IGWG RTFG/INF 3



جماعة العمل الحكومية الدولية المعنية بوضع مجموعة
من الخطوط التوجيهية الطوعية لدعم الإعمال المطرد
للحق في غذاء كاف في سياق الأمن الغذائي القطري

ورقـة معلومــات

روما

شبكات الأمان والحق في الغذاء

مقدمة

تستكشف هذه المذكرة الدور الذي يمكن أن تلعبه شبكات الأمان الاجتماعي، وشبكات الأمان الغذائي على نحو خاص، في إعمال الحق في الغذاء. ونبدأ أولا بعرض موجز لمفهوم الأمن الغذائي وواجبات الدولة ضمن إطار الحق في الغذاء. ثم نستكشف مفهوم شبكات الأمن الغذائي من وجهة النظر القائمة على الحقوق، وننتهي بمناقشة يغلب عليها الطابع الفني لأهم المعايير التي تؤخذ في الاعتبار عند اختيار تصميم معين، كما نقدم وصفا لأنواع مختلفة من البرامج الموجودة في أنحاء العالم، ونولي اهتماما خاصا للاختيار بين برامج التحويلات النقدية أو القائمة على الغذاء.

واجب الدول في تقديم الدعم لإعمال الحق في الغذاء

" يتم إعمال الحق في غذاء كاف عندما يتمتع كل رجل وامرأة وطفل، وحيدا أو ضمن الجماعة، بالوصول ماديا واقتصاديا، وفي أي وقت، إلى غذاء كاف أو إلى الوسائل التي تمكنه من الحصول عليه1".

ويجب على الدول أن تتقيد بالحق في الغذاء وأن تحميه وتحققه (عبر تسهيله وتيسيره)، مما يعني أن عليها أن تقوم بنشاطات استباقية تضمن الوصول الاقتصادي والمادي إلى الغذاء الكافي. ويشمل واجب إنجاز الحق في الغذاء واجب تقديم الغذاء مباشرة أو توفير الوسائل لشرائه عندما لا يتمكن الأفراد، لأسباب خارجة عن إرادتهم، من تأمينه لأنفسهم ولعائلاتهم. ومن بين هذه الأسباب صغر السن أو كبره، الإصابة بعاهة، المرض أو البطالة لأجل طويل. كما أن ضحايا الكوارث الطبيعية أو التي يتسبب فيها الإنسان قد لا يتمكنون مؤقتا من الحصول على غذائهم. وما إنشاء شبكات الأمان الملائمة إلا وسيلة لتأدية الواجب المتمثل في توفير الغذاء وتحقيق الأمن الغذائي. يعرّف مؤتمر القمة العالمي للأغذية الأمن الغذائي بأنه " عندما يتمتع البشر كافة في جميع الأوقات بفرص الحصول، من الناحيتين المادية والاقتصادية، على أغذية كافية وسليمة ومغذية تلبى حاجاتهم التغذوية وتناسب أذواقهم الغذائية، كي يعيشوا حياة موفورة النشاط والصحة. فالأمن الغذائي يقوم على أربع ركائز أساسية هي التوافر وثبات الإمدادات والحصول والاستخدام".

شبكات الأمان الاجتماعي وشبكات الأمان الغذائي

تشير شبكات الأمان الاجتماعي إلى برامج التحويلات النقدية أو العينية الهادفة إلى الحد من الفقر من خلال إعادة توزيع الثروة و/أو حماية الأسر من الصدمات الناجمة عن تغير الدخل. وشبكات الأمان الغذائي هي مجموعة فرعية من شبكات الأمان الاجتماعي وتهدف إلى ضمان كمية دنيا من الاستهلاك الغذائي و/أو حماية الأسر من الصدمات التي تصيب الاستهلاك الغذائي. وتسعى كل من شبكات الأمان الاجتماعي وشبكات الأمن الغذائي إلى ضمان حد أدنى من الرفاهية والتغذية، أو مساعدة الأسر على التعامل مع المخاطر من خلال استخدام تعاريف أو مؤشرات مختلفة غالبا لقياس رفاهية الأسر أو الأفراد. ورغم أن الفقر وانعدام الأمن الغذائي ليسا ظاهرة واحدة بالضرورة، فإن مؤشراتهم تتداخل كثيرا. وتستند شبكات الأمان الاجتماعي إلى مقاييس مختلفة للفقر. وقد تستخدم شبكات الأمان الغذائي هذه المقاييس نفسها أو تلك المرتبطة مباشرة بانعدام الأمن الغذائي.

كتب الكثير عن تنفيذ شبكات الأمان الاجتماعي2، لكن شبكات الأمان الغذائي لم تُعر نفس القدر من الأهمية3. فشبكات الأمان الاجتماعي والغذائي تستخدمان نفس التصاميم والأدوات، وستورد لاحقا أمثلة عن ذلك. كما أن لكليهما آثار على الفقر وانعدام الأمن الغذائي. لكن لا يمكن لأي منهما إيجاد حل للجوع أو الفقر، بل يتعين أن تشكلان جزءا لا يتجزأ من سياسة أكثر شمولية للتنمية الاقتصادية المستدامة، قادرة على توفير فرص العمل والفرص الاقتصادية. ويتعين استخدام هذا الإطار السياساتي الأوسع لتحقيق الواجبات الأخرى المترتبة على الحق في الغذاء، ألا وهي واجب التقيد بالحق في الغذاء وحمايته وتسهيله.

تدعو منظمة الأغذية والزراعة إلى اتباع نهج مزدوج المسار لتحقيق الأمن الغذائي وإعمال الحق في الغذاء، يشمل أولهما مقاييس لزيادة الإنتاج، بما في ذلك إنتاج صغار المزارعين، وكذلك تحسين الدخل. ويشمل المسار الثاني شبكات الأمان الغذائي أو مقاييس لتوسيع نطاق وصول المحرومين من الأمن الغذائي إلى الغذاء على نحو فوري. كما يتعين اعتبار شبكات الأمان الاجتماعي والغذائي كعناصر للتنمية لا للرعاية. فخفض الجوع وسوء التغذية سيفضي إلى زيادة الإنتاج وتعزيز المقاومة ضد الصدمات عبر زيادة العمر المتوقع عند الولادة وتحسين القدرة على العمل (سواء القدرة العقلية أو البدنية) وتحسين الحالة الصحية. وبالتالي فإن زيادة الإنتاجية الفردية ستؤدي في النهاية إلى نمو اقتصادي أكبر4.

متطلبات شبكات الأمان القائمة على الحقوق

تقر شبكة الأمان الاجتماعي أو الغذائي القائمة على الحقوق صراحة بأن الغرض منها هو الإيفاء بالحقوق بدلا من القيام بالأعمال الخيرية على نحو تقديري. ويجري تصميم وتنفيذ هذا النوع من شبكات الأمان مع الأخذ في عين الاعتبار لكافة حقوق الإنسان ويمكن ربطها بإعمال حقوق أخرى، كالحق في الصحة والتعليم والعمل والمشاركة.

والحق في الغذاء لا يفرض على الدولة تقديم كمية مساوية من الغذاء إلى كل فرد، بل إلى غير القادرين على الحصول على الغذاء بأنفسهم لأسباب خارجة عن إرادتهم. كما أن القيود الميزانية قد لا تمكّن الدولة من تقديم المعونة إلى كافة المحتاجين. وفي هذه الحالة يتمثل الواجب في السعي نحو تحقيق هذا الهدف بأسرع وقت ممكن وباستخدام أكبر قدر ممكن من الموارد المتاحة، بما في ذلك الموارد المتاحة من مصادر خارجية. كما يترتب على الدول واجب أساسي يتمثل على الأقل في توفير الحد الأدنى الضروري للتحرر من الجوع.

ومن وجهة النظر القائمة على الحقوق، يتعين التقيد بمبدأ أساسي عند تصميم وتنفيذ شبكات الأمان، ألا وهو عدم التمييز. وبالتالي يجب أن يرتكز الاستهداف إلى معايير موضوعية، كما يجب ألا تجنح شبكة الأمان إلى التمييز، سواء في القصد أو الفعل. وتبين تجربة العديد من البلدان وجود فوارق شاسعة في التمتع الفعلي بالحق في الغذاء وفقا للعرق أو الجنس أو المنزلة أو الفئة الاجتماعية. وبالتالي بمكن أن تستهدف شبكات الأمان الجماعات التي تتمتع تقليديا بحظوظ أقل. وتجدر الإشارة إلى أن هذا "التمييز الإيجابي" ليس مخالفا للقانون الدولي إذا لم يستمر بعد التوصل إلى المساواة في التمتع بالحقوق. وبالتالي فإن استهداف النساء باعتبارهن المستفيدات الأساسيات أمر موافق تماما لحقوق الإنسان.

كذلك يجب أن تتقيد عملية تصميم وتنفيذ شبكات الأمان بالمبادئ التشاركية وأن تسعى إلى تمكين المستفيدين المحددين الذين يتعين الاعتراف بهم كأصحاب شأن. كما أن السعي إلى استقاء وجهات نظر أصحاب الشأن يزيد من شفافية العملية ويعزز مساءلة من تقع على عاتقه هذه الواجبات. وفي بيئة مثالية يجب أن يتضمن النظام القانوني حقا في الحصول على المساعدة الاجتماعية في ظروف معينة. ويجب أن تكون الحقوق والواجبات صريحة التعبير إلى حد معقول كي تتيح اللجوء إلى الإدارة أو القضاء في الحالات التي يحرم فيها الأفراد من حقوقهم. كما تعتبر الاستراتيجيات الإعلامية الفعالية ضرورية كي يعي الأفراد حقوقهم ويعرفون أين يمكنهم تقديم شكاواهم.

إن احترام الكرامة الإنسانية لدى إقامة شبكات الأمان الاجتماعي أمر أساسي. كما تجب العناية بإيجاد توازن بين الشفافية وحماية الحياة الشخصية. ففي بعض الثقافات يعتبر تلقي المساعدة أمرا معيبا، وربما رغب هؤلاء في إخفاء تلقيهم للمساعدة لأسباب أخرى، كما في حال إصابتهم بفيروس نقص المناعة البشرية/متلازمة نقص المناعة المكتسبة. من جهة أخرى يعد الوصول إلى المعلومات المتعلقة بالمستفيدين من عمليات التدخل أمرا أساسيا لإتاحة الرقابة العامة والمساءلة. كما يجب ألا يعاب على من يتلقى المساعدة لأن ذلك قد ينال من كرامته الإنسانية.

الأهداف الواسعة لشبكات الأمان

بالنظر إلى تجارب شبكات الأمان في البلدان المتقدمة والنامية والتي سيرد ذكرها في القسم التالي، يمكن اعتبار أن هذه الشبكات تلعب دورا أوسع نطاقا من مجرد دعم الحق في الغذاء، وذلك عبر توفير موارد منقولة يمكن للأفراد أو الأسر استثمارها في أنشطة منتجة، سواء كان ذلك إنتاج غذائهم الخاص، أو تنفيذ مشروع صغير غير زراعي. كما يمكن ربط شبكات الأمان بتنمية رأس المال البشري، على غرار الشبكات التي تقدم تحويلات مشروطة بالذهاب إلى المدرسة أو القيام بفحوص صحية.

كما تجدر الإشارة إلى أن معظم شبكات الأمان الغذائي، إن لم نقل جميعها، تماشي نظم السوق، والواقع أن حقن الموارد لزيادة الطلب من المستهلكين يمكن أن يعزز تنمية الأسواق المحلية. لكن شبكات الأمان الغذائي التي تتضمن معونات عينية مقدمة من مصادر خارجية قد تؤثر سلبا على الأسواق، كما سيبين لاحقا بكثير من التفصيل. وقد تكون مثل هذه التدخلات ملائمة عندما لا تعمل الأسواق المحلية على نحو سوي.

وإذا كان لأحد إجراءات شبكة الأمان أثرا سلبيا على الأسواق المحلية، فربما يعني ذلك أن تحسين الإعمال للحق في الغذاء لدى البعض قد يؤدي في الوقت نفسه إلى تراجع الإعمال للحق في الغذاء، أو غيره من الحقوق، لدى البعض الآخر. وفي إطار قانون حقوق الإنسان قد يتطلب هذا الإجراء ذو الآثار الرجعية دراسة متمعنة، وربما تطلب تبريره على نحو كامل بالرجوع إلى حقوق الإنسان كاملة وضمن إطار الاستخدام الكامل لأقصى قدر من الموارد المتاحة5.

ولو صحّ تصميم شبكات الأمن الغذائي فإنها قد تشكل مكونا قيّما من مكونات الاستراتيجية القطرية للحق في الغذاء القائمة على مبادئ حقوق الإنسان والتي تحدد الأهداف وتصوغ السياسات والأسس الموافقة لها.

أهم المعايير التي يستند إليها في اختيار تصميم معيّن

السؤال الأساسي الأول الذي يطرح لدى اختيار تصميم معين لشبكة الأمان الغذائي هو تحديد طبيعة انعدام الأمن الغذائي في منطقة ما، سواء كانت قطرية أم إقليمية أم محلية. وبدورها تحدد طبيعة انعدام الأمن الغذائي أهم الجوانب المتعلقة بتصميم البرنامج. فيما يلي عدد من الجوانب المحتملة لانعدام الأمن الغذائي التي يجب النظر فيها:

• السمة الموسمية

يتميز انعدام الأمن الغذائي بموسميته في العديد من البلدان، لاسيما في المناطق الزراعية التي لا تعمل فيها الأسواق المحلية على نحو سوي، أو حيث يعتمد المزارعون على انتاجهم الخاص لتأمين الاستهلاك المنزلي او الدخل. وفي هذه الحالة يرتفع مستوى انعدام الأمن الغذائي إلى حده الأقصى خلال الأشهر التي تسبق حصاد المحصول الغذائي الأساسي. وإذا كان الغذاء شحيحا خلال فترة الزراعة فإن الإنتاجية الضعيفة واستهلاك البذور كغذاء قد يحدثان أثرا سلبيا هاما على الموسم المقبل و ينشآن دوامة تراجع في الإنتاج والاستهلاك.

• الكوارث/الطوارئ

قد تكون الحساسية للكوارث أو حالات الطوارئ، كالفيضانات وموجات الجفاف والحروب، سببا من أسباب انعدام الأمن الغذائي. بيد أن الجياع المزمنين حساسون للغاية حيال الصدمات. ولا يمكن التنبؤ ببعض حالات الطوارئ، لكن من الممكن تقييم حالات الحساسية لبعض أنواع الكوارث، إضافة إلى قدرة الأسر على النجاة من هذه الكوارث، وبالتالي يمكن التصميم مسبقا لعملية تدخل ضمن إطار شبكة أمان غذائي.

• قلة الأصول

يتجلى أحد أهم الأسباب البنيوية لانعدام الأمن الغذائي في انخفاض مستوى الأصول المنتجة المتيسرة للفقراء. وتترجم قلة الأصول بانخفاض الدخل، وعدم القدرة على الاستثمار وجمع الأصول، وقلة القدرة الشرائية في النهاية. وقد تؤدي قلة الأصول إلى انعدام الأمن الغذائي المزمن نظرا لعدم القدرة على تحصيل الدخل أو إنتاج ما يكفي من الغذاء للاستهلاك المنزلي، أو زيادة حساسية الأفراد والأسر حيال الصدمات غير المتوقعة، سواء على مستوى الأسرة (المرض، الموت، فقدان العمل) أو على الصعيدين الإقليمي أو القطري (المناخ وخلافه).

• فيروس نقص المناعة البشرية/متلازمة نقص المناعة المكتسبة

إن تفشي فيروس نقص المناعة البشرية/متلازمة نقص المناعة المكتسبة في معظم أنحاء أفريقيا وغيرها من مناطق العالم النامي يؤثر تأثيرا خفيا على الأمن الغذائي للأفراد والأسر. فالمرض يحرم الأسر من أفرادها البالغين الذين يجلبون الدخل ومن عناصرها العاملة في ميدان الإنتاج الريفي، ويخلّف الأطفال يتامى في العديد من الحالات. كما أن للجائحة أثر على الأمن الغذائي يتعدى مستوى الأسرة، إذ أن قلة اليد العاملة الزراعية قد تحدّ من الغذاء المتاح والمنتج محليا.

• الحالة داخل الأسرة

قد تعتبر الأسرة بكاملها آمنة غذائيا في بعض الحالات (وفقا لحصة الفرد من الدخل او السعرات الحرارية، أو غيرها من المقاييس)، لكن بعض أفرادها قد يعانون من انعدام الأمن الغذائي. وعلى نحو مماثل قد تعتبر الأسرة غير آمنة غذائيا، لكن من المستبعد في معظم الحالات أن يعاني كافة أفرادها من نفس مستوى انعدام الأمن الغذائي. وفي العادة تعاني النساء، لاسيما الحوامل والمرضعات، والاطفال الصغار من مستويات مرتفعة من انعدام الأمن الغذائي، تظهر من خلال سوء التغذية مثلا.

• معرفة الحاجات الغذائية

يتأتى جزء كبير من قلة التغذية، وكذلك سوء التغذية، عن عدم معرفة المستهلكين لكمية ومزيج الأغذية الضروري لحياة كاملة ومنتجة. وفي هذه الحالات تعد التربية التغذوية حاجة أساسية.

• الجغرافيا

من المستبعد أن يتوزع انعدام الأمن الغذائي على نحو موحّد في بلد أو منطقة ما. فعلى غرار الفقر يتركز انعدام الأمن الغذائي غالبا في بعض المناطق أو المجموعات، أو بين صفوف أنواع معينة من الأسر. ومعرفة التوزيع الجغرافي لانعدام الأمن الغذائي أمر هام لتحديد أهداف شبكات الأمان الغذائي، ولتصميم عملية التدخل في حد ذاتها.

• أسواق الأغذية المحلية

يعد وجود واشتغال أسواق الأغذية المحلية عنصرا محددا أساسيا في تصميم شبكة الأمان الغذائي. إن انعدام الأمن الغذائي في مناطق تتمتع بأسواق أغذية محلية حسنة الاشتغال ويسهل الوصول إليها نسبيا يدل على أن المشكلة نابعة عن القوة الشرائية، أي أن من يعانون من انعدام الأمن الغذائي لا يملكون ما يكفي من الدخل لشراء كميات كافية من الأغذية. وفي هذه الحالة يجب أن تركز البرامج على تحسين الدخل وإيجاد الفرص و/أو تقديم تحويلات نقدية. وإذا كان اشتغال أسواق الأغذية سيئا، فهذا يعني أن الإمدادات بالأغذية قد تكون المشكلة الأساسية، وقد يعني ذلك أن على البرنامج تقديم الغذاء مباشرة أو اتخاذ تدابير لزيادة إمدادات الاسواق وتحسين اشتغال الأسواق المحلية.

يتجلى الجانب الأساسي الثاني في تحديد أهداف البرامج. فهل يتعين على شبكة الأمان الغذائي الجاري تصورها التخفيف من وطأة انعدام الأمن الغذائي المؤقت أو البنيوي، أو كليهما؟ إن البرنامج البنيوي يجب ان يركز على بناء الأصول الأسرية، سواء كانت بشرية (التعليم والصحة) أو منتجة (الأرض والماشية، التقانة الزراعية، رأس المال الخاص بالأعمال الصغيرة)، وكذلك المنافع العامة، كالطرق، المتاحة للأسر التي تعاني من انعدام الأمن الغذائي، بحيث يتمكن الأفراد من تفاديه لأمد طويل. أما البرنامج المؤقت فيركّز على ضمان حصول الأسر على حد أدنى من الأمن الغذائي على الفور. وعادة ما يشمل هذا النوع من البرامج مساعدة نقدية أو غذائية تقدم إلى الأسر المعوزة مباشرة ولفترة زمنية محددة. وتجمع بعض التدخلات بين هذين النوعين من البرامج. كما قد تشمل أهداف البرامج الأخرى تمكين الفقراء، أو النساء خاصة، أو معالجة أشكال معينة من انعدام الأمن الغذائي، كسوء التغذية لدى الأطفال. بيد أن ارتفاع عدد أهداف البرنامج يقلل عموما من فعالية وكفاءة أي تدخل في تحقيق الأهداف فرادى.

يشمل الجانب الأساسي الثالث الموارد الإدارية والميزانية. فالموارد الإدارية تحدد قدرة حكومة أو منظمة ما على التدخل. والواقع أن القدرات الإدارية محدودة للغاية لدى العديد من البلدان الأقل نموا بسبب ضعف المؤسسات الحكومية وقلة الموظفين المؤهلين. وبالتالي فإن القيود الإدارية قد تحد من مستوى تعقيد عملية التدخل أو مداها. ومن البديهي أن الميزانيات الضئيلة تعيق تصميم البرامج من خلال الإجبار على الاختيار بين نطاق تغطية وحجم عملية التحويل. وكلما ارتفعت قيمة التحويل (أو الكلفة) لكل أسرة، كلما قل عدد السكان الذين تشملهم هذه العملية.

يتناول الجانب الرابع الأدوار التي تضطلع بها مختلف مستويات الحكومة والمجتمع المدني، والتي تتوقف جزئيا على التاريخ المؤسسي للبلد من حيث توزيع المسؤولية الميزانية والإدارية والرغبة في تصحيح أو تجنب البرامج المؤسسية، على غرار انعدام الديمقراطية على المستوى المحلي. ويتمثل القرار الهام الآخر في تحديد الدور الملائم للمجتمع المدني، سواء المستفيدين أو غير المستفيدين، في إدارة تنفيذ البرنامج أو التحقق منه أو تقييمه.

ولهذه المسألة علاقة بالجانب الخامس، أي السياسة والرأي العام والتقاليد في بلد ما. فقد تتحكم هذه العوامل في نوع شبكة الأمان الغذائي التي تلقى قبول الرأي العام، أو تلك التي يكون اقتراحها وتنفيذها مجديا من الناحية السياسية. وغالبا ما يكون نوع التحويل موضوعا حساسا للغاية. فالتحويلات النقدية مثلا تلقى قبولا سياسيا أقل من قسائم الغذاء.

سادسا يخضع تصميم البرنامج لنوع الآثار الحافزة التي يرغب صانعو السياسات في الترويج لها أو تثبيطها. وقد تشمل الآثار الحافزة الإيجابية زيادة استهلاك الغذاء وتحسّن السلوك التغذوي أو ارتفاع المشاركة السياسية. أما الآثار الحافزة السلبية فتشمل انخفاض مستوى العمل، الغش، ارتفاع استهلاك الكحول أو المخدرات أو الفساد السياسي المحلي.

سابعا وأخيرا، وبالربط مع المسألة السابقة، يجب الأخذ في عين الاعتبار لأفضليات السكان المستهدفين. فربما فضّل المستفيدون المحتملون نوعا معينا من البرامج، لأسباب اقتصادية أو اجتماعية أو ثقافية. وعلى سبيل المثال، قد تحبذ الأسر المبالغ النقدية لأنها توفر مرونة أكبر في تلبية احتياجات متنوعة. وربما قاومت مجموعات السكان الأصليين التدابير التي تستهدف الأفراد أو الأسر، وفضّلت عليها التدابير القائمة على الجماعة. وبالتالي فإن تجاهل الأفضليات المحلية قد يحد من أثر عملية التدخل.

وبعيدا عن هذه المعايير الأساسية، هناك عدد من العناصر الأخرى الهامة في تصميم البرنامج وهي:

• آلية الاستهداف: تستهدف معظم التدخلات منطقة معينة أو نوعا معينا من أنواع الأسر، إذ أن العوامل الميزاينة وتوخي الإنصاف تستدعي التقليل من الهدر ومن الأخطاء في تقليص نطاق التغطية. وتعد المنهجية المختارة للوصول إلى السكان المستهدفين قرارا جوهريا تتوقف عليه فعالية العملية إلى حد كبير. والمنهجيات المتوافرة عديدة (انظر الاستعراض الوارد في Coady, Grosh and Hoddinott, 2002)، والاختيار يعتمد على أهداف البرنامج وتصميمه، وعلى توافر البيانات والميزانية، وعلى القدرات الميدانية التي تتمتع بها الوكالة المنفذة. وتعد بعض البرامج ذاتية الاستهداف، إذ أن رواتبها قليلة أو متطلباتها مرتفعة إلى درجة تجعل المشاركة فيها حكرا على الأسر الأكثر فقرا. ولهذه المشاريع الذاتية الاستهداف حسنات وسيئات أخرى.

• اختيار المستفيدين: عندما يتعلق الامر بالبرامج التي تركز على أسر معينة، يكون من الضروري عادة اختيار أحد البالغين لاستلام ما يقدمه البرنامج من منافع. وسيتوقف اختيار المستفيد على أهداف البرنامج، لكن غالبية برامج التحويلات النقدية والغذائية تعطي الأولوية اليوم للمرأة المسؤولة في الأسرة. وهذا المفهوم الذي أصبح حكمة تقليدية سائدة في ميدان التنمية يقوم على قرائن تجريبية تثبت أن النساء ينفقن الدخل على نحو مختلف عن الرجال. وبصورة خاصة تنفق النساء الدخل الذي كسبنه على التغذية وصحة الأطفال، في حين يخصص الرجال الدخل الذي يحتكمون عليه للتبغ والمشروبات الكحولية. وتبدو هذه الاختلافات في تخصيص الدخل، القائمة على المنظور الجنساني، واضحة لدى الأسر الفقيرة ( أنظر على سبيل المثال Haddad, Hoddinott and Alderman, 1997). لكن جائحة فيروس نقص المناعة البشرية/متلازمة نقص المناعة المكتسبة خلفت آثارا كان من بينها ازدياد عدد الأسر التي يرأسها الأطفال.

• معايير الخروج: إن أهداف البرنامج هي التي تحدد معايير الخروج في المقام الأخير، لكن إخراج الأفراد أو الأسر من برنامج ما أمر حساس سياسيا وعسير فنيا في غالب الأحيان. وفي بعض الحالات يكون من المجدي أن تحدد معايير الخروج وفقا لأهداف البرنامج. فعلى برامج التحويلات النقدية المشروطة التي تربط عمليات الدفع بالتعليم أن تنهي المشاركة فيها عند بلوغ الأطفال سنا معينة، كما يجب على البرامج المؤقتة أن تنهي مشاركة الأسر فيها عندما تنتهي حاجة هذه الأسر إلى المساعدة. بيد أن من العسير للغاية تطبيق هذه القاعدة الأخيرة السائدة في الولايات المتحدة وأوروبا، حتى في البلدان ذات الدخل المتوسط. وبالتالي تفرض غالبا تدابير قائمة على الوقت. وفي جميع الأحوال يتعين وضع معايير خروج بسيطة وشفافة للبلدان ذات الدخل المنخفض.

• التقييم: ازداد الاعتراف خلال السنوات الماضية بالدور الهام الذي يتعين أن تلعبه تقنيات التقييم في اختيار شبكات الأمان الغذائي وتصميمها وتنفيذها وتقييم أثرها. ويمكن أن تستخدم تقنيات التقييم لتحسين تنفيذ البرامج وفعاليتها بعد بدء العمل، وتقديم القرائن حول مردودية التكاليف وأثر عملية التدخل، وتيسير معلومات للمقارنة بين العمليات ضمن القطاعات ذات الصلة بالسياسة وفيما بينها. كما تقدم رؤية قيّمة لبنية الحوافز وعمليات التدخل، وتكون بذلك جزءا متكاملا من عملية تصميم السياسة ومن عملية التنمية الزراعية والريفية نفسها (Davis, 2003).

خيارات التصميم

تستخدم في البلدان النامية ثلاثة أنواع أساسية من خيارات تصميم شبكات الأمان الغذائي: التصميم القائم على المبالغ النقدية، التصميم القائم على تيسير الوصول إلى الغذاء والتصميم القائم على الإمداد بالغذاء. توفر البرامج القائمة على المبالغ النقدية تحويل هذه المبالغ إلى أسر المستفيدين، ويتم ذلك في بعض الأحيان مقابل أعمال تقوم بها هذه الأسر. والنوع الأول من البرامج القائمة على المبالغ النقدية لا يتضمن أية قيود على التحويلات النقدية، ومثاله المبالغ النقدية الموزعة لمرة واحدة ضمن برنامج مؤسسة معونة العمل "ActionAid" في بعض أنحاء غانا عام 61994. ويشمل نوع آخر برامج التحويلات النقدية المشروطة التي شاعت في أمريكا اللاتينية ومنطقة الكاريبي خلال السنوات الأخيرة، ويعد برنامج PROGRESA (الذي سمي لاحقا OPORTUNIDADES) في المكسيك أهم أمثلته، وفيه تتلقى الأسر مبالغ نقدية شرط قيامها ببعض الأعمال كإرسال الأطفال إلى المدرسة وإجراء فحوصات طبية7. النوع الثالث هو التحويلات النقدية مقابل العمل، حيث يجري دفع المبالغ مقابل عمل الاسرة في مشاريع الأعمال العامة. والمثال على ذلك مخطط Maharastra لضمان العمل في الهند الذي بدأ العمل فيه عام 19738.

البرامج القائمة على تيسير الوصول إلى الغذاء: تسعى هذه البرامج إلى تحسين قدرة الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي على الحصول على الغذاء. وتقوم هذه البرامج على افتراض وجود أسواق للأغذية وأنها تعمل بصورة معقولة، أي أن منحنى الإمداد بالأغذية مستقيم تقريبا وأن زيادة الطلب لن تؤدي إلى زيادة كبيرة في أسعار الأغذية. ويتضمن أحد أنواع البرامج القائمة على تيسير الوصول إلى الغذاء تحويلات نقدية، لكن هذه المبالغ النقدية يجب أن تنفق على الغذاء، وهي الحال في برنامج Cartão Alimentaçao (الذي بدأ العمل به في فبراير/شباط 2003)، وهو عنصر مكون أساسي من برنامج Fome Zero لمكافحة الجوع في البرازيل. ويشترط على الأسر إنفاق التحويلات على الطعام فقط، ويجري التحقق من ذلك من خلال الفواتير التي تقدمها الأسر مقابل المبلغ المحوّل (Presidencia da Republica, 2003)9. والنوع الآخر من البرامج القائمة على تيسير الوصول إلى الغذاء يشمل قسائم الأغذية التي استخدمت في عدد من البلدان المتقدمة والنامية، بما فيها سري لانكا10 .

البرامج القائمة على الإمداد بالغذاء: تقدم هذه البرامج العناصر الغذائية التكميلية إلى الأفراد أو الأسر مباشرة. وتقوم بعض أنواع هذه البرامج على التكهن بأن أسواق الأغذية لا تعمل على نحو جيد، أي أن الزيادة في الطلب ستؤدي في الغالب إلى التضخم، أو أن الأغذية غير متوافرة ببساطة، وهو الحال بالنسبة للمساعدة الغذائية المباشرة أو برامج الغذاء مقابل العمل التي تشكل العملية الأولى التي يلجأ إليها برنامج الأغذية العالمي لدى إقامته لشبكات الأمن الغذائي. أما الأنواع الأخرى من هذه البرامج فتسلّم بأن بعض أفراد الأسرة يعانون من ضعف شديد فيما يتعلق بانعدام الأمن الغذائي أو سوء التغذية، مما يستدعي القيام بعمليات تدخل غذائية محددة، كتقديم وجبة الغداء في المدارس أو برامج العناصر الغذائية التكميلية. وقد استخدمت هذه الأنواع من التدخلات في العديد من البلدان النامية والمتقدمة.

تجمع العديد من شبكات الأمن الغذائي بين عناصر من هذه الخيارات المختلفة. ويعد المزج بين خيارات التصميم هذه ملائما عندما تختلف أسباب الجوع باختلاف الأقاليم والأسر و/أو الأفراد، وتستدعي بالتالي ردا متنوع العناصر، أو عندما تتعدد أسباب الجوع ضمن الأسرة، أو عندما يكون للبرنامج الواحد أهدافا متعددة. ففي البرازيل مثلا، وتحت رعاية برنامج Fome Zero، ترافق برنامج Cartão Alimentaçao المشار إليه آنفا بمبادرات تنمية محلية أخرى على مستوى البلديات، كان من بينها وعلى سبيل المثال محو أمية البالغين، إتاحة حاويات المياه، الإطعام في المدارس، إضافة إلى برامج ذات نطاق أكثر إقليمية أو قطرية، من بينها الإصلاح الزراعي ودعم مشاريع الزراعة الصغيرة. والمثال الآخر هو برنامج PROGRESA الذي يجمع بين التحويلات النقدية المشروطة وتيسير العناصر الغذائية التكميلية الموجهة إلى النساء الحوامل والمرضعات وإلى الأطفال الرضّع.

الاختيار بين التحويلات النقدية والتحويلات الغذائية

يعد الاختيار بين التحويلات النقدية أو القائمة على الغذاء أحد أهم القرارات المتخذة لدى تصميم شبكة الأمن الغذائي11. والواقع أن كلا من التحويلات النقدية والتحويلات الغذائية تسهم بفعالية في زيادة دخل الاسر وبالتالي في قدرتها على الحصول على الأغذية. كما أن كلا منها منقول ضمن حدود معينة ومختلفة. بيد أن أثر هذه البرامج قد يكون متمايزا بالنسبة لأمن الأسرة الغذائي (وفقا لكيفية تحديده) وللأسواق المحلية. فالتحويل النقدي خيار ملائم عندما تتوافر أسواق محلية تعمل على نحو سليم وعندما يكون الوصول إلى الغذاء هو السبب الأساسي للجوع. وكما نوقش آنفا فإن منحنى الإمدادات بالغذاء يكون مستقيما تقريبا والزيادة في الطلب لا تؤدي إلى زيادة كبيرة في أسعار الأغذية. وبالتالي فإن التحويلات النقدية ستعزز تنمية السوق المحلية، لا للأغذية وحدها، بل للسلع الأخرى أيضا. يضاف إلى ذلك أن التحويلات النقدية غير المشروطة تسمح للأسر الفقيرة باستثمار وإنفاق الأموال على ما يكتسي أهمية كبرى بالنسبة لها. وقد أظهرت الدراسات أن المدقعين أيضا يستثمرون جزءا من تحويلاتهم لإقامة أعمالهم الخاصة أو في أنشطة الإنتاج الزراعي12.

كما يعد النهج القائم على الوصول إلى الغذاء، على غرار القسائم الغذائية أو التحويلات النقدية المشروطة، نهجا ملائما عندما تعمل أسواق الأغذية المحلية على نحو سليم وعندما يكون الوصول إلى الغذاء هو السبب الأساسي للجوع. ويسهم هذا النهج أيضا في تعزيز تنمية السوق المحلية، لاسيما السلع الغذائية. وتتميز النُهج القاسمة على الوصول إلى الغذاء بأنها تحظى بقبول سياسي أفضل، كما أشير آنفا، لأن الغذاء يعتبر سلعة ذات أهمية اجتماعية. ومن الصعب الاعتراض على تقديم الغذاء للجوعى. كما أن من الصعب تغيير التحويلات القائمة على الوصول إلى الغذاء نحو استهلاكات "غير محبذة" (كالكحول مثلا)، وهو ما يعد مدعاة للقلق في بعض الأحياء. كما يمكن تخصيصها لفئات محددة، إذ أن الأسر الميسورة ستبدي اهتماما أقل بقسائم الأغذية مقارنة بالمبالغ النقدية. لكن هذا الاستهداف قد يصبح أمرا غير محبذ إذا أدى إلى آثار سلبية اجتماعيا أو إلى تكبد خسائر ضخمة. كما أن تكاليف التحويلات القائمة على الوصول إلى الغذاء قد تكون أقل من تكاليف التدابير القائمة على الإمداد بالغذاء، لكنها أكبر من تكاليف التحويلات النقدية، لاسيما وأن تصميم البرنامج يحتم إنفاق الجزء الأعظم على الأغذية. لكن الحد من الإنفاق على عناصر البرنامج غير الغذائية يعني أيضا الحد من الإنفاق على الاستثمار الذي سبق التطرق إلى أهميتها أعلاه. كما أن الحد من الإنفاق قد يسفر عن تصرفات سلبية أخرى كالغش أو بيع قسائم الأغذية في السوق السوداء.

يعد النهج القائم على الإمداد بالأغذية مختلفا على نحو جذري لأنه الخيار الأكثر ملاءمة عندما يكون الإمداد غير الكافي بالأغذية هو السبب الرئيسي للجوع. وفي هذه الحالة تؤدي التحويلات النقدية إلى التضخم إذا كانت الأسواق لا تعمل على نحو سليم أو الاسوأ من ذلك إذا كان الغذاء غير متوافر كما هو الحال في حالات الطوارئ القصوى. وكما ذكر سابقا فإن البرامج القائمة على الإمداد بالغذاء تحظى بقبول سياسي أفضل، يضاف إلى ذلك أن من الصعب تحويلها نحو استهلاكات غير محبذة. والجدير بالأهمية أن المساعدة الغذائية تمنح غالبا بالمجان إلى الحكومة التي تتلقاها. والغذاء هو العملة الأساسية التي يتعامل بها برنامج الأغذية العالمي، وهو المروج الأول للبرامج القائمة على الأغذية في العالم. وكما هو الحال بالنسبة للنهج القائم على تيسير الوصول إلى الغذاء فإن هذا النوع من البرامج قد يخصص لفئات معينة، إذ أن الأسر الميسورة قد تبدى اهتماما اقل بالحصول على الغذاء مقارنة بالمبالغ النقدية. ومرة أخرى قد يصبح هذا الاستهداف غير محبذ إذا أدى إلى نتائج اجتماعية سلبية. ومن سيئاته ان توافر المساعد الغذائية قد تؤدي إلى انتقاء برنامج ليس بالبرنامج الأفضل للبلد المعني. وعلى غرار النهج القائم على تيسير الوصول إلى الغذاء فإن التزويد بالمساعدة الغذائية العينية يحد من الاستثمارات والادخار لدى المستفيدين وقد يفضي إلى تصرفات سلبية أخرى كالغش أو بيع الأغذية المقدمة كمساعدة.

فلأي من هذه البرامج الاثر الأكبر على الحد من الجوع؟ تبيّن دراسات أمريكية (Fraker, 1990) أن للتحويلات القائمة على تيسير الوصول إلى الغذاء، كالقسائم الغذائية، الأثر الأكبر على استهلاك الأغذية مقارنة بالتحويلات النقدية، رغم أن المستفيدين يفضلون المبالغ النقدية. بيد أن أثر برامج التحويلات النقدية المشروطة يتفاوت تفاوتا كبيرا بين البرامج المنفذة في أمريكا اللاتينية والكاريبي. ونظرا للفوارق في الدخل بين الفقراء في الولايات المتحدة وأمريكا اللاتينية والكاريبي، فإن من المعقول توقّع نزوع هامشي نحو الاستهلاك أعلى بكثير لدى هذه الفئة الأخيرة، وبالتالي فإن الفارق بين الأثر المترتب عن القسائم الغذائية والتحويلات النقدية سيكون أقل.

ومن المتوقع في كل من التحويلين أن يتم تحويل جزء نحو الاستهلاك لأغراض غير غذائية. وقد تعمد الأسر التي تتلقى قسائم الغذاء إلى شراء كمية أقل من الأغذية باستخدام دخلها النقدي (والتعويض بين مصدري الدخل) أو بيع القسائم في السوق السوداء بسعر مخفّض. كما أن في وسع الأسر التي تتلقى دخلا نقديا أن تنفقه كما ترغب. وفي كلا الحالتين يمكن أن يعود هذا التحريف بنتائج جيدة أو سيئة. وقد تشمل النتائج الجيدة شراء أدوات زراعية أو ملابس للمدرسة، فيما تعد المشروبات الكحولية التحريف السيئ الأساسي. وكما نوقش آنفا فإن تقديم التحويلات للنساء على نحو خاص يتيح الحدّ من التحريفات السيئة. كما أن ربط تلقي التحويل بتنفيذ المستفيدين لأعمال محددة، كالتعليم أو الصحة، قد يسهم أيضا في الحد من النتائج السيئة.

استنتاجات

تستخدم شبكات الأمان الاجتماعي والغذائي كوسيلة تمكن الدول من أداء واجباتها في تيسير حق الغذاء لغير القادرين على ذلك بسبب ظروف خارجة عن إرادتهم. وتلعب هذه الشبكات دورا اساسيا في مكافحة الجوع المؤقت والمزمن، بما في ذلك الحد من خطورة حالات الطوارئ الغذائية، وتضمن بالتالي الحق في الغذاء. وبما أن كافة حقوق الإنسان تعتمد على بعضها البعض وترتبط ببعضها البعض فإن شبكات الأمان لا بد أن تصمم وأن تنفذ بحيث تأخذ في الاعتبار حقوق الإنسان الأخرى، وبخاصة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية، بالإضافة إلى مبدأ عدم التمييز. وإذا ما صممت هذه الشبكات على النحو الملائم فإنها ستسهم إسهاما هاما في الحد من الفقر وفي التنمية عبر الروابط مع الصحة والتعليم والأنشطة الاقتصادية المحلية. ونظرا للدور الهام الذي تلعبه شبكات الأمان الغذائي في زيادة الإنتاجية وبالتالي في زيادة النمو الاقتصادي، فإن من الواجب اعتبارها استثمارا ومساهمة في التنمية الطويلة الأجل، لا كعنصر رعاية فقط.

وإذ تعد فكرة شبكة الأمان الغذائي فكرة بسيطة من الناحية النظرية، فإن عمليات صياغتها وتصميمها وتنفيذها معقدة. وإمكانيات التصميم متعددة كما سبق التوضيح في هذه الوثيقة. ولا يوجد تصميم أمثل للبرنامج من حيث المبدأ، إذ أن اختيار تصميم معين يجب أن يعتمد على الأهداف والظروف المحلية. وبالتالي فإن التصميم تحكمه حاجات وظروف البلد أو الإقليم ووجهات نظر المستفيدين، لا حاجات وأولويات البلدان والوكالات المانحة.

المراجع

Buchanan-Smith, M., Jones, S. & Abimbilla, B. 1995. Review of the Bawku Emergency Programme, London, ActionAid. (Draft mimeo)

Castaneda, T. 1998. The Design, Implementation and Impact of Food Stamp Programs in Developing Countries. Colombia. (Draft mimeo)

Coady, D., Grosh, M. & Hoddinott, J. 2002. Targeting outcomes redux. FCND Discussion Paper No. 144. Washington, DC, IFPRI.

Committee on Economic, Social and Cultural Rights. 1999. General Comment No. 12 (The Right to Adequate Food), E/C.12/1999/5 (12 May 1999), available at: http://www.unhchr.ch/tbs/doc.nsf/(symbol)/E.C.12.1999.5,+CESCR+General+comment+12.En?OpenDocument.

Davis, B. 2003. Innovative policy instruments and evaluation in rural and agricultural development in Latin America and the Caribbean. In B. Davis, ed, Current and Emerging Issues for Economic Analysis and Policy Research-II: Latin America and the Caribbean. Rome, FAO.

FAO. 2001. The State of Food and Agriculture. Rome.

Fraker, T. 1990. The Effects of Food Stamps on Food consumption: A Review of the Literature. US Department of Agriculture, Food and Nutrition Service.

Haddad, L., Hoddinott, J. & Alderman, H., eds. 1997. Intrahousehold resource allocation in developing countries. Baltimore, Johns Hopkins University Press for IFPRI.

Peppiatt, D., Mitchell, J. & Holzmann, P. 2001. Cash transfers in emergencies: evaluating benefits and assessing risks. Humanitarian Practice Network Paper No. 35. London, ODI.

Presidencia da Republica, Government of Brazil. 2003. Decreto No. 4 675, de Abril de 2003. Brasilia, April (available at http://www.presidencia.gov.br/ccivil_03/decreto/2003/D4675.htm).

Rogers, B. & Coates, J. 2002. Food-based safety nets and related programs. Social Safety Net Primer Series, Washington, DC, The World Bank.

Subbarao, K. 2003. Systemic Shocks and Social Protection: Role and Effectiveness of Public Works Programs. Social Protection Discussion Paper Series, No. 0302, Washington, DC, The World Bank.

1 لجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، التعليق العام رقم 12، وهو تفسير جدير بالقبول للحق في الحصول على غذاء كاف وفقا لما تنص عليه المادة 11 من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الذي يبلغ عدد أطرافة الموقعة 147 بلدا.

2 أنظر على سبيل المثال موقع البنك الدولي على الانترنت (http://www1.worldbank.org/sp/safetynets)

3 الاستثناء الوحيد المسجل مؤخرا هو Rogers and Coates (2002).

4 أنظر FAO, 2001 للاطلاع على القرائن الخاصة بالعلاقة بين الجوع والتغذية والنمو الاقتصادي.

5 أنظر لجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، التعليق العام رقم 3: طبيعة الدول الأطراف (1990)، الفقرة 9.

6 للإطلاع على تقييم لهذا البرنامج، أنظر Bichanan-Smith, Jones and Abimbilla, 1995 المشار إليه في Peppiatt, Mitchell and Holzmann (2001).

7 أنظر Davis (2003) للاطلاع على استعراض لبرامج التحويلات النقدية المشروطة في أمريكا اللاتينية والكاريبي.

8 أنظر Subbarao (2003) للاطلاع على استعراض لبرامج الأعمال العامة.

9 جرى دمج Cartão Alimentaçao مع برامج التحويلات النقدية الأخرى في ديسمبر/كانون الأول 2003 لتكوين Bolsa Familia، الذي يشابه برنامج PROGRESA في المكسيك.

10 أنظر Castaneda (1998) وRogers and Coates (2002) للاطلاع على استعراض لتجربة برامج القسائم الغذائية في البلدان النامية.

11 تنطبق معايير المداولة الواردة هنا على تقديم أنواع المساعدة الأخرى، كالاختيار بين القسائم والتوزيع العيني للبذور.

12 أنظر الاستعراض في Peppiatt, Mitchell and Holzmann (2001).