|
المؤتمر الاقليمى الخامس والعشرون
|
بيروت، لبنان، 20-24/3/2000 |
الأمن الغذائي والتوعية بالتغذية على نطاق الأسرة |
1- يعد رفع مستويات التغذية من صميم اختصاصات المنظمة التي سعت منذ نشأتها إلى المساعدة على إقامة عالم متحرر من الجوع وسوء التغذية. وفي مؤتمر القمة العالمي للأغذية الذي عقد عام 1996، أعاد قادة 185 بلدا التأكيد على التزام حكوماتهم بتحقيق هذه الغاية وتكريس جهودهم لتنفيذ خطة العمل العالمية للتغذية التــي اعـتمدها المؤتمر الدولي المعني بالتغذية في عام 1992. كما تعهدوا بخفض عدد من يعانون من نقص الأغذية المزمن في العالم إلى نصف مستواه في موعد أقصاه عام 2015.
2- والتحدي الذي يشكله الوفاء بهذه الالتزامات في إقليم الشرق الأدنى هو تحد فريد. فالتباين في مشكلات التغذية لا يعد تباينا صارخا بنفس القدر في أي اقليم آخر من أقاليم العالم. وتشمل حالة التغذية في هذا الإقليم طائفة المشكلات التغذوية بدءا بنقص التغذية وانتهاء بالافراط فى التغذية ومرورا بمشكلات واسعة النطاق تتصل بنقص العناصر الغذائية الدقيقة. وتواجه بلدان كثيرة تحديا مزدوجا يتمثل في التعرف على الأسر التي تعاني من انعدام الأمن الغذائي ومساعدتها على تحقيق مستوى تغذوى سليم من جهة، والترويج للنظم الغذائية السليمة، وأنماط الحياة الصحية، وتعزيز الأمن الغذائي لمجمل السكان من جهة أخرى.
3- ويعتبر تحسين الأمن الغذائي الأسري العنصر الرئيسي في الاستراتيجيات الرامية إلى الحد من نقص التغذية المنتشر على نطاق واسع. ويتمثل الأمن الغذائي الأسري بحكم التعريف في "قدرة الأسرة على أن تؤمن، إما عن طريق انتاجها الخاص وإما عن طريق مشترياتها، أغذية تكفي لتلبية الاحتياجات التغذوية لأفرادها" (منظمة الأغذية والزراعة/منظمة الصحة العالمية، 1992). ويعني هذا في الممارسة العملية أن الأسر التي تعتبر "آمنة غذائيا" يجب أن تضمن فرص الحصول على مدار العام على أغذية مأمونة بالمقادير والأنواع اللازمة لتلبية الاحتياجات التغذوية لكل فرد من أفرادها.
4- وقد اعتمدت عدة بلدان في إقليم الشرق الأدنى سياسات وبرامج معينة لضمان الأمن الغذائي الأسري. ونفذ في عدد من البلدان برامج مثل دعم السلع الغذائية الأساسية، ولاسيما الدقيق (الخبز)، والسكر، والزيت، ثم الأرز في حالات معينة. ونظرا لأن برامج الدعم هذه تكون مكلفة عادة وتنطوي في أحيان كثيرة على استيراد سلع غذائية، ولا تشكل بالضرورة أكثر السبل فعالية للوصول إلى الفئات السكانية التي تحتاج الى الدعم، فإن الحكومات تنفذ الآن برامج تغذوية موجهة خصيصا لفئات بعينها. ومن ذلك مثلا أن دعم الخبز الأسمر (الذي يعد أرقى تغذويا لاحتوائه على مستويات أعلى من الفيتامينات والمعادن والألياف) لصالح الأسر متوسطة ومنخفضة الدخل، وعدم دعم الخبز الأبيض الذي تستهلكه أساسا الأسر مرتفعة الدخل، يعد سبيلا أكثر فعالية وأقل تكلفة لتلبية الاحتياجات التغذوية للأسر التي تعاني من انعدام الأمن الغذائي. كما تعتبر الحصص التموينية الغذائية وقسائم الأغذية من الأمثلة الأخرى للبرامج الموجهة التي تنفذ لتحسين الأمن الغذائي والتغذوي للأسر منخفضة الدخل.
5- وفي بعض البلدان، تنفذ برامج للتدخل التغذوي، مثل برامج التغذية المدرسية للأطفال في المناطق الريفية والحضرية. وتنطوي هذه البرامج، إلى جانب تلبيتها لاحتياجات تغذوية معينة، على ميزة إضافية هي تشجيع الالتحاق بالمدارس والانتظام في الدراسة وتقليل معدلات الانقطاع عن التعليم. وتنفذ برامج أخرى لزيادة انتاج واستهلاك الأغذية اللازمة للوجبات المتوازنة والمغذية، وذلك من خلال تشجيع الحدائق المنزلية والمدرسية.
6- وتعاني فئات معينة من السكان داخل الإقليم من نقص بعض العناصر الغذائية مثل اليود في مناطق جغرافية معينة؛ ونقص الحديد وخاصة بين الأمهات والأطفال؛ ونقص فيتامين ألف في الفئات السكانية التي لا تستهلك مقادير كافية من الفاكهة والخضر. وبغية التغلب على حالة النقص هذه، تتخذ عدة حكومات إجراءات لإثراء ملح الطعام باليود، وتزويد الأمهات الحوامل والمرضعات بأغذية تكميلية تحتوي على الحديد. وبالإضافة إلى ذلك، يشجع عدد من الحكومات انتاج واستهلاك وجبات غذائية متنوعة من أجل تلبية الاحتياجات التغذوية لجميع أفراد الأسرة.
7- ولكن يتبين أيضا من ملاحظات سجلت في أنحاء شتى من العالم، أن الأمن الغذائي للسكان (أي فرص حصولهم من الناحيتين المادية والاقتصادية على أغذية تحتوي على عناصر غذائية كافية) لا يترجم بصورة آلية إلى تمتعهم بمستوى تغذوي سليم. فالاضطرابات التغذوية، بما فيها نقص التغذية، لا تختفي بالضرورة بمجرد تحقيق الأمن الغذائي. ففضلا عن التمتع بفرص الحصول على أغذية مأمونة ووافية تغذويا، يجب أن يتمتع السكان بما يلي:
8- ومن ثم فإن الحالة التغذوية الفعلية للفرد يحددها عدد من العوامل المتشابكة ليس الأمن الغذائي إلا عاملا واحدا منها فحسب. لذا يستخدم مصطلح "الأمن التغذوي" لوصف الظروف التي تتوافر فيها فرص الانتفاع بجميع العوامل الغذائية والصحية والاجتماعية والاقتصادية والبيئية اللازمة للتمتع بمستوى تغذوي سليم ضمن السياق الثقافي المناسب. وقد تم التأكيد على قضية الأمن الغذائي والتغذوي الأسري في كل من المؤتمر الدولي المعني بالتغذية ومؤتمر القمة العالمي للأغذية، وكذلك في عدد من الاجتماعات القطرية والإقليمية التي عقدت في الشرق الأدنى. لذا ستركز هذه الوثيقة بقدر أكبر على التوعية التغذوية وتعميق وعي المستهلكين، وهو عنصر هام في ضمان الأمن الغذائي والتغذوي على نطاق الأسرة.
9- توفر التوعية التغذوية مهارات حياتية أساسية وتستهدف غرس وتعزيز أنماط غذائية سليمة في سياق اجتماعي واقتصادي محدد. وقد ترمي هذه التوعية إلى توفير معارف ومهارات كافية لمساعدة السكان علــى إنتاج وشراء وتجهيز وإعداد وتناول الأغذية التي يحتاجون اليها هم وأسرهم لاشباع احتياجاتهم التغذوية. ويتطلب هذا، من الناحية الأساسية، الإلمام بالمكونات الغذائية التى تشكل طعاما مغذيا، وبخير السبل التي يستطيع بها السكان إشباع احتياجاتهم التغذوية من الموارد المتاحة.
10- إن القدرة على إجراء اختيارات غذائية سديدة أمر يتسم بأهمية فائقة في الحالات التي يكون فيها توافر الأغذية محدودا والتى يتطلب فيها مستوى الدخل توزيعا حصيفا لموارد الأسرة الضئيلة. ولكن المقدرة على إجراء اختيارات غذائية ملائمة ما زالت، كما يتضح فى كثير من مشكلات الصحة العامة في عديد من البلدان الأكثر ثراء، يعد أمرا هاما حتى عندما لا يمثل توافر الأغذية أو فرص الحصول عليها أية مشكلة.
11- وفي كلتا الحالتين يمكن أن تكون التوعية التغذوية مفيدة في مساعدة السكان على اتباع نظم غذائية أكثر صحة، وفي تحسين مستوى تغذيتهم. كما أن بوسعها أن توفر معرفة كافية وأن تشجع وتساعد على غرس الثقة في نفوس السكان بشأن قدرتهم على الاختيار السديد. ولما كان النظام الغذائي المتبع ونقص النشاط البدني قد تم ربطهما بعدد من الأمراض الشائعة غير المعدية في جميع أنحاء العالم، فإن التوعية التغذوية ينبغي أن تشمل أيضا توجيهات بشأن أساليب الحياة الصحية، وبشأن النشاط البدني بوجه خاص.
12- ينبغي أن تكون التوعية التغذوية عنصرا هاما في الجهود التي يبذلها كل بلد لتحسين الحالة التغذوية لسكانه. وتشمل بعض التحديات التي تواجه التوعية التغذوية ما يلي:
13- من الواضح أن طبيعة الامدادات الغذائية وفرص حصول السكان عليها تتسمان بأهمية أساسية للتمتع بمستوى تغذوي سليم. وتؤثر الأعراف والتقاليد الثقافية، ضمن عوامل أخرى، على الاختيارات الفعلية التي يقوم بها السكان. ولذا فإن برامج التوعية التغذوية يتعين أن تأخذ في حسبانها الأغذية المتوافرة، وفرص حصول السكان على الأغذية، والعوامل التي تحدد اختياراتهم. وكان من الأدوار التقليدية للتوعية التغذوية زيادة قدرة الأسرة على استخدام الموارد الغذائية المتاحة على الوجه الأمثل. ويتسم هذا الاعتبار بأهمية خاصة فيما يتعلق بالرضاعة الطبيعية، والفطام وتزويد الأطفال بأغذية تكميلية، والممارسات الغذائية أثناء الإصابة بالأمراض المعدية، والتغذية أثناء الحمل والإرضاع، والسلامة الصحية للأغذية. كما أدرجت في برامج كثيرة التوعية بطرق انتاج الأغذية على مستوى الأسرة، وبطرق تخزين هذه الأغذية وتجهيزها وإعدادها.
ولكن على التوعية التغذوية أن تراعي أيضا التغير الاجتماعي والتكنولوجي. فالإمدادات الغذائية لكثير من بلدان الإقليم تشهد تغيرا سريعا نتيجة النمو الاقتصادي وتزايد الإمدادات المتاحة من الأغذية المجهزة ذات القيمة المضافة. ولما كان هناك افتقار الى "الحكمة التغذوية" التقليدية بشأن استخدام هذه المنتجات، ولما كان على السكان أن يلموا بأكبر قدر من المعلومات عن تلك المنتجات، فإن برامج التوعية التغذوية المصممة تصميما سديدا تصبح عنصرا لا تقدر قيمته.
14- ويقتضى الأمر تخطيط التوعية التغذوية والتدخلات الترويجية التي تستهدف تغيير أنماط السلوك وتوجيهها وتنفيذها بعناية خاصة. ويتعين أن تدرج هذه البرامج ضمن أطر ملائمة وأن تستعين بقنوات الاتصال ووسائل الإعلام المناسبة. والإطار التالي، الذي يتألف من أربعة عناصر تفاعلية، يمكن أن يساعد على توجيه استحداث برامج التوعية التغذوية الفعالة. وتتمثل نقطة البداية في تحديد قضايا التغذية للمجموعات السكانية الفرعية. وسيفضي هذا إلى اختيار مجموعات مستهدفة (أو مجموعات سكانية فرعية) الأمر الذي سيؤدي بدوره إلى تحديد الأطر والقطاعات التي تتيح أكبر الفرص للوصول إلى تلك المجموعات. ويمكن أخيرا اختيار الأساليب الملائمة للمجموعة المستهدفة وللإطار المعني بما يتيح تحقيق كل من التغيير الفردي والتنظيمي، وتوفير بيئة مساندة للتغيير.
4-1 قضايا التغذية
15- ينبغي أن تكون نقطة البداية لأي تدخل في مجال التوعية التغذوية هي تحديد المشكلات التغذوية التي تؤثر على المجموعات السكانية الفرعية. ويقتضي الأمر توافر معلومات عن مدى انتشار المشكلات التغذوية والمشكلات الصحية المرتبطة بالنظام الغذائي في صفوف السكان، وعن اتجاهات هذه المشكلات، إلى جانب توافر معلومات عن المواد الغذائية المتناولة. وإذا كانت الخطوط التوجيهية الغذائية غير متوافرة، فمن الصواب أن يشرع في وضعها تيسيرا للعمل اللاحق في مجال التوعية التغذوية.
ولدى معالجة الاحتياجات التغذوية للمجموعات السكانية الفرعية يتعين تحديد المؤشرات البيئية والاجتماعية وتلك المؤشرات المتأصلة التي تسهم في تشكيل حالة التغذية، ويرد أدناه ملخص هذه العوامل:
4-2 المجموعات المستهدفة
16- ينبغي أن تختار المجموعات المستهدفة بتدخلات التوعية التغذوية ضمن طائفة من المجموعات المختلفة، بما يتجاوز المفهوم التقليدي "للمستخدم النهائي" للمعلومات، ويمكن تنفيذ هذه العملية على ثلاثة مستويات:.
4-3 الأطر والقطاعات
17- يعد هذا المنهج منهجا متعدد القطاعات من الناحية الجوهرية لأنه يعتمد على أطر رئيسية تخرج جميعا، باستثناء قطاع الصحة الأولية، عن نطاق قطاع الصحة. وتتيح الاستعانة بالأطر الرئيسية، التي لا تعتبر من الناحية التقليدية مجالا لبرامج التوعية التغذوية، الوصول إلى المجموعات السكانية الفرعية في أماكن عملها وسكنها ولعبها. وتتيح الاستعانة بطائفة واسعة من الأطر والمنظمات إقامة صلات إيجابية فيما بين التخصصات المختلفة، وتشجع إشراك المجتمع على نطاق أوسع في قضايا التغذية. كما تتيح التحديد الدقيق للسكان المستهدفين ووضع أساليب ملائمة للاحتياجات المتصورة والقابلة للقياس لهؤلاء السكان.
4 - 4 الأساليب
يمكن الوقوف على مجموعتين رئيسيتين من الأساليب لدى تنفيذ برنامج للتوعية التغذوية، هما:
(أ) أساليب التوعية والاتصال بما في ذلك قنوات الاتصال
(ب) استراتيجيات دعم التوعية.
(أ) أساليب وقنوات التوعية والاتصال
18- ينبغي أن يستند اختيار أساليب التوعية إلى ما هو ملائم للمجموعات المستهدفة والإطار المعني. وتتمثل عادة نقطة البداية في تحليل محددات السلوك التغذوي للمجموعة المستهدفة، بما في ذلك العوامل التي يرجح أن تؤثر على هذا السلوك. وفي نموذج "بريسيد " الذي يستخدم على نطاق واسع، يتخذ هذا شكل تحديد العوامل المهيئة (المعارف، والمعتقدات، والقيم، والمواقف، والثقة) التي تمثل منطلق السلوك أو الدافع اليه؛ والعوامل المواتية (المهارات والموارد)؛ والعوامل المعززة (الأسرة، والنظراء، والمعلمون، وغيرهم) التي تكافيء أو تسهم في استمرار السلوك. ذلك هو نوع المعلومات الذي يوفر الأساس لتخطيط أساليب التوعية والاتصال التي يتعين استخدامها.
وكان المنهج التقليدي الذي اتبع في التوعية التغذوية هو التعليم وجها لوجه، سواء بصورة جماعية أو فردية. وفي السنوات الأخيرة، كان تعرض المنهج لتشكيك جاد في جدواه، وذلك أساسا بسبب التكلفة التي يتطلبها الوصول إلى جمهور واسع عريض. غير أن الأساليب القائمة على التعليم وجها لوجه قد تكون أكثر السبل فعالية في التوعية التغذوية لأن التغذية تنطوي على عدد من التحديات الفريدة وتختلف عن كثير من القضايا الأخرى في مجال التوعية الصحية. ولئن كان أصل جميع صور السلوك البشري أصلا مركبا فإن التوعية التغذوية تنطوي على مشكلة إضافية هي أن التغذية السليمة تتعلق بالقدرة على التمييز بين كثير من المواد الغذائية المختلفة. فتحديد مادة معينة (مثل التبغ) على أنها ضارة بالصحة، أو الترويج لمنافع كبسولة ما أو حقنة مقوية، قد يكون أسهل من توفير المعلومات اللازمة لإجراء اختيارات سديدة بين طائفة واسعة من المواد الغذائية. بيد أن النظام الغذائي بأسره - الذي يعني مقدار وتواتر استهلاك الأغذية جميعا - وليس تناول مادة غذائية بعينها هو الذي سيؤثر على الصحة. بالإضافة إلى ذلك فإن إسداء المشورة عن كيفية تحسين أغذية الفطام، على سبيل المثال، لا يتطلب معلومات عن نوع الأغذية ومقاديرها وتواتر تناولها فحسب، بل قد يتطلب أيضا تطوير المهارات المتعلقة بإنتاج هذه الأغذية وإعدادها.
ونظرا لتعقد العوامل التي تحدد السلوك الغذائي، فإن الأساليب القائمة على التعليم وجها لوجه هـي التي تعد على الأرجح أكثر الأساليب فعالية في التوعية التغذوية. وتؤكد عمليات التقييم أن البرامج التي تؤثر على السلوك (وليس على المعارف والمواقف فحسب) تعتمد على السياق الاجتماعي وعلى التفاعل بين الأفراد في إتاحة الفرصة أمام المشاركين لممارسة صور السلوك الجديدة وتعلم حل مشكلاتهم التغذوية مع مرور الزمن.
19- أما استراتيجيات وسائل الإعلام الجماهيرية فهي تستند، من جهة أخرى، على نماذج التسويق والاتصال التي تعالج غالبا معلومات بسيطة أو مادة غذائية معينة أو سلوكا محددا. أما التوعية التغذوية فنادرا ما تعالج سلوكا بعينه أو مادة غذائية واحدة. ومع ذلك فإن وسائل الإعلام الجماهيرية قد استخدمت بشكل فعّال في هذه الحالة وذلك للتشجيع، مثلا، على استخدام الملح المزود باليود. كما كانت الاستعانة بوسائل الإعلام الجماهيرية فعالة أيضا في تعميق وعي المجتمع المحلي بمشكلات تغذوية معينة، وإن كانت أكثر صور الاستعانة بها شيوعا هى استخدامها كجزء من منهج متعدد القنوات تساند فيه وسائل الإعلام إجراءات أخرى أو أنشطة التعليم وجها لوجه.
ومن المتفق عليه بصورة عامة أن استراتيجيات التعليم وجها لوجه تعد أكثر فعالية على الأرجح من برامج وسائل الإعلام الجماهيرية في تغيير السلوك. واستخدام هذه الاستراتيجيات جميعا بصورة متكاملة هو فيما يبدو الخيار الأمثل في معظم الحالات.
(ب) استراتيجيات دعم التوعية
20- إلى جانب الترويج الفعلي للرسائل التغذوية فإن ضمان نجاح التدخلات المنفذة في مجال التوعية التغذوية يستلزم عددا من الاستراتيجيات المصممة لمساندة عملية التوعية. ومن هذه الاستراتيجيات على سبيل المثال ما يلي:
استقطاب الاهتمام من أجل التأثير على متخذي القرارات لدعم ترويج التغذية السليمة وتعبئة المساندة الاجتماعية.
سياسات (خطط عمل) يمكن وضعها على جميع مستويات المجتمع. فإلى جانب السياسات القطرية التي تؤثر على الإمدادات الغذائية القطرية، يمكن للمجتمعات المحلية أن تلتزم بتخصيص بعض الأراضي لزراعة الخضر؛ ويمكن لمراكز للرعاية النهارية أن تتبع سياسة تقوم على تقديم الأطعمة المغذية وحدها؛ ويمكن للمدارس أن تضع سياسة تتمثل في تخصيص وقت محدد للتوعية التغذوية.
العمل على مستوى المجتمع المحلي. بمقدور البرامج المنفذة على مستوى المجتمع المحلي أن تعزز تحكم هذا المجتمع في المعلومات (المتعلقة بالأغذية والتغذية)؛ والعلاقات (تعبئة الدعم الاجتماعي، وتيسير المساعدة الذاتية)، والموارد (اقتسام الموارد، وزيادة القوة الشرائية بما يتيح الحصول علىالأغذية) وصنع القرار. ويمكن للعمل المنفذ على مستوى المجتمع المحلي أن تكون له أهمية حاسمة لتحقيق تحسن مستمر فى حالة التغذية.
اللوائح. لئن كانت اللوائح تندرج خارج النطاق المباشر للتوعية التغذوية، فإن المشتغلين بالتوعية التغذوية وأعضاء المجتمع المحلي يمكنهم أن يستقطبوا الاهتمام لتطبيق أنواع محددة من اللوائح. فاللوائح المنظمة لإمدادات الأغذية يمكن أن تشكل استراتيجية رئيسية لدعم ترويج التغذية السليمة. وإذا ما توافرت استراتيجيات لإنفاذ هذه اللوائح، فإنها يمكن أن تضمن سلامة الأغذية من ملوثات ومخلفات زراعية كثيرة. وبوسع المعايير المتعلقة بتكوين الأغذية أن تحمي السلامة التغذوية للمواد الغذائية الأساسية. وإذا كانت هناك حاجة تتوافر بشأنها براهين واضحة (ولا تختلق اختلاقا استجابة للأغراض التسويقية وحدها)، فإن تقوية الأغذية بالفيتامينات والمعادن يمكن أن تعالج حالات نقص في عناصر غذائية محددة. وبمقدور قوانين وضع البيانات على عبوات المواد الغذائية أن توفر معلومات قيّمة للمستهلكين، وأن تتيح ممارسة الضوابط على أنشطة الإعلان والتسويق غير السليمة أو المضللة.
إنتاج الأغذية وتجهيزها. كان من العوامل التي ساندت كثيرا من برامج التوعية التغذوية الناجحة تنمية مهارات المشاركين على إنتاج الأغذية وتجهيزها وإعدادها.
تعميق الوعي. تُعمق أساليب التسويق الاجتماعي، مثل وسائل الإعلام والإعلان ورعاية الأنشطة، الوعي بقضايا التغذية داخل المجتمع المحلي، وتؤثر في الرأي العام، وترفع مكانة التوعية التغذوية. وفي أحيان كثيرة، ستكون عملية خلق دعم اجتماعي واسع النطاق هى المرحلة الأولى في إحدات تغييرات إيجابية.
التغيير التنظيمي. من شأن التعاون مع منظمات وقطاعات شتى، مثل الحكومات المحلية والمنظمات الاجتماعية ومواقع العمل والمنظمات التعليمية والمراكز الصحية والجماعات الثقافية، أن يؤدي إلى تغييرات داخل هذه المؤسسات تدعم التحسينات التغذوية. ومن الأمثلة على ذلك حركة "المستشفى الصحي"، و"موقع العمل الصحي"، و"المجتمع الصحي". وتحقيق الالتزام التنظيمي بدعم تحسين التغذية يمكن أن يكون عاملا رئيسيا في استدامة البرامج.
21- يتناول الإطار الموصوف أعلاه، من حيث المبدأ، التوعية التغذوية في المدارس أيضا. غير أن التوعية التغذوية المدرسية تتسم بأهمية فائقة في أي بلد، ولذا تستحق تحديد بعض الإيضاحات الإضافية.
يعتبر أطفال المدارس مجموعة ذات أولوية من منظور التوعية التغذوية للأسباب التالية:
السمات الرئيسية لبرامج التوعية التغذوية الفعالة في المدارس
22- من العوامل الأساسية لبرامج التوعية التغذوية المدرسية الفعالة الاعتراف بأن خير وسيلة لتعليم الطفل هي تهيئة البيئة المساندة التي تجسد وتعزز المبادئ التي يتم تدريسها. ولذا ينبغي للتوعية التغذوية المدرسية ألا تكتفي بمجرد تلقين معلومات عن الأغذية والعناصر الغذائية. بل ينبغي لهذه البرامج أن تعالج أيضا القضايا الاجتماعية الثقافية والاقتصادية والبيئية الأوسع نطاقا ذات الصلة بالأمن الغذائي والتغذية في المنزل والمجتمع؛ وينبغي للتوعية التغذوية المدرسية أن تشمل ما يلي:
وعن طريق التوجه في وقت واحد الى التلاميذ والمعلمين وموظفي المدرسة والآباء والمجتمع، يمكن الإسراع بتحسين كل من البيئة التي يتعلم فيها الطلاب والبيئة التي يعيشون فيها، وتعزيز مكانة المدرسة كإطار صحي للحياة والتعلم والعمل.
كما ينبغي النظر إلى التوعية التغذوية في المدارس على أنها نقطة بداية قيمة لبناء قدرات كل من المدرسة والمجتمع على الاستجابة للاحتياجات الغذائية والتغذوية والصحية الهامة.
23- ما برحت عدة بلدان تروّج بصورة نشطة للتوعية التغذوية من خلال وزارات حكومية شتى. فوزارات الزراعة تنشر المعلومات عن الأغذية والتغذية من خلال خدمات الإرشاد الزراعي. وفي بعض البلدان، تنشر وزارات الإعلام رسائل تغذوية عن طريق وسائل الإعلام المختلفة. وفي عدد من البلدان، تدرج وزارات التعليم التوعية الثقافية في المناهج المدرسية. وتقدم وزارات الصحة معلومات تغذوية وترفع الوعي في هذا المجال من خلال خدمات الرعاية الصحية.
والذي يستلزمه الأمر الآن هو تحديد الأولويات القطرية لمعالجة المشكلات التغذوية الرئيسية في كل بلد من البلدان، ورصد تأثير البرامج المنفذة في مجال المعلومات والتوعية التغذوية. وسيقتضي هذا زيادة التعاون بين شتى الوزارات والمنظمات غير الحكومية والقطاع الخاص.
وقد نظم المكتب الإقليمي للشرق الأدنى عددا من الأنشطة في مجال التوعية التغذوية. ففي عام 1997، عقدت حلقة عمل فيما بين البلدان بشأن التوعية التغذوية وتعميق وعي المستهلكين للبلدان الناطقة باللغة العربية. وفي عام 1998، نظمت حلقة عمل مماثلة لبلدان الإقليم غير الناطقة باللغة العربية. وبالإضافة إلى ذلك، أصدر المكتب الإقليمي للشرق الأدنى عدة مطبوعات باللغة العربية أهمها كتيب بعنوان " كيف تحصل على الأفضل من غذائك"، وكتيب بعنوان " التثقيف الغذائي للجمهور"، كما صدرت وقائع حلقة العمل حول "التثقيف الغذائي وتوعية المستهلك". وبالإضافة إلى ذلك أجرى استعراض عن المضمون التغذوي للمناهج المدرسية في أربعة بلدان مختارة فى الإقليم.
24- يندرج الإطار الذي تمت الدعوة إليه هنا ضمن نموذج لتحسين التغذية والصحة، وهو يوسع نطاق الأمن الغذائي الأسري والتوعية التغذوية ليشمل برامج لتحسين الصحة بالإضافة إلى برامج للحد من عوامل الخطر. وينقل هذا الإطار، عن طريق التوصية بمراعاة مؤشرات الصحة الاجتماعية للمجموعات السكانية الفرعية بمراعاة العوامل الوبائية أيضا، الأمن الغذائي الأسري نحو التركيز على السكان والصحة والمستوى التغذوي السليم.
وهذا التغيير في موطن التركيز يتطلب من مخطط البرامج النظر في عدم الاقتصار على أنشطة الاتصال، وفى إدراج استراتيجيات مصممة لتوفير دعم بيئي وتنظيمي لإحدات التغيير في السلوك على مستوى الأسرة. كما ينقل منهج الأطر والقطاعات الرئيسية موطن التركيز صوب تهيئة بيئات مساندة لإحداث تغيير في السلوك. ومن شأن تحقيق تغييرات في المنظمات كي تكون أكثر مساندة للتحسينات التغذوية أن يؤدي أيضا إلى تقوية الإحساس بتبني قضايا التغذية، وزيادة احتمالات استمرار التغييرات الإيجابية.
وتشهد بلدان كثيرة في إقليم الشرق الأدنى تغيرات اجتماعية واقتصادية سريعة، وبعض هذه التغييرات لها تأثير تغذوي سلبي على قطاعات معينة من السكان. وليس بوسع التوعية التغذوية أن تقتصر على مجرد "تصحيح الأمور" بعد حدوث سوء التغذية، بل عليها أن تجد وسيلة لترويج وتعزيز التدابير الوقائية لضمان تمتع السكان جميعا بمستوى تغذوي سليم.