المدير العام السابق  جوزيه غرازيانو دا سيلفا
مقال رأي بقلم المدير العام للمنظمة جوزيه غرازيانو دا سيلفا

لا يمكن لأحد أن يسير بمفرده في معالجة تغير المناخ
 11/02/2017

مقال أعدّه المدير العام لمنظمة الأغذية والزراعة، خوسيه غرازيانو دا سيلفا

سيجتمع آلاف القادة الحكوميين وخبراء السياسات الدولية قريبا لحضور مؤتمر القمة العالمي لرؤساء للحكومات المعني بضفاف الخليج، وهو مكان مناسب بشكل خاص إذ يشهد على ولادة الزراعة، لكنه اليوم يمثل إحدى المناطق الأكثر تعرضا للمخاطر التي يشكل تغير المناخ.

ومن المتوقع أن تشهد منطقة الخليج ارتفاعا ملحوظا في تواتر أيام الجفاف المتعاقبة، فضلا عن إظهار حالات شذوذ رطوبة التربة، وفقا لما ذكرته الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ. وإذا أخفقنا في الحفاظ على متوسط ​​درجات الحرارة العالمية من ارتفاع أكثر من درجتين مئويتين، فإن المنطقة التي غالبا ما تعرف باسم مهد الحضارة الإنسانية سوف تواجه بشكل متزايد موجات حرارية شديدة من النوع الذي يعطل قدرة الجسم البشري على تبريد نفسه.

وفي قدرتنا تجنب هذا المصير، ويتطلب هذا من الحكومات حشد الإرادة لتحقيق مجموعة هائلة من المهام. ولن نتمكن من التصدي لتحديات المناخ التي نواجهها دون الاستفادة الكاملة من احتياجات وفرص الزراعة وأنظمتنا الغذائية.

لإطعام سكان العالم المتزايدين، سنحتاج إلى زيادة إنتاج الأغذية بنحو 50 في المائة بحلول عام 2050، وعلينا القيام بذلك دون استنزاف الموارد الطبيعية المتوترة خارج نقطة التحول. والخبر السار هو أنه يمكننا، بالابتكار الذكي، أن نساعد الزراعة على التكيف مع تغير المناخ وأن نشارك في التخفيف من غازات الدفيئة، وأن نفعل ذلك بطريقة تسهم في التعهد العالمي بالقضاء على الفقر المدقع والجوع بحلول عام 2030.

فالزراعة بالمعنى الأوسع هي ساحة متميزة للعمل، حيث يمكن للاستثمارات المنفردة أن تلبي أهدافا متعددة تتراوح بين توفير العمالة المحلية وتحسين الصحة التغذوية لتخفيف المنافسة على الموارد الطبيعية الشحيحة بصورة متزايدة - مثل المياه، عبر معظم الشرق الأوسط.

وعلى وجه الخصوص، يمكن للجهود الرامية إلى مكافحة تغير المناخ أن تساعد بشكل إيجابي على تعزيز سبل العيش والأمن الغذائي لفقراء العالم، الذين يعيش 80 في المائة منهم في المناطق الريفية في كثير من الأحيان معرضين أكثر من غيرهم لآثار تغير المناخ السلبية التي لا يسببونها. إن دعم أصحاب الحيازات الصغيرة ليس فقط هو ما يجب القيام به، لأن التصدي للفقر، والجوع وتغير المناخ يتطلب نهجا متكاملا، فهو حجر الزاوية لضمان أي نجاح دائم.

وفي حين ينبغي للحكومات أن تهيئ بيئة مواتية لهذه الاستثمارات الذكية، فإن التصدي لتغير المناخ سيتطلب بذل جهود من القاعدة إلى القمة لبناء الاستقرار، تجمع بين العناصر الإنمائية والبيئية والإنسانية التي تعزز القدرة على الصمود وتضمن الأمن الغذائي للجميع. وتعدّ هذه الأهداف أساسية في التعهد الدولي بتحقيق جدول أعمال التنمية المستدامة بحلول عام 2030، وأود أن أؤكد أن ثمن الفشل سيكون أعلى بكثير من ثمن النجاح.

هناك حلول عدّة. وهذا واضح عندما ينظر المرء إلى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، التي تضم تنوعا استثنائيا. وتتراوح مستويات نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي بشكل كبير بين الدول، وكذلك حجم الاكتفاء الذاتي من الغذاء.

لا أحد منا جزيرة مستقلة، كما كتب أحد الشعراء منذ ما يقرب من 500 سنة، وبالمثل لا يمكن لأي حكومة أن تعمل لوحدها. وهذا هو الحال بصفة خاصة بالنسبة للمنطقة التي تستورد حاليا نحو نصف مجموع القمح والشعير والذرة، حيث تتدفق 60 في المائة من المياه العذبة عبر الحدود الوطنية – هي التي تمثل قيودا ملزمة على إنتاج الأغذية، وخصوصاً نقصاً في توافرها في المنطقة.

ومن الناحية الإيجابية، تم إنشاء مبادرة ندرة المياه في الشرق الأدنى وشمال أفريقيا - تتألف من منظمة الأغذية والزراعة وشبكة تضم أكثر من 30 منظمة وطنية ودولية - لتعزيز الجهود الإقليمية حقا لتوفير المياه على طول سلسلة القيمة الغذائية.

في حين لا توجد حلول بسيطة، هدفنا هو تحديد الخيارات الذكية التي يمكن اللجوء إليها. يجب علينا جمع المزيد من البيانات وتغيير السلوكيات، تحديد الأراضي - وجعل البيانات مفيدة ومتوافرة لصغار المزارعين، الذين يجب أن نرى مساهمتهم في نهاية المطاف خدمة للبشرية تستحق الدفع – والمضيّ قُدُماً في الميدان بإقناع المزارعين بأن جهودهم سوف تُكافأ.

ويتراوح عمل المنظمة في المنطقة بين جهود الطوارئ الهامة استجابة للصراعات في سوريا واليمن إلى تشغيل مدارس المزارعين الحقلية في مصر ومساعدة الإمارات العربية المتحدة على تطوير أول سياسة زراعية وطنية لها – وهو مثال على دمج استراتيجيات متعددة مع التركيز الشديد على الحفاظ على المياه وتغير المناخ.

وتنطوي التكنولوجيا على الكثير من الفوائد إن هي عُمّمت بطريقة تشارك منتجي الأغذية واحتياجاتهم. وتعتزم دولة الإمارات العربية المتحدة طرح عدادات المياه في المزارع، وفي الوقت نفسه تقديم إعانات ذكية تستهدف أولئك الذين يستهلكون كميات أقل من المعدّل من المياه. وتتراوح المنافع من بيانات تشخيصية أفضل عن الاستخدام الفعلي للمياه والحوافز لممارسات الحفظ الفعلية لتخصيص المدخرات للمزارعين الذين يمكنهم الاستثمار في أعمالهم من أجل تحقيق المزيد من الكفاءة.

ويثير تغير المناخ مثل هذه التهديدات على منطقة تعرف باسم مهد الحضارة، ضرورة اتخاذ إجراءات عاجلة لوضع الزراعة في صميم خطّة الاستدامة.

Send
Print