3.

الزراعة الخضراء: الإنتاج المستدام

تنمو معظم الفواكه على الأشجار – التي يجب غرسها والعناية بها وحصادها. وأما الخضراوات (ومعظمها من المحاصيل الحولية)، فيجب زراعتها، ونقلها، وإزالة الأعشاب الضارة منها، وإدارة آفاتها وأمراضها، وحصدها. ويميل إنتاج الفواكه والخضروات إلى كونه كثيف العمل والمهارة. ويولّد ذلك فرص العمل، ولكنه يزيد أيضًا من تكلفة الإنتاج ويرفع الأسعار.

ويركّز هذا الفصل على إنتاج الفواكه والخضروات. ونبدأ بإلقاء نظرة عامة على الإنتاج في جميع أنحاء العالم، من حيث السلع والمناطق والنمو خلال العقدين الماضيين. وننتقل بعد ذلك إلى دراسة ثلاثة أنواع مختلفة من المنتجين، وهم صغار المنتجين (الذين يزرعون غالبية الفواكه والخضروات في العالم)، والمنتجون في المناطق الحضرية وشبه الحضرية (الذين غالبًا ما يكونون كذلك من صغار المنتجين)، والمنتجون التجاريون على نطاق واسع.

وبعد ذلك، ننتقل إلى مدخلات المزرعة (البذور والمياه والأسمدة وإدارة الآفات) والممارسات الزراعية الجيدة. ثم نسلّط الضوء على قضايا بيئية مختارة، وهي استخدام الموارد، وتغيّر المناخ، والمحاصيل المهملة والأنواع البريّة، والفقدان المقلق للتنوع البيولوجي الذي يهدّد جميع أنواع الفواكه والخضروات. وأخيرًا، نتناول ثلاثة جوانب من السياسات والمؤسسات التي تؤثر بشكل خاص على جانب الإنتاج في سلسلة القيمة، وهي البحث وتطوير التكنولوجيا، والخدمات الإرشادية، والبنية التحتية الريفية.

الإنتاج

في عام 2018، أنتج العالم ما مجموعه 868 مليون طن من الفواكه و1089 مليون طن من الخضروات (قاعدة البيانات الإحصائية الموضوعية في المنظمة). وكانت أنواع الفواكه الرئيسية بحسب الأهمية هي الموز والحمضيات (البرتقال والتنجرين والمندرين والليمون والجريب فروت، وما إلى ذلك) والبطيخ والتفاح والعنب (الشكل 2). وبلغ إنتاج أنواع الفواكه «الأخرى» 76 مليون طن، وهو ما يظهر وجود مجموعة كبيرة من أنواع الفواكه المختلفة التي تُزرع في جميع أنحاء العالم.

© FAO/Vyacheslav Oseledko

الشكل2. الإنتاج العالمي من الفواكه بحسب السلعة في عام 2018

المصدر: قاعدة البيانات الإحصائية الموضوعية في المنظمة

وأما الخضروات الرئيسية فكانت الطماطم والبصليات المتنوعة (البصل والثوم والكرات الأندلسي والكرات) وأنواع الكرنب (الملفوف والقرنبيط والقرنبيط اللارؤيسي) والخيار. ولكن على العموم، تتّسم الخضروات الطازجة «الأخرى» بأهمية أكبر من هذه الفئات الفردية، إذ يزيد إنتاج الخضروات «الأخرى» عن إنتاج الطماطم بمرتين (الشكل 3).

الشكل3. الإنتاج العالمي من الخضروات بحسب السلعة في عام 2018

المصدر: قاعدة البيانات الإحصائية الموضوعية في المنظمة

وتعتبر منطقة شرق آسيا من دون منازع المنطقة الرئيسية لإنتاج الفواكه والخضروات في العالم، وتليها منطقة جنوب آسيا (الشكل 4 والشكل 5). أما مناطق الإنتاج الرئيسية الأخرى فهي أمريكا الجنوبية وجنوب شرق آسيا وأوروبا الجنوبية (بالنسبة إلى الفواكه) وجنوب شرق آسيا (بالنسبة إلى الخضروات). وتنتج أوروبا الشمالية والغربية القليل نسبيًا، ويتعيّن بالتالي على هاتين المنطقتين استيراد الكثير مما تستهلكانه (أنظر الفصل 4).

الشكل4. الإنتاج العالمي من الفواكه بحسب الإقليم في عام 2018

المصدر: قاعدة البيانات الإحصائية الموضوعية في المنظمة

الشكل5. الإنتاج العالمي من الخضروات بحسب الإقليم في عام 2018

المصدر: قاعدة البيانات الإحصائية الموضوعية في المنظمة

ومع ذلك، فإن إحصاءات الإنتاج لا تغطّي سوى عددًا قليلاً من الأنواع العديدة للفواكه والخضروات التي يتم زرعها واستهلاكها. كما أن نسبة كبيرة من إنتاج صغار المنتجين لا تظهر في الإحصاءات الرسمية للإنتاج والتجارة. والبستنة والإنتاج المنزليان لأغراض الاستهلاك المنزلي غير موثقين بقدر كبير، ولذا فإن أثرهما غير معروف إلى حد كبير. ونحتاج إلى فهم تنوّع أنظمة الإنتاج المختلفة وحقيقتها بشكل أفضل.

وقد زاد الإنتاج العالمي من الفواكه والخضروات على السواء بمقدار النصف تقريبًا بين عامي 2000 و2018 (الشكل 6). وكانت أكبر زيادة مطلقة في آسيا، خاصة شرق آسيا (حيث تُعدّ الصين المنتج الأكبر على الإطلاق). ومن الناحية النسبية، حصلت أكبر الزيادات في آسيا الوسطى (حيث زاد إنتاج الفواكه والخضروات على السواء أكثر من ثلاثة أضعاف) وأفريقيا الوسطى (حوالي ثلاثة أضعاف كمية الفواكه وضعف كمية الخضروات، وإن كانت هذه الزيادة منطلقة من قاعدة منخفضة للغاية). وتَضاعف أيضًا إنتاج الخضروات في شرق أفريقيا وغربها.

الشكل6. التغير الحاصل في إنتاج الفواكه والخضروات في عام 2018

المصدر: قاعدة البيانات الإحصائية الموضوعية في المنظمة

وشهد الإنتاج في بعض المناطق ركودًا أو حتى تراجعًا، أي في أمريكا الشمالية وأوروبا الجنوبية والغربية (الفواكه والخضروات) وفي أوروبا الشمالية (الخضروات فقط).

ويُنتج العالم المزيد من الفواكه والخضروات – لكنّ هذا الإنتاج لا يزال غير كافٍ. وفي عام 2000، بلغ مجموع الإنتاج العالمي 306 غرامات فقط لكل فرد يوميًا. وبحلول عام 2017، ارتفعت هذه الكمية إلى 390 غرامًا (منظمة الأغذية والزراعة، 2020) - ولكن هذا يشمل الأجزاء غير الصالحة للأكل مثل اللب والقشر، وكذلك الفاقد والمهدر، والتي غالبًا ما تكون بكميّات مرتفعة جدًا. وتوصي منظمة الصحة العالمية بأنه ينبغي للشخص أن يتناول على الأقل 400 غرام من الفواكه والخضروات يوميًا (Mason-D’Croz وآخرون، 2019).

وتمنع مشاكل التوزيع والوصول العديد من الناس من الحصول على أنواع أو كميات الأغذية التي يحتاجون إليها (الفصل 4). وتُفقَد أو تُهدَر نسبة كبيرة من المحصول قبل وصولها إلى أطباق المستهلكين (الفصل 5). وسيؤدي تغيّر المناخ ونقص المياه اللازمة لزراعة المحاصيل إلى صعوبة إنتاج ما يكفي لتلبية الكمية اليومية التي توصي بها منظمة الصحة العالمية (Mason-D’Croz وآخرون، 2019). كما أن رقم 400 غرام في اليوم هو رقم متوسّط، إذ تتوقّف الكميات الفعليّة الموصى بها على عوامل مثل العمر والجنس (الفصل 2). وسيتطلّب التأكّد من حصول كل شخص على ما يكفي من الفواكه والخضروات إجراء تحسينات على طول سلسلة القيمة بأكملها، من الإنتاج إلى المعالجة، والتسويق، وأخيرًا الاستهلاك.

ويغطي المصطلح الشامل «الفواكه والخضروات» مجموعة هائلة من الأنواع والأصناف وأنظمة المحاصيل والظروف الزراعية والمناخية وأنواع المزارع والأسواق. ولا يمكن استخدام نهج إنتاج واحد لها جميعًا. ومن أجل تحقيق استدامة الإنتاج، يجب تعديل الممارسات والتكنولوجيات وفقًا للسياق المحلّي.

© FAO/Paul Mundy

المنتجون

صغار المنتجين

ينتج المزارعون الأسريون، الذين هم غالبًا (وليس دائمًا) من صغار المنتجين، 80 في المائة من الأغذية في العالم من حيث القيمة (منظمة الأغذية والزراعة والصندوق الدولي للتنمية الزراعية، 2019)، إضافة إلى نسبة كبيرة من الفواكه والخضروات. وعلى الصعيد العالمي، تُزرع نسبة تزيد عن 50 في المائة من الفواكه والخضروات في المزارع التي تقلّ مساحتها عن 20 هكتارًا (ومعظمها من المزارع الأسريّة). وفي البلدان النامية، تزرع هذه المزارع الغالبية العظمى من الثمار البستانية - وأكثر من 80 في المائة في معظم آسيا وأفريقيا جنوب الصحراء الكبرى والصين (الشكل 7).

  • في كامبوديا، تمثّل الفواكه والخضروات ثاني أهم مجموعة من السلع بعد الأرزّ من حيث القيمة، وتوفّر المصدر الرئيسي الإضافي للدخل بالنسبة إلى معظم الأسر في البلاد (Altendorfا، 2018)؛
  • تشير التقديرات إلى أن صغار المزارعين يزرعون حوالي 80 في المائة من منتج الأفوكادو في المكسيك (Altendorfا، 2019)؛
  • تفيد التقارير بأن حوالي 000 200 أسرة ريفية تعمل بشكل مباشر في إنتاج الموز في غواتيمالا وتستفيد منه (Altendorf، ا2019).

الشكل7. إنتاج الفواكه والخضروات بحسب حجم المزرعة وأقاليم العالم

مقتبس من Herrero وآخرون، 2017

وفي أوروبا وأمريكا الشمالية والوسطى، تتّسم المزارع المتوسطة الحجم التي تتراوح مساحتها بين 20 و200 هكتار بأهمية أكبر، بينما لا تفرض المزارع التي تزيد مساحتها عن 200 هكتار هيمنتها إلّا في أمريكا الجنوبية وأستراليا ونيوزيلندا.

وتكون عادةً الفواكه والخضروات أكثر ربحية من المحاصيل الأساسية في مساحة معينة من الأرض. وتتطلّب بدورها إدارة مكثّفة أكثر. ويفتح ذلك باب الفرص أمام صغار المزارعين للاستفادة من الطلب المتزايد وتحقيق المزيد من المكاسب عن طريق إنتاج الفواكه والخضروات وتسويقها. ويتّصف الإنتاج على نطاق صغير أيضًا بالقدرة على حماية البيئة وضمان الإنصاف الاجتماعي (منظمة الأغذية والزراعة، 2012). ويمكن للنساء، على وجه الخصوص، الاستفادة من مشاركتهن بشكل متكرر في إنتاج الفواكه والخضروات وتسويقها (Fisher وآخرون، 2018).

وغالبًا ما تكون المزارع الأسرية الصغيرة النطاق أكثر تنوّعًا من المزارع الكبيرة الحجم، إضافة إلى أنه يوجد فيها مزيج من المحاصيل الأساسية والفواكه والخضروات والمحاصيل الأخرى والماشية. ويتيح لها هذا المزيج توزيع المخاطر لديها، أي إذا فشل أحد المحاصيل، فلديها محاصيل أخرى يمكنها الاعتماد عليها. ويعني التنوع أيضًا التوازن البيئي، حيث تستخدم مخلّفات المحاصيل من أجل أعلاف الماشية والسماد العضوي المستخدَم لتخصيب المحاصيل. وتأوي المحاصيل المختلفة الحشرات الملقـﱢـحة والعناصر المفيدة التي تكافح الآفات. ويشهد العديد من البلدان حاليًا انخفاضًا في أعداد الحشرات وتنوّعها، وهو ما يهدّد العديد من محاصيل الفواكه والخضروات التي تعتمد على التلقيح بالحشرات. ويمكن أن يساعد صغر حجم العديد من المزارع العائلية في الحفاظ على التنوع البيولوجي. وفي الوقت نفسه، تتّصف الأنظمة المتنوّعة بكثافة المعرفة فيها وتتطلّب مهارات من أجل إدارتها بكفاءة.

ولكنّ النطاق الصغير وتنوع المنتجات يجعل من الصعب على المزارعين تسويق منتجاتهم بفعالية. ولذلك، يجب أن يعتمد التسويق على تنظيم المزارعين في مجموعات أو الدخول في ترتيبات الزراعة التعاقدية مع التجار (أنظر الفصل 4). وإذا كان المزارعون في مجموعات، يمكنهم حينها اتخاذ إجراءات جماعية مثل شراء المدخلات، واستئجار الخدمات، وبيع منتجاتهم. ويمكن لأعضاء المجموعات أيضًا تبادل الأفكار والخبرات، وتكون لديهم فرصة أكبر للحصول على المشورة الفنية.

المنتجون في المناطق الحضرية وشبه الحضرية

يوجد العديد من صغار المنتجين في البلدات والمدن وما حولها. وتشمل فئة صغار المنتجين المزارعين التجاريين الذين يبيعون منتجاتهم في الأسواق المحلية، فضلًا عن أصحاب الحدائق المنزلية والبستانيين المجتمعيين الذين يزرعون المنتجات لاستهلاكهم الخاص أو لمشاركتها مع الأصدقاء والجيران. ويُباع المنتج الفائض في بعض الأحيان مباشرة إلى المستهلكين أو صغار التجّار. وبإمكان هؤلاء المنتجين زيادة توافر الفواكه والخضروات وسبل الحصول عليها بالنسبة إلى سكّان المدن. وقد سلّطت جائحة كوفيد-ا19 الضوء على أهمية الإنتاج المحلّي (منظمة الأغذية والزراعة، 2020).

ويعني وجود الطرقات السيئة عدم إمكانية نقل الفواكه والخضروات السريعة التلف إلى أماكن بعيدة. وهذه مشكلة أقلّ ضررًا بالنسبة إلى الحبوب أو المحاصيل مثل الكاكاو والبن، التي يمكن تجفيفها وتعبئتها وتحميلها في شاحنات ونقلها إلى أسواق بعيدة. وهذا هو أحد الأسباب التي تجعل تركيز البستنة التجارية المكثّفة حول المناطق الحضرية.

وفي حين أن زراعة الفواكه والخضروات في المدن وبالقرب منها لها مزاياها، فإنها تأتي أيضًا بالمخاطر المتعلقة بالتلوث والتلويث وفقدان الأراضي لصالح التوسع الحضري. وإضافةً إلى ذلك، لا تقع الزراعة الحضرية في بعض البلدان تحت مسؤولية وزارة الزراعة، لذلك لا يمكن للمزارعين الاستفادة من خدمات الإرشاد أو المدخلات المدعومة من الحكومة (Aubry وManouchehriا، 2019؛ وTaguchi وSantiniا، 2019).

المنتجون التجاريون على نطاق كبير

يميل المنتجون التجاريون للفواكه والخضروات على نطاق كبير إلى التركيز على مجموعة صغيرة نسبيًا من المحاصيل الرئيسية، مثل الطماطم والموز والأناناس. وتوجّه الكثير منها إلى سوق التصدير أو للمعالجة الصناعية. وبناءً على هيكلية السوق، قد تكون (أو لا تكون) هناك فرص لصغار المزارعين للاستفادة من المزارع الكبرى ومرافق المعالجة القريبة من خلال ترتيبات مثل الزراعة التعاقدية.

وتتطلب التكنولوجيات المتطورة مثل أنظمة الري والإضاءة الاصطناعية والزراعة في الأحواض المائية وأنظمة المعلومات الرقمية استثمارات رأسمالية ومهارات خاصة؛ وليس هناك من يستطيع تحمّل هذه التكاليف سوى العمليات التجارية الكبرى. وفي بلدان مثل كينيا وإثيوبيا، يزرع المزارعون الفاصوليا الخضراء والخضروات الأخرى في الدفيئات ويصدرونها عن طريق الشحن الجوي إلى التجار في أوروبا. ومع ذلك، يمكن حتى لصغار المنتجين اعتماد تكنولوجيات مثل الدفيئات والري بالتنقيط.

المدخلات

تكنولوجيات الإنتاج والتسويق

جرى تطوير تكنولوجيات تجعل إنتاج الفواكه والخضروات ومعالجتها وتسويقها أكثر كفاءة. وتشمل هذه التكنولوجيات ما يلي:

  • الإنتاج: زراعة الأنسجة والتطعيم للإمداد بالشتلات، والأصناف العالية الإنتاجية والمقاوِمة للأمراض، والتطعيم، والزراعة الدقيقة، والطائرات من دون طيار، وأنظمة المشورة الإرشادية، والري، والدفيئات، وتربية الحشرات للتلقيح ومكافحة الآفات، وتحديد الآفات وإدارتها، وتقنيات الصون الزراعية؛
  • الحصاد وما بعده: معدات الحصاد والفرز والتعبئة، وتحسين تقنيات التعبئة والتخزين (أنظر الفصل 5
  • التسويق: أنظمة معلومات الأسواق، والاتصالات الرقمية، وأنظمة التتبع، والمدفوعات عن بُعد (أنظر الفصل 4).

ولا تزيد هذه التكنولوجيات من الإنتاجية والغلات والجودة فقط؛ بل إنها تقلّل أيضًا الخسائر وحجم العمالة المطلوبة، وتركز بشكل أكبر على المهارات الإدارية. ومن المرجح أكثر كذلك أن تجذب الشباب الأفضل تعليمًا إلى مهن البستنة وأن تهيئ فرص عمل جديدة داخل المزارع وخارجها. ومع ذلك، فهي تنطوي على نفقات رأسمالية قد تكون بعيدة عن متناول صغار المنتجين الفقراء.

البذور ومواد الزرع العالية الجودة

تعتمد المحاصيل الحولية مثل أنواع الملفوف والبصل على بذور أو مواد زرع أخرى عالية الجودة من أجل إنتاج غلات عالية. وتعتمد النباتات المعمّرة مثل الحمضيات والتفاح والعنب على الشتلات النسيليّة أو الفسائل المطعمة. ويجب أن تكون مواد الزراعة هذه نقية وراثيًا وذات معدّل إنبات مرتفع وخالية من الأمراض. ويجب تكييف الأصناف مع البيئة المحلية وتفضيلات السوق من حيث اللون والشكل والطعم. ويجب أن تكون متاحة للأسواق بأشكال مختلفة، أي طازجة أو مجففة أو معلبة أو معصورة أو مخمرة (منظمة الأغذية والزراعة، 2001).

وفي العديد من البلدان، لا تتوافر مواد الزراعة العالية الجودة بسهولة. والأصناف المحسنة المناسبة هي إما غير موجودة أو تشهد نقصًا في الإمداد. وتقلّ كذلك برامج زراعة الأنسجة لإنتاج مواد الزراعة. ويعتمد المزارعون على البذور التي ينتجونها بأنفسهم، أو يتبادلون مواد الزراعة مع من يجاروهم. ولهذا الأمر مزاياه (يحافظ على الأصناف المحلية) وعيوبه (لا يستطيع المزارعون الحصول على الأصناف التي يحتاجونها لدعم محصولهم). وتنجم هذه العيوب عن السياسات غير الملائمة والافتقار إلى بيئة مؤاتية لقطاع البذور المزدهر (Tata وآخرون، 2016).

المياه

يختلف العديد من أنواع الفواكه والخضروات من حيث المتطلبات المائية، إذ تحتاج إلى الكمية المناسبة من المياه في الأوقات المناسبة. فكثرة المياه تجعل الجذور تتعفن. وقلّة المياه تسبّب ذبلان النباتات. ويقول البستانيون أن الطماطم على وجه الخصوص لها متطلّبات محدّدة، فهي تحتاج إلى «رؤوس جافة وأقدام رطبة». وغالبًا ما يكون الري ضروريًا لتكملة مياه الأمطار (وهو بالطبع أمر لا غنى عنه في الدفيئات). ولكنّ مياه الري شحيحة في بعض المناطق والمواسم، مما يؤدي إلى بذل جهود للحصول على «مردود أكبر لقاء كلّ قطرة مياه» (منظمة الأغذية والزراعة، 2003).

ويستخدم العديد من صغار المزارعين مرشّات المياه لسقي خضرواتهم، وهذا أمر عملي في الدفيئات الصغيرة والحدائق القريبة من المنازل. وفي المناطق الأكبر مساحةً، تُستخدم نظم ريّ مختلفة تستعمل نظمًا فوقية أو أخاديد أو الري بالتنقيط (أنابيب ذات ثقوب صغيرة تسمح للمياه بالتسرّب؛ Wainwright وآخرون، 2013). ويمكن أن يستخدم الري المياه التي أصبحت «مياهًا رمادية» جراء الغسل (بعد ترشيح بسيط)، ولكنّ استخدام «المياه الأسود» الذي يحتوي على مواد برازية يسبّب مشكلة لأنه قد يلوّث التربة والمحاصيل. وتستخدم الأنظمة المتطورة الترشيح البيولوجي لإعادة تدوير المياه وتقليل التلوّث.

© IWRM AIO SIDS

الأسمدة

وفي الأماكن التي تحظى فيها الفواكه والخضروات بأولوية منخفضة، لم تستثمر الحكومات أو القطاع الخاص إلّا استثمارًا قليلًا من أجل ضمان تعليم المزارعين وحصولهم على تركيبات الأسمدة المناسبة، ووضع الأسمدة المناسبة، والجرعات الموصى بها. ونتيجة لذلك، لا يستطيع العديد من المزارعين الحصول على الغلّات المتوقعة. ويجب تحديد كمية الأسمدة المستخدَمة وأنواعها بناءً على تحليل التربة، كما ينبغي تجنب الاستخدام المفرط.

ويمكن تحسين إمداد الأسمدة الاصطناعية من خلال عمليات الشراء بالجملة التي تقوم بها مجموعات المزارعين، ومن خلال الإعانات «الذكية» وبرامج الائتمان من أجل مساعدة المزارعين على شراء المدخلات التي يحتاجون إليها.

ويُعتبر السماد العضوي مهمًا في إنتاج الفواكه والخضروات، واستخدامه عملي أكثر من استخدامه من أجل الحبوب لأن المناطق المعنية عادةً ما تكون أصغر مساحة. ويدرك العديد من صغار المزارعين هذا الأمر بالفعل، فهم يقومون بتسميد الروث الموجود في مزارعهم لتخصيب مساحاتهم المخصصة للخضروات عوضًا عن نثرها بطبقات بسيطة على حقول محاصيلهم. ويعتبر المهاد مفيدًا لتغطية التربة والحفاظ على رطوبتها ومنع نمو الأعشاب الضارة فيها.

إدارة الآفات والأمراض

هناك العديد من أنوع الفواكه والخضروات التي يجب أن تبدو خالية من العيوب لتكون قابلة للبيع، مثل البابايا المثالية، والموز الجميل، والكرز الأفضل شكلاً. ولكنّ الكثير من الأنواع شديدة الحساسية تجاه الآفات والأمراض. ويمكن أن تشوبها أصغر الشوائب من الدرجة الأولى إلى سلة علف الحيوانات.

ولتجنّب ذلك، غالبًا ما يستخدم المزارعون مواد كيميائية أكثر مما يحتاجون إليه لمكافحة الآفات والأمراض وتلبية متطلبات المشترين. ويتسبّب الاستخدام العشوائي والمفرط للمواد الكيميائية في مشاكل صحية وبيئية للمزارعين (Tsimbiri وآخرون، 2015)، ويضرّ بالحشرات المفيدة، ويلوث المنتج، وهو ما يؤدي إلى ظهور شواغل تتعلّق بسلامة الأغذية.

والإدارة المتكاملة للآفات هي الحلّ. فهي استراتيجية قائمة على النظام الإيكولوجي تركّز على الوقاية من الآفات والأمراض على المدى الطويل من خلال مجموعة تنطوي على المكافحة البيولوجية، ومعالجة الموائل، وتحسين الممارسات الثقافية، واستخدام أصناف قادرة على المقاومة. ويستخدم المزارعون مبيدات الآفات بحكمة، وإذا أظهرت الفحوصات الميدانية الدقيقة أنها ضرورية فقط - وليس كإجراء وقائي، كما هو شائع للغاية (Flintا، 2012).

وتتيح التكنولوجيات الجديدة الآن، مثل تطبيقات الهواتف الذكية والمختبرات المعتمدة، اكتشاف الآفات والأمراض بسرعة والتوصية بطرق التعامل معها (Miller وآخرون، 2009). ومع ذلك، قد تستخدم شركات المواد الكيميائية الزراعية التطبيقات للترويج لبيع منتجاتها، من دون أن تنبه المزارعين إلى وجود طرق أخرى لمكافحة الآفات. ومن المهم تعزيز معرفة المنتجين وتفكيرهم النقدي، وتمكينهم من الحصول على معلومات وتكنولوجيات دقيقة لحل المشاكل. ويتوفر عدد من مبيدات الآفات الحيوية في الأسواق، وهي أقل ضررًا بالبيئة لكن يجب استخدامها بحكمة كذلك. وتحقق النُهج التشاركية، مثل مدارس المزارعين الحقلية، نجاحًا في تعزيز الإدارة المتكاملة للآفات في جميع أنحاء العالم.

الممارسات الزراعية الجيّدة

تُعدّ البذور ومواد الزرع المحسّنة، والري الكافي، والإدارة المتكاملة للآفات، جزءًا من مجموعة «الممارسات الزراعية الجيدة» التي ينبغي للمزارعين استخدامها لزراعة ما يكفي من الفواكه والخضروات بطريقة مستدامة. وتشمل التكنولوجيات الأخرى ما يلي:

تعاقب المحاصيل والزراعة البينيّة. يساعد تعاقب المحاصيل في الحفاظ على خصوبة التربة ومكافحة الآفات والأمراض. ويمكن تطبيق التعاقب للخضراوات ذات الموسم الواحد مع الحبوب الأساسية والمحاصيل الأخرى. ومن المهم اتّباع التسلسل الصحيح للمحاصيل، لأن بعض الأنواع لا تنمو بشكل جيّد إلى الأنواع الأخرى أو بعدها (الشكل 8). ويمكن أيضًا زراعتها في صفوف وشرائح متناوبة، أو بين صفوف أشجار الفواكه. ويمكن زراعة أشجار الفواكه حول الحقول أو على الحواجز، حيث تساعد في تثبيت المنحدرات.

© FAO/Farooq Naeem

الشكل8. تعاقبات المحاصيل الموصى بها للخضروات في المملكة المتحدة

مقتبس من منظمة المجتمع الملكي للبستنة (RHS) (2020)

الإنتاج المتكامل مع الثروة الحيوانية. يمكن رعي الماشية تحت أشجار الفواكه، إذ يساعد ذلك على منع الأعشاب الضارة من النمو وعلى تخصيب التربة، أو في حقول الخضروات بعد الحصاد. ويمكن تغذية الحيوانات بمخلفات المحاصيل مثل أوراق الملفوف المرمية أو الفواكه المشوهة. وبعد العلاج المناسب، يمكن استخدام الروث لتخصيب الحدائق والحقول.

التعديلات في التربة. يمكن للتعديلات مثل المهاد والسماد العضوي والتجيير أن تمنع الأعشاب الضارة من النمو وتكافح تآكل التربة وتزيد الخصوبة. ومن الممكن إجراء بعض التعديلات (المهاد والسماد العضوي) في المزرعة (جودة السماد العضوي مهمة، وإلّا فقد ينشر المنتجون بذور الأعشاب الضارة الموجودة في السماد العضوي). وهناك تعديلات أخرى، مثل الجير، يتعين الإتيان بها من مكان آخر.

© FAO/Fredrik Lerneryd

تخفيف الحراثة. يقوم المزارعون بحراثة زرعهم بشكل أساسي من أجل مكافحة الأعشاب الضارة. ولكنّ الحراثة لها عيوب كثيرة، فهي تدمر بنية التربة وتقلل من رطوبتها وتقضي على الكائنات الحية فيها وتسرّع تحلل المواد العضوية وإطلاق ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي. ومن الأفضل تقليل كمية الحراثة أو تجنبها تمامًا، على سبيل المثال عن طريق زرع البذور في الأخاديد الفردية أو استخدام معدات الزراعة المتخصصة. وتمكّن زراعة الشتلات المزارعين من التغلب على الأعشاب الضارة؛ كما أن الزرع الكثيف واستخدام المهاد يساعدان كذلك في القضاء على الأعشاب الضارة. ومبيدات الأعشاب تساعد أيضًا، على الرغم من أنها تهدد بتلويث البيئة والإضرار بالتنوع البيولوجي وتلويث المحصول.

الزراعة العضوية. تتجنب الزراعة العضوية استخدام المدخلات الاصطناعية برمتها، وتستخدم العديد من المبادئ الموضحة أعلاه (Scialabba وآخرون، 2015). وتعتمد هذه المبادئ على الزراعة الكثيفة والمهاد لمنع الأعشاب الضارة من النمو، وإيقاف تسلسلات المحاصيل من أجل تجنب فترات الإراحة، والجمع بين عدة محاصيل لمكافحة الآفات، والتحكم الدقيق في المياه، والمراقبة المكثفة والصيانة. وهي مناسبة بشكل خاص لزراعة الفواكه والخضروات على نطاق صغير حيث يمكن أن يوفر البستانيون المستوى المطلوب من العمل والإدارة.

والعديد من مزارعي الفواكه والخضروات في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل هم منتجون عضويون بحكم الأمر الواقع، وذلك لأنهم لا يستطيعون الحصول على المواد الكيميائية الزراعية، أو لا يستطيعون تحمل تكاليفها، أو يعطون الأولوية لمحاصيلهم الأساسية مقابل الأسمدة القليلة التي يمكنهم شراءها. ويمكنهم الاستفادة من التدريب والمشورة في إدارة المحاصيل، ومن البذور المحسنة ومواد الزرع.

البيئة

استخدام الموارد

عادةً ما تكون للأغذية الغنية بالمغذيات مثل الفواكه والخضروات آثار بيئية أقل من المواد الغذائية الأساسية الغنية بالكاربوهيدرات مثل الحبوب (Clark وآخرون، 2019). وبالنسبة إلى كل وحدة من الأرض والمياه والمغذيات، فإن الفواكه والخضروات هي أكثر فعالية في توفير الأمن التغذوي من المحاصيل الأخرى. ويمكن أن يساعد ذلك في منع توسّع الزراعة في مناطق الغابات المهمة للتنوع البيولوجي وعزل الكربون.

ومع ذلك، فإن الإنتاج المكثَّف وغير المستدام للفواكه والخضروات يمكن أن يستخدم كميات مفرطة من الأسمدة ومبيدات الآفات، ممّا قد يضر بالتنوع البيولوجي ويلوث المياه السطحية والجوفية.

تغّير المناخ

لم يُجرَ إلّا القليل من الأبحاث نسبيًا بشأن آثار تغير المناخ على إنتاج الفواكه والخضروات. وقد تؤثر جوانب متعدّدة من تغير المناخ على إنتاج الفواكه والخضروات، ألا وهي درجة الحرارة وتركيزات ثاني أكسيد الكربون ومستويات الأوزون وتوافر المياه والملوحة. ومن المحتمل أن تختلف آثارها من مكان إلى آخر. فبعضها إيجابي (من المتوقع أن يؤدي ارتفاع مستويات ثاني أكسيد الكربون إلى تحفيز نمو النبات)، والبعض الآخر سلبي (انخفاض توافر المياه يضرّ بالنبات) (Scheelbeek وآخرون، 2018). وتشتد الحساسية في العديد من أنواع الفواكه والخضروات تجاه درجات الحرارة القصوى، مثل الصقيع والحرارة أثناء الإزهار. وتتوقف بعض المحاصيل عن النمو إذا لم تكن درجة الحرارة ضمن النطاق المناسب؛ ويعاني البعض الآخر من اضطرابات تجعلها غير قابلة للتسويق، إذ تصبح قرون الفاصوليا خيطية، وتصبح لدى القنبيط جذوع مجوفة، فيما تظهر على الخس «براعم» (أي تظهر فيه جذوع ممتدة) (Peet وWolfeا، 2000).

المحاصيل المهملة والأنواع البرية

من بين 40000 نوع للنباتات وفقًا للتقديرات، هناك بين 30 000 وما يزيد عن 80000 نوع صالحة للاستهلاك بالنسبة إلى الإنسان (Brummitt وآخرون، 2020؛ ومنظمة الأغذية والزراعة، 2018). وتُزرع عدّة آلاف منها كمحاصيل زراعية وبستانية. وقد تم جمع وزراعة حوالي 7000 نوع منذ ظهور الزراعة. ولكنّ الإمدادات الغذائية في العالم تعتمد فقط على 200 نوع من النباتات (العديد منها من الفواكه والخضروات)، ويوفر 12 نوعًا فقط ثلاثة أرباع الغذاء الذي نستهلكه؛ وتمثّل تسعة أنواع فقط 66 في المائة من مجموع إنتاج المحاصيل (منظمة الأغذية والزراعة، 2019؛ ومركز البحوث التنمية الدولية، 2010). وتشكّل الفواكه والخضروات معظم المحاصيل الثانوية المتبقية أيضًا، وكذلك الغالبية العظمى من الأنواع الأخرى الصالحة للاستهلاك.

وغالبًا ما يشار إلى هذه الأنواع والأنواع الأصلية على أنها «مهملة وغير مستغلَّة بشكل كافٍ» لأنها «منسيّة» في البحوث والاستثمارات الزراعية. وتشمل أنواع وأصناف المحاصيل التقليدية، فضلاً عن الأنواع البرية التي غالبًا ما يحصدها الناس ويستخدمونها كأغذية. وتمثل إمكانات هائلة غير مستغلَّة بالنسبة إلى صغار المزارعين والمجتمعات الريفية. وغالبًا ما تكون أكثر تغذيةً وقدرةً على المقاومة للآفات والأمراض من الأصناف التجارية (Schreinemachers وآخرون، 2018). وتتكيّف هذه الأنواع جيّدًا مع المناخ المحلي والآفات المحلية. كما أنها تتمتع بالقدرة على المقاومة وتتطلب القليل من المدخلات أو لا تتطلب أيًا منها، وكثيرًا ما تنمو كأعشاب في الحقول وما حولها وعلى طول جوانب الطرقات؛ ولذلك، تكون عادةً متاحة لمالكي الأراضي وغير المالكين للأراضي على السواء.

ويُباع العديد من المحاصيل التقليدية والأنواع البرية في الأسواق المحلية (Mundyا، 2014). فهي تساعد في الحفاظ على الأمن الغذائي والتغذوي وتعمل كحاجز في المناطق المعرّضة للكوارث (Rahim وآخرون، 2009). ويمكن تطوير هذه الأنواع والأصناف لتوسيع سلّة الغذاء من أجل مواجهة خطر تغيّر المناخ (Padulosi وآخرون، 2013). وتساهم الأغذية البريّة في ضمان جودة النظام الغذائي والتنوع الغذائي والتوازن الموسمي (Powell وآخرون، 2015) من خلال توفير المغذيات المهمة واستكمال العديد من الوجبات الغذائية الأساسية في أي شهر معيّن من السنة.

ومن المهم وضع استراتيجيات يمكنها أن تساعد المحاصيل الغذائية الأصلية على المساهمة بفعالية في تحقيق الأمن الغذائي، والتغذية، والصحة، والتنمية الاقتصادية (Kahane وآخرون، 2013). وسيتطلّب ذلك إنشاء بيئات سياساتية مؤاتية وزيادة الاستثمارات (Jaenickeا، 2013)، وتوليد المعلومات ونشرها (Pichop وآخرون، 2016)، وتعزيز البحث وإدارة المعارف وبناء القدرات، على سبيل المثال، لتعزيز برامج التربية التي تركّز على تطوير أصناف مكيّفة (لجنة الزراعة، 2018).

التنوّع البيولوجي للمحاصيل

يحافظ المزارعون والبستانيون حول العالم على مجموعة واسعة من الأصناف التقليدية للفواكه والخضروات. ولكنّ هذه الثروة تقبع تحت التهديد من مصادر مختلفة. وتحثّ الضغوط التجارية المزارعين على اعتماد أنواع عالية الغلّات عوضًا عن الأنواع التقليديّة المنخفضة الغلّات، بيد أنها أكثر قدرة على التحمّل، وعليها طلب محدود من جانب المستهلكين. ويسوّق منتجو البذور الأصناف التجارية فقط – وهي غالبًا أصناف هجينة تنتج بذورًا عديمة الفائدة أو لا تنتج بذورًا على الإطلاق. وعندما تموت الأصناف القديمة من أشجار الفواكه، لا يتم استبدالها. ويؤدّي التلقيح المتبادل مع الأصناف المستورَدة إلى إضعاف النقاء الوراثي للأنواع المحليّة. وتؤثر الآفات والأمراض والجفاف والحرارة بشكل سلبي على المجموعات المتبقّية من الأصناف التقليدية وقد تدفعها إلى الانقراض.

وفي البلدان المرتفعة الدخل، تقوم شركات البذور بتربية بذور المحاصيل البستانية وتكثيرها وتسويقها، بينما تربّي الحاضنات التجارية شتلات الخضار والأشجار المثمرة. وتقوم أيضًا الجامعات ومعاهد البحث والمنظمات غير الحكومية بحفظ بذور الأصناف التقليديّة وتوزيعها. ومثل هذه الخدمات نادرة أو غير موجودة في البلدان المنخفضة والمتوسّطة الدخل - باستثناء عدد قليل من الأنواع التجارية مثل الموز والأناناس. ويجب أن يعتمد المزارعون على بذورهم الخاصة أو على المبادلات المحلية للبذور. وهذا يحفظ التنوع البيولوجي، ولكنه يعني أن المزارعين لا يمكنهم الوصول إلى الأصناف المناسبة العالية الغلات.

ويحتفظ المركز العالمي للخضروات، وهو معهد أبحاث دولي مكلّف بالخضروات، ببنك للجينات يضم 000 61 عيّنة من 155 بلدًا، بما في ذلك حوالي 000 12 عيّنة من الخضروات الأصلية (المركز العالمي للخضروات، 2020ب). ولكن جرى بذل جهود أقل بكثير لتوصيف المادّة الوراثية لمعظم أنواع الفواكه والخضروات وصونها مقارنة بمحاصيل الأغذية الأساسية. وفي المقابل، يحتوي بنك الأرزّ الدولي على أكثر من 000 132 عيّنة من الأرزّ وأقاربه البرية (المعهد الدولي للبحوث المتعلقة بالأرزّ، 2019أ).

السياسات والمؤسسات

يتطلّب التكثيف المستدام لإنتاج الفواكه والخضروات التزامًا سياسيًا، واستثمارًا، ودعمًا مؤسسيًا، ونهجًا قائمًا على الطلب لتطوير التكنولوجيا. ولا توجد مجموعة توصيات «واحدة تناسب الجميع». ومع ذلك، من الممكن تحديد السمات الرئيسية للسياسات والمؤسسات التمكينية من أجل التكثيف المستدام لإنتاج الفواكه والخضروات على نطاق صغير. وسيتطلّب تصميم السياسات وتنفيذها ومراقبتها تعاونًا وثيقًا بين مختلف الوزارات والإدارات، من الصحّة العامّة والتعليم إلى التجارة والبيئة والزراعة.

البحث وتطوير التكنولوجيا

بالمقارنة مع المحاصيل الأساسية مثل الأرزّ والقمح، بُذلت جهود قليلة نسبيًا عمومًا لتطوير تكنولوجيات محسّنة للفواكه والخضروات. ويعود ذلك إلى تركيز الحكومات والمنظمات الدولية في الماضي على ضمان الأمن الغذائي من حيث السعرات الحرارية بدلاً من المغذيات، إذ بذلت المزيد من الجهود من أجل ملء الأطباق بدلاً من زيادة تنوّع الأطعمة في الطبق الواحد. ويعود ذلك أيضًا إلى كثرة عدد أنواع الفواكه والخضروات، وكل منها يحتاج إلى برنامج خاص للتربية والبحث.

© Veejay Villafranca/NOOR for FAO

وإن التمويل المخصَّص للبحث في جميع أنواع المحاصيل غير كافٍ نظرًا إلى أهمية هذه المحاصيل، والتحديّات التي تواجهها، والأرباح المؤكدة والمحتملة للبحث والتطوير. وتبلغ ميزانية المعهد الدولي للبحوث المتعلّقة بالأرزّ 73 مليون دولار أمريكي ويركّز على محصول واحد (المعهد الدولي للبحوث المتعلّقة بالأرزّ، 2019ب). ولا يزال هذا أكثر بكثير من ميزانية المعهد النظير المخصّص للخضروات، وهو المركز العالمي للخضروات الذي تبلغ ميزانيته حوالي 20 مليون دولار أمريكي وعليه أن يتعامل مع مجموعة كاملة من المحاصيل (المركز العالمي للخضروات، 2020أ). ولا يوجد مركز أبحاث دولي يركّز على الفواكه.

ويجري تنفيذ غالبية البحوث الزراعية في المؤسسات العامة مثل معاهد البحوث الحكومية والجامعات والمراكز الدولية (Beintema وElliotا، 2011). ويصعب العثور على الأرقام الخاصة ببحوث القطاع الخاص ولكن يبدو أنها أقل من البحوث التي يمولها القطاع العام. وتركّز معظم بحوث القطاع الخاص على البلدان المرتفعة الدخل، مع تركيز قليل جدًا على البلدان المنخفضة والمتوسّطة الدخل.

© FAO/Riccardo Gangale

وتمثّل الفواكه والخضروات نسبة صغيرة من إجمالي الجهد المبذول في مجال البحوث الزراعية، وتركّز معظم أبحاث البستنة على المحاصيل التجارية والتصديرية الرئيسية، مثل الموز، عوضًا عن التركيز على مجموعة واسعة من المحاصيل المهمّة محليًا والتي لا تظهر في البيانات التجارية. وتدعو الحاجة إلى إجراء مزيد من البحوث لدعم الإنتاج المحلي المستدام والحفاظ على الأنواع المهملة والقليلة الاستغلال والترويج لها، لا سيما في المناطق التي يكون فيها الإمداد المتوقّع غير كافٍ بشكل خاص، مثل أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وأجزاء من آسيا والمحيط الهادئ (Mason-D’Croz وآخرون، 2019).

وهناك حاجة إلى البحث من أجل تربية أصناف مقاومة للأمراض والآفات، وقادرة على تحمّل الحرارة والجفاف والفيضانات والملوحة، وتنطوي على محتوى غذائي زائد. وتشمل المواضيع الأخرى ذات الأولوية تقنيات إدارة المحاصيل، ومكافحة الآفات والأمراض، ونُهج الريّ الفعالة من حيث استخدام المياه، مثل الريّ بالتنقيط وإعادة تدوير المياه المستخدمة، والإدارة الجيدة للتربة وطرق الصون التي ترمي إلى تعزيز صحّة النبات، واستخدام الآلات الزراعية المناسبة لتقليل احتياجات العمل وتحسين الإنتاجية.

وتوفّر الدفيئات العديد من الفرص لتقليل الأثر البيئي المترتَّب على زراعة الخضروات، على سبيل المثال من خلال الاستخدام الأمثل للطاقة وتقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون وتحسين كفاءة استخدام المياه ومكافحة الآفات والأمراض.

ولكن صغار المنتجين يزرعون معظم الفواكه والخضروات في العالم، وهناك حاجة إلى تكنولوجيات تناسب ظروفهم وميزانياتهم. ويجب ضمان وصول النساء، اللواتي يدرن جزءًا كبيرًا من بساتين العالم، إلى التقنيات الجديدة. ويوفر تطوير ونشر هذه التكنولوجيات فرصًا تجارية لتوظيف الشباب داخل المزرعة وخارجها. وعلاوة على ذلك، على طول سلسلة القيمة، هناك حاجة إلى التكنولوجيات لتحسين خدمات ما بعد الحصاد، والتخزين، والنقل، والمعالجة، من أجل الحفاظ على محتوى المغذيات ومذاقها والحد من الخسائر.

خدمات الإرشاد

تركّز خدمات الإرشاد بشكل عام، شأنها شأن البحوث الزراعية، على محاصيل الأغذية الأساسية والنقدية. ويجري تدريب معظم العاملين في مجال الإرشاد على المحاصيل الرئيسية أولاً ثم على المواضيع الأخرى في المقام الثاني؛ وعندما يلتقي عاملو الإرشاد بالمزارعين، تشغل المحاصيل الكبيرة الجزء الأكبر من الوقت.

ومع ذلك، فإن الفواكه والخضروات تطرح مشاكل مختلفة جدًا أمام المزارعين في جميع المراحل – أي المدخلات والإنتاج والحصاد والتسويق. وكل محصول يطرح تحدّياته الخاصة، ويقاسي الآفات والأمراض الخاصة به، ويجب تسويقه بطريقته الخاصة. ويجب أن يكون موظّفو الإرشاد قادرين على تقديم المشورة إلى المزارعين بشأن هذه المواضيع جميعها.

ويمكّن الإنترنت والهواتف الذكية المنتجين من التعرّف على مختلف جوانب الإنتاج والتسويق، فضلاً عن اكتشاف الأسعار وإرساء صلات مع المشترين وتسديد المدفوعات وتلقيها. وتسهّل أيضًا جمع البيانات عن المناطق والإنتاج والمحاصيل والأسعار، وتنسيق هذه البيانات وتحليلها والإبلاغ عنها. وفي حين أن المزارعين التجاريين في البلدان المرتفعة الدخل يحصلون عادةً على المعلومات ويملؤون الاستمارات على جهاز كمبيوتر، يستخدم صغار المزارعين وذوي الدخل المنخفض والمتوسط هواتفهم الذكية على الأرجح. ويطوّر المشغّلون الحكوميون ومن القطاع الخاص على السواء خدمات من أجل المزارعين، وتركّز عادةً وفي المقام الأول على محاصيل الأغذية الأساسية والمحاصيل النقديّة مثل الكاكاو والبنّ، ولكنها تغطي أيضًا المحاصيل البستانية الرئيسية مثل الطماطم. ويتيح ظهور الهواتف الذكية فرصًا جديدة (إذ من الممكن التواصل مع المزارعين دون الحاجة إلى السفر) ولكنه يعزز المشاكل القديمة (كيفية الوصول إلى أفقر المزارعين، وخاصة النساء). ويواجه المشغّلون من القطاع الخاص أيضًا مشكلة إيجاد طرق لدفع تكاليف خدماتهم، إذا إن وكالات الإعلان نادرة في المناطق الفقيرة، والمزارعون غير مستعدّين أو غير قادرين على دفع الاشتراكات (المركز الفنّي للزراعة والتعاون الريفي، 2015). وتدعو الحاجة إلى تحسين الاتّصال ومرافق الإنترنت في المناطق الريفية قبل استخدام الأجهزة المتّصلة. وهذا مهم بشكل خاص في ظلّ الزيادة الأخيرة في أنشطة التسويق عبر الإنترنت.

البنية التحتية الريفية

تطرح كذلك البنية التحتية اللازمة لإنتاج الفواكه والخضروات تحدّيات. فبعض الأنواع، مثل البصل، متينة نسبيًا ويمكن قلبها في أكياس أو تحميلها على متن شاحنات بكميّات كبيرة. أما الأنواع أخرى، مثل الطماطم والمانغو والفواكه الليّنة، فهي هشّة للغاية ويجب التعامل معها بحذر شديد. وتتطلّب الفرز والفصل بتأنٍ من أجل إزالة الفواكه التالفة، وتعبئة خاصة لحمايتها على الطريق، والتبريد طوال رحلتها لإبقائها في حالة ممتازة. ولا تتحمّل هذه الأنواع الارتطام على ظهر شاحنة تهتز على طريق ترابي مموّج.

وسيساعد الاستثمار في الطرق والكهرباء (من أجل غرف التبريد) والنفاذ إلى الإنترنت والتخزين والقدرة على المعالجة في مناطق الإنتاج على ربط المزارعين بأسواق المنتجات الطازجة وبالقائمين على المعالجة الذين يحوّلونها إلى منتجات ذات فترة تخزين طويلة. وسيساعد هذا أيضًا على تثبيت الأسعار وتقليل الخسائر ما بعد الحصاد وخفض تكاليف المعاملات.