق لدى المتاجر الكبرى" بصورة منهجية وعولمة الأسواق.185 وعلاوة على ذلك لا يزال تدني حالة شبكات الطرق يحد من وجود أسواق جيدة الأداء.
وفي ما يتعلق بصناعة تجهيز الأغذية، هناك مخاوف من أن السياسات الغذائية والقطاع الخاص يُشجعان "السعرات الحرارية غير المكلفة والمغذيات الباهظة الكلفة"،186 مما يفضي إلى زيادة انتشار الوزن الزائد ونقص المغذيات الدقيقة. ويبعث ذلك على القلق بصفة خاصة في البلدان المرتفعة الدخل والبلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل التي تشهد نموًا سريعًا وبات فيها القطاع الزراعي، أو في طريقه إلى أن يصبح بسرعة موردًا للمواد الخام اللازمة لصناعة تجهيز الأغذية بدلًا من توفير الأغذية ذات الاستهلاك البشري المباشر.186 وأكدت هذه التطورات الحاجة إلى تدخلات على صعيد السياسات لتعزيز النُظم الغذائية المراعية للتغذية بدءًا من الإنتاج ومرورًا بكل مراحل سلسلة القيمة الغذائية كما هو موضح في القسم التالي.
بيئة الأغذية هي "السياق المادي والاقتصادي والسياسي والاجتماعي والثقافي الذي يتفاعل فيه المستهلكون مع النظام الغذائي لاتخاذ قراراتهم بشأن الحصول على الغذاء وتحضيره واستهلاكه".35 وهي السوق التي تحدَّد فيها أسعار الأغذية على أساس العرض والطلب، وتتشكل فيها الأفضليات بفعل التسويق الغذائي، ويتبلور فيها فهم المستهلكين وتوقعاتهم لسلامة الأغذية وجودتها (على سبيل المثال من خلال التوسيم التغذوي). وتتسم قرارات المستهلكين أيضًا بأهميتها في تحديد حجم الميزانية التي تنفقها الأسرة على الغذاء وتحديد البنود الغذائية التي تنفق عليها بصفة خاصة.
وتستند قرارات الاستهلاك، من ناحية، إلى الأسعار النسبية ودخل المستهلك (أو الكلفة والقدرة على الشراء) وتفضيلات المستهلك. ويركز هذا الجزء من التقرير على الكلفة والقدرة على الشراء، ولكن، كما سيتبيَّن في القسم 2–4، تعتمد فعالية السياسات للحد من كلفة الأغذية المغذية وزيادة القدرة على شراء الأنماط الغذائية الصحية على التدابير التي تُشكل بيئة الأغذية والسياسات الأخرى التي تساعد على توجيه تفضيلات المستهلكين نحو الأنماط الغذائية الصحية.
وتُمثل المسافة المطلوبة للوصول إلى أسواق الأغذية والمدة التي يتطلبها تحضير وجبة صحية حواجز رئيسية تحول دون حصول كثير من المستهلكين على أنماط غذائية صحية واختيار دفع كلفة أعلى نظير الحصول على تلك الأنماط الغذائية الصحية. ويمكن النظر إلى هذه الحواجز باعتبارها دوافع كامنة رئيسية وراء التكاليف لأن الأشخاص الذين يحاولون التغلب عليها سيضطرون إلى قبول كلفة إضافية بالإضافة إلى كلفة الغذاء نفسه. ويمكن أن يستخدم في هذا السياق وعلى النحو الموضح أدناه مفهوم "كلفة الفرصة البديلة" الذي يعني ببساطة فقدان البدائل الأخرى عند اختيار بديل ما.
يُمثِّل وصول المستهلكين المادي إلى أسواق الأغذية، سواءً في المناطق الحضرية أو الريفية في كثير من أنحاء العالم، وخاصة أسواق الفاكهة والخضار الطازجة، تحديًا كبيرًا لتناول نمط غذائي صحي. وينطبق ذلك بصفة خاصة على فئات دخل البلدان الأفقر التي لا يمكنها الوصول إلى هذه الأسواق بسبب المسافة وارتفاع تكاليف النقل. وتنطوي كلفة الفرصة البديلة لتناول الطعام الصحي لدى هذه الفئات من الدخل على كلفة مرتفعة أكثر من اللازم بسبب الوقت وتكاليف النقل التي يتعيَّن تكبدها، وينتهي بهم الأمر إلى تناول الغذاء غير الصحي المتاح بالقرب من منازلهم بكلفة أقل كثيرًا.
وفي هذه الحالات، يمكن لإنتاج الأغذية المنزلية أن يوفِّر مصدرًا جيدًا للأغذية الطازجة ويضيف تنوعًا إلى النمط الغذائي ويخفِّض كلفة النمط الغذائي الملائم من حيث المغذيات. وتبيَّن على سبيل المثال من المسح التغذوي الوطني في الفلبين أن الأسر المستهلكة تنتج أكثر من نصف الخضار الخضراء والورقية والصفراء وأكثر من ربع الخضار الأخرى التي تستهلكها.188 وأظهرت محاكاة مختلف مستويات إنتاج الأغذية المنزلية ومبيعات الخضار واستهلاكها أنه في الحالات التي تتحقق فيها مستويات مُثلى من المبيعات والاستهلاك، يمكن أن تنخفض نسبة الأسر الريفية غير القادرة على تحمل كلفة الحصول على نمط غذائي ملائم من حيث المغذيات من 37 في المائة إلى صفر.189
وتشمل الحواجز أمام التجارة المحلية التي تمنع وجود أسواق جيدة الأداء أيضًا تردي حالة شبكات الطرق أو طول المسافات بين مناطق الإنتاج والاستهلاك. وغالبًا ما تتجسَّد هذه القيود في تباين كبير في درجات القدرة على الوصول إلى السلع الغذائية، والفروق بين الأسعار داخل البلدان، وهو ما يلاحظ في بلدان مثل جمهورية تنزانيا المتحدة (الإطار 20).
تتميَّز جمهورية تنزانيا المتحدة بطول المسافات بين المناطق الزراعية الريفية والمراكز الحضرية والموانئ. ويتسبب تردي حالة الطرق في خسائر في الأغذية، لا سيما السلع القابلة للتلف، أثناء نقلها إلى الأسواق. وتُمثل الطرق الممهَّدة 31 في المائة فقط من إجمالي شبكة الطرق المصنَّفة وأما الطرق الريفية في جميع أنحاء البلد فهي في معظمها غير ممهَّدة، ومنها 90 في المائة في حالة سيئة أو سيئة للغاية.191 ويُشكل تردي حالة البنية التحتية وما ينشأ عنها من زيادة في تكاليف النقل دافعًا كامنًا مهمًا لأسعار الأغذية ليس فقط بالنسبة للمشترين الصافين للأغذية في المراكز الحضرية، بل وكذلك للمزارعين الريفيين الذين لا يمتلكون سوى قليل من الفوائض القابلة للتسويق ويبيعون معظم إنتاجهم عند باب المزرعة بدلًا من تكبد تكاليف كبيرة لنقله إلى الأسواق البعيدة.
ويبيع حوالي ثلثي المزارعين أصحاب الحيازات الصغيرة في تنزانيا إنتاجهم عند باب المزرعة بهامش ربح منخفض للغاية، بينما يواجه المستهلكون النهائيون أسعارًا مرتفعة للأغذية وذلك في جانب كبير منه بسبب ارتفاع تكاليف المعاملات والنقل.192 وتُسهم هذه العوامل المحلية في فروق بين الأقاليم من حيث كلفة مختلف الأنماط الغذائية (كما هو محدَّد في الإطار 10). ويقدَّر متوسط الكلفة اليومية للنمط الغذائي الذي يحتوي على ما يكفي من الطاقة في جمهورية تنزانيا المتحدة بمبلغ 0.53 دولارًا أمريكيًا، أي ما يمثل حوالي 30 في المائة من متوسط الإنفاق الوطني على الغذاء.49 ومن هنا فإن غالبية السكان يمكنهم الحصول على نمط غذائي نشوي ولكن لا يمكنهم تحمل كلفة شراء أنماط غذائية تحتوي على أغذية مغذية أكثر.
وفي عام 2011، لم يكن بوسع حوالي 68 في المائة من سكان تنزانيا (31 مليون نسمة) شراء نمط غذائي صحي (بحسب ما هو محدَّد في الإطار 10).49 وترجع الفروق في كلفة الأنماط الغذائية باختلاف أقاليم البلد إلى التفاوت الكبير في التكاليف المحلية بسبب المكونات الغذائية المحددة التي تختلف مساهمتها في كلفة النمط الغذائي الصحي في كل إقليم. وبتحديد أكثر فإن كلفة النمط الغذائي الصحي تبلغ أعلى مستوى لها في الأقاليم الجنوبية الشرقية من لندي، ومتوارا، وبواني، التي توجد فيها أكبر مدينة، وهي دار السلام، وكذلك في إقليم الساحل الشرقي من كليمنجارو.49
وتتراوح كلفة النمط الغذائي الصحي بين 2.54 دولارًا أمريكيًا و2.83 دولارًا أمريكيًا في هذه الأقاليم، أي أعلى من المتوسط الوطني الذي يبلغ 2.33 دولارًا أمريكيًا.49 ومن بين ستة مكونات يتألف منها النمط الغذائي الصحي (أي الأغذية النشوية، ومنتجات الألبان، والبروتينات، والفاكهة، والخضار، والزيوت)، تُمثِّل أسعار المواد الغذائية الأساسية النشوية والخضار الدوافع الكامنة الرئيسية وراء ارتفاع التكاليف. من ذلك على سبيل المثال أن كلفة المواد الغذائية الأساسية النشوية في مدينة دار السلام، وهي السوق الرئيسية ولكنها بعيدة عن أقاليم الإنتاج، هي الأعلى بين المكونات الغذائية للنمط الغذائي الصحي، إذ تزيد بنسبة 26 في المائة على المتوسط الوطني.49
ويربط أهم ممر لتسويق الأغذية الأساسية في البلد بين دار السلام ومناطق إنتاج الفوائض الأربعة في إرينغا، ومبيا، وروفواما، وروكوا - أو ما يُطلق عليه "الأقاليم الأربعة الكبرى" التي تقع في جنوب غرب البلد.193 وتبعد الأقاليم الأربعة الكبرى بأكثر من 500 كيلومتر عن مدينة دار السلام ولا تربطها أي وسيلة مريحة بأي ميناء أو بسوق التصدير الرئيسية في الشمال: نيروبي في كينيا.194 ويؤدي طول المسافات بين الأسواق والمنتجين واقتران ذلك بتردي حالة الطرق والمعلومات المحدودة عن الأسواق، إلى الحيلولة دون كفاءة تدفق الأغذية الأساسية من مناطق إنتاج الفوائض حيث الأسعار منخفضة إلى أدنى المستويات، والمناطق الحضرية وأسواق العجز حيث تبلغ الأسعار أعلى مستوى لها.
وبالمثل فإن الخضار، باعتبارها مكونًا مهمًا في النمط الغذائي الصحي، تُسهم في التكاليف المرتفعة لهذا النمط الغذائي في الأقاليم التي لا تنتج مجموعة كبيرة التنوع من المنتجات البستانية وتبعد كثيرًا عن أقاليم الإنتاج. والخضار هي الأعلى كلفة في لندي ومتوارا وبواني. ويبلغ متوسط كلفة الخضار في النمط الغذائي الصحي في هذه الأقاليم 0.76 دولارًا أمريكيًا، أي أن كلفتها تزيد بنسبة 72 في المائة على المتوسط الوطني الذي يبلغ 0.44 دولارًا أمريكيًا.49 ويُمثل إنتاج جوز الكاجو والسمسم كمحاصيل نقدية في إقليمي لندي ومتوارا، على سبيل المثال، المصدر الرئيسي لسُبل المعيشة، بينما تُسهم ظروف الجفاف المتكررة في زيادة كلفة الخضار.196،195. وينطبق ذلك أيضًا على كلفة الأغذية الغنية بالبروتينات ومنتجات الألبان التي تبلغ أعلى مستوى لها في أسواق المناطق الحضرية وأسواق العجز في لندي، ودودوما ودار السلام. وتبلغ كلفة الأغذية الغنية بالبروتينات بخلاف منتجات الألبان أدنى مستوى لها في أقاليم الإنتاج الرئيسية في روفوما وكاجيرا؛ بينما تنخفض كلفة إنتاج الألبان إلى أدنى مستوى لها في مارا، وتانغا، ومبيا.193
وتتحدَّد تقلبات أسعار الاستهلاك للفواكه والخضار والأغذية الأساسية أساسًا في كينيا وفي غيرها من البلدان على أساس أداء الحصاد ودورات الإنتاج وتكاليف النقل من باب المزرعة إلى أسواق الأغذية. وفي مناطق الأراضي القاحلة الشاسعة في كينيا، يجب نقل الأغذية لمسافات طويلة، وتزداد صعوبة ذلك أثناء مواسم الأمطار التي تتدهور فيها حالة الطرق. وبصرف النظر عن التقلبات الموسمية، تزداد أسعار الأغذية بحوالي 1.3 في المائة لكل ساعة إضافية من الوقت الذي يستغرقه التسليم من محاور السوق في الأجزاء الوسطى من البلد إلى المقار الرئيسية في المقاطعات البعيدة، وبنسبة 1.8 في المائة لكل ساعة بين المقار الرئيسية في المقاطعات والأسواق النائية البعيدة عن ممرات النقل المنتظمة.190 وتنتقل زيادات الأسعار في نهاية المطاف إلى المستهلك.
يُمثل النمو السكاني والزيادات في الدخل والتوسع الحضري محركات أساسية لزيادة الطلب على الأغذية والتغييرات في الأنماط الغذائية للسكان وما ينطوي من آثار على أسعار الأغذية. وسيستمر سكان المناطق الحضرية بصفة خاصة في الازدياد بمعدلات سريعة وستلاحظ معظم الزيادات في المدن الصغيرة والمتوسطة من أفريقيا وآسيا. ومن المتوقع بصفة خاصة بحلول عام 2030 أن يُشكل الشباب (دون سن 18 عامًا) 60 في المائة من سكان المناطق الحضرية،197 وهو ما يفرض تحديات (من حيث ارتفاع معدلات بطالة الشباب في المناطق الحضرية على سبيل المثال) وفرصًا (مثل مشاركة الشباب في الزراعة في المناطق الحضرية) في ما يتصل بإمكانية وصول الأعداد المتزايدة بسرعة من سكان المناطق الحضرية إلى ما يكفي من الأغذية المغذية.
وتعيش شريحة كبيرة من سكان المناطق الحضرية في العالم داخل مستوطنات غير رسمية على أطراف المدن، وتُشكل ما يتراوح بين 20 في المائة في أمريكا اللاتينية و55 في المائة في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، وما يصل إلى 65 في المائة في جميع البلدان المنخفضة الدخل.198 ويمثل الوصول إلى أسواق المنتجات التقليدية في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل وسيلة رئيسية لتخفيض كلفة الأغذية المغذية وتوسيع خيارات هذه الأغذية أكثر مما في المتاجر الكبرى الحديثة. وفي المقابل ازدادت أسعار الأغذية في المناطق الحضرية في عدد متزايد من المدن الكبرى في العالم بعد أن أصبح نقل المنتجات الطازجة إلى السوق أشد صعوبة وأكثر استهلاكًا للوقت.
وينطوي النمو السريع للمتاجر الكبرى في المناطق الحضرية على تحديات وفرص في إتاحة إمكانية الحصول على أنماط غذائية صحية ميسورة الكلفة. ويتيح نموذج إمدادات الأغذية الحديثة والمتسمة بالكفاءة في المتاجر الكبرى فرصًا هائلة لتوزيع الفاكهة والخضار الطازجة والأغذية الحيوانية المصدر والمقواة على نطاق واسع، وتثبيت أسعار الأغذية، وضمان السلامة الغذائية. ومن الناحية الأخرى، تتيح المتاجر الكبرى أيضًا مجموعة كبيرة متنوعة من الأغذية والمشروبات غير القابلة للتلف الكثيفة الطاقة ذات القيمة التغذوية المحدودة الغنية في كثير من الأحيان بالدهون غير الصحية والسكريات و/أو الملح بأسعار أقل من الأغذية المغذية. وبينما تفرض الحكومات تدابير لتحفيز توافر كميات كافية من الأغذية المغذية الميسورة الكلفة في المتاجر الكبرى فإن تطوير سلاسل المتاجر الكبرى يحفزه إلى حد كبير التغيير التكنولوجي والطلب من المستهلكين، وهي أمور خارجة عن سيطرة الحكومات.199
ويوجد في مجال الزراعة الحضرية وشبه الحضرية حل واعد اكتسب أهميته البارزة كوسيلة يستخدمها سكان المناطق الحضرية للحصول على المواد الغذائية الطازجة والمغذية، بما يشمل الفاكهة والخضار بكلفة معقولة سواءً من خلال الإنتاج لأنفسهم أو من خلال سلاسل القيمة القصيرة. ويتيح القرب من الأسواق للمزارعين في المناطق الحضرية تخفيض خسائر الخضار في مرحلة ما قبل الحصاد وبعده بحوالي 30 في المائة. ووثقت ثماني عشرة دراسة حالة في مدن وبلدان مختلفة أن ما يتراوح بين 80 و100 في المائة من إمدادات الخضار الورقية في هذه المدن ينتج من خلال الزراعة الحضرية.200 وتنتج معظم إمدادات الألبان الطازجة والبصل الأخضر والخس في مدينة كوماسي في غانا، على سبيل المثال، من خلال الزراعة الحضرية، بينما تحصل على معظم الدواجن والبيض والطماطم من المناطق شبه الحضرية للمدينة.201
يؤدي المعدل السريع للتوسع الحضري بالاقتران مع أساليب الحياة المتغيرة وازدياد مشاركة النساء في الأنشطة الاقتصادية إلى تغييرات هيكلية في سلوك المستهلكين والثقافة الغذائية. وبالتالي فإن طلب المستهلكين يشكل أيضًا دافعا مهمًا للكلفة ينبغي النظر فيه. وتسفر هذه التغييرات عن صعوبات أكبر، وبخاصة للنساء اللواتي لديهن وظائف، في الحصول على الوقت الذي يتطلبه تحضير وجبة صحية، وقبل ذلك، شراء المكونات المغذية المطلوبة. وتعد كلفة الفرصة البديلة لتناول الطعام الصحي في مواجهة هذه التغييرات مرتفعة أكثر من اللازم بسبب توافر الأغذية السريعة الرخيصة الكثيفة الطاقة ذات القيمة التغذوية المحدودة والأغذية السهلة التحضير العالية التجهيز شبه المطهية مسبقًا لتقليص الوقت الذي يستغرقه تحضيرها.152
وتُشير دراسة شملت بلدانًا مرتفعة الدخل إلى أن الافتقار إلى الوقت يُمثل الحاجز الرئيسي أمام اتباع الإرشادات الغذائية. وكما أشار الأشخاص البالغون وفي تحليلات تناولت بيانات النفقات الاستهلاكية في الولايات المتحدة فإن الإنفاق على منافذ الخدمات السريعة يرتبط ارتباطًا قويًا وإيجابيًا بساعات العمل بأجر. وبالمثل فإن الآباء العاملين والأمهات العاملات ذوات الدخل المنخفض والمتوسط في أوروبا يتعاملون مع ضغوط الوقت عن طريق الاعتماد بشكل أكبر على الوجبات الخارجية ووجبات المطاعم والاعتماد على المقبلات الجاهزة وغيرها من الخيارات السريعة لتحضير وجبات الأسرة.202
وتشمل القيود الزمنية شراء الأغذية وتحضيرها وتنظيفها بعد ذلك – وهي كلها أعباء غالبًا ما تقع بصورة غير تناسبية على المرأة. وتقل في الغالب مدة صلاحية الفاكهة والخضار، على سبيل المثال، ويتكرر شراؤها، وتحتاج إلى مزيد من الوقت لتحضيرها؛ وتستغرق البقول أيضًا وقتًا طويلًا لطهيها. وهذه القيود الزمنية مهمة. فقد أشارت التقديرات إلى أن كلفة العمالة في النمط الغذائي الصحي للأسرة الوحيدة العائل المستفيدة من برنامج المساعدة التغذوية التكميلية (برنامج قسائم المعونة الغذائية سابقًا) في الولايات المتحدة الأمريكية تستأثر بنسبة 60 في المائة من مجموع كلفة الغذاء (التي تحدَّد على أساس مجموع كلفة المواد الغذائية والمدة التي يستغرقها تحضيرها). وتساعد القيود الزمنية على تفسير السبب الذي يدفع القادرين على تحمل كلفة النمط الغذائي الصحي نحو إنفاق دخلهم على بدائل غير صحية ولكنها مريحة أكثر.202
ومن التغييرات الهيكلية الأخرى في الثقافة الغذائية والطلب على الأغذية ما يرتبط بالزيادة في الدخل في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل. وتفضي هذه الزيادة في الدخل إلى تغيير مؤكد في تركيبة النمط الغذائي، بما يشمل زيادة الطلب على الأغذية الحيوانية المصدر لدى الطبقات المتوسطة الدخل في هذه البلدان، سواءً في المناطق الحضرية أو الريفية.3،ا86،ا203،ا204 وبالإضافة إلى ذلك، من المقبول عمومًا أن المستهلكين حاليًا يهتمون أكثر بسلامة وجودة الأغذية التي يتناولونها وطريقة إنتاجها وأثر إنتاج الأغذية واستهلاكها على البيئة والمجتمع.205 وترتبط هذه المسألة الأخيرة بشكل خاص بالمستهلكين ذوي الدخل المرتفع. ونتيجة لذلك يزداد طلبهم على المنتجات "الإيكولوجية" التي تشمل معلومات عن منشأ المنتجات، بما في ذلك الأساليب المستخدمة في إنتاجها. ويلاحظ ذلك في البلدان المرتفعة الدخل التي أدى فيها طلب المستهلكين إلى زيادة إنتاج هذه المنتجات الإيكولوجية والتوسع في إصدار شهادات اعتمادها، مما خفَّض كثيرًا من أسعارها. من ذلك على سبيل المثال أن الأسعار العالية للمنتجات العضوية، مثل البن أو السبانخ، انكمشت كثيرًا خلال العقد الأخير. وكانت كلفة السبانخ العضوية في عام 2004 تزيد بنسبة 60 في المائة على كلفة المنتجات التقليدية؛ وأما اليوم فقد انخفض هذا الفرق إلى 7 في المائة.206
وحتى في ظل إمكانية الوصول بسهولة إلى مختلف نقاط الشراء، بما في ذلك أسواق المنتجات الطازجة والمحال التجارية في المناطق السكنية والمتاجر الكبرى، هناك عدة عوامل تؤثر على خيارات المستهلكين بين مجموعة متنوعة واسعة من الأغذية المعروضة. ويشمل ذلك أنواعًا مختلفة من الترويج، بما في ذلك ترويج الأسعار، وتغليف المنتجات، والمطالبات، وكذلك تجهيز المنتجات في المتاجر، وهي كلها عوامل مرتبطة بكلفة المواد الغذائية التي يتم الترويج لها. وبالإضافة إلى ذلك، هناك أيضًا تدابير أخرى تؤثر بصور مختلفة على كلفة الأغذية المغذية وكلفة الأغذية الكثيفة الطاقة ذات القيمة التغذوية الدنيا كما هو مبيَّن أدناه.
يمكن للسياسات الغذائية والزراعية – وكذلك السياسات الأخرى، بما فيها السياسات في المجالات الصحية والبيئية – أن تؤثر بصورة مباشرة أو غير مباشرة على كلفة الأغذية. ولا تستند هذه السياسات حصرًا إلى اعتبارات تقنية، ولكنها نتيجة عملية معقدة لصنع القرار يمكن أن تتأثر بمجموعة متنوعة من الأهداف والمصالح. ويشمل إطار السياسات الغذائية والزراعية الذي يُشكل محور التركيز في هذا القسم الفرعي بصفة خاصة عملية الموازنة الصعبة المطلوبة عند الاختيار بين الإجراءات في قطاع الزراعة مقابل القطاعات الأخرى؛ وبين مختلف الأهداف الحكومية والسياسات المالية؛ وبين الفوائد التي تتحقق للمنتجين والمستهلكين والوسطاء؛ بل وحتى بين مختلف القطاعات الفرعية الزراعية. ويسعى صانعو السياسات بصفة عامة إلى تحقيق هذا التوازن من خلال مجموعة سياسات توفِّر حوافز للزراعة من خلال الإعانات أو تضر بالقطاع أو ببعض عناصره الفاعلة بطريقة أو بأخرى. وتؤثر قرارات السياسات الحكومية بذلك تأثيرًا مباشرًا أو غير مباشر على كلفة الأغذية المغذية لمختلف فئات السكان.
ومن المؤشرات الرئيسية التي تُظهر مدى إضرار سياسات التجارة والسوق بالقطاع الزراعي أو مدى دعمها له معدل الحماية الاسمي،نن الذي يقارن بين أسعار باب المزرعة والأسعار المرجعية الدولية. والسعر المرجعي هو السعر القياسي المعدّل لمراعاة تكاليف الوصول إلى الأسواق المرتبطة بنقل السلعة من الحدود إلى بوابة المزرعة. وهذا السعر يمثل السعر غير المشوه الذي يسود في غياب السياسات وفي ظروف السوق المثالية. وهو بذلك يقيس دور السياسات المحلية، بما فيها سياسات التجارة، أو تدابير التسويق أو أسعار الصرف، في تشويه الأسعار التي يتلقاها المزارعون مقابل منتجاتهم. وتظهر البيانات المقدمة من الاتحاد الدولي لقياس بيئة السياسات في قطاع الزراعةسس أن الإنتاج الزراعي في البلدان المنخفضة الدخل يتعرض بصفة عامة لعقوبات تضر به، وهو ما يدل عليه معدل الحماية الإسمي السلبي، بينما يلقى الدعم في البلدان المتوسطة والمرتفعة الدخل (الجدول 11).
ويعني ذلك أن السياسة الزراعية في البلدان المنخفضة الدخل تؤدي إلى كساد أسعار باب المزرعة، وهو ما شأنه أن يُشكل، من حيث المبدأ، محاباة للمستهلكين لولا أن انخفاض الأسعار يثبط فعليًا الإنتاج الزراعي. ويؤدي انخفاض مستويات الإنتاج إلى زيادة أسعار الاستهلاك. وتميل السياسات الحكومية في البلدان المتوسطة والمرتفعة الدخل، من الناحية الأخرى، إلى محاباة المنتجين الزراعيين.
وعندما يعاقب القطاع الزراعي (أو تفرض عليه ضرائب غير مباشرة) من خلال السياسات الحكومية السائدة، مثلما في البلدان المنخفضة الدخل، فإن ما ينشأ عن ذلك من تراجع في الأسعار يؤثر سلبًا على القدرة على شراء الأنماط الغذائية الصحية أيضًا في المناطق الريفية. أولًا، تؤثر أسعار الأغذية المنخفضة على دخل أصحاب الحيازات الصغيرة، مما يقوِّض بالتالي قدرتهم على شراء الأغذية المغذية. وثانيًا، يثبط انخفاض الأسعار الأنشطة الزراعية، مما يؤثر سلبًا على المستهلكين نظرًا لأن السكان الريفيين يعتمدون بصورة متزايدة على أسواق الأغذية المحلية للحصول على أغذية مغذية. وهناك كذلك تأثيرات سلبية أخرى للضرائب غير المباشرة على الإنتاج الزراعي، بما يشمل انخفاض الطلب على العمالة الزراعية وتراجع أجور العمال غير المهرة في الوظائف الزراعية وغير الزراعية. وحتى إذا كانت الأسر الفقيرة تستفيد من السياسات الحكومية فإن الضرائب غير المباشرة إذا كانت تسهم في تخفيض أسعار الأغذية، سيفقد موردو العمالة غير الماهرة في المناطق الريفية إيراداتهم.207 ومن هنا فإن التأثير الصافي على القدرة على تحمل كلفة الحصول على الأنماط الغذائية الصحية يتوقف على الأهمية النسبية للقطاع الزراعي. وفي البلدان المنخفضة الدخل التي يوفِّر فيها القطاع الزراعي غالبية فرص العمل، من المعقول افتراض أن التأثير الصافي للضرائب الزراعية على القدرة على شراء الأغذية المغذية سلبي.208
وما سقناه أعلاه هو مثال واحد يوضح عملية الموازنة الدقيقة بين مصالح المنتجين والمستهلكين. من ناحية، يُشكل ارتفاع أسعار الأغذية حافزًا يُشجع المزارعين والتجار والمجهزين على الإنتاج. ومن الناحية الأخرى، تُشكل أسعار الأغذية أيضًا عاملًا رئيسيًا يحدِّد الدخل الحقيقي للمنتجين الفقراء الذين يكرسون نسبة كبيرة من إيراداتهم لشراء المواد الغذائية.
تُشكل التجارة عنصرًا محوريًا للأمن الغذائي العالمي. وزادت التجارة الزراعية زيادة كبيرة خلال العقد الماضي، مما أسفر عن توليد حوالي 20 في المائة من جميع إمدادات الطاقة الغذائية على نطاق العالم من الأغذية المستوردة.209 وكانت البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل هي القوة المحركة لجانب كبير من هذا التوسع في تجارة الأغذية واستهلاك الواردات الغذائية. ويوفِّر عدد صغير من الاقتصادات الناشئة المصدِّرة الصافية نسبة كبيرة من الصادرات. وتستأثر خمسة بلدان (الصين، وجمهورية كوريا الشعبية الديمقراطية، واليابان، والاتحاد الروسي، والمملكة العربية السعودية) بحوالي 40 في المائة من جميع الواردات الغذائية في العالم. وتستأثر سبعة بلدان (الأرجنتين، وأستراليا، والبرازيل، وكندا، ونيوزلندا، وتايلند، والولايات المتحدة الأمريكية) بحوالي 55 في المائة من مجموع الصادرات الغذائية. ونتيجة ذلك فإن أثر هذه الجهات الفاعلة الرئيسية على استقرار السوق الدولية والأسعار كبير.209
وتُشير سياسة التجارة عمومًا إلى السياسات الحدودية وكذلك تدابير الدعم المحلية التي تؤثر على تدفقات التجارة. وتركز المناقشة الواردة أدناه على أثر السياسات الحدودية التي تشمل تدابير تؤثر بصورة غير مباشرة على الواردات، مثل التعريفات الجمركية، والتدابير غير الجمركية، والصادرات، بما يشمل ضرائب الصادرات أو القيود المفروضة عليها. ويُشير المراقبون إلى أن التحديات المرتبطة بتصعيد أسعار الأغذية يمكن أن يكون راجعًا في جانب منه إلى سياسات التجارة.210 ووافق أعضاء منظمة التجارة العالمية في عام 2015 على إلغاء إعانات الصادرات الزراعية بهدف تهيئة بيئة تجارية عادلة أمام منتجي الأغذية في العالم، لا سيما المنتجين في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل الذين لا يمكنهم منافسة نظرائهم في البلدان المرتفعة الدخل التي تُعزز الصادرات بصورة اصطناعية من خلال الإعانات.211 غير أن بعض الحكومات واصلت فرض حظر وضوابط على التصدير في حالات بعينها لخفض الأسعار المحلية للأغذية الأساسية أو الوصول بها إلى حالة من الاستقرار. ومع ذلك، أثبتت تلك القيود في كثير من الأحيان عدم فعاليتها في خفض أسعار الأغذية المحلية، وتؤدي في الغالب إلى زيادة عدم استقرار الأسعار.214،213،212 وبالإضافة إلى ذلك، عندما تستخدم سياسات التجارة لحماية السوق المحلية من التطورات غير المواتية في السوق العالمية فإن تأثير هذه السياسات يكون مضاعفًا. ويمكن لارتفاع أسعار الأغذية تحديدًا أن يؤدي إلى سلسلة من قيود التصدير التي تزيد من ارتفاع أسعار الأغذية العالمية وتُسهم بالتالي في فرض سياسات أكثر تقييدًا. وبالمثل فإن انخفاض أسعار الأغذية يمكن أن يدفع الحكومات المصدِّرة إلى اتخاذ تدابير لترويج الصادرات، مما يؤدي بدوره إلى خفض الأسعار العالمية واتخاذ مزيد من التدابير الترويجية.215 ومنذ اعتماد منظمة التجارة العالمية "حُزمة نيروبي" في عام 2015، لم يعد يُسمح بهذه الإعانات بموجب قواعد منظمة التجارة العالمية.
وفي ما يتعلق بواردات الأغذية، تؤثر سياسات التجارة على كلفة مختلف المواد الغذائية والقدرة على شرائها عن طريق تغيير الأسعار النسبية بين الأغذية المستوردة والأغذية المنافسة للواردات. ومن أكثر أدوات السياسات استخدامًا لحماية المنتجين المحليين وصناعات تجهيز الأغذية سياسات التجارة التي تُثبط الواردات. ولا تزال عمومًا الحواجز الجمركية أعلى بالنسبة للمنتجات الزراعية مقارنة بأي مجموعة منتجات أخرى، مما يؤدي إلى زيادة كلفة الأغذية في البلدان التي تُطبِّق هذه القيود، وإساءة تخصيص الموارد التي تُقلل الرفاه العالمي. وأكثر ما تدعمه الحكومات في العالم إنتاج السكر والأرز والمنتجات الحيوانية من خلال التدخلات، بينما تضر بإنتاج الفاكهة والخضار الغنية بالمغذيات، مثل الطماطم والموز (الجدول 12).
وإلى جانب الحواجز الجمركية، تتخذ الحكومات أيضًا تدابير غير جمركية، مثل التدابير الصحية وتدابير الصحة النباتية، والحواجز التقنية أمام التجارة. وفي ظل التقدم في مسيرة تحرير التجارة خلال العقود الأخيرة، ازداد عدد السياسات التنظيمية المتعلقة بمعايير جودة المنتجات وصحتها وسلامتها. وتُمثل المنتجات الحيوانية والخضار مجموعات المنتجات الأكثر عرضة للتدابير غير الجمركية، إذ سُجلت في قاعدة بيانات منظمة التجارة العالمية 000 16 من تلك التدابير المفروضة على هذه المنتجات وحدها.216 ويمكن للتدابير غير الجمركية أن تؤثر سلبًا على القدرة على تحمل كلفة الحصول على الأنماط الغذائية. من ذلك على سبيل المثال أن المصدرين والمستوردين قد يواجهون تكاليف إضافية للامتثال للمتطلبات التنظيمية، مما يدفع كلفة التجارة في اتجاه الصعود. ويزيد ذلك بدوره من أسعار الأغذية ويقلل من القدرة على تحمل كلفتها. ومن الناحية الأخرى، يمكن للتدابير غير الجمركية أن تُسهم بدور مهم في زيادة سلامة الأغذية ومستويات جودتها، وتُحسِّن المحتوى التغذوي في الأنماط الغذائية. وتُشكل التدابير الجمركية وغير الجمركية مصدر قلق للبلدان المصدِّرة للأغذية التي تواجه الشكوك التي تخيّم على آفاق السوق مما يؤدي إلى إضعاف الحوافز الحكومية التي تُشجع على إعطاء الأولوية للإنتاج الزراعي كمصدر رئيسي للنمو الاقتصادي والتنمية. ومن العواقب المباشرة المترتبة عن ذلك انخفاض مستويات الاستثمارات الزراعية في البنية التحتية والابتكار.209
وشكلت تدابير التجارة الحمائية، مثل التعريفات الجمركية والحصص المفروضة على الواردات، إلى جانب برامج إعانة المدخلات، في كثير من الأحيان جزءًا من استراتيجيات الاكتفاء الذاتي والاستعاضة عن الواردات. وفي البلدان المنخفضة الدخل، أسهمت تلك السياسة في توفير الحماية والتشجيع للإنتاج المحلي للأغذية الأساسية، مثل الأرز (الشكل 39) والذرة، ولكن في كثير من الأحيان على حساب الأغذية الغنية بالفيتامينات والمغذيات الدقيقة (أي الفاكهة والخضار).عع ويمكن أن يؤثر ذلك سلبًا على القدرة على شراء مزيد من الأغذية المغذية.
وكما جاء من قبل، تنطوي سياسة التجارة في كثير من الأحيان على مقايضات كبيرة. من ذلك على سبيل المثال أن واردات لحوم الدواجن في كثير من بلدان أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي تخضع لتعريفات جمركية مفروضة على الاستيراد لحماية منتجي الدواجن المحليين من المنتجات الأرخص المستوردة من البرازيل والولايات المتحدة الأمريكية. وعلى الرغم من أن هذه السياسات أثبتت فعاليتها في القضاء على الواردات فقد أدّت أيضًا إلى رفع أسعار التجزئة المحلية للدواجن مما زاد من صعوبة شراء المستهلكين لواحد من مصادر البروتينات الحيوانية الرئيسية.217
وتُثبت حالة الأرز في الجماعة الاقتصادية لشرق أفريقيا إشكالية مماثلة. ففي بوروندي وكينيا ورواندا وأوغندا، تفرض الجماعة الاقتصادية لشرق أفريقيا تعريفة خارجية مشتركة على المنتجات الحساسة، بما فيها الأرز، بنسبة تصل إلى 75 في المائة. وعلى الرغم من أن ذلك يحمي مزارعي الأرز ومجهزيه في بلدان الجماعة الاقتصادية لشرق أفريقيا من الواردات الأرخص سعرًا، تُشير الأدلة إلى أن هذا الدعم يدفع بالمستهلكين نحو تحمل كلفة أكبر للأرز في سوق التجزئة.217
إلى جانب سياسات التجارة والسوق التي سبقت مناقشتها أعلاه، هناك تدابير أخرى يمكن أن تتخذها الحكومات الوطنية وتؤثر على أسعار الأغذية، وهي تدابير تمثل مقايضات بين دعم المنتجين الزراعيين والمستهلكين. وتبنت البلدان في جميع أنحاء العالم سياسات لإدارة الأسعار. وحافظ البلدان المرتفعة الدخل، بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية وبلدان الاتحاد الأوروبي، تدابير بشأن الأسعار لدعم مزارعيها على امتداد عدة عقود خلال حقبة ما بعد الحرب، على الرغم من أنها استعاضت عن جانب كبير من تلك التدابير بمدفوعات مباشرة منفصلة عن الأسعار والإنتاج.218 ولا تزال حكومات البلدان المتوسطة والمنخفضة الدخل تلجأ إلى بعض هذه التدابير إما لحماية المستهلكين من ارتفاع أسعار الأغذية أو لتحفيز الإنتاج الزراعي المحلي والحيلولة دون حدوث خسائر في الأرباح. وعادة ما كانت التدخلات في السابق تتخذ شكل ضوابط على أسعار الأغذية، وتخفيض الضرائب على الاستهلاك، وتدخلات للحد من أوضاع احتكار السوق أو احتكار القلة وإطلاق مخزون الأغذية. ويقوم صانعو السياسات في هذه الحالة الأخيرة بتحفيز الإنتاج من خلال آليات تحديد الأسعار التي تثبت الأسعار الدنيا والمرجعية أو مشتريات المجالس السلعية عند مستويات الأسعار المدعومة.219
وبغض النظر عن أهداف السياسة، هناك فائزون وخاسرون في السكان الذين تستهدفهم تلك التدخلات، وستتأثر أيضًا القدرة على تحمل كلفة شراء الأنماط الغذائية الصحية. من ذلك على سبيل المثال أن منع زيادات أسعار الأغذية من خلال فرض ضوابط على الأسعار يمكن أن يجعل الأنماط الغذائية الصحية ميسورة أكثر للمواطنين الأشد ضعفًا. غير أن نفس التدخل يمكن أن يقلل الحوافز التي تُشجع المزارعين على إنتاج أغذية مغذية في ظل التحكم في أسعار التجزئة، مما يُقلل بالتالي من المستوى العام لتوفر الأغذية المغذية في البلد.
تؤثر النفقات والاستثمارات العامة أيضًا على كلفة الأغذية. وتُمثل النفقات العامة أداة قوية يمكن أن تستخدمها الحكومات لتشكيل النُظم الغذائية وتطويرها.222،221،220 ويمكن استخدام الإنفاق العام كأداة لتحقيق الإنصاف عند إعادة تخصيص الموارد لصالح أفقر المزارعين الأسريين وصغار المنتجين أو لمعالجة إخفاقات السوق أو التغلب على نقص توفير المنافع العامة في قطاعي الأغذية والزراعة.222
وهناك توافق واسع في الآراء حول أهمية الإنفاق العام، ومن المهم ضمان استثمار الموارد الشحيحة في المجالات التي تحقق عائدًا أكبر. وتواجه أنواع معيَّنة من النفقات التي ثبت أنها تحقق عائدات كبيرة، مثل البحث والتطوير الزراعي والإرشاد، نقصًا شديدًا في التمويل.223 وعلى النقيض من ذلك، في حين الدعم يمكن أن تكون له آثار إيجابية في تعزيز الإنتاجية فإن التقديرات تُشير إلى أن عائده الطويل الأجل أقل من العائد الذي تحققه تلك المنافع العامة.
ووفقًا لبيانات النفقات العامة224 في مجموعة مختارة من بلدان أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى فإن الموارد المحدودة المتاحة لحكومات الإقليم تبتلعها أساسًا الاستثمارات في إنتاج الأغذية التي لا تزال تستأثر بأكبر حصة من الاستثمارات الزراعية على حساب سائر قطاعات النظام الغذائي (الشكل 40). وكما نوقش من قبل فإن سياسات التجارة والسوق التي تقمع الأسعار تضر كثيرًا بالمزارعين في البلدان المنخفضة الدخل. وعلى العكس من ذلك، يستفيد المزارعون فيما يبدو من التحويلات الكبيرة في الميزانية التي تتخذ أساسًا شكل برامج لدعم المدخلات وبضعة تدابير أخرى لدعم الدخل الزراعي.225 ويُفضِّل صانعو السياسات في كثير من الأحيان هذه النفقات لأنها تمثل فائدة فورية وسائلة وقابلة للتوجيه إلى السكان الريفين الذين يُشكلون القاعدة الانتخابية العريضة في هذه البلدان. غير أن من الصعب أيضًا إنهاء إعانات المدخلات تدريجيًا حتى عندما تتجاوز التكاليف ما يتحقق من فوائد.226 وربما لا يكون إنفاق نسبة كبيرة من الميزانية على إعانات المدخلات أكثر النهج كفاءة لضمان نمو القطاع والقدرة على تحمل كلفة شراء الغذاء.226
وكما هو موضح في الشكل 40، لا يقدم الدعم الكافي إلى مرافق ما بعد الإنتاج، مثل التخزين والتسويق. كما أن النفقات التي تعود بفائدة على المستهلكين (مثل التغذية المدرسية والتحويلات النقدية) محدودة مقارنة بالنفقات التي تستهدف المنتجين على الرغم من أن تغيير مسار هذا الاتجاه بات ملحوظًا في بعض البلدان الأفريقية في الآونة الأخيرة. وفي بلدان مثل إثيوبيا وكينيا وموزامبيق، انصب التركيز بصورة متزايدة على برامج الحماية الاجتماعية، لا سيما التحويلات النقدية التي تستهدف الفئات الأشد فقرًا.225 ويمكن لهذا النوع من النفقات، وكذلك، ولكن بدرجة أقل، نفقات التسويق والتخزين، أن تعالج القيود التي يواجهها الفقراء في الحصول على أغذية مغذية. وأثبتت أيضًا الاستثمارات في البحث والتطوير الزراعي فعاليتها الكبيرة في الحد من سوء التغذية بالمقارنة مع الإنفاق على البحث والتطوير غير الزراعي. من ذلك على سبيل المثال أن إدخال أصناف البذور المحسَنة يمكن أن يفضي إلى صدمة إيجابية في المعروض من الإمدادات، ويُخفِّض ذلك الأسعار ويزيد الاستهلاك، مما يؤدي إلى تحسن النتائج التغذوية المختارة.227،ا228
وتشمل الاستثمارات الأخرى التي يمكن أن تُسهم بدور كبير في تعزيز القدرة على تحمل كلفة شراء الأغذية المغذية الاستثمارات في البنية التحتية للطرق كما لوحظ من قبل. ولم يخصص في المتوسط سوى 16 في المائة من النفقات لمشروعات البنية التحتية في البلدان موضوع التحليل (الشكل 40). غير أن عدة دراسات تؤكد أن تحسن الطرق يمكن أن يُخفِّض أسعار المحاصيل المحلية ويمكن أن تكون له تأثيرات أكبر على المناطق الأقل إنتاجية والتقلبات المتوسطة في أسعار الأغذية.229،ا230
وعلى الرغم من أن التحيُّز لصالح المنتجين في الميزانيات العامة يمكن أن يعوِّض جزئيًا معدل الحماية الاسمي السلبي الذي يواجهه المنتجون في البلدان المنخفضة الدخل، من المستصوب إعادة موازنة المخصصات لتوجيهها نحو نفقات أكثر كفاءة وتعود بآثار أطول أجلًا على الأمن الغذائي والتغذية. وتمثل الاستثمارات في المنافع العامة مثل الطرق والبنية التحتية للتخزين، وفي برامج المساعدة الغذائية (المعونة الغذائية) والتحويلات النقدية والتغذية المدرسية، التي تندرج ضمن "التحويلات الاستهلاكية" في الشكل 40) عناصر أساسية لضمان القدرة على تحمل كلفة شراء الأنماط الغذائية عندما تشمل تلك الاستثمارات مكونات مراعية للتغذية.
شهدت النُظم الغذائية في العالم تحولات كبيرة، لا سيما أثناء حقبة التسعينات من القرن الماضي ومطلع القرن الحالي في شكل موجة من العولمة اجتاحت قطاع صناعة الأغذية وتميَّزت بالتوسع الحضري، وارتفاع مستويات الدخل، وتحرير الأسواق، ووصول الاستثمار المباشر والأجنبي إلى العالم النامي.231 وكانت هذه العولمة مصحوبة بنمو هائل في استثمارات شركات الأغذية عبر الوطنية وزيادة سريعة في مستويات الأغذية المباعة من خلال المتاجر الكبرى التي يُشار إليها باسم "ثورة المتاجر الكبرى".232
وتُمثِّل هذه التطورات جانبًا رئيسيًا في الاقتصاد السياسي الذي يحرِّك تحول النُظم الغذائية ويؤثر على كلفة الأغذية والقدرة على تحمل كلفة شرائها. من ذلك على سبيل المثال أنه في ظل ازدياد تركز القوة الاقتصادية في عدد أقل من الشركات العابرة للحدود الوطنية في قطاع الأغذية، تُشارك هذه الشركات في عمليات صنع القرار وتمارس الضغط من أجل تقليص اللوائح التنظيمية المطبقة عليها، وتُشجع اللوائح التنظيمية التي تُطبَّق على القطاعات الأخرى (مثل اتفاقات التجارة والاستثمار التي تُلزم الحكومات بحماية مصالح استثمارات الشركات)، وتقاوم الضرائب التي تُطبَّق على منتجاتها أو ترفضها، وتمارس الضغط على صانعي السياسات من أجل منح إعانات تستفيد منها أنشطة أعمالها. وهكذا "تُترجم بالتالي قوة السوق بسهولة إلى قوة سياسية"145 وأبقت أسعار الأغذية العالية التجهيز الغنية في كثير من الأحيان بالدهون والسكريات و/أو الملح عند مستويات شديدة الانخفاض.
ومما لا شك فيه أن قوة السوق والعولمة عندما تفضيان إلى خفض أسعار الأغذية الكثيفة الطاقة ذات القيمة التغذوية المحدودة فإن ذلك يمكن أن يسفر عن تغييرات كبيرة في أنماط الاستهلاك الغذائي والحالة التغذوية. وينطبق ذلك بصفة خاصة على الفئات السكانية الأقل دخلًا الذين تعد الأغذية الكثيفة الطاقة بالنسبة لهم أيسر كلفة.231
وتتيح أيضًا عولمة النُظم الغذائية والتوسع في المتاجر الكبرى، فرصة اقتصادية، ولكنها مصحوبة بخطر زيادة التهميش وتعميق مستويات فقر المزارعين أصحاب الحيازات الصغيرة والعمال في المناطق الريفية. وفي كينيا على سبيل المثال، أتاح ظهور المتاجر الكبرى فرصًا أمام الفقراء الريفيين لكسب الدخل في ظل دخول أصحاب الحيازات الصغيرة في ترتيبات تعاقدية مع المتاجر الكبرى لتقديم منتجات طازجة. ومع ذلك، بينما استفاد كثير من أصحاب الحيازات الصغيرة، رأى آخرون أن الشروط التعاقدية غير مواتية ومحفوفة بمخاطر.233 وفي هذه الحالات، لا يجد صغار المزارعين أنفسهم خارج نطاق أنشطة الأعمال فحسب، ولكن الطرق التقليدية لتسويق الأغذية المحلية يمكن أن تتحطم أيضًا، بما في ذلك طرق تسويق الفاكهة والخضار. وأدت الزراعة التعاقدية مع سلاسل المتاجر الكبرى في سائر أنحاء العالم إلى تخفيض الأسعار، ولكن الأسعار باتت أيضًا أكثر استقرارًا.234
وكان اختراق قطاع التجزئة الحديث في شكل متاجر كبرى أقل وضوحًا في البلدان المتوسطة الدخل في آسيا، لا سيما الهند ودول جنوب شرق آسيا مقارنة بالبلدان الأخرى، مثل المكسيك وجنوب أفريقيا.198 وفي الهند، سهَّلت محاور أنشطة الأعمال الريفية ربط المزارعين أصحاب الحيازات الصغيرة بأسواق المناطق الحضرية السريعة النمو. وبصرف النظر عن شراء المنتجات الغذائية من المزارعين، توفِّر هذه المحاور خدمات، مثل المدخلات والمعدات التي تحتاج إليها المزارع، وتتيح أيضًا إمكانية الحصول على الائتمان. ويتيح وجود مرافق تجهيز الأغذية وتغليفها وتبريدها في نفس الموقع للمستهلكين الاستفادة من اقتصادات التكتل ويؤدي بشكل عام إلى خفض تكاليف المعاملات في جميع مراحل سلسلة إمدادات الأغذية. وأدى هذا النموذج في الهند إلى ظهور المتاجر الكبرى الريفية التي توفِّر أغذية أساسية أرخص.232 واتجه المستهلكون إلى المتاجر الكبرى التي توفِّر الفاكهة والخضار الطازجة، والبيض، ومنتجات الألبان، واللحوم والأسماك نظرًا لخلوها من أي مسائل مثيرة للقلق بشأن سلامة الأغذية المرتبطة بأسواق المنتجات الطازجة التقليدية.
وعلى الرغم من ذلك، في حين أن متاجر تجزئة الأغذية الحديثة والمتاجر الكبرى غيَّرت النُظم الغذائية على نطاق العالم وأثرت تأثيرًا كبيرًا على الطريقة التي يحصل بها الناس على الأغذية المغذية، لا تزال أسواق الأغذية التقليدية ومتاجر التجزئة المستقلة الصغيرة مصادر مهمة للأغذية المغذية الميسورة الكلفة في كثير من البلدان. وفي الهند وإندونيسيا وفييت نام على سبيل المثال، لا تزال منافذ تجزئة الأغذية التقليدية تُمثِّل أكثر من 80 في المائة من حصة تجارة تجزئة الأغذية، وما يتراوح بين 60 و70 في المائة تقريبًا من حصة تجارة تجزئة الأغذية في البلدان المتوسطة الدخل من الشريحة العليا، مثل الصين وتركيا.198
أوضح هذا القسم أن الدوافع الكامنة وراء كلفة الأغذية المغذية موجودة في جميع النُظم الغذائية في مجالات إنتاج الأغذية، وسلاسل إمدادات الأغذية، وبيئات الأغذية، وطلب المستهلكين، والاقتصاد السياسي للغذاء. ويعني ذلك أنه لا بد للسياسات، من أجل الحد من كلفة الأغذية المغذية وضمان القدرة على تحمل كلفة الحصول على الأنماط الغذائية الصحية، أن يكون لها دور بارز في تحولات النُظم الغذائية في المستقبل، وحينها فقط يمكن للعالم أن يعود إلى المسار الصحيح نحو تحقيق مقاصد الهدف الثاني للتنمية المستدامة المتمثل في القضاء على الجوع وتحقيق الأمن الغذائي (مقصد التنمية المستدامة 2–1) وجميع أشكال سوء التغذية (مقصد التنمية المستدامة 2–2) بحلول عام 2030. وكان هذا الاستعراض للدوافع الكامنة وراء التكاليف مهمًا في الكشف عن السياسات المحددة التي يمكن أن تساعد على خفض كلفة الأغذية المغذية وتحسين القدرة على شراء الأنماط الغذائية الصحية التي يتناولها القسم التالي. ومع ذلك، ونظرًا لتحديات توافر البيانات في تحديد الدوافع الكامنة وراء كلفة الأغذية المغذية، باتت هناك حاجة ملحة إلى إجراء مزيد من البحث لضمان تكوين قاعدة معرفية أكثر صلابة للاسترشاد بها في السياسات.
وكما يتبيَّن من هذا القسم، تنشأ بعض الدوافع الكامنة وراء كلفة الأغذية المغذية عن التدهور البيئي وتحديات تغيُّر المناخ. ويوفِّر ذلك، إلى جانب التكاليف البيئية المستترة التي نوقشت في القسم السابق، مبررات إضافية لمعالجة العوامل الخارجية البيئية المرتبطة بالنُظم الغذائية الحالية. ويمكن أن يؤدي ذلك إلى إيجاد أوجه تآزر مهمة محتملة تساعد على خفض كلفة الأغذية المغذية وضمان قدرة الجميع على شراء الأنماط الغذائية الصحية وفي الوقت نفسه إحداث تحول في النُظم الغذائية لتصبح أكثر استدامة.
تُسلط نتائج التحليلات الواردة في الأقسام السابقة من هذا التقرير الضوء على كثير من تحديات تمكين سكان العالم من الحصول على أنماط غذائية صحية لتلبية احتياجاتهم من المغذّيات والتمتع بحياة موفورة النشاط والصحة. وتدعو الإحصاءات المثيرة للقلق إلى التحوّل العاجل في النُظم الغذائية من أجل توفير أنماط غذائية ميسورة الكلفة ومشتقة في أغلبها من مصادر نباتية ومستدامة. وفي ما يلي ملخص النتائج الرئيسية:
◂ تُشير تقديرات كلفة الأنماط الغذائية وإمكانية تحمّل كلفة الحصول عليها في العالم إلى أن أكثر من 3 مليارات شخص لا يمكنهم تحمّل كلفة الحصول على نمط غذائي صحي؛ ولا يمكن لأكثر من 1.5 مليار شخص تحمّل كلفة الحصول على نمط غذائي يفي بالمستويات المطلوبة من المغذّيات الأساسية؛ بل ولا يستطيع 185 مليون شخص الحصول على نمط غذائي يحتوي على ما يكفي من الطاقة الغذائية.
◂ يمكن للتكاليف الصحية المرتبطة بالنمط الغذائي والتي لها صلة بالأمراض غير المعدية الناشئة في جانب كبير منها عن الارتفاع السريع في مستويات الوزن الزائد والسمنة أن تبلغ 1.3 ترليون دولار أمريكي بحلول عام 2030.
◂ تفرض الأنماط الحالية لاستهلاك الأغذية تكاليف كبيرة على المجتمع من حيث انبعاثات غازات الاحتباس الحراري وتقدر هذه التكاليف بمبلغ 1.7 ترليون دولار أمريكي سنويًا بحلول عام 2030.
وتكشف هذه التقديرات، إلى جانب آخر البيانات المتاحة عن الأمن الغذائي والحالة التغذوية الواردة في الجزء الأول من هذا التقرير، عن التحديات الهائلة التي يواجهها صانعو السياسات في إحداث تحوّل في النُظم الغذائية في بلدانهم بحلول عام 2030. وستفاقم جائحة كوفيد19- هذه التحديات نظرًا لتأثيرها السلبي على سلاسل إمدادات الأغذية وإمكانية حصول الناس على الأغذية. وعلى الرغم من عدم التيقن الشديد واحتمالات حدوث حالة من الكساد العميق في العالم، يمكن للبلدان اتخاذ إجراءات لتخفيف أثر الجائحة على الأمن الغذائي والتغذوي.
ويتضمن هذا القسم إرشادات بشأن أدوات سياسات واستراتيجيات لتحديد أولويات الإجراءات والاستثمارات. وينصبّ التركيز على خفض كلفة الأغذية المغذية وضمان القدرة على تحمّل كلفة الأنماط الغذائية الصحية في السياق الأوسع لتحويل النُظم الغذائية. ويمكن لبعض السياسات والاستراتيجيات التي نوقشت في هذا القسم أن تُشكل جزءًا حاسمًا من الجهود الأوسع نحو تعزيز قدرة النُظم الغذائية على الصمود في مواجهة صدمات بحجم جائحة كوفيد19-. ويعرض الإطار 21 توصيات سياساتية محددة للحكومات.
يمكن للتوصيات التالية المقدّمة إلى الحكومات أن تساعد على ضمان توفير النظم الغذائية أغذية كافية ومتنوعة ومغذية للتمكين من حصول الجميع على أنماط غذائية صحية.
◂ توسيع برامج المساعدة الغذائية والحماية الاجتماعية في حالات الطوارئ وتحسينها لضمان حصول الفقراء والضعفاء على أغذية مغذية باعتبارهم أشد المتضررين من الجائحة.235
◂ تنسيق العمل لتوفير المساعدة الإنسانية المنقذة للأرواح وتجنب انتشار المجاعة على نطاق واسع، خاصة لملايين المدنيين الذين يعيشون في حالات النزاع، بمن فيهم كثير من النساء والأطفال.236
◂ وضع سياسات تجارية وضريبية لإبقاء التجارة العالمية مفتوحة؛237 وسيؤدي فرض قيود على حركة البضائع إلى إحداث خسائر في الأغذية وتعطيل إنتاج الأغذية المتنوعة والمأمونة والمغذية وتجهيزها وتوزيعها وبيعها.
◂ التركيز على المعوقات اللوجستية الرئيسية في سلاسل القيمة الغذائية لتجنب حدوث زيادات لا ضرورة لها في كلفة الأغذية،237 لا سيما توفير أغذية مأمونة ومتنوعة بكلفة ميسورة للجميع.
◂ زيادة الدعم المباشر لأصحاب الحيازات الصغيرة من أجل تعزيز إنتاجيتهم والحد من خسائر ما قبل الحصاد وما بعده، وضمان الوصول إلى أسواق الأغذية وكذلك من خلال قنوات التجارة الإلكترونية.235
◂ توسيع نطاق "الإجراءات المزدوجة المفعول" في الاستجابة لجائحة كوفيد19- من أجل الحد من الآثار السلبية على الأمن الغذائي والتغذية (مثل تشجيع الرضاعة الطبيعية الخالصة، وتغذية الأمهات، وبرامج الرعاية قبل الولادة، وبرامج التغذية المدرسية المكيَّفة، والسياسات الغذائية والزراعية التي تدعم الأنماط الغذائية الصحية، والرعاية الصحية الشاملة).238
◂ النظر في الشروع و/أو مواصلة برامج إثراء الأغذية بالمغذّيات وفقًا للإرشادات الدولية لمواجهة تدهور جودة النمط الغذائي أثناء الجائحة في ظل إمكانية ازدياد استهلاك الأغذية غير المزودة بالمغذّيات أو الأغذية غير القابلة للتلف التي تحتوي على مستويات أقل من المغذّيات الدقيقة.239
◂ وضع تدابير للتحفيز الاقتصادي من أجل تحقيق الانتعاش السليم وتعزيز إمكانية الحصول على الأغذية بالنظر إلى أن الجائحة تحد من القدرة الشرائية للأشخاص على نطاق واسع، لا سيما بين الأعداد المتزايدة من العاطلين عن العمل.240
◂ ينبغي أن تكفل صناعة الأغذية وضع نُظم لإدارة سلامة الأغذية بالاستنا