الصفحة السابقة بيان المحتوياتالصفحة المقبلة

مشاكل تجديد الأرصدة السمكية المستنفدة

القضية

في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، افترض مفكرون من أمثال Jean-Baptiste de Lamarck. و Thomas Huxley ، أن حجم المحيطات وارتفاع خصوبة الأسماك والأسماك الصدفية المستغلة تجاريا يعني أن خطورة انقراض الموارد السمكية تعتبر ضئيلة في ظل الظروف السائدة آنذاك. وقد بالغ هؤلاء العلماء في تقدير موارد البحار مهما بلغت طاقة الصيد، وقللوا من أهمية كل من الطلب المستقبلي والتقدم المحتمل في مجال فعالية الصيد. وقد عرف مؤخرا أن الموارد الطبيعية المحلية المتجددة يمكن أن تنضب بسبب المنافسة المخربة والجهل بملكية الموارد (42). وفي نهاية الستينات، أصبح مصطلح "مأساة العموم" شائعا (43). وأقرت اللجنة الفنية لمصايد الأسماك التابعة للمنظمة، في أول اجتماع لها في 1946، بمشكلة الإفراط في الصيد، ونوهت إلى هذه المشكلة بصورة متكررة في المؤتمرات والاجتماعات ذات الصلة بمصايد الأسماك التي عقدتها المنظمة في فانكوفر (1973)، وروما (1984)، وريكيافيك (2002) على سبيل المثال. كما أشير إلى قضية نضوب الموارد مرة أخرى في مطلع الألفية بحلول القرن الحادي والعشرين في تقرير حالة الموارد السمكية وتربية الأحياءالمائية في العالم 2002، الذي أشار إلى أن " ما يقدر بنسبة 25 في المائة من الأرصدة السمكية البحرية الرئيسية مستغلة جزئيا أو مستغلة بصورة معتدلة... وأن 47في المائة من الأرصدة الرئيسية أو مجموعات الأصناف مستغلة بالكامل... وأن 18 في المائة من الأرصدة أو مجموعات الأصناف تخضع لاستغلال مفرط... وأن النسبة الباقية، وهي 10 في المائة، أصبحت مستنفدة بصورة ملحوظة وهي آخذة بإعادة تكوين الأرصدة بعد حالة النضوب". ومن بين مناطق الأرصدة المستنفدة التي تحتاج إلى إعادة تكوين أرصدتها، تأتي مناطق شمال شرق الأطلسي والبحر المتوسط والبحر الأسود، تليها مناطق شمال غرب وجنوب شرق الأطلسي وجنوب شرق المحيط الهادي والمناطق الجنوبية من أوسيانيا.

ويتعارض نضوب الأرصدة مع الشرط الأساسي لصيانة الموارد في اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982 وشرط التنمية المستدامة. كذلك يتعارض مع المبادئ والأحكام الإدارية التي أقرتها مدونة السلوك بشأن الصيد الرشيد في 1995. وهو يؤثر في هيكل النظام الإيكولوجي وفي عمل هذا النظام ومرونته، كما يتهدد الأمن الغذائى والتنمية الإقتصادية ويقلص الرفاه الإجتماعي طويل الأجل. ومن المقدر أن يصل حجم الطلب على الأسماك كطعام إلى نحو 180 مليون طن في عام 2030، وأنه لا تربية الأحياء المائية المعتمدة على المصايد الطبيعية ولا أي نظام أرضي لإنتاج الأغذية يمكن أن يحل محل إنتاج البروتين من النظم الإيكولوجية البحرية الطليقة.

وهكذا، فإن خطة تنفيذ مؤتمر القمة العالمي للتنمية المستدامة تحث على وجه التحديد على "صيانة أو تجديد الأرصدة إلى مـستويات تستطيع إنتاج أقصى غلة مستدامة بهدف تحقيق تلك الغايات بشأن الأرصدة الناضبة، على أساس عاجل، وحيثما أمكن بموعد أقصاه 2015". وفي ضوء الاتجاهات منذ 1946، فإن هذا الإطار الزمني يمثل بكل تأكيد تحديا صارخا.

الإجراءات المطلوبة

مع أن الوثائق تشير إلى أن انتعاش الأرصدة السمكية انحدر إلى 10 في المائة من مستوى الكتلة الحيوية المتبقية، فإن من المستصوب وضع خطة واضحة لإعادة تكوين الأرصدة قبل أن تقل عن نسبة 30 في المائة من ذلك المستوى حالما يتضح هبوط الموارد دون متوسط غلتها القصوى في الأجل الطويل. والإجراءات اللازمة لتجديد الأرصدة لا تختلف في جوهرها عن الإجراءات اللازمة لتلافي نضوبها، وتحديدا بالنسبة لما يلي:

  • تخفيض معدلات النفوق، وذلك من خلال التخفيض الفوري لمجهودات الصيد، بما فى ذلك فترات توقيف نشاطات الصيد حين حدوث انخفاض المصيد قسريا وتراجع المصيد الثانوي،
  • الحد من تدهور البيئة،
  • تعزيز عوامل النمو، وذلك مثلا من خلال تعزيز الأرصدة وإحياء المواطن الطبيعية للأسماك.

وفي إطار منهج النظام الإيكولوجى لمصايد الأسماك، يعد تجديد الأرصدة نشاطا أساسيا لإحياء النظام الإيكولوجي. وأشار تقرير حالة الموارد المسمكية وتربية الاحياء الماثية في العالم 2002 إلى أن "إعادة تكوين الأرصدة تستلزم عادة تخفيضات جذرية وطويلة الأمد في مجهودات الصيد و/ أو تطبيق إجراءات أخرى في الإدارة لإزالة الأسباب التي تسهم في الإفراط في استغلال الأرصدة ونضوبها". ومن جهة أخرى، فإن التطبيق الصريح لاستراتيجية تجديد الأرصدة السمكية يستلزم إقرار هذا التجديد كهدف صريح في أي خطة رسمية لإعادة تكوين الأرصدة بما في ذلك القيم المرجعية المستهدفة، والتدابير الإدارية الخاصة، وتقييم الأداء ويتجلى من الأمثلة المتاحة أن أية خطة ناجحة لإعادة تكوين الأرصدة تستلزم توافر معظم، إن لم يكن كل، العناصر الأساسية التالية المرتبة حسب الأولوية:

1- إطار إداري احتراسي يعتمد على اللوائح، يوفر تدابير غير تقديرية متسقة مع التشريعات (44) المعمول بها. كما أن الإعانات وغيرها من الإجراءات التي تسمح للمشاركين بالتوقف عن الاستمرار في الصيد في الأرصدة الناضبة من شأنه أن يساعد في إعادة تكوينها.

2- إنشاء جهاز مؤسسي ملائم مشفوع بما يلي: (1) أفرقة خبراء للاضطلاع بمسؤولية خطط الإنعاش؛ (2) أعمال مشتركة يساهم فيها الصيادون في جميع العمليات لدعم الشفافية؛ ( 3) برامج عامة في الإعلام والتوعية؛ (4) تكامل الأهداف والاستراتيجيات والإجراءات والبيانات فيما بين ذوي الاختصاص. وفي حالة الموارد المشتركة، يلزم في معظم الأحوال إيجاد نظام للتعاون في مجال الإدارة.

3- تحديد طوعي لإمكانات الوصول إلى الموارد وتقليص القدرات ومعدلات الاستغلال إلى مستويات تتناسب وظروف إعادة تكوين الأرصدة وقد يشمل هذا إغلاق كل مناطق وجود الأرصدة أو الأجزاء الرئيسية منها، وتحديد حقوق واضحة للصيد. وفي المصايد متعددة الأصناف يمكن أن تبرز المفاضلة بين بلوغ استرداد الأرصدة الناضبة والاستمرار في استغلال الأرصدة الأكثر سلامة.

4- اعتمادات للتعويض عن فقدان الحقوق وسبل المعيشة بصورة نهائية أو مؤقتة على شكل فرص عمل بديلة. وقد لا تكون هذه الاعتمادات مطلوبة إذا كانت هناك موارد بديلة، لكن قد تكون ضرورية في حالة ما إذا كانت المجتمعات المحلية فقيرة أو ريفية أو تعاني الحرمان.

5- التقديرات السابقة لتقييم نتائج التدابير المنفذة في إطار الخطط الموضوعة مثلا، من حيث التأثيرات البيولوجية الحيوية والتأثيرات الاقتصادية الاجتماعية ونقل القدرات الفائضة إلى المجالات أو الموارد الأخرى، والإطار الزمني المحتمل لإعادة تكوين الأرصدة وما إلى ذلك. وينبغي لمثل هذه التقديرات أن توفر تحليلا لتأثير مردودية تكاليف مختلف الخيارات على الأشخاص المعنيين.

6- نظام لمراقبة الأرصدة السمكية وحالة المجتمعات المحلية وأنشطة سفن الصيد، وذلك باستخدام مؤشرات ضغوط الصيد، والأحوال الإقتصادية، والتوظيف والظروف البيئية، وإن أمكن، رصد مستقل للمصايد يتناول الكتلة الحيوية للأرصدة اعتمادا على مسوحات منتظمة تقوم بها سفن البحوث.

7- منظومة من المؤشرات تتضمن نقاطا مرجعية للأهداف ونقاطا مرجعية للحدود، تمثل الظروف "الخطيرة" المتفق عليها للأرصدة والمستويات غير المستدامة لاستغلالها أو تدهورها في الموائل الحرجة للموارد موضع البحث.

8 - التعزيز المحكم لخطة إعادة تكوين الأرصدة حتى تتبدى بوضوح فرص وصول الكتلة الحيوية للأرصدة إلى معدل أعلى من المستوى الذي يوازي على الأقل مستوى إنتاج الغلة القصوى المستدامة أو ما يعادلها قبل فقدان الأرصدة كما ينبغي النظر، بوجه خاص، إلى أن مستوى الإنتاج في سنة جيدة يعد فرصة نادرة لإعادة تكوين الكتلة الحيوية للأرصدة السمكية، وليس مبررا لزيادة الحصص أو إلغاء خطة إعادة تكوين الأرصدة قبل الأوان.

9- إعداد خطط لإدارة الموارد بعد إعادة تكوين الأرصدة مع تجنب أي زيادة في المجهود، وإدراج جوانب الخطة في الإدارة الروتينية لما بعد إعادة تكوين الأرصدة.

وأفضل انتعاش يتحقق نتيجة للخطط المحكمة قد لا يكون سهل التنفيذ بسبب ما يلي:

  • الظروف المناخية غير المواتية 45) التي إذا ترافقت مع الصيد الجائر، تسهم في إخفاق خطط إعادة تكوين الأرصدة إما عن طريق تعطيل خطط الإدارة بشأن إعادة تكوين الأرصدة أو توفير حوافز (ضغوط) لكبح الإجراءات الإدارية حالما يبدو ظهور إمدادات بمستويات جيدة.
  • تغيير تركيبة الأصناف كالاستبدال بمنافس أو نفاد مفترسها الرئيسي؛
  • استمرار معدل النفوق المرتفع وغموضه، وذلك مثلا بالتسرب ضمن المصيد الثانوي في أحد المصايد الأخرة
  • التدهور البيئي؛
  • أوجه التداخل في الدورة الحياتية، كإعاقة مسارات الهجرة أو تدمير مناطق وضع البيض أو الحضانة. وقد يؤدي فقدان التنوع الوراثي إلى تفاقم كل هذه الجوانب.

ونظرا للتكاليف التي تستلزمها هذه العمليات، فلابد من توفير دراسة متأنية تشمل عدد مصايد الأسماك التي تدرج ضمن خطط إعادة تكوين الأرصدة والمدى الزمني لتنفيذها، علما بأن عملية إعادة تكوين الأرصدة ليست مؤكدة بالضرورة إذ تعتمد فترة إعادة تكوين الأرصدة على الموارد وعلى نطاق التدخل، وأيضا على الظروف الاقتصادية والاجتماعية والبيئات المناخية. وفي حالة نفاد جزء كبير من المخزونات، عندما يكون فائض قدرات الصيد مرتفعا، فقد يلزم أن تكون عملية إعادة تكوين الأرصدة جذرية، وبالتالي مكلفة، إذا ما أريد تحقيق الآثار المرجوة في غضون فترة معقولة. كما أن من المستبعد أن تؤدي عملية إعادة إنتاج المخزونات، التي تتكون من أسماك فتية، إلى تحقيق النتائج المثلى (46)، وإن إعادة تكوين المجموعات الأكبر عمرا تتطلب تمديد فترة إعادة تكوين الأرصدة إلى أكثر من جيل واحد لإعادة بناء قدرة الأرصدة لتسوية الفجوة بين التقلبات المناخية (47) متوسطة الأجل. ومن الممكن ملاحظة تلك التأثيرات في المصايد المستهدفة وأيضا في بقية المصايد المرتبطة بها وذلك مثلا من خلال علاقاتها بالمصيد الثانوي أو من خلال تحديد علاقات المفترس بالفريسة.

ونظرا للتكاليف الإجتماعية المحتملة، يلزم أن تشارك على نحو وثيق المجتمعات المعنية (48) في وضع خطط إعادة تكوين الأرصدة بيد أن هذه الخطط قد لا تحظى بقبول شعبي واسع النطاق، لكن تكاليف سياسات "دعه يعمل " ربما تكون، كما أظهرت الأمثلة السابقة أكبر في الآجال التي تتراوح بين المتوسطة والطويلة (49). وقد تستلزم عملية إعادة تكوين الأرصدة تخفيضا مستمرا في قدرات الصيد، وربما تؤدي إلى تنحية أطقم الصيد. وفي بعض البلدان، يلزم اتخاذ بعض الإجراءات التعويضية، سواء لمالكي السفن (وذلك مثلا بإعادة شراء هذه السفن) أو طواقم الصيد (التأمين ضد البطالة أو قروض

ميسرة او إعادة التدريب أو فرص عمل بديلة ( . وقد أدت برامج إعادة الشراء إلى نتائج متباينة، ولابد من الانتباه إلى أن الدعم المالي المقدم لا يعاد استثماره في شراء سفن ذات طاقة أكبر.

وخلال فترة إعادة تكوين الأرصدة يكون التعزيز والرصد أمرين مهمين جدا. وعندما تبدأ عملية إعادة تكوين الأرصدة بوضوح، تزداد الضغوط من القطاع لاستئناف نشاط الصيد أو زيادته، وهنا يلزم اتخاذ إجراءات إدارية صارمة لتلافي تكرار المشكلة.

الإجراءات المتخذة

الحد من الصيد الجائر هو الإجراء الرئيسي لإعادة تكوين الأرصدة السمكية، لاسيما عندما تخضع هذه الأرصدة للإستنزاف بسبب الإفراط في الصيد، سواء ترافق مع الظروف المناخية غير المواتية أو لم يترافق معها. ولعل التقليص التدريجي في الصيد، أي تقليل إجمالي المصيد المسموح به، هو الخيار الأول لتلافي التبعات الإجتماعية والإقتصادية أو معالجتها. ونظرا لتكاليف وصعوبة تقليص قدرات الصيد إلى مستوى يتوازن عنده المصيد مع انتعاش الأرصدة فقد كانت الإجراءات المتخذة "قليلة ومتأخرة جدا". وتوزيع الجهد المتبقي بين أنشطة المصايد الحرفية والصناعية والترفيهية يعد مهمة صعبة ونالوا ما يلجأ إليها. إضافة إلى ذلك، فالحقيقة هي أن المقدرة على الصيد تنحو إلى زيادة مطردة بالنسبة لبعض الأرصدة، ذلك لأن التراجع الشديد للموارد يؤدي إلى تعقيدات خطيرة عند التحكم في الصيد. وعلى ذلك يتحتم إلغاء الصيد فورا لأسباب إيكولوجية أو إقتصادية، وفي واقع الأمر فإن العديد من الحالات الفجائية لإغلاق مناطق الصيد كانت إلزامية بسبب الإنهيار الإقتصادي للثروة السمكية.

وكثيرا ما يتكرر الإغلاق الموسمي لمناطق الصيد (مثل فترات الاستراحة البيولوجية) كإجراءات سهلة لإعادة تكوين الأرصدة لكن هذه الإجراءات أثبتت عدم فعاليتها إذا ما بقيت قدرات الصيد الإجمالية فائضة.

وغالبا ما تقررت فترات إيقاف الصيد في أعقاب فشل محاولات الكبح التدريجي لضغوط الصيد. وكثيرا ما قرضت هذه الفترات فعلا بسبب التوقف الإقتصادي لأداء المصايد. ويمكن أن يكون للمصايد التي تمارس فيها رياضة الصيد تأثير مماثل إذا ما أعاد الرياضيين جميعهم صيدهم حيا إلى الماء. وحققت فترات إيقاف الصيد نجاحا نسبيا في إعادة تكوين مصايد الرنجة في شمال الأطلسي وشمال شرق المحيط الهادي. وقد تكون مثل هذه الحالات أكثر سهولة في التنفيذ، وبالتالي أكثر قبولا بشأن مصايد أسماك السطح مما هو الحال بالنسبة لمصايد أسماك القاع متعددة الأصناف، وللمصايد متعددة أدوات الصيد، التي تتطلب خطة متكاملة لإعادة تكوين الأرصدة بحيث تعالج جميع الجوانب التي تؤثر في الموارد المتاحة في منطقة الصيد، وتطرح تحديا أكثر تعقيدا أمام طائفة واسعة من المجموعات ذات المصلحة. بيد أن ذلك لا يشكل ضمانة بأن تحقق فترات إيقاف الصيد الكلية نجاحا سريعا أو حتى مؤكد، كما أظهرت ذلك عملية إعادة تكوين الأرصدة البطيئة جدا لأسماك القد الكندي بعد عقد من الجهود المتواصلة.

كذلك جرى استخدام طرق الإغلاق سواء الدائم (محميات)، أو المؤقت أو الموسمي لحماية موائل التربية أو وضع البيض أو لحماية مناطق تمركز الإناث البياضة أو صغار الأسماك لبعض الوقت ومن الممكن استخدام هذه الأساليب لحماية الموائل المهمة في الأنهار والجداول والمنغروف ومواقع نمو الأعشاب البحرية وقيعان الطحالب والشعب المرجانية. وتعتمد فعاليتها على مستوى فائض القدرة ودرجة الاستجابة. ويمكن لأسلوب المناطق البحرية المحمية، إذا ما تم تحديدها على نحو ملائم، أن يكون فعالا في هذا السياق. وهكذا فإن إغلاق مساحة 17000 كيلومتر مربع من المحميات على الجانب الأمريكي من منطقة George's Bank في وجه السفن التي تصيد بشباك الجر من اصطياد الحادوق والسمك المفلطح، حقق بعد خمس سنوات تقدما ملموسا في إعادة تكوين مخزونات هذين الصنفين، إلى جانب بعض التقدم في إعادة تكوين الأرصدة في سمك القد، كما حقق انتعاشا واسع النطاف في أرصدة الإسكالوب. لكن من الصعوبة بمكان التنبؤ دائما بالنتائج التي تتمخض عن إغلاق مناطق الصيد أو إقفال المصايد، كما تدل على ذلك زيادة اللوبستر وسرطان البحر الثلجي وإنزال المصيد من الأربيان في شمال غرب الأطلسي والجرف الاسكتلندي في أعقاب إغلاق مصايد القد. وقد يتسبب ارتفاع قيمة المصيد من هذه الأصناف في طمس الأهداف الأساسية لخطة إعادة تكوين الأرصدة (50).

وتعكس التجربة، رغم أنها لم تحقق نجاحا ملحوظا، أهمية أسلوب "قاعدة ضبط المحصول" التي تحدد متى تكون عملية إعادة تكوين الأرصدة إلزامية، وضرورة الإلتزام بتنفيذها بقوة وعلى نحو متواصل حتى تكتمل عملية إعادة التكوين. ويستلزم منهج الاستناد إلى هذه القاعدة توافر الحيطة، أو تعريف حدود النقاط المرجعية (مثال ذلك تحديد الكتلة الحيوية لوضع البيض وطاقة الصيد)، واتخاذ قرار مسبق بشأن الإجراءات غير التقديرية وتنفيذها متى وعندما يتم بلوغ تلك الحدود ويجب مواصلة هذه الإجراءات إلى أن يتم تجديد الرصيد السمكي البياض عند المستوى المقرر من ذي قبل، أو إلى أعلى من مستوى الرصيد السابق الذي كان يدعم المصيد متعدد الأصناف. بيد أن أي نقص في مراقبة قدرات الصيد قد يؤدي عندئذ إلى تقلبات خطيرة في الثروة السمكية تنجم عن صعوبة تحديد حالات الإفراط في الصيد.

النتائج المستخلصة

يعتبر التخطيط المسبق لإعادة تكوين الأرصدة أسلوبا حديث العهد. ومعظم خطط إعادة تكوين الأرصدة الفعلية تتعلق بالبحار القريبة من البلدان المتقدمة وقد مضت على ظهورها فترة تقل عن 10 إلى 20 سنة. وحققت تلك الخطط نجاحا بدرجات محدودة وهناك العديد من تلك الخطط ما زال قيد التنفيذ. وإذا ما اعتبر أي من تلك الخطط ناجحا عند تسجيل زيادة ملحوظة في الكتلة الحيوية بعد مضي وقت ما على بداية تنفيذ الخطة، فإن التجارب السابقة تدل على أن إعادة تكوين الأرصدة حققت نجاحا في 12 حالة (46 في المائة) من حالات سمك القاع، وأن 8 حالات منها (67 في المائة) تتعلق بأسماك السطح، و 10 حالات (71 في المائة) تتعلق باللافقاريات، وربما كانت على صلة بحالات الأسماك التي تفترس في الأرصدة المستنفدة من أسماك ا لقاع (51). وتشير الإحصاءات إلى أن انتعاش أرصدة سمك القاع كان أقل نجاحا من سائر الموارد باستثناء بعض حالات الإغلاق المحلية في المناطق الإستوائية. وقد ظهر أن العديد من صغر أسماك السطح انتعشت بعد 5 سنوات من تعرضها إلى انخفاض شديد، في حين أن 40 في المائة من أرصدة أسماك القاع استمرت تتراجع لمدة 15 سنة بعد أن انتهت فترة هبوط المخزونات إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق (52).

التوقعات

هل نستطيع العمل بتوصيات جوهانسبرج؟

يوضح الإستعراض السابق والنتائج المكتسبة حتى الآن كلا من النطاق الرئيسي للمهمة التي دعا إلى تنفيذها مؤتمر القمة العالمي للتنمية المستدامة- خطة تنفيذ القرارات، والإطار الزمني لفترة إعادة تكوين الأرصدة والنتائج التي تعرضت للمساومات السياسية أكثر من خضوعها للتحليل العلمي. ولإعادة تكوين الأرصدة بالضرورة تكاليف مرتفعة، بل إن البديل (عدم اتخاذ أي إجراء) يمكن أن يكون أكثر تكلفة. ويتبين من الخطط القليلة التي حققت نجاحا أن إعادة تكوين أرصدة أسماك القاع أشد صعوبة بكثير من إعادة تكوين أسماك السطح واللافقاريات خصوصا في مناطق الصيد في خطوط العرض العليا. كما قد تتعرض العمليات السريعة لإعادة تكوين الأرصدة للمخاطر، إذا لم تكن البيئة مواتية أو انخفضت الأرصدة إلى ما يقل كثيرا عن 30 في المائة من حجم الأرصدة غير المستغلة. وقد تحقق انتعاش محلي لموارد المياه ا لضحلة الإستوائية بسرعة نسبيا بفضل إغلاق مناطق الصيد، لكن من المتوقع أن يستلزم انتعاش أرصدة أسماك القاع في خطوط العرض العليا فترات إعادة تكوين طويلة تصل إلى 15 سنة أو أكثر، وربما يلزم استكمالها بإغلاق مساحات كبيرة واتخاذ إجراءات فنية. ومن المؤسف أن تبذل محاولات قليلة لإغلاق مناطق واسعة النطاق نسبيا من مصايد أسماك القاع في المناطق المعتدلة رغم أن هذه الآلية يبدو أنها تتيح فرصا للنجاح خلال إطار زمني عشري.

ومما يدلل على وجود إشارات سالبة، ذلك التقدم البطيء الذي تحقق في تكييف قدرات الصيد تبعا لإنتاجية البيولوجية منذ إدراك المشكلة قبل 50 سنة مضت على الأقل. وأصبح الوعي بهذه المشكلة عميقا وتزايدت الضغوط من أوساط المصايد والأوساط البيئية على السواء. لكن القدرة على الاستفسار ما زالت متباينة جدا وغالبا ما تكون غير كافية خصوصا في البلدان النامية. إضافة إلى ذلك، فإن الفكرة التي تقضي بأن غياب التخصص يلغي القدرة على صيانة الموارد، وهي فكرة تعود في أصولها إلى عهد الحضارة اليونانية، لا تزال صالحة كأمر بديهي في الميدان الحديث للسياسات، الأمر الذي يعرض العملية للخطر في مجالات عديدة.

(42) SM. Garcia and J. Boncoeur. 2004 Allocation and conservation of ocean fishery resources: connecting rights and responsibilities. Paper presented at the 4th World Fisheries Congress, . Vancouver, Canada, May 2004. as an opening to the session on Allocation and Conservation.
(43) . G. Hardin. 1968. The tragedy of the commons. Science, 162: 1243-1248
(44) كما ورد في Magnusson-Stevens Fishery Conservation and Management Act الصادر عن الكونغرس الأمريكي.
(45) تدل التجربة على أن التقلبات البيئية يمكن أن تؤخر أو تعجل عملية إعادة تكوين الأرصدة، وأن النظام المناخي يغير ظروف الإنتاج بالمقارنة مع تلك المتعلقة بالصيد والعلاقة المتبادلة بين المفترس و "الفريسة". أنظر على سبيل المثال: J. Jurado-Molina, and P. Livingston. 2002 Climate-forcing effects on trophically linked groundfish populations, implications for fisheries management. Can J. Fish. . Aquat. Sci.,59: 1941-1951
(46) أنظر على سبيل المثال: E Kenchington. 2001. The effects of fishing on species and genetic diversity , ورقة عمل قدمت لمؤتمر ريكيافيك بشأن الصيد الرشيد في النظام الإيكولوجي البحري، ريكيافيك،1- 4 أكتوبر/ تشرين الأول2001 R Law. 2000 Fishing, selection, and phenotypic evolution, ICES J. Mar. Sci., 57: 659-890. A. Longhurst. 2002.Murphy's Law revisited: longevity as a factor in recruitment to fish.populations. Fish. Res.,56: 125-131 .
(47) تكون فترات إعادة تكوين الأسماك الإستوائية قصيرة العمر وأسماك السطح الصغيرة، أقصر من حيث المبدأ، من نظيرتها لأسماك القاع طويلة العمر في خطوط العرض العليا، حيت أن التوقعات تشير إلى أن فترات إعادة تكوين الأرصدة قد تطول إلى 15 سنة، تبعا للتقلبات المناخية المشارإليها أعلاه وقد يلزم مضي قرابة نصف قرن لتجديد الموارد طويلة العمر مثل استورجون أو بيرس المحيط أو روغي البرتقالي.
(48) في فترات إيقاف صيد القد الذي لم يثبت نجاحه حتى الآن في كندا، استخدمت الشركة في إدارة الحقوق كوسيلة للمساعدة في إعادة تكوين الأرصدة. ولعبت الصناعة دورا فعالا في رصد المناطق المغلقة ومناطق الصيد التي كانت تنتج من ذي قبل، بما قلل المنازعات بين المديرين وذوي المصالح.
(49) تسبب انهيار صيد القد الأطلسي الكندي في إنفاق50 مليون دولار كندي سنويا على شكل مساعدات للأفراد والمجتمعات المحلية، فضلا عن مصروفات حكومية سابقة تراففت مع فترات إغلاق المصايد أنظر Fisheries and Oceans Canada. 2003. Closure of the cod fisheries and action plan. to assist affected individuals and communities. In Focus_ Archive, April 24 (http://www.dfo-mpo.gc.ca/media/infocus/2003/20030424_e.htm
(50) Fisheries and Oceans Canada 2003. Current state of the Atlantic fishery. Backgrounder - Archive, 24 April (http://www.dfo-mpo.gc.ca/media/backgrou/2003/cod-1_e.htm
(51) ou J.F.Caddy and D. Agnew. 2003. Recovery plans for depleted fish stocks: an overview of global experience. International Council for Exploration of the Sea Doc CM 2003/ Invited lecture 2 (http://www.ices .dk/products/Cmdocs/2003/INVITED/INV2PAP.PDF)
(52) .J.A Hutchings. 2000. Collapse and recovery of marine fishes. Nature, 406: 882-885

 

الصفحة السابقة اعلى هذه الصفحةالصفحة المقبلة