المدير العام السابق  جوزيه غرازيانو دا سيلفا
مقال رأي بقلم المدير العام للمنظمة جوزيه غرازيانو دا سيلفا

اهتموا بنخيل التمر، رمز الحضارة والقدرة على الصمود
16/03/2016

 

يوم اعتمدت الاسرة الدولية أجندة التنمية المستدامة لعام 2030 فإنها اختارت، مجتمعة، الانطلاق إلى عالم خال من الجوع والفقر المدقع، عالم نعتني فيه بكوكبنا بطريقة أفضل مما فعلنا في السابق.

وعندما نزور أبوظبي، تذكرنا هذه الامارة مرة بعد مرة، بالعلاقة الجوهرية والتلازم بين الممارسات الزراعية المستدامة وبين قدرة البشر على الصمود وتحمل المشقات. وتفتخر منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة بالشراكة مع جائزة خليفة الدولية لنخيل التمر والابتكار الزراعي التي تعتبر مبادرة رائدة ساهمت على مدى سنوات عدة في تسليط الضوء على أهمية نخيل التمر في واحات الإمارات وخارجها.

وكما في العديد من الدول العربية الأخرى، ارتبط تاريخ دولة الإمارات العربية المتحدة وازدهارها بشجرة واحدة، هي شجرة نخيل التمر، التي تعود أولى آثارها إلى العصر الحجري الحديث وقد ثبت أن أجدادنا قاموا بزراعتها منذ أكثر من 6000 سنة. إن هذه الشجرة الفريدة قادرة على تحمل الحرارة العالية والظروف المناخية الصعبة، حتى أن جذعها قادر على تخزين المواد المغذية التي تتيح للشجرة مقاومة الجفاف.

وبالفعل فإن النخلة شجرة مدهشة. فالنخلة مفيدة بكل مكوناتها، من ثمار وجذع وجريد وسعف، ولكل منها استخداماته وقيمته الاقتصادية. فالنخلة تؤمن الغذاء والوقود، والمواد المستخدمة في صنع الحبال والسلال وصنع المفروشات وبناء المنازل. وتتميز ثمرة النخيل، التمرة، بخصائص تغذوية فريدة. فالتمرة مصدر فوري للطاقة، وهي غنية بالفيتامينات ألف، دال وباء1، بالاضافة إلى الألياف والمغنيسيوم والبوتاسيوم.

ومثلها مثل كل الأغذية الاساسية كالقمح والرز والبطاطس، فإن تمور النخيل لعبت دورا في الثقافة والتاريخ. لأنها ثمرة خفيفة الوزن وسهلة النقل، كانت التمرة الغذاء المثالي لسكان الصحارى. وقد نقل التجار العرب نخيل التمر إلى الاندلس في ذروة النهضة العربية في شبه الجزيرة الاسبانية. والمهاجرون الاسبان وإرسالياتهم نقلوا بدورهم نخيل التمر إلى الامريكيتين، فانتشرت من كوبا إلى المكسيك وكاليفورنيا. وهذا يؤكد المقولة الشهيرة لمؤسس دولة الإمارات العربية المتحدة المغفور له بإذن الله، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان: "اعطوني زراعة، فأعطيكم حضارة".

نحن ندين بالكثير لنخيل التمر وعلينا أن نهتم بها ونرعاها. علينا أن نبدأ بالتوعية حول فوائدها المتعددة، من دون أن نغفل دورها الدقيق في التوازن الايكولوجي حيث ان نظام الواحات يلعب دوراً رئيسياً في الحفاظ على التنوع البيولوجي.

لقد نجحت منظمة الامم المتحدة للأغذية والزراعة مع شركاء آخرين في العام الماضي في إضافة واحتي "العين" و"ليوا" إلى عدد متزايد من النظم الايكولوجية التي تقرّ منظمة "فاو" بأهميتها رسمياً على الصعيد الدولي باعتبارها مستودعات حية للموارد الوراثية والتنوع البيولوجي والتراث الثقافي.

ويتمثل اهتمام الفاو بنخيل التمر من خلال تطبيقها أكثر من 30 مشروعاً في أكثر من 25 بلداً في آسيا وأفريقيا على مدى ثلاثة عقود. وتتنوع هذه التدخلات بين البرامج والانشطة التدريبية، والاستشارات التقنية والمشاريع، وكلها تهدف إلى إعادة تأهيل القطاعات المنتجة لنخيل التمر والتي تأثرت بالكوارث والأزمات الأخرى.

وتعمل الفاو بشكل خاص على التصدي لتفشي سوسة النخيل الحمراء، العدو الأكثر تدميراً لنخيل التمر، التي بدأ ظهورها في منطقة الخليج منذ منتصف الثمانينات، وانتشرت غرباً على مدى العقود الثلاثة المنصرمة لتشمل معظم الدول في إقليم الشرق الأدنى وشمال افريقيا.

وبالإضافة إلى مكافحة الآفات، تتعاون الفاو مع دولة الإمارات العربية المتحدة في إقامة أول قاعدة بيانات متكاملة للغطاء النباتي، تشمل ترقيم أشجار النخيل واحتساب كميات المياه المستخدمة في الزراعة لادارة هذه الموارد بشكل أفضل. 

كما ان الفاو مهتمة، وتمتلك الخبرة المناسبة، للمساهمة في تطوير صناعة التمور في دولة الإمارات العربية المتحدة بهدف التعرف إلى ممارسات فضلى يمكن اعتمادها في دول أخرى في المنطقة، وفي مناطق أخرى من العالم.

ولا بد لنا ان نتذكر أن أشجار نخيل التمر تشكل بالنسبة إلى شعوب المنطقة أكثر بكثير من مجرد غذاء، إذ أنها جزء لا يتجزأ من تاريخهم وهويتهم الثقافية، وأن علينا أن نستمر في غرس هذه القيم من خلال رعايتنا لشجرة نخيل التمر.

Send
Print