COAG/2004/3
مارس / آذار 2004




لجنة الزراعة

الدورة الثامنة عشرة

روما، 9-10/2/2004

أعمال المتابعة التي تقترحها المنظمة لتقرير مشاورة الخبراء المشتركة بين
منظمة الصحة العالمية ومنظمة الأغذية والزراعة بشأن النظام الغذائي والتغذية
والوقاية من الأمراض المزمنة


المحتويات

 

الفقرات

أولا - تمهيد

1-5

ثانيا - استعراض تقرير مشاورة الخبراء
المشتركة بين منظمة الصحة العالمية ومنظمة الأغذية والزراعة

6-13

 

ألف- العوامل المؤثرة في الأمراض غير المعدية وأبعادها واتجاهاتها

7-8

 

باء - توصيات الخبراء

9-10

 

جيم - التحليل الأولي الذي أجرته المنظمة لبنية النظام الغذائي المتغيرة مقابل توصيات الخبراء

11-13

ثالثا- الإنعكاسات المحتملة على الزراعة وتصنيع الأغذية وتسويقها

14-35

 

ألف - الإنتاج الزراعي والتجارة

16-31

 

باء - تقانات تصنيع الأغذية ونظم التسويق

32-35

رابعا- المتابعة المقترحة لتقرير الخبراء

36-49

 

ألف - الاستراتيجية العالمية لمنظمة الصحة العالمية بشـأن النظام الغذائي والنشاط البدني والصحة

36-37

 

باء - مجالات بحث محددة

38-49

خامسا - مسائل معروضة على لجنة الزراعة

50-51

ملحق

 

أولا - تمهيد

1 - اجتمعت في جنيف في الفترة من 28 يناير/كانون الثاني إلى 1 فبراير/شباط 2002 مشاورة الخبراء المشتركة بين منظمة الصحة العالمية ومنظمة الأغذية والزراعة بشأن النظام الغذائي والتغذية والأمراض المزمنة. واستنادا إلى هذه المشاورة، قدم الخبراء مجموعة من التوصيات ذات المحور السكاني، والتي تعكس المعارف المتاحة حاليا فيما يتعلق بالنظام الغذائي والتغذية والوقاية من أمراض القلب والسرطان وأمراض الأسنان، وترقق العظام والسكري والبدانة (المعروفة أيضا باسم الأمراض غير المعدية). ووزع الخبراء مشروع تقريرهم على نطاق واسع لاستطلاع تعليقات منظمة الأغذية والزراعة ومنظمة الصحة العالمية، كما وزع المشروع على أصحاب الشأن، بما فيهم قطاع الصناعة ومجموعات المستهلكين/المنظمات غير الحكومية. ثم عقد الخبراء اجتماعا في أبريل/نيسان 2002 مع كافة الأطراف لجمع تعقيباتهم على التقرير، وتلى الاجتماع فترة أخرى من المشاورات مع أصحاب الشأن. واختتمت عملية التشاور هذه باجتماع آخر لبعض الخبراء في أغسطس/آب 2002 بغرض إعادة صياغة مشروع التقرير. ونشر التقرير النهائي على موقعي المنظمتين على الانترنت بتاريخ 3/3/2003 وأعلن صدوره المديران العامان لكل من منظمة الصحة العالمية ومنظمة الأغذية في الزراعة، وذلك في مقر منظمة الأغذية والزراعة بروما في شهر إبريل/نيسان 2003.
2 - وأبلغت الدورة السابعة عشر للجنة الزراعة المنعقدة بين 31 مارس/آذار و4 أبريل/نيسان 2003 بصدور هذا التقرير. ووافقت اللجنة أن تعقد دورة خاصة لاستعراضه، وأن تدرج مناقشة التقرير على جدول أعمال الدورة الرابعة والعشرين بعد المائة للمجلس بين 23 و28 يونيو/حزيران 2003. ولاحظ المجلس دواعي الانشغال التي أعرب عنها بعض الأعضاء ومفادها أن بعض توصيات التقرير ... رغم معالجتها للعلاقة المهمة بين النظام الغذائي والأمراض المزمنة، يمكن أن تؤدي إلى تغيرات في الطلب، مع ما يترتب عن ذلك من تأثيرات سلبية على صغار المنتجين وعلى الاقتصادات الزراعية للبلدان النامية... ورحب... بالإعلان عن دورة خاصة تعقدها لجنة الزراعة... لاستعراض التقرير مرفقا بمقترحات المنظمة بشأن المتابعة، وأعرب عن تطلعاته إلى تلقي تقرير لجنة الزراعة في دورتها التالية.
3 - لهذه الوثيقة هدفان أساسيان. أولهما تسهيل استعراض لجنة الزراعة، من وجهة نظر تغذوية وزراعية، للتقرير خلال دورتها الخاصة الثامنة عشرة. وهذا التقرير في مجمله ثمرة عمل الخبراء في ميداني الطب والتغذية، وبالتالي من المنطقي أنه يقيّم القرائن التي تربط بين النظام الغذائي والتغذية والأمراض غير المعدية، ويعرض الأهداف المتعلقة بالمتناول التغذوي للسكان. وقد يكون لهذه الأهداف التي أوصي بها، في حال تطبيقها، انعكاسات هامة على الإنتاج الزراعي والتجارة وتجهيز الأغذية وتسويقها، تستحق المزيد من التحليل والتقصي.

4 - كما يستعرض التقرير بإيجاز أنماط استهلاك الأغذية المتغيرة ويستخلص استنتاجات أولية قد يكون لها انعكاساتها على عمل منظمة الأغذية والزراعة وغيرها من المنظمات والمؤسسات. إن النظر في هذه الانعكاسات يقود نحو الغرض الثاني لهذه الوثيقة والمتمثل في الحصول على توجيهات لجنة الزراعة بشأن صياغة مقترحات منظمة الأغذية والزراعة في إطار متابعتها لتوصيات التقرير.
5 - وتقرّ هذه المقترحات بأن الأمراض غير المعدية في حد ذاتها مسائل طبية تتعدى مهام منظمة الأغذية والزراعة. بيد أن بعض عناصر الاستجابة العالمية تجاهها تدخل ضمن اختصاصات المنظمة. وهناك عناصر أخرى يتم تقاسم مسؤولياتها بين منظمة الأغذية والزراعة ومنظمة الصحة العالمية وغيرهما من وكالات الأمم المتحدة والمؤسسات الدولية، مما يبرز أهمية التعاون الوثيق بين كافة الأطراف المعنية الموكلة بالعبء الصحي المتزايد والمرتبط بالنظام الغذائي.

ثانيا - استعراض تقرير مشاورة الخبراء
المشتركة بين منظمة الصحة العالمية ومنظمة الأغذية والزراعة

6 - فيما يلي استعراض موجز لتقرير مشاورة الخبراء وتحليله الأولى الذي قامت به منظمة الأغذية والزراعة.
ألف - العوامل المؤثرة في الأمراض غير المعدية وأبعادها واتجاهاتها
7 - أضحت الأمراض غير المعدية السبب الأول للوفيات في العالم. وتشير تقديرات منظمة الصحة العالمية الحالية إلى أن هذه الأمراض مسؤولة عن 33 مليون حالة وفاة مبكرة، وأن أمراض القلب والجلطة الدماغية والسرطان وداء السكري وأمراض الرئة تتسبب في 59 في المائة من مجموع الوفيات (تقرير الصحة العالمي لعام 2002). ولم تعد الأمراض غير المعدية مشكلة مقتصرة على البلدان الغنية والصناعية، إذ أنها تتسبب في 40 في المائة من مجموع الوفيات في البلدان النامية، وتترافق بالجوع وسوء التغذية لتلقي بعبء مزدوج على الميزانيات الحكومية والمجتمعات. ويتوقع أن تتسارع زيادة عبء الأمراض غير المعدية في البلدان النامية، ويرجح أن تكون سرعته أكبر بكثير من تلك المسجلة في البلدان المتقدمة. والعامل المؤثر الأهم في هذا العبء الصحي هو "الانتقال التغذوي"، أي التغيرات الاجتماعية ـ الاقتصادية والسكانية والتقنية السريعة في المجتمع، التي تؤدي إلى تحول في الاستهلاك الغذائي المعتاد وأنماط النشاط البدني. وهذا التحول التغذوي المترافق بالجوع المستمر ونقص التغذية في أوساط السكان، سمة مميزة للمجتمعات النامية، ويشكل تحديا أساسيا. وقد أبرز عدد من الدراسات الأخيرة العلاقة بين نقص التغذية وخطر الإصابة بالأمراض غير المعدية، والعلاقة بين تغذية الأم ونمو الجنين (التنظيم قبل الولادة) واكتساب البدانة والإصابة بالأمراض غير المعدية لاحقا خلال حياة البالغين. ويعد تزايد ظهور البدانة في أوساط المجموعات الاجتماعية الاقتصادية الأكثر فقرا، إلى جانب نقص التغذية في الأسرة نفسها أحيانا، مثالا على العلاقة الوثيقة بين نقص التغذية والفقر والأمراض غير المعدية.
8 - استند الخبراء في توصياتهم الغذائية إلى حقيقة مفادها أن من الممكن تجنب الإصابة بالأمراض والوفيات الناجمة عن الأمراض غير المعدية إلى حد كبير، وهناك بالتالي إمكانات ضخمة لتخفيف العبء الاقتصادي والصحي على البلدان. واعتماد الأنظمة الغذائية وأنماط الحياة الصحية نهج ناجع التكاليف لتخفيف العبء الذي يفرضه تفشي الأمراض غير المعدية في البلدان النامية. وتنقسم فحوى السياسات السياسية المنبثقة عن هذا التفاعل إلى قسمين: (1) يمكن للجهود الرامية إلى مكافحة الجوع اليوم ولتحسين الوضع الغذائي للنساء في سن الانجاب على الأخص، أن تعود بمردود إضافي في المستقبل. (2) يكتسي التوجيه الموصى به، نحو اعتماد أنظمة غذائية أكثر صحية، أهمية أكبر في البلدان النامية، حيث يتوقع أن يؤدي التفاعل بين نقص التغذية والانتقال التغذوي السريع إلى زيادة الحساسية للأمراض غير المعدية في المراحل اللاحقة من الحياة.
باء - توصيات الخبراء
9 - استنادا إلى هذه الخلفية المتمثلة في التغير السريع لأنماط استهلاك الأغذية، والتوسع الحضري يرافقهما مزيد من أنماط الحياة المتكاسلة، والمساهمة المحتملة للتنظيم قبل الولادة، أعد الخبراء مجموعة مفصلة من التوصيات الغذائية من أهم عناصرها:
· زيادة استهلاك الفاكهة والخضر (خمسة حصص يوميا أو ما يعادل 400 غرام على الأقل لكل فرد يوميا) ستساعد على تقليل خطر الإصابة بأمراض القلب والشرايين وبعض أشكال السرطان.
· الحد من استهلاك المواد الدهنية يقلل خطر الإصابة بأمراض القلب والشرايين، فيما التشجيع على استهلاك الأسماك يقي من أمراض القلب والجلطة الدماغية.
· إن الحد من المتناول المرتفع للسكريات الحرة التي تزود بالطاقة دون تقديمها أية عناصر مغذية معينة وتزيد من خطر زيادة الوزن المضر بالصحة، سيحسن النوعية التغذوية للأنظمة الغذائية ويخفض خطر الإصابة بتفسخ الأسنان.
· زيادة التوعية بالحاجة إلى ممارسة نشاط بدني كاف.
10- يوجز الجدول 1 أهم التوصيات الواردة في تقرير مشاورة الخبراء فيما يتعلق بالعوامل التغذوية، وبالاقتصار على العوامل ذات الصلة بسلسلة الإمدادات الغذائية. ويوضح ملحق هذه الوثيقة تفاصيل ما تعنيه أهداف المتناول الغذائي للسكان في الواقع العملي وأوجه اختلافها عن التوصيات الخاصة بالأفراد.
الجدول 1: نطاق الأهداف المختارة للمتناول الغذائي الذي يستهلكه السكان

عامل النظام الغذائي

توصيات منظمة الصحة العالمية/منظمة الأغذية والزراعة (النسبة المئوية من الطاقة الكلية، ما لم يذكر خلاف ذلك)

الدهون الكلية

15 ـ 30 في المائة

الأحماض الدهنية غير المشبعة المتعددة

6 ـ 10 في المائة

الأحماض الدهنية المشبعة

< 10 في المائة

الأحماض الدهنية المتعدية

< 1 في المائة

المواد النشوية الكلية (أ)

55 ـ 75 في المائة

السكريات الحرة (ب)

<10 في المائة

البروتين (ج)

10 ـ 15 في المائة

الفاكهة والخضر

>400 غ/الشخص/اليوم

المصدر: مقتبس من الجدول 6، صفحة 72 من تقرير، "النظام الغذائي والتغذية والوقاية من الأمراض المزمنة"، الصادر عن مشاورة الخبراء المشتركة بين منظمة الصحة العالمية ومنظمة الأغذية والزراعة، سلسلة التقارير الفنية لمنظمة الصحة العالمية رقم 916، منظمة الصحة العالمية، جنيف، 2003.
ملاحظات:
(1) النسبة المئوية من الطاقة الكلية المتاحة بعد مراعاة تلك المستهلكة كبروتينات ودهون، وبالتالي فالنطاق واسع.
(2) مصطلح "السكريات الحرة" يشير إلى جميع المركبات السكرية الأحادية والمركبات السكرية الثنائية التي تضاف إلى الأغذية من جانب الشركة المصنعة أو الطاهي أو المستهلك، إلى جانب السكريات الموجودة طبيعيا في عسل النحل وشراب الفاكهة وعصائر الفاكهة.
(ج) ينبغي النظر إلى النطاق المقترح في ضوء مشاورة الخبراء المشتركة بين منظمة الصحة العالمية ومنظمة الأغذية والزراعة وجامعة الأمم المتحدة بشأن الاحتياجات من البروتين والأحماض الأمينية في غذاء الإنسان، التي عقدت في جنيف في الفترة من 9 إلى 16 أبريل/نيسان 2002.
جيم- التحليل الأولي الذي أجرته المنظمة لبنية النظام الغذائي المتغيرة مقابل توصيات الخبراء
11- أجرت منظمة الأغذية والزراعة تقييما أوليا وقطريا للإمدادات التغذوية مقارنة مع توصيات الخبراء. وشمل التحليل كافة البلدان التي تتولى منظمة الأغذية والزراعة تجميع قوائمها لموازنة الأغذية. ويتتبع التحليل مسار تغيرات العناصر الفردية التغذوية المتاحة خلال السنوات الأربعين الماضية (1961 ـ 2001) مقارنة بمستويات المتناول الغذائي الموصى به. ويوجز الجدول 2 أهم النتائج ويورد تعدادا بسيطا للبلدان التي يزيد فيها مستوى المتناول الغذائي عن الحدود الموصى بها أو يقل عنها أو يقع في نطاقها.
الجدول 2: ما هو عدد البلدان التي تفي بالتوصيات؟ تعداد البلدان

 

1961/63

1969/71

1979/81

1989/91

1999/01

الحدود (أ)

عدد وحصة البلدان

عدد البلدان (ب وج)

158

%

158

%

158

%

158

%

178

%

كمية الدهون الكلية > 30%

28

18

31

20

43

27

54

34

61

34

كمية الدهون الكلية <15 %

36

23

30

19

25

16

22

14

21

12

الأحماض الدهنية غير المشبعة المتعددة < 6%

141

89

139

88

120

76

106

67

116

65

الأحماض الدهنية غير االمشبعة المتعددة > 10%

0

0

0

0

1

1

6

4

8

4

الأحماض الدهنية المشبعة< 10 %

111

70

109

69

108

68

103

65

116

65

المواد النشوية <55%

17

11

26

16

30

19

36

23

44

25

المواد النشوية >75%

54

34

46

29

41

26

34

22

26

15

السكريات الحرة < 10%

84

53

74

47

74

47

73

46

85

48

البروتين > 15%

5

3

7

4

4

3

2

1

3

2

البروتين < 10%

59

37

59

37

57

36

61

39

63

35

الكوليسترول < 300 ملغ/يوميا

132

84

128

81

117

74

114

72

114

64

الفاكهة والخضر > 400 غ/يوميا

40

25

51

32

61

39

64

41

85

48

ملاحظات
(أ) تستند النتائج إلى الكميات الكلية المتاحة بدلا من المتناول الفعلي. وقد يؤدي ذلك إلى أخطاء في ترتيب البلدان، خاصة وأن التوصيات محددة بالقيمة المطلقة (للفاكهة والخضر أو للكوليسترول).
(ب) مقصورة على البلدان التي تعد بشأنها منظمة الأغذية والزراعة حسابات للاستخدام - الإمدادات.
(ج) أدى تفكك الاتحاد السوفييتي سابقا وغيره من بلدان أوروبا الشرقية إلى زيادة عدد البلدان التي أعدت لها المنظمة حسابات للاستخدام - الإمدادات في التسعينات إلى 178 بلدا.
12- وبدون محاولة تفسير النتائج بالتفصيل، تكشف الأرقام الواردة في الجدول 2 عن تحسن وتدهور، في آن واحد، في الإمدادات التغذوية مقارنة بالتوصيات. فعلى سبيل المثال، سجل عدد البلدان التي بلغت وتجاوزت حد 400 غرام/للفرد/يوميا من امدادات الفاكهة والخضر تزايدا مطردا خلال السنوات الأربعين الماضية. كما سجل تراجع مستمر في عدد البلدان تحت الحد الأدنى البالغ 15% من الدهون و6% من الأحماض الدهنية غير المشبعة المتعددة. لكن ذلك ترافق بارتفاع عدد البلدان التي تجاوز متوسطها القطري الحد الأقصى للكوليسترول البالغ 300 ملغ و30 في المائة للدهون. ويتوقع أن تستمر هذه التغيرات في نفس الاتجاه، بل وقد تتسارع وتيرتها.
13- تشير النتائج الأولية المستمدة من التوقعات الطويلة الأجل للزراعة العالمية إلى أن: (1) عددا من الدول النامية، خاصة في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وفي جنوب آسيا، سيبقى تحت مستوى الحدود الدنيا الموصى بها للبروتينات والدهون. (2) سيبلغ عدد متزايد من البلدان النامية الحدود القصوى الموصى بها، بل وسيتجاوزها. (3) وستتجاوز العديد من البلدان ذات الدخل المتوسط ومعظم البلدان المتقدمة حدود الاستهلاك القصوى الموصى بها، وبهامش كبير غالبا ولعدد متزايد من المواد الغذائية. كما يشير التحليل إلى أن الانتقال نحو مستويات الاستهلاك العليا سيتم بوتيرة أسرع مما كانت عليه في الماضي.

ثالثا- الإنعكاسات المحتملة على الزراعة وتصنيع الأغذية وتسويقها

14- قد يكون للتوصيات التغذوية الواردة في تقرير الخبراء آثار عميقة على الزراعة ونظم الزراعة والتجارة، وكذلك على تصنيع الأغذية وتوزيعها وتسويقها. وبالنسبة لبلد ما تتوقف هذه الآثار على مدى انحرافه عن الهدف، وعلى إمكانات التحول إلى منتجات بديلة، والمشاركة في التجارة الدولية والسرعة المنشودة في اعتمادها. وفي نفس الوقت ستجري عملية المواءمة التغذوية وسط تغيرات أخرى، وبخاصة التحرير الجاري للتجارة الدولية والإقليمية، وعولمة إنتاج الأغذية وتصنيعها وتوزيعها، والتغيرات السكانية، والأثر المترتب عن التوسع الحضري السريع، والتقدم التقني والتغيرات في أنماط الحياة المرتبطة بكل ذلك.
15- إن التقييم السريع لا يسمح بإجراء تحليل كامل للتفاعل بين هذه العوامل وآثارها المحتملة على الزراعة والقطاعات القاعدية منها. وسيركز عموما على الآثار المباشرة والأولى للتعديلات الرامية إلى تحقيق الأهداف التغذوية. كما تجدر الإشارة إلى أن الأهداف المتعلقة بالمتناول الغذائي الذي يستهلكه السكان (أنظر الملحق) ما هي إلا توصيات وليست شروطا تقييدية. كما أن الدلائل حتى الآن تشير إلى أن التوصيات التغذوية الصادرة في الماضي لتقليل المتناول من السكر والدهون مثلا، كان لها أثر محدود على الاستهلاك، باستثناء تجربة المخاوف المتعلقة بالسلامة الغذائية. كما أن من المستبعد حدوث أي استجابة استهلاكية متسرعة وهامة على توصيات التقرير على صعيد عالمي. لكن التوصيات تعد إضافة إلى رصيد هذا النوع من الرسائل، وقد تغير في الأجلين المتوسط إلى البعيد من السلوك الاستهلاكي في مرحلة أولى على الأقل، في البلدان المتقدمة، ثم في البلدان النامية تدريجيا.
ألف- الإنتاج الزراعي والتجارة
16- من الجلي أن تغيرات الطلب تؤدي إلى تغيرات في الإمدادات. ووفقا للميزة النسبية لبلد ما ونظم الإنتاج لديه، فإن التكيفات في أي بلد قد يقابلها تغيرات في الإنتاج و/أو الواردات والصادرات.
(1) زيوت ودهون الطعام
17- وضع الخبراء مجموعتين رئيسيتين من التوصيات المتعلقة باستهلاك الزيوت والدهون، ترتبط أولاها بالمتناول الكلي من الدهون وثانيتها بالتركيبة المحبذة من الأحماض الدهنية في النظام الغذائي للحد من الأخطار الصحية. وقد تم تحديد المستويات القصوى و/أو النطاق المثالي للأحماض الدهنية وفقا لأثرها الإيجابي أو السلبي على الصحة. تشتمل النظم الغذائية في البلدان ولدى فئات السكان حصصا مختلفة من الأحماض الدهنية وفقا لنوع الزيوت والدهون المستهلكة. ومن حيث المبدأ، فإن النظم الغذائية ذات التبعات السلبية المحتملة على الصحة هي تلك التي تتجاوز فيها كميات الأحماض الدهنية المشبعة و/أو المتعدية، النطاق/الحد المحبذ، فيما تحتوي الزيوت/الدهون الصحية على كمية أكبر من الأحماض الدهنية الأحادية أو غير المشبعة المتعددة.
18- تمثل المواد الدهنية في النظام الغذائي قرابة 24 في المائة من مجموع إمدادات الطاقة الغذائية على صعيد العالم، وهي نسبة تقع ضمن النطاق الموصى به. وفيما يتعلق بالنطاق الموصى به من الدهون الكلية (15 ـ 30 في المائة من إمدادات الطاقة الغذائية) فإن الحاجة إلى المؤاءمة في ميدان الزراعة ستكون بالتالي محدودة. لكن المتوسط العالمي يحجب اختلافات كبيرة بين البلدان المتقدمة والنامية، بل وتباينا أكبر ضمن مجموعتي البلدان. وفيما بلغت حصة الدهون الكلية مستوى يقارب 21 في المائة في البلدان النامية، فإنها تجاوزت الحد الأقصى الموصى به في البلدان المتقدمة، حيث تمثل المواد الدهنية 33 في المائة من إمدادات الطاقة الغذائية. بيد أن التمعن في الاستهلاك والتوصيات وحدها غير كاف لاستقراء التأثيرات المحتملة المترتبة على الإنتاج. ومعرفة ما إذا كان خفض الاستهلاك "الزائد" سيقود الى تكييف في الإنتاج، وما مدى هذا التكييف، يتوقف في نهاية الأمر على التفاعلات بين عوامل عديدة، لاسيما تجاوب الإمدادات المحلية والطلب الدولي مع تغيرات أسعار الدهون والزيوت، وكذلك الآثار الشاملة المحتملة لأسواق السلع الأخرى، إذ أن أهم مصدر لزيوت الطعام هي الزيوت النباتية التي تساهم بحوالي 40 في المائة من مجموع إمدادات الدهون.
19- وسعيا لمتابعة الانعكاسات التي قد تتأتى عن توصيات التقرير بشأن هذا القطاع، يجب البدء أولا بتجميع وتحليل بيانات موثوق بها وتفصيلية عن نمط الاستهلاك المحلي للزيوت/الدهون (المستخدمة للطعام مقارنة بالاستخدامات الأخرى غير الغذائية). لكن هذه المعلومات لا تتوافر بسهولة. وفي ظل عدم وجود تفصيل محدد لاستهلاك الدهون في كل بلد، فإن تحليل الانعكاسات المستقبلية المحتملة لأنماط الاستهلاك المتغيرة الناتجة عن التوصيات المتعلقة بالصحة، على الإنتاج والتجارة في العالم، سيكون سطحيا. كما أن التأثيرات على الزراعة قد تؤدي إلى تكييف نحو أنماط الزيوت الدهنية المحبذة والموصى بها. وبصورة عامة يتوقع أن يعود ذلك بالفائدة على الطلب على الزيوت /الدهون "الصحية بقدر أكبر"، وبالتالي على إنتاجها والتجارة فيها. ويعني هذا، مثلا، أن الطلب على الزيوت والدهون الغنية بالمواد الدهنية المشبعة (كالزبدة والسمن النباتي الصلب) وإنتاجها قد ينخفض، فيما يرتفع الطلب على الزيوت الحاوية على أحماض دهنية أكثر فائدة للصحة (كزيت الزيتون) ويزيد إنتاجها.
20- قد يكون للتوصيات المتعلقة بأهداف المتناول الغذائي الخاص بالسكان أثر محتمل بعيد الأجل على الأسواق القطرية والعالمية للزيوت/الدهون ومشتقاتها. وهو ما أثار قلقا واسع النطاق في قطاع يتأثر كثيرا بظروف السوق المتغيرة وبالتكاليف الضخمة المرتبطة بالتغيرات في سلسلة الإنتاج. وإدراكا بأن أفضليات المستهلك قد تتغير، فمن المتوقع أن يزيد القطاع من جهوده للتكيف مع التحولات المحتملة في الطلب والمتعلقة بالصحة مثلا، من خلال زيادة الاستثمار في التقانة التي تتيح تغيير مكونات الزيوت النباتية من الأحماض الدهنية من خلال التحوير الوراثي للمحصول الذي تستخلص منه، وتصنيع خلائط من الزيوت النباتية تجمع بين أفضل السمات الغذائية لكل من الزيوت المكونة لها. كما يتوقع أن يكثف البحث عن المواصفات الصحية المفيدة للأغذية (غير الأحماض الدهنية) التي تحتويها الزيوت النباتية، مع التركيز على نحو خاص على زيت النخيل وزيت جوز الهند. ومع مرور الزمن، قد تتراجع صناعة الدهون المتصلبة القائمة على هدرجة الزيوت، أو يعاد توجيهها نحو المواد الأولية، كزيت النخيل الذي لا يحتاج للهدرجة. وفيما يتعلق بزيت النخيل، يتوقع أن يكثف البحث عن استعمالات إضافية غير غذائية.
(2) السكر
21- يحدد تقرير الخبراء هدف المتناول التغذوي الخاص بالسكان من السكر الحر بنسبة 10 في المائة من الإمداد الكلي بالطاقة. ويقر التقرير بأن هذا الهدف قد يثير الجدل، بل وأثار القلق بأن يؤدي اعتماده إلى أثر سلبي على منتجي السكر والصناعات الغذائية. وعمليا يعتمد الأثر الناجم على عدد من العوامل. وحيثما تجاوز مستوى استهلاك السكر نسبة 10 في المائة، فإن التعديل التخفيضي اللازم للاستهلاك المحلي يمكن أن يؤدي إلى خفض الأسعار المحلية ودخل مزارعي الشمندر أو قصب السكر. وستكون أكثر البلدان تأثرا هي البلدان التي تحد فيها ظروف الإنبات الطبيعية من إمكانات التحول نحو المحاصيل البديلة، ويكون لا بد من طرح الصادرات في سوق عالمية كاسدة. ويمكن التقليل إلى حد كبير من هذه الصعوبات في سوق سكر متحررة تتسم بانخفاض إنتاج السكر في بلدان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. وبالتالي فإن سوق السكر الأكثر حرية قد تفتح أمام العديد من البلدان النامية قناة هامة للإنتاج والصادرات التي قد لا تحقق بخلاف ذلك أية أرباح. وفي كافة البلدان المستوردة، يمكن أن تؤدي أسعار السوق العالمية المرتفعة الناجمة عن تحرير التجارة، إلى التقليل من الطلب على السكر.
22- إن تشعبات أسواق السكر العالمية (ومثالها البنى المعقدة المتعلقة بالسياسة، الصلات التجارية الإقليمية والاتفاقات التفضيلية العديدة) لا تتيح قياسا كميا بسيطا للتأثيرات. بيد أنه يمكن تقدير أبعاد التكيفات المحتملة عبر دراسة لمستويات الاستهلاك الحالية. فإذا عمدت البلدان المتقدمة والنامية الثلاثة والتسعون، التي يمثل فيها استهلاك السكر أكثر من 10 في المائة من الإمداد الكلي بالطاقة، إلى تخفيض المتناول ليبلغ المستوى المستهدف، فإن الانخفاض الناجم في الاستهلاك العالمي للسكر سيقارب 15 في المائة. من جهة أخرى، وإذا رفعت البلدان الخمسة والثمانون التي يقل فيها استهلاك السكر عن 10 في المائة إلى زيادة الاستهلاك ، فإن الزيادة الناجمة ستوازي، بل وقد تزيد عن، الانخفاض في بلدان "ما فوق 10 في المائة".
(3) الحبوب
23- الحبوب هي المصدر الرئيسي للمواد الكربوهيدراتية في معظم النظم الغذائية. ورغم أن تقرير الخبراء لا يوصي بمستويات متناول غذائي محددة من الحبوب، في حد ذاتها، إلا أنه يوصي بأن يتراوح المتناول الكلي من المواد النشوية (ومن جميع المصادر) بين 55 و75 في المائة من الطاقة في النظام الغذائي. كما يوضح التقرير أن الحبوب الكلية، ومعها الخضر والفاكهة، هي المصادر المفضلة للألياف الغذائية (المركبات السكرية المتعددة غير النشوية) المعروفة بفوائدها الصحية. ويكمن العنصر الهام في هذا المضمار في مستوى تجهيز الحبوب، وكذلك الكميات المستهلكة منها وجودتها. إن التفاعلات بين الحبوب ومصادر الطاقة التغذوية الأخرى، كالجذور والدرنات، والدور الذي تلعبه هذه المنتجات في الأعلاف الحيوانية معقدة وتستدعي فهمها بصورة أفضل من الناحية الكمية. كما تعد الحبوب مصادر مفيدة للبروتينات ويمكن استبدالها بمنتجات أخرى غنية بالمواد النشوية، مثل الكسافا في الأعلاف الحيوانية.
(4) الفاكهة والخضر
24- يوصي تقرير الخبراء بمتناول يومي من الفاكهة والخضر لا يقل عن 400 غرام/للفرد/يوميا (أو 150 كيلوغراما/للفرد/سنويا). كما يشدد على ان القيمة الأساسية للفاكهة والخضر تكمن في إسهامها المحتمل في تقليل خطر اعتلالات القلب والشرايين والإصابة بأنواع مختلفة من أمراض السرطان.
25- تشير قوائم موازنة الأغذية الصادرة عن منظمة الأغذية والزراعة إلى توافر 169 كيلوغراما/للفرد/سنويا من الفاكهة والخضر على المستوى العالمي. وكما هو الحال مع السلع الأخرى، فإن هذا المتوسط العالمي يحجب اختلافات هامة بين البلدان والمجتمعات المحلية في كل منها. فالكثير من سكان البلدان النامية لا يتناولون ما يكفي من الفاكهة والخضر، إذ في حين بلغ متوسط الكميات المتوافرة 142 كيلوغراما/للفرد، فإن الكثير من البلدان ما زالت دون هذا المتوسط، وبالتالي دون الرقم المستهدف. يضاف إلى ذلك أن خسائر الفاكهة والخضر على مستوى بيع التجزئة وعلى المستوى الأسري أعلى بكثير، على الأرجح، من مستوى خسائر السلع الغذائية الأخرى، مما يسفر عن مغالاة في تقديرات مستويات الاستهلاك الفعلية. بيد أن الزيادة الكبيرة في نصيب الفرد من الكميات المتوافرة خلال السنوات العشرين الأخيرة تبشر بتحقيق هذا الهدف في المستقبل.
26- يتعين النظر إلى الآثار المترتبة على الإنتاج والتجهيز والتسويق في سياق التعديلات الخاصة بهذه المجموعة السريعة التلف من المنتجات الغذائية. وكما أشير سابقا، فإن الخسائر على الصعيد الأسري قد تبلغ مستويات عالية للغاية. وتعني هذه الخسائر الكبيرة اختلافا هاما بين الكميات المتاحة والمتناول. وينطبق هذا الأمر بوجه خاص حيثما كان هناك نقص في البنية الأساسية للمناولة والتخزين (سلسلة التبريد ونظم التسليم في الوقت المناسب، وغيرها). وبالتالي فإن التعديل لبلوغ المستويات الموصى بها قد يأتي من عناصر عديدة في سلسلة الإمداد، بدءا بإمكانية زيادة الإنتاج البستاني والجهود الرامية إلى تقليل خسائر ما بعد الحصاد ووصولا إلى الاستثمارات في تقنيات التجهيز والتخزين الأفضل، وانتهاء بإيجاد مرافق تخزين أفضل لدى كل أسرة.
27- إن تكييف الإمدادات لتلبية هذه الزيادة في الاستهلاك يفسح المجال لتحقيق زيادات كبيرة في إنتاج الفاكهة والخضر. وقد تستفيد البلدان النامية على نحو خاص من هذه الفرصة، لاسيما البلدان ذات نظم الإنتاج التي تعد فيها الاستعاضة عن المحاصيل ذات النمو الاستهلاكي المنخفض، مثل قصب السكر، لتحل محل الفاكهة والخضر، خطوة مجدية اقتصاديا ومن حيث الاستدامة.
(5) الألبان واللحوم
28- توفر منتجات الألبان واللحوم أنواعا مختلفة من العناصر الغذائية التي شملتها توصيات التقرير. كما تعد على سبيل المثال مصدرا هاما للبروتينات، لكنها تسهم أيضا في الاستهلاك الزائد للدهون، خاصة الأحماض الدهنية المشبعة، وتعد مصدرا للكوليسترول، كما بعض المنتجات الحيوانية الأخرى (كالأسماك والبيض). وقد أظهرت العديد من الدراسات الصلة بين الكوليسترول الغذائي والمتناول من الأحماض الدهنية المشبعة وأمراض الشرايين التاجية. وفي معظم البلدان المتقدمة، حيث بلغ استهلاك الألبان واللحوم مستويات مرتفعة، يتزايد الوعي بالحاجة إلى احتواء الزيادة. بيد أن مستويات استهلاك الألبان واللحوم ما زالت ضئيلة في معظم البلدان النامية، بل هي ضئيلة للغاية بحيث لا يتسنى، في أغلب الأحيان، للسكان من الصغار والناشئين الحصول على البروتين والعناصر المغذية الدقيقة والفيتامينات.
29- هناك العديد من أنواع اللحوم ومنتجات الألبان المجهزة؛ ولذا فإن توصيات الخبراء لا تأخذ في الاعتبار مستويات الاستهلاك الكلي فحسب، بل وتشمل مكونات المنتجات أيضا. فعلى سبيل المثال، يعد استهلاك لحوم الدواجن الذي يحتوي على كميات قليلة من الدهون المشبعة والكوليسترول، مفيدا بالمقارنة مع ما يسمى باللحوم الحمراء. وبالفعل فإن الاتجاه خلال السنوات الثلاثين الأخيرة نحو الاستهلاك المرتفع للحوم الدواجن أفضى إلى زيادة ضخمة في إنتاجها في البلدان المتقدمة والنامية على حد سواء. لكن من غير الواضح ما إذا كان هذا التحول يعود بنفس الفوائد الصحية على مجموعتي البلدان، رهنا بتكوين المنتج. فالمكافآت السعرية التي تدفع في البلدان المتقدمة مقابل اللحوم الأقل احتواء على الدهن، مثل صدور الدجاج الخالية من العظام والتي نزع عنها الجلد، قد أسفرت عن فائض في منتجات الدجاج الأخرى التي تحتوي على كميات أكبر من الدهن، والتي يتم التخلص منها في أسواق البلدان النامية بأسعار زهيدة. والبلدان النامية التي تستورد هذه الأجزاء "الأرخص" ترفع بذلك حصة الأحماض الدهنية المشبعة في نظامها الغذائي العام.
(6) الأسماك والمنتجات السمكية
30- كانت زيادة الاستهلاك من الأسماك والمنتجات السمكية توصية أخرى من توصيات تقرير الخبراء، وإن لم تحدد هدفا معينا لها. وتلعب البروتينات والأحماض الدهنية والزيوت والعناصر المغذية الدقيقة السمكية دورا تغذويا هاما في نمو الإنسان وتطوره، وفي الحد من أخطار الأمراض غير المعدية. لكن ينبغي تقييم هذه التوصية مقابل المخاوف إزاء استدامة الأرصدة البحرية. ففي الوقت الحاضر، فإن نسبة الثلثين من الإمدادات الكلية من الأغذية السمكية مصدرها المياه البحرية والداخلية، ويأتي الثلث المتبقي من تربية الأحياء المائية. ومنذ السبعينات، بقي إنتاج المصايد السمكية البحرية في العالم ثابتا، تبعا للاستغلال التام لغالبية الأرصدة السمكية. وبالمقارنة، سجلت تربية الأحياء المائية نموا ملحوظا، مما عوض عن انخفاض المصيد البحري. ومن الضروري الترويج المستمر للإدارة الأفضل لمصايد الأسماك وتربية الأحياء المائية بهدف تحسين كمّيات وجودة الأسماك المخصصة للاستهلاك البشري، وضمان الاستدامة في آن معا.
31- قارب معدل الاستهلاك العالمي للفرد من الأسماك نسبة الضعف خلال السنوات الأربعين الماضية، فارتفع من 9 كيلوغرامات سنويا في بداية الستينات إلى 16 كيلوغراما في 1997. كما ارتفع نصيب الفرد من الكميات المتاحة سنويا من حوالي 20 إلى 28 كيلوغراما في البلدان الصناعية. وخلال الفترة نفسها، ارتفعت الكميات المتاحة في بلدان العجز الغذائي ذات الدخل المنخفض، من نسبة الخمس إلى قرابة النصف في الاقتصادات الأكثر ثراء. ورغم قلة الاستهلاك النسبية للأسماك في البلدان ذات الدخل المنخفض، فإن مساهمتها كبيرة في المتناول الكلي من البروتينات الحيوانية، لكن هذه الحصة تتراجع ببطء بسبب النمو السريع في استهلاك المنتجات الحيوانية الأخرى. ويحول قسم كبير من المصيد السمكي العالمي إلى مساحيق سمكية تستعمل كأعلاف حيوانية. ويمكن أن يتوفر مزيد من الأسماك للاستهلاك البشري إذا ما تسنى الاستعاضة عن المساحيق السمكية المستخدمة في الأعلاف الحيوانية لتحل محلها منتجات غير سمكية.
باء- تقانات تصنيع الأغذية ونظم التسويق
32- إن الدور المتزايد الذي تلعبه الصناعات الغذائية في تصنيع وتسويق المواد الغذائية الأساسية يؤثر تأثيرا متزايدا على أنماط استهلاك الأغذية والمتناول الغذائي، لاسيما في المناطق الحضرية. كما كان للتحول العالمي تقريبا إلى دقيق الحبوب الناعم أثر مباشر على المتناولات الغذائية، خاصة حيث يعد القمح والذرة عناصر غذاء أساسية. إن تقنيات المطاحن الحديثة تؤدي إلى خسارة عناصر غذائية هامة، ولو أن المستهلكين قد يجدون للمنتجات طعما سائغا. ومنذ الخمسينات، حقق الخبز المصنوع من القمح والذرة والخميرة، الذي يكون العنصر الأساسي الطاغي في النظم الغذائية الأوروبية، انتشارا واسعا في جميع أنحاء العالم. وتشهد أسواق مجموعة كبيرة من منتجات المخابز توسعا سريعا في البلدان النامية، حتى في البلدان التي لا تعد فيها الحبوب غذاء أساسيا تقليديا. ويتوقع أن يستمر هذا الاتجاه، بل وقد يتسارع مدفوعا بالعولمة المتزايدة للصناعات الغذائية، وانتشار المتاجر الكبرى، والتوسع الحضري السريع الذي تشهده العديد من البلدان النامية اليوم. كما أن التغيرات السريعة في الظروف الاجتماعية والاقتصادية تؤدي إلى تزايد استعمال زيوت الطعام والملح والسكر في العديد من الأطعمة التجارية الجاهزة التي لا تسهم إلا بالقليل في تكوين نظام غذائي صحي.
33- وتنشأ عن هذه التطورات تحديات تواجهها صناعة الأغذية. وستبرز حاجة متزايدة لتيسير توافر أطعمة أكثر صحية ولذيذة الطعم في آن معا وتقل فيها نسبة الدهون الكلية والملح والسكر، لكنها أكثر غنى بالألياف الغذائية والأملاح المعدنية والفيتامينات، وتحتوي على مزيج صحي من الأحماض الدهنية. لكن من غير الواضح كيف سيتم التوصل إلى هذه التغييرات. ولعل المنتجات القليلة الدسم والملح والسكر هي الاستجابة الأكثر وضوحا على الأرجح حتى الآن على الاحتياجات المتغيرة. كما أن صناعة منتجات الألبان في البلدان المتقدمة هي المثال الأفضل على كيفية استجابة صناعة التجهيز للطلب المتزايد على المنتجات القليلة الدسم، من خلال استحداث مجموعة من ما يسمى "الأغذية الخفيفة". لكن ذلك يعني أيضا أن فائض دسم الألبان يجد طريقه إلى منتجات غذائية أخرى، كالمثلجات والحلوى الكاملة الدسم، أو يستخدم في منتجات المخابز. وقد تمثل نهج آخر في الاستعاضة عن المواد الدهنية لتحل محلها مواد نشوية معدلة كيميائيا وبمواد هلامية مشتقة من الصمغ والسيللوز (بوليستر السكروز مثلا). وتعطي هذه الإضافات نفس الإحساس بالمواد الدهنية دون محتواها المرتفع من السعرات الحرارية، لكن استهلاك كميات كبيرة منها قد يكون له بعض التأثيرات المعاكسة.
34- تتمثل التحديات الأخرى التي تواجهها صناعة التجهيز والتوزيع في الاهتمام المتزايد بسلامة الأغذية، خاصة فيما يتعلق بالمنتجات السريعة التلف مثل الفاكهة والخضر. وأدى هذا الاهتمام على سبيل المثال إلى اعتراف متزايد بأهمية نهج "من المزرعة إلى المائدة" الذي ينعكس في تصاعد الاعتراف بمبادرات ضمان الجودة، على غرار الممارسات الزراعية الحسنة، ونظام تحليل مخاطر ونقاط التحكم الحرجة، وممارسات التصنيع الحسنة. ولربما تنشأ عن توصيات الخبراء حاجة إضافية لهذه المبادرات وغيرها من المبادرات التي تسهم في ضمان سلامة الأغذية على طول السلسلة الغذائية.
35- إن البنى الأساسية الداعمة (نظم النقل والتخزين والتوزيع والبيع بالتجزئة) التي تسهل نقل المنتجات الطازجة والمجهزة الى المستهلكين الحضريين والمستهلكين المستوردين لها، ستكون أساسية بدورها في مواجهة تحديات الحد من التكاليف، وبالتالي جعل الأغذية الطازجة والمجهزة في متناول كافة فئات الدخل في المدن. وسيكون للتطورات الجارية في قطاع تصنيع الأغذية تأثير على العناصر المركزية من السلسة الغذائية. وتبعا لاستجابة قطاع التصنيع لاحتياجات المستهلكين، فإن القائمين على التجهيز سيطالبون المنتجين الأوليين بمنتجات محصولية وحيوانية بما يرافقها من توقعات أخرى على مستوى جداول التسليم الزمنية ومواصفات الجودة.

رابعا- المتابعة المقترحة لتقرير الخبراء

ألف- الاستراتيجية العالمية لمنظمة الصحة العالمية بشأن النظام الغذائي والنشاط البدني والصحة
36- حثت الجمعية العالمية للصحة أعضاءها إبان دورتها الخامسة والخمسين المنعقدة في مايو/أيار 2002، على التعاون مع منظمة الصحة العالمية في تطوير استراتيجية عالمية للنظام الغذائي والنشاط البدني والصحة بهدف الوقاية من الأمراض غير المعدية ومكافحتها. وهذه الاستراتيجية قيد التطوير حاليا وسوف يناقشها المجلس التنفيذي لمنظمة الصحة العالمية في يناير/كانون الثاني 2004 والجمعية العالمية للصحة في دورتها السابعة والخمسين التي ستعقد في شهر مايو/أيار 2004. وتتعاون منظمة الأغذية والزراعة مع منظمة الصحة العالمية في وضع هذا المشروع العالمي، بما في ذلك المشاورات مع وكالات الأمم المتحدة ومنظمات المجتمع المدني والقطاع الخاص وعامة الجمهور.
37- وبالفعل، وفي إطار هذه الاستراتيجية، تعاونت منظمة الأغذية والزراعة مع منظمة الصحة العالمية في وضع مبادرة للترويج لإنتاج واستهلاك الفاكهة والخضر، وبدأ تنفيذها في نوفمبر/تشرين الثاني 2003. وتستند هذه المبادرة المشتركة إلى العمل الذي قامت به منظمة الأغذية والزراعة في السابق للترويج لإقامة الحدائق المنزلية والمدرسية بهدف الحد من سوء التغذية الناجم عن العناصر الغذائية الدقيقة.
باء- مجالات بحث محددة
38- تحتاج منظمة الأغذية والزراعة إلى تكييف عملها ضمن اختصاصاتها في مجالي الأغذية والزراعة، بما يلبي التحديات الواردة في تقرير الخبراء. وتقر العناصر المقترحة، التي ترد مناقشتها أدناه، بوجود ظروف عدة في الكثير من البلدان النامية تجعلها عرضة "للعبء المزدوج" المتمثل في قلة التغذية والأمراض غير المعدية. كما تقر بأن منظمة الأغذية والزراعة تتحمل مسؤولية إعلام وحماية مستهلكي الأغذية، ورفع مستوى رفاه صغار منتجي الأغذية والمزارعين. كما يجب أن تستند برامج المنظمة إلى عناصر التكامل بين سياسات الأغذية والتغذية من جهة، وبين التنمية الزراعية والريفية وسياسات التجارة من جهة أخرى.
(1) تقييم الأنماط التغذوية وتبعاتها على الصحة
39- تمثلت نقطة البداية لمشاورة الخبراء والتوصيات المنبثقة عنها في الاتجاهات العالمية لمكونات النظم الغذائية وأثرها على معدلات الإصابة بالأمراض غير المعدية. وتأكدت هذه الاتجاهات من خلال الاستنتاجات التي توصل إليها عدد محدود من استطلاعات الاستهلاك الغذائي التمثيلية القطرية في البلدان النامية. وحيثما توافرت البيانات، فإنها تدعم عموما التغيرات المذكورة أعلاه، لكنها تشير إلى فوارق هامة بين الأسر الريفية والحضرية فيما يتعلق باتساع نطاق التغير في أنماط الاستهلاك. لكن كيفية انعكاس تغيرات أنماط الاستهلاك التغذوي في التغييرات الملحوظة في الأخطار الصحية التي يواجهها السكان أمر يحتاج إلى توثيق وتأكيد واضحين استنادا الى قرائن علمية موثوقة. كما يجب أن تعطى منظمة الأغذية والزراعة الأولوية في نطاق عملها المعياري لوضع قائمة حصر لأنماط الاستهلاك الغذائي الحالي واتجاهات الأنماط التغذوية على المستويات القطرية والإقليمية والدولية، إضافة إلى رصد وتحليل هذه الأنماط والاتجاهات.
40- كما أن هناك حاجة إلى مزيد من المعلومات الموثوق بها عن الأنماط والتغيرات في الاستهلاك الغذائي الفعلي بالاستناد إلى مسوحات الاستهلاك الفردي والأسري التمثيلية في الأوساط الريفية والحضرية. ويجب أن يشمل ذلك تقييما للمتناولات الفعلية على صعيد المستهلك الفردي مقارنة بالكميات المتاحة على مستوى البيع بالتجزئة، أي جميع الخسائر لما بعد البيع بالتجزئة، والتي تشمل، من بين ما تشمل، الخسائر الأسرية في شكل الطعام المقدم للحيوانات الأليفة والبقايا على المائدة وغيرها من أشكال الفضلات الأسرية. وفي البلدان المتقدمة يمكن أن تصل نسبة هذه الفضلات إلى 30 في المائة من المشتريات من الأغذية.
41- إن من الأهمية بمكان أن تحدد، بالتعاون مع منظمة الصحة الدولية، وعلى نحو مباشر أكثر، الصلات بين التغيرات الجذرية أحيانا في أنماط الاستهلاك والتغيرات في معايير الصحة في أوساط فئات سكان الحضر والريف، مع الأخذ في الحسبان الاختلافات بين الجنسين. ويمكن أن تكمّل هذه التحليلات منهجية المنظمة لموازنة الأغذية، إذ تسهل إجراء تقييم أفضل لأعداد السكان الذين يعانون من نقص التغذية من خلال دراسة التغيرات الكمية للمتناولات من السعرات الحرارية والنظر في التغيرات النوعية لأنماط الاستهلاك الجارية بهدف الترويج لأنظمة غذائية أكثر ملاءمة من الناحية الصحية.
(2) تفسير الأهداف التغذوية وفقا للوضع القطري الخاص
42- تعمل كل من منظمة الأغذية والزراعة ومنظمة الصحة العالمية بفعالية على تحسين أنماط الاستهلاك الغذائي والرفاه التغذوي للأفراد والشعوب من خلال الترويج لمفهوم الخطوط التوجيهية للنظم التغذوية المستندة إلى الأغذية. وتستند هذه الخطوط التوجيهية إلى تحليل أنماط مخططات الاستهلاك التغذوي وانتشار الأمراض الخاصة ببلد أو إقليم بعينه، آخذا في الحسبان القرائن المتوافرة التي تربط بين أنماط الاستهلاك الغذائي وانتشار مرض ما. وتعد الخطوط التوجيهية للنظم التغذوية المستندة إلى الأغذية أداة هامة لوضع السياسات القطرية للأغذية والتغذية. كما أن المفهوم القائم على نشر المعلومات وزيادة وعي المستهلك من خلال هذه الخطوط التوجيهية يعد خطوة أكثر ملاءمة بالمقارنة باستخدام الأهداف التغذوية وحدها، إذ أن تفكير المستهلكين يركز على الأطعمة التي يأكلونها، لا على العناصر الغذائية التي تحتويها. وبالتالي فإن الخطوط التوجيهية تشكل أساس التربية الغذائية الخاصة بالجمهور العريض. لكن تنفيذ الخطوط التوجيهية التغذوية عمليا يفرض تحديات كبيرة ويستدعي جهدا كبيرا لمساعدة الجمهور على اتباع الخطوط التوجيهية وتغيير أنماط استهلاكه. وبالتالي فإن من المفيد استعراض الخبرات القطرية في ميدان الخطوط التوجيهية المستندة إلى التغذية، وتوثيق أهم الدروس المستخلصة وتحديد الممارسات السليمة والعوائق التي تقف في طريق استخدامها وتنفيذها للترويج لنظم غذائية صحية. وتعد نظم الرقابة الرامية إلى رصد التغيرات في النظام الغذائي والنشاط البدني والمشاكل الصحية ذات الصلة عنصرا هاما يتيح لأصحاب الشأن في القطاعين العام والخاص تتبع ما يحرز من تقدم لتحقيق الأهداف التغذوية القطرية ولتوجيه الخيارات وتوقيت التدابير اللازمة للتعجيل بإنجازها. وربما كان من الضروري استحداث هذه التدابير ونظم المعلومات الضرورية و/أو تعزيزها.
(3) دعم الابتكار في ميدان المنتجات الغذائية
43- اقتصر تقييم التأثيرات المحتملة لتغيرات النظام الغذائي على النظم الزراعية إلى حد كبير في هذه الوثيقة، على استعراض عام ونوعي. لكن من البادي حتى على هذا المستوى العام أن القرارات التي اتخذها قطاع تصنيع الأغذية كان لها تأثير هام على النظام الغذائي للسكان، وعلى قطاع الإنتاج الزراعي المتعلق به. ويحاول مصنعو الأغذية وتجار التجزئة استباق طلبات السوق والاستجابة لها من أجل أن تظل أعمالهم التجارية مجدية. والعنصر الأساسي هنا هو إيجاد منتجات غذائية جديدة ومحسنة تترافق بنهج في تجارة التجزئة تخدم الزبائن على نحو أفضل. وتمثل طبيعة المنتجات الغذائية المعروضة على الزبائن أداة قوية لتغيير أنماط الاستهلاك. وسعيا لإدخال منتجات غذائية جديدة وزيادة توافر المنتجات الحالية، مثل الفاكهة والخضر، فإن من الضروري الأخذ في الحسبان بعض عوامل من بينها: (1) التفاعلات والتكاملات العديدة بين أسواق زراعية متنوعة؛ (2) آثار العوامل غير الزراعية (التوسع الحضري، التغير الهيكلي في صناعة تجهيز الأغذية، دمج قنوات توزيع الأغذية وظهور المحلات التجارية الكبرى في البلدان النامية) وآثارها الراجعة على الزراعـــة؛ (3) آثار إصلاحات السياسات الأخرى التي قد تنفذ في موازاتها (ومثالها تلك التي تروج لتجارة وتدفقات استثمارية أكثر تحررا، التكامل الإقليمي، وغيرها). وهذه العوامل قد تزيد، أو قد تمحو تأثيرات التوصيات التغذوية المقترحة.
44- بوسع المنظمة أن تلعب دورا هاما في بناء قدرات مصنعي الأغذية من خلال تقاسم أفضل الممارسات في ميدان الابتكارات المتعلقة بالمنتجات الغذائية وتصنيع الأغذية. وتتمثل عملية الابتكار الغذائي العامة في عنصرين أساسيين: (1) القدرة على فهم المواصفات التغذوية للأغذية التي يرغبها السكان وكيفية إسهامها في تكوين نظام غذائي مرغوب (أو غير مرغوب وفقا للأحوال)؛ (2) القدرة على تطبيق عمليات تحويل الأغذية المعروفة لتعديل المنتجات الحالية أو لإستنباط منتجات جديدة يمكن أن تحسن الطبيعة التغذوية للأغذية. وفيما يتعلق بالفاكهة والخضر، يوضح التقرير على نحو قاطع ضرورة زيادة استهلاكها. ومنظمة الأغذية والزراعة قادرة على الإسهام في زيادة الإنتاج وتحسين عمليات المناولة لما بعد الحصاد للحفاظ على الجودة والسلامة ورفع الطلب بين صفوف السكان. وعلى غرار الأغذية المجهزة، قد تظهر الحاجة إلى الابتكار فيما يتعلق بكيفية عرض الفاكهة والخضر الطازجة على المستهلك (ومثالها السلاطة المغلفة بدلا من الخس المباع بالقطعة).
(4) دراسة السياسات والإجراءات في مجال الأغذية والتغذية
الطلب ـ زيادة وعي المستهلك والترويج للنظم الغذائية الصحية
45- كي يتسنى للمستهلكين التمتع بنظم غذائية صحية، لا بد لهم من إبداء طلب مقابل، كما ينبغي أن تتوافر الأغذية المطلوبة في السوق. تتمثل إحدى الخطوات الهامة الرامية إلى إنجاز التغييرات المنشودة في إدراك المستهلكين لمكونات النظام الغذائي الصحي. إن العوامل العامة التي تحدد مواقف المستهلكين تجاه الاستهلاك وأنماط المعيشة معقدة. فبالإضافة إلى الدخل وأسعار الأغذية، تتأثر خيارات الأغذية بالعديد من العوامل، بما فيها التقاليد الاجتماعية والثقافية، وأفضليات الأذواق وطريقة العرض والتسويق.
46- ويمكن أن تسهم التربية الغذائية والاتصالات في الترويج لممارسات طعام صحية. كما أن التشديد في التربية الغذائية ينبغي أن ينصب على تدريب مقدمي الخدمات، وعلى تقديم المعلومات للمستهلكين، بما في ذلك التوسيم الملائم للأغذية والعمل مع وسائل الإعلام. ويجب أن تتعدى التدخلات الفعالة مجرد معالجة احتياجات الفرد لتستهدف صانعي القرار والشبكات المهنية واتحادات المستهلكين، ومجموعة واسعة من الأطراف الفاعلة ذات التأثير على النظم الغذائية الصحية وأنماط المعيشة. وفيما يتعلق بالفرد، فإن اعتماد ممارسات تغذية صحية تترافق بنشاط بدني منذ الصغر سيعود عليه بمنافع صحية طوال حياته. وسيتعين على المنظمة البدء باختبار استراتيجيات جديدة لمساعدة البلدان الأعضاء في تطوير برامج وتدخلات شاملة في ميدان التربية الغذائية، وتنفيذ سياسات وإجراءات تمكّن الأفراد من تبني خيارات غذائية صحية.
47- يمكن للبيئة المدرسية أن تلعب دورا هاما في تطوير مواقف ايجابية لدى الجيل الجديد تجاه عادات الأكل الصحية والنشاط البدني. ويمكن أن تسهم السياسات المدرسية التي تؤثر على تبني الخيارات التغذوية (مقاصف المدارس، برامج التغذية المدرسية وأمكنة بيع الأطعمة) في تعزيز وإكمال التربية الغذائية لتطوير عادات طعام وأساليب عيش صحية طوال الحياة. كما أن التحالفات مع أصحاب الشأن في المجتمع المحلي تعود بمنافع متبادلة وتساعد على الإسراع بإحداث التغيرات في السلوك الفردي اللازمة لتحسين أنماط التغذية وأنماط المعيشة للأجلين القصير والبعيد معا.
الإمدادات ـ تعديل الإنتاج وغيره من الروابط في السلسلة الغذائية
48- يتوقع أن تنجز التعديلات في الإمدادات والناجمة عن تحول الطلب نحو الأطعمة الصحية من خلال قوى السوق والسياسات الحكومية والتقدم التقني التي ستؤثر في نظام الأغذية. ويتوقف العنصر الحافز المطلوب أو العامل المثبط للتغيرات في الإنتاج، على الاعتبارات الصحية والطلب على المنتجات الغذائية وأسعارها في السوق. لكن من النادر أن تكون الأسواق مثالية، كما أن الإمدادات قد لا تستجيب لتغيرات الأسعار. ولربما يستدعي الأمر الدعم من جانب الجمهور لتجنب تكاليف المواءمة المرتفعة. كما قد تدعو الضرورة إلى استعراض السياسات المحلية الحالية وفقا لقطاع المنتج لتحديد إعانات دعم المستهلكين أو الترتيبات التجارية التي تدعم الأغذية غير المرغوبة، وقيود الإمدادات ومعوقات الاستيراد المطبقة على الأغذية المرغوبة. وفي الوقت نفسه يتوقع أن تبرز الحاجة إلى سياسات (1) لمساعدة المزارعين على تحويل الموارد من إنتاج الأغذية المرغوبة على نحو أقل إلى الأغذية المرغوبة أكثر (وربما وفرت الفاكهة والخضر فرص إنتاج وتجارة مجزية)؛ (2) مساعدتهم على تعديل الطرائق التي يتبعونها في الإنتاج، ومنها مثلا إنتاج حيوانات ذات لحوم ذات محتوى أقل من الدهون للسوق).
49- قد يؤثر عدد من المسائل الناشئة، على توافر المنتجات التي تكفل وجود نظم غذائية صحية. وتشمل هذه المسائل: تأثيرات نظم الإنتاج المكثف ونتائجها البيئية، التحديات ذات الصلة بالنوعية التغذوية الأفضل (اللحوم الخالية من الدهون) لإنتاج المواشي والدواجن والدور الذي قد تلعبه التقانة الحيوية في هذا الميدان؛ الحاجة إلى تقييم واعتماد ممارسات زراعية سليمة لتحسين نوعية وسلامة الأغذية؛ الآثار المترتبة عن سلاسل الأغذية الأطول والناجمة عن زيادة زمن التخزين وطول طرق النقل وارتفاع خطر تلف الأغذية؛ استعمال وسوء استعمال المواد الحافظة والملوثات؛ آثار التغيرات في التكوين الصنفي وفي تنوع أنماط الاستهلاك، وانقراض أصناف المحاصيل التقليدية وتراجع استعمالها في النظم الغذائية اليومية، الى غير ذلك. وجميع هذه المسائل ذات صلة بعمل المنظمة في مجالي الأغذية والزراعة، وسوف تحتاج إلى المعالجة بوصفها مسائل تستدعي الاهتمام، وتنبثق عن التغيرات في أنماط الاستهلاك والاتجاهات ذات الصلة بالتنمية الاقتصادية.

خامسا - مسائل معروضة على لجنة الزراعة

50- جمعت هذه الوثيقة أهم توصيات مشاورة الخبراء المشتركة بين منظمة الصحة العالمية ومنظمة الأغذية والزراعة (وما تلاها من مشاورات مع أصحاب الشأن) حول النظام الغذائي والتغذية والوقاية من الأمراض المزمنة. كما تقدم تحليليا أوليا لأهم العناصر المنبثقة عن هذه التوصيات: (1) تقييم الأنماط التغذوية والتبعات الصحية المترتبة عنها؛ (2) تفسير الأهداف التغذوية وفقا للأوضاع القطرية النوعية؛ (3) دعم الابتكار في ميدان المنتجات الغذائية؛ (4) دراسة خيارات السياسات والإجراءات في مجال الأغذية والتغذية. ويقترح أن تحظى هذه المسائل بمتابعة من المنظمة بتوجيه من لجنة الزراعة.
51- ويرجى من لجنة الزراعة الموافقة بصورة خاصة على ثلاثة توجهات يمكن للمنظمة اتباعها في عملها لخدمة البلدان الأعضاء:
· الاستمرار في توطيد التعاون مع منظمة الصحة العالمية في مجالي التغذية والأمراض غير المعدية؛
· تزويد الأعضاء بالمشورة المتصلة بالسياسات وبالمساعدة الفنية لتوعية وتثقيف شعوبها بشأن الحاجة إلى اتباع نظم غذائية ملائمة وصحية لتفادي الانتشار المؤذي للأمراض غير المعدية؛
· مساعدة الأعضاء، وبخاصة البلدان النامية الأعضاء، في صياغة وتنفيذ السياسات والبرامج؛الرامية إلى تنويع الإنتاج الزراعي بهدف تيسير التغيرات في النظام الغذائي المتماشية مع التحولات في أنماط المعيشة.

ملحق

مفهوم أهداف المتناول الغذائي الخاص بالسكان
1- اتسمت العديد من تقارير الخبراء في الماضي، القطرية منها والدولية، بشىء من الغموض فيما يتعلق بالتطبيق المعتزم للأهداف أو الخطوط التوجيهية الموصى بها للمحافظة على صحة جيدة والوقاية من الأمراض غير المعدية ذات الصلة بالنظام الغذائي. وتبين مقارنة دولية لهذه التوصيات الصادرة عن الوكالات القطرية عدم وجود فروق هامة بينها، رغم أنها تتعلق بمجموعات سكانية مختلفة. وبالرغم من تضارب الآراء بين مجموعات الخبراء القطريين في حكمهم على دور المكونات الغذائية في الإصابة بأمراض معينة، فإن التوصيات الغذائية تتشابه فيما بينها بوجه عام. وبالرغم من أن مجموعات الخبراء لم تصدر جميعها توصيات كمية، يبدو أن الآراء تتوافق بشأن الرسالة واتجاه التغيير المحبذ، بل وحتى الأهداف الكمية عند تحديدها. ولا يبدو أنهم يختلفون بشأن الأهداف التغذوية الموضوعة للبلدان الصناعية أو النامية.
2- يعرض تقرير مشاورة الخبراء المشتركة بين منظمة الصحة العالمية ومنظمة الأغذية والزراعة توصيات غذائية صريحة. ويشدد على أنها أهداف للمتناول الذي يستهلكه السكان وليست خطوطا توجيهية فردية. وبخلاف معظم مجموعات الخبراء القطريين الذين يتعاملون عادة مع مجموعة سكانية واحدة، يوصي التقرير في معظم الحالات بحدود عليا ودنيا لأهداف المتناول الغذائي، ويقر بأن لبعض المجموعات السكانية على صعيد العالم متناولات أقل من المستوى الموصى به ( وتحتاج بالتالي إلى رفعها إلى المستوى الأدنى على الأقل)، فيما تفوق متناولات بعضها الآخر المستوى الأعلى (وتحتاج بالتالي إلى خفضه).
3- يستند مفهوم أهداف المتناول الغذائي الخاص بالسكان إلى الاعتقاد بان الأولوية العليا هي ضمان توزيع متكافئ للأغذية المتوافرة وفقا للاحتياجات الفردية. وتعالج معظم الخطوط التوجيهية تقديرات الاحتياجات الفردية وتحدد المتناول الأدنى لتلبية احتياجاتهم الغذائية. لكن مفهوم النطاق المأمون للمتناولات قد تطور مع الإقرار بالتأثيرات الضارة التي قد تتأتى عن الارتفاع المبالغ فيه للمتناول من أحد العناصر الغذائية. وأهداف المتناول الغذائي الخاص بالسكان تتبع هذا النهج وتركز على الحفاظ على درجة دنيا من الخطر على مستوى السكان بدلا من الفرد الواحد. وبالتالي فإن أهداف المتناول الغذائي الخاص بالسكان تعرّف بأنها متوسط المتناول الخاص بالسكان الذي يعتبر متفقا مع الحفاظ على الصحة في أوساط السكان. وتتسم الصحة في هذا المضمار بقلة انتشار الأمراض ذات الصلة بالنظام الغذائي بين السكان. وبتعبير آخر فإن العنصر الهام هو التوزيع الكلي للمتناولات المعبر عنه بمتوسط المتناول لكل فرد، وليس متناول كل فرد في حد ذاته.
4- يبين الشكل 1 هذا المفهوم. ويشدد تقرير الخبراء على أنه لما كانت أهداف المتناول الغذائي الخاص بالسكان تعبر عن المتوسطات الخاصة بالسكان، فإن التغير الكلي سيكون أكبر بكثير من التغير المستهدف إذا تم تطبيقها على النظم الغذائية الفردية. ويبين الشكل 2 هذه النقطة على نحو أكبر فيما يتعلق بعنصر غذائي كالدهون المشبعة أو السكر، حيث تشير التوصية إلى هدف المتناول الغذائي الخاص بالسكان ونسبته 10 في المائة من الطاقة الكلية. وبالإضافة إلى ذلك، فإن المقصد هو تكييف الأهداف التغذوية للسكان مع النظم الغذائية والسكان على اختلافهم، مع الأخذ في الحسبان الظروف المحلية. والأخذ بهذا الأمر هو اعتراف بأن 50 في المائة من أي توزيع سكاني بعينه يتناولون ما يزيد على هدف المتناول الغذائي الخاص بالسكان والموصى به. والهدف هو أن ينتقل المتوسط الخاص بالسكان نحو الهدف الموصى به للحد من خطر الأمراض غير المعدية على السكان. ويعبر عن هذه الأهداف خاصة بالأرقام بدلا من الإشارة إلى الزيادة أو النقصان في متناولات عنصر غذائي معين، كالتي تستخدمها في أغلب الأحيان الخطوط التوجيهية التغذوية المستندة إلى الأغذية، إذ أن التغيرات المرغوبة نحو الأعلى أو الأسفل تتوقف على المتناولات الحالية للعنصر الغذائي بين صفوف مجموعة سكانية معينة، وعلاقتها بخطر الإصابة بالمرض.

الشكل 1: مفهوم الهدف الغذائي الخاص بالسكان

المتناول المعتاد
تدل المنحنيات الثلاثة في شكل جرس على وتيرة توزيع المناولات الغذائية لدى ثلاثة مجموعات سكانية فرضية. ويبين الحدان المتطرفان الأخطار المرتبطة بعدم الكفاية أو المغالاة. إن المجموعات السكانية التي يتراوح متوسط متناولها الغذائي الخاص بالسكان بين الحدين الأدنى والأعلى تتجنب الأخطار الكبيرة الناجمة عن عدم الكفاية والمغالاة.

الشكل 2: التمييز بين الهدف الخاص بالسكان والهدف الفردي

الدهون المشبعة أو السكريات الحرة
(النسبة المئوية من الطاقة)

يبين هـذا الشكل توزيـع المتنــاول من الدهون المشبعـــة أو السكريات الحرة لثلاث مجموعات سكانية فرضية هي: (1) السكان الذين يزيد متناولهم من السكريات الحرة على المستوى الذي أوصت به مشاورة الخبراء المشتركة بين منظمة الصحة العالمية ومنظمة الأغذية والزراعة (اليمين)؛ (2) السكان الذين توصلوا إلى تحقيق الهدف الخاص بالسكان والمتمثل في متناول أقصى نسبته 10 في المائة من الطاقة، مصدرها السكريات الحرة (الوسط)؛ (3) السكان الذين يقل متناول غالبية الأفراد بينهم عن 10 في المائة، وهو وضع يمثل الخطأ في تفسير الهدف الخاص بالسكان كهدف فردي (اليسار).