المدير العام السابق  جوزيه غرازيانو دا سيلفا
مقال رأي بقلم المدير العام للمنظمة جوزيه غرازيانو دا سيلفا

مواجهة تغيّر المناخ ومناهضة الجوع وجهان لعملةٍ واحدة
بقلم: جوزيه غرازيانو دا سيلفا، 26 تشرين الثاني/نوفمبر 2015

يشكِّل مؤتمر المناخ الدولي (COP21) الذي سيعقد في باريس في نهاية الشهر الجاري، لا سيما في أعقاب جرائم الإرهاب البربرية الأخيرة، فرصةً فريدة للمجتمع الدولي من أجل التئام الشمل والتدليل على الالتزام بأهداف جدول أعمال محو الجوع بحلول عام 2030، وبأهداف التنمية المستدامة (SDGs)... ربما كأنسب طريقة للترويج لعالمٍ أكثر إنصافاً وأمناً وشمولية لكل الأطراف، بلا أن يُهمَل أحدٌ أو يتخلّف عن الركب.

والثابت أن لا سلام ممكن هناك بلا تنمية مستدامة. ولن تتحقق التنمية المستدامة ما دام ثمة مَن يشعرون بأنهم مستبعدون، وإذ ما زال هناك مَن يعاني الفقر المدقع والجوع المزمن.

أمّا الحل من أجل عالم أفضل، فلا بد أن يأتي شاملاً للجميع... على النحو الذي يشكل بالفعل قلباً وقالباً لجدول أعمال عام 2030، سواء بالنسبة لعمومية الأهداف أو طابع التضامن أو شرط الشمولية... كمكونات متكافئة لمعادلة التنمية المستدامة.

وإذا كانت أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر، مترابطة فيما بينها جميعاً فلا شك أن قضية تغير المناخ تمثل القاسم المشترك بين كلٍ منها.

ويتناول هدف التنمية المستدامة الثالث عشر قضية تغير المناخ تحديداً، حيث ينص على أن البلدان لا بد لها أن تتخذ إجراءات عاجلة لمواجهة هذه الظاهرة وآثارها، ولأن الإخفاق في تلك المهمة إنما يعرِّض جميع الأهداف الإنمائية الأخرى للخطر، ولا سيما هدف محو الجوع.

واليوم، أصبح من المتعين على البلدان التي ستلتقي في محفل المؤتمر العالمي للمناخ بباريس، أن تضع في اعتبارها جيداً أن من غير الممكن للعالم التخلّص من لعنة الجوع بمعزل عن صدّ الآثار الضارة للتغير المناخي، وخاصةً بقدر ما يتعلق الأمر بالأمن الغذائي والتغذوي.

وبعد أن كان حلماً يراود البعض، أضحى هدف اجتثاث الجوع العالمي إمكانية في متناول أيدينا. فنحن ننتج ما يكفي من الغذاء، ونمتلك التكنولوجيا، وندرك ماهية السياسات والإجراءات التي تغل أفضل النتائج عملياً.

لكن تغير المناخ، شاملاً الأحداث المناخية المتطرفة والأكثر تواتراً باستمرار، بات يمثل حاجزاً يعترض طريق بلوغ هذا الهدف.

ويؤثر ارتفاع درجات الحرارة فوق ظهر الكوكب على إنتاج الغذاء- حيث تتناقص غلة المحاصيل الغذائية الأساسية باستمرار، وبحلول عام 2050 من المرجح أن انخفاضات بمعدل يتراوح بين 10-25 في المائة ستصبح أمراً واسع الانتشار. وفي الوقت ذاته، فإن موجات الجفاف والفيضانات والأعاصير وارتفاع مستوى سطح البحر باتت تهدد على نحو متزايد ومنذر بالخطر حياة ومعيشة الفئات السكانية الأشد ضعفاً. ومثل هذه الكوارث المرتبطة بالمناخ عن كثب إنما تساهم إلى حد بعيد في تفاقم الخسائر الاقتصادية وحركة النزوح السكاني؛ ذلك بينما لم ينفك عدد سكان العالم يتنامى... بل وينمو بوتائر أسرع لدى البلدان الأكثر عُرضة لأسوأ عواقب التغير المناخي.

ونظراً إلى أن التغير المناخي يقوِّض سبل معيشة الفقراء وأمنهم الغذائي- حيث يعيش 80 بالمائة من فقراء العالم في المناطق الريفية ويعتمدون على الزراعة والغابات ومصايد الأسماك، فإننا بحاجة اليوم إلى إطار عالمي لدعم التنمية والنمو مع الحفاظ على الموارد الطبيعية لكوكبنا، وبخاصة في المناطق الريفية. وتمثل الأهداف الإنمائية المستدامة جزءاً جوهرياً في مثل ذلك الإطار؛ كما يُؤمل أن يُستكمل هذا السياق بالتئام شمل البلدان في باريس للتفاوض على اتفاق عالمي جديدٍ للمناخ يستند إلى وقف تصاعد درجات الحرارة في العالم دون درجتين مئويتين.

ويظل هدف "فاو" الأسمى هو ضمان الأمن الغذائي الشامل للمجموع العام ولمختلف الأفراد، وترسيخ هذا المفهوم كمحور للنقاش حول تغير المناخ. وبينما يتعين على البلدان أن تتمكن من تنفيذ الحلول وتوسيع نطاق إجراءات التكيُّف والتخفيف إزاء التغير المناخي، فإن تحقيق هذه الغاية يقتضي من مؤتمر باريس أن يتبنّى إطاراً يتسع في آن واحد لدعم عمليات نقل التكنولوجيا، وتنمية القدرات، وتعبئة التمويلات.

ومن شأن هذه الجهود معاً أن تعود بالنفع على الجميع بلا استثناء. وعلى وجه الخصوص، يجب علينا أن نعزِّز سبل معيشة صغار المزارعين وصيّادي الأسماك وسكان الغابات الأشد تعرضاً من غيرهم لخطر انعدام الأمن الغذائي والأكثر تأثراً بعواقب تغير المناخ، ولا سيما في الدول الجزرية الصغيرة النامية والبلدان غير الساحلية، وفي المناطق القاحلة وشبه القاحلة. ويرادف التكيف بالنسبة لهؤلاء وأولئك، ضمان الغذاء اليومي لا أقل.

من جانب ثان، فإن المزارعين وصيادي الأسماك وأبناء الغابات- صغاراً كانوا أم كباراً، ولدى البلدان المتقدمة أم النامية على حد سواء- هم أكثر من مجرد منتجين للمواد الغذائية... فهم بالأحرى أوصياء على أمن الكوكب، وقيّمون على مواردنا الطبيعية نيابةً عنا جميعاً. ومن ثم، فإنهم جزء جوهري في أي حل، ولا يمكن بحال أن يتحمّلوا وحدهم عبء وتكلفة التعامل مع آثار تغيّر المناخ.

وفي تلك الأثناء، تلتزم منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو) بتقديم خبراتها الفنية وتجاربها التقنية، خاصةً في المناطق الريفية، لمساعدة السكان ذوي الشأن على كسر حلقات الجوع والفقر، ولا سيما وسط ظروف التغير المناخي الجاري.

ولا شك أن الشراكات هي أساسٌ لتبادل المعارف والخبرات والموارد بشأن القضايا الإنمائية. والآن هو الوقت المناسب لتوثيق عرى هذه العلاقات؛ وفقط عبر العمل المشترك يمكننا أن نضمن أن التقدم الذي أحرزناه على جبهة الأمن الغذائي لن يتعرض للمساس به من جرّاء تغير المناخ أو آثاره.

لذا، يتحتم علينا أن نحدد أولوياتنا ونضع الأمن الغذائي أولاً. وعلينا أن ندرك أن القطاعات الزراعية، بما في ذلك الزراعة والثروة الحيوانية والغابات ومصايد الأسماك، التي يعتمد عليها معظم فقراء العالم، تتشابك مع تطورات التغير المناخي... وأن الحلول من جانب أول ستعود بالفائدة على الجانب الثاني.

وببساطة، فإن الدعوة إلى العمل الجماعي لا بد أن تضع في اعتبارها بوضوح أن تحقيق الأمن الغذائي والتغذية الكافية للجميع ولكل فرد، وسط تزايد عدد السكان وفي ظل مناخ متغير، وموارد محدودة أو متناقصة... إنما يفرض علينا أن نتعلّم كيفية إنتاج المزيد بتكلفةٍ أقل.

 

Send
Print