IFADUNICEFWFPWHO

بينما لم تعد تفصلنا سوى ثماني سنوات عن موعد القضاء على الجوع وانعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية بجميع أشكاله (المقصدان 2–1 و2–2 لأهداف التنمية المستدامة)، يمضي العالم في الاتجاه الخاطئ. وكما ورد في الإصدارين الأخيرين من هذا التقرير، يجب توفير أنماط غذائية صحية بكلفة أقل للمساهمة في قدرة الناس على تحملها من أجل تحقيق مقاصد الهدف 2 من أهداف التنمية المستدامة بحلول عام 2030. ويتطلب ذلك ضمنًا زيادة في المعروض من إمدادات الأغذية المغذية التي تُشكل نمطًا غذائيًا صحيًا، وتحوّل الاستهلاك نحوها.

ولا يتماشى معظم دعم السياسات للأغذية والزراعة حاليًا مع هدف تعزيز الأنماط الغذائية الصحية، بل ويقوِّض في حالات كثيرة في الواقع عن غير قصد الأمن الغذائي والنتائج التغذوية. وعلاوة على ذلك، يفتقر توزيع الدعم في جانب كبير منه إلى الإنصاف، ويتسبب في تشويه السوق وإلحاق الضرر بالبيئة.

وبالإمكان تخصيص الميزانيات العامة بمزيد من الفعالية والكفاءة من حيث الكلفة للمساعدة على خفض كلفة الأنماط الغذائية الصحية وبالتالي تحسين القدرة على تحملها بصورة مستدامة وشاملة للجميع، مع ضمان عدم ترك أي أحد خلف الركب.

ويبدأ تقرير هذا العام بتقديم آخر ما استجد من تطورات بشأن حالة الأمن الغذائي والتغذية في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك آخر التقديرات بشأن كلفة الأنماط الغذائية الصحية والقدرة على تحملها. ويُلقي التقرير بعد ذلك نظرة متعمقة على "إعادة توجيه دعم السياسات للأغذية والزراعة لزيادة القدرة على تحمل كلفة الأنماط الغذائية الصحية" من خلال خفض كلفة الأغذية المغذية بالنسبة إلى سائر الأغذية ودخل الأفراد، وهو ما يساعد بدوره البلدان – في حالات كثيرة – على استخدام الموارد العامة المحدودة بمزيد من الكفاءة والفعالية.

الأمن الغذائي والتغذية حول العالم

مؤشرات الأمن الغذائي – آخر المعلومات والتقدم المحرز نحو القضاء على الجوع وضمان الأمن الغذائي

رغم الآمال في أن ينهض العالم من الأزمة بسرعة أكبر وأن يبدأ الأمن الغذائي في التعافي من الجائحة التي تفشت في عام 2021، ازداد الجوع بقدر أكبر في عام 2021 بعد زيادة حادة في عام 2020 في خضم جائحة كوفيد–19. وأدّت التفاوتات في أثر الجائحة والتعافي منها، إلى جانب التغطية والمدة المحدودتين لتدابير الحماية الاجتماعية، إلى اتساع أوجه انعدام المساواة التي ساهمت في مزيد من الانتكاسات في عام 2021 في مسيرة تحقيق مقصد القضاء التام على الجوع بحلول عام 2030.

وبعد أن بقي معدل انتشار النقص التغذوي من دون تغيير يُذكر منذ عام 2015 (مؤشر أهداف التنمية المستدامة 2–1–1) ارتفع المعدل من 8.0 في عام 2019 إلى نحو 9.3 في المائة في عام 2020 وواصل ارتفاعه في عام 2021 – ولو بوتيرة أبطأ – إلى نحو 9.8 في المائة. وتُشير التقديرات إلى أن ما تراوح بين 702 و828 مليون شخص في العالم (أي ما يعادل 8.9 و10.5 في المائة من سكان العالم على التوالي) عانوا من الجوع في عام 2021. وإذا أخذنا في الاعتبار متوسطات النطاقات المتوقعة (التي تُعبّر عن عدم اليقين الإضافي الناشئ عن استمرار عواقب جائحة كوفيد–19)، يتضح أنّ الجوع قد أثّر على 46 مليون شخص إضافي في عام 2021 مقارنة بعام 2022، وما مجموعه 150 مليون شخص إضافي منذ عام 2019، أي قبل تفشي جائحة كوفيد–19.

وتوضح الأرقام استمرار التفاوتات الإقليمية التي تحملت أفريقيا عبئها الأكبر. وواجه واحد من كل خمسة أشخاص في أفريقيا (20.2 في المائة من السكان) الجوع في عام 2021 مقابل 9.1 في المائة في آسيا و8.6 في أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي و5.8 في المائة في أوسيانيا وأقل من 2.5 في المائة في أمريكا الشمالية وأوروبا. وعقب الزيادة في الفترة من 2019 إلى 2020 في معظم أنحاء أفريقيا، وآسيا، وأمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي، استمر معدل النقص التغذوي في الارتفاع في عام 2021 في معظم الأقاليم الفرعية، ولكن بوتيرة أبطأ.

وتُشير التوقعات المحدثة لعدد الذين يعانون النقص التغذوي إلى أن نحو 670 مليون شخص لا يزالون يعانون من النقص التغذوي في عام 2030 – بزيادة قدرها 78 مليونًا مقارنة بسيناريو لم تحدث فيه الجائحة. وتلوح في الأفق الآن أزمة أخرى من المرجح أن تؤثر على مسار الأمن الغذائي في العالم. إذ ستكون للحرب في أوكرانيا آثار متعددة على الأسواق الزراعية العالمية من خلال قنوات التجارة، والإنتاج والأسعار، مما يُلقي بظلاله على حالة الأمن الغذائي والتغذية في كثير من البلدان في المستقبل القريب.

ويُشكل المقصد 2–1 من مقاصد أهداف التنمية المستدامة تحديًا أمام العالم في الوصول إلى ما هو أبعد من القضاء على الجوع عن طريق ضمان حصول الجميع على أغذية مأمونة ومغذية وكافية على مدار السنة. ويُستخدم المؤشر 2–1–2 لأهداف التنمية المستدامة – وهو معدل انتشار انعدام الأمن الغذائي المعتدل أو الشديد لدى السكان، بالاستناد إلى مقياس المعاناة من انعدام الأمن الغذائي – لرصد التقدم المحرز في تحقيق الهدف الطموح المتمثل في حصول الجميع على الغذاء الكافي.

ويزداد انعدام الأمن الغذائي المعتدل أو الشديد على الصعيد العالمي منذ أن بدأت المنظمة في جمع بيانات مقياس المعاناة من انعدام الأمن الغذائي في عام 2014. وفي عام 2020، وهو العام الذي تفشت فيه جائحة كوفيد–19 في جميع أنحاء العالم، ارتفعت معدلات انعدام الأمن الغذائي المعتدل أو الشديد بنفس معدل ارتفاعها في السنوات الخمس السابقة مجتمعة. وتُشير التقديرات الجديدة لعام 2021 إلى أن انتشار انعدام الأمن الغذائي المعتدل أو الشديد بقي من دون تغيير يُذكر مقارنة بعام 2020، بينما ازداد انتشار انعدام الأمن الغذائي الشديد، مما يوفّر أدلة إضافية على تدهور الأوضاع بشكل أساسي بالنسبة إلى الأشخاص الذين يواجهون بالفعل مصاعب خطيرة. وفي عام 2021، أشارت التقديرات إلى أن 29.3 في المائة من سكان العالم – 2.3 مليارات نسمة – قد عانوا من انعدام الأمن الغذائي المعتدل أو الشديد، وأن 11.7 في المائة (923.7 ملايين شخص) عانوا من انعدام الأمن الغذائي الشديد.

وهناك أيضًا فجوة آخذة في الاتساع بين الجنسين من حيث انعدام الأمن الغذائي. ففي عام 2021، عانت نسبة 31.9 في المائة من النساء في العالم من انعدام الأمن الغذائي المعتدل أو الشديد مقابل 27.6 في المائة للرجال – وهي فجوة تزيد على 4 نقاط مئوية مقابل 3 نقاط مئوية في عام 2020.

حالة التغذية: التقدم المحرز نحو بلوغ المقاصد العالمية الخاصة بالتغذية

يجري هذا التقرير تقييمًا أيضًا للمستويات والاتجاهات العالمية والإقليمية للمقاصد العالمية السبعة الخاصة بالتغذية. وتستند التقديرات الواردة في التقرير بشكل أساسي إلى البيانات المتوفرة قبل عام 2020 ولا تُعبّر تمامًا عن أثر جائحة كوفيد–19.

وكشف آخر تقدير للوزن المنخفض عند الولادة أن 14.6 في المائة من الأطفال حديثي الولادة (20.5 كانوا يعانون من الوزن المنخفض عند الولادة في عام 2015، أي بانخفاض طفيف عن النسبة التي كانت مسجلة في عام 2000، وهي 17.5 في المائة (22.9 ملايين). وتتسم ممارسات الرضاعة الطبيعية المـُثلى، بما فيها الرضاعة الطبيعية الخالصة في الأشهر الستة الأولى من الحياة، بأهمية حاسمة لبقاء الأطفال على قيد الحياة وتعزيز الصحة والنمو الإدراكي. وازداد هذا المعدل على نطاق العالم من 37.1 في المائة (49.9 ملايين) في عام 2012 إلى 43.8 في المائة (59.4 ملايين) في عام 2020. غير أن أكثر من نصف مجمل الرُضع الذين تقل أعمارهم عن ستة أشهر على نطاق العالم لم يحصلوا على المنافع الوقائية التي توفرها الرضاعة الطبيعية الخالصة.

ويؤدي التقزم، وهي حالة يعاني فيها الشخص من قصر شديد في القامة بالنسبة إلى عمره، إلى تقويض النمو البدني والإدراكي للأطفال، ويزيد من مخاطر الوفاة من العدوى الشائعة ويعرّضهم للإصابة بالوزن الزائد والأمراض غير المعدية في المراحل اللاحقة من الحياة. وتراجعت بشكل مطرد على مستوى العالم معدلات انتشار التقزم لدى الأطفال دون الخامسة من العمر من نسبة قُدّرت بنحو 33.1 في المائة (201.6 ملايين) في عام 2000 إلى 22.0 في المائة (149.2 مليونًا) في عام 2020.

أما هزال الأطفال، فهو حالة تُهدد الحياة يُسببها عدم تناول مغذيات كافية، وسوء امتصاص المغذيات، و/أو المرض المتكرر أو لفترات طويلة. ويعاني الأطفال المصابون بالهزال من مستويات خطيرة من النحافة المصحوبة بضعف في المناعة وازدياد التعرض لخطر الوفاة. وبلغ معدل انتشار الهزال بين الأطفال دون الخامسة من العمر 6.7 في المائة (45.4 ملايين) في عام 2020.

ويواجه الأطفال الذين يعانون من الوزن الزائد أو السمنة آثارًا صحية فورية وربما طويلة الأجل، بما في ذلك زيادة خطر الإصابة بالأمراض غير المعدية في المراحل اللاحقة من الحياة. وازداد معدل انتشار الوزن الزائد لدى الأطفال دون الخامسة من العمر في العالم بنسبة طفيفة من 5.4 في المائة (33.3 ملايين) في عام 2000 إلى 5.7 في المائة (38.9 ملايين) في عام 2020. ويُلاحظ ارتفاع الاتجاهات في نصف بلدان العالم تقريبًا.

وأشارت التقديرات إلى أن معدل انتشار فقر الدم لدى النساء اللواتي تتراوح أعمارهن بين 15 و49 سنة قد بلغ 29.9 في المائة في عام 2019. وارتفع العدد المطلق للنساء المصابات بفقر الدم باطراد من 493 مليونًا في عام 2000 إلى 570.8 ملايين في عام 2019، مما يؤثر على معدلات اعتلال الصحة والوفاة لدى الإناث، وقد تكون له نتائج معاكسة على الحمل والمواليد الجُدد.

وازدادت معدلات السمنة بمقدار الضعف تقريبًا بالقيمة المطلقة في العالم من 8.7 في المائة (343.1 مليون) في عام 2000 إلى 13.1 في المائة (675.7 ملايين) في عام 2016. ومن المقرر أن تصدر التقديرات العالمية المحدثة قبل نهاية عام 2022.

ويتعرض أطفال البيئات الريفية والأُسر المعيشية الأفقر بقدر أكبر للإصابة بالتقزم والهزال. أما الأطفال والبالغون، ولا سيما النساء، في المناطق الحضرية والأسر الأكثر ثراءً فهم أكثر عرضة للوزن الزائد والسمنة على التوالي. ويتلقى الرُضع في المناطق الريفية وفي الأُسر المعيشية الأفقر الذين لم تحصل أمهاتهم على أي قسط من التعليم الرسمي والرضيعات على الأرجح رضاعة طبيعية. وتتعرض النساء اللواتي لم يحصلن على أي تعليم رسمي بصورة أكبر للإصابة بفقر الدم، ويتعرض أطفالهن للإصابة بالتقزم والهزال. وسيكون من الضروري معالجة جوانب انعدام المساواة لتحقيق مقاصد عام 2030.

ورغم إحراز تقدم في بعض المناطق، لا يزال سوء التغذية مستشريًا بأشكال كثيرة في جميع المناطق، وقد يكون في الواقع أسوأ مما تُشير إليه هذه النتائج، ذلك أن أثر جائحة كوفيد–19 على النتائج التغذوية لم يظهر تمامًا بعد. وسيتطلب بلوغ المقاصد العالمية الخاصة بالتغذية لعام 2030 جهودًا هائلة لمواجهة الانتكاسات العالمية الشديدة. ويتعيّن حدوث تراجع في الاتجاهات العالمية لفقر الدم لدى النساء اللواتي تتراوح أعمارهنّ بين 15 و49 سنة، والوزن الزائد لدى الأطفال، والسمنة لدى البالغين بصفة خاصة، من أجل إحراز التقدم المطلوب لبلوغ أهداف التنمية المستدامة.

كلفة الأنماط الغذائية الصحية والقدرة على تحملها: تحديث

تضمّن إصدار عام 2020 من هذا التقرير للمرة الأولى تقديرات عالمية لكلفة الأنماط الغذائية الصحية والقدرة على تحملها. وتمثل هذه التقديرات مؤشرات مفيدة لمدى تمكن الأفراد من الحصول، من الناحية الاقتصادية، على أغذية مغذية ونمط غذائي صحي.

وتبدو تأثيرات التضخم في أسعار استهلاك الأغذية بسبب الآثار الاقتصادية لجائحة كوفيد–19 والتدابير المتخذة لاحتوائها واضحة وملموسة. وارتفعت أسعار الأغذية العالمية بالنسبة إلى المستهلك بحلول نهاية عام 2020 أكثر مما كانت عليه في أي شهر من السنوات الست السابقة. وتجلى ذلك مباشرة في زيادة متوسط كلفة نمط غذائي صحي في عام 2020 في جميع الأقاليم وفي الأقاليم الفرعية جميعها تقريبًا في العالم.

وتقيس القدرة على تحمل كلفة نمط غذائي صحي متوسط كلفة النمط الغذائي بالنسبة إلى الدخل؛ ولذلك فإن التغييرات التي تحدث بمرور الوقت يمكن أن تنشأ عن تغييرات في كلفة النمط الغذائي، ودخل الأفراد، أو كليهما معًا. وفي عام 2020، دفعت الإجراءات المتخذة لاحتواء جائحة كوفيد–19 العالم ومعظم البلدان إلى حالة من الركود الاقتصادي انكمش فيها دخل الفرد في عدد من البلدان أكثر من أي وقت مضى. ومع ذلك، بينما تُعبّر تقديرات القدرة على تحمل الكلفة في عام 2020 عن صدمات أسعار الأغذية، لم تُرصد بعد صدمات الدخل بسبب عدم توافر بيانات عن توزيع الدخل في عام 2020. ولذلك، يمكن أن يزداد العدد المقدّر للأشخاص غير القادرين على تحمل كلفة نمط غذائي صحي حالما تتاح بيانات توزيع الدخل التي ستسمح بحساب التأثيرات المجمعة للتضخم في أسعار استهلاك الأغذية وخسائر الدخل.

وتُشير التقديرات إلى أن عدد الأشخاص الذين لم يتمكنوا من تحمل كلفة نمط غذائي صحي في عام 2020 قد ازداد على نطاق العالم وفي جميع أقاليم العالم. ولم يتمكن نحو 3.1 مليار شخص من تحمل كلفة نمط غذائي صحي في عام 2020، أي بزيادة قدرها 112 مليون شخص مقارنة بعام 2019. وتعود هذه الزيادة بشكل أساسي إلى آسيا التي لم يتمكن فيها 78 مليون شخص من تحمل كلفة هذا النمط الغذائي في عام 2020، وتليها أفريقيا (25 مليون شخص آخر)، بينما بلغت الزيادة 8 ملايين ومليون (1) شخص آخر في أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي، وأمريكا اللاتينية وأوروبا على التوالي.

دعم السياسات للأغذية والزراعة في العالم: كم تبلغ كلفته وما مدى تأثيره على الأنماط الغذائية؟

التقييم: ما الدعم الذي تقدمه حاليًا السياسات للأغذية والزراعة؟

تدعم الحكومات الأغذية والزراعة من خلال سياسات متنوعة، بما فيها التدخلات على صعيد التجارة والأسواق (مثل التدابير الحدودية وعمليات مراقبة أسعار السوق) التي تعطي حوافز للأسعار أو مثبطات لها، وإعانات مالية للمنتجين والمستهلكين، ودعم للخدمات العامة. وتؤثر هذه السياسات على جميع أصحاب المصلحة، وتُشكل جزءًا من بيئة الأغذية، ويمكن أن تؤثر على توافر الأنماط الغذائية الصحية والقدرة على تحمل كلفتها.

وبلغ دعم قطاع الأغذية والزراعة على نطاق العالم نحو 630 مليار دولار أمريكي سنويًا في المتوسط خلال الفترة 2013–2018. وبلغ متوسط الدعم الذي استهدف المنتجين الزراعيين بشكل فردي في المتوسط نحو 446 مليار دولار أمريكي سنويًا بالقيمة الصافية (وهو ما يُشكل حوافز ومثبطات للأسعار بالنسبة إلى المزارعين) ويقابل ذلك نحو 70 في المائة من إجمالي الدعم المقدم إلى القطاع، ونحو 13 في المائة من القيمة العالمية للإنتاج في المتوسط. وأنفقت الحكومات سنويًا نحو 111 مليار دولار أمريكي لتوفير الخدمات العامة للقطاع، بينما تلقى مستهلكو الأغذية 72 مليار دولار أمريكي في المتوسط سنويًا.

ويختلف دعم السياسات للأغذية والزراعة باختلاف مجموعات البلدان المصنفة بحسب الدخل ومع الوقت. وكانت حوافز الأسعار والإعانات المالية بصفة عامة هي الأكثر استخدامًا في البلدان المرتفعة الدخل، وتزداد رواجًا في بعض البلدان المتوسطة الدخل، ولا سيما البلدان من الشريحة العليا من الدخل. ونفذت البلدان المنخفضة الدخل على مر تاريخها سياسات تولّد مثبطات للأسعار بالنسبة إلى المزارعين لتيسير حصول المستهلكين على الأغذية بأسعار أقل. وموارد هذه البلدان محدودة لتقديم إعانات مالية إلى المنتجين والمستهلكين وكذلك لتمويل الخدمات العامة التي تعود بالنفع على قطاع الأغذية والزراعة بأكمله.

ومثّلت الإعانات المالية للمنتجين الزراعيين في البلدان المتوسطة الدخل 5 في المائة فقط من القيمة الإجمالية للإنتاج مقابل نحو 13 في المائة في البلدان المرتفعة الدخل. أما دعم الخدمات العامة الذي يُعبّر عنه كحصة من قيمة الإنتاج، فهو أقل في البلدان المنخفضة الدخل (2 في المائة) مقارنة بالبلدان المرتفعة الدخل (4 في المائة). وتمّ صرف ثلثي الإعانات المالية العالمية للمستهلكين (سواء أكان ذلك في المراحل النهائية أو الوسيطة، كالمجهزين) في البلدان المرتفعة الدخل.

ويختلف دعم السياسات باختلاف المجموعات الغذائية والسلع الأساسية. وتُقدم البلدان التي تتمتع بمستويات دخل أعلى الدعم إلى جميع المجموعات الغذائية، ولا سيما الأغذية الأساسية بما فيها الحبوب والجذور والدرنات، تليها منتجات الألبان والأغذية الأخرى الغنية بالبروتينات. وفي البلدان المرتفعة الدخل، يُقدم الدعم في إطار هذه المجموعات الغذائية الثلاث بالتساوي في شكل حوافز أسعار وإعانات مالية للمنتجين. وعلى النقيض من ذلك، في ما يتعلق بالفواكه والخضروات، والدهون والزيوت، كانت الإعانات المالية (التي استحوذت على نحو 11 في المائة من قيمة الإنتاج) أكبر بكثير من حوافز الأسعار في المتوسط خلال الفترة 2013–2018.

وتُعاقب البلدان المتوسطة الدخل من الشريحة الدنيا باستمرار إنتاج معظم المنتجات من خلال سياسات تخفِّض الأسعار عند باب المزرعة، ولكن هذه البلدان تُقدم إعانات مالية إلى المزارعين، خاصة لإنتاج الأغذية الأساسية، والفواكه والخضروات، وكذلك الدهون والزيوت. وتُعدّ حوافز الأسعار سلبية بالنسبة إلى معظم المجموعات الغذائية في البلدان المنخفضة الدخل، إذ تتراوح بين ناقص 7 في المائة للأغذية الأساسية (لا سيما الحبوب) و1 في المائة للمحاصيل الأخرى (على سبيل المثال السكر والشاي والبنّ).

كيف تؤثر السياسات الغذائية والزراعية على الأنماط الغذائية؟

يبلغ مقدار الدعم العام في كثير من البلدان مستويات ملحوظة، ويمكن، تبعًا لكيفية تخصيصه، إما أن يدعم أو أن يعيق الجهود المبذولة لخفض كلفة الأغذية المغذية وجعل كلفة الأنماط الغذائية الصحية ميسورة للجميع.

وتؤثر التدابير الحدودية على توافر الأغذية وتنوعها وأسعارها في الأسواق المحلية. وفي حين أن بعض هذه التدابير موجه إلى أهداف مهمة على صعيد السياسات، بما في ذلك سلامة الأغذية، يمكن للحكومات القيام بالمزيد لتقليص الحواجز التجارية أمام الأغذية المغذية، مثل الفواكه والخضروات والبقول، لزيادة توافر هذه الأغذية بكلفة ميسورة أكثر من أجل خفض كلفة الأنماط الغذائية الصحية.

وفي البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل، تستهدف غالبية الضوابط المفروضة على أسعار السوق، مثل سياسة الأسعار الدنيا أو الثابتة السلع الأساسية، مثل القمح والذرة والأرزّ، وكذلك السكر، بهدف تثبيت أو زيادة دخل المزارع وفي الوقت نفسه ضمان توفر إمدادات المواد الغذائية الأساسية لأغراض الأمن الغذائي. ومع ذلك، يمكن أن تُساهم هذه السياسات في الأنماط الغذائية غير الصحية التي نلاحظها في جميع أنحاء العالم.

وقد ساهمت الإعانات المالية المخصصة لسلع أو عوامل إنتاج محددة بشكل كبير في زيادة إنتاج الحبوب وخفض أسعارها (خاصة الذرة والقمح والأرزّ)، وكذلك لحوم الأبقار والألبان. وأثر ذلك تأثيرًا إيجابيًا على الأمن الغذائي ودخل المزارع، ودعم بصورة غير مباشرة تطوير أنواع أفضل من التكنولوجيا والمدخلات الزراعية الجديدة واستخدامها. ومن الناحية الأخرى، أدّت هذه الإعانات بحكم الواقع إلى إيجاد مثبطات (نسبية) لإنتاج الأغذية المغذية، وشجعت الزراعة الأحادية المحصول في بعض البلدان، وأوقفت زراعة منتجات مغذية معيّنة، وثبطت إنتاج بعض الأغذية التي لا تتلقى مستوى الدعم نفسه.

ويفيد الدعم العام المقدّم من خلال تمويل الخدمات العامة وتوفيرها الجهات الفاعلة في قطاع الأغذية والزراعة بصورة جماعية، وهو من حيث المبدأ أمر جيد لصغار المزارعين والنساء والشباب. ولكنّ هذا النوع من الدعم أقل بكثير من الدعم المقدم إلى المنتجين الأفراد من خلال الحوافز للأسعار والإعانات المالية، ويُموّل على نطاق أوسع في البلدان المرتفعة الدخل. وفي بعض الحالات، تكون الخدمات، مثل خدمات البحث والتطوير، منحازة نحو منتجي الأغذية الأساسية.

الخيارات المحتملة لإعادة توجيه دعم السياسات للأغذية والزراعة من أجل تحسين القدرة على تحمل كلفة نمط غذائي صحي

ما هي الآثار المحتملة لإعادة توزيع دعم السياسات للأغذية والزراعة بطريقة مختلفة من أجل خفض كلفة الأغذية المغذية؟

يُشير تحليل جديد لسيناريوهات نماذج دعم السياسات للأغذية والزراعة بعد إعادة توجيهها، وهي سيناريوهات أُعدت خصيصًا لهذا التقرير، إلى الخيارات المحتملة التي يمكن لجميع البلدان في العالم أن تعيد من خلالها توجيه الدعم العام الحالي إلى الأغذية والزراعة من أجل زيادة القدرة على تحمل كلفة النظام الغذائي الصحي.

وتحاكي هذه السيناريوهات عملية إعادة تخصيص الميزانيات الحالية التي تدعم المنتجين الزراعيين باستخدام صكوك مختلفة على مستوى السياسات. ويتم ذلك لجميع البلدان في جميع الأقاليم الجغرافية من أجل خفض كلفة نمط غذائي صحي وزيادة القدرة على تحملها. وتُنفذ عملية إعادة التخصيص المذكورة خطيًا في ما بين عام 2023 و2028، ويتم النظر في الآثار لعام 2030.

وفي هذه السيناريوهات، تستهدف إعادة تخصيص الميزانيات الأغذية "ذات الأولوية العالية" من أجل أنماط غذائية صحية. وهذه الأغذية هي المجموعات الغذائية التي لا يزال فيها مستوى استهلاك الفرد الحالي في كل بلد/إقليم غير متطابق مع المستويات الموصى بها لذلك البلد/الإقليم على النحو المحدَّد في الخطوط التوجيهية بشأن النُظم الغذائية القائمة على الأغذية المستخدمة لحساب كلفة نمط غذائي صحي.

وثمة ملاحظة عامة مستندة إلى التجربة مفادها أن إعادة توجيه الدعم العام الحالي إلى الزراعة في جميع أقاليم العالم، بهدف تشجيع إنتاج الأغذية المغذية (الذي ينخفض استهلاكها بالنسبة إلى المتطلبات الغذائية) سيُساهم في خفض كلفة الأنماط الغذائية الصحية وزيادة القدرة على تحملها على نطاق العالم، ولا سيما في البلدان المتوسطة الدخل من الشريحتين الدنيا والعليا.

ويؤدي إلغاء أو تقليص الدعم الحدودي والضوابط على أسعار السوق للسلع التي تُشكل أولويات للأنماط الغذائية الصحية إلى خفض أسعارها، ولا سيما في الأسواق التي تتمتع بحماية حدودية عالية. وتزداد نتيجة لذلك نسبة سكان العالم الذين يمكنهم تحمل كلفة نمط غذائي صحي (بنسبة 0.64 نقطة مئوية في عام 2030 مقارنة بخط الأساس)، بينما تنخفض كلفة نمط غذائي صحي نسبيًا أكثر من كلفة النمط الغذائي العادي (بحدود 1.7 مقابل 0.4 في المائة على التوالي).

ويتجلى في المقابل التحول نحو نمط غذائي صحي أقل كلفة وبأسعار ميسورة أكثر مصحوبًا بتراجع في الإنتاج الزراعي العالمي في انخفاض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري الناتجة عن الزراعة. وتنخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري في جميع مجموعات الدخل، باستثناء مجموعة البلدان المرتفعة الدخل (حيث تبيّن حدوث زيادة في الإنتاج الزراعي).

وتشمل التأثيرات الأخرى حدوث زيادة طفيفة في الدخل الزراعي العالمي (زيادة تصل إلى 0.03 نقاط مئوية) مع أن التأثيرات على دخل المزرعة سلبية وأكبر من متوسط التغيير العالمي في حالة البلدان المنخفضة الدخل والبلدان المتوسطة الدخل من الشريحة الدنيا حيث تُمثل التدابير الحدودية والضوابط على أسعار السوق نسبة كبيرة من إجمالي الدعم للأغذية والزراعة. أما الأثر على الفقر المدقع فيكاد لا يُذكر على الصعيد العالمي؛ ويُقابل الزيادات الطفيفة في البلدان المتوسطة الدخل من الشريحة الدنيا تراجع في مجموعات الدخل الأخرى.

ومن ناحية أخرى، تزيد محاكاة إعادة توجيه الإعانات المالية إلى المنتجين القدرة على تحمل كلفة نمط غذائي صحي أكثر مما في محاكاة إعادة توجيه التدابير الحدودية والضوابط على أسعار السوق (بحدود 0.81 مقابل 0.64 نقطة مئوية). ويُقلل ذلك أيضًا النسبة المئوية لسكان العالم الذين يعيشون في فقر مدقع ويعانون من النقص التغذوي. غير أن إحدى المقايضات المهمة – غير الملحوظة في سيناريو إعادة التوجيه السابق – تزايد إجمالي انبعاثات غازات الاحتباس الحراري الناتجة عن الزراعة (بمقدار 1.5 نقاط مئوية) وهو ما يُشير إلى ارتفاع الإنتاج الزراعي، بما في ذلك الأغذية الغنية بالبروتينات، مثل منتجات الألبان التي يزداد استهلاكها لتلبية المستويات الغذائية الموصى بها، ولا سيما في البلدان المتوسطة الدخل من الشريحة الدنيا.

وعوضًا عن ذلك، في ظل توجيه الإعانات المالية إلى المستهلكين رغم استمرار استهداف الأغذية "ذات الأولوية العالية"، تنخفض كلفة الأنماط الغذائية الصحية بصورة ملحوظة أكبر مما في السيناريوهين السابقين من حيث القيمة المطلقة (بمقدار 3.34 في المائة في عام 2030 مقارنة بخط الأساس) وبالنسبة إلى النمط الغذائي العادي. وتزداد النسبة المئوية للسكان الذين يمكنهم تحمل كلفة نمط غذائي صحي (بنحو 0.8 نقاط مئوية)، وإن كانت أقل قليلًا مما في سيناريو توجيه الإعانات المالية إلى المنتجين بسبب الأثر على الدخل.

وتشمل أوجه التآزر الإيجابية في هذا السيناريو انخفاضًا في مستويات الفقر المدقع والنقص التغذوي وذلك في جانب منه بسبب زيادة دخل المزرعة في البلدان المنخفضة الدخل. وعلاوة على ذلك، تنخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمية نتيجة تراجع الإنتاج الزراعي. وفي المقابل، تبيّن أن هذا السيناريو يتسبب في إلحاق ضرر بالغ بالمنتجين في ظل غياب ما كانوا يتلقونه من إعانات. وعلى الصعيد العالمي، ينخفض دخل المزرعة والإنتاج الزراعي (على التوالي بنسبة 3.7 و0.2 نقطة مئوية في عام 2030 مقارنة بخط الأساس).

وسيتعيّن على صانعي السياسات، سواءً من خلال التدابير الحدودية وضوابط السوق أو الإعانات المالية، إعادة توجيه ما يقدمونه من دعم، مع مراعاة مقايضات التفاوتات المحتملة التي يمكن أن تنشأ إذا لم يكن صغار المزارعين (بمن فيهم النساء والشباب) في وضع يمكنهم من التخصص في إنتاج أغذية مغذية بسبب قيود الموارد.

ولن يقتصر التحدي الرئيسي أمام صانعي السياسات في البلدان المنخفضة الدخل، وربما في بعض البلدان المتوسطة الدخل من الشريحة الدنيا، على التوصل إلى حلول توفيقية لإعادة توجيه الدعم للأغذية والزراعة نحو تحقيق العديد من أهداف التحول الزراعي الشامل المتوافقة تمامًا مع خفض كلفة الأغذية المغذية. وسيتعيّن أيضًا على حكومات هذه البلدان، في ضوء انخفاض ميزانياتها، تعبئة تمويل كبير لزيادة توفير ما يلي: (1) دعم الخدمات العامة في الحالات التي يتعيّن فيها إعطاؤها الأولوية لسد الفجوات في الإنتاجية بفعالية في إنتاج الأغذية المغذية من خلال الشمول والاستدامة؛ (2) والإعانات المالية للمستهلكين من أجل زيادة قدرتهم على تحمل الكلفة. وفي هذا الصدد، سيُشكل دعم الاستثمارات العامة الدولية السبيل لتيسير التحول نحو دعم أكبر للخدمات العامة، خاصة في البلدان المنخفضة الدخل.

وللاستفادة من الفرص التي تتيحها إعادة توجيه الدعم، سيتعيّن على البلدان أن تلتقي معًا حول مائدة متعددة الأطراف. وسيتعيّن عند إعادة توجيه التدابير الحدودية والضوابط على أسعار السوق والإعانات المالية مراعاة التزامات البلدان وأوجه المرونة في إطار القواعد الحالية لمنظمة التجارة العالمية، وكذلك القضايا المطروحة في المفاوضات الجارية.

وباختصار، ستدعم إعادة توجيه الدعم الذي يستهدف الأغذية "ذات الأولوية العالية" من أجل أنماط غذائية صحية الانتعاش الاقتصادي على نطاق العالم، شريطة أن يتحقق ذلك من خلال تقليص التدابير الحدودية والضوابط على أسعار السوق أو تحويل الإعانات المالية من المنتجين إلى المستهلكين، وإن كانت هناك مقايضات محتملة يتعيّن أخذها في الاعتبار. وستختلف بالتالي النتائج باختلاف مجموعات البلدان بحسب مستوى الدخل وباختلاف الأقاليم الجغرافية.

السياسات التكميلية داخل النُظم الزراعية والغذائية وخارجها ضرورية لضمان فعالية جهود إعادة التوجيه

يتطلب تحقيق أقصى قدر من الفعالية في إعادة التوجيه، والمساهمة في خفض كلفة الأنماط الغذائية الصحية وزيادة القدرة على تحملها، سياسات أخرى داخل النظم الزراعية والغذائية وسياسات وحوافز خارج تلك النُظم. ويمكن لهذه السياسات التكميلية، عندما تتواءم وتوضع موضع التنفيذ، أن تتيح الدعم بطريقتين اثنتين.

أولًا، يمكنها توفير حوافز (أو مثبطات) قادرة على دعم التحولات في سلاسل الإمدادات الغذائية وبيئات الأغذية وسلوك المستهلكين نحو الأنماط الغذائية الصحية. وثانيًا، يمكن أن تُلطف أو تخفف العواقب غير المقصودة أو المقايضات الناتجة عن إعادة توجيه الدعم، ولا سيما إذا كانت تشمل تخفيضًا في إمكانية الحصول على الأغذية المغذية والأنماط الغذائية الصحية للفئات السكانية الضعيفة والمحرومة.

ومن الضروري إتاحة الأغذية المغذية على نطاق أوسع وبكلفة ميسورة، وإن كان ذلك غير كافٍ، كي يكون بوسع المستهلكين اختيار الأنماط الغذائية الصحية وإعطاء الأفضلية لها واستهلاكها. وبالتالي ستكون السياسات التكميلية التي تُعزز التحولات في بيئات الأغذية وسلوك المستهلكين نحو الأنماط الغذائية الصحية حاسمة الاهمية. ويمكن أن تشمل هذه السياسات فرض حدود إلزامية أو وضع أهداف طوعية لتحسين النوعية التغذوية للأغذية المجهزة والمشروبات، وسنّ تشريعات بشأن تسويق الأغذية، وتطبيق سياسات توسيم الأغذية وسياسات الشراء الصحي. وقد يكون من المهم جدًا أيضًا الجمع بين سياسات استخدام الأراضي والسياسات التكميلية الأخرى لمعالجة الصحاري الغذائية ومستنقعات الأغذية.

ونظرًا إلى أن إعادة التوجيه يمكن أن تفضي إلى مقايضات قد تؤثر سلبًا على بعض أصحاب المصلحة، قد يكون من الضروري في هذه الحالات وضع سياسات للحماية الاجتماعية من أجل التخفيف من المقايضات الممكنة، لا سيما خسائر الدخل القصيرة الأجل أو التأثيرات السلبية على سُبل العيش، خاصة لدى السكان الأكثر ضعفًا.

وستكون السياسات البيئية والخاصة بنُظم الصحة والنقل والطاقة ضرورية للغاية من أجل تعزيز النتائج الإيجابية لإعادة توجيه الدعم في مجالات الكفاءة والمساواة والتغذية والصحة والتخفيف من أثر تغيُّر المناخ والبيئة. وتكتسي أهمية خاصة بهذا الصدد الخدمات الصحية التي تحمي الفئات الفقيرة والضعيفة التي لا توفّر لها أنماطها الغذائية جميع المغذيات. ومن شأن عدم معالجة جوانب القصور والمشاكل في النقل بصورة وافية أن يقوِّض أيضًا جهود إعادة التوجيه ويجعلها غير فعالة.

الاقتصاد السياسي وديناميكيات الحوكمة المؤثرة على إعادة توجيه دعم السياسات

سيعتمد مدى نجاح جهود إعادة توجيه الدعم الغذائي والزراعي على الاقتصاد السياسي والحوكمة والحوافز لأصحاب المصلحة ذوي الصلة في السياقات المحلية والوطنية والعالمية. ويُشير الاقتصاد السياسي بوجه عام إلى العوامل الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية التي تُشكل هيكل مجموعات الجهات الفاعلة العامة والخاصة ومصالحها وعلاقاتها وتحافظ على استمرارها وتُحدث تحولات فيها مع مرور الوقت. ويشمل ذلك الهياكل المؤسسية، أي "قواعد اللعبة" التي تؤثر على جدول أعمال رسم السياسات اليومية وهيكلتها. وتمثل المؤسسات والمصالح والأفكار عوامل ديناميكية متفاعلة تؤثر على دعم السياسات للأغذية والزراعة. وتُشير الحوكمة إلى القواعد والمنظمات والعمليات الرسمية وغير الرسمية التي تُعبّر الجهات الفاعلة العامة والخاصة من خلالها عن مصالحها وتتخذ قراراتها وتُنفذها.

وهناك ثلاثة عناصر اقتصادية سياسية واسعة يتعيّن أخذها في الاعتبار وإدارتها بفعالية عند إعادة توجيه دعم السياسات للأغذية والزراعة: (1) السياق السياسي ووجهات نظر أصحاب المصلحة وإرادة الحكومات؛ (2) وعلاقات القوة والمصالح وتأثير مختلف الجهات الفاعلة؛ (3) وآليات الحوكمة والأُطر التنظيمية المطلوبة لتيسير جهود إعادة توجيه الدعم وتنفيذها. ويستكشف التقرير بمزيد من التفصيل الديناميكيات والآليات اللازمة لإدارة هذه العناصر.

وبالنظر إلى تنوع السياق السياسي لكل بلد، سيكون من الحاسم وجود مؤسسات قوية على المستويات المحلية والوطنية والعالمية، وكذلك إشراك وتحفيز أصحاب المصلحة من القطاع العام، ومن القطاع الخاص، والمؤسسات الدولية، لدعم جهود إعادة توجيه الدعم. وتُشكل مسارات تحويل النُظم الزراعية والغذائية في كثير من البلدان إطارًا لتوجيه تلك الجهود. وسيكون من الأساسي لتحقيق التوازن بين السلطات غير المتكافئة ضمن النُظم الزراعية والغذائية إشراك المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الحجم ومجموعات المجتمع المدني – وكذلك الحوكمة الشفافة والضمانات لمنع حالات التضارب في المصالح وإدارتها.

الخلاصة

ينبغي أن يبدد تقرير هذا العام أي شكوك لا تزال عالقة بشأن انتكاس جهود العالم نحو القضاء على الجوع وانعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية بجميع أشكاله. ولم تعد تفصلنا الآن سوى ثماني سنوات عن عام 2030، وهي السنة المستهدفة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة. وتتسع عامًا بعد عام المسافة المطلوبة لبلوغ كثير من مقاصد الهدف 2 من أهداف التنمية المستدامة في نفس الوقت الذي تضيق فيه المسافة التي تفصلنا عن عام 2030. وتُبذل جهود لإحراز تقدم نحو تحقيق الهدف 2 من أهداف التنمية المستدامة، ولكنها ليست كافية في مواجهة سياق تزداد فيه التحديات وأجواء عدم اليقين.

إن سياق الركود الحالي يفرض على الحكومات تحديات أكبر من أجل زيادة ميزانياتها المخصصة للاستثمار في تحويل النُظم الزراعية والغذائية. وفي الوقت نفسه، هناك الكثير مما يمكن، بل ويلزم، تحقيقه باستخدام الموارد القائمة. وتتمثل إحدى التوصيات الرئيسية لهذا التقرير في أن تباشر الحكومات إعادة التفكير في كيفية إعادة تخصيص ميزانياتها العامة القائمة لزيادة فعاليتها من حيث الكلفة وجعلها أكثر كفاءة في خفض كلفة الأغذية المغذية، وتوفير الأنماط الغذائية الصحية بقدر أكبر وتعزيز القدرة على تحمل كلفتها بصورة مستدامة ومن دون ترك أي أحد خلف الركب.

back to top عد إلى الأعلى