ARC/02/5






المؤتمر الإقليمي الثاني والعشرون لأفريقيا

القاهرة، مصر، 4-8/2/2002

فيروس نقص المناعة البشرية/متلازمة نقص المناعة المكتسبة،الزراعة والأمن الغذائي في القارة الأفريقية والبلدان الأفريقية الجزرية الصغيرة

بيان المحتويات

الصفحات   
1 أولا - مقدمة
1 ثانيا - أبعاد الوباء
3 ثالثا - فيروس نقص المناعة البشرية/متلازمة نقص المناعــة المكتسبة وانهيار الأسر والمجتمعات المحلية الريفية
5 رابعا - القضايا الشاملة: الفقر، اعتبارات الجنسين وحقوق الإنسان
6 خامسا - تأثيرات المرض على القطاع الزراعي واقتصاديات الريف
9 سادسا - التأثيرات على المستوى القطري
11 سابعا - اتخاذ استجابة فعالة لمواجهة وباء الإيدز، دعما للأمن الغذائي
11     ألف - المبادئ التوجيهية للاستجابة لأزمة مرض الإيدز
12     باء - قيود عامة تعوق العمل الفعال
13     جيم - عناصر إطار لمكافحة الإيدز من خلال تدخلات السياسات الزراعية
14     دال - دور منظمة الأغذية والزراعة

تأثيرات فيروس نقص المناعة البشرية/متلازمة نقص المناعة المكتسبة على الأمن الغذائي في أفريقيا

أولا - مقدمة

لم تشكل، على امتداد تاريخ أفريقيا، إلا أزمات قليلة تهديدا لصحة البشر وتقدمهم الاجتماعي والاقتصادي مثلما فعل وباء فيروس نقص المناعة البشرية بل إن الأمر يزداد سوءا إذا لوحظ أن الكثير من الشقاء والمعاناة التي سببتها متلازمة نقص المناعة المكتسبة/المناعة البشرية (الإيدز) والأمل معقود على، إذا تضافرت الجهود، إمكانية إنقاذ حياة الكثيرين، وتقليل شقائهم، والحد من الفقر الذي يصاحب المرض في أغلب الأحيان. ورغم ذلك، سيظل لوباء فيروس الإيدز تأثيراته الضارة واسعة النطاق على التنمية الإجتماعية والاقتصادية لسنوات عديدة.

فلم يعد من الممكن اعتبار هذا المرض مجرد مشكلة صحية. وبسبب الإيدز خسرت أفريقيا عشرات السنين من التنمية، كما أضر كثيرا بجهود البلدان في سبيل تخفيف وطأة الفقر ورفع مستويات المعيشة. والحاجة ملحة إلى عمل نشط للتصدي للعواقب الاجتماعية والاقتصادية والمؤسسية جراء هذا الوباء. ويؤثر فيروس نقص المناعة البشرية/متلازمة نقص المناعة المكتسبة بصورة هامة، أكثر فأكثر، على التغذية، والأمن الغذائي، والإنتاج الزراعي والمجتمعات الريفية في كل مكان في القارة الأفريقية. وحيثما كانت معدلات الإصابة بالإيدز عالية، تأثرت جميع أبعاد الأمن الغذائي- توافر الأغذية، استقرار الإمدادات، الوصول إلى الغذاء واستخدام الأغذية - مما يشكل خطرا يتهدد شعوبا بأكملها.

تعرض هذه الوثيقة التحديات الكبرى التي تواجه البلدان الأفريقية، وتحتوي على تقديرات لانتشار المرض وأنماط انتشاره، مع وصف للآليات الشائعة التي تواجه بها الأسر هذا المرض، والمجتمعات المحلية التي تختفي بسببه. كما تبرز الوثيقة تأثير هذا التدهور على الإنتاج الزراعي وعلى الاقتصاد الوطني. ويعقب هذا التحليل مناقشة للأعمال المطلوبة لتخفيف هذا الوضع، والعقبات التي تعترض مثل هذه الأعمال. وهناك مناهج مقترحة لمواجهة هذه المشكلة الخطيرة.

ثانيا - أبعاد الوباء

تشير التقديرات إلى أن هناك نحو 36 مليون شخص الآن مصابون بفيروس نقص المناعة البشرية في مختلف أنحاء العالم، يعيش أكثر من 25 مليون شخص من هؤلاء (نحو 70 في المائة) في بلدان أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، مما يجعل هذا الإقليم أشد الأقاليم تضررا بهذا المرض في العالم. ونظرا لأنه يصيب بصورة رئيسية الأشخاص بين عمر 15 و49 سنة، وهم أكثر أفراد المجتمع إنتاجية اقتصاديا، فإن هذا المرض له أهميته العظمى بالنسبة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية. ولما كان غالبية السكان في البلدان الأشد تضررا بهذا المرض، هم سكان المناطق الريفية، كان تأثير هذا الوباء شديدا على القطاع الزراعي بوجه خاص.

وهناك تفاوت واسع ما بين البلدان، في مستويات وباء فيروس نقص المناعة البشرية/متلازمة نقص المناعة المكتسبة. وتوضح التقديرات المتاحة لعام 1999 أن معدلات انتشار المرض في أوساط البالغين تتراوح بين أقل من واحد في المائة في أجزاء من شمال أفريقيا وبعض الدول الجزرية في المحيط الهندي، وأكثر من 25 في المائة في كل من زمبابوي، سوازيلندا وبوتسوانا (أنظر الشكل 1). وإجمالا، فإن بلدان أفريقيا الشرقية والجنوبية هي الأشد ابتلاء بهذا الوباء. بيد أن معدلات انتشاره في تصاعد سريع في بعض بلدان غرب أفريقيا.

الشكل 1 انتشار فيروس نقص المناعة المكتسبة في 1984-1999

Undisplayed Graphic

تقدير النسبة المئوية للبالغين (15-19 سنة)

المصابين بفيروس نقص المناعة المكتسبة

بيانات الإتجاه غير متوافرة

ويصيب مرض الإيدز فئات السكان المختلفة بدرجات متفاوتة من الشدة. وعلى سبيل المثال، كشفت الدراسات التي أجريت في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى أن النساء، نتيجة توليفة من العوامل البيولوجية، الاجتماعية الاقتصادية والثقافية، يصيبهن المرض في سن مبكرة مقارنة مع الرجال، ويقاسى الأطفال بصورة غير متناسبة عواقب هذا الوباء، حيث يقدر أن عدد اليتامى بفعل الإيدز يناهز 13.2 مليون طفل. ومن المنتظر أن يتضاعف هذا العدد، ويزيد، بحلول عام 2010.

والإختلافات الجغرافية داخل البلدان هامة بدورها. إذ ينتشر وباء الإيدز من خلال قنوات مثل طرق الشاحنات التي تيسر كثيرا من حركة انتقال السكان، مما يزيد من مخاطر عدوى الإيدز في القرى التي تقع على مثل هذه الطرق. ويزيد من حدة المشكلات المرتبطة بالإيدز في المجتمعات المحلية الريفية حركة الهجرة، إذ أن الكثير من سكان الحضر ممن يصابون بالإيدز يرجعون، في العادة، إلى أوطانهم الريفية عندما يقعون صرعى المرض. ولما كان الحصول على المعلومات والخدمات الصحية أقل بكثير في المناطق الريفية عنه في المدن، ندر أن يلم سكان الريف بكيفية وقاية أنفسهم من الإيدز، كما أنهم عند إصابتهم بالمرض قلما حصلوا على الرعاية الكافية. ونظرا لهذه العوامل أصبح الإيدز الآن خطرا أكبر يتهدد المناطق الريفية مقارنة مع المدن.

ومما يبعث على الأسف، أن انتشار المرض يظل في تصاعد في معظم أجزاء القارة الأفريقية. وتمثل سرعة استشراء المرض، في بعض البلدان، عنصرا حاسما في الكارثة التي تجعل من جهود التغلب عليه أمرا عسيرا للغاية. وعلى سبيل المثال، كان عدد البالغين المصابين بالإيدز في بوتسوانا عام 1984، يقل عن واحد في المائة، بينما ارتفع هذا المعدل القطري في 1999 إلى 35 في المائة. بيد أن الوباء يستشرى بصورة سريعة، حتى في الأقاليم التي كان يعتقد أن تأثيرات الإيدز فيه منخفضة، كما هو الحال في غرب أفريقيا، ففي الكاميرون مثلا، زادت معدلات انتشار فيروس نقص المناعة البشرية نحو 20 ضعفا خلال العشر سنوات الأخيرة. وتبقى شمال أفريقيا الجزء الوحيد من القارة حيث لاتزال مستويات الإيدز منخفضة نسبيا.

ثالثا - فيروس نقص المناعة البشرية/متلازمة نقص المناعــة المكتسبة وانهيار الأسر والمجتمعات المحلية الريفية

إن تأثيرات فيروس نقص المناعة البشرية/متلازمة نقص المناعة المكتسبة على الأسر والمجتمعات المحلية الريفية، هي تأثيرات ماحقة. ويشكل هذا المرض تهديدا خطيرا، بوجه خاص، على الأمن الغذائي لملايين ممن يصابون به وعلى أسرهم، سواء من حيث قدراتهم على إنتاج الغذاء أو على شراء حاجتهم منه. ويرتبط تأثير الفيروس على نحو محدد بنظم معيشة الأسر المتضررة منه، ويتفاوت تبعا لأنشطتها الإنتاجية (زراعية كانت أم غير زراعية) والسياق الاقتصادي والاجتماعي الثقافي الذي تعيش في ظله.

التأثيرات على الأمن الغذائي الأسري: يقلل فيروس نقص المناعة البشرية/متلازمة نقص المناعة المكتسبة من قدرات الأسر على إنتاج الغذاء لأن ضحايا الفيروس هم، في الغالب، من المنتجين البالغين. والواقع أن تأثيراته كانت هائلة على قوة العمل الزراعية التي تشكل معظم القوة العاملة في البلدان المتضررة. كذلك يؤثر الفيروس على الأمن الغذائي بإفقاره للأسر المتضررة، ومن ثم بتخفيض قدراتها على إنتاج الغذاء أو شرائه. وكشفت دراسة أجريت في اثيوبيا أن تكاليف رعاية مريض من مرضى الإيدز، وتغطية نفقات الجنازة في وقت لاحق، تزيد عن متوسط دخل المزرعة السنوي. وتضطر الأسر الريفية الفقيرة، نتيجة لذلك، إلى بيع أصولها الإنتاجية، بما في ذلك ما تمتلك من حيوانات، لتتمكن من رعاية المرضى أو دفع نفقات الجنازة، وتفقد ببيعها لهذه الأصول كل ما تملك من مدخرات، مما يهدد معيشتها في مقبل الأيام. وأظهرت دراسة أجريت في أوغندا أن 65 في المائة من الأسر المتضررة من مرض الإيدز إضطرت إلى بيع ممتلكاتها لكي تغطي نفقات رعاية المرضى. وإنهارت شبكات الأمان التقليدية التي تسهم في ضمان الأمن الغذائي في أوقات الحاجة، في أشد البلدان تضررا وباتت الأسر والجيران عاجزة بسبب ثقل ما تتحمل من أعباء، عن مساعدة بعضها البعض بتقديم الغذاء، والقروض أو مد يد العون في الحقول، أو رعاية اليتامى.

التأثيرات المباشرة على الأسر: أظهرت الدراسات أن نظم الزراعة المعتمدة على العمالة المكثفة وذات المستوى المنخفض من الميكنة والمدخلات الزراعية، أكثر عرضة بوجه خاص لتأثيرات فيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز. إذ أن الوباء يؤدي إلى حدوث نقص كبير في إمدادات العمالة في أوساط من هم في سن العمل، والى تناقص الإنتاجية، وزيادة تكاليف الإنتاج وتشجيع حركة هجرة جديدة. وتؤدي معدلات الإصابة والموت بسبب فيروس الإيدز، إلى زيادة كبيرة في مصروفات الأسر الريفية، مثل التكاليف الطبية ونفقات الجنازة. كما أنه يؤثر، بصورة غير مباشرة، على الحياة الريفية بما يتسبب فيه من خسارة المهارات والخبرات العملية الهامة. ويصبح المصابين بالمرض عاجزين عن أداء عملهم الزراعي المعتاد. ويتوجب على الأصحاء من أفراد الأسرة أن يقوموا برعاية المرضى، وبالتالي تكريس وقت أقل لرعاية المحاصيل. وتهمل الأعمال الهامة في المزرعة، وتصبح الحقول غير منتجة وكثيرا ما يضطر الأطفال إلى الانقطاع عن المدرسة لمساعدة الأسر على مواجهة أوضاعها، مما يعزل هذه الفئة الأكثر عرضة لتأثيرات المرض عن المعلومات المفيدة ويهدد مستقبلهم. ويقل دخل الأسرة أكثر فأكثر في وقت تكون فيه في أشد الحاجة لهذا الدخل. وحالما انتهت مدخرات الأسرة، فإنها تلجأ إلى الأقارب بحثا عن الدعم، وتقترض المال أو تبيع أصولها الإنتاجية. ويدفع تناقص الدخل أفراد الأسر الزراعية إلى البحث عن عمل في المدن، والهجرة من الريف إلى الحضر تزيد من استمرارية تفشي الوباء. كما أن الفقر يدفع الناس إلى تبني أنماطا سلوكية تزيد من خطر الإصابة بالمرض، مثل الانغماس في تجارة الجنس. وينتهي الأمر بحيث لا يتبقى من الأسر سوى الكهول والأطفال. ويتمتع الأطفال، على وجه الخصوص، بسلطات محدودة في اتخاذ القرارات وفي الوصول إلى الموارد، إضافة إلى ضآلة معارفهم وخبراتهم، وكثيرا ما تفتقر الفئات إلى القوة البدنية لإعالة الأسر. كما أن الأقارب قد لا يكونوا قادرين على رعاية الأطفال الذين فقدوا الأبوين، ويصبح على الكثير من اليتامى، بالتالي، أن يدبروا أمور معيشتهم بأنفسهم. وتبلغ نسبة اليتامى في بعض المناطق ما يتراوح بين 7 و11 في المائة. ولذا ليس من المستغرب أن تفيد التقارير، بالفعل، بحالات انعدام الأمن الغذائي الحاد في أوساط اليتامى في أشد المناطق تضررا بالمرض.

التأثيرات على التغذية: ينخفض استهلاك الأغذية عادة في الأسر التي تتعرض للإصابة بمرض الإيدز. فقد لا تجد الأسرة الوقت ولا الطعام ولا وسائل إعداد بعض الوجبات، وخاصة عندما تموت الأم فقد ظهرت من البحوث التي أجريت في تنزانيا أن استهلاك الفرد من الأغذية قد انخفض بنسبة 15 في المائة في أشد الأسر فقرا عندما يموت أحد البالغين. وكشفت دراسة أجريت في أوغندا أن انعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية كانا من أهم المشكلات المباشرة التي واجهتها الأسر المنكوبة بالإيدز التي ترأسها نساء بالنسبة لأي مريض.

فإن سوء التغذية ومرض الإيدز قد يشكلا حلقة مفرغة، فنقص التغذية يزيد من فرص التعرض للإصابة وبالتالي يزيد من حدة المرض، ويؤدي المرض بدوره إلى زيادة تدهور الحالة التغذوية. وقبل أن تظهر على الشخص أعراض المرض، فإن الإصابة بفيروس نقص المناعة البشرية قد يؤثر على الحالة التغذوية فقد يفقد الشخص شهيته، ويعجز عن امتصاص العناصر المغذية، وتبدأ حالته في التدهور.

إن التغذية السليمة أمر مهم في مقاومة هذا المرض، وقد تحسن من مستوى معيشة مريض الإيدز. فظهور الإيدز نفسه، وكذلك الأمراض المتفرعة منه والوفاة، قد تتأخر في الأفراد ذوي التغذية الجيدة. فالرعاية التغذوية والدعم التغذوي قد يساعدان في وقف تدهور الحالة التغذوية، وفقدان الوزن، والهزال، مع المحافظة على قوة الجسم وقدرته على القيام بوظائفه، وصورته الخارجية.

وفي أغلب بلدان العالم، نجد أن علاج الإيدز والعناصر الغذائية التكميلية الخاصة، إما غير منتشرة وإما باهظة الثمن. وإذا كانت المشورة في مسائل التغذية لها دورها الهام في مساعدة مرضى الإيدز، فإن تحسين فرص الحصول على الأدوية والعلاج الطبي ضرورية. فتحسين الحالة التغذوية لمرضى الإيدز هي الأخرى يمكن أن تساعد في فعالية العلاج عند توافره.

رابعا - القضايا الشاملة: الفقر، اعتبارات الجنسين وحقوق الإنسان

إن الفقر والإيدز كلاهما وباء. الإيدز يصيب البشر من كافة مستويات الدخل والتعليم، لكن الفقراء هم الأكثر تعرضا لعواقبه. إذ أنهم قلما تمكنوا من التغلب على تأثيرات صدمة فقدان بالغ منتج، أو ما قد يلحق بالأسرة جراء خسارة الموارد اللازمة لرعايته أو رعايتها. أما الفقر فتنشأ عنه بيئة خطرة تسهم في نقل فيروس نقص المناعة البشرية، إذ أنه يرتبط بمستويات منخفضة من الرأسمال البشري، وأصول إنتاجية محدودة وعدم مساواة بين الجنسين فيما يتعلق بالوصول إلى الموارد. وهي عناصر مواتية لظهور المعاملات الجنسية لأجل تلبية الاحتياجات الغذائية وغيرها. ويؤيد الوباء بدوره من تفاقم الفقر في المناطق الريفية. وهذه الدائرة المفرغة هي مبعث قلق خاص في المناطق الريفية، حيث يعيش غالبية فقراء أفريقيا. وبهذه الطريقة تفقد مجتمعات محلية بأسرها أمنها الغذائي وتزداد فقرا. كما أن الوباء قد تكون له تأثيرات هامة على المؤسسات الرسمية وعلى قدرتها على تنفيذ السياسات والبرامج لمساعدة الأسر الريفية. إذ قد تتعرض هذه المؤسسات لخسارة جسيمة في الموارد البشرية عندما يتعرض موظفوها وأسرهم للإصابة بفيروس نقص المناعة البشرية. وهذا الاختلال في الخدمات يزيد أكثر من صعوبات تخفيف وطأة الفقر في أوساط السكان المصابين بالإيدز.

فيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز واعتبارات الجنسين: تعد عدم المساواة بين الجنسين واحدة من العوامل المؤثرة في انتشار فيروس نقص المناعة البشرية. فالوصول إلى الموارد الإنتاجية بما فيها الأراضي، الائتمان، المعارف، التدريب والتكنولوجيا، يتحدد بصورة قوية وفقا للتقسيم بين الجنسين، حيث يتاح للرجل في أغلب الأحيان فرصا أكبر للحصول على جميع هذه الموارد، مقارنة بالمرأة. والزوجة، عند وفاة زوجها، تترك بدون حق الوصول إلى الموارد الذي اكتسبته من خلال زوجها أو عشيرته، ومن ثم يهدد الخطر مباشرة معيشتها ومعيشة أبنائها. وتبعا لهذا، فإن الإيدز يزيد من سوء اختلال التوازن القائم بين الجنسين. والعوامل البيولوجية والاجتماعية تجعل المرأة أكثر عرضة لفيروس نقص المناعة البشرية، خاصة في مرحلة الصبا والمراهقة. ففي الكثير من الأماكن تبلغ معدلات الإصابة بالفيروس في أوساط الفتيات بين ثلاثة وخمسة أضعافها عند الشبان. ولا بد، من ثم، أن تستهدف التدخلات الفعالة لتخفيف انتشار الوباء، الرجال والنساء معا استنادا إلى منظور الجنسين الذي يحرص على فهم المجموعة المعقدة من الأدوار الاجتماعية التي تحدد لكلا الجنسين والعلاقات بينهما.

فيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز وحقوق الإنسان: كثيرا ما تواجه الأسر والمجتمعات المحلية المتضررة بفيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز صعوبات جمة عندما تعمد للتكيف مع التأثيرات المدمرة للوباء. وعادة ما تكون الأسر الموسعة أكثر قدرة على التغلب على حالات المرض والوفيات المرتبطة بالإيدز، نظرا لوجود الكثير من البالغين المنتجين الذين يعوضون عن خسارة القوة العاملة من البالغين. بيد أن استراتيجيات المواجهة يمليها، إلى حد كبير، توافر الأصول الهامة (الأراضي، الدخل، التكنولوجيا، المعارف وغيرها) وإمكانية الحصول عليها، وكذلك، من جهة ثانية، توافر بعض الموارد مثل الأسر الموسعة أو شبكات الأمان في المجتمع المحلي. ويتوقف الوصول إلى هذه الأصول والموارد، جزئيا، على عوامل، من بينها، مثلا نوع الجنس، الأحوال الاجتماعية الاقتصادية، العمر، الوضع الاجتماعي، المرحلة من دورة الحياة. ففي المجتمعات الريفية الأفريقية القائمة على النسب العمومي، فإن الأرامل نتيجة الإيدز (واللائي يرجح أن تصاب الكثيرات منهن بفيروس نقص المناعة البشرية) قد لا يتمتعن بحقوق قانونية في الأراضي والممتلكات بعد وفاة الزوج بسبب القوانين العرفية أو حتى قوانين الإرث الرسمية. وقد يدفع الفقر بعضهن إلى إبعاد عدد من أطفالهن (وهم بدورهم قد يكونوا مصابين بفيروس نقص المناعة البشرية) وممارسة الجنس أحيانا مقابل المال، أو حتى اكتساب العيش بمزاولة الجنس التجاري. كما أن الوصمة التي ترتبط بالإصابة بفيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز تمنع المريض من التصريح بهذه المعلومات تحاشيا لمواجهة العزل الاجتماعي، مما يعيق أي محاولات للتصدي لعواقب المرض. ولذا فإن عوامل الوصول إلى الموارد وعوامل توافرها، والتي تؤثر على قدرات الأسر الريفية على مواجهة فيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز، ترتبط ارتباطا جوهريا بمسألة حقوق الإنسان. وبغية دعم جهود التكيف الإنتاجي للأسر والمجتمعات المحلية المتضررة في مواجهة عواقب فيروس الإيدز، يجب الاعتراف ببعد حقوق الإنسان في سياق هذا الوباء ومعالجته.

خامسا - تأثيرات المرض على القطاع الزراعي واقتصاديات الريف

تمثل الزراعة، في أغلب البلدان التي ينتشر فيها المرض على نطاق واسع، مصدرا لعيش الأغلبية الساحقة من السكان. وتشكل مصدرا هاما إجمالي الناتج القومي. والزراعة، وعلى الأخص إنتاج الأغذية، تتأثر من المرض بعدة طرق. وتتبدى تأثيرات الإيدز على شتى مستويات التنظيم الاجتماعي (الأفراد، الأسر، المجتمعات المحلية وغيرها)، وتمتد عبر مختلف المراحل الزمنية (قصيرة، ومتوسطة وطويلة الأجل).

فهناك أولا الموتى من العمال الزراعيين. وتشير تقديرات المنظمة الى أنه منذ عام 1985 أدى انتشار المرض فى 25 بلدا من البلدان الأفريقية بكثيرة الى وفاة 7 ملايين عامل زراعى، ومن المحتمل أن يموت 16 مليون آخرين خلال العشرين عاما القادمة. وفي البلدان الافريقية العشرة التي ينتشر فيها المرض أكثر من غيرها، ينتظر أن تنخفض الأيدي العاملة بنسب تتراوح بين 10 في المائة و26 في المائة (أنظر الجدول 1).

الجدول 1: تأثير فيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز على العاملين بالزراعة في البلدان الإفريقية التي ينتشر فيها المرض أكثر من غيرها - تقديرات الخسائر بين 1985 و2000، وتوقعات الخسائر بين 1985 و2000 (نسبة مئوية)

1985-2020

1985-2000
البلد
     

26.0

3.0

ناميبيا

23.2

6.6

بوتسوانا

22.7

9.6

زمبابوي

20.0

2.3

موزامبيق

19.9

3.9

جنوب أفريقيا

16.8

3.9

كينيا

13.8

5.8

ملاوي

13.7

12.8

أوغندا

12.7

5.8

تنزانيا

12.6

6.3

جمهورية أفريقيا الوسطى

11.4

5.6

كوت ديفوار

10.7

2.9

الكاميرون

المصدر: منظمة الأغذية والزراعة/إدارة البرامج السكانية

وفي اثيوبيا، تبين من دراسة أجريت هناك أن الأسر المصابة بالإيدز تنفق وقتا في الزراعة يقل بنسبة 50 في المائة - 66 في المائة عن الأسر السليمة. وفي تنزانيا، تبين للباحثين أن بعض النساء يقل الوقت الذي ينفقنه في الزراعة بنسبة 60 في المائة بسبب مرض الزوج. ويشير أحد التقديرات، إلى أن 730 يوم عمل تقريبا تضيع كلما مات أحد مرضى الإيدز، سواء بسبب عجز هذا المريض أو بسبب الوقت الذي يقضيه الآخرون في رعايته.

ثانيا، أن الإيدز يؤثر على إنتاج الأغذية أيضا، عن طريق المرض والوفاة، بعدة طرق:

الانخفاض في المساحات المزروعة: يترتب على مرض البالغ أو موته، عدم تمكن الأسرة من زراعة كامل مساحة الأرض التي تحت تصرفها. فرعاية المريض ستنفذ قدرا كبيرا من الوقت الذي سيقتطع على حساب الزراعة. وتترك من ثم حقول نائية كثيرة مراحة بدون عناية، مما يفضي إلى انخفاض إجمالي انتاجية الوحدة الزراعية.

الانخفاض في الإنتاجية: تتناقص الغلات تبعا للتأخير أو سوء توقيت، العمليات الزراعية الضرورية. ويحدث التأخير نتيجة المرض أو الاعتماد على العمالة الخارجية التي لا تكون متاحة دائما وقت الحاجة إليها. كما تتأثر خصوبة التربة سلبا نتيجة إعطاء الأولوية إلى اعتبارات المعيشة المباشرة على حساب تدابير صيانة الأراضي للأجل الطويل.

تردي تنوع المحاصيل والتغيرات في أنماط الزراعة: تهجر المحاصيل النقدية بسبب عدم القدرة على الاحتفاظ بعمالة كافية تعنى بالمحاصيل النقدية ومحاصيل الإعاشة في آن واحد. ولوحظ التحول عن محاصيل العمالة المكثفة إلى محاصيل أقل عمالة مكثفة، وكثيرا ما تكون ذات قيم تغذوية منخفضة. وتترتب على هذا تأثيرات مباشرة على النوعية التغذوية للنظام الغذائي وعلى الفقر.

الانخفاض في الإنتاج الحيواني: تؤدي الثروة الحيوانية وظائف متعددة وكثيرا ما تمثل أيضا شكلا من أشكال المدخرات. وتتعرض ممارسات الاقتصاد الحيواني للتردي من خلال تأثيرات الإيدز على القوة العاملة، وعلى الأخص العمالة المتاحة من الأطفال، إذ أن هذه الفئة غالبا ما تكون المسؤولية الأولى فيما يتعلق برعاية الحيوانات ملقاة على عاتقها. وتستوجب التكاليف الطبية التي يتحملها من يصابون بفيروس الإيدز، بيع الحيوانات وتقديمها هدايا أو التضحية بها كمدفوعات مقابل الأشكال التقليدية من الدواء، كما أن شعائر الجنازة قد تشمل ذبح بعض الحيوانات.

تردي عمليات ما بعد الحصاد: تتضرر عمليات تخزين وتجهيز الأغذية، مما يفاقم من حدة انعدام الأمن الغذائي فيما بين مواسم الحصاد، ونقص المواد الخام المتاحة، مثل البذور، للمحاصيل اللاحقة.

خسارة المهارات الزراعية: إن الطريقة المعتادة التي يتعلم بها الأطفال ما يلزم من مهارات زراعية، هي في كثير من الأحيان، بالعمل مع الآباء. بيد أن هذا لم يعد ممكنا في ظل وباء الإيدز. وأظهرت دراسة في كينيا، أن 7 في المائة فقط من الأسر الزراعية التي على رأسها يتامى، تلم بالمعارف الكافية بشأن المهام الزراعية الأساسية. كما أن الأحياء من الوالدين لا يستطيعون، بسبب توزيع أعباء العمل والمعارف حسب الجنس، نقل مهارات الأموات.

التحولات في هيكل المصروفات الأسرية: تحول القروض المخصصة للإنتاج الزراعي إلى تغطية تكاليف الرعاية الطبية للأقارب المرضى، ومصروفات الجنازة والطعام ويترتب على ذلك انخفاض غلة المحاصيل، وفقدان الدخل، الأمر الذي يفضي إلى عجز الأسر عن تسديد أقساط قروضها أو أن تضطر إلى بيع أصولها.

انهيار خدمات الدعم: تبعا لإصابة الموظفين بالمرض يحدث الاختلال في القدرات الإدارية وعمليات النقل والخدمات الإرشادية، الأمر الذي يزيد من شقاء الأسر الريفية.

ثالثا، قد يكون لمرض الإيدز تأثير ضار على الإنتاج التجاري. ففي المزارع الصغيرة، قد تترك المحاصيل النقدية نظرا لعدم وجود أيد عاملة كافية للمحاصيل النقدية أو المعيشية على السواء. كما أن ما تشير إليه التقارير من تراجع زراعة المحاصيل النقدية والمحاصيل كثيفة العمالة من جانب صغار المزارعين، يؤثر أيضا على توافر الأغذية على المستوى القطري. ومن بين التأثيرات الأخرى:

لاشك أن تأثير مرض الإيدز على الإنتاج الزراعي وتوافر الأغذية سيظهر على الأغذية كما وكيفا. ففي زمبابوي، انخفض الإنتاج الزراعي المجتمعي إلى النصف خلال خمس سنوات، وكان السبب الرئيسي في ذلك هو مرض الإيدز. وقد تأثر إنتاج الذرة والقطن وعباد الشمس والفول السوداني بالذات بهذا المرض.

سادسا - التأثيرات على المستوى القطري

إن تأثير المرض شامل - فتأثيرات الإيدز لا تقتصر على قطاع اجتماعي أو اقتصادي بعينه، تاركا غيره من القطاعات سليمة فإذا أثر على أي عنصر في المجتمع، فالأرجح أن تتأثر العناصر الأخرى، سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة.

النمو الاقتصادي: تنتشر التأثيرات السلبية لمرض الإيدز بدءا من الأسرة إلى المجتمع المحلي ثم إلى أنحاء مختلفة من البلد. وسيصبح للتدهور الاقتصادي في النهاية تأثيره الملموس على المستوى القطري. ويحدد الوباء ثلاثة عوامل رئيسية مؤثرة في النمو الاقتصادي: الرأسمال المادي، الرأسمال البشري والاجتماعي ومن ثم له تأثيره الكبير على التنمية. وكمثال، فإن تقديرات برنامج الأمم المتحدة الإنمائي المتعلقة بجنوب أفريقيا تشير إلى أن الرقم الدليلي للتنمية البشرية قد ينخفض بنسبة 15 في المائة في عام 2010 بسبب مرض الإيدز. وتشير تقديرات البنك الدولي إلى أن مرض الإيدز قد خفض من المعدل السنوي لنصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في أفريقيا بنسبة 0.7 في المائة سنويا.

الصحة والتعليم: إن التكلفة الإجتماعية لهذا المرض مذهلة. فتكاليف الأدوية اللازمة للأفراد المصابين باهظة، بل إنها تفوق مقدرة الكثير من الحكومات وأغلب الأفراد. إن زيادة الأعباء الواقعة على الحكومات بسبب هذا المرض تجعلها تحول الأموال بعيدا عن الاستثمارات الإنتاجية. فالمتوقع أن تفوق تكاليف علاج المرض وما يتصل به من أمراض أخرى، 30 في المائة من ميزانية وزارة الصحة في إثيوبيا عام 2014، و 50 في المائة و 60 في المائة في كل من كينيا وزمبابوي على التوالي في عام 2005. وينبغي أن يضاف إلى هذه الأرقام تكاليف تربية الأيتام وإعالة الأسر الفقيرة. إن علاج هذا المرض يرغم الحكومات أكثر فأكثر على تقديم نوعية متردية من الخدمات. كما أن قدرات عمال المستقبل مهددة بانخفاض الخدمات التعليمية. ففي العشرة أشهر الأولى من عام 1998، فقدت زامبيا 300 1 مدرس بسبب مرض الإيدز، وهو رقم يعادل ثلثي جميع المدرسين الجدد الذين يتم تدريبهم سنويا. وكان لا بد من تخفيض فترة تدريب مدرسي المدارس الابتدائية من سنتين إلى سنة واحدة حتى يمكن تعويض النقص في المدرسين.

الموارد البشرية: تفقد الوزارات والإدارات جراء مرض الإيدز أعدادا كبيرة من موظفيها، مما يؤدي إلى تأخير واختلال تنفيذ السياسات والخطط. ففي كينيا، يقدر أن 58 في المائة من وفيات موظفي وزارة الزراعة جاءت نتيجة الإيدز، في حين أن نحو 16 في المائة من موظفي وزارة الزراعة والري في ملاوي يواصلون العيش وهم يحملون فيروس المرض. ولم يعد بوسع الكثير من مؤسسات التنمية الزراعية والريفية أن تحقق، في غياب خدمات الدعم المؤسسي الضروري، المخرجات البرامجية وأهداف الإنتاج المقررة.

الأمن الغذائي: من شأن التناقص في الأيدي العاملة الزراعية، وإنتاجية العامل، والإنتاج الكلي وانخفاض النمو الاقتصادي العام، أن يؤدي إلى إنخفاض الإمدادات الغذائية القطرية، وارتفاع أسعار الأغذية، بما في ذلك الأسعار في المناطق الحضرية. أما انهيار المؤسسات التجارية فقد يضر بقدرات البلد على التصدير وتوليد النقد الأجنبي لاستيراد الأغذية عند الحاجة. والكثير من أشد البلدان تضررا هي من بلدان العجز الغذائي ذات الدخل المنخفض، كما أن الكثير منها من البلدان الفقيرة المثقلة بالديون. ويزيد الإيدز من الصعوبات التي تواجهها في توفير الغذاء لشعوبها.

التنمية الريفية: ينتشر الإيدز بصورة سريعة في المناطق الريفية التي يقطن فيها أكثر من نسبة ثلثي سكان البلدان الأشد تضررا بالمرض في أفريقيا، وعددها 25 بلدا. وتتحمل المجتمعات المحلية الريفية النصيب الأكبر من أعباء تكاليف المرض، نظرا لأن الكثير من ساكني الحضر والعمال المهاجرين يعودون إلى قراراتهم الأصلية عند إصابتهم بالإيدز. وتبعا لذلك، وفي ذات الوقت الذي تنضب فيه التحويلات المالية من هؤلاء المهاجرين السابقين من أفراد الأسرة، تزيد المصروفات لمواجهة التكاليف الطبية ومصروفات الجنازة. ومع تناقص عدد المنتجين من أفراد الأسرة، يزيد عدد المعالين. ويؤدي الفقر المستشرى في الريف، إلى التغذية الرديئة وسوء الحالة الصحية، مما يجعل الناس أكثر عرضة للإصابة بالإيدز. كما أن التغذية السيئة تقصر من فترة الحضانة للفيروس، وتعجل بظهور الأعراض. وتبدو هذه الأوضاع على أشدها في فقراء الريف، الذين هم أقل الناس حظا في الحصول على الرعاية الطبية. كما أن الصراعات المسلحة التي تدور رحاها عادة في المناطق الريفية، تزيد من احتمالات التعرض للإصابة بالمرض بسبب العنف الجنسي ونزوح السكان وفقرهم المدقع.

انهيار المؤسسات غير النظامية والثقافة: تتأثر المؤسسات غير النظامية، والأعراف والتقاليد بفيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز. فعندما تتأثر نسبة كبيرة من الأسر بهذا المرض، تعجز آليات الأمان التقليدية لرعاية الأيتام، والمسنين، والعجزة والمعوزين عن تلبية احتياجاتها. فالمرض لا يبقي وقتا يمكن تخصيصه للمنظمات المجتمعية. أما تأثير المرض على المؤسسات الريفية غير الرسمية فيمثل أزمة، وعلى الأخص بالنسبة للأسر الموسعة وأقربائها. ولا يقتصر تأثير ذلك على انتشار المرض، وإنما على جدوى المؤسسات الريفية نفسها. إن الخسارة الكبيرة للبالغين المنتجين، تؤثر على قدرة المجتمع بأسره على البقاء والتجدد. فآليات نقل المعرفة والقيم والعقائد من جيل إلى جيل تنقطع، والتنظيم الاجتماعي ينهار. فالإيدز يقضي على النسيج الاجتماعي نفسه، بل إنه، في الواقع خلف انهيارا، لا سبيل إلى عكس مساره، في قاعدة الرأسمال الاجتماعي.

سابعا - اتخاذ استجابة فعالة لمواجهة وباء الإيدز، دعما للأمن الغذائي

إن مرض الإيدز يمثل تحديا هائلا للإنسانية وللتنمية. ورغم ذلك، فإن الخبرات المستمدة من عدة بلدن تشير إلى أن هذا التحدي يمكن مواجهته، وأن هذا المرض يمكن التخفيف من حدته. وكمثال، فإن هذا المرض وصل إلى ذروته في أوغندا في أوائل التسعينات، حيث وصلت نسبة الإصابة به إلى 15 في المائة من السكان. وبعد ذلك بعشر سنوات، انخفضت هذه النسبة إلى النصف باتباع طرق مناسبة للوقاية وبرامج للحد من المرض، ساندتها درجة عالية من الالتزام السياسي ومشاركة أصحاب الشأن. وكان برنامج المكافحة الوطني لمرض الإيدز في أوغندا يشمل تدريب قادة المجتمعات المحلية وأساليب مبتكرة للاتصالات بهدف تغيير النظرة إلى المرض، والحد من أساليب التمييز، وإشراك المصابين بالمرض في عمليات الرعاية والوقاية.

ألف - المبادئ التوجيهية للاستجابة لأزمة مرض الإيدز

في حين أن الأعمال التي ستتخذ لمكافحة مرض الإيدز ستتفاوت من بلد لآخر تبعا للظروف المحلية، فإن التجارب أفادت بأن هناك عدة مبادئ عامة تقف وراء المبادرات الناجحة لمكافحة هذا الوباء:

القيادة الدينامية والالتزام السياسي على جميع المستويات والعمل المتكامل المتعدد القطاعات أمور لا غنى عنهما لأي تدابير فعالة للوقاية من مرض الإيدز وتخفيف آثاره. إن تلافي انتشار المرض يكتسي أهمية بالغة. والوقاية من مرض الإيدز في المجتمعات المحلية الفقيرة لن تتحقق إلا إذا نفذت على الفور مبادرات المساعدة والتنمية.

منهج للتنمية محوره الإنسان، ويستجيب لاعتبارات الجنسين وتعدد القطاعات، ويقوم على المجتمع المحلي، أمر جوهري لتهيئة الظروف التي تسمح بالوقاية من مرض الإيدز ومعالجة نتائجه بأكثر الصور فعالية، واستمرارية هذه الظروف.

إن ربط مرض الإيدز بمبادرات الأمن الغذائي يمكن إنجازه من خلال تبادل دمج الاعتبارات الخاصة بالمرض في مبادرات الأمن الغذائي والتغذية، ودمج أهداف الأمن الغذائي في برامج مكافحة المرض.

ولما كانت الزراعة تستخدم ما يصل إلى 80 في المائة من الأيدي العاملة في الكثير من البلدان الإفريقية، فإن وزارات الزراعة وغيرها من الأجهزة التي تعنى بالتنمية الزراعية والريفية، على الصعيدين القطري والدولي، لها دور هام في تحويل هذه المبادئ العامة إلى تدخلات ملموسة للسياسات.

باء - قيود عامة تعوق العمل الفعال

أظهرت الاستجابات لوباء الإيدز البلدان الأفريقية والمجتمع الدولي معا، في أحسن الصور وأسوأها في آن واحد. ومن بين المعوقات المألوفة أمام التصدي بصورة فعالة لتأثيرات الإيدز على التنمية الزراعية والريفية ما يلي:

إنكار المشكلة التي يولدها الإيدز، والنفور من الاعتراف بالأوضاع التي تساهم في انتشار الفيروس، وعلاجها؛

إلقاء اللوم على ضحايا المرض، وإلحاق الوصمة بالأفراد والأسر التي تعيش معاناة مرض الإيدز، وتهميشهم؛

الإفتقار إلى الموارد الكافية، والرعاية الصحية والخدمات الاجتماعية في المناطق الريفية؛

نقص المعلومات عن تأثيرات الإيدز على القطاع الزراعي، مما يقود في أغلب الأحيان إلى استنتاجات غير صحيحة تؤكد أن القطاع ليس له أي دور في مكافحة الوباء؛

جيم - عناصر إطار لمكافحة الإيدز من خلال تدخلات السياسات الزراعية

على الرغم من أن السياسات الزراعية لا تصاغ عادة واضعة الإيدز في الحسبان، فإنها يمكن أن تؤثر بصورة غير مباشرة على انتشاره والتخفيف من وطأته على الأسر الزراعية ونظم الزراعة. إذ يمكن للسياسات الزراعية أن تسعى، بمراعاتها الصريحة لعامل مرض الإيدز، على تحقيق أهدافها المعهودة (زيادة الغلات، الإنتاج المحصولي التجاري وغير ذلك) وأن تقلل، في ذات الوقت، من احتمالات التعرض للإصابة بالمرض بتحويرها للعوامل الاجتماعية الاقتصادية، والديمغرافية والثقافية التي ترتبط بالمظاهر التي تنطوي على الخطر (الفقر، فقدان فرص العمل، انعدام الأمن الغذائي، الهجرة وغيرها). وفي حين أن السياسات الرامية إلى تقليل احتمالات التعرض بالاصابة لن تكون بديلا عن السياسات التي تهدف إلى تقليل الخطر، فإنها يمكن أن تخلق تجانسا ايجابيا.

والكثير من مؤسسات التنمية الزراعية والريفية قد تعتقد أنها تفتقر إلى المعارف أو الموارد اللازمة لتنفيذ استراتيجيات تخفيض احتمالات التعرض لمرض الإيدز. غير أن هناك تدابير بعينها في مجالات اختصاصاتها المعروفة والتي يمكن الاستفادة منها في المساهمة في الجهود القطرية لمكافحة الوباء. وعلى وجه التحديد بوسع القطاع الزراعي أن يساعد في التأثير على بيئة وسياق التعرض الذي يحدث فيه الوباء، مما يساعد على تحوير بعض العوامل التي تشكل مساره وتأثيراته.

ما هي أدوات السياسات التي يمكن أن تكون فعالة في مجال الزراعة؟ يلاحظ أن القطاع الزراعي يمتلك أنواع عديدة من الأدوات الكلية، التي قد يكون لكل منها تأثير عام على احتمالات التعرض للإصابة بفيروس الإيدز:

الأدوات المرتبطة بالسوق، مثل الحد الأدنى للأجور، أسعار الفائدة، الحدود الدنيا والعليا للأسعار، والكثير غيرها. وعدد منها له صلة بالمرض. وعلى سبيل المثال، فإن الحد الأدنى للأجور أو الأسعار الدنيا لمنتج من شأنها أن تكفل حدا أدنى من الدخل للأسرة، ومن شأن ذلك، بدوره، أن يحد من الحاجة إلى الهجرة الموسمية التي تكون دوافعها اقتصادية، أو تحسين الظروف التي تتم في ظلها هذه الهجرة، مما يسهم في تخفيض انتشار الإيدز من منطقة إلى أخرى. ومن استراتيجيات السياسات التكميلية في هذا الصدد، استخدام التخفيض في الضرائب لتشجيع نشاطات زراعية مجزية، ومن ثم لضمان عائد أفضل، وعلى الأخص للفئات الأكثر تعرضا في المجتمع (مثلا الأسر التي ترأسها إمرأة أو اليتامى).

الأدوات المرتبطة بقاعدة الموارد، مثل مرافق البنية الأساسية للتخزين أو تنمية الرأسمال البشري من خلال التدريب، يمكن أن تساهم أيضا في تخفيض احتمالات التعرض للخطر. إذ أن تخزين المحاصيل الذى يتيح توقيت بيعها على أفضل وجه مرتبطا بالتغيرات التي تطرأ على السوق، قد تكون له تأثيراته المواتية على التوافر اليومي للدخل، وتقليل احتمالات التعرض للتقلبات فيما بين المواسم المحصولية. كما أن توفير التدريب واكتساب مهارات استمرارية المعيشة ضرورية لليتامى والفئات الحساسة الأخرى، حرصا على حمايتهم من الاستغلال وسوء المعاملة. ويبدو أن هناك حاجة أيضا لسياسات قطرية تحمى المؤسسات الريفية من خسارة موظفيها وخبراتها الفنية. وفي ذات الوقت، قد تتاح الفرص لإدخال تغييرات إيجابية في الأساليب الزراعية و/أو تشجيع التكنولوجيات التي تستجيب بصورة أفضل للاحتياجات المتغيرة للأسر الريفية.

الأدوات المرتبطة بالمؤسسات، مثل تشجيع مشاركة أصحاب الشأن في صنع القرارات أو تحسين التشريعات الخاصة بحقوق الملكية، من شأنها أن تعزز من الجهود القائمة من خلال عمليات إعطاء السلطات. وهذه بدورها تتولد عنها تأثيرات إيجابية على الوباء. ومن الأبعاد الضرورية في هذا الصدد، إقامة الشراكات مع البلدان المتبرعة والقطاع الخاص، سواء التجاري أو أنه لا يسعى للربح. ويمكن للمساعدات التي يتم الحصول عليها من خلال هذه الشراكات، أن تشمل المعونة الغذائية لتوفير تغذية تكميلية لليتامى أو الأسر المتضررة.

والاستفادة من تحديد أدوات السياسات في تخفيف حدة التأثيرات السلبية للإيدز، هو عنصر واحد من عناصر الاستجابة للمرض. كما أن السياسات الفعالة تستوجب فهما متعمقا بقدر أكبر لدينامية وباء الإيدز في المناطق الريفية. وفي حين أن المرض يمكن أن يؤثر على جميع أجزاء القطاع الريفي، يبدو أن هناك منطقتين ريفيتين أكثر تعرضا بوجه خاص حتى الآن هما: المنطقة التي تقع على طول طرق الشاحنات، وتلك التي تكون مصدر العمالة المهاجرة، سواء على أساس طويل الأجل أو بصورة مؤقتة (خلال المواسم غير الزراعية). ويعتقد أن المناطق الحدية التقليدية التي تتميز بانخفاض حركة الانتقال، هي أقل تعرضا للإصابة بالإيدز. والقاعدة هي أن الأشخاص الذين تعتمد معيشتهم على ترك أسرهم ومجتمعاتهم المحلية لفترات طويلة (مثل الرعاة الرحل أو صيادي الأسماك)، هم أكثر تعرضا لخطر الإصابة بالفيروس نظرا لزيادة تعرضهم، وتهميشهم النسبي وإمكانياتهم المحدودة في الوصول إلى الخدمات الاجتماعية، ولربما ساهموا في انتشار المرض عند رجوعهم. كما أن النساء اللائي يبقين في المزارع، ويكون أزواجهن من المهاجرين الموسميين، يتعرضن للإصابة بالإيدز إذا عاد الزوج بالمرض. ولابد من أن تصبح هذه الفئات الفرعية من السكان أهداف الأولوية لاستراتيجيات تخفيف حدة التأثيرات السلبية للإيدز. بيد أن تأثيرات الإيدز تحددها توليفة من العوامل الاجتماعية الثقافية والاقتصادية، التي قد تختلف من سياق لآخر، ومن ثم ينبغي أن تستند السياسات إلى فهم واع للسياق المحلي وأن تصاغ تبعا لذلك.

دال - دور منظمة الأغذية والزراعة

تقوم المنظمة بدور هام في مكافحة الإيدز في العالم. وتنصب أهداف المنظمة الأساسية في هذا الشأن على ما يلي: تشجيع الوعي والالتزام السياسي على أعلى المستويات للتصدي لتأثيرات الإيدز على الأمن الغذائي والتنمية الريفية والفقر الريفي، والحد من تأثيراته فيما يتعلق بتفاقم انعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية وتشجيع إعادة بناء شبكات المعيشة الريفية والضمان الاجتماعي، والمحافظة عليها وتعزيزها، وتعبئة ردود فعالة متعددة القطاعات تراعي اعتبارات الجنسين وتقوم على المشاركة لتحقيق الأمن الغذائي للسكان والبلدان المتضررة من المرض من منظور حقوق الإنسان. وخلال السنوات الأخيرة أصبح دور المنظمة في مكافحة المرض عظيم الأهمية، نظرا لأن الوباء يؤدي إلى إحداث فجوة كبيرة في القدرات المؤسسية في البلدان المتضررة، خاصة فيما يتعلق بالإرشاد الزراعي وأجهزة الخدمات ومؤسسات البحوث الزراعية القطرية ومؤسسات التعليم العالي والتدريب.

وقامت المنظمة منذ عام 1988 بتقدير تأثيرات مرض الإيدز على الزراعة، والأمن الغذائي، والتنمية الريفية، وقدمت مساعداتها إلى البلدان في تطوير برامجها الخاصة. فقد أجرت المنظمة مثلا بحوثا عن تأثير مرض الإيدز على منظمات الإرشاد الزراعي والعمليات الزراعية في عدد مختار من بلدان أفريقيا الجنوبية. وأجريت البحوث ذات التوجهات المتعلقة بالسياسات، عن تأثيرات المرض على نظم الزراعة في شرق وغرب أفريقيا وساعدت المنظمة وزارة الزراعة في أوغندا على إدخال الإعتبارات المتعلقة بالمرض في خدمات الإرشاد الزراعي. وفي ناميبيا، تم تقدير تأثير مرض الإيدز على الثروة الحيوانية. وبالنسبة للتغذية، يجري الآن وضع خطوط توجيهية للرعاية التغذوية المنزلية، ليستعين بها مقدمو الخدمات على مستوى المجتمعات المحلية. وسوف تساعد المنظمة بلدان أفريقيا الجنوبية على وضع سياسات زراعية تتفق مع مكافحة مرض الإيدز.

وفي عام 1999، وقعت المنظمة اتفاقا مع برنامج الأمم المتحدة المشترك لمكافحة مرض الإيدز للتعاون في صياغة استجابة قاعدية عريضة لمواجهة مرض الإيدز فيما يتعلق بالتنمية الزراعية والأمن الغذائي. ويجري الآن إضفاء الطابع المؤسسي على جماعة العمل غير الرسمية المشتركة بين المصالح المعنية بمرض الإيدز، وهي الجماعة التي ستضع البرنامج المعياري لعمل المنظمة في مجال مكافحة مرض الإيدز، والأمن الغذائي، والتنمية الريفية. ويجري الآن إعداد خطوط توجيهية لإدماج الأبعاد الخاصة بمرض الإيدز بصورة منهجية في الأنشطة الميدانية ذات الصلة في المنظمة، وفي عمليات الطوارئ في المناطق التي ينتشر فيها المرض على نحو واسع. وتقوم المنظمة بإدخال يكون محوري خاص بالإيدز في جميع مشروعات مركز الاستثمار لديها، كما تعمل على وضع برنامج ميداني لتخفيف حدة تأثيرات المرض على القطاع الزراعي وعلى الأمن الغذائي في معظم البلدان المتضررة بالمرض.