الصفحة السابقةاالمحتوياتالصفحة المقبلة

4- لماذا يجب إدخال اعتبارات حيازة

 الأراضي فى تصميم المشروعات

4-1    كثيراً ما يكون لمشروعات التنمية الريفية انعكاسات على حيازه الأراضى. ففى بعض الحالات قد يتضمن تصميم المشروع إدخال تحسينات على ترتيبات حيازة الاراضي من اجل دعم الاهداف الإنمائية للمشروع. وفى حالات اخرى قد يكون لأنشطة المشروع تأثير على ترتيبات حيازة الأراضي. وكل هذه التأئيرات الممكنة قد لا تكون ظاهرة في بداية الأمر عند تصميم المشروع. ولكن عدم مراعاة انعكاسات المشروع على حيازة الأراضي منذ البداية قد يؤدي إلى نتائج غير متوقعة. وقد يؤدي ذلك إلى عدم ظهور أي تحسن شامل إذا كانت التأثيرات المتعلقة بحياة الأرض ستلغي المكاسب التي تحقق في مواضع أخرى من المشروع، أو ربما تؤدي إلى ان يصبح الوضع أسوأ مما كان عليه من قبل.

 4-2     ويبين هذا الفصل أهمية إدخال اعتبارات حيازة الاراضي عند مرحلة تصميم المشروع وذلك بضرب أمثلة على بعض الانعكاسات التي قد تنشأ من مشروعات تعزيز الاستقرار البيئى او مشروعات تأصيل الاعتبارات الجنسانية والفصل فى المنازعات وحالات النزوح إلى مناطق أخرى.

القضايا البيئية 

4-3     هناك ترابط وثيق بين حيازة الأراضي والأحوال البيئية: فحيازة الأراضي يمكن أن ثعزز ممارسات استخدام الأراضي التى ثضر بالبيئة كما أنها تستطيع أن ثعزر حماية البيئة . 

4-4    فالقواعد غير المناسبة (سواء كانت قواعد رسمية ام غيررسمية) للحصول على الاراضي يمكن أن تؤدى إلى تدهور البيئة. ففي كثير من أنحاء العالم أصبح تجهيز الاراضي وسيلة فعالة للمطالبة بهذه الاراضي. فمثلا" كانت هناك غابات يستخدمها السكان المحليون تقليديا" بطريقة القطع والحرق وكانت لهم حقوق عرفية على هذه الموارد. ولما استطاع الناس الذين ليسوا أعضاء في المجتمعات المحلية الحصول على الارض بقطع الاشجار فقد أدى ذلك إلى تجهيز الارض على نطاق واسع وأدى مثلاً إلى ان أجزاء من آسيا وأمريكا الجنوبية أصبحت مغطاة في السنوات الاخيرة بالحرانق والدخان. 

4-5     وانعدام أمن الحيازة يرتبط بسوء طرق استخدامات الأراضي مما يؤدي بدوره إلى تدهور البيئة. فعدم وضوح الحقوق يقلل من حوافز تنفيذ تدابير طويلة الاجل لصيانة الموارد. ففي أراضي الملكية الخاصة مثلا" لن يطبق المزارعون المستأجرون لإيجارات قصيرة الأجل أي تدابير لحماية التربة ولن يزرعوا الأشجار ولن يعملوا على تحسين المرعى إذا لم تكن الحيازة طويلة بما يكفي للحصول على منافع من هذه الاستثمارات. 

4-6    وفي أراضي الدولة قد تؤدي ترتيبات الحيازة غير السلمية إلى تدهور البيئة. وفي حالة نظم الرعي في المناطق الجافة وشبه الجافة قد تكون بعض أراضى الرعي التي تعتبر رسميا من أراضي الدولة قد تحولت من الثظم الرعوية التقليدية إلى نظم الزراعة التجارية أو إلى نظم تربية الحيوانات في مزارع واسعة بالطرق التجارية. ولم تعترف هذه السياسات بأن تباين سقوط الامطار يتطلب أن يكون للرعاة حق الوصول إلى المراعى على نطاق واسع. كما أن استبعاد بعض الأراضى من أجل تربية الحيوان بالطرق التجارية يقلل من قدرة الرعاة على التحرك. والنتيجة هي زيادة تركز تربية الحيوان بالطرق الرعوية في مساحات الرعي التى بقيت مفتوحة أمام هؤلاء الرعاة. 

4-7    والانتفاع غير المستدام بالملكية الشائعة أصبح معروفاً على نطاق واسع من كتاب "The tragedy of the commons" من تأليف Hardin . وقد كان تحليل الإفراط في الاستغلال على هذا النحو موضع نقد لانه كان قائما" على القدرة غير المحدودة على الانتفاع بنظم الملكية المفتوحة أي غير المقيدة لا على نظم الحصول على الموارد المملوكة على المشاع بين أعضاء المجتمع المحلى. ولكن حدث فى بعض الحالات تحويل ثطم الملكية الشائعة إلى نظم الحيازة غير المقيدة عندما أصبح نطام المجتمع المحلي أضعف من ان يمنع استخدام أراضي الرعي الشائعة بواسطة أشخاص من خارج المجتمع المحلي. 

4-8     وعلى العكس من ذلك تستطيع القواعد الجيدة لحيازة الأراضي أن ثعزز الاستخدامات المستدامة للأراضي. وينبغي في المشروعات التأكد من أن ترتيبات حيازة الأراضي الموجودة والناجحة ستحصل على دعم بدلاً من تهديدها. فمثلاً قد يمكن عند الاعتراف بمدى التعقد ومقدار القوة فى ثظم حيازة الأراضي الرعوية التقليدية مراعاة المرونة في استخدام الموارد بما يتجنب تدهور تلك الموارد. كما قد يمكن لمصممي المشروع تحسين ترتيبات الحيازة بما يدعم مشروعات صيانة الموارد الطبيعية. وقد يستطيع المشروع تحسين أمن حيازه المستأجرين، مثلاً بضمان شروط في الإيجار تشجعهم على اتباع الممارسات المستدامة في استخدامات الأراضي. ويكون عقد الإيجار مشجعاً على الاستثمار إذا نص على تقديم تعويض عن المنافع التي لم يمكن الاستفادة منها عند نهاية فترة الإيجار، أو بإطالة مدة الإيجار والسماح بتوريثها للورثة بحيث لا يكون هناك مثبطات امام المستأجرين. 

4-9     ومن أجل تحسين الاستخدام المستدام للموارد الطبيعية يجب ربط استراتيجيات حيازة الأراضي بأدوات مناسبة للإدارة العقارية، مثل تقسيم المناطق بحسب خصائصها الزراعية الإيكولوجية، بما يضمن أن يكون استخدام الاراضي مناسباً لنوع التربة وطبوغرافيتها وخصائصها المناخية. ومن المطلوب أيضاً زيادة مشاركة المجتمعات المحلية وتمكين هياكلها بما يضمن إدارة قاعدة الموارد الطبيعية بواسطة هذه المجتمعات نفسها وبطريقة فعالة.

القضايا الجنسانية 

4-10     في معظم المجتمعات لا تتمتع النساء بنفس حقوق الحصول على الاراضي الريفية وما يتصل بها من موارد طبيعية. وفي كثير من الحالات ربما تكون المجتمعات قد حافظت على مصالح النساء بفضل القانون العرفي أو القانون الدينى أو التشريع السابق، ولكن تغير الظروف الاجتماعية والاقتصادية غالبا ما يؤدي إلى فشل القواعد القديمة في ضمان حصول النساء على الموارد اللازمة لتربية العائلة ورعايتها. وقد لا تستطيع المجتمعات التي تعاني في الوقت الحاضر من نقص الأراضي أو ارتفاع قيمتها بسرعة او قد لا ترغب، فى منع الأقارب من الذكور من ادعاء حقوق على الاراضي التى كانت للنساء، وخصوصا الأرامل او النساء الوحيدات. 

4-11    وقد أدت الهجرة إلى المناطق الحضرية إلى ارتفاع سريع في عدد العائلات الريفية التي ترأسها نساء بحكم الواقع او بحكم القانون. وكثير من هؤلاء النساء ليس لديهن أى حول ولا قوة من الناحية الاجتماعية (مثل النساء الوحيدات أو الأرامل او المطلقات او زوجات العمال المهاجرين أو النساء الكبار في السن او اللاتي يعانين من عجز). فليس في أيديهن اتخاذ القرارات، وليس لهن صوت في طريقة سير المجتمع المحلى، كما تتناقص مساحة الأمن لديهن حتى كأفراد بموجب القانون التقليدي. وأي محاولة لتأكيد حقوقهن ربما تؤدي إلى نزاعات على مستوى المجتمع المحلي أو حتى على المستوى الوطني. وفي أغلب الحالات لا تحوز النساء إلا الحقوق التى يرغب أقاربهن من الذكور فى تركها لهن. فالمرأة الوحيدة أو المطلقة أو الأرملة ربما ينتهي بها الامر أن تعيش اعتمادا على حسن نية أعضاء العائلة من الأباعد. ويتزايد عدد البلدان التي أصبحت فيها جائحة الإيدز سببا رئيسياً في أن تكون المرأة هى رأس العائلة بمفردها. 

4 -12    ومع ذلك تتزايد المسؤولية على العائلات التي ترأسها امرأة لإنتاج الأغذية اللازمة لإطعام السكان المتزايدين. وحتى فى العائلات التى يرأسها رجال غالباً ما تكون المرأة هي صاحبة المسؤولية الاولى عن إنتاج المحاصيل الغذائية في حين يتركز نشاط الرجال على المحاصيل النقدية والمرأة الريفية مسؤولة بوجه خاص عن لصف إنتاج الأغذية في العالم وهي تنتج 60 و80 في المائة من الأغذية في معظم البلدان النامية. وفي أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وفى منطقة البحر الكاريبي ثنتج النساء 80 في المائة من الأغذية الاساسية. وفي آسيا تؤدى النساء ما بين 0 5 و 90 فى المائة من العمل في حقول الأرز. وبعد الحصاد تكون المرأة الريفية في البلدان النامية مسؤولة بالكامل تقريباً عن تخزين المنتجات ومناولتها وحفظها وتسويقها وتجهيزها. 

4 -13     وفي كثير من الحالات لم تعترف مشروعات إدخال قواعد قانونية رسمية او مشروعات الإصلاح العقاري وإصدار السندات ومشروعات التسجيل، بما للنساء من حقوق. وكان اشتراك الرجال فى هذه المشروعات يعتبر كافيا وكانت سندات ملكية الأراضي تصدر للرجال بصفة عامة على افتراض أن النساء والأطفال سيستفيدون منها باعتبارهم في رعاية الرجال. ولا شك ان ارتفاع نسبة الأمية بين النساء في بعض البلاد يضعف من قدرتهن على أداء العمليات البيروقراطية المطلوبة للحصول على الملكية القانونية بشكل رسمي. 

4-14    وفى كثير من المجتمعات يتطلب تحسين حصول المرأة على الاراضي وتحقيق امن الحيازة لها إدخال تغييرات على السياسات والتشريعات، مثلا" بالاعتراف صراحة بحق النساء فى حيازة الأراضي وفي الحصول على سند رسمي باسم المرأة سواء كان ذلك بصفة فردية او بالاشتراك مع زوجها. والأهم من ذلك قد يتطلب الأمر إدخال تغييرات على القواعد والممارسات الثقافية فقد تنص القوانين على أن الرجال والنساء متساوون في حقوق الملكية والميراث، ولكن إذا كانت القواعد والممارسات الثقافية تتعارض مع القوانين فمن المحتمل أن تظل حقوق المرأة موضع تجاهل. 

4-15     وفي عام 1998 لاحظت لجنة الأمم المتحدة المعنية بوضع المرأة ان التمييز ضد النساء في الحقوق العقارية هو امر يخالف حقوق الإنسان وحثت الدول على تصميم قوانين أو مراجعتها بما يضمن تقرير حقوق كاملة ومتساوية للمرأة في امتلاك الأراضي وغيرها من الممتلكات، بما في ذلك بواسطة الإرث. وهناك مجموعة واسعة من القوانين التى تؤئر فى قضايا الحيازة والقضايا الجنسانية، وهي تشمل الدساتير والتشريعات المتصلة بالأسرة وبالميراث وبالخصخصة وبالإصلاح الزراعى. وإصدار سندات الأراضي وتسجيلها، وإدارة الموارد الطبيعية. وإذا كانت عبارات القوانين وصياغتها تكون في العادة محايدة من الناحية الجنسانية، فإن القوانين نفسها قد تكون منحازة جنسانيا، وذلك مثلا بتوجيه برامج الملكية ونظمها نحو الرجل باعتباره رئيساً للعائلة. 

4-16    ويحتاج الامر إلى برامج إعلامية لاستكمال الإصلاحات القانونية. فالبرامج قد تتراوح كثيراً من البرامج التربوية او الإعالمية التي ثعلم النساء عن حقوقهن على الأراضى وغيرها من الموارد، وإلى برامج تدعم المجموعات النسائية لحماية حقوق المرأة في الحيازة أو برامج اخرى ترفع وعي المجتمع المحلي بحقوق المرأة في الحيازة. وعلى الدولة مسؤولية ضمان الاتصالات الفعالة مع المواطنين في هذه الامور. وفي الوقت نفسه تستطيع منظمات المجتمع المدني أن تؤدي دوراً قيماً في إعلام الناس بحقوقهم. 

4-17     وفي نطاق البرامج الإنمائية لا بد عند تصميم المكونات الخاصة بحيازة الأراضي أن تتضمن تحليلاً جنسانياً منذ البداية، بما يضمن عدم التغاضي عن العقبات الخاصة التي تواجه النساء. وأما محاولة إدخال الاعتبارات الجنسية بعد أن تكون اهداف المشروع وتصميمه قد انتهى وضعها، فإن ذلك يؤدى غالباً إلى إدخال القضايا الجنسانية بصورة غير منتجة في الإطار غير المناسب لها. 

النزاعات والهجرة وعمليات حل النزاعات

4-18     هناك صلة وثيقة دائما بين الحيازة والنزاعات العقارية. ففي داخل اي مجتمع تكون هناك ادعاءات متنافسة للتحكحم في الأراضي واستعمالها، وقد تؤدى هذه الادعاءات إلى ظهور نزاعات. كما ان النمو السكاني وتغير العوامل الاقتصادية قد تؤدي بدورها إلى التنافس في الحصول على الأراضي. وتكون المنافسة في العادة خاضعة للقواعد التي تنظم الحيازة في المجتمع والتي نشأت استجابة لحركية العلاقات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية فإذا كانت هذه القواعد غير قادرة على التكيف بسرعة كافية مع تغير الظروف فإن احتمالات ظهور نزاعات سوف تتزايد. فمثلاً نشأت نظم الحيازة العرفية في الأصل في مناطق كانت تتمتع بموارد كبيرة بالنسبة إلى سكانها، والأهم من ذلك كان هناك توافق آراء في المجتمع وبين أصحاب الحقوق. وأما إذا انهار هذا التوافق في الآراء فسيكون الباب مفتوحاً لظهور نزاعات. 

4-19    وتكون تأئيرات التغيرات وعدم اليقين كبيرة عندما يكون هناك خلط وتنازع بين القوانين العرفية والقوانين الحديثة فالاختلافات بين هذين النوعين من القوانين تخلق غموضاً يستطيع الآخرون استغلاله. فأطراف عقد "بيع " أرض من الأراضي العرفية قد تكون لهم آراء مختلفة فيما إذا كان نقل الملكية دائما ام مؤقتا او إذا كان " المشتري " له حق بيع الأرض لشخص آخر. وقد تتعقد هذه المواقف عندما تكون هناك مصالح شخصية ناشئة عن فردية السلطة في المجتمع، وعندما تتفاعل هذه المصالح الشخصية مع مصالح جماعية منافسة لها. وفد تنشأ نزاعات بسبب قدرة المالك على "بيع " نفس قطع الأرض لأكثر من مشترى واحد في عدة عمليات بيع. وقد تكون هناك نزاعات بين أعضاء عائلة واحدة إذا باع رئيس العائلة جزءاً من ذمته المالية دون موافقة بقية أعضاء العائلة. كما ان تدخلات الدولة قد تزيد عدم أمن الحيازة وتؤدي إلى نزاعات في بعض الظروف. فمثلاً قد تؤدى عدم كفاية إجراءات التسجيل أو حالات نزع الملكية التعسفي إلى زيادة خطر تجريد المالك من حقوقه. 

4-20     وفى حالات أخرى قد ترجع النزاعات إلى عوامل خارجية عن المجتمع. ففى كثير من الحالات تقبل المجتمعات وجود مهاجرين يتمتعون بالأمن بشرط أن يحترموا بنود اتفافاث الحيازة التي ابرموها وسائر العقود الاجتماعية. وقد لا يكون حصولهم على الاراضي محدوداً بحد زمني حتى وإن كانوا يعتبرون من المقيمين بصفة مؤقتة وبعد ذلك قد تنشأ نزاعات عندما تنغير الظروف، مثلا"، فى أحوال الضائقة الاقتصادية او نقص الأراضي، إذ ان قبول هؤلاء المهاجرين من جانب المجموعات المحلية قد يهتز كذلك قد تنشأ نزاعات عندما يكتسب "الخارجيون " حق الحصول على أراضي المجتمع المحلي بطريقة لا تحترم   القواعد العرفية. وتنشأ أعنف النزاعات وأخطرها من المزيج المتفجر بين التلاعب السياسي والتنافس على الأراضي وإنكار الانتساب الوطني في حالات الانقسامات العرقية. وكثيراً" ما يكون الحصول على الأراضي مرتبطاً بالهوية الاجتماعية ولهذا تكون الحقوق العقارية لبعض المجموعات الاجتماعية موضع اعتراض بسبب الهوية العرقية والوطنية، مما يهيئ الفرصة لاستغلال هذا التوتر من الناحية السياسية. فقضايا الحيازة هي في أساسها قضايا سياسية ومحل تحرك سياسي، كما ان علاقات الحيازة راسخة في العلاقات بين مختلف المجموعات العرقية وتتأثر بهذه العلاقات وببساطة يمكن القول إن قضايا الحيازة تتعرض لتسييسها وأن القضايا السياسية تتعرض لاستغلالها من الناحية العرقية. 

4-21    كذلك قد تنشأ النزاعات إذا كانت المشروعات الإنمائية تؤدي إلى ظهور مشكلات بدلاً من ان تعمل على حلها فالتدخلات الخارجية قادرة على تغيير العلاقات والتوازنات الموجودة بالفعل. فقد تؤدي هذه التدخلات مثلاً إلى تغيرات نسبية في قيمة الأراضي. وفي هذه الحالات فإن إعاده رسم التوازن السياسى المحلى قد تؤدي إلى الشك في "قواعد اللعبة" التي تحكم الانتفاع بالموارد والإشراف عليها، ويؤدي ذلك إلى ظهور احتمالات تنازع. ومن المفارقات أن بعض مشروعات مساعدة النازحين بسبب الحروب وضعت هؤلاء الأشخاص في وسط نزاعات جديدة عند توطينهم في أراض لم يكن من الظاهر في ذلك الوقت انها موضع انتفاع بواسطة اي شخص. وعدم النجاح في التفاوض مع أصحاب الحقوق الموجودين يعرض ضحايا النزاعات إلى اوضاع غير مأمونة. بل إن الوضع قد يصبح مشكلة عندما يضطر أصحاب الحقوق الموجودون بالفعل إلى النزوح ثم يعودون بعد أن يكون هناك مستوطنون جدد قد دخلوا إلى الارض. 

4 -22    وهناك مشكلة في كثير من البلدان هي ان الاليات الرسمية لحل النزاعات تكون ضعيفة أو غير موجودة فعلاً. فكثير من المحاكم الرسمية مثقل بأعباء القضايا، ولا تتوافر لديه القدرة الكافية من حيث العاملين والخبرة لمعالجة العدد الهائل من القضايا المطروحة أمام المحاكم. وفي بعض البلدان تكون القضايا المتعلقة بالأراضي هي في حقيقتها أغلبية القضايا المطروحة أمام المحاكم، وهي قضايا التي يصعب حلها بسرعة- إذ ان القضايا العقارية قد تدوم لسنواث طوال امام المحاكم. واللجوء إلى المحاكم يكون في نظر كثير من الناس عملية باهظة التكاليف وطويلة الأجل ولا يمكن التنبؤ بنتائجها بل إنها قد تنطوي في بعض الحالات على فساد. ويبدو في نظر الناس ان اللغة التي يتعامل بها المحامون والقضاة هي لغة غريبة ومعقدة. 

 4-23    وهناك اتجاه متزايد نحو إنشاء محاكم متخصصة في المسائل العقارية وتستطيع أن تطبق تقنيات مختلفة في حل المنازعات. ويتزايد الاعتراف بالاليات غير الحكومية لحل المنازعاث، وتقوية هذه الآليات وقد يتطلب ذلك الاسئفادة من النماذج الموجودة في المجتمعات المحلية التي ظل بعضها قائماً لسنوات طوال إلى جانب النظم القضائية الرسمية التي قد تكون فى بعض الحالات حديثة العهد. وقد يكون اكتشاف هذه البدائل الموجوده فى المجتمع المدني ومحاولة تحسينها هو افضل طريق لتخفيف العبء عن المحاكم وضمان وجود آليات لحل المنازعاث متوافقة مع القواعد والاعراف المطبقة لدى أطراف النزاع ومع اللغة التى يفهمونها. 

الترابط بين مختلف القضايا

4-24    قضايا الحيازة العقارية المتصلة بالبيئة لا تنفصل عن قضايا الحيازة العقارية المتصلة بالقضايا الجنسانية أو بالنزاعات. بل الواقع إنها تتعايش معاً في المجتمعات. فمثلاً تصميم مشروع لدعم الغابات المحلية أو لتحسين سبل عيش الرعاة يثير ضرورة إدماج ممارسات حيازة الاراضي التي ثعزز استخدامات الأراضي المستدامة بيئياً والتي تضمن الحصول على الموارد للمحرومين، والتي ثعالج النزاعات بشأن حقوق استخدامات الأراضي. 

4-25     والعمل على إدخال تغييرات مثلاً فى المساواة بين الجنسين في ملكية الأراضي قد لا يتطلب مجرد تغيير السياسة العقارية والتشريعات العقارية بل ايضاً تغيير مواقف كثير من السكان. ولما كانت حيازة الأراضي هي علاقة بين الناس، فإن القواعد التي تحكم الحصول على الأراضى تعكسى التوازن أو عدم التوازن في القوى، كما في أي شيء آخر. وتغيير القواعد ليس مجرد زيادة الحصول على الموارد لبعض الناس بل إنه قد يؤدى إلى تغير أساسي في هيكل القوى القائمة. وقد أدت زيادة الوعي بالقضايا الجنسانية فى كثير من البلدان إلى إصدار تشريعات تنص على الحقوق القانونية للنساء على الأراضي. ولكن عند عدم وجود آليات فعالة للإدارة والحكم الرشيد من أجل تنفيذ هذه التشريعات فمن المحتمل ان تظل الممارسات التقليدية قائمة وقد تكون الدعوة إلى التجديد مهمة  ولكن لا يغيب عن البال أن كثيراً من التغيرات التي تطالب بها هذه الدعوة قد لا يمكن تنفيذها في الأجل القصير. 

4-26     وإذا كانت تقوية ترتيبات حيازة الأراضي او تحديث هذه الترتيبات قد تؤدى دوراً كبيراً في نتائج المشروعات الإنمائية، فإن الآثار تعتمد بطبيعة الحال على عوامل أخرى. فزيادة العدالة في الحصول على الاراضى وزيادة أمن الحيازة هو فى كثير من الحالات جزء مهم من التنمية الريفية، ولكن أمن الحصول على الأرض لا يكفى وحده. فالناس تحتاج أيضا إلى الحصول على الموارد الإنتاجية التكميلية والوصول إلى المؤسسات، بما في نلك التمويل والتدريب والأسواق المفتوحة والفعالة، والحصول على التكنولوجيا، والوصول إلى البنية الأساسية الريفية حتى يمكن تحقيق المنافع التي تنتج عن تحسين الحصول على الأراضي. وعندما يؤدي تزايد الضغط  السكاني إلى تناقص الحيازات العائلية جيلاً بعد جيل يكون من المهم جداً خلق فرص جديدة للحصول على دخل من خارج الزراعة حتى يمكن تخفيف الضغط على الأراضى. 

4-27    ومن افضل سبل معالجة هذه القضايا وضع استراتيجية تنمية ريفية شاملة تركز على البنية الأساسية الريفية، وإيجاد فرص عمل ريفية فى خارج الزراعة، وتقليل تكاليف حراك اليد العاملة، وزيادة مستوى التعليم والمهارات إلى حانب تدابير لتحسين ترتيبات حيازة الأراضى والإدارة العقارية ومن المحتمل أن يؤدي هذا الأسلوب المتعدد القطاعات إلى المساهمة بصورة ناجحة في التنمية الزراعية وفي رفع مستوى العائلات الريفية.

 

الصفحة السابقةأعلى هذه الفحةالصفحة المقبلة