الصفحة السابقة بيان المحتويات الصفحة التالية


الجزء الثاني رؤية للقرن الحادي والعشرين


مذكرة تفسيرية

تتيح الذكرى السنوية الستون لإنشاء المنظمة الفرصة للتفكير مليا في الماضي وفي تحليل النتائج المتعلقة برؤيتها، حسبما ما ورد في ديباجة دستورها، في أن المنظمة سوف تسهم في خلق اقتصاد عالمي موسع وتضمن تحرير البشرية من الجوع. كما أن هذه الذكرى تعتبر مناسبة للتطلع إلى الأمام ولدراسة الكيفية التي يمكن بها أن تواجه المنظمة التحديات الجديدة التي سيشهدها القرن الحادي والعشرون.

وتستذكر هذه الدراسة بإيجاز مولد المنظمة وتطورها كما تدرس إنجازاتها. ثم تنتقل الدراسة لتتناول عددا من التحديات الجسيمة في القرن الحادي والعشرين وانعكاساتها على المنظمة. وتتطلع الدراسة إلى وضع الإصلاحات في السياق الأوسع لإصلاح الأمم المتحدة ورؤية الآباء المؤسسين للمنظمة.

رؤية الأعضاء المؤسسين للمنظمة

إن منظمة الأغذية والزراعة هي وليدة فكرة التحرر من الفاقة. والتحرر من الفاقة يعني قهر الجوع والحصول على الاحتياجات العادية لحياة لائقة ومحترمة....

ويذهب هذا الجيل إلى أبعد من التصور بأن التحرر من الفاقة يمكن تحقيقه ويعتقد أن الجهد لبلوغه أصبح أمرا حتميا.... ولذا فإن منظمة الأغذية والزراعة قد أنشئت نظرا للحاجة إلى السلام فضلا عن الحاجة إلى التحرر من الفاقة. وهذان الأمران يعتمد أحدهما على الآخر...، فالسلام ضروري إذا أريد تحقيق تقدم في سبيل التحرر من الفاقة...وأن التقدم نحو التحرر من الفاقة ضروري لاستمرار السلام....

وإذا كان هناك أي مبدأ أساسي تستند إليه المنظمة فهو يتمثل في أن رفاه المنتجين ورفاه المستهلكين هما أمران متطابقان في نهاية المطاف. وإذا كان العكس يبدو صحيحا، فهذا يرجع إلى أنه لم تؤخذ في الحسبان جميع العوامل بما في ذلك احتمال نشوب الاضطرابات الاجتماعية واندلاع الحروب. وهناك دائما إطار أوسع تبدو فيه مصالح المنتجين والمستهلكين بأنها متطابقة. ومن مهام منظمة الأغذية والزراعة أن تلتمس هذا الإطار الأوسع وتؤكد عليه كرؤية شاملة تكون أساسا للتوفيق بين الاختلافات ولتحقيق التقدم للتحرر من الفاقة والارتفاع بمستويات المعيشة للجميع.

وفيما يتصل بالمنتديات العالمية والشؤون الدولية، فالمنظمة تتحدث نيابة عن المنتجين - المزارعين والمنتجين الحراجيين وصيادي الأسماك - ونيابة عن المستهلكين... فمن جهة، هناك الاحتياجات الضخمة للبشر كمستهلكين وهي احتياجات لم تلبّ، ومن جهة أخرى، هناك الامكانيات الهائلة التي لم تستغل لتحسين وزيادة الإنتاج. ولقد تأسست المنظمة على الاعتقاد بأن الاحتياجات وقدرات الإنتاج يجب الجمع فيما بينها بصورة مباشرة قدر الإمكان وأن يتم تكامل أحدها مع الآخر بصورة مستمرة، وإذا ما تم ذلك داخل الأمم وفيما بينها بإجراءات مستقلة وجماعية، فإن بعض أخطر الأمراض الاقتصادية في العالم، بما فيها الجوع والفقر المدقع اللذين تبتلى بهما جماهير واسعة من بني الإنسان، سوف يتم استئصالها.

أما المعارف بشأن تحسين أساليب الإنتاج والتصنيع والتوزيع والاستخدام الأفضل للأغذية فهي متاحة ويمكن نشرها على نحو عادل. لكن المشكلة تكمن في وضع هذه المعارف حيز التطبيق وعلى النطاق الضروري. وللتغلب على هذه الصعوبات فإن ذلك يحتاج إلى كل الحكمة والإرادة التي تستطيع الأمم حشدها وهي تعمل من خلال منظمة الأغذية والزراعة وسائر المنظمات الدولية. وهي ليست مهمة يسيرة.

... وإن المعونات المقدمة من المنظمة إلى أقل البلدان تقدما سوف تفيد البلدان الأخرى بنفس القدر. ويمكن أن تلعب دورا كبيرا في معالجة بعض الأمراض الاجتماعية المزمنة وإيجاد عالم سليم من الناحية الاقتصادية، وبدون ذلك، فإن جميع الأمم سوف تواجه مستقبلا غير آمن.

وهناك جانب أساسي أهم في أعمال المنظمة. ففي تلك الأرجاء من الكرة الأرضية غير المغطاة بالمياه توجد قشرة رقيقة من التربة معظمها غير ميسر للزراعة أو غير صالح للاستعمال في أغراض أخرى. ومن ذلك الجزء المتبقي ينبغي على السكان المتزايدين في العالم أن يحصلوا على جميع موارد رزقهم باستثناء ما يحصلون عليه من البحار. وحتى الأسماك، شأنها شأن كل الكائنات الحية الأخرى، تتغذى، في نهاية المطاف، من خصوبة الأرض. وهذه القشرة الرقيقة من التربة قد تصبح أصولا فاقدة أو أصولا يمكن المحافظة على ديمومتها والإفادة منها على نحو أكثر لبني الإنسان، وذلك يعتمد على الكيفية التي تستخدم فيها هذه الأصول وتدار. ولا شيء أكثر من ذلك بحق يهم رفاه الإنسان والأمم. ومنظمة الأغذية والزراعة تكرس جهودها لتعزيز الاستخدام الأمثل والإدارة الفعالة لهذه الموارد الأساسية للإنسان وذلك بإتباع جميع الوسائل وبالاعتماد على جميع الشعوب.

مقتطفات من أعمال المنظمة: التقرير العام المقدم إلى الدورة الأولى لمؤتمر منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة، الذي أعدته اللجنة المؤقتة للأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة، والذي نشر بعد ذلك في أغسطس/آب 1945.

ثالثا- ستون عاما من عمر المنظمة (1945-2005)

84

في عام 1943، وعندما كانت نهاية الحرب العالمية الثانية لا تزال غير معروفة، اجتمع ممثلو 44 حكومة في هوت سبرينغ في فرجينيا في الولايات المتحدة وتعهدوا بإنشاء منظمة دولية في ميدان الأغذية والزراعة. وقد ورد توصيف لدورها وأهدافها في تقرير بليغ وبعيد النظر على نحو غير مألوف، عنوانه: أعمال المنظمة، وهو تقرير تم إعداده في يونيو/حزيران 1945 بواسطة لجنة برئاسة السيد فرانك ماكدوغال من أستراليا وذلك نيابة عن اللجنة المؤقتة للأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة. وتعد الرؤية الموضحة في هذه الوثيقة ملائمة حتى اليوم كما كانت عليه منذ ستين عاما مضت كما بدا جليا من المقتطفات الواردة في الإطار على الصفحتين السابقتين.

85

ولقد استُخدم تقرير الهيئة المؤقتة ومسودة الدستور كمدخلات أساسية للمؤتمر الأول لمنظمة الأغذية والزراعة الذي عقد في مدينة كيبيك في كندا والذي أفضى إلى إنشاء المنظمة كوكالة متخصصة للأمم المتحـــــــدة فــي 16 أكتوبر/تشرين الأول 1945. ومنذ تأسيس المنظمة، تمت الموافقة على أن تكون منظمة متعددة التخصصات وأن "تعنى بذلك القطاع الرئيسي المتمثل في المزارع والغابات ومصايد الأسماك في العالم وباحتياجات الجنس البشري إلى منتجات هذا القطاع". كذلك شدد التقرير على أن المنظمة تبدأ أعمالها في سياق جهود دولية أوسع نطاقا، ذلك أنها سوف ترتبط مع المجلس الاقتصادي والاجتماعي للأمم المتحدة، وسوف يكون لها "شركاء في العمل... وأجهزة معنية بالمشكلات الدولية المتعلقة بالعمل والقروض والاستقرار النقدي والتجارة والتبادل التجاري والصحة والتعليم والمسائل الأخرى الحيوية لرفاه الأمم".

86

وشهدت العقود الستة تغيرات ملحوظة كانت لها تأثيرات عميقة على المنظمة وسائر هيئات منظومة الأمم المتحدة. وفي السنوات الأولى التي أعقبت الحرب العالمية الثانية، تركز معظم الجهود الدولية على إطعام الجياع وناقصي التغذية في أوروبا واليابان وعلى إعادة بناء المرافق الأساسية والمدن التي لحق بها الدمار في أوروبا. وفي هذا السياق، وضعت خطة مارشال التي قدمت زهاء 13 مليار دولار للاستثمار في البنية الأساسية والمشروعات توطئة للانتعاش، وكانت الأولى من نوعها في تقديم المعونة الدولية واسعة النطاق والتي تم تطبيقها لاحقا بنجاح في آسيا، وإلى حد أقل في أمريكا اللاتينية، لكن لم تطبق حتى الآن في أفريقيا.

87

ومع تواصل عملية مناهضة الاستعمار خلال فترة الستينات من القرن الماضي، تزايد عدد الدول المستقلة حديثا والتي أصبحت أعضاء في الأمم المتحدة ووكالاتها. ومع انسحاب القوى الاستعمارية، بدأت منظومة الأمم المتحدة تضطلع بالعديد من المسؤوليات بشأن توفير المساعدات المالية والفنية التي تسعى إليها الدول الجديدة التي أخذت تتولى مسؤولية إدارة شؤونها الخاصة، بإنشاء المؤسسات والبنى الأساسية التي تقيم عليها نموها الاقتصادي في المستقبل.

88

وهكذا فإن منظومة الأمم المتحدة، بما فيها منظمة الأغذية والزراعة وغيرها في المجموعة الأصلية من الوكالات المتخصصة كمنظمة العمل الدولية ومنظمة الصحة العالمية واليونسكو، قد نمت بصورة سريعة من حيث الحجم في الستينات والسبعينات من القرن الماضي لتستجيب لهذه المطالب الجديدة. وكان أحد مطالب هذا النمو يتمثل في إنشاء كيانات جديدة داخل المنظومة بما فيها، في المجالات التي تتعلق بالمنظمة، إنشاء برنامج الأغذية العالمي في عام 1963 وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في عام 1965 وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة في عام 1972 والصندوق الدولي للتنمية الزراعية في عام 1977، وإنشاء جماعة تتحالف على نحو وثيق مع منظومة الأمم المتحدة هي الجماعة الاستشارية للبحوث الزراعية الدولية عام 1971. وبدءا من الستينات، فقد وسع البنك الدولي ومصارف التنمية الإقليمية حافظاتها في مجال التنمية الزراعية والريفية، وبدأت جهات التبرع الثنائي في إنشاء وزارات متخصصة بالتعاون الإنمائي.

89

وحدثت بعض التحولات الأكثر عمقا خلال العقود الثلاثة الماضية. وقد تمثلت هذه التحولات في إعادة تعريف دور الدولة في معظم البلدان، حيث تم تحويله بعيدا عن العديد من مجالات النشاط كتسويق المنتجات الزراعية أو المدخلات الزراعية وإدارة الصناعات الزراعية لينتقل إلى تركيز جهوده على ضمان الخدمات الأساسية والمرافق وعلى توفير الأطر القانونية والمؤسسية وأطر السياسات التي تتيح الفرص لبروز جهات فاعلة غير حكومية. وخلال هذه الفترة القصيرة، أصبح القطاع الخاص، وعلى نحو متزايد، لاعبا مهما في الاقتصادات الوطنية، بل وأحيانا المورد الرئيسي للتقانات وخدمات المدخلات والأسواق للمنتجين، وهذه ظاهرة تستدعي تعريفا جديدا لأدوار القطاعين العام والخاص في مجال التنمية.

90

ومما يوازي ذلك أهمية نمو المؤسسات داخل المجتمع المدني وخصوصا المنظمات غير الحكومية سواء منها القطرية أو الدولية. وأنشئ العديد من هذه المنظمات لسد الفجوة بين القطاع الحكومي والقطاع الخاص وللاستجابة لرغبة المواطنين لكي يتمكنوا من الإسهام بصورة مباشرة في الحد من معانات الإنسان في حالات الطوارئ. ونظرا لأن مواردها قد تزايدت، فإن دورها قد توسع نطاقه ليشمل تقديم المساعدات الإنمائية (أصبح للعديد منها وجود في البلدان النامية يتجاوز حضور المنظمة)، وبوجه خاص، أصبح لها مناصروها الأقوياء الذين يطالبون بتحقيق عالم أكثر عدالة وتكافؤا.

91

وكان لزاما على المنظمة أن تستجيب وأن تكيف دورها تبعا لهذه التغيرات المستجدة على الصعيد العالمي، وفي الوقت ذاته مواصلة التركيز على بلوغ الأهداف التي تأسست من أجلها. فالمنظمة التي أنشئت في كيبيك عام 1945 بعضوية 42 دولة، بلغ الآن عدد أعضائها 188 دولة عضوا ومن المنتظر أن يصل عددها إلى 190 عضوا في أول يناير/كانون الثاني 2006، وهو ما يمنحها تغطية عالمية. وعلى هذا المستوى العالمي فقد جمعت المنظمة الدول لكي توافق على طائفة من المعاهدات المهمة ومدونات السلوك والاتفاقات والمعايير والخطوط التوجيهية الطوعية لضمان توجيه أفضل للموارد العالمية المشتركة كالموارد الوراثية النباتية والأسماك البحرية، وللحد من أخطار المتاجرة بالمبيدات الخطرة ولوضع معايير موحدة بشأن الأغذية الأساسية التي من شأنها أن تحمي المستهلكين وتسهل التبادل التجاري أو لتضمن حق الشعوب في الحصول على أغذية كافية وسليمة.

92

وقد استخدمت المنظمة سلطاتها في مناسبات عديدة حين دعت أعضاءها لاجتماعات تعزز قرارهم المشترك لمعالجة القضايا العالمية الحساسة. ومن أهم الاجتماعات التي عقدت مؤخرا على مستوى رؤساء الدول والحكومات، مؤتمر القمة العالمي للأغذية عام 1996 ومؤتمر القمة العالمي للأغذية: خمس سنوات بعد الانعقاد عام 2002. وقد حدد مؤتمر القمة العالمي للأغذية عام 1996، ولأول مرة، هدفا كميا للحد من الجوع، حيث دعا إلى تخفيض عدد ناقصي التغذية في العالم إلى النصف بحلول عام 2015. كما وضع خطة عمل لتحقيق الأمن الغذائي للجميع.

93

ومن جهة أخرى وبالنسبة للكثير من الشعوب، وخصوصا في العالم النامي وفي بلدان مرحلة التحول، فقد كانت المنظمة أكثر بروزا من حيث أعمالها الإنمائية العملية ومن حيث تدخلاتها في الوقت المناسب في حالات الطوارئ. واضطلعت المنظمة بدور أساسي في العديد من البلدان في إجراء مسوحات لأراضيها ومواردها المائية والسمكية والحرجية وفي استكمال التعداد الزراعي الذي أتاح قاعدة لصياغة السياسات والاستراتيجيات الإنمائية. وقد كان الدعم الذي قدمته المنظمة لبناء المؤسسات مهما في إنشاء الهياكل الحكومية الوطنية لفائدة قطاعات الزراعة والغابات ومصايد الأسماك في العديد من البلدان النامية الأعضاء، وأغلبها بدءا من لحظة نشوئها كدول مستقلة.

94

وجدير بالذكر أن العديد من برامج نشر أصناف المحاصيل وفيرة الغلة وإنشاء شبكات الري التي اضطلعت بمثل هذا الدور المهم في دعم الثورة الخضراء، قد خطط ونفذ بمساعدة مهندسين واقتصاديين زراعيين من المنظمة. وقد أمكن حماية سبل معيشة الصيادين الحرفيين على امتداد العالم النامي من خلال التشريعات التي تحكم حقوق الصيد والتي صاغها خبراء القانون في المنظمة. كما أن أعدادا كبيرة من الأسر الفقيرة قد تم دعمها لإدارة مواردها الحرجية الهشة من خلال البرامج الحرجية المحلية التي حسنت من الاستدامة البيئية وصانت الموارد المائية وعززت سبل معيشة الأسر. وقد تعلم الملايين من صغار المزارعين كيفية زراعة المحاصيل المربحة والسليمة دونما حاجة إلى الاعتماد على المبيدات الخطرة. وبفضل تدخلات الإغاثة والإحياء في مواعيدها، استطاعت المجتمعات الزراعية التي نكبت بالجفاف أو الأعاصير أو الفيضانات أن تقف مجددا على أقدامها.

95

ولذا تستطيع المنظمة، وهي تحتفل بالذكرى السنوية الستين لإنشائها، أن تنظر إلى ماضيها باعتزاز لما حققته من إنجازات عديدة. وأحد الإنجازات الأكثر إشراقا خلال النصف الثاني من القرن العشرين، يتمثل في إسهامات المزارعين ومربي الماشية في العالم والصيادين وأولئك الذين تعتمد سبل معيشتهم على الغابات، في تحقيق التوسع في الاقتصاد العالمي والارتفاع بمستويات المعيشة، وتلبية الطلبات على الأغذية والألياف والمساكن والحطب لسكان تضاعف عددهم ثلاث مرات. إضافة إلى ذلك، وخلال هذه الفترة، زاد متوسط المتحصلات الغذائية للفرد الواحد بنسبـــة 23 في المائة، ومنذ عام 1960، انخفضت نسبة الذين يعانون الجوع من 35 في المائة إلى 13 في المائة (في الفترة 2000-2002). وقد ساعد التوسع في الإنتاج على تخفيض أسعار السلع وبالتالي تقليص التكاليف التي يتحملها المستهلكون. وتستطيع المنظمة أن تفخر بحق بأنها اضطلعت بدورها، بما يتمشى والصلاحيات المنوطة بها، في تحقيق هذه الإنجازات الرئيسية.

96

وفي الوقت ذاته، فإن على المنظمة وأعضائها أن يعترفوا بإخفاقهم في تحقيق توقعات الآباء المؤسسين للمنظمة في مجالين رئيسيين مهمين هما:

وهناك قضايا رئيسية يتعين على المنظمة معالجتها في مسيرة القرن الحادي والعشرين، تتمثل في كيفية زيادة فعالية أعمالها مع أعضائها بغية استئصال الجوع والفقر، وكيفية زيادة مساهماتها في تلبية الاحتياجات العالمية من المنتجات الغذائية والحرجية دونما إلحاق الأذى بالاستخدام المستدام للموارد الطبيعية العالمية، سواء منها الأراضي أو المياه أو التنوع البيولوجي أو الغابات أو مواطن الصيد.

97

ففي مستهل الألفية الجديدة، روعيت هذه الاهتمامات من جانب المجتمع الدولي ككل، وأدرجت مجموعة أوسع تتكون من ثمانية أهداف إنمائية للألفية التي، إذا ما أخذت مجتمعة، تحدد الأهداف الرئيسية العاجلة للبلدان ولمنظومة الأمم المتحدة في مستهل القرن الحادي والعشرين، كما تحدد الأهداف الخاصة التي ينبغي تحقيقها بحلول عام 2015. وفي اجتماع الجلسة العامة رفيعة المستوى للدورة الستين للجمعية العامة للأمم المتحدة (مؤتمر القمة العالمي عام 2005) في 13 سبتمبر/أيلول 2005، أكد رؤساء الدول والحكومات، بشدة ومن جديد، "تصميمهم على ضمان التحقيق السريع والكامل للأهداف والغايات الإنمائية التي تمت الموافقة عليها في المؤتمرات والقمم الرئيسية للأمم المتحدة، بما في فيها ... تلك التي وصفت بأنها الأهداف الإنمائية للألفية، والتي ساعدت في شحذ الجهود لاستئصال الفقر". ووافقت البلدان على أن "تقر، بحلول عام 2006، وأن تنفذ استراتيجيات التنمية القطرية الشاملة لبلوغ الأهداف والغايات الإنمائية المتفق عليها دوليا، بما في ذلك الأهداف الإنمائية للألفية".

رابعا - مواجهة تحديات القرن الحادي والعشرين

98

من المتوقع أن يزداد عدد السكان في العالم بمقدار النصف خلال السنوات الخمسين القادمة ليصل إلى 9.3 مليار نسمة وأن يستقر في حدود 10 مليارات في نهاية القرن الحادي والعشرين. وفي العديد من البلدان، وبسبب الهجرة من الريف إلى المدن، فإن سكان الريف قد توقفوا فعلا عن النمو، وأن أعداد السكان في الريف والمدن، على المستوى العالمي، يتوقع لها أن تتساوى في عام 2006. ومن المتوقع، وخصوصا في تلك الأقاليم والبلدان التي تنخفض فيها معدلات نمو السكان، أن يزيد معدل الدخل الفردي وما يواكبه من هبوط مطرد في عدد من يعانون الفقر المدقع. ومن جهة أخرى سوف يشهد العديد من بلدان أفريقيا وأجزاء من جنوب آسيا، انخفاضا في نسبة الذين يعانون الفقر، لكن الأعداد المطلقة يتوقع لها أن تزداد حتى عام 2030، على الأقل، إذا ما استمرت الاتجاهات الراهنة.

99

وسوف تحدث هذه التغيرات في سياق تزايد الاعتماد المتبادل بين البلدان بسبب التحسينات التكنولوجية غير المسبوقة التي تحدث في نظم الاتصالات والنقل، فضلا عن النمو السريع في المعاملات الدولية. وهذا يعني أن السياسات القطرية يحتمل أن يكون لها، بصورة متزايدة، تأثير على البلدان الأخرى، مما يستدعي زيادة استيعاب طبيعة الاعتماد المتبادل، وخصوصا في قطاع الأغذية والزراعة.

المساهمة في استئصال الفقر والجوع

100

إن الهدف الأول من الأهداف الإنمائية للألفية يدعو إلى استئصال الفقر المدقع والجوع، وهذا له دلالة مهمة بشأن المنظمة، نظرا للإدراك المتزايد بأن الجوع هو سبب للفقر ونتيجة له، في نفس الوقت. وفي العديد من البلدان النامية، حيث لا تزال نسبة كبيرة من السكان تعاني نقصا مزمنا في التغذية، فان تخفيض معدل انتشار الجوع، سوف يفتح المجال لزيادة النمو الاقتصادي وتحسين التوقعات بشأن الحد من الفقر.

101

فاستئصال الجوع الذي تعذر على الإنسانية تحقيقه منذ فجر التاريخ والذي لا يزال في صلب أهداف المنظمة، يمثل بدون شك هدفا يمكن تحقيقه في هذا القرن. لكنه غير ممكن التحقيق بالمنهج الإداري المعتاد. فاستئصال الجوع يحتاج إلى إجراءات مدروسة ومنسقة على نطاق واسع جدا تقودها الحكومات وبمشاركة كاملة من المجتمع برمته. والحد من عدد الجياع في العالم يتأتى بصورة أسرع في البلدان التي تطبق السياسات التي تضمن توزيعا أكثر تكافؤا للمنافع التي يحققها النمو الاقتصادي. وفي تلك البلدان التي تتركز فيها الأسر التي تعاني انعدام الأمن الغذائي في المناطق الريفية، فإن الجزء المهم من الحل يكمن في توسيع الدخول الزراعية لصغار المزارعين وترويج التنمية خارج القطاع الزراعي. ومن جهة أخرى، فإن التركيز هنا ينبغي أن لا ينصب على تشجيع القفزات التقنية الكبيرة لدى عدد قليل نسبيا من المزارعين، بل وعلى الأقل في الفترة الأولى، على تمكين ملايين فقراء الريف من إدخال التغييرات البسيطة التي تقع ضمن إمكاناتهم وتؤدي إلى تحسينات عاجلة في سبل معيشتهم وفي تغذيتهم. وهذا يتمشى مع تفكير الآباء المؤسسين للمنظمة الذين أشاروا إلى أن "المتوسط الحسابي للتقدم يشبه المتوسط الحسابي لتجارة الحجم الكبير: حيث أن ربحا ضئيلا من المستهلك الواحد مضروبا بعدد كاف من المستهلكين ينتج ربحا كبيرا".

102

والتقدم نحو استئصال الجوع يمكن التعجيل به من خلال شبكات الأمان التي تضمن للأسر التي لا تستطيع عادة أن تنتج احتياجاتها الغذائية أو تشتريها، مستلزماتها من الطعام، وللأسر التي لديها ما يكفيها من الطعام، لكنها تتعرض بسبب الأزمات للجوع، ولا تكون مجبرة على بيع أصولها المحدودة في مثل هذه الأوقات. وشبكات الأمان هذه ربما تكون لها أهمية أكبر في البلدان التي يكون فيها الفقر وانعدام الأمن الغذائي متركزين في المناطق الحضرية. ويمكن أن تأخذ هذه الشبكات أشكالا مختلفة لكن يجب تصميمها بطرق لا تقوم على الإتكالية أو تسبب اختلالات في السوق وتحدد أهدافها بدقة بحيث يصل معظم المنافع إلى الأشخاص الذين هم في حاجة ماسة لها وحيث يمكن احتواء التكاليف.

103

وهكذا فإن استئصال الجوع، وبالتالي، تمكين الفقراء من المشاركة في العمليات الاقتصادية لا يمثل إنفاقا على الرفاه، بل هو بالأحرى، استثمارات لا يمكن لأي بلد، يطمح إلى تحقيق معدلات مرتفعة من النمو المستدام، إلا وأن يقوم بها. وأصبحت البلدان الفقيرة والغنية، على السواء، تدرك بصورة متزايدة، أن وضع نهاية للجوع على النطاق العالمي ليس مسألة حقوق الإنسان فحسب، بل هو، فضلا عن ذلك، يصب في مصالحها الذاتية، ذلك لأن هذا من شأنه أن يحقّق عالما أكثر رخاء وأمنا. وكانت رؤية الآباء المؤسسين للمنظمة أن المنظمة أنشئت نتيجة الاحتياجات المتبادلة إلى السلام وإلى التحرر من الفاقة: "التغلب على الجوع وسد الاحتياجات الأساسية لحياة لائقة ومحترمة" يجب أن يظل الهدف الأول للمنظمة.

الارتقاء بمستوى استدامة نظم الإنتاج والتوزيع

104

من حسن طالع غالبية البشرية أن الطلبات العالمية على الأغذية وعلى المنتجات الحرجية لمعظم المجتمعات قد أمكن تلبيتها بنجاح طوال مسيرة المنظمة، لكن هذا قد تحقق على حساب تكاليف بيئية واجتماعية باهظة لم تؤخذ في الحسبان في حالات عديدة أو لم تتم تغطيتها. وهي مشكلة لها أهمية خاصة في الزراعة والغابات ومصايد الأسماك نظرا لاعتمادها الشديد على استخدام الموارد الطبيعية وعلى عمل العديد من الأفراد الأشد هشاشة بين سكان العالم.

105

وهكذا فإن مساحات شاسعة من الغابات الرئيسية قد تم قطعها على نحو مدمر أو حرثها أو تحويلها إلى مراع ذات كثافة محدودة، مما أدى إلى تقليل التنوع البيولوجي والثقافي وتدمير مواطن السكان الأصليين. فقد خضعت ملايين الهكتارات، التي كانت أراض خصبة، لنظم الري لكن دون إنفاق الاستثمارات الضرورية في مجال الري والصرف، بحيث أصبحت هذه الأراضي تعاني من مشكلة التملح وأضحت غير منتجة. ويواجه العديد من البلدان نقصا حادا في المياه. وفي بلدان أخرى، أضحت الموارد المائية السطحية والجوفية ملوثة، بصورة متزايدة، بالنترات المتسربة من الأسمدة، كما أصبحت ملوثة بالمبيدات. ومن المفارقات أن نجاح المزارعين ومربي الماشية في اختيار المحاصيل والحيوانات الأفضل إنما يسهم في تآكل التنوع البيولوجي الزراعي وفي تضييق نطاق الأصناف والسلالات التي ستعتمد عليها برامج التغذية في المستقبل. وتعرضت الأرصدة السمكية البحرية للنضوب بسبب الإفراط في الصيد. كذلك تسهم انبعاثات غاز الميثان من حقول الأرز المغمورة ونظم الإنتاج الحيواني المكثف في تغير المناخ.

106

ومن النتائج المهمة الأخرى للنمو السريع في الإنتاج الزراعي الهبوط طويل الأمد في أسعار السلع. وعندما تنعكس هذه الأمور على أسعار التجزئة بالتخفيض، فإن أعدادا كبيرة من المستهلكين ذوي الدخل المنخفض يستفيدون منها. وفي الوقت ذاته، فإن هذا الانحدار طويل الأجل في مؤشر الأسعار قد أدى إلى تآكل دخول المنتجين، خصوصا في البلدان النامية، الذين لم يستطيعوا، لأسباب بنيوية ومؤسسية، تحقيق تخفيضات مماثلة في تكاليف الإنتاج. وفي السوق العالمية، يجد المزارع الذي يمتلك هكتارا واحدا من الأرض ويعتمد على الزراعة البدائية، نفسه منافسا مباشرا لمزارع يعتمد على تكثيف رأس المال ويمتلك مئات الهكتارات التي تعتمد على نظم الزراعة الآلية وغالبا ما يستفيد من إعانات الدعم ومن سائر الإجراءات التي تؤدي إلى الاختلال في الأسعار. وبالمثل، فإن محاولات بعض البلدان لحماية منتجيها من تطورات الأسواق العالمية، كالتخفيضات في الاتجاه العام للأسعار وتقلبات الأسواق، إنما تعني زيادة الأعباء على كاهل تلك البلدان والمنتجين الذين لا يستطيعون تحمل أعباء هذه السياسات. وقد ترتب على هذه الضغوط الاقتصادية والاجتماعية تأثير مدمر على العديد من المجتمعات الريفية. كذلك فإن تزايد الاعتماد المتبادل يعني أيضا أن العديد من الموارد المشتركة، قد تستغل على نحو مفرط طلبا لزيادة معدلات النمو إذا ما لم تتم إدارتها تبعا للأساليب المتفق عليها فيما بين البلدان المعنية. وهذا ينطبق على العديد من الموارد ذات الأهمية الكبرى للأغذية والزراعة، بما فيها المياه والموارد البحرية والغابات والموارد البيئية والمناخ.

107

وهذه القضايا لها أهمية كبرى بشأن الاستدامة طويلة الأجل للنظم الإيكولوجية الهشة على كوكب الأرض وعلى ظروف المعيشة، وبخاصة بشأن السكان المحليين في المناطق الريفية، ومن ثم على معيشة المجتمع الإنساني في المستقبل، كما أقر بذلك الآباء المؤسسون للمنظمة. وتستلزم هذه القضايا تنسيق الجهود مع سائر هيئات منظومة الأمم المتحدة ومع مؤسسات البحوث الدولية ومع القطاع الخاص، لإرساء نظم الإنتاج والتصنيع والتوزيع التي تكون ذات طابع مستدام، حيث أنها، رغم تلبيتها لاحتياجات جميع سكان العالم، لا تؤدي إلى إتلاف أو نضوب الموارد الطبيعية في العالم، أو التعجيل في تغير المناخ، أو إفقار المجتمع الريفي من الناحيتين الثقافية والاقتصادية.

خامسا- السنوات الستون الثانية في مسيرة المنظمة: الأولويات والفرص الجديدة

108

إذا كانت الأهداف بعيدة المدى التي أُنشئت المنظمة من أجلها لا تزال صحيحة ولم تتغير في الوقت الراهن، فإن البيئة التي تعمل فيها المنظمة، وبالتالي أولويات العمل، ما برحت تتجدد مواكبة الحاجة إلى اغتنام الفرص الجديدة. وامكانيات تعزيز المعارف وترويج اقتسامها سوف تستمر في الزيادة في السنوات القادمة بما يتماشى مع التطورات السريعة في تقانات الاتصالات. ويلزم أن يتحول التركيز نحو التأكد من أن مزايا التحضر والعولمة وسرعة تحول النظم الغذائية، تذهب إلى المستهلكين والمنتجين، على السواء، وبصورة خاصة إلى أشد أفراد المجتمع حاجة. وفي ظل ظهور مؤسسات جديدة في المجالات التي تتصل باختصاصات المنظمة، ونمو القدرات المؤسسية والمهارات في البلدان النامية، يتوجب على المنظمة أن تغير كثيرا من نهجها حرصا على تلبية مختلف احتياجات وطلبات الأعضاء. ويتيح الالتزام المتجدد بالاستثمار في القطاع الريفي سبلا جديدة للحد من الفقر ولتحقيق النمو الاقتصادي. ومن جهة أخرى، ينبغي تكثيف الجهود لمواجهة الأشكال المألوفة والجديدة من الكوارث الطبيعية وتلك التي من صنع الإنسان، وزيادة الاستعدادات لمواجهة الطوارئ إذا ما أريد للمنافع التي تحققت ألا تضيع في البلدان المعرضّة للخطر كنتيجة للنزاعات والكوارث التي يمكن أن تزيل ما تحقق من إنجازات خلال سنوات من العمل الإنمائي.

تسخير المعارف لفائدة الزراعة

109

إن التقدم في الزراعة، شأنه شأن معظم مجالات الجهد الإنساني، يتأتى نتيجة الابتكارات وانتشار وتطبيق المعارف حول كيفية إنتاج الأشياء على نحو أفضل. ولعل التعبير الأكثر دقة لهذه العملية يتمثل في انتشار أصناف المحاصيل من أماكن نشأتها إلى بقية أنحاء العالم حيث أصبحت أغذية أساسية أو مصادر مهمة لعائدات التصدير، وهي عملية اكتسبت، وما تزال تكتسب، زخمها خلال فترة مديدة من الاكتشافات في القرن الخامس عشر.

110

وأقر الآباء المؤسسون للمنظمة أن أحد المهام الأساسية للمنظمة يتمثل في إضافة قوة جديدة لعمليات اقتسام المعارف. وكتب هؤلاء "إن الوقت قد حان، عندما أصبحت هناك حاجة ماسة إلى منظمة دولية تدفع، على مستوى العالم، عجلة التقدم في المعارف العلمية وتطبيقاتها في مجالات الشؤون الإنسانية. وينبغي للمنظمة أن تنفذ هذه المهمة في مجال واسع ومهم يتمثل في ميداني الأغذية والزراعة". ولا يزال قسط كبير من أعمال المنظمة ينصب على اقتسام المعارف وبناء القدرات لاستخدام هذه المعارف. ومع ذلك فإن الكثير من هذه المعارف ذات الصلة الوثيقة والمحتملة بالزراعة ومصايد الأسماك والغابات لا تزال ذات طابع محلى وغير ميسرة على الصعيد الدولي.

111

وتتيح التطورات الملحوظة في ميدان تقانة المعلومات والاتصالات فرصا مثيرة بشأن سرعة التعجيل في تدفق المعارف وتوزيعها على نطاق أوسع وإثرائها في غالب الأحيان أثناء هذه العملية. وينبغي للمنظمة أن تستفيد بصورة كاملة من هذه التطورات في صياغة تقانة المعلومات وأساليب الاتصال بالطريقة التي توجه بها أعمالها. وإذا ما أريد للمنظمة ألا تتخلف في عالم يتزايد ترابطا، فإن عليها أن تعمل بقدر أكبر للاستفادة من الفرص الاستثنائية التي تتيحها تطورات تقانة المعلومات والاتصالات لتنظيم العمل على أساس عالمي. ومن جهة أخرى، ليس الأمر أن تصبح المنظمة مجرد وسيط للمعارف، بل عليها أن تسهم في تحقيق تفهم أفضل للأولويات بشأن توليد المعارف، خصوصا في المجالات التي قد لا تتحقق فيها منافع للقطاع الخاص، ذلك لأن من المؤكد أن تحدث هنا أكبر الفجوات.

اقتسام منافع التحضر والعولمة

112

رغم صدق التوقعات بشأن النمو السريع في المدن، إلا أن الوتيرة التي تحولت بها النظم العالمية لتجارة الأغذية أدهشت معظم المراقبين. ففي غضون سنوات قليلة، أصبحت التجارة الدولية في السلع تخضع لهيمنة عدد محدود من الشركات متعددة الجنسيات، وهناك تركيز مماثل في سلطات الشركات في ميدان تصنيع الأغذية والمدخلات الزراعية. وعلى نحو أسرع يتوالى بروز سلسلة المتاجر الكبيرة كقنوات رئيسية لتجارة الأغذية بالتجزئة لفائدة سكان المدن في البلدان المتقدمة والنامية على السواء. وتنجم عن هذا التحول أنواع جديدة من العلاقات بين المنتجين والوسطاء والمستهلكين. فإذا ما اشتغلت هذه النظم الجديدة في ظل ظروف السوق التنافسية، فإن عليها أن تقلل من تكاليف المعاملات في سلسلة الأغذية، وبالتالي تحقيق منافع مهمة للمستهلكين والمنتجين على السواء، وإن كانت هذه الظروف لا بد وأن تسبب صعوبات في الأمد القصير لتلك البلدان وأولئك السكان الذين لا يستطيعون التكيف بالسرعة الكافية مع الفرص والتعديلات الجديدة في الظروف التجارية. ومن جهة أخرى، فإن هذه المنافع لا بد من تحقيقها عندما تخضع التجارة الدولية الحرة للقيود الجمركية وغير الجمركية التي تحد من إمكانات الوصول إلى الأسواق أمام أولئك الذين يستطيعون الإنتاج في ظل المزايا النسبية، والتي تؤدي إلى زيادة مصطنعة في الأسعار التي يدفعها المستهلكون، أو تتم إعاقتها بإجراءات من شأنها أن تعرقل استيراد السلع المصنّعة، بالمقارنة مع المواد الخام.

113

ويتطلع أعضاء المنظمة، بصورة متزايدة، إلى الحصول على مساعدة المنظمة في بناء القدرات لتمكينهم من المشاركة بصورة فعالة في نظم التجارة الدولية التي تتطور وتتشابك بصورة مطردة، وتطبيق معايير الجودة لحماية المستهلكين، التي ينبغي أن تتطابق بصورة متزايدة مع المنتجات الزراعية والغذائية المسوقة دوليا. كما أن هؤلاء الأعضاء سوف يطلبون المساعدة من المنظمة في بلورة السياسات الإنمائية وسياسات المواءمة لضمان ألا تكون لعمليات التحول تأثيرات سلبية على البلدان الفقيرة، وبالأحرى أن تساعدها في التغلب على ظواهر الجوع وسوء التغذية سواء منها المزمنة أو المؤقتة. وسوف تحتاج هذه البلدان إلى التخطيط والاستثمار في البنية الأساسية الجديدة، من طرق وموانئ ونظم للتخزين، حتى تصبح أكثر قدرة على التنافس في ظروف السوق الدولية. وعلى الصعيد العالمي، فإن تصميم وتنفيذ الصكوك الدولية، كمدونات السلوك مثلا، ربما تصبح أكثر أهمية كوسيلة لكبح التصرفات التي قد لا تصب في المصلحة العامة والتي ربما تقوض التقدم الذي أحرز صوب الحد من الفقر والجوع.

ظهور مؤسسات جديدة ونمو في قدرات البلدان النامية

114

منذ إنشاء منظمة الأغذية والزراعة ظهرت مؤسسات جديدة في مجالات تتصل باختصاصاتها، مستفيدة من خبرات ومهارات متخصصة تفوق بكثير قدرات المنظمة ذاتها. وبعض من هذه المؤسسات جزء من النظام الدولي، وبعضها الآخر نشأ في الجامعات، كما حدث توسع سريع في الاستثمارات المكرسة للبحوث والتطوير في نطاق القطاع الخاص. وتبعا لذلك، هناك عدد من الموضوعات التي ينبغي للمنظمة بشأنها أن تحول أسلوب عملها من محاولة تبؤ مركز القيادة، إلى إرساء روابط متينة مع مراكز الخبرة الرفيعة هذه وفيما بينها، بما يتفق مع دورها وميزتها الخاصة بوصفها عاملا حفازا للتنمية.

115

وظهور منظمات التكامل الاقتصادي الإقليمية وشبه الإقليمية يتيح، بدوره، فرصا أخرى للمنظمة لإقامة شراكات توسع من دائرة تأثيرها. ومنظمات التكامل الاقتصادي هذه اكتسبت درجة عالية من النفوذ السياسي وأصبحت، في الكثير من الحالات، أطرافا فاعلة مهمة في التنمية الزراعية والأمن الغذائي وتيسير التجارة؛ كما أنها تتمتع بميزة نسبية فيما يتصل بمعالجة القضايا العابرة للحدود، بما فيها تلك المتعلقة بتنسيق السياسات. فبات لزاما على المنظمة أن تهيئ نفسها، خاصة من خلال مزيد من اللامركزية، لتعزز من تعاونها مع هذه المنظمات.

116

وما استجد من تغييرات، أشير إليها آنفا، في أدوار كل من الدولة والقطاع الخاص والمجتمع المدني، تستلزم من المنظمة أن توسع وتعمق من روابطها بما يتجاوز شركاءها التقليديين في القطاع العام، والعمل بمزيد من الفعالية مع المنظمات غير الحكومية والقطاع الخاص والبرلمانيين وغرف الزراعة والتجارة ووحدات الحكومات المحلية والرابطات المهنية والزعماء الدينيين. وتجسد هذا التحرك، في شراكة مع الصندوق الدولي للتنمية الزراعية وبرنامج الأغذية العالمي والمعهد الدولي للموارد الوراثية النباتية، ومع المنظمات غير الحكومية الدولية، في قيام "التحالف الدولي ضد الجوع" وما يقدمه من دعم للتحالفات الوطنية ضد الجوع في البلدان النامية والمتقدمة معا.

117

وأخيرا، هناك نمو هائل في المهارات الفنية والقدرات المؤسسية في جميع البلدان النامية تقريبا. وإلى جانب التقليل من الطلب على المساعدة الفنية طويلة الأجل والتي تنطوي على أفرقة كبيرة من الخبراء المعينين دوليا، فإن هذه التطورات فتحت آفاقا باهرة أمام توسع برامج التعاون بين بلدان الجنوب ويسرت من زيادة التدريب المشترك بين البلدان وفرص البحوث التعاونية. كما أنها بدلت من توليفة المهارات التي قد ترغب البلدان في الاستفادة منها عندما تتطلع للحصول على المساعدة المقدمة من المنظمة.

تجديد الالتزامات تجاه الاستثمار في الريف

118

بعد سنوات عديدة من تراجع الاستثمارات في التنمية الزراعية والريفية من جانب حكومات البلدان النامية ومؤسسات التمويل الدولية والجهات المانحة، يبدو أن هذه الموجة قد أخذت تتغير. ففي يوليو/تموز 2003، على سبيل المثال، التزم رؤساء دول الاتحاد الأفريقي، بموجب إعلان مابوتو بشأن الزراعة والأمن الغذائي، بأن تخصص بلدانهم "ما لا يقل عن 10 في المائة من مواردها المالية الوطنية" لتنفيذ البرنامج الشامل للتنمية الزراعية في أفريقيا، في إطار الشراكة الجديدة من أجل التنمية في أفريقيا (نيباد). وفي الأقاليم الأخرى التي تشمل بلدان البحر الكاريبي والمحيط الهادي وكذلك آسيا وأمريكا اللاتينية والشرق الأدنى في مجموعة دول أفريقيا والبحر الكاريبي والمحيط الهادي، فإن المنظمات الإقليمية بدأت في وضع برامج من شأنها ضمان إفادة المناطق الريفية بنسبة أكبر من منافع الاستثمارات الإنمائية. وعلى الصعيد الدولي، وفي أعقاب اتفاق مونتيرى، الذى انبثق عن المؤتمر الدولي لتمويل التنمية في مارس/آذار 2002، حدد إعلان جلينجيل، الذى أصدرته مجموعة الثمانية في نهاية اجتماعها في يوليو/تموز 2005، التزامات العديد من البلدان المتقدمة، بما فيها البلدان الخمسة والعشرون في الاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى اليابان وكندا، بمضاعفة معوناتها خلال خمس سنوات. وتوصل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، خلال اجتماعاتهما في سبتبمر/أيلول 2005 إلى اتفاق يقضى بإلغاء الديون المستحقة لهاتين المؤسستين على 18 بلدا ناميا، وإتاحة الفرصة لتوسيع ترتيبات مماثلة لتشمل عددا آخر من البلدان الأشد فقرا.

119

ولقد كان التقليل من أهمية مساهمة الزراعة والغابات ومصايد الأسماك في التنمية المستدامة سائدا لأمد طويل. ولذا كان تشجيع زيادة الاستثمار في هذه القطاعات محورا رئيسيا لأعمال الترويج التي قامت بها المنظمة خلال العقد الماضي، وشملت مناسبة العيد الخمسين للمنظمة في مدينة كيبيك عام 1995، ومونتيري في 2002، ومابوتو في 2003، والمجلس الاقتصادي والاجتماعي للأمم المتحدة عام 2005. وفي ظل بوادر توقف الاتجاه الانخفاضي في الموارد أخيرا، أصبح على المنظمة أن تكون مهيأة على نحو أفضل لمساعدة أعضائها على حشد هذه الاستثمارات الإضافية وموارد المساعدة الفنية والاستفادة منها على أفضل وجه، موجهة جهودها بصورة أكثر تحديدا نحو مساعدة البلدان النامية على صياغة سياسات واستراتيجيات للتغلب على مشكلات الفقر وانعدام الأمن الغذائي الملحة التي تواجهها، ولحشد الموارد محليا وخارجيا لتنفيذ البرامج على نطاق ملائم.

120

وينبغي للمنظمة أن تكون قادرة على المشاركة بفعالية في مساعدة البلدان على رسم استراتيجيات الحد من الفقر التي تراعي الإسهامات الرئيسية للقطاع الزراعي والتحسينات في الأمن الغذائي للحد من الفقر وتحقيق النمو الاقتصادي، وفي إدخال إصلاحات السياسات ذات الصلة وفي إعداد البرامج الوطنية للأمن الغذائي ضمن النسق الأوسع للبرامج لتحقيق الأهداف الإنمائية للألفية. وينبغي أن يتواكب ذلك مع التحول في علاقات المنظمة بالجهات المانحة، متعددة الأطراف والثنائية، حيث يتركز الاهتمام على تطوير الشراكات لبلوغ الهدف المشترك المتمثل في زيادة الموارد الإضافية للزراعة والأمن الغذائي في البلدان الأعضاء بدلا من البحث عن موارد من خارج الميزانية تذهب بصورة رئيسية إلى برامج المنظمة ذاتها.

الحد من تأثير الكوارث والاستعداد الجيد لمواجهة الطوارئ

121

أصبحت حالات الطوارئ، التي تؤثر على الزراعة وتوافر الأغذية، أكثر تواترا وأوسع نطاقا في هذا القرن. وهذا يرجع، جزئيا، إلى تدهور النظم الايكولوجية بفعل الإنسان، من ذلك مثلا، تدمير الحزام الساحلي للمنغروف من أجل تربية الأربيان على نحو مكثف أو إنشاء العقارات، بما يجعل المجتمعات المحلية الساحلية أكثر عرضة للعواصف، أو لتدهور المراعى عن طريق الإفراط في الرعي مما يفسح المجال للتصحر. ويتوقع العديد من مراقبي التغير المناخي تغيرات قصوى في الظواهر والأحوال الجوية فضلا عن تغيرات طويلة الأجل في أحوال الطقس، الأمر الذي يقتضي تعديلات جوهرية في نظم الزراعة في العديد من أقاليم العالم. إضافة إلى ذلك، فان عملية العولمة، وخصوصا الزيادة السريعة في عدد الأشخاص الذين يسافرون لمسافات بعيدة، وانتقال السلع عبر الحدود والبحار، كل ذلك يعجل من انتشار الآفات والأمراض الحيوانية والنباتية فضلا عن الأصناف الغازية سواء منها الأعشاب أو الأسماك الهلامية، الأمر الذي يمكن أن يتضاعف، وبسرعة كبيرة، في ظل عدم وجود الأعداء الطبيعيين. ويكون تأثير الصدمات على الإنسان على أشدّه عندما يفتقر البشر إلى المقاومة بسبب فقرهم أو انعدام الأمن الغذائي لديهم. ولذا فإن الاستثمارات التي تعالج الأسباب الجذرية لهشاشة أوضاعهم كفيلة بتقليص نطاق حالات الطوارئ والتكاليف الضخمة لمعالجتها عندما تحدث الكوارث.

122

وسوف تواصل المنظمة الدعوة للاستجابة لحالات الطوارئ هذه. وتكمن مزيتها النسبية الأهم في تحسين التنبؤات والرصد المبكر، وإن أمكن، الوقاية، خصوصا عند التصدي للتهديدات التي تتخطى أثارها نطاق الحدود إلى العالمية، والتي تتطلب حلولا دولية. وأصبحت الدول الأعضاء تدرك، على نحو متزايد، أن الإجراءات الوقائية في موعدها هي أقل تكلفة بكثير وأقل إثارة للاضطرابات الاجتماعية بدلا من السماح بظهور مشكلات، كحالات النقص في الأغذية أو مرض الحمى القلاعية أو الجراد الصحراوي أو أنفلونزا الطيور، فعندما تتراكم يتسع نطاقها فيهدد الحياة ويستلزم تدخلات باهظة التكاليف تترتب عليها خسائر اقتصادية جسيمة. بيد أن هذا الإدراك لا يزال في حاجة إلى تمويل لاتخاذ الإجراءات الوقائية على النطاق المطلوب.

الخلاصة

123

إذا ما حظيت هذه المقترحات بدعم من أعضاء المنظمة خلال المؤتمر العام في نوفمبر/تشرين الثاني 2005، فإن المدير العام يكون ملتزما تماما بتنفيذها بسرعة، علما بأن سرعة التنفيذ إنما تعتمد كثيرا على مدى توافر الأموال.

124

وتهدف المقترحات إلى تعزيز قدرات المنظمة في تحقيق توقعات الآباء المؤسسين، في ظل بيئة عالمية تختلف كثيرا عن تلك التي كانت سائدة عام 1945. وسوف تدعم الإصلاحات مقدرة المنظمة على الاستمرار في الاضطلاع بدور أساسي وبالغ الأهمية لتحقيق عالم أفضل. ومن المأمول أن تساعد هذه الإصلاحات في التأكد من تزويد المنظمة بالموارد اللازمة للاضطلاع بالمسؤوليات المنوطة بها والوفاء بالتزاماتها لدولها الأعضاء. لكن وتيرة التغيير في البيئة العالمية سريعة ويصعب التنبوء بها. وسوف تتأثر هذه العملية بعمليات أخرى واسعة لإصلاح الأمم المتحدة، كما سوف تتأثر بالنتائج التي توصل إليها التقييم الخارجي المستقل للمنظمة الذي طالب به مجلس المنظمة. والمدير العام واثق من أنّ تنفيذ المقترحات الحالية سوف يؤدى إلى خلق سياق مشجّع أكثر لكلتا العمليتين وسيزيد من قدرة المنظمة على تنفيذ الاستراتيجيات وبلوغ الأهداف التي حددها الأعضاء للمنظمة أو التي سوف يتم تحديدها في المستقبل.

125

وكل هذه الإصلاحات تنفذ في عالم يتزايد فيه الاعتماد المتبادل، حيث أن رفاه الأمم ورفاه شعوبها في المستقبل أمران مترابطان لا فكاك بينهما. فالخيارات التي يطبقها المستهلكون في طوكيو، وباريس، ونيويورك تؤثر في نهاية المطاف على سبل معيشة مزارعي الشاي في مرتفعات سرى لانكا ومزارعي الخضر في كينيا ومنتجي البن في نيكاراغوا. وانتشار ظاهرة الفقر والجوع في البلدان النامية يجعل ملايين من السكان شديدي التعرض للصدمات سواء منها الطبيعية أو التي من صنع الإنسان، ويكوّن مرتعا خصبا لبروز التقلبات السياسية والنزاعات واختلال الأسواق الدولية واضطرار أعداد غفيرة من السكان للبحث عن حياة أفضل في خارج حدود بلدانهم. وما من شيء أوضح من أن تكون هناك مصلحة مشتركة، وليس مجرد التزام أخلاقي، لجميع الأمم في العالم، لكي تضع حدا للفقر المدقع الذي لا يزال يؤثر في العديد من إخواننا من البشر طوال مسيرة حياتهم.

126

وفي واقع الأمر، وبسبب هذا الاعتماد المتبادل، فإن التأثير النهائي لعمل المنظمة سوف يتحدد على نحو كبير، بما يحدث خارج نطاق المنظمة في ظل البيئة الإنمائية الواسعة، خصوصا في مجالات المعونة والتجارة. والوتيرة التي يمكن بها استئصال الجوع في العالم سوف تتأثر بالمدى الذي تتوجه به الموارد المحلية والدعم الدولي على السواء، وبصورة متزايدة، صوب التصدي للأسباب الجذرية للمشكلة بما يتكافأ مع حجمها. ومن المأمول أنه، عندما تتحدد الأزمات الوشيكة، يصبح بالامكان التصدي لها من خلال الاستجابة في الوقت المناسب بدلا من انتظار صور الأطفال على الشاشات التليفزيونية، وهم على شفير المجاعة، عندما تبث في جميع أنحاء العالم لتكون حافزا لمساعدة إنسانية واسعة النطاق تقدم بتكاليف لوجستية باهظة. وإذا ما اتبع نفس المنهج الوقائي في مكافحة الآفات والأمراض النباتية والحيوانية العابرة للحدود، فإن هذا من شأنه أيضا ضمان الوقاية من التلف والضياع ومن إلحاق خسائر ضخمة ودمار شديد بمصادر رزق ومعيشة الفقراء.

127

وإذا ما تواكب مثل هذا التغيير في توجيه الموارد صوب الأسباب الجذرية للأوضاع الهشة مع تغييرات أيضا في العلاقات التجارية بغية توفير ظروف أكثر تكافؤا، فإن التقدم نحو بلوغ رؤية الآباء المؤسسين للمنظمة سوف يتحقق بوتيرة لا سابق لها. والحاجة إلى هذا الأمر تكمن في تعقيب هيئة أفريقيا "بأن لوائح التجارة تطبق بصورة مضطربة"، كما تكمن في توصيتها التي تقضي بأن "الإصلاحات في أسلوب عمل منظمة التجارة العالمية، وفي تصرف بلدانها المتقدمة الأعضاء، تعتبر أمورا حاسمة أيضا إذا ما أريد توسيع امكانات الوصول إلى الأسواق". والتحركات الملموسة صوب افتتاح الأسواق، ليس أمام المواد الخام فحسب بل وأيضا أمام السلع المصنعة ذات المنشأ الزراعي، سوف تكون لها تأثيرات عميقة على سبل معيشة السكان، خصوصا أولئك الذين يعيشون في البلدان الأشد حرمانا، وهي بلدان العجز الغذائي ذات الدخل المنخفض، وأقل البلدان نموا، والبلدان النامية غير الساحلية، والدول النامية الجزرية الصغيرة، والتي سوف تركز عليها المنظمة، بصورة متزايدة، برامجها المتعلقة بالأهداف الإنمائية للألفية. وهو أمر حيوي لتلافي بروز وضع تتراجع فيه الأهداف الإنمائية للألفية إلى الوراء، كما حذرت الهيئة، وحيث "يواجه الرباط المتين بين الأغنياء والفقراء، في عصرنا، مخاطر التحول إلى خداع شديد، لا سابق له، من جانب الأغنياء للفقراء".

128

ولا يمكن أن تكون هناك رسالة أهم لمؤسسة عالمية من تلك الرسالة التي تضمن كفاية الإمدادات الغذائية العالمية لكافة سكان العالم، حاضرا ومستقبلا. وقد أكد الأعضاء من جديد، في مدينة كيبيك، عام 1995، أثناء الاحتفال بالذكرى السنوية الخمسين لتأسيس المنظمة، دعمهم السياسي للمنظمة في الاضطلاع بمهمتها للمساعدة في بناء عالم يستطيع فيه جميع السكان أن يعيشوا بكرامة وعلى يقين من أمنهم الغذائي. وأطلق مؤتمر القمة العالمي عام 2005 عملية اتفقت فيها جميع الأمم على أن هناك مصلحة مشتركة في رؤية نهاية للفقر والجوع، وأنه يجب توريث الموارد الطبيعية غير التالفة للأجيال المقبلة. وهناك إحساس جديد بالتصميم على المشاركة في برامج عملية واسعة النطاق للحد من الفقر. والمنظمة، وهي تعكف على تنفيذ الإصلاحات المقترحة، سوف تنوه إلى قوة التزاماتها بالعمل، ضمن اختصاصاتها وصلاحياتها، وبالمشاركة مع سائر المؤسسات ضمن منظومة الأمم المتحدة وخارجها التي تشاطرها نفس الأهداف، وستؤدي دورها الذي يليق بمكانتها في إطار هذا الجهد العالمي المتجدد.


الصفحة السابقة أعلى الصفحة الصفحة التالية