الصفحة السابقة بيان المحتوياتالصفحة المقبلة

الجزء الرابع

التوقعات

مقدمة

هل ستعاني مصايد الأسماك الطبيعية، بسبب تعذر كبح جماح الصيادين في بحثهم عن الموارد السمكية واصطيادها، من "انفجار" داخلي يؤدي إلى خفض حاد في كمية المصيد ونوعيته؟ وهل ستتمكن الحكومات والصيادون وغيرهم من أصحاب الشأن من إيقاف التنافس على الأسماك حيثما تكون تلك المنافسة مستمرة؟ وهل سيتسنى إيقاف أنشطة تربية الأحياء المائية نظرا لأن المجتمع ككل تلمس نتائجها الخطيرة على البيئة؟ أم على العكس من ذلك ستؤدي "الثوابت التقنية" لدى العلماء والمسؤولين عن مشاريع تربية الأحياء المائية، إلى إزالة التأثيرات المعاكسة وضمان توسع متواصل ونمو سريع لتربية الأحياء المائية؟

لا أحد يمتلك إجابة دقيقة على هذه الأسئلة. ولا أحد بإمكانه أن يتوقع بدقة ما الذي سيحدث لمصايد الأسماك الطبيعية ولتربية الأحياء المائية. وسيبقى هذا السؤال مطروحا لعدة عقود قادمة. بيد أن من الممكن وضع تقديرات وتصورات معقولة عما سيحدث في مصايد الأسماك الطبيعية وفي مجال تربية الأحياء المائية في المستقبل اعتمادا على معرفتنا بتوقف الأنشطة البشرية في فترات معينة ولمعرفتنا ببعض الأنماط القابلة للتقدير في التطورات التي تجري في الطبيعة.

وسيناقش هذا القسم من "التوقعات " ما يمكن حدوثه في العقد القادم "توقعات على المدى القصير" ثم يعالج ما الذي يمكن حدوثه فيما بعد ذلك "الإسقاطات على المديين المتوسط والبعيد".

وسنستعرض على المدى القصير التغيرات العالمية في المواقف ذات الصلة بإنتاج الموارد السمكية واستهلاكها، ونناقش تأثيراتهما على الاتجاهات المعروفة للتغيرات على المدى القصير بحسب معدلات نمو الثروة السمكية، وتزايد مستويات الدخل وبحسب حالة الموارد البحرية.

أما المناقشات المتعلقة بالإتجاهات على المديين المتوسط والبعيد فستتركز على نموذجين للمحاكاة الكومبيوترية فى كل من مصايد الأسماك العالمية ومشروعات تربية الأحياء المائية للسنوات 2010 و2015 و2020 على التوالي.

العقد المقبل:المعوقات والفرص المتاحة

تنمو مصايد الأسماك الطبيعية وتربية الأحياء المائية كلما استجاب الصيادون ومربو الأسماك لعملية التطوير التي تتيحها باستمرار الفرص التجارية والتقنية من جهة، ووفقا للمعوقات القانونية والبيئية من جهة أخرى. وتبرز الفرص المتاحة نتيجة للتغيرات التي تطرأ من بين أمور أخرى على الطلب على الأسماك، والوصول إلى الموارد الطبيعية، وحالة الموارد المائية الحية، وسياسات القطاع وأنماط إدارته. وستتضح ردود فعل الصيادين ومربو الأسماك من خلال استراتيجيات تنمية الأحياء المائية ومن خلال جوانب التكيف التي يطورها قطاع مصايد الأسماك. وسنناقش فيما يلي بالتفصيل الإتجاهات المحتملة للفرص والمعوقات، وطرق استجابة الصيادين ومربي الأسماك لها.

الطلب على الأسماك

يزيد الطلب على الأسماك بتزايد عدد المستهلكين وبحسب الزيادات التي تطرأ على مستويات دخلهم. بيد أن مستويات الطلب قد تتغير بالزيادة أو النقصان كلما غير المستهلكون وجهات نظرهم بشأن الأسماك كغذاء، وغيروا أنماط استهلاكهم لها. وتحدث مثل هذه التغيرات لأسباب عديدة فقد تكون بتأثير الإعلانات التجارية أو تحدث بفضل زيادة المعارف المتاحة بشأن خصائص الأسماك بصفتها مواد غذائية وبسبب احتمال أن يربط المستهلك ما بين الإستهلاك والإستدامة البيئية.

ومن الواضح أن الطلب سيتوسع على المديين القصير والمتوسط على الأسماك، نظرا للزيادة في عدد السكان وفي مستويات الدخل. بيد أن هذه الزيادة ستكون بطيئة في البلدان المتقدمة، فقد تقل عن نسبة 1في المائة سنويا (من حيث حجم الإنتاج السمكي)، وذلك نظرا لركود معدلات الزيادة في عدد السكان أو نموهم ببطء شديد جدا، ولأن نصيب الفرد من الإستهلاك عال نسبيا، ولأن الزيادة في معدلات الإستهلاك لا تواكب بنفس القدر الزيادة في مستويات الدخل.

ومن المنتظر أن تكون الزيادة في البلدان النامية أسرع من ذلك، نظرا لتسارع وتيرة الزيادة في عدد السكان، وانخفاض نصيب الفرد من الإستهلاك في بعض تلك البلدان انخفاضا شديدا. ومن السهولة بمكان أن يتضاعف نمو الإستهلاك من حيث الحجم مرتين أو ثلاث مرات مقارنة بنظيره في البلدان المتقدمة.

وتستلزم هذه الإتجاهات في الطلب على الأسماك واستهلاكها استقرار الإمدادات. بيد أن هذه الصورة عن استقرار الإمدادات زائفة في واقع الحال. ولم تعد الأسماك منتجا متجانسا، دائما تنقسم إلى أصناف وأنواع من المنتجات ويستدل من السجلات وجود تغيرات كبيرة في الوقت الحالي، ومن المحتمل استمرارها على المدى القصير في الطلب على كل نوع من أنواع الأسماك وعلى منتجاتها واستهلاكها في المستقبل (أنظر الجزء الأول). وتأتي معظم هذه التغيرات استجابة للتغيرات الحاصلة على المدى القصير في الكميات المتوافرة من الأسماك في الأسواق، إثر التحولات التي طرأت على حجم الكتلة الحيوية من الأسماك المتاحة للصيد.

غير أن من الصعوبة بمكان رصد التحولات التي تطرأ على الطلب من خلال هذه الصورة المعقدة للتقلبات الطارئة من سنة إلى أخرى. ويوجد في ما يبدو إجماع في الآراء على أن بعض المستهلكين، ولاسيما في البلدان المتقدمة، أخذوا يغيرون موقفهم من الأسماك. وتشمل هذه التغييرات في المواقف: (1) النظر إلى الأسماك لا باعتبارها مادة تؤكل فقط، وإنما باعتبارها طعاما بإمكانه تحسين صحة الإنسان، أي غذاء صحي ؛(2) تناول كميات "مناسبة" من الأسماك يساعد في الحفاظ على البيئة المائية، فالأسماك غذاء يوفر"السلامة البيئية"؛(3) أن الأسماك طعام ثمين يؤكل في المناسبات بكميات قليلة ويكلف أسعارا باهظة.

ولا تؤدي كل هذه التحولات في مواقف المستهلكين بالضرورة إلى زيادات شاملة في كميات الأسماك المستهلكة. إذ أن تأثيراتها على الاستهلاك ليست باتجاه واحد. من ذلك على سبيل المثال، إن المواقف الجديدة قد تؤدي إلى زيادة في الطلب على الأسماك التي تعتبر سليمة بيئيا أو صحية، ولكنها قد تؤدي في ذات الوقت إلى خفض مستويات الطلب على الأسماك التي لا تعتبر صحية وسليمة من الناحية البيئية.

وفي هذ السياق، تعتبر التغيرات في الظروف التي تتحكم بالتجارة الدولية في الأسماك مهمة بدورها. ومن المحتمل أن يؤدي التوسع التدريجي في عملية تحرير الأسواق إلى إضافة أعباء جديدة على الضغوط الواقعة على أرصدة البلدان النامية من الثروات السمكية، لاسيما من الأنواع التي يشتد عليها الطلب في الأسواق الدولية. ولما كانت صادرات هذه الأنواع من الأسماك في ازدياد، فقد بات من المنتظر لجوء البلدان المصدرة إلى استيراد أنواع أرخص ثمنا، ويترتب على ذلك زيادة الضغوط المسلطة على الأنواع ذات القيمة العالية و الأنواع ذات القيمة الأقل على حد سواء وكلاهما من منتجات المناطق الإستوائية ، والمعتدلة.

الوصول الى الموارد الطبيعية

لا شك في أن الإتجاهات واضحة المعالم فيما يخص فرص الوصول المتاحة إلى الموارد السمكية، فهذه الفرصآخذة في التضاؤل، وهذا التضاؤل ناجم عن فرض قيود عليها. بيد أن تلك القيود إنما تتخذ أشكالا متعددة في مصايد الأسماك الطبيعية. ولعل أكثرها شيوعا هو استنباط حقوق جديدة للاستخدام وتخصيصها (وهي مقيدة عندما لا تتوافر مجالات كافية لمن يرغبون في الصيد)، وفرض رسوم على سبل الوصول أو ما يقابلها، ثم إنشاء مناطق بحرية محمية أو ما يماثلها، وأخيرا تحول سبل الوصول من المستخدمين التجاريين إلى المستخدمين غير المستهلكين.

كذلك يتسع نطاق تطبيق القيود المفروضة على سبل الوصول وسيتواصل إنتشارها ليشمل تربية الأحياء المائية. ومن المنتظر أن تصبح مستلزمات منح تراخيص الصيد، بما في ذلك تقديرات التأثير البيئي الخاصة بالمرافق الجديدة من بين الشروط المفروضة على البلدان النامية. كما ستواجه المزارع التجارية لتربية الأنواع عالية القيمة من الأسماك الزعنفية والقشريات أينما كانت مواقعها، على نحو متزايد، نقاط اختناق يفرضها في الغالب وجود إمدادات ثابتة من الأسماك ذات القيمة المتدنية (تستخدم لعمليات التسمين) وفي صناعة الزيوت والمساحيق السمكية.

الموارد المائية

من المشجع ملاحظة الزيادة البطيئة في النسبة المئوية لإعادة تكوين المخزونات السمكية (بفضل الإدارة الجيدة أو الظروف المناخية)، بيد أن هذه الظاهرة حديثة، ولربما يتعذر معها وضع إستنتاجات يمكن الإعتماد عليها. ولم ينعكس حتى الآن مفعول الأساليب المحسنة في الإدارة التي طبقت خلال العقد الماضي، وما رافق ذلك من تأثير عمليات تقليص أنشطة أساطيل الصيد الضخمة على حالة المخزونات السمكية في العالم، وإن برزت مؤشرات موضعية في بعض البلدان تدل على أن التحسن المنتظر ممكن الحدوث.

وتعكس الاتجاهات الحالية في العديد من المزونات المستغلة صورة قاتمة، حيث ما زالت الضغوط تتزايد على الموارد (أنظر القسم الخاص بحالة الموارد البحرية السمكية في الجزء الأول). ويكشف تحليل الإتجاهات وفقا لإحصاءات المنظمة بشأن إنتاج الأسماك في المصايد الطبيعية، عن وجود إتجاهات هبوطية في معظم أقاليم العالم، ولاسيما في شمال غرب المحيط الأطلسي. كما لوحظت نفس الإتجاهات في مصايد الأسماك الطبيعية الداخلية. ولدراسة التغيرات المماثلة أجريت مقارنة بين معدلات إنزال الأسماك التي تقتات على غيرها من الأسماك، ومعدلات إنزال الأنواع التي تقتات على الكائنات الحية الحيوانية والنباتية العالقة. وقد حددت تلك المقارنة منطقة شمال شرق المحيط الأطلسي باعتبارها من أكثر المناطق مدعاة للقلق. وتكشف المؤشرات عن وجود نظم إيكولوجية مستغلة بالكامل مع وجود حيز ضئيل للبحث عن الموارد في غيرها من المناطق باستثناء شرق المحيط الهندي وغرب وسط المحيط الهادي. ولا يمكن أن نستثني من ذلك أيضا ما قد يحصل في مناطق أخرى من المحيطات أثناء العقد القادم من تدهور قد يماثل التدهور الملحوظ في الوقت الحاضر في أنماط "مساهمة الأسماك في سلة الأغذية".

وفيما يتعلق بوجود الأصناف غير التقليدية المحتملة، تشير الدلائل إلى أنه ما لم تستنبط مناهج ذات كفاءة فى استخدام الطاقة لصيد حبار المحيطات (أو يبقى الحظر الدولي المقيوض على أنشطة صيد الأسماك السطحية على نطاق واسع باستخدام الشباك العائمة). فسيتعذر الوصول إلى معظم موارد الحبار فى المحيطات، ومن الواضح أيضا أن نمو المصيد من الأنواع شبه السطحية سيعاق ما لم تحدث زيادة ملموسة ومتواصلة في الأسعار العالمية للمساحيق والزيوت السمكية. وتستلزم أي استراتيجية مدروسة لاستغلال المستويات الدنيا من النظم الإيكولوجية لسلسلة المغذيات (بما في ذلك القشريات) بهدف توسيع نطاق مصايد الأسماك (لمضاعفة المصيد العالمي المحتمل) توفير التكاليف الباهظة لتطوير التكنولوجيات ومجابهة قلق الرأي العام بشأن المنافسة البشرية لصيد الثدييات البحرية. فليس من المنتظر أن تساهم الموارد المتاحة من الأسماك في القيعان العميقة من المناطق الإقتصادية الخالصة أو في أعالي البحار على نحو ملموس في زيادة حجم المصيد بطريقة قابلة للاستدامة.

وستستمر التقلبات الطبيعية والتغيرات المناخية المتزايدة في عرقلة جهود رصد حالة المخزونات السمكية وتحديد مواقعها وتقديم المشورة الإدارية بشأنها. وستصبح النظم الإدارية أكثر تنافسية بمرور الوقت للتنبؤ بالتغيرات، وباستثناء عدد قليل من البلدان الرائدة لا يبدو أن الصناعات السمكية طورت نوعا من القدرات المطلوبة حتى تتكيف بالفعل مع التوقعات ونتيجة لذلك، فإن نسبة من المخزونات السمكية ستتعرض من حين لآخر إلى الإفراط في الصيد، قبل اكتساب قدرات كافية لإحداث توافق ما بين قدرات الصيد والتغيرات البيئية ما لم تصبح النظم الإدارية أكثر حذرا، وهو إجراء مكلف وتصور غير محتمل في العقد القادم على الأقل.

وحصل اتفاق على نطاق واسع بشأن هذه القضايا لبعض الوقت. فحيث أن كميات الإنزال المعلنة رسميا من مصايد الأسماك البحرية (تتراوح ما بين 80 و 90 مليون طن)، ولأن الكميات التي يعاد إلقاوها في البحر (أقل من 7 ملايين طن سنويا في الوقت الحاضر)، وبحساب الكميات التي من المحتمل صيدها حاليا بطرق الصيد غير القانوني دون إبلاغ ودون تنظيم، ونظرا لتعذر الوصول إلى الحد الأمثل من إنتاج جميع الأنواع في آن واحد، فإن الكميات المحتملة من الأنواع التقليدية البحرية ستبقى بحدود 80-90 مليون طن وهو حجم سبق تسجيله في وقت سابق (أنظر أيضا الفصل الخاص بحالة الموارد السمكية). ولا تعكس السجلات الحديثة عن حجم المصيد وتقديرات الموارد المائية المتاحة الحاجة إلى إعادة النظر في هذا الاتفاق.

الإدارة وسياسات القطاع النوعية

من المحتمل جدا أن تتمخض السياسات النوعية لقطاع الثروة السمكية خلال السنوات الخمس إلى العشر القادمةعن استمرار تطبيق حقوقق الإستخدام المخصصة للمزونات السمكية، بما يؤدي إلى إقصاء المشروعات الهامشية. وهذا ما سوف يحدث لاسيما في بلدان الإقتصاديات المتقدمة. يضااف إلى ذلك، أن السياسات الإقتصادية إزاء قطاع مصايد الأسماك ستصبح أقل تساهلا. إذ ستتقلص الإعانات والمجهود المرتبطان مباشرة بقدرات مصايد الأسماك، وسيطلب إلى عدد متزايد من الصيادين دفع تكاليف الخدمات الحكومية، ولربما أيضا تسديد رسوم نوعية محددة مقابل حقوق الصيد. كما ستزداد تكاليف الصيد. وهذا ما سيؤدي إلى إقصاء مشروعات الصيد الهامشية، ويساهم في زيادة أسعار الأسماك بالأرقام الحقيقية ويحفز على زيادة منتجات تربية الأحياء المائية.

وستتجه حقوق الصيد في مصايد الأسماك الصغيرة في المناطق الإستوائية نحو الطابع الجماعي- بدلا من الفردي، وترتبط بترتيبات الإدارة المشتركة. وسيشكل ذلك هيكلا إداريا يسمح بمراقبة سبل الوصول إلى تلك المصايد، وعلى ذلك سيتوافر أساس قانوني لإحداث زيادة في الإنتاجية (دون زيادات في إجمالي المصيد)، وهو ما يحتاجه القطاع لكي يواكب التقدم جنبا إلى جنب مع غيره من القطاعات الإقتصادية. ومن المحتمل أن تشهد مصايد الأسماك صغيرة النطاق في جنوب وجنوب شرق آسيا والصين تغيرا ملموسا، بما يقلل من معدلات العمالة واستخدام عدد أقل من سفن الصيد، لكنه يؤدي إلى زيادة الإنتاجية (بالمعنى الإقتصادي) بالنسبة إلى الثروة السمكية المتبقية. كما ستبدأ بالظهور تطورات مماثلة خلال السنوات الخمس إلى العشر القادمة في أجزاء أفريقيا التي ظلت بمنأى عن الاضطرابات المدنية.

ومن المنتظر أن تتعزز أجهزة المصايد الإقليمية من خلال تقويض السلطة بصنع القرار إلى أعضائها في مسعى لتعزيز الجوانب الإدارية بغرض إعادة بناء المخزونات المستنزفة، واحتواء أساطيل الصيد ذات القدرة الزائدة، ولعل الأهم من ذلك ردع الصيد غير القانوني دون إبلاغ ودون تنظيم.

ومن المتوقع أن تكون أجهزة المصايد الإقليمية في مقدمة المبادرين إلى تحويل عملية تركيز الإدارة التقليدية لمصايد الأسماك على المخزونات من نوع واحد إلى التركيز على النظم الإيكولوجية (تطبيقا لنهج النظام الإيكولوجي)، لاسيما بالنسبة إلى الموارد المشتركة أو الموارد المتاحة في أعالي البحار. وستكون الأجهزة الإدارية بحاجة لأن تتفهم من بين أمور أخرى تأثيرات مصايد الأسماك والتغيرات المناخية على الموائل والمجتمعات المحلية البحرية، وكذلك بلورة تفهم التفاعلات الايكولوجية، والنتائج المترتبة على استبعاد جزء من المصيد. وحيث أن هذه الإجراءات ستؤدي إلى زيادة الحاجة إلى الرصد والبحوث، فقد تكون أجهزة المصايد الإقليمية هي التي ستضع هذه القضايا في صدر أولوياتها. فأجهزة المصايد الإقليمية تركز اهتمامها على المخزونات ومصايد الأسماك عالية القيمة أو بوجه خاص الموارد المعرضة كالأنواع المتاحة في الصخور المرجانية والمعرضة للانقراض.

وسيترتب على المنتجين في مجالات تربية الأحياء المائية في أرجاء العالم أن يتكيفوا مع عدد متزايد من المعايير. وسيكون للمعايير هدفان رئيسيان هما: ضمان أن تكون المنتجات جيدة لصحة المستهلكين، والعمل على تقليل التأثيرات على البيئة الناجمة عن استخدام تقنيات الإنتاج إلى مستوى الحد الأدنى. ومن ثم تنسيق القواعد أو الخطوط التوجيهية تسهيلا للتجارة الدولية. وسيحصل قطاع تربية الأحياء المائية فى مقابل ذلك على اعتراف قانوني أقوى.

وفيما يتعلق بالإطار القانوني للرقابة والحد من التأثيرات على البيئة، بات من المحتمل أن يشهد العقد القادم عددا أكبر وأقوى من المحاولات للحد من إدخال أنواع غريبة. كذلك سيعمل أصحاب الشأن على وضع إطار للسياسات لتوجيه استخدام الكائنات المائية المحورة وراثيا. وكلما توسع قطاع تربية الأحياء المائية، ستجد البلدان نفسها بحاجة إلى وضع برامج متكاملة لصحة الحيوانات المائية قادرة على توفير خدمات صحية روتينية لصناعات تربية الأحياء المائية.

الفرص المتاحة والمعوقات في مصايد الأسماك الطبيعية

لم تعد مصايد الأسماك الطبيعية تتوسع من حيث عدد الصيادين وسفن الصيد. ويتجه هذا القطاع نحو الإندماج والتكامل جنبا إلى جنب مع تناقص النمو والفرص المتاحة. وبالنسبة لعدد كبير من الصيادين يتمثل العائق الرئيسي في تقلص فرص الوصول إلى الموارد. وقد استكملت أغلبية البلدان عملية تأهيل مصايد الأسماك في مناطقها الإقتصادية الخالصة، وهذا يعني أن أمام المستثمرين في مجالات الثروة السمكية في الوقت الحاضر فرصا قليلة لإيجاد آفاق جديدة لتوسيع أنشطتهم. أما مصايد الأسماك في أعالي البحار فهي تعتمد على كثافة رأس المال وتكرس جهودها لصيد الأنواع غير السطحية من الأسماك، والتي تمتاز بقدرتها غير المؤكدة على الاستدامة. وعلى ذلك، فإن معظم الصيادين ومشروعات الصيد أصبحت تتعامل مع مصايد بلغت ذروة مستويات الإستغلال أو تجاوزت حد الإستدامة. وعلى ذلك، يحتاج الصيادون لتحسين دخلهم إلى صيد نفس الكميات من الأسماك بتكاليف أقل أو بيعها إلى أسواق تقدم أسعارا أفضل أو العمل على زيادة مصيدهم، وفي هذه الحالة يضطرون إلى منافسة غيرهم من الصيادين وإزاحتهم من الأسواق.

وفي نفس الوقت بلغت هذه الصناعة، لاسيما في البلدان المتقدمة مرحلة الشيخوخة. ففي اقتصاديات بلدان منظمة التعاون الإقتصادي والتنمية يتزايد متوسط عمر الصيادين. وتعي هذه الزيادة إلى أن الصيادين المتقدمين في العمر يتركون هذه المهنة بأسرع ما تجرى الإستعاضة عنهم. ويبدو أن هناك عدة أسباب لذلك مثل ظروف العمل غير المشجعة، والمستوى العالي لاستغلال المخزونات مع إمكانية تعزيز السلطات للسياسات الرامية إلى استخدام أعداد أقل من الصيادين.

بيد أن انخفاض عدد الصيادين إلى جانب نمو إنتاجية الصياد هما في واقع الحال شرطان مسبقان لاستمرار السلامة الإقتصادية لمصايد الأسماك الطبيعية في الإقتصاديات المتقدمة. وعلى الرغم من بقاء معدلات عمر الصيادين وسفنهم مرتفعة، وقد ترتقع إلى أكثر من ذلك، فإن استمرار السلامة الإقتصادية سيسهل تدفق سفن جديدة وأعداد من الصيادين الشباب (ومنهم نسبة متزايدة من قوى العمل الوافدة)، بما يسمح لمصايد الأسماك مواصلة الإنتاج بالمستويات الحالية حتى في البلدان المتقدمة خلال العقد القادم. بيد أن هذا التدفق من حيث عدد الصيادين وسفن الصيد سوف لن يعوض توقف سفن الصيد القديمة عن العمل وأعداد الصيادين المتقاعدين.

ومما يوضح هذا التطور ما حدث لأساطيل السفن التي قد تتجاوز حمولتها الإجمالية 100 طن (أو ما يصل طولها إلى 34 مترا)، فقد بلغ عدد هذا الصنف من السفن نحو 000 24 سفينة صيد قديمة. وفي عام 2004، ارتفع عدد السفن التي يزيد عمرها عن 30 عاما إلى نسبة 35 في المائة من مجموع السفن، أو ما يزيد قليلا عن 700 8 سفينة، بعد أن كانت نسبتها تبلغ 6 في المائة أو 400 1 سفينة في مطلع عقد التسعينات ومن المحتمل أن تتوقف عن العمل معظم هذه السفن البالغ عددها 700 8 سفينة خلال السنوات العشر القادمة (بمعدل 870 سفينة كل عام)، في حين كان بناء السفن الكبيرة في بداية هذا العقد بمعدل 300 سفينة في العام. وإذا ما أخذنا بعين الإعتبار حوادث فقدان السفن، يتضح احتمال انخفاض عدد السفن التي تزيد حمولتها الإجمالية على 100 طن بنحو 600 سفينة في العام خلال المستقبل القريب وحيث أن السفن الجديدة حتى وإن كانت بذات الحجم هي أكثر كفاءة بكثير من السفن التي تحل محلها، فمن المؤكد أن قدرة الأسطول على الصيد لن تنخفض بنفس المعدل.

وسيتيح النمو الإقتصادي في بلدان الإقتصاديات النامية فرصا للصيادين الحرفيين والصيادين على نطاق محدود للتخصص والانتقال من نمط عمليات الكفاف إلى نمط العمليات الإستثمارية. وسيحدث ذلك حالما تتغير حالة الأسواق وفرص العمالة. وسينجم عن النمو الإقتصادي المزيد من فرص العمل في المراكز الحضرية وفي القطاع الثالث، بما سيؤول إلى خفض عدد الأفراد الذين يعملون كجزء من الوقت أو من حين إلى آخر في مجال عمليات الصيد، الأمر الذي سيتيح المزيد من الموارد للصيادين الذي يكرسون وقتهم بالكامل لعمليات الصيد. وكلما تطورت أساليب الإدارة المشتركة وطبقت على نحو متزايد، ستنخفض حالات الإفراط في الصيد وتستعيد مصايد الأسماك قدرتها على الإستدامة. وسينجم عن التوسع العمراني إتاحة أسواق كبيرة للأسماك وبالتالي زيادة المبيعات الداخلية واستيراد الأسماك عالية السعر، بما يؤدي إلى زيادة الواردات من المنتجات ا لسمكية المجمدة والمعلبة زهيدة الثمن.

الفرص المتاحة والمعوقات في قطاع تربية الأحياء المائية

مع زيادة الأجور بالأرقام الحقيقية في الصين وفي بلدان جنوب وجنوب شرق آسيا، وهي المنتجة في الوقت الحاضر لزهاء90 في المائة من الإنتاج العالمي لقطاع تربية الأحياء المائية (من حيث الحجم)، سينتشر إنتاج تربية الأحياء المائية ورؤوس الأموال المرتبطة بهذه المشروعات وكذلك المعارف الفنية ذات الصلة إلى بلدان أفريقيا وأمريكا اللاتينية بحثا عن تكاليف إجمالية متدنية للإنتاج.

وتشكل الأسماك جزءا مهما من إمدادات الأغذية في العالم، إذ يعادل نحو 16 في المائة من البروتين الحيواني المستهلك. بيد أن الأسماك، كما نوهنا بذلك سابقا، تتكون من عدد كبير من الأنواع والمنتجات. وهذا ما يشكل فرصة ومعوقا في آن واحد نحو تنمية تربية الأحياء المائية.

فالأسماك تتيح فرصة للمستثمرين الذين يرغبون في تسويق منتجات جديدة من منتجات تربية الأحياء المائية. ونظرا لوجود العديد من الأسواق لبيع مختلف المنتجات السمكية، فما عليهم في هذه الحالة سوى اختيار أحد تلك الأسواق وتزويدها بمنتجاتهم من تربية الأحياء المائية بدلا من منتجات مصايد الأسماك الطبيعية. أما العائق الذي يواجهونه فهو على النقيض من ذلك، فعند الدخول إلى السوق تتبدى أمامهم قيود طبيعية تعرقل جهودهم. وسيكون من الصعوبة بمكان بيع كميات من منتجات التربية، وهي عملية أصعب من بيع منتجات مصايد الأسماك الطبيعية عدة مرات ما لم يكن ذلك بأسعار غيرمناسبة.

وعلى ذلك فمن المفضل البحث عن أنواع جديدة عالية القيمة، لتربيتها، ومن المؤكد أن بالإمكان إحراز بعض جوانب النجاح قبيل عام 2015.

وسيستمر تطبيق الاستراتيجيات الرامية لترويج تربية الأحياء المائية في المياه البعيدة عن السواحل. ومن الطبيعي أن تتطور مثل هذه الأساليب في تربية الأحياء المائية في اقتصاديات البلدان المصنعة، حيث ترتفع تكاليف العمل وتتوافر للبيئة حماية قوية. وفي البلدان النامية التي لم يتسن لها بعد إرساء مشروعات تربية الأحياء المائية على أسس متينة، بات من المحتمل أن تبدأ تلك البلدان كما فعلت معظم البلدان بتوسيع نطاق استزراع الأسماك في المياه الداخلية قبل أن تنتفل إلى تربية الأحياء المائية في المناطق الساحلية.

 

الصفحة السابقة اعلى هذه الصفحةالصفحة المقبلة