SDW-801/3





المشاورة رفيعة المستوى المعنية بالمرأة الريفية والمعلومات

روما، 4-6/10/1999

قضايا الجنسين في مجال نظم حيازة الأراضي

أولا - مقدمة

1- تسعى هذه الوثيقة(1) إلى تسليط الضوء على قضايا الجنسين المتصلة بحيازة الأراضي وإدارة الأراضي والتي تستدعي وضع إطار للسياسات يعالج التحديات الإنمائية والتغيرات الديموغرافية التي تشهدها المجتمعات الريفية. وقد تضافرت الآثار المجتمعة لزيادة السكان والتوسع العمراني والهجرة إلى المدن لتحدث تغييرا تدريجيا في خصائص معظم المجتمعات الريفية في العالم من حيث نسبة الرجال والنساء في أفرادها وتوزعهم على فئات العمر المختلفة. وقد وجدت البحوث التي نفذتها المنظمة مؤخرا أنه ليس من الأمور الاستثنائية على الإطلاق أن تشكل الأسر التي تعولها النساء من الناحية الفعلية نسبة كبيرة (25 في المائة أو أكثر بل هى تشكل الأغلبية في بعض الأحيان) من مجموع الأسر المعيشية الريفية في مناطق معينة، وأن تسهم نساء العالم بما يربو على 40 في المائة من القوى العاملة الزراعية - وهو نمط يلاحظ في جميع الأقاليم ويتسع نطاقه باطراد. وأسباب ذلك النمط ليست مجهولة كلها، فهى تتعلق بافتقار سكان المناطق الريفية إلى المستويات الكافية من الاستثمارات والفرص. فالمراكز الحضرية كانت هي "محرك" النمو في جميع البلدان الأعضاء في المنظمة. وقد "اجتذبت" الهجرة إلى هذه المراكز الذكور من مهنهم ومن مجتمعاتهم الريفية بدرجة تفوق إلى حد بعيد اجتذابها لنساء الريف. وتعبر الخصائص الديموغرافية الريفية عن هذا التواؤم الدينامي مع التغيرات والفرص الاقتصادية، حيث يغلب عليها عنصر النساء أو الأطفال (بالإضافة إلى كبار السن/ المتقاعدين).

2- وهذه الحقائق معروفة حق المعرفة وقد بحثها المشاركون في هذه المشاورة في المناقشات التي أجروها بشأن السياسات. وقد أشار مؤتمر القمة العالمي للأغذية، الذي عقد في آونة أخيرة (روما، 1996)، إلى أننا إذا أردنا أن نلبي الاحتياجات الغذائية للعدد المتوقع لسكان العالم (المؤتمر الدولي للسكان والتنمية، القاهرة، 5-13/9/1994) بالإضافة إلى استئصال الجوع الذي يعاني منه نحو 800 مليون نسمة لا يحصلون على كفايتهم من الغذاء، فإن علينا أن نزيد ونحسن إنتاج الأغذية وتوزيعها. غير أن مؤتمر الأمم المتحدة الثاني المعني بالمستوطنات البشرية (الموئل الثاني)، الذي عقد في استنبول في يونيو/ حزيران 1996، قد سلط الضوء على أن المدينة هي التي تجتذب الاستثمــارات والسكان على حد سواء. فأغلبية سكان العالم سيعيشون عما قريب في المدن - وهو اتجاه ما برحت وتيرته تتسارع.

3- وانعكاسات هذه التطورات على سياسة حيازة الأراضي الزراعية انعكاسات واضحة الدلالة. إذ ستتزايد المطالب المفروضة على سكان الريف والمتمثلة في إنتاج كميات تتزايد باستمرار من أغذية ذات جودة أعلى اعتمادا على قاعدة من الأراضى تتقلص باطراد، حيث تضيع كل عام ملايين الهكتارات من أجود الأراضي الزراعية من جراء التوسع الحضري والصناعي، ونتيجة تدهور البيئة. وفي الوقت نفسه، تقع مسؤولية مواجهة هذا التحدي على عاتق المجتمعات الريفية التي تغلب عليها في أحيان كثيرة الأسر المعيشية التي تعولها النساء والأطفال، سواء من الناحية الفعلية أو من الناحية القانونية. وكثيرا ما تتحمل النساء في الأسر التي يترأسها الذكور المسؤولية الرئيسية عن إنتاج الأغذية في حين يركز الرجال عادة بقدر أكبر على المحاصيل النفطية. وتتجاوز أدوار النساء في إنتاج الأغذية، في أحيان كثيرة، مجرد توفير القوى العاملة وتشمل النهوض بمسؤوليات رئيسية عن تنظيم عمليات الانتاج - كالاستعانة بالقوى العاملة الإضافية، واستئجار الخدمات المميكنة، بالإضافة إلى تخزين المحاصيل أو بيعها أو التحكم في استخدامها. أي أنهن بعبارة أخرى "مزارعات يعملن لحسابهن الخاص".

4- وقد استرعى مؤتمر قمة آخر عقدته الأمم المتحدة مؤخرا انتباه العالم إلى ذلك العنصر الجوهري الآخر لتلك "البؤرة الساخنة" الآخذة في الظهور في مجال السياسات. فقـد جعل مؤتمـر القمة العالمي للمرأة(2) - على نحو واضـــح لا لبس فيه - من المستحيل تجاهل الحقيقة التى تقول إن المرأة تعاني اليوم في معظم المجتمعات من عدم التكافؤ الشديد في فرص الحصول على الأراضي الريفية وما يرتبط بها من موارد (مثل المياه، والنباتات الخشبية، والموارد السمكية، وما إلى ذلك) وفي التحكم فيها.

5- ومن ثم لا يلوح أمل يذكر في تحقيق الهدف الذي حدده مؤتمر القمة العالمي للأغذية بخفض عدد من يعانون من النقص الشديد في التغذية إلى نصف مستواه الحالي قبل عام 2015، بغير معالجة قضية طبيعة حقوق النساء في الحصول على الموارد الريفية والتحكم فيها. فأولا، يعد إنتاج الأغذية بحكم طبيعته نشاطا طويل الأجل ويتطلب أمانا ماديا وقانونيا يتمتع به المنتجون الزراعيون، سواء كانوا رجالا أو نساء. كما يقتضي استخداما فعالا للموارد وانتفاعا عادلا ومأمونا بالمرافق والخدمات الأساسية مثل الري، والنقل، والتعليم، والائتمان/ الخدمات المالية، والأسواق، التي يرتكز عليها الاستعمال الفعال للأراضي وتحسين التكنولوجيا الزراعية.

6- واعترافا بتعقد المسألة، تسعى هذه اللمحة العامة الموجزة إلى عرض أهم القضايا المتصلة بمعالجة وضع سياسة منصفة في مجال حيازة الأراضي، وذلك في ضوء الأدوار متزايدة الأهمية التي تنهض بها النساء في إنتاج الأغذية وإدارة الموارد الريفية، وأنواع المعلومات اللازمة لتحديد أهداف جديدة في مجال السياسات. أي أن هذه الوثيقة تركز باختصار على المبررات والفرص التي تتطلب تعزيز حقوق النساء في الأراضي والموارد الطبيعية الأخرى، مع تسليط الضوء على ما يلي:

ثانيا - آخر التطورات بشأن إصلاح نظم حيازة الأراضي، وتصحيح الأوضاع في مجال السياسات الإنمائية

7- انطوت التحولات الاجتماعية والاقتصادية والمؤسسية المطبقة في هذا القرن على تطبيق نماذج متباينة لحيازة الأراضي الزراعية وتوزيع الموارد الريفية تراوحت بين الجمعيات التعاونية والمزارع الجماعية والخصخصة، وبين الحيازات الفردية الصغيرة والمشروعات الزراعية التجارية متعددة الجنسية. وقد حقق كل نظام من هذه النظم الاجتماعية الاقتصادية درجات متفاوتة من النجاح والفشل عند تطبيقه في الظروف المحلية. غير أن أهم الدروس المستفادة في هذا الصدد تشمل ما يلي:

8- والبحوث التي أجريت مؤخرا عن العلاقة بين حقوق الملكية والاستخدام الفعال للمستحقات ذات الصلة لم تؤد إلى تغيير فهمنا لديناميات التنمية المستدامة فحسب، بل كانت من الأسس التي ارتكزت عليها النماذج المعاصرة للنمو الاقتصادي والإدارة السليمة. وهذا أمر لا يثير الدهشة بوجه خاص بالنظر إلى أن المجتمعات التي تتمتع بحقوق ملكية معترف بها على النحو الواجب هي المجتمعات التي تزدهر على المستويين الاقتصادي والاجتماعي.(3) وقد تطورت المفاهيم والأدوات التكنولوجية والقانونية لمساندة وتعزيز حقوق السكان القائمة والجديدة بفضل التعلم من الخبرة المكتسبة خلال القرنين الماضيين. وتشمل الترتيبات المؤسسية نظم تسجيل الأراضي ومسحها عقاريا، ونظم تقدير القيمة وتحديد الضرائب، وتخطيط استخدام الأراضي والرقابة عليه، بالإضافة إلى الآليات الأخرى اللازمة لخلق أسواق فعالة للأراضي والائتمان.

9- ولكن ينبغي ملاحظة أن هناك قدرا كبيرا من اللبس بين خبراء التنمية الذين لم يواكبوا منحنى التعلم الذى تطور بوتيرة بالغة السرعة أثناء الربع الأخير من القرن، وذلك بشأن أهمية إدراج وتعزيز نظم حيازة الأراضي - التي تدعى النظم "العرفية" أو "التقليدية" - في إطار الإدارة الحديثة للأراضي(4). ويتيح الاستخدام المعاصر لنظم المعلومات المتعلقة بالأراضي، التي تستند إلى البيانات المكانية للبنية الأساسية، معالجة الحقوق التقليدية لحيازة الأراضي بنفس السهولة التي تعالج بها الاتفاقات التعاقدية التجارية في مجال استخدام الأراضي. والنقطة الجوهرية في هذه المناقشة هي أنه ليس هناك ما يدعو - لدى الإشارة إلى تصحيح الأوضاع "الحديثة" في مجال حيازة الأراضي - إلى افتراض أن الأشكال التقليدية لا يمكن معالجتها بسهولة. ويشير استخدام كلمة "حديثة" في هذه الحالة إلى تكنولوجيا حقوق التسجيل والمعاملات، لا إلى أي تبعية خاصة إزاء أي ثقافة محددة أو نموذج قانوني معين في تعريف هذه الحقوق(5). ولكن ينبغي الاحتراس من اللبس في هذا الصدد. ذلك أن النظم التقليدية لحيازة الأراضي تتكيف في أحيان كثيرة مع ظروف السوق/ الاقتصاد المعاصرة ذات الوتيرة السريعة بمعدل أبطأ وبطريقة أصعب من تكيف النظم "الحديثة" المستندة إلى الحقوق المكتوبة، خاصة لأن هذه النظم الأخيرة تتمتع بآلية تحديثية تفتقر إليها النظم التقليدية للحقوق غير المكتوبة، ألا وهى سن القوانين، والمراسيم، والتدابير القانونية الجديدة التى تدمج الممارسات الاجتماعية القائمة بالفعل. ويتيح هذا إضفاء الطابع المؤسسي بمزيد من السرعة على إدارة الحقوق والالتزامات الجديدة من جانب أعضاء المجتمع لدى استخدام وحيازة الموارد. ومن ثم فإن هناك احتياجا خاصا، لدى إصلاح سياسات حيازة الأراضي الذي يتناول المؤسسات التقليدية أو العرفية، إلى اتباع مناهج قائمة على المشاركة.

10- فحقوق الملكية لا يمكن أن تضطلع بدور اقتصادي ذي شأن كبير عندما تكون الوسائل المؤسسية لاستخدام هذه الحقوق في تعزيز نشاط الإنسان وسائل ضعيفة أو غائبة. والواقع أن المطلب العالمي بكفالة حقوق مضمونة وواضحة في الموارد الطبيعية قد جعل من الأولويات المطروحة على كل دولة عضو في المنظمة أن تحدث نظمها الإدارية القائمة في مجال حيازة الأراضي. ومن ثم، أصبح تبسيط الإجراءات والعمليات الإدارية والقانونية والفنية، بما في ذلك إدارة المعلومات المتعلقة بالأراضي باستخدام تقنيات رسم الخرائط وحوسبة سجلات الأراضي، من المسائل ذات الأولوية في كل بلد ممثل في هذه المشاورة.

11- ومن الواضح أن واحدة من أقوى الصلات بين العمل الحكومي والتنمية إنما تتمثل في القدرة على معالجة فرص الحصول المنظم على الممتلكات والموارد الطبيعية للمجتمع. والواقع أن طبيعة العلاقات الاجتماعات والسياسية والاقتصادية التي تحدد من الذى يملك شتى أنواع الحقوق فى الموارد المختلفة، ومدة سريانها، والأغراض التي تتوخاها، هي التي تشكل مؤسسات حيازة الأراضي. وتحتاج مؤسسات حيازة الأراضي إلى دعم حكومي قوي لتيسير كل من الإدارة السليمة والمشاركة الديمقراطية من خلال توزيع حقوق الملكية على نطاق واسع. والحصول على الموارد، بما يشمله من حصول على موارد الأراضي، الذي يستجيب لقضايا الجنسين وللاعتبارات العرقية والطبقية، يعد في آن واحد حافزا رئيسيا وآلية أساسية لتعزيز المشاركة الديمقراطية، لأن حقوق الملكية تعطي الأفراد وأعضاء عائلاتهم وأسرهم المعيشية القدرات الاجتماعية والاقتصادية والقانونية التي لا يستطيعون التمتع بها دون هذه الحقوق. ويعد تمتع الأسر المعيشية الريفية بهذه القدرات المتزايدة شرطا جوهريا في السعي إلى تحقيق الأمن الغذائي.

12- وإذا ما كان للتركيز الراهن على تحقيق اللامركزية في إدارة الموارد أن يحقق الأهداف الإنمائية المنشودة، فيجب أن يتمتع السكان المحليون بالقدرة على استهلال أنشطة جديدة في الأراضي. ويفرض هذا الأمر على راسمي السياسات والخبراء الفنيين أن يركزوا مجددا على الأسرة المعيشية وعلى كل فرد من أفرادها على حدة. لكن هيكل العائلة يطرأ عليه، كما سلف الذكر، تغير سريع في كل المجتمعات تقريبا ولكن أيا ما كان الشكل الجديد الذي سيتخذه هذا الهيكل - من ترتيبات الأسرة الزواجية الأساسية إلى العائلات الممتدة والمجتمعات المحلية الأوسع نطاقا- فإن العائلة ستظل هي الوحدة الاقتصادية والاجتماعية الأساسية للتنمية.(6)

13- ومن الدروس المريرة المستفادة من تجربة أشكال مختلفة من أنماط المزارع الحكومية، والجماعية، ومزارع الشركات خلال ما يربو على خمسة عقود هي أن هذه الأنماط لا يمكن أن تحل محل مزرعة العائلة (بالمعني الأوسع نطاقا المستخدم في هذه الوثيقة) إذا ما أردنا تحقيق إنتاج كاف من المواد الغذائية الأساسية(7). ويعزى هذا إلى ما يشار إليه بالكثافة الإدارية المتاحة في المزرعة العائلية للأسرة المعيشية. غير أن درجة استعداد العائلات لممارسة إمكاناتها فيما يتعلق بالكثافة الإدارية ستعتمد إلى حد كبير على نوع ترتيب حيازة الأراضي الذي تعمل في ظله. ويتعين أن تضمن السياسات تمتع وحدة الأسرة المعيشية (ومن تضمهم من رجال ونساء) بفرص مضمونة في الحصول على وسائل الإنتاج/ أو فرص العمل التي تشكل استراتيجياتها لتوليد الدخل وتحقيق الأمن الغذائي. ولما كانت الأجور تعد في أحيان كثيرة أجورا موسمية ومصدرا تكميليا للدخل في مناطق زراعة الكفاف في كثير من البلدان النامية، فإن سبل حصول جميع العائلات (بما في ذلك المزارعون الحضريون) حصولا منصفا على الأراضي ومنافعها يعد أمرا هاما بوجه خاص للأمن الاقتصادي.

14- والإدارة السليمة لحيازة الأراضي لا يناط بها ضمان الصلاحية الاقتصادية فحسب، بل أيضا ضمان الاستدامة البيئية لسياسات الأراضي. والرعاية السليمة للأراضي تقتضي المساءلة، والمساءلة تتطلب مسؤوليات واضحة، والمسؤوليات تنبع من الحقوق. وكيفية تخصيص حقوق الملكية، ومن ثمة تحديد المسؤوليات، في مجال الأراضي والموارد الطبيعية داخل المجتمع تنطوي على بعد بيئي هام. فإذا حرمت بعض قطاعات المجتمع (مثل جنس أو طبقة أو عرق ما) من فرص الحصول المضمون على الأراضي، فإن الاحتياجات الفردية والعائلية قصيرة الأجل ستطغى على أهداف الاستدامة الأطول أجلا. ولن تتوافر حوافز تذكر تشجع على الاستثمار في الأراضي، ولا مساءلة تذكر فيما يتعلق بالمحافظة على هذه الأراضي بطريقة مستدامة. وسرعان ما سيستعاض عن "الاستدامة المقننة" (وذلك مثلا من خلال القوانين المناهضة لإزالة الغابات والرعي الجائر) بقرارات تحقق أغراضا ظرفية قصيرة الأجل من الناحية الفعلية على المستوى المحلي. وتعبر عن هذه الحقيقة تعبيرا بليغا صورة المرتفعات المجردة من غطائها الشجري الذي أزاله المزارعون المعدمون في سعيهم لتوفير مقومات الكفاف. وقد تعلمت معظم البلدان أن توفير الأمن في مجال حيازة الأراضي لهؤلاء المزارعين الغازين يجعلهم يتحلون بروح الاستجابة والتعاون في تنمية نظم الإنتاج الزراعي الحرجي متعددة الأغراض.

ثالثا - لماذا يعد الوعي بقضايا الجنسين في مجال حيازة الأراضي أمرا هاما ؟

15- لقد استحدثت جميع المجتمعات الزراعية، من الناحية التقليدية، وسائل مؤسسية للاعتراف بحقوق المرأة في الانتفاع بالأراضي الزراعية وللدفاع عن هذه الحقوق. وقد عرفت الأديان والقوانين العرفية، بالإضافة إلى التشريعات والمحاكم، هذه الحقوق والالتزامات المقررة. غير أن القوانين التقليدية تعجز في أحيان كثيرة عن ملاحقة الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي تناقشها هذه الوثيقة، وهي ظروف تتطور بدينامية أكبر. فالهياكل الاجتماعية التقليدية عليها أن تتكيف بصفة مستمرة كي تساند بصورة وافية الوحدات العائلية غير التقليدية في بيئة تشهد تطورا سريعا. فقد وجدت مثلا بعض الاستقصاءات التى ساندتها المنظمة مؤخرا أن ما يربو على 60 في المائة من دخل الأسر المعيشية الزراعية القابل للصرف في منطقة السهل يأتي من عمل غير زراعي؛ وقد لوحظت اتجاهات مماثلة في أمريكا اللاتينية. أما في آسيا فإن هذا الدخل يأتي في أحيان كثيرة من الهجرة طويلة الأجل للنساء الساعيات إلى العمل في المنازل. وتعتمد فرص البقاء الاقتصادي والمادي، وكذلك فرص الاستثمار الموظف في تحسين التكنولوجيا الزراعية، على تقسيم الأسرة المعيشية لأفضل مواردها من رأس المال البشري، من الناحية الجغرافية، بين المجتمع المحلي الأصلي (النساء والأطفال والشيوخ) وهجرة القوى العاملة إلى المواقع الحضرية/ الصناعية. ومن الأمور التي تتطلب توازنا دقيقا الحفاظ من التراث على كل ما له قيمة باقية مع الاستجابة في الوقت نفسه للمطالب والفرص التي تطرحها التنمية الاقتصادية. والتقاليد المرتبطة بحيازة الأراضي والمؤسسات القائمة في هذا المجال ليستا استثناء في هذا الصدد.

16- ولذا فإن الضغوط الكثيرة الجديدة التي تؤثر على الترتيبات التقليدية المتعلقة بالنساء والأراضي يتعين فهمها وحلها على مستوى العائلة، والمجتمع المحلي، والبلد ككل. خلاصة القول إن بعضا من أقوى الضغوط تشمل ما يلي:

17- ومن العواقب الكثيرة لهذه العوامل ما أشير إليه في بداية هذه الوثيقة: إذ يشهد عدد متزايد من المناطق الريفية ارتفاعا سريعا في عدد العائلات الريفية التي تعول فيها النساء الأسر المعيشية من الناحية الواقعية أو القانونية(8). وتضم كثير من هؤلاء النساء الأمهات غير المتزوجات، والأرامل، والمطلقات، وزوجات العمال المهاجرين، والمسنات والمعوقات، أي أقل الفئات تمتعا بالنفوذ الاجتماعي. وهن يفتقرن بقدر كبير إلى النفوذ الفعلي لاتخاذ القرارات، وليست لهن في أحيان كثيرة كلمة مسموعة في إدارة المجتمع المحلي، كما يفتقرن على نحو متزايد إلى الأمن كأفراد بموجب القانون التقليدي. وقد تسبب المحاولات الرامية إلى تأكيد حقوقهن صراعات داخل المجتمع المحلي بل وعلى المستوى القطري. وتخضع الحقوق التي تملكها النساء في أحيان كثيرة للغاية لمشيئة الآباء والأخوة والأصهار، وكذلك للقادة التقليديين الذين قد لا يولون دوما، في عالم اقتصادي متغير، الأولوية لمصالح المرأة وأطفالها. وينتهي الأمر بالنساء غير المتزوجات أو المطلقات أو الأرامل الى الخضوع لرحمة أفراد العائلة البعيدين الذين قد يكونون أو لا يكونون قادرين على دعمهن أو راغبين في ذلك. وهذا يبرز في الواقع أهمية فهم مختلف العمليات التي تشكل الطائفة المتنوعة من الأسر المعيشية التي تعولها النساء والتي نجدها في كل إطار اجتماعي محدد، وعلاقتها بالفرص التفاضلية في الحصول على الموارد. وهذه حالة تستدعي تدخلا تفاضليا في مجال السياسات.

18- وقد تجرد قواعد الإرث النساء اللاتي يملكن روح المبادرة أو قسطا من التعليم من الموارد المالية التي تمكنهن من ممارسة إحدى المهن أو بدء عمل تجاري. وحتى عندما توظف المرأة استثمارات في الأراضي التي تستخدمها بصورة تقليدية (وذلك مثلا بإضافة مرافق للري أو مبان سكنية) سرعان ما قد تجد نفسها وقد جردت من ملكيتها دون أن يكون لها حق في اللجوء إلى القضاء. ومن ثم، فإذا أردنا للزراعة أن تجتذب وتستبقي مهارات واستثمارات نساء الريف في مجال تنظيم المشروعات، يتعين تزويدهن بفرص الانتفاع بنفس أنواع الحماية التي توفرها للرجال المؤسسات المعنية بتصحيح الأوضاع في مجال حيازة الأراضي(9).

19- ويمكن تناول ضرورة تأمين حقوق أكثر إنصافا في الأراضي من منظور أن النساء يشكلن قطاعا متزايد الأهمية في رأس المال الاقتصادي والاجتماعي المحلي والقطري، بالإضافة إلى قيامهن بتوفير الرعاية الأسرية الأولية. كما تمت البرهنة على أن المرأة تميل إلى إعادة استثمار موارد أكثر من الرجل في الوحدة العائلية، وإعادة الاستثمار هذه تشكل حجر الزاوية في مجالات التغذية، والصحة، والتعليم، والتخفيف الفعال من وطأة الفقر. والواقع أن الدراسات التي أجريت مؤخرا في البلدان المتقدمة والنامية على السواء قد أوضحت أن معدل نجاح المشروعات التجارية الصغيرة - ريفية كانت أو حضرية - التي تستهلها المرأة، أعلى بدرجة ملموسة عن تلك التي يستهلها الرجل. ومن ثم، أخذت البنوك وصناعات الخدمات تتعلم أن تساند بدلا من أن تعارض مبادرات المرأة؛ ذلك أن من مصلحتها الذاتية أن تساند المرأة التي تتمتع بالمهارات اللازمة لتنظيم المشروعات. وبالمثل، فإن من المصلحة الذاتية لأى بلد من البلدان أن يستثمر الموارد في تلك القطاعات من المجتمعات التي توفر تنمية مستدامة.

20- والقدرات الاجتماعية والاقتصادية والقانونية المتزايدة التي تتيحها المشاركة الكاملة في مؤسسات حيازة الأراضي تشجع المشاركة في رابطات التسويق والتعاونيات وبرامج الإرشاد التي تعود بالنفع على الأفراد وعلى المجتمع بوجه عام. ويجدر في هذا الصدد الاعتراف بالمهارات الإدارية للمرأة، وينبغي ترجمة هذا الاعتراف إلى أنشطة أخرى في مجالى الإنتاج وتنظيم المشروعات. كما أن الحد من انعدام اليقين بشأن حقوق المرأة في الأراضي قد يفتح فرصا في مجالي الائتمان والتمويل، مما يضفي مزيدا من القيمة على الأنشطة الإنمائية المحلية والقطرية.

21- ويمكن التوسع في مجمل حقوق الملكية بصورة مطردة. ومن ذلك مثلا، أن كل مرة تسن فيها دائرة بلدية ما تشريعا يؤثر على استخدام الأراضي فإنها تضيف في الواقع حقا جديدا من حقوق الملكية التي يتمتع بها المحلي. وتشمل الطرق التي يمكن بها تعزيز المساواة والأمن والفعالية فيما يتعلق بحقوق المرأة، بغير المساس بحقوق الآخرين، الطرق التالية (دون أن تكون قاصرة بالضرورة عليها):

عضو فعال في المجتمع العالمي

22- إن جميع الأمم اليوم هي جزء من مجتمع عالمي تعززه سبل الاتصالات والنقل والواقع الاقتصادي والعلاقات السياسية. ولقد اعترفت الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بالحاجة الإيجابية إلى حماية حقوق الضعفاء في هذا المجتمع العالمي والدفاع عنها، سواء كانوا دولا غير ساحلية تنشد نصيبها من موارد المحيطات في العالم، أو لاجئين بسبب الجوع والحرب، أو فئات النساء والأطفال والسكان الأصليين الذين لم تكن لهم أي مشاركة تذكر في عمليات صنع السياسات القطرية التقليدية. والكثير من الدول الأعضاء قد وقع، إن لم يكن قد صادق، على إعلانات واتفاقيات دولية، مثل الاتفاقية الدولية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والاتفاقية الدولية للحقوق المدنية والسياسية، والاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، والتي أقرت الحاجة إلى المساواة في الحقوق بالنسبة للمرأة. كما أن كل خطوة صوب التوفيق والإشراك الصريح للمرأة، هي خطوة صوب خلق فرص أكبر لجميع المواطنين.

رابعا - ما يحتاج صانعو السياسات لمعرفته ومدى توافر تلك المعلومات بسهولة؟

23- هناك اعتراف عام لدى الجميع بأن سياسات التنمية ينبغي أن تنبني على حصر شامل للمعلومات. كما أن المعلومات هي الأساس الذي يقوم عليه اتفاق الآراء المنشود لتنفيذ السياسات العامة على نحو فعال وديمقراطي. بيد أن المشكلة هي أن معظم المعلومات لم تجمع بعد لكى يتسنى لصانعي القرارات إنجاز ما يلي:

24- ويقدم هذا القسم عرضا عاما لأنواع المعلومات أو المعارف التي تخدم هذه الأهداف. ويتضمن كل قسم فرعي تقييما قصيرا للصعوبات التي تكتنف الحصول على هذه المعلومات واستخدامها، إضافة إلى توصيات بشأن كيفية الارتقاء بموارد هذه المعلومات.

المعارف المتعلقة بحيازة الأراضي وأوضاع سوق الأراضي حسب الجنس

25- تشمل هذه المعلومات عن أنماط حقوق المرأة والرجل، وعن أنواع المعاملات واستخدامات الأراضي التي يشاركون فيها، بما في ذلك الاختلافات الاثنية و/ أو الجغرافية. ومن المسائل الهامة، بوجه خاص، التوزيع العمري ودرجة الأنشطة الزراعية الحضرية/ وشبه الحضرية، إضافة إلى مشاركة المرأة في أسواق الأراضي غير الرسمية، والمشاركة في المحصول واستئجار الأراضي وغيرها من المعاملات الأخرى. وتتساوى معرفة الترتيبات غير الرسمية أهمية، إن لم تتجاوز في أهميتها، المعلومات المعيارية عن الممارسات والقانون الرسمي. ومن المفيد، في إطار التنمية الريفية، تشجيع البحوث المنتظمة بشأن الترتيبات القائمة التي تساند بالفعل حصول المرأة على الموارد وإدارتها.

26- وهذا النوع من المعلومات من الصعب للغاية الحصول عليه وذلك، أولا، لأن الترتيبات الرسمية وغير الرسمية معا ستكون، في الأساس، تطورات محلية غير موثقة؛ وثانيا، لأنه لا توجد مؤشرات مكتملة ودولية لوصف الطائفة العريضة والمتنوعة من ترتيبات حيازة الأراضي والمعاملات. وقد ضمنت دراسات الحالة والدراسات التقييمية المتعلقة بالجنسين معلومات تتصل، في بعض الأحيان، بحقوق الملكية التي منحت، وعدد المعاملات التي تم تسجيلها أو حتى عدد الأسر المعيشية التي تعولها النساء. بيد أن ذلك قد يوفر، أحيانا، معلومات جزئية أو مضللة. وتحدث المشكلات لأسباب، منها مثلا:

27- ومن أوجه قصور دراسات الحالة وتقييم المشروعات أنها لمحة سريعة مقتضبة لوضع ما في وقت من الأوقات وفي موقع واحد، وبالتالي من الصعب الاستفادة منها في تحليل أوضاع واتجاهات وقضايا قطرية تتسم بالدينامية.

28- استراتيجيات المستقبل: هناك حاجة إلى بحوث متعمقة عن مؤشرات حيازة الأراضي الهامة والموثوق بها وتفصيلها حسب الجنس، والفئات الأخرى مثل العمر والمجموعة الاثنية أو الدينية، والموقع الجغرافي والحالة الاجتماعية، والتي يمكن اختبارها واستخدامها في التعداد القطري والتحليل الإحصائي، وكذلك في دراسات الحالة الموسعة. ولقد بدأت المنظمة العمل في هذا المجال، من خلال دراسات الحالة ودراسة أولية لطرق تحديد وقياس المنافع النوعية والكمية الناشئة عن حيازة الأراضي. ولابد أن تكون هذه المؤشرات في صياغة مبسطة كي يتسنى فهمها بسهولة من جانب المجيبين والباحثين.

معرفة الحواجز القانونية والاقتصادية والثقافية

29- واحدة من طرق جمع هذه المعلومات، هي بإجراء استعراض شامل لجميع مصادر قانون الملكية، ولجميع إجراءات اكتساب ونقل ورهن واستخدام الحقوق في الأراضي - "القانون النافذ". وينبغي أن يستكمل ذلك بأعمال تحليل أسواق الأراضي والموارد الاقتصادية والاجتماعية التي تمتلكها المرأة لكي تتمكن من الحصول على الأراضي واستخدامها والاستفادة منها. والهدف من ذلك هو تحديد المعوقات القانونية والواقعية التي تحول دون الحصول على الأراضي والموارد التكميلية، والحواجز التي تواجه المرأة على وجه الخصوص. وقد تكون هذه الحواجز، في كثير من الأحيان، حواجز لا تميز بين الجنسين. وينبغي أن تشمل المعلومات المستخلصة من أعمال التحليل، ما يلي:

30- وقد أجرت بعض البلدان مثل هذه الدراسات (وإن لم تكن بالضرورة عن الانعكاسات بالنسبة للجنسين) أثناء تنفيذ برامج إصلاحات قانونية واقتصادية كبرى. وفي حين أن هذه المعلومات لربما يتم تجميعها لغايات مختلفة، إلا أنها قد تكون مفيدة أيضا في تحديد الحواجز المحتملة من منظور الجنسين.

31- استراتيجية المستقبل: ينبغي للبلدان، عند التكليف بإجراء دراسات ترتبط ببرامج اقتصادية، قانونية أو اجتماعية، أن تضمن أن تكون الجوانب المتعلقة بالجنسين واحدا من مؤشرات قياس الانعكاسات المستخدمة في إجراء التحليل، مما تفيد منه أيضا مشروعات إصلاح الأراضي ذات الصلة.

معرفة نطاق بدائل السياسات وانعكاساتها

32- لا يوجد توثيق منتظم يذكر لنطاق بدائل السياسات لمعالجة المشكلات المرتبطة بإمكانيات حصول المرأة على الأراضي. إذ أن التوثيق إما أن يكون نوعيا خاصا بمشروعات وحالات، أو أنه يتألف من نصوص ومقالات تحتوي على بدائل لتعزيز تأمين الحقوق في الأراضي دون أي إشارة محددة لما يتعلق بالجنسين. وهناك حاجة إلى استنباط إطار لتحديد كامل طائفة الخيارات وتقييمها، يكون مبنيا على الممارسات الجدية والدروس المكتسبة، ليستعين به صانعو القرارات. وستكون هذه الخيارات، في بعض الحالات، خيارات نوعية خاصة ببلد أو حتى بإقليم بعينه، إلا أن وجود إطار لخيارات أوسع سيكون، مع ذلك، نقطة مرجعية مفيدة.

33- ومن الممكن أن تشمل معايير التقييم لاتخاذ قرار بشأن أفضل مجموعة من البدائل لتعزيز التكافؤ بالنسبة للمرأة وللمحرومين من الرجال على حد سواء، ما يلي على سبيل المثال:

34- ولعل جهود البحوث المتكاملة القائمة على المشاركة، هي أفضل أداة لوضع اطار للبدائل، مع نماذج لمعايير التقييم. وينبغي أن يكون هذا الإطار مستندا إلى دراسة ما كان فعالا (أو لم يكن فعالا) في بلدان أخرى، ولماذا كان فعالا (أو لم يكن فعالا).

التقييم اللاحق للمشروعات ودراسات الحالة

35- من المشكلات المألوفة في مشروعات التنمية المرتبطة بالأراضي، تكرار التجربة بدون معرفة ما سعت مشروعات أخرى لتحقيقه، وفيما إذا كانت المنهجيات السابقة ناجحة أم لا، وما هي الأسباب وراء ذلك. ولابد من رصد المشروعات لمعرفة تأثيراتها والتأكد من استدامتها، على ألا يقتصر ذلك على فترة التنفيذ وحدها، بل وأن يتم أيضا على فترات زمنية لاحقة متفق عليها. وينبغي أن تستند أعمال التقييم هذه إلى معايير موضوعية يمكن أن تساعد على إثراء الخبرات الدولية وتعزيز البرامج والمشروعات الجارية في البلاد. وينبغي تسجيل النتائج التي تحققت بصورة رسمية، وجعلها متاحة للمسؤولين عن صنع القرارات المتعلقة بالسياسات والبرامج في المستقبل، في صيغة تيسر لهم تفهم ما تمت تجربته من قبل ومدى نجاحه في تحقيق الأهداف المنشودة منه.

36- ومن المشكلات الكبرى التي تتسم بها المشروعات التي قصد منها أن تغطي الجوانب المتعلقة بالجنسين، افتقارها إلى مؤشرات موضوعيه ومعايير للتقييم. إذ أنها، في أغلب الأحيان، لا تحدد بصورة واضحة في أصل صلاحيات المشروع أو أهدافه. ومن ثم فإن النتيجة قد تكون تقديرا لا يستند إلى الموضوعية يقصد منه أن يدعم مرحلة ثانية أو تطويرا إضافيا.

37- وينبغي للمعنيين بشؤون التنمية أن يعملوا على توعية المرأة باستمرار بشأن الممارسات والقواعد التي تساند استخدامها للموارد. من جهة ثانية، ينبغي أن يوضح للرجال في المجتمعات المحلية الريفية، بصورة وافية، التكاليف فيما يتعلق بالإنتاج والدخل ورفاه الأسرة، الناشئة عن عدم المساواة بين الجنسين فيما يتصل بالحصول على الموارد والمنافع المستمدة منها.

38- ويتوجب على المنظمات غير الحكومية ومؤسسات الإقراض الدولية وغيرها من الجهات المتبرعة أن تهتم بقدر أكبر بتوثيق ماهية الأهداف المتوخاة من المشروعات المرتبطة بالأراضي، فيما يتعلق بقضايا الجنسين، وما هي انعكاسات هذه المشروعات في نهاية الأمر، والدروس المستفادة وأفضل الممارسات المقترحة. وينبغي أن تكون هذه المعلومات متاحة بسهولة، وعلى أوسع نطاق، للبلدان المستفيدة والمنظمات الأخرى وللباحثين.

خامسا - لماذا لا تعد المساواة في الحصول على الأراضي كافية في حد ذاتها؟

39- ينبغي أن تكون المساواة في الحصول على الأراضي جزءا أساسيا من التخطيط الواقعي وصنع السياسات في جميع البلدان. بيد أنه، وكما ذكر في المقدمة، لا المساواة ولا الحصول على الأراضي كافيان في حد ذاتهما. فالناس يحتاجون أيضا إلى فرص الحصول على الموارد الإنتاجية والمؤسسية التكميلية، بما فيها التمويل، التدريب، الأسواق المفتوحة والفعالة، التكنولوجيا، البنى الأساسية والموارد الطبيعية الأخرى، مثل المياه، إذا أريد تحقيق المنافع الممكنة التي تنشأ عن الحقوق في الأراضي.

40- وخلاصة ما ناقشته هذه الوثيقة حتى الآن، هو أن إعطاء المرأة إمكانيات مضمونة وفعالة في الحصول على الأراضي، حري بأن يفيد الأسر، والمجتمعات المحلية والبلدان، على سبيل المثال، من خلال ما يلي:

41- غير أن هذه المنافع لن تتحقق كاملة إلا إذا كانت الاستراتيجيات المتبعة لتعزيز فرص المرأة في الحصول على الأراضي فعالة في الواقع العملي، وكان صانعو القرارات مدركين تماما لماهية الاستراتيجيات الفعالة ونقيضتها غير الفعالة. ولابد لصانعي القرارات من معرفة نوعية الحقوق في الأراضي وتوزيعها، والمعوقات الاقتصادية والثقافية التي تحد من إمكانيات المرأة في الحصول على الأراضي بصورة فعالة ومأمونة، والمنافع التي يمكن أن تتحقق بفضل زيادة فرص المرأة في الحصول على الأراضي. كما لابد لهم من معرفة ما هي البدائل لتعزيز المساواة في الحصول على الأراضي، وأن يكون باستطاعتهم تقييم كامل نطاق انعكاسات هذه البدائل.

42- ويتمثل التحدي الذي يواجه الدول الأعضاء في الأمم المتحدة والمنظمات الأخرى المعنية، في المدى البعيد، في كيفية التوصل إلى فهم أفضل لدينامية نظم حيازة الأراضي، وعلى وجه أخص فهم الدور المتغير للمرأة في إطار الاقتصاد الريفي. وتحقيقا لهذه الغاية ولجني ثمار السياسات والبرامج والمشروعات الفعالة والتي تستجيب بقدر أكبر لاحتياجات الجنسين، من الضروري البدء في الجمع المنتظم لمعلومات أكثر وأفضل عن المرأة وعن حيازة الأراضي. وفي الوقت الحاضر فإن هذه المعلومات، إذا ما توافرت، فهي معلومات مشتتة ومتفرقة بين شتى قواعد بيانات المشروعات، ودراسات الحالة، والإحصاءات والسجلات الرسمية، والبحوث المنشورة. ويؤكد، حاليا، إصلاح الأراضي بوصفه مثالا للسياسات التي تكفل تعزيز المساواة وزيادة الإنتاج معا(10). وضمان مزيد من التكافؤ للمرأة في الحصول على الأراضي في إطار الجهود الرامية إلى تحقيق التنمية الزراعية والريفية المستدامة، أمر جوهري لتحقيق زيادة النشاط الاقتصادي الذي يؤدي إلى إرساء مستوى معيشي أفضل، وخاصة الصحة والإلمام بالقراءة والكتابة، والاستخدام الأفضل للموارد، والإصلاحات المتينة الأساس، والمشاركة والديمقراطية.

المراجع

اعتمدت هذه الوثيقة على المراجع المذكورة في مجلد منفصل بعنوان "إمكانيات حصول المرأة على المنافع المستمدة من الأراضي والموارد الطبيعية". ببليوغرافيا إدارة حيازة الأراضي، منظمة الأغذية والزراعة، روما، 1999.