إلتزامٌ مدى الحياة بمحاربة الفقر


مثابرة امرأة في المناطق الريفية

17/07/2013 - 

إن الإستيقاظ من النوم عند الرابعة فجراً والسير مسافة تقرب من 5 كيلومتر للعمل في المزرعة ليست بالأمر الهيِّن على الناس الكبار، ناهيك عن فتاة في سن المدرسة! لقد دأبت ليديا ساسو على العمل كمزارعة منذ طفولتها. ولكن على الرغم من عمل جميع أفراد العائلة بهمّة ونشاط، كانوا في حالات كثيرة لا يجدون ما يتناولونه.

وتتذكر ليديا قائلة "خلال سنين دراستي، ذهبت برفقة أمي في أحد أيام السبت الى السوق لنقبض ثمن محصول الكسافا التي بعناها بالديْن قبل بضعة أيام. ولكن لم يكن لدى الزبون مال يدفعه لنا كي نتمكن من شراء طعام لنا". كمزارعين صغار، كانوا يزرعون أغذية لكنها هي وأسرتها كانوا كثيراً ما يأوون الى فراشهم جياعاً.  

كما كانت والدة ليديا تتساءل دوماً "لماذا يبقى المزارعون فقراء على الرغم من أنهم يعملون لساعات طويلة؟" فقد كانت الفتاة وأسرتها يعملون طوال النهار تحت أشعة الشمس المحرقة في مقاطعة سوهوم كلرابوا كولتار بشرقي غانا وفي المساء يمشون 5 كيلومتر عائدين الى منزلهم لأنه لم يكن لديهم مال لاستئجار حافلة. فكان هذا هو الوقت الذي قررت فيه ليديا العمل لتغيير هذا الواقع. 

إنها تقول "لقد عقدت العزم على إيجاد سبيل ما لمساعدة أمي والنساء المزارعات الأخريات في قريتي ووضع نهاية للفقر والجوع."

فدرست ليديا موضوع الزراعة في الكلية وواصلت السير حتى حصلت على الشهادة الجامعية في تخصص الاقتصاد الزراعي. ثم قامت بتأسيس  رابطة العمل من أجل التنمية (DAA) في 1997 بهدف الحد من الفقر من خلال تمكين النساء.     

وقد بات تعلُّم العمليات الحسابية ومسك الدفاتر محطّ تركيز ليديا بعدما لاحظت المشاحنات بين الرجال والنساء بسبب عدم قدرة النساء على تتبُّع سجلات الدين بعد شرائهن السمك من الرجال. وبفضل مساعدة ليديا، وخلال 6 أشهر لاغير، تم تدريب 600 إمرأة في مجال العمليات الحسابية ومسك الدفاتر. وقد أثبت هذا التدريب فائدته الكبيرة حينما كيّفت هذه النسوة المهارات التي تعلمنها حديثاً وطبقنها في حفظ سجلات منتوجات أخرى كالحبوب والخضار والحيوانات.

كذلك نفذت رابطة العمل من أجل التنمية التي تعمل بتعاون وثيق مع منظمة الأغذية والزراعة الكثير من المشروعات التنموية، ومن ضمنها بناء القدرات في مجالات الإدارة المالية وتقوية النساء الريفيات. كما سطع نجم إبداعات ليديا في مجالات عديدة أبرزها محو الأمية، ومسك الدفاتر من أجل تنمية وتطوير المشروعات التجارية لدى النساء الريفيات، وبناء التحالفات مع جماعات النساء والرجال المحلية على حد سواء، وكذلك مع المنظمات الدولية لتسليط الأضواء على دور المرأة وحصّتها في صناعة الزراعة.

وكجزء من برنامج ليديا لتدريب النساء الريفيات، تم خلال 2010 تدريب 60 امرأة في مجال الاتصالات. وبتن قادرات الان على الاتصال بكفاءة مع صناع السياسات ومناقشة المسائل الرئيسية التي تهمّهن. ومن الأمثلة على ذلك المساعدة التي قدمتها قيادة ليديا في تحريك النساء للضغط على هيئة صيد الأسماك من اجل وضع قوانين الصيد موضع التطبيق. بل وبات المجتمع ينظر الى النساء باعتبارهن مدّخرات لاتقدر بثمن وفي مقدورهن تقديم المشورة الصائبة فاصبحن جزءً من الحل، وذلك بفضل ما قدمته لهن ليديا من دعم ومساندة.

والى جانب ذلك كله، وبالرغم من أن ليديا تواصل العمل كمزارعة غير متفرغة لأن النشاطات الدعوية تستغرق جزء كبيراً من وقتها، فانها مازالت تستمتع بالعمل مع النساء الريفيات. وتقول في هذا الصدد "لقد علّمتني تجربتي في العمل مع النساء الريفيات والنساء الأميات أنه بالرغم من أُمّية هؤلاء النسوة فان لديهن القدرة على المساهمة بصورة هائلة في محاربة الجوع. إن غالبية أعضاء رابطة العمل من أجل التنمية أمّيات أو ذوات قدرة متدنية على القراءة والكتابة، ولكن لديهن أفكار جيدة للغاية بشأن كيفية إدارة الرابطة."

يقدّر عدد سكان غانا بنحو 20.5 مليون نسمة، يعيش 63 في المائة منهم في مناطق الريف ويعملون في الزراعة. وتعمل رابطة العمل من أجل التنمية في نحو 50 مجتمعاً محلياً تتوزع في مناطق أكرا الكبرى والمنطقة الوسطى والمنطقة الشرقية من غانا، كما تشكل النساء الريفيات 98 في المائة من منتفعي مشروعات الرابطة وبرامجها. وبالنظر الى احتلال النساء غالبية المراكز القيادية في الرابطة فانها تروّج وتشجع القيادة النسوية، وذلك فضلاً عن توسيع وصول النساء الى التعليم والأراضي والإئتمان والبنية الأساسية والتكنولوجيا. 

وفي ظل وجود نحو 870 مليون شخص يعاني من الجوع المزمن في أرجاء المعمورة، تبرز الأهمية الحاسمة لدور منظمات المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية في محاربة الجوع بصورة فعالة. وبما أنه ليس في مقدور أي مؤسسة أن تحارب الجوع بمفردها فقد باتت إحدى الأولويات لدى منظمة الأغذية والزراعة التشديد مجدداً على عقد الشراكات بين المنظمة وبين منظمات المجتمع المدني والحركات الاجتماعية ومنظمات المنتجين التي تعطي نفوذاً منظماتياً واقتصادياً واجتماعياً لصغار المزارعين والرعاة والسكان الذي يعتمدون في حياتهم على صيد السمك ومنتجات الغابات.

وفي ضوء ذلك كله، يمكن القول بحق أن ليديا ساسو تعدّ مزارعة ناجحة وداعية واسعة الخبرة تعمل من اجل إبراز دور المرأة في الزراعة، الى جانب كونها مدرّبة ومعلّمة ذات مهارة عالية. وقد حازت على العديد من الجوائز تقديراً لمساهماتها في تطوير وتحسين الزراعة، ومن ضمنها جائزة "أفضل مبتكر" التي نالتها في مؤتمر عقد في كينيا.

كما كانت في 2011 واحدة من بين 10 مرشحين اختارتهم هيئة محلَّفي  المؤسسة الدولية لقمة المرأة العالمية ونالت جائزة المؤسسة واسمها "إبداعات المرأة في الحياة الريفية".               

يذكر أن التدريب الذي قدمته ليديا ساعد امرأة في تطوير مشروعها التجاري خلال 3 سنوات من 5 خنازير حتى باتت تحتوي على 400 خنزير. واذا كان في مقدور منظمة غير حكومية واحدة بقائدة قوية ومبدعة مثل ليديا ساسو أن تحقق مثل هذه النتائج الباهرة، فهل تستطيع أن تتخيل حجم النتائج التي يمكن تحقيقها إن توحدت جميع الجهات المعنية، بما فيها منظمات المجتمع المدني، معاً وعملت بصورة أفضل من أجل عالم متحرر من الجوع؟