WFS:fyl 2002/INF 4

يونيو / حزيران 2002


بيــان المديــر العــام
بمناسبة افتتاح
مؤتمر القمة العالمي للأغذية: خمس سنوات بعد الانعقاد

فخامة الرئيس تشامبي،
السيد الأمين العام للأمم المتحدة،
أصحاب الجلالة،
السيدات والسادة رؤساء الدول والحكومات،
دولة رئيس مجلس الشيوخ ودولة رئيس مجلس النواب
السيدات والسادة أصحاب المعالي الوزراء،
السيد عمدة مدينة روما
أصحاب السعادة
سيداتي وسادتي،

اسمحوا لي أولا أن أقدم الشكر الواجب لكل المشاركين في هذا اللقاء الدولي المهم، وخصوصا لأصحاب الفخامة رؤساء الدول وأصحاب الدولة رؤساء الحكومات الذين رأوا أن مصير الجياع في العالم يستحق منهم عذاب السفر المنهك، والانتقال في بعض الحالات عبر البحار، ليكونوا معنا هنا اليوم في روما.

وأود أيضا أن أعرب عن الشكر للحكومة الإيطالية التي لولاها ما اتيح لهذه القمة أن تنعقد في تلك الظروف الممتازة. ولا بد كذلك من أن اعترف بالجميل لكل من تقدموا بمساهمات طوعية عوضت عن عدم وجود ميزانية مخصصة لمؤتمر القمة.

أصحاب الفخامة، سيداتي وسادتي،

في لحظة الحقيقة، أي بعد ست سنوات من انعقاد مؤتمر القمة العالمي للأغذية عام 1996، لازال ناقوس الخطر يدق للكثرة الكثيرة من الجياع في كوكبنا الأرضي. ولم تتحقق الوعود والعهود، بل الأدهى من ذلك أن الأفعال تناقض الأقوال.

لقد كان هناك تعهد رسمي بتخفيض عدد الجياع إلى 400 مليون بحلول عام 2015، وهم الذين يقنعون بنوم مضطرب متى عز عليهم الطعام.

ولكن، ويا للأسف، لم تكن الإرادة السياسية والموارد المالية حاضرة في الموعد المنتظر مع التضامن الإنساني.

وفي السنوات الأخيرة الماضية، انتظمت عدة لقاءات دولية كبرى بشأن الأزمات الاقتصادية والمالية، وبشأن غسيل الأموال والفراديس الضريبية، أو بشأن الهجرة السرية والرقابة على الحدود، أو تجارة المخدرات والإرهاب، أو التكنولوجيات الحديثة والفجوة الرقمية. ولكن لم تهتم قمة الثمانية الكبار بموضوع الأمن الغذائي إلا في العام الماضي ولأول مرة في مدينة جنوة.

إن المجاعات التي تسببها حالات الجفاف والفيضانات والنزاعات تثير المشاعر ثورة مشروعة وتستنهض شعور التآخي عند الرأي العام.

وأما الجوع المزمن فنصيبه اللامبالاة، لأن ذنبه أنه لا صوت له ولا صورة له من تلك الصور التي تصدم مشاهدي التلفزيون. ولكن الحق أن نتيجته تدهور حيوي وفكري يصيب ناقصي الأغذية، فيقصيهم عن جميع فرص الحياة.

والجوع يؤثر تأثيرا سلبيا كبيرا في اقتصادات البلدان التي ابتليت به، إذ أنها تفقد نحو واحد في المائة سنويا من نموها الاقتصادي بسبب انخفاض الإنتاجية وبسبب الأمراض التغذوية.

وبعد قمة عام 1996، كانت هناك جهود كبيرة لتنفيذ قرارات رؤساء الدول والحكومات.

وفضلا عن ذلك حدث تقدم في إعمال الحق في الغذاء.

أصحاب الفخامة، سيداتي وسادتي،

ليس في تاريخ الفكر الاقتصادي مدرسةُ واحدةُ، وما أكثرَ المدارسَ الاقتصادية، رأت أن من الممكن تنمية قطاع ما بتقليل الاستثمارات المخصصة له.

ولكن القطاع الزراعي شهد انخفاضا بنسبة 50% بين عامي 1990 و2000 في المعونة بشروط ميسرة من البلدان المتقدمة، وفي قروض المؤسسات المالية الدولية، رغم أنه وسيلة البقاء أمام 70 في المائة من فقراء العالم لأنه مصدر الحصول على عمل ودخل.

والنتيجة هي أن عدد ناقصي الأغذية لم ينخفض إلا بمقدار 6 ملايين بدلا من 22 مليونا، وهو العدد الذي كان مطلوبا حتى نبلغ في عام 2015 الهدف الذي حددته القمة عام 1996. وبهذه الطريقة سنصل الى الهدف المرسوم بعد 45 عاما من التأخير.

وفي الوقت نفسه لازالت السوق العالمية للمنتجات الزراعية تتحدى مبادئ الإنصاف.

فمجموع المدفوعات التحويلية إلى القطاع الزراعي في بلدان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية يجاوز 300 مليار دولار، أي أن الدعم المباشر لكل مزارع هو 000 12 دولار في السنة. وفي مقابل ذلك، تقدم هذه البلدان نفسها دعما سنويا للبلدان النامية بنحو 8 مليارات دولار، أي ستة دولارات لكل مزارع.

كما أن الدخول إلى أسواق البلدان المتقدمة يصطدم برسوم جمركية، ترتفع في حالة المنتجات الزراعية الأولية إلى 60 في المائة في المتوسط مقابل نحو 4 في المائة على المنتجات الصناعية. بل ان الرسوم على المنتجات الزراعية المجهزة أعلى من ذلك، وهي تعوق نمو التصنيع الزراعي في العالم الثالث.

فإذا أضفنا إلى هذه العوامل المقيِّدة الحواجز الصحية والفنية يتبين لنا الشوط الذي يجب أن نقطعه لنصل إلى علاقات زراعية أقل إجحافا بأفقر البلدان.

لقد بعث برنامج التنمية الذي وضعه مؤتمر الدوحة أملا أكيدا في إصلاح الأوضاع. فلنأمل أن تصل المفاوضات عام 2005 إلى قواعد تنظم المنافسة الشريفة في التجارة الزراعية في العالم.

إن استئصال الجوع هو واجب أخلاقي يقوم على حق في أعمق أعماق حقوق الإنسان، ألا وهو الحق في الحياة. فالحياة هي الماء والهواء والطعام. واستئصال الفقر هو أيضا فى مصلحة القادرين المالكين، فكم تكون السوق هائلة إذا دخلها 800 مليون من الجائعين مسلحين بقوة شرائية حقيقية تمكنهم أن يصبحوا مستهلكين. وكم تعُمُُُُ السكينة في العالم إذا قلً فيه هذا الفقر الذي لا يأتي إلا ومعه تابعاه وهما: الظلم وضياع الرجاء!

إن المجتمعات الثرية في هذه الألفية الجديدة، بما لها من موارد وتقنيات، تستطيع إبعاد شبح المجاعات الدورية الرهيب كما تستطيع منع الانحطاط الذي لا مفر منه بسبب الجوع المزمن.

وإذا وضعنا استئصال الفقر في منظور أوسع، ينبغي أن تقوم البرامج على قاعدة ثلاثية قوامها الطعام والصحة والتعليم.

إن طريقة الكفاح ضد الجوع أمر معروف.

إذ يجب مساعدة صغار المزارعين على ضمان الإنتاج رغم التقلبات المناخية متى أمكن التحكم في المياه - ومنها كل شيء حي - بإقامة إنشاءات صغيرة لجمع المياه والري والصرف تنفذها الأيدي العاملة المحلية.

كما ينبغي أن ننقل إليهم تكنولوجيات بسيطة زهيدة الثمن وأعلى كفاءة من أجل زيادة إنتاجيتهم، وذلك بمعاونة جمع من الخبراء، ولا سيما أولئك الذين يعملون في الميدان في إطار التعاون بين الجنوب والجنوب.

ويجب أن تتوافر لهم فرص الحصول على المدخلات والقروض، وأن يتمكنوا من حفظ منتجاتهم وبيعها.

وجملة القول، ان من الضروري معاونتهم على صيد الأسماك بأنفسهم لا أن نقدم لهم الأسماك. ويجب أن نمكِّنهم من الحصول على عمل ودخل يضمن لهم سبل العيش المستدام ويسمح لهم بالمساهمة الفعالة في اقتصاد بلادهم.

وأمامنا في جميع القارات أمثلة مفيدة على النجاح في مكافحة الجوع، ويجب أن يكون في مقدورنا توسيعها لتشمل المستبعدين من الوليمة على هذا الكوكب الأرضي.

وللوصول إلى هذه النتائج لا بد من إنفاق حكومي إضافي يبلغ 24 مليار دولار في السنة.

وإذا استبعدنا القروض التجارية ومساعدات التغذية، يبقى أمامنا العثور على تمويل حكومي إضافي مقداره 16 مليارا من الدولارات.

وينبغي أن تزيد البلدان النامية مواردها الحكومية المخصصة للقطاع الريفي بنسبة 20 في المائة حتى تساهم بنصف المبلغ المطلوب.

وأما النصف الآخر فيأتي من البلدان المتقدمة ومن المؤسسات المالية الدولية التي يجب أن ترفع حصة الزراعة في برامجها إلى المستوى الذي كانت عليه عام 1990. وهذا يتفق مع التعهد بمضاعفة مبلغ المساعدات الميسرة الذي قطعه العالم على نفسه في مؤتمر تمويل التنمية.

لقد ظهر "برنامج العمل لمكافحة الجوع" منذ عدة أيام. وهذه البداية تعتبر أساسا للعمل والحوار بين الشركاء من أجل تعبئة الموارد التي مازالت مطلوبة حتى اليوم. كما أنه يعتبر مساهمة إضافية في جهود الأمس في مونتييري وفي جهود الغد في جوهانسبرغ من أجل بلوغ الأهداف الإنمائية في الألفية الثالثة.

كما أن تعبئة "التحالف الدولي ضد الجوع" ستكون بعثا للإرادة السياسية التي لا غنى عنها حتى يعود مصير الجياع في العالم إلى احتلال مركز الصدارة بين الاهتمامات والأولويات في عمل الحكومات والبرلمانات والهيئات المحلية والمجتمع المدني.

إن بوسعنا معا أن نقهر الجوع. فلنفعل ذلك الآن وفي كل مكان بفضل التضامن الأخوي الفعال من جانبكم وبفضل دعمكم الصريح الذي لا تنطفئ جذوته.

وشكرا على حسن استماعكم.