COAG/01/7





لجنة الزراعة

الدورة السادسة عشرة

روما، 26-30/3/2001، القاعة الحمراء

مكان الزراعة في التنمية المستدامة: الطريق الى تحقيق التنمية الزراعية والريفية المستدامة

البند 7 من جدول الأعمال المؤقت COAG/01/7

بيان المحتويات
أولا - المقدمة
ثانيا - المحتوى المتطور للزراعة
ثالثا - تطورات التنمية الزراعية والريفية المستدامة منذ مؤتمر ريو
رابعا - التقدم صوب تحقيق التنمية الزراعية والريفية المستدامة: أهم مجالات العمل
  ألف: بناء القدرات وتعزيز المؤسسات
  باء: تعبئة الاستثمارات
  جيم سياسات وتكنولوجيات النهوض بالإنتاجية الزراعية وإدارة البيئة الطبيعية
خامسا - التقدم صوب تحقيق التنمية الزراعية والريفية المستدامة: دور المنظمة
سادسا - مشورة لجنة الزراعة إلىالمنظمة

أولا - المقدمة

1 - كانت فكرة التنمية الزراعية والريفية المستدامة إحدى الأفكار التي تبلورت في الثمانينات، استجابة إلى الملاحظة المتنامية بأن السياسات والبرامج الزراعية القطرية والدولية ينبغي أن تنطوي على مجموعة من المسائل الاقتصادية والبيئية والاجتماعية - الثقافية أوسع نطاقا من المجالات التقليدية للإنتاجية الزراعية، والإنتاج الزراعي، والأمن الغذائي. وقد اتضحت أهمية فكرة التنمية الزراعية والريفية المستدامة، وتأكدت في مؤتمر قمة الأرض الذي عقد في مدينة ريو عام 1992، مع تحديد الفصل الرابع عشر(1) من جدول أعمال القرن 21 للبرامج والأعمال المحددة اللازمة لتشجيع التنمية الزراعية والريفية المستدامة، والتزام الدول الأعضاء بهذه البرامج والأعمال.

2 - وقد حدثت بعض التطورات المشجعة منذ انعقاد مؤتمر القمة في ريو، بظهور بعض المناهج والسياسات الجديدة القيمة كمحصلة للتركيز على الاستدامة. فالكثير من المزارعين والعناصر الأخرى الفاعلة في الريف، عثروا على حلول محلية لتحديات الإنتاج المستدام وحماية البيئة، وتحقيق فوائد ملموسة للغابات والحياة البرية والمياه والتربة، والحد من الآثار السلبية على الزراعة مع المحافظة على الإنتاج أو زيادته. وكان للتركيز على الاستدامة فوائده البيئية والاجتماعية في بعض المجالات مثل التخطيط لموارد الأرض، وتعليم الزراعة، والمكافحة المتكاملة للآفات. ولوحظ بصورة متزايدة أنه ليس هناك حل واحد لتحقيق التنمية الزراعية والريفية المستدامة، وأن توليد الدخل من الأعمال غير الزراعية يساهم مساهمة هامة في النهوض بنوعية الحياة في الريف. كما أن التركيز على الاستدامة، كان له تأثيره القوي على ظهور آليات حكومية دولية تتعلق - مثلا - بالسلامة البيولوجية والتنوع البيولوجي.

3 - ورغم ذلك، فمازال هناك الكثير الذي ينبغي تحقيقه. فالأمن الغذائي مازال مفتقدا في أجزاء كثيرة من العالم. وعلى الأخص في بلدان العجز الغذائي ذات الدخل المنخفض، وفيما بين المجموعات السكانية الفقيرة والمهمشة. ورغم أن العالم أصبح ينتج مقادير كبيرة من الأغذية عما قبل، فمازال هناك 800 مليون نسمة تقريبا يعانون من سوء التغذية الحاد، بالإضافة إلى 000 2 مليون مازالوا يعانون من أمراض مختلفة ناجمة عن نقص التغذية. فالفقر الريفي وانعدام الأمن الغذائي مازالا وجهان لعملة واحدة. ولقد حدثت تغيرات جذرية في الزراعة، مثل تكوين المجتمعات الريفية وأدوارها، والأهمية النسبية للإنتاج الزراعي في الاقتصاد ككل، ودور الحكومة في التغيرات التكنولوجية والإدارة. ومع ذلك، ورغم هذه الملاحظة الأخيرة، فمن المهم أن تكون السياسات العامة "صحيحة"، نظرا للأشكال الجديدة من الشراكة والملكية والاتفاقيات مع الجهات الفاعلة غير الحكومية، والمجتمعات المحلية، والقطاع الخاص. ومازال على الحكومات أن تلعب دورا رئيسيا، ومازال عليها أن تمثل المصالح العامة لجميع الموطنين، وبالأخص مصالح المجموعات الحساسة والمناطق الحدية التي لا تعرف من صناعة القرارات والأعمال سوى ما تقوم به الإدارة العامة. ففي البلدان التي تملك قاعدة موارد طبيعية ضيقة واقتصاديات هزيلة مثل البلدان النامية الجزرية الصغيرة، يرتبط الأمن الغذائي ارتباطا وثيقا بتحسن التجارة، وتنويع الإنتاج الزراعي، وإدارة الموارد الطبيعية. ومن هنا فإن التركيز على مشكلات زراعية معينة له دوره الكبير في تحقيق الأمن الغذائي المستدام. فالإنتاج الزراعي والصناعات التي ترتبط به سيظلان قاعدة أساسية لا للأمن الغذائي العالمي فحسب، وإنما لحياة مئات الملايين في القرن الحادي والعشرين.

4 - ورغم الاهتمام الجماهيري المتزايد، فقد استمر التدهور البيئي الخطير - الذي يرجع في أحد أسبابه إلى الأنشطة الزراعية - في كثير من المناطق. ولم يتحقق الكثير من الأهداف البيئية، بل إن الكثير من البلدان - المتقدمة والنامية على السواء - عاجز أو غير راغب في إدماج الاشتراطات البيئية في السياسات الزراعية والتنمية الريفية. فالتعريفات التي أدخلت على مثل هذه السياسات - منذ مؤتمر ريو، مازالت ترجع في أغلبها إلى ضغوط سياسية ومالية داخلية ومفاوضات تجارية دولية، أكثر مما ترجع إلى جهود منسقة ومتماسكة لضمان الاستمرارية. وأحد أسباب ذلك هو أن المناقشات الدولية للتنمية الزراعية والريفية المستدامة، ركزت على المسائل البيئية، مع عدم إشراك وزارات الزراعة إشراكا كاملا في أغلب الأحيان. وقد اعتبرت الزراعة بشكل عام جزءا هاما من المشكلة، دون ملاحظة أن أساليب الزراعة السليمة هي أيضا جزء من الحل. ولم يتم العثور إلا في حالات قليلة على آليات فعالة لاستغلال التآزر بين الحكومات والمجتمع المدني، وبالأخص على المستوى القطري. ومن بين المشكلات الأساسية الأخرى أن التنمية الزراعية والريفية المستدامة كانت تعتبر برنامجا في حد ذاته، بدلا من التفكير في الاستدامة كمبدأ ينبغي أن يطغى على كل تفكير عن الزراعة والتنمية الريفية، ضمانا لتحقيق أفضل توازن بين الحاجة إلى تحسين الإنتاجية الزراعية والمتطلبات الاقتصادية والبيئية والاجتماعية.

5 - إن الاستعدادات لانعقاد مؤتمر القمة القادم المعني بالتنمية المستدامة (عشر سنوات بعد مؤتمر ريو) يتيح لنا الفرصة لنتعلم من تجارب العقد الماضي، واستعراض الإنجازات في ضوء مشكلات اليوم، وتحديد المجالات التي يعتبر تحقيق الاستدامة فيها أمرا مهما بصورة حيوية. وقد بدأ العمل بالفعل في الدورة الثامنة للجنة التنمية المستدامة في نيويورك، التي عقدت في الفترة من 24/4 - 5/5/2000. فقد بحثت هذه اللجنة الزراعة باعتبارها قطاعا اقتصاديا، مبرزة بذلك العلاقة بين الأهداف الاقتصادية والاجتماعية والبيئية في نطاق منظور واسع للتنمية المستدامة.

6 - وحثت لجنة التنمية المستدامة جميع الحكومات على إعادة تأكيدها لالتزاماتها الفردية والجماعية بتحقيق الأمن الغذائي وتقليل أعداد ناقصي التغذية، بمقدار النصف على الأقل بحلول عام 2015، كما اتفقت على ذلك في مؤتمر القمة العالمي للأغذية. وتشير تقديرات أعداد من يعانون من نقص التغذية إلى أن تحقيق هذا الهدف سيتطلب تغييرا جوهريا في أولويات تخفيف وطأة الفقر والحرمان الاجتماعي. ولهذا حثت لجنة التنمية المستدامة منظمة الأغذية والزراعة، وغيرها من المنظمات الدولية ذات الصلة - وبالأخص البنك الدولي وصندوق النقد الدولي - على مساعدة البلدان في تقرير سياسات وأعمال لتنفيذ برامج جدول أعمال القرن 21 فيما يتعلق بالإنتاج المستدام وطرق الزراعة، بما في ذلك الزراعة العضوية، وتحقيق أهداف مؤتمر القمة العالمي للأغذية، والتنمية الزراعية والريفية المستدامة. وأبرزت لجنة التنمية المستدامة الحاجة إلى:

7 - وقد أسفر تحليل الأفكار ووجهات النظر الجديدة التي ظهرت منذ مؤتمر ريو عن تحديد ثلاثة مجالات استراتيجية رئيسية يمكن للحكومات الوطنية - بل ينبغي عليها - أن تختار منها أعمالا تضمن بها مراعاة سياساتها للتنمية الزراعية والريفية لضرورة الاستدامة: (1) بناء القدرات، بما في ذلك الدعم المؤسسي؛ (2) حشد وتوجيه الموارد المالية نحو الاستثمار في الاقتصاد الريفي؛ (3) تكنولوجيات وسياسات للنهوض بالإنتاجية الزراعية وإدارة البيئة الطبيعية. والموضوع المشترك لهذه المجالات الثلاثة هو ضرورة التعاون بين الحكومات والقطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني.

8 - والمنظمة لها دور رئيسي كمدير مهام لمؤتمر الأمم المتحدة المعني بالبيئة والتنمية الذي عينته اللجنة المشتركة بين الوكالات المعنية بالتنمية المستدامة للترويج للإنجازات المتعلقة بالفصل 14 من جدول أعمال القرن 21 وكتابة تقارير عنها. فبرنامج عملها نفسه يعالج قضايا الاستدامة في الزراعة والتنمية الريفية، تمشيا مع الإطار الاستراتيجي للمنظمة 2000-2015. ودور المنظمة هو مساعدة الدول الأعضاء وشركائها والعمل معهم، من أجل إيجاد حلول للمشكلات، وتشجيع الابتكارات على مستوى المزرعة والمجتمع الريفي.

9 - إن هذه الوثيقة:

كما تشير الوثيقة إلى إمكانية استخدام عناصر الإطار الاستراتيجي للمنظمة الذي يضم 15 سنة، والذي تمت صياغته بمشورة كبيرة من الدول الأعضاء، كعنصر من العناصر التي يسترشد بها عند وضع خطط قطرية للتنمية الزراعية والريفية المستدامة.

ثانيا - المحتوى المتطور للزراعة

10 - مازالت التنمية الزراعية والريفية المستدامة نموذجا حيا للتنمية، فقد مضى الآن عشر سنوات منذ وضع هذا المفهوم: فالسياق العالمي والإقليمي والقطري لهذا المفهوم قد تطور، وظهرت أفكار ومبادئ جديدة، واكتسب العالم تجاربا ودروسا عديدة. فالتحول الاجتماعي - الاقتصادي للتركيز على التنمية القائمة على المدن، والنمو الهائل لصناعات الاتصالات، والتطلعات المتزايدة للسكان أينما كانوا، كل ذلك يعني أن الزراعة بحاجة إلى تشجيع وإلى إفساح المجال أمامها كمصدر سليم لمعيشة الريفيين، بالتناسق مع البيئة، وتوفير مستوى معقول للحياة العائلية.

11 - من أهم ملامح الزراعة، التي تمثل في أغلب الأحيان المحرك الذي يدفع المراحل الأولى للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، هو قدرتها الهائلة على زيادة الإنتاجية. ولكن الكثير من العاملين بالزراعة يقعون أسرى مصيدة بيئتهم الريفية. فالإنتاجية لن تتحسن إلا باستخدام تكنولوجيات حديثة، بما في ذلك استخدام الآلات، والأصناف النباتية والحيوانية المحسنة، ورعاية أفضل للمحاصيل قبل وبعد حصادها، وزيادة الاستثمارات وفرص الحصول على المياه قبل كل ذلك. ولن يتحقق ذلك بإنتاج لا يتعدى مستوى الكفاف. فبعض العبارات مثل "الزراعة هي الطريقة التقليدية للحياة" أو "زراعة الحيازات الصغيرة هي العمود الفقري للمجتمع" هي - سواء بالنسبة للبلدان النامية أو المتقدمة - جزء من حنين الريف إلى الماضي، لا علاقة لها بالواقع. فالواقع هو أن الغالبية العظمى من الأسر أصحاب المزارع الصغيرة يودوا لو استطاعوا أن يزيدوا من دخلهم وينوعوا من مصادر هذا الدخل ويحسنوا مستواه، مع احتفاظهم في نفس الوقت بهويتهم الاجتماعية والثقافية الخاصة.

12 - ومع زيادة إنتاجية الزراعة، يمكن أن ينخفض نصيبها من الأيدي العاملة بسرعة، ليحرر بذلك طاقة عمل للأنشطة الأخرى التي تدر عائدا اقتصاديا أكبر. كما يمكن أن تحدث فوائد اقتصادية أخرى من التخصص الزراعي (اعتمادا على الثروات الوطنية من الموارد الطبيعية، بما فيها المناخ). وقد يؤدي هذان الأمران، بجانب التطورات التكنولوجية والتجارية، إلى تخفيض تكلفة التجارة والسماح بتصدير الفوائض الزراعية.

13 - وتتغير القضايا والمفاهيم المتصلة بالتجارة والمجتمعات الريفية، نتيجة مجموعة جديدة من التطورات التي مازالت موضع جدل في بعض الأحيان، مثل العولمة، وزيادة الاهتمام بالبيئة، والتغيرات في الإدارة، وديناميات السكان، وعدد من التغيرات الاقتصادية والاجتماعية. ومن أهم المشكلات، تنوع هذه التطورات الجديدة وسرعة زيادتها. وهو الأمر الذي لا يتيح وقتا أمام البلدان الضعيفة اقتصاديا لكي تعدل مواقفها، وبالتالي قد تضر هذه التطورات بها. ولكن كما كان السياق "القديم" للزراعة والمجتمعات الريفية يتيح فرصا للتنمية ويمثل تحديات عديدة أمام الحكومات، فإن السياق "الجديد" يوفر مجموعة كبيرة من الفرص، حتى لو ظلت مشكلات العدالة والتنمية المستدامة المترتبة عليه، بنفس صعوبتها في الماضي.

14 - العولمة: ارتبط هذا المصطلح الذي شاع استخدامه بعدة تطورات: تحرير التجارة، وزيادة حرية انتقال رؤوس الأموال وسرعة هذا الانتقال، وسرعة نقل المعلومات التكنولوجية، وزيادة تأثير الشركات الخاصة العابرة للقارات على الأسواق. وقد عاشت بعض هذه القضايا بيننا لعدة سنوات. أما الجديد فهو الإيقاع السريع للتغيرات التي تؤثر عليها جميعا، مصحوبا بالثورة الأخيرة في تكنولوجيا الاتصالات ودرجة تأثير الأعداد المتناقصة من العوامل الفاعلة في القطاع الخاص. فالعولمة تتيح فرصا هائلة للإسراع بالتنمية، ولكن فوائدها قد تتخطى بسهولة هؤلاء المهمشين بدرجة كبيرة، والموجودين خارج دائرة الاقتصاد الحديث، أو الذين لا يربطهم به سوى خيط رفيع. وكمثال، فإن تحسين الاتصالات لا يفيد سوى الأثرياء، ويظل الفقراء يعانون من الإحباط وعدم الحصول على المعلومات. "فتقاطر الفوائد" قد لا يعمل على الإطلاق، كما أن المنافسة المتزايدة في الأسواق أو نقص الموارد المتاحة لاغتنام الفرص قد يحبط التطلعات التي تثيرها معرفة أن مستويات المعيشة أعلى بكثير في أماكن أخرى. فالعولمة بتركيزها على تبادل السلع والخدمات والمعلومات - عن طريق الأسواق عادة - تبرز تكاليف التجارة والمعاملات. وهو ما يجدد بدوره التركيز على الاستثمار في الخدمات العامة مثل التعليم والبنية الأساسية للاتصالات، التي يمكن أن تقلل مثل هذه التكلفة. ولاشك أن زيادة الاعتماد المتبادل بين الاقتصاد وإدماج البلدان في العولمة، يجعل تلافي التأثيرات السلبية مثل تدهور البيئة، أكثر إلحاحا. ولذلك أهميته، لأنه يبرز العلاقات القوية المتزايدة بين السياسات المحلية المتعلقة بالأغذية والزراعة والاقتصاد الريفي وبين البيئة الطبيعية والعلاقات الدولية.

15 - الإدارة: تراجع دور الحكومة في كثير من البلدان، لأسباب تجمع بين الضرورة الاقتصادية وبين الانتهاء شبه الكامل للتخطيط المركزي ونقل السلطة من الإدارات القطرية إلى جهات غير حكومية. كما أن هناك انتشارا واسعا لفكرة (قد لا تكون صحيحة دائما) لزيادة الشفافية ومساءلة الإدارة، وتفويض السلطات، وصناعة القرار، بما يؤدي إلى "تمكين" أصحاب الشأن في الزراعة والتنمية الريفية. ومع إعادة تعريف دور الحكومات المركزية، وتقليل تدخلها المباشر في النشاط الاقتصادي وتقديم الخدمات، دخل القطاع الخاص والجهات الفاعلة في المجتمع المدني لسد هذا الفراغ بدرجات متفاوتة ومستويات مختلفة من النجاح. وحدثت مكاسب وخسائر: فقد زادت مشاركة المجتمع في صناعة القرار، وزادت فرص خلق توافق الآراء، ولكن قائمة الاستثمارات والمصروفات لم تكن دائما في مصلحة سكان الريف. ومع ذلك، فهناك اعتراف متجدد بضرورة المحافظة على مستوى من الوجود القطري الرسمي في الاستثمارات والخدمات العامة. وكمثال، فإن نوعية واستدامة البحوث الزراعية، والخدمات الإرشادية والبيطرية، يمكن أن تتحسن نتيجة أنماط جديدة من المشاركة بين الحكومة والقطاع الخاص والمنظمات التي لا تهدف إلى تحقيق أرباح، وهي أنماط تجمع بين المساءلة وإمكانية التمويل والقدرة على الابتكار وضم جهات أخرى إليها.

16 - الآليات والموارد المالية: من بين التغييرات المتأخرة نسبيا، الانخفاض الملموس في تدفق المعونات الإنمائية، التي كانت تأتي عادة من الجهات المتبرعة الثنائية ومتعددة الأطراف إلى الحكومات المركزية. ويرجع ذلك أساسا إلى أسباب جغرافية سياسية، وساهم في الحد من دور القطاع الخاص في التنمية. فالالتزامات الرسمية للزراعة (بالأسعار الثابتة للدولار في عام 1990) انخفضت من 12.2 مليار دولار في عام 1992، العام الذي انعقد فيه مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالبيئة والتنمية، إلى ما يتراوح بين 10.5 -11 مليار دولار في 1995 - 1996. وربما أمكن تعويض جزء من هذا الانخفاض بالأموال الرسمية التي أعيد تخصيصها لمختلف منظمات المجتمع المدني. ومن غير المحتمل أن تعود التدفقات على الالتزامات الرسمية للزراعة إلى سابق عهدها في أوائل التسعينات، وإن كان ذلك هدف قابل للتحقيق مع زيادة ثراء العالم، وذلك بتخصيص ولو حصة أقل من الدخل القومي للبلدان المتبرعة للالتزامات الرسمية للزراعة. وأصبحت الاستثمارات المباشرة الأجنبية الخاصة، التي يذهب جزء لا يذكر منها إلى الزراعة، تفوق بكثير التدفقات الرسمية، كما أنها استفادت من العولمة. ولكن الاستثمارات الأجنبية المباشرة مازالت تذهب أساسا إلى عدد محدود من البلدان النامية المتقدمة، وليس في هذا ما يدعو إلى الاستغراب، إذ أن مثل هذه الاستثمارات لا تبحث بالطبع إلا عن الأمن السياسي أو الاقتصادي. ورغم ذلك، فإن هناك فرصا رائعة بدأت تظهر لحشد موارد جديدة من التمويل الخارجي. وكمثال، فإن تعويضات الكربون الناشئة عن التطبيق مستقبلا لبروتوكول كيوتو(3) الخاص باتفاقية الأمم المتحدة الإطارية المعنية بتغير المناخ يمكن أن تخلق تمويلا لأنواع المحاصيل وإدارة التربة التي تشجع امتصاص الكربون، بالنهوض مثلا بتجميع المواد العضوية في التربة. وعلى الوزارات المسؤولة عن الزراعة والبيئة والمالية أن تستكشف مثل هذه الخيارات والفرص (أنظر أيضا الوثيقة الخاصة بتغير المناخ: COAG/01/5).

17 - ديناميات السكان: لاشك أن النمو السكاني من أهم القوى الدافعة للتنمية الزراعية والريفية، وهي التنمية التي تؤثر بدورها على معدل سرعة الهجرة من الريف إلى الحضر، وفيما بين أنحاء الريف المختلفة. فلا مفر أمام المجتمعات الزراعية والريفية خلال عشرات السنين القليلة المقبلة من أن تصطدم بتأثير التغيرات في ديناميات السكان: فهناك تباطؤ معدلات نمو السكان، بل وانخفاضها في بعض البلدان، مما يؤدي إلى شيخوخة المجتمعات، واستمرار النمو السريع للعمران في أغلب البلدان النامية. فهنا أيضا نجد الفرص والتحديات معا. وكمثال، فمع بداية شيخوخة المجتمع، قد تساعد تركيبة السكان - مع الارتفاع النسبي في عدد السكان في سن العمل - على التنمية. كما أن العمران قد يخلق أسواقا للمنتجات الغذائية وغير الغذائية، لتكون وقودا للتنمية الريفية غير الموجودة في أغلب الأحيان. والتحدي هنا هو استغلال هذه القوى المفيدة في إطار التنمية الزراعية والريفية المستدامة.

18 - التغيرات الاجتماعية - الاقتصادية: إن ارتفاع الدخول وزيادة العمران يسفران عن تغيير أنماط استهلاك الأغذية، وبالتالي أنظمة إنتاجها. وسوف يكون لذلك تأثيره بشكل خاص على قطاع الثروة الحيوانية، وعلى الحبوب كأحد عناصر الأعلاف. فتنمية الثروة الحيوانية لمواجهة الطلب المتزايد، تحتاج إلى إدارة جيدة للتأكد من أن تأثيراتها المجتمعية والبيئية تتمشى مع فلسفة التنمية الزراعية والريفية المستدامة. والتأثير الرئيسي لتغير المناخ الاقتصادي على المجتمع الريفي، يتمثل في نمو الأنشطة غير الزراعية والأنشطة الزراعية المتقدمة، وما يسفر عنه ذلك من زيادة الدخول. فأكثر من نصف سكان العالم يعيشون الآن في ظل المجتمعات العمرانية والصناعية. ومع تقدم التنمية، أصبح دور الزراعة الأولية في تحديد دخول سكان الريف يتراجع، وأصبح الدور الذي يجمع بين الإنتاج الزراعي وتجهيز وتسويق هذا الإنتاج يتزايد، مع عمل سكان الريف في القطاعات الخدمية والصناعية وغير الزراعية. ومعنى هذا ضرورة أن تكون التنمية الزراعية والريفية المستدامة جهدا متكاملا يشمل الزراعة والصناعات الصغيرة والخدمات التي تحتاجها. فإقامة وحدات متخصصة للإنتاج الحيواني لا تحتاج إلا لمساحات صغيرة، وعلى الأخص إنتاج الدواجن والخنازير، هو الفرصة أمام المزارعين الذين لا يملكون مساحات كبيرة من الأراضي، بشرط تدريبهم تدريبا جيدا. والكثير من هذه الوحدات سيقام على الأرجح في المناطق المحيطة بالمدن، الأمر الذي يتطلب حرصا خاصا في التخطيط لاستخدام الأراضي والتخلص من الفضلات.

ثالثا - تطورات التنمية الزراعية والريفية المستدامة منذ مؤتمر ريو

19 - أهم التغييرات التي طرأت على السياق الخارجي للتنمية الزراعية والريفية المستدامة منذ انعقاد مؤتمر ريو، كانت مصحوبة بتطور المفهوم نفسه في ضوء التجربة المكتسبة منذ انطلاق هذا المفهوم والأفكار الجديدة في عملية التنمية، حتى في الاقتصادات الصناعية. ولابد من أخذ هذا التطور في الحسبان عند صياغة الاستراتيجيات المرتبطة بالتنمية الزراعية والريفية المستدامة والتفاوض بشأنها في مختلف المحافل القطرية والدولية.

20 - هناك الآن إدراك متزايد بأن الأنشطة الزراعية قد يكون لها جوانبها الإيجابية والسلبية على السواء: فهي يمكن أن تحمي البيئة وأن تدمرها أيضا، وأن ترسم مناظر طبيعية خلابة وأن تدمر أو تدهور الحياة البرية الطبيعية، وأن تشكل المجتمعات الريفية وثقافاتها بطريقة إيجابية أو سلبية. وكمثال، فإن أساليب المكافحة المتكاملة للآفات قد تسفر عن زيادة الغلات دون إحداث أضرار جسيمة للبيئة، وتقليل الخطورة على الصحة، مع تخفيض تكاليف الإنتاج. كما أن أنشطة الحرث الخفيف وزراعة الغابات يمكن أن تثبت الغلة وأن تسحب ثاني أكسيد الكربون من الجو وتقلل من تأثير غازات الاحتباس الحراري. ويورد الفصل الخاص بالتنمية الزراعية والريفية المستدامة في جدول أعمال القرن 21 هذه التأثيرات الإيجابية، وإن كان يدرجها من زاوية الاهتمام المباشر بتخفيض الآثار السلبية المحتملة مثل تدهور البيئة، بطرق تسمح في نفس الوقت بزيادة الإنتاج. فالمناداة دائما بالرسالة القائلة أن تنفيذ التنمية الزراعية والريفية المستدامة على نطاق واسع يمكن أن يفيد الجميع، ولكنه - بطرق مختلفة - يمثل تحديا سياسيا هاما على المستوى القطري، يتطلب اتفاق الآراء بين مختلف الأجهزة الحكومية من أجل تنسيق السياسات وبرامج العمل.

21 - وهناك تغييرات أخرى مهمة في مفهوم التنمية الزراعية والريفية المستدامة، تتعلق بتفسيره العملي. وأول هذه التغييرات هو ضرورة توسيع هذا المفهوم ليشمل الاستدامة الاجتماعية والمؤسسية والاقتصادية، لا أن يقتصر على الاستدامة البيئية، أي صيانة الموارد الطبيعية واستخدامها الرشيد. فالعاملون في التنمية الزراعية والريفية المستدامة الآن يفهمون أن الاستدامة تعني أن أساليب الإدارة ينبغي أن تكون مربحة، وأن تكون مناسبة من الناحيتين الاجتماعية والثقافية، وأن تلبي الاحتياجات المحلية مثل حقوق ملكية الموارد الطبيعية. وتمثل هذه الثانية اهتماما جديدا بالبيئة كعملية ينبغي أن تسمح بالمفاضلة المحسوبة بين تخفيض ما هو موجود من رأسمال طبيعي (الغابات، والمياه العذبة غير المستغلة، إلخ) وبين توليد موارد للاستثمار في رأس المال البشري والاجتماعي (مواطنون أكثر صحة وأفضل تعليما، والمعارف التقنية، والبنية الأساسية). وهذا التحول في المفهوم يزيد من التحديات التي تواجه تنفيذ التنمية الزراعية والريفية المستدامة، وإن كان يفتح فرصا جديدة لذلك.

22 - أخيرا، فقد أوضحت التجربة أنه ليست هناك خطة واحدة لتنفيذ التنمية الزراعية والريفية المستدامة. فهي تحتاج إلى سلسلة من الخطوات المنهجية، من جانب الحكومات الوطنية أساسا، لتحديد أهم الأعمال مع أهداف استراتيجية واضحة. وطوال هذه العملية، ينبغي أن يكون هناك فهم كامل بقدر الإمكان لتبعات الخيارات المقررة، سواء بالنسبة لأصحاب الشأن أو لبيئاتهم أو لأهداف الإنتاج. والأفضل أن يقوم هذا الفهم على حوار مع أصحاب الشأن وعمل تقدير اجتماعي - اقتصادي لنظم حياتهم، وعمل مسوحات لبيئتهم الطبيعية وتلك التي صنعوها بأنفسهم. ومن الناحية العملية، سيحتاج الأمر إلى مسوحات عاجلة وإلى تقديرات تقريبية، ولكن الهدف ينبغي أن يظل كما هو. ولاشك أن تبادل المعلومات والمعارف، الذي نهضت به التكنولوجيات الحديثة، سوف يجلب معه تأثيرات عالمية سريعة على أي ابتكارات في التنمية الزراعية والريفية المستدامة.

رابعا - التقدم صوب تحقيق التنمية الزراعية والريفية المستدامة: أهم مجالات العمل

23 - بالنسبة للعديد من البلدان النامية، فإن الأهداف الوطنية هي الحد من الفقر الريفي والجوع دون الإضرار بالبيئة، والتركيز على صون النظم الإيكولوجية الرئيسية. وبالنسبة للبلدان المتقدمة، فإن جدول أعمالها مختلف تماما على الأرجح. ففي هذه البلدان، تسعى الحكومات إلى معرفة أفضل الطرق لدعم مجتمعاتها الريفية والعناصر الفاعلة الأخرى في مواصلة مساهماتهم في تحقيق الأهداف القطرية المتعلقة بالأمن الغذائي، والتماسك الاجتماعي، والمحافظة على المناظر العامة. ولابد من علاج ذلك بطرق تتسم بالكفاءة والوعي البيئي، دون إنتاج فوائض من المنتجات الزراعية لا يمكن تصريفها. كما أن هناك فهم متزايد بأن ضمان حياة لائقة لسكان الريف ومجتمعاته، أمر أساسي لاستدامة الزراعة.

24 - قد حددنا ثلاثة مجالات هامة للعمل في الاستراتيجيات التي لها حساسيتها للتنمية الزراعية والريفية المستدامة في ظل مجموعة كبيرة من الأطر القطرية. وقد يرغب أعضاء لجنة الزراعة في التعقيب على هذه الأعمال، مستفيدين في ذلك من تجاربهم والأهداف التي يسعون إلى تحقيقها. وهذه المجالات هي:

وبالطبع، فعندما يبدأ الإنسان هذه الأعمال، فإنه لا يبدأ بصفحة نظيفة تماما. فهناك قرارات لها تأثيرها البعيد اتخذت بالفعل، وأصبحت جزءا من النظام السياسي المحلي. كما أن هناك التزامات إقليمية وعالمية أجريت بشأنها مفاوضات وتم التوصل إلى اتفاقيات. وبالتالي فربما لم يعد هناك مجال واسع للمناورات. ولكن هذه الاعتبارات لا ينبغي أن تعوق إجراء تقدير متعمق لمكان كل بلد بالنسبة لتنفيذ التنمية الزراعية والريفية المستدامة، والخطوة التالية التي ينبغي اتخاذها، مع استرجاع التزام هذا البلد في مؤتمر القمة العالمي للأغذية بإحداث تخفيض ملموس في عدد الجوعى.

ألف - بناء القدرات وتعزيز المؤسسات

25 - من أهم النقاط الجديدة في مفهوم التنمية الزراعية والريفية المستدامة، نهجها في التركيز على السكان. فالسكان هم الذين يتسببون في تدهور بل وربما تخريب بيئتهم، من خلال استراتيجيات معيشتهم واستمراريتهم، وهم أيضا الذين يستطيعون حماية هذه البيئة، بل ويرتقون بها. ومن هنا، فإن حجر الزاوية في أي استراتيجية إنمائية تركز على التنمية الزراعية والريفية المستدامة، هي بناء القدرات. وقد يشمل ذلك تمكين السكان من فهم بيئتهم وإدارتها، وأن يتحكموا في مصيرهم، وأن يدعموا أو يقيموا المؤسسات التي تستطيع أن ترشدهم وتمكنهم من هذا المسعى. ولابد أن يقوم بناء القدرات في جميع مستويات المجتمع، على التعليم. فالحصول على التعليم الأساسي، بما يشمله من معرفة القراءة والكتابة والمهارات الحياتية، هو أمر حيوي بالنسبة لجميع سكان الريف، وبالأخص الفقراء والمجموعات المهمشة منهم، بما في ذلك النساء والشباب. ويحتاج الأمر إلى مجموعة كبيرة من المهارات لمواجهة التحدي الذي يواجه تنفيذ التنمية الزراعية والريفية المستدامة. ومن بين المهارات "الجديدة"، مجموعة من المعارف التقنية والبيئية والاقتصادية التي تسمح بأخذ التأثيرات البيئية في الحسبان عند وضع السياسات والتخطيط لاستخدام الأراضي وإدارتها.

26 - ويحتاج بناء القدرات إلى معلومات، وإلى الحوار، ولكن الكثير من المعلومات غير متوافر أو لا يمكن الحصول عليه، وعلى الأخص بالنسبة للمزارعين الفقراء، كما أن الكثير من الدروس العملية اكتسبت بالفعل ولكن لم يتم اقتسامها مع الآخرين، كما أن فرص الحوار التي تسمح بحل المشكلات محدودة للغاية. والتكنولوجيات الحديثة مثل شبكة الإنترنت، تتيح فرصا هائلة للمجتمعات الريفية المعزولة في الحصول على المعلومات وتبادلها. ولكن استخدام مثل هذه التكنولوجيات يستلزم تخفيض تكاليفها، ووجود مصدر دائم للكهرباء (وهو ما سيكون له فوائد كثيرة على حياة السكان) ورغبة من جانب الحكومات في إحداث قفزة كمية في تطبيق الديمقراطية، التي قد تتمثل في توسيع فرص الحصول على المعلومات واقتسامها.

27 - إن بناء القدرات قد يكون عديم الفائدة إذا لم تكن هناك مؤسسات فعالة تسمح باستغلال مثل هذه القدرات. وقد دخلت الحكومات والوكالات الرسمية تدريجيا في مختلف أنحاء العالم إلى أنواع جديدة من الشراكة مع المجتمع المدني والقطاع الخاص في السنوات العشر الأخيرة. فالنمو السريع للمنظمات غير الحكومية، واتحادات المزارعين وعمال الزراعة، وأشكال النقابات التي تقوم على المجتمعات المحلية التي تضم مجموعة من العناصر الفاعلة المحلية، تبين كلها مدى اتساع هذه التغيرات. وبإمكان مثل هذه المنظمات أن تلعب دورا تحفيزيا وقياديا كبيرا. ومع ذلك، فإن الأبعاد المؤسسية والإدارية والتشريعية لهذه الشراكات الجديدة، مازالت بحاجة إلى تعزيز. فالمنظمات غير الحكومية وتجمعات المزارعين، بحاجة إلى صكوك قانونية وأدوات إدارة لكي تقوم بعملها بصورة مستقلة، وأن تبرم عقودا، وأن تمارس استقلالا ذاتيا ماليا وتحافظ على شفافية الإدارة. وتجد الوكالات الحكومية نفسها في أغلب الأحيان تدخل في اتفاقيات تعاونية جديدة مع فروع أخرى للحكومات، ومع القطاع الخاص والمجتمع المدني أيضا. وربما احتاجت المؤسسات إلى تعزيزها من أجل ضمان هيكل أمثل لملكية الأراضي وحقوق الملكية لكي تحقق أدوارها الاستراتيجية في مجال الزراعة، مثل الملكية الخاصة والعامة للأراضي، والحيازات الكبيرة أو الصغيرة، والإيجارات، أو خليط من كل ذلك.

باء - تعبئة الاستثمارات

28 - إن تشجيع التنمية الزراعية والريفية المستدامة، وبناء القدرات، بحاجة إلى استثمارات من القطاعين العام والخاص. أما تمويل القطاع العام، سواء كان من مصادر محلية أو من المعونة الخارجية، فشحيح للغاية، وربما كان معدوما حتى بالنسبة لأكثر الاستثمارات جاذبية. كما أنه مع لا مركزية صنع القرار، بما في ذلك تخصيص الموارد، قد يصبح التخطيط المركزي للاستثمارات أمرا غير عملي. فالمطلوب هنا هو خطة لاستراتيجية الاستثمار أو خطوط توجيهية لها أقصى فعالية في توجيه موارد الحكومة الشحيحة نحو المنفعة العامة مثل البنية الأساسية للنقل لتحرر تدفق الاستثمارات الخاصة في الأماكن المتصلة ببعضها. كما أن هناك حاجة إلى سياسات تخلق ظروفا اقتصادية سليمة تجذب الاستثمارات. وربما كانت هناك أيضا فرص وآليات جديدة مثل المرفق العالمي للبيئة وتعويضات الكربون، لتمويل استثمارات القطاع الخاص في الأنشطة المتعلقة بالتنمية الزراعية والريفية المستدامة.

29 - إن جذب استثمارات أجنبية مباشرة جديدة للاستثمار في التنمية الزراعية والريفية المستدامة يتطلب خلق ظروف لظهور مشروعات عملية، وهي مهمة ليست بالسهلة. ولكن مجرد السماح للزراعة بأن تكون أكثر ربحية، بتعديل سياسات التجارة والاستثمارات العامة السابقة التي كانت تحابي المدينة، سيكون خطوة مفيدة. كما أن إقامة تحالفات وشراكات جديدة بين الحكومات وقطاع الأعمال والمجتمع المدني، بالاستفادة من التكامل العالمي المتزايد، قد يؤدي إلى إعادة النظر في الأدوار التقليدية للتمويل الخارجي والمساعدات التقنية الخراجية، بما في ذلك الحوافز مثل المدفوعات التعويضية، ويساعد على جذب القطاع الخاص إلى هذا الميدان. كما أن الشراكة بين القطاعين العام والخاص قد تضمن زيادة تمويل التطورات التكنولوجية الزراعية.

30 - وهناك فرصة لم تستغل بعد لحشد المدخرات الريفية المحلية لاستثمارها في التنمية الزراعية والريفية المستدامة. ولكي يحدث ذلك، فربما احتاج الأمر إلى إصلاح واسع النطاق للسياسات من أجل حشد المدخرات وجعل الاستثمارات الريفية أكثر ربحية وضمانا بالنسبة "للمدخرين المحليين". وسوف تعمل المنظمة في شراكة وثيقة مع المؤسسات المالية الدولية والإقليمية والوكالات الثنائية ذات الصلة لتحقيق ذلك.

31 - إن الاستثمار في الزراعة والتنمية الريفية لا يحظى بالأولوية الأولى لدى الحكومات في كثير من الأحيان، ولذا يذهب الجزء الأكبر من المساعدات الرسمية للتنمية - وهي المساعدات المتناقصة أصلا - إلى القطاعات الاقتصادية الأخرى. ومن هنا ينبغي على الحكومات المهمومة بالفقر الريفي وبتخلف النمو الزراعي، أن تعيد النظر في أولوياتها. وينبغي على الجهات المتبرعة والحكومات أن تساند هذا القطاع في أغلب البلدان النامية، فالاستثمارات الأجنبية المباشرة تقتفي عادة أثر الفرص الإنتاجية، بما في ذلك فرص الزراعة.

جيم - سياسات وتكنولوجيات النهوض بالإنتاجية الزراعية وإدارة البيئة الطبيعية

32 - إن الاحتياجات التكنولوجية للمزارعين الفقراء، وبالتالي جهود البحوث اللازمة لتلبيتها، كبيرة. ولكن الطلب الفعال عليها منخفض للغاية: فهم لا يستطيعون أن يدفعوا الكثير من أجل هذه التكنولوجيا التي يحتاجونها ومن أجل المستلزمات المرتبطة بها مثل المياه والأسمدة والعمل الإضافي. أما القطاع الخاص الذي يملك حتى الآن الموارد الكبيرة للقيام بهذه البحوث، فمن غير المرجح أن يفعل ذلك دون حماية أكيدة لحق الملكية الفكرية من خلال براءات الاختراع والتراخيص وغيرها. وتكاليف هذه الأمور يبعدها عن متناول أيدي الفقراء. وفي هذا الصدد، فإن تطوير تكنولوجيا للمزارعين الفقراء في البلدان ذات الدخل المنخفض، ونقلها إليهم، سيأخذ شكل المنفعة العامة العالمية، مبررا التمويل العام. ولكن التمويل العام للبحوث الزراعية - سواء في البلدان النامية أو المتقدمة - قد انخفض بصورة ملموسة في السنوات العشر الأخيرة أو نحوها. وهنا 16 مركزا للبحوث تابعة للجماعة الاستشارية للبحوث الزراعية الدولية، تساندها اتحادات غير رسمية من القطاعين العام والخاص، كرست جهودها لدعم التنمية الزراعية والريفية المستدامة، وتساهم في تحقيق الأمن الغذائي واستئصال الفقر. وتتولى هذه المراكز تغطية جميع الأنشطة الزراعية، وإن كان تمويلها قد تعرض لهزات في بعض الأحيان. فالمطلوب هنا هو التوسع في تمويل القطاع العام للبحوث الزراعية والإرشاد، لمصلحة المزارعين الفقراء في العديد من البلدان ذات الدخل المنخفض، ربما بالتوسع في الشراكة بين القطاعين العام والخاص. وجدول الأعمال المحتمل للبحوث هو جدول طويل، ومن بين ما يشمله الموضوعات الرئيسية التالية:

33 - قد يود أعضاء لجنة الزراعة التعقيب على أهم مجالات العمل المقترحة للتنمية الزراعية والريفية المستدامة المذكورة من قبل، من زاوية أوضاعهم القطرية والأطر المتغيرة للوصول إلى الاستدامة.

خامسا - التقدم صوب تحقيق التنمية الزراعية والريفية المستدامة: دور المنظمة

34 - اتسمت بداية القرن الحادي والعشرين بالاهتمام المتزايد بتأثير النشاط البشري على البيئة وبالتوتر المستمر بين الحاجة إلى إشباع الاحتياجات الأساسية من مأكل ومسكن وملبس وتحقيق مستوى طيب بشكل عام للحياة، وبين الحاجة إلى صيانة الموارد المادية والبيولوجية الثمينة. وللمنظمة دور محوري ينبغي أن تلعبه في تحويل الفكرة العامة عن الزراعة كمشكلة، إلى تقدير للطرق التي تستطيع بها الزراعة واستخدام المناطق الريفية وإدارتها بطرق أفضل أن تصون النباتات والحيوانات والأراضي والمياه، بل والجو.

35 - وتتبوأ المنظمة - باعتبارها وكالة تقنية محايدة من وكالات الأمم المتحدة - مركزا مرموقا يسمح لها بالاستمرار في وضع المسائل العالمية المتعلقة بالأغذية والزراعة في صدارة الاهتمام الدولي، من خلال اتصالاتها مع الدول الأعضاء، والهيئات العلمية، والمحافل أو الأجهزة التي تضم المجتمع المدني والقطاع الخاص. فوظيفة المنظمة هي أن توجه السياسات والأعمال في الزراعة من أجل الأجيال القادمة، وأن تبلور الأفكار والأعمال للتغلب على التحديات التي تواجه إنتاج الأغذية وتوزيعها وتسليمها.

36 - إن معالجة استدامة الزراعة والتنمية الريفية ليست برنامجا منفردا في المنظمة، وإنما هي منهج متغلغل في جميع المشروعات والتخصصات والمصالح. فعمل المنظمة فيما يتعلق بالتنمية الزراعية والريفية المتكاملة ينصب أساسا على تشجيع العمل من أجل تحقيق الأمن الغذائي، وتخفيف وطأة الفقر الريفي، وتكنولوجيات الإنتاج المستدام والأطر التنظيمية القطرية والدولية، والحصول على المعلومات، ونظم دعم القرار، والإغاثة في حالات الطوارئ. وبإمكان المنظمة أن تساعد الأعضاء في الترويج لمنهج التنمية الزراعية والريفية المتكاملة، عن طريق لفت أنظارها إلى أهم القضايا، وتيسير حصولها على المعلومات واقتسامها للمعرفة.

37 - إن طبيعة الموضوع التي تتغلغل في جميع الأنشطة وتشابكه، يدعوان إلى منهج متعدد التخصصات يعبئ وراءه جميع مصالح المنظمة. فالخبرة التي جمعتها المنظمة تغطي أشكالا مبتكرة للإنتاج الزراعي ونظم الزراعة الحالية، والمؤسسات الريفية، وإدارة الموارد الطبيعية، والأطر القانونية والتشريعية، والسياسات الزراعية الوطنية. ولابد لمجموعات المتخصصين أن تلم بالتغيرات السريعة في المناطق الريفية في جميع أنحاء العالم، من حيث مناظرها الطبيعية ومجتمعاتها المحلية، واقتصاداتها. وتشكل مجموعات العمل المعنية بالبيئة والزراعة، ومجالات الأولوية الجديدة للعمل فيما بين التخصصات المختلفة التي وضعت لتنفيذ الإطار الاستراتيجي للمنظمة، الأساس لمثل هذا التعاون.

38 - إن اختيار مجالات العمل الرئيسية الثلاثة السابق ذكرها أعلاه، سيفيد المنظمة أيضا في صياغة برامجها في إطار الخطة متوسطة الأجل 2002-2007 لكي تستطيع الوفاء بدورها في تنفيذ التنمية الزراعية والريفية المستدامة، بما في ذلك دورها كمدير مهام. فهذا الدور يتخطى الدور المعتاد لرفع تقارير عنه إلى لجنة التنمية المستدامة والمؤسسات المرتبطة بها، رغم أهميته. فهو يشمل كونها نقطة اتصال لتشجيع التنمية الزراعية والريفية المستدامة على مستوى العالم، بالتعاون مع شركائها الدوليين داخل منظومة الأمم المتحدة، والمنظمات الحكومية الدولية الأخرى، والدول الأعضاء، والمجتمعات المدنية. وقد ثبت أن القيام بهذا الدور منذ مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالبيئة والتنمية كان أمرا صعبا، نظرا للضغوط التي تتعرض لها موارد المنظمة نفسها، ونقص الالتزامات المالية من المجتمع الدولي لتقديم مساعدات مالية، والأداء القطري المتفاوت في عملية التنفيذ. فعلى المستوى القطري، كان الفشل في تحقيق تعاون فعال بين الوزارات المختصة والشركاء المحتملين في المجتمع المدني والقطاع الخاص هو أحد الأسباب التي شكلت عقبة كؤود في أغلب الأحيان.

39 - وهكذا نجد أن استعراض ما تم بعد مرور عشر سنوات على انعقاد مؤتمر ريو يتيح فرصة للدول الأعضاء في المنظمة لتوجيهها إلى إعادة النظر في دورها في إطار التنمية الزراعية والريفية المستدامة. فالتوقيت الآن مناسب تماما، مع الإطار الاستراتيجي للمنظمة 2000-2015، الذي أقره المؤتمر العام في نوفمبر/ تشرين الثاني 1999، بالإضافة إلى أن الخطة متوسطة الأجل تتضمن العديد من الأنشطة التي تساند الجهود القطرية في مجال التنمية الزراعية والريفية المستدامة. وربما رأى أعضاء لجنة الزراعة التفكير في مدى ما تمثله الاستراتيجيات الخمس الموجودة في الإطار الاستراتيجي من هيكل مفيد - ضمن هياكل أخرى - للتخطيط الاستراتيجي القطري، وتنفيذ البرامج، ولتقديم إنجازات التنمية الزراعية والريفية المستدامة التي ستعرض على مؤتمر القمة الذي سيعقد بمناسبة مرور عشر سنوات على مؤتمر ريو عام 2002 وما بعده.

40 - إن زيادة القدرة وتعزيز المؤسسات أمران مهمان لتحقيق أهداف التنمية الزراعية والريفية المستدامة. كما أن تحسين نظم المعلومات والمعرفة جزء هام من بناء القدرات (أنظر الفقرة 26 السابقة). وكمثال، فإن المنهج الحديث الذي يتيح بعمل مواقع على شبكة الإنترنت يتيح طرقا جديدة لتنظيم المعلومات المعقدة، بما يسمح بطرح عدد كبير من المسائل المتضاربة للتنمية الزراعية والريفية المستدامة، بتوفير عدد من الخيارات لمعالجة كل مسألة، وإبراز تأثيراتها. وينطوي تقدير هذه التأثيرات، وتحديد الأولويات والاستفادة الكاملة من استخدام مثل هذه المعلومات، على طرق دينامية لصنع القرار تحشد الشركاء من داخل الحكومة ومن خارجها. والمنظمة في مركز يسمح لها تماما بتيسير جهود أصحاب المصلحة المتعددين من أجل إقامة نظام قوي للمعلومات ودعم القرار. ومع ذلك، فإن التوسع في العمل سيحتاج إلى موارد بشرية ومالية من أجل التخطيط لقاعدة مشتركة وإقامة هذه القاعدة وتنسيقها.

سادسا - مشورة لجنة الزراعة إلى المنظمة

41 - قد تود لجنة الزراعة تقديم مشورتها إلى المنظمة بشأن:

42 - قد يود أعضاء لجنة الزراعة أن يطلعوا على نماذج للتخطيط التعاوني الناجح بين الوزارات وبين الوكالات، والتنفيذ المشترك فيما يتعلق بالتنمية الزراعية والريفية المستدامة. فلاشك أن مثل هذه النماذج وآراء الأعضاء في الآليات اللازمة لعلاج المشكلات والاستفادة من فرص التعاون مع الحكومات والمجتمع المدني، سوف تثري مداولات اللجنة حول هذا الموضوع، وقد تكون حافزا على الابتكار.

43 - وأخيرا، فقد تود لجنة الزراعة رصد التقدم في تنفيذ التنمية الزراعية والريفية المستدامة بإدراج هذا الموضوع كبند دائم في جدول أعمالها كل أربع سنوات.