NERC 2004




المؤتمر الإقليمي السابع والعشرون للشرق الأدنى

الدوحة، دولة قطـر، 13 - 17 مارس/آذار 2004

نحو تحسين إدارة الطلب على المياه في الشرق الأدنى

بيان المحتويات

 

الصفحـة

أولا- المقدمة

2

ثانيا- المياه والاقتصاد الزراعي

2

ثالثا- القضايا الرئيسية في مجال إدارة المياه

3-5

ألف- كمية المياه

3

باء- نوعية المياه

4

جيم- إدارة استخدام المياه

4

دال- تراجع الاستثمارات في الزراعة المروية

4-5

هاء- المياه والتجارة والأمن الغذائي: مسألة "المياه التقديرية"

5

واو- قدرات إدارة المياه الزراعية

5

رابعا- اتساع الفجوة الغذائية في الشرق الأدنى

5

خامسا- الخيارات الاستراتيجية لتحسين إدارة المياه والأمن الغذائي تحت شروط ندرة المياه

6-10

ألف- تحسين صيانة المياه ورقع كفاءتها الإنتاجية

6-8

باء- تنمية قدرات المزارعين ومقدمي الخدمات

8

جيم- تحسين كفاءة التخصيص

8

دال- المياه التقديرية كخيار للسياسات

9-10

سادسا- التوصيات

10-11

أولا- المقدمة

1- يواجه إقليم الشرق الأدنى تحديا هائلا على صعيد نقص المياه وانعدام الأمن الغذائي. ويزيد عدد سكان البلدان الإثنين والثلاثين التي تشكل هذا الإقليم عن 652 مليون نسمة، وينتظر أن يصل إلى 1.5 مليار نسمة خلال الثلاثين سنة القادمة. ويشهد الإقليم عجزا حادا لا مثيل له على صعيد الموارد المائية لدرجة أن كمية المياه المتوفرة في 16 بلدا من هذه البلدان هي أقل من حد العجز المائي المقدر بـ 500 متر مكعب من المياه للفرد الواحد سنويا. ويزداد تفاقم هذا الوضع جراء الطقس الجاف الذي يعني أن كلا من الزراعة وإنتاج الأغذية أصبحا يعتمدان على الري. وباستثناء البلدان المنتجة الرئيسية للنفط، تعتمد الاقتصادات الوطنية أساسا على الزراعة، لذا تبدو أهمية الموارد المائية بالنسبة إلى التنمية الاقتصادية والاجتماعية أكثر جلاء.

2- والطلب على المياه ليس ثابتاً، بل هو في تصاعد مستمر تبعا لزيادة عدد السكان وتحسن مستويات المعيشة. وتشير التقديرات التي أعدتها منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة مؤخرا إلى أن الطلب على المياه تلبية للاحتياجات الزراعية والصناعية والحضرية في البلدان النامية القاحلة سيزيد بنحو 40 في المائة بحلول عام 2030. ولقد سعت بلدان هذا الإقليم خلال العقود الماضية إلى التغلب على هذه المشكلة من خلال تكريس استثمارات ضخمة في ميدان تعبئة مواردها المائية. وفي الوقت الحاضر، فإن كل الموارد المتجددة تقريبا قد استخدمت بالفعل، كما أن العديد من البلدان لجأ إلى موارد غير قابلة للتجديد، فضلا عن استخدام الموارد غير التقليدية مثل معالجة المياه العادمة والمياه متدنية النوعية.

3- والاستمـرار في زيادة كميـات المياه القابلـة للاستعمـال لم يعد خيـارا في أكثـرية بلدان الشرق الأدنى نظرا إلى أنه لا تتيسر سوى كميات محدودة فقط من الموارد المتجددة، كما أن عملية استخراج هذه الكميات غير القابلة للتجديد هي عملية باهظة التكاليف. وفي الوقت نفسه، تتراجع حصة الموارد المخصصة للزراعة (التي تبلغ حاليا 90 في المائة تقريبا) من احتدام المنافسة، وإعطاء الأولوية لقطاعات أخرى. وبناء على هذا، تقوم البلدان حاليا بتحويل سياساتها المتعلقة بالمياه من إدارة يدفعها العرض إلى إدارة يدفعها الطلب.

ثانيا- المياه والاقتصاد الزراعي

4- يشكل إقليم الشرق الأدنى المنطقة التي تسجل فيها أعلى نسبة لندرة المياه في العالم. ويغطي هذا الإقليم 14 في المائة من مجموع مساحة العالم، ويضم 10 في المائة من سكانه. ولكن لا تزيد الموارد المائية المتجددة في الإقليم عن 2.2 في المائة من مجموع هذه الموارد على الصعيد العالمي. ويزيد من تفاقم ندرة المياه ذلك الاعتماد الكبير على الموارد المائية التي توجد مصادرها خارج الإقليم – والمتمثل أساسا في واردات السلع الغذائية. وأدت زيادة السكان والحاجة إلى الأغذية ووكذلك لمياه الشرب، يوما رافق ذلك من قصر النظر في ميدان التخطيط للموارد المائية وإدارتها، أدى إلى عدم التوازن بين إمدادات المياه والطلب عليها. ويزيد التلوث والملوحة وتغير المناخ والتعرض المتكرر إلى الجفاف الحاد، من خطورة المشكلة وقتامة المستقبل. وتفضي كل هذه العوامل إلى اشتداد المنافسة على المياه، وبالتالي إلى زيادة الأخطار المحدقة بالأمن الغذائي في هذا الإقليم.

5- وتشكل الأراضي الزراعية نسبة تتراوح بين 8 و10 في المائة فقط من مساحة أراضي هذا الإقليم. ورغم أن الجزء المروي يشكل نسبة 32 في المائة منها، إلا أنها تساهم بنسبة 50 في المائة في مجموع الإنتاج الزراعي. وتتبدى أهمية الزراعة من الناحية الاقتصادية خلال مساهمتها الكبيرة في الناتج المحلي الإجمالي لهذا الإقليم (المقدر من 5 إلى 40 في المائة، وبمتوسط يبلغ 25 في المائة)، وكذلك من خلال توفير فرص عمل لنحو 37 في المائة من اليد العاملة. كما أنها تشكل عائد من صادرات هذا الإقليم غير النفطية يقدر بحوالي 4 في المائة، إضافة إلى مجموعة من المنافع الاجتماعية والاقتصادية والبيئية الأخرى.

6- وبأخذ كل أشكال الري في الاعتبار، بما في ذلك الري بالغمر وغير الدائم، فإن المساحة المروية في الشرق الأدنى زادت من 9 ملايين هكتار عام 1950 إلى حوالي 48 مليون هكتار عام 2000. وشكلت الزيادة التي تحققت خلال الخمسين سنة المنصرمة عاملا رئيسيا في زيادة مستوى الإنتاجية الزراعية وكذلك الإنتاج الزراعي. ويبلغ حاليا مجموع كمية المياه المستخدمة للزراعة في هذا الإقليم 560 مليار متر مكعب تقريبا. وتعود الزيادة في الإنتاج أساسا إلى الزيادة في المياه المتاحة من المصادر السطحية والجوفية معا. وساهمت المياه، بأكثر مما ساهم أي عنصر من المدخلات الأخرى، في الأمن الغذائي الإقليمي.

ثالثا- القضايا الرئيسية في مجال إدارة المياه

7- إن المسألة الرئيسية بالنسبة إلى بلدان الشرق الأدنى هي ما إذا كانت أطر السياسات العامة الحالية لاستخدام المياه والأراضي ستؤدي إلى تحقيق أهداف الأمن الغذائي مستقبلا في هذا الإقليم. وينبغي لهذه البلدان أن تبذل مزيدا من الجهود لتشجيع اعتماد تدابير تكون أكثر كفاءة لإدارة المياه والأراضي الزراعية النادرة على نحو مستدام. وندرة المياه وتدهور نوعيتها وارتفاع تكاليف تنمية الري وتدني فعاليته (على صعيدي الإنتاجية والتوزيع على حد سواء) هي قضايا رئيسية. وفي سياق الأمن الغذائي، ثمة حاجة ملحة لتقييم سبل سد العجز الغذائي المتزايــد في ظل المعوقات الخاصة بالمياه، وما هو الدور الذي ستستمر المياه "التقديرية" بالاضطلاع به على صعيد تضييق هذه الفجوة.

ألف- كمية المياه

8- إن الموارد المائية في الإقليم محدودة وتتفاوت من عام إلى آخر. كما إن متوسط الحصة التي تقل عن 2.2 في المائة من مجموع الموارد المائية في العالم ينخفض إلى نسبة 1.2 في المائة تقريبا لدى الأخذ في الاعتبار الموارد المائية الداخلية المتجددة، فيما تتدفق الكمية المتبقية من خارج هذا الإقليم. ولا يزيد متوسط الأمطار السنوي عن 3.5 في المائة من مجموع المياه العذبة في العالم.

9- ويظل الطلب على المياه في الشرق الأدنى في تصاعد مستمر جراء معدلات النمو السكاني العالية (التي تزيد عن 3 في المائة في بعض البلدان)، فضلا عن الحاجة للمياه لتحقيق المزيد من التنمية الاقتصادية. ولقد أدى هذا الوضع إلى تناقص مطرد في حصة الفرد الواحد من المياه خلال نصف القرن المنصرم محولة بذلك التنمية الاجتماعية والاقتصادية عن هدفها.

10- ما زالت المياه الجوفية هي أحد مصادر المياه الرئيسية في إقليم الشرق الأدنى، ولم تتقيد إدارة هذه المياه على الدوام بالمعايير المطلوبة، وثمة أدلة واضحة بأن هناك مشاكل كبيرة تتصل بالإفراط في استغلالها، وما يترتب عن ذلك من عواقب في أنحاء عديدة من الإقليم. بيد أن مجمل تأثيرات هذا الوضع على العديد من السكان الحضريين والريفيين غير معروف تماما.

11- وتشكل تحلية المياه خيارا تلجأ إليه البلدان المنتجة للنفط لزيادة الكميات المحدودة من الموارد المائية السطحية والجوفية المتوافرة لديها، إلا أن هذه الموارد تستخدم بصورة أساسية في الأغراض المنزلية والصناعية. ومازالت التحلية غير محددة على صعيد تكاليفها للإنتاج الزراعي. كما يظل استخدام هذه الوسيلة استخداما واسعا في هذا الإقليم مقيدا مادامت قيمة الإمدادات التقليدية لا تعكس قيمة ندرة المياه، فضلا عن التكلفة العالية لتقانة التحلية.

12- ثمة إدراك متزايد في غالبية بلدان إقليم الشرق الأدنى أن المياه العادمة تشكل مصدر مياه بديل حيوي الأهمية بشرط أن تعالج وتغدو إعادة استعمالها آمنة. ويتصل توسع إعادة استعمال المياه العادمة بعدد من المسائل والمعوقات. إذ أن معالجة المياه العادمة وإدارتها باهظ التكاليف، كما أنه يزيد من الأعباء التي تتحملها البلدان ذات الاقتصاديات الضعيفة أصلا. ومن جهة أخرى، يمكن أن تعيق بعض الأمور مثل عدم وضوح السياسات والصراعات المؤسسية والافتقار إلى الأطر التنظيمية، تنفيذ مشاريع إعادة استعمال المياه العادمة وتشغيلها بطريقة سليمة.

13- يبدو جليا من البيانات المتيسرة والتوقعات المستقبلية أن الموارد المائية المتاحة لا تكفي لتلبية الطلب المتوقع على الغذاء خلال السنوات القادمة. فقد انخفض معدل الموارد المائية المتجددة من 500 3 متر مكعب للفرد الواحد سنويا عام 1960 إلى 500 1 متر مكعب للفرد الواحد سنويا عام 1990. ومن شأن النمو السكاني المستمر خلال العقود القادمة أن يزيد من حدة هذه المشكلة. وتشير توقعات البنك الدولي إلى أن هذا الرقم سوف يصل إلى 667 مترا مكعبا للفرد الواحد سنويا بالإقليم بحلول عام 2025 مقارنة بالمتوسط العالمي البالغ 780 4 متر مكعب للفرد الواحد سنويا.

14- ينبغي معالجة مسألة توافر إمدادات المياه من أجل الأمن الغذائي جنبا إلى جنب مع الآثار الناجمة عن استيراد الأغذية، أي الحصول على "المياه التقديرية". وقد لا يمثل ذلك مشكلة للبلدان الغنية، إلا أنه قد يشكل مصدر قلق في بلدان الإقليم ذات الدخل المتوسط أو الأقل نموا.

باء- نوعية المياه

15- يزيد من تفاقم المشاكل المتعلقة بكمية المياه تلك المشاكل الناجمة عن نوعية المياه. ولقد ازدادت هذه المشاكل عندما حاولت البلدان تلبية طلبها على المياه من خلال إعادة استخدامها. وفي حين كانت المياه عنصرا مؤثرا في تحقيق النمو الاقتصادي في هذا الإقليم، فإن نتائج سوء إدارتها لم تقتصر فقط على الإفراط في استعمالها، بل وأدت كذلك إلى تدهور نوعيتها. إن الإفراط في استخدام المياه العادمة في منطقة ما قد يحرم مستعملين في مناطق أخرى، مما يؤدى إلى انخفاض الإنتاج الزراعي وفقدان فرص العمل والأمن الغذائي.

16- وتواجه العديد من البلدان مشاكل تتعلق بالملوحة والتغدق في مناطق واسعة من أراضيها المروية بسبب زيادة منسوب المياه الجوفية وتملحها. وعلى نحو مماثل تشكل مسألة تداخل مياه البحر إلى طبقات المياه الجوفية بسبب الإفراط في ضخ المياه الجوفية أحد الأسباب الرئيسية لتراجع الإنتاجية.

17- تشكل المياه العادمة المنزلية والصناعية مصدرا لتلوث موارد المياه السطحية والجوفية على حد سواء. وتأتي المياه العادمة المنزلية من البلديات والمدن، حيث تتم معالجتها في بعض البلدان وتوزيعها ليعاد استعمالها. وسوف تزداد كمية المياه العادمة المتاحة لإعادة الاستعمال بتوسع المناطق الحضرية. بيد أنه قد تكون معالجة المياه العادمة الصناعية أصعب، كما قد تكون خطيرة نظرا لأن تسرب كميات صغيرة من المياه العادمة قد يلوث كميات كبيرة من المياه العذبة بالعناصر السامة سواء للبشر أو النباتات.

18- وقد تتسبب مبيدات الآفات والحشرات والمخصبات المستعملة استعمالا مكثفا، ودون التقيد بالتدابير الوقائية الضرورية بتلوث خطير يلحق بموارد المياه العذبة، وتشكل خطرا يتهدد صحة البشر والبيئة معا.

19- ويمكن أن يلحق التدهور بالمياه الجوفية جراء الإفراط في استخراجها أو نتيجة التلوث المباشر، أو بتوليفة ما من الاثنين. وقد يتم ذلك بصورة مباشرة أو غير مباشرة، كما أنه ينجم عن عدم دقة التقدير وعدم ملاءمة التخطيط، فضلا عن سوء الإدارة.

20- وعلى الرغم من أن نوعية المياه تشكل مصدر قلق بالغ في هذا الإقليم، ذلك أنه لم ينجز إلا القليل على الصعيد العملي حتى الآن لمعالجة هذا الوضع.

جيم- إدارة استخدام المياه

21- مساحة الأراضي الصالحة للزراعة في الشرق الأدنى لا تتجاوز 8-10 في المائة من مجموع الأراضي، كما أن الإنتاج يتوقف إلى حد بعيد على الري. ووفقا للمنظمة فإن 47.7 مليون هكتار هي مساحة الأراضي المروية، وتستخدم نسبة 90 في المائة من مجموع كميات المياه المسحوبة، أو 60 في المائة من كميات السحب الممكنة. لقد استثمرت بلدان الإقليم في مجال الري بدرجات متفاوتة خلال نصف القرن المنصرم. وأنشئت مشاريع ري ضخمة تطلبت استثمارات كبيرة في الأماكن التي توفرات فيها المياه والأراضي الصالحة للزراعة. بيد أن عمليات التقييم التي أجريت مؤخرا أثبتت أن أداء الري على صعيد إنتاجية المياه وفعالية الري هو أداء منخفض، وهو وضع يعود عموما إلى سوء إدارة مياه الري. ذلك إن الري السطحي الخاضع إلى التحكم الكامل أو الجزئي يشكل وسيلة الري الأكثر استخداما دون منازع، إذ تغطي مساحة 93 في المائة من الإقليم. إن هذه الطريقة، مقترنة مع ممارسات الإدارة السيئة، تؤدي إلى هدر كميات كبيرة من المياه. لقد أدخلت طرق الري العصرية مثل استخدام الري بالرش أو الري الموضعي، إلا أن استعمالهما مازال محدودا للغاية ما عدا في البلدان التي يكون مجموع المساحات المروية فيها صغيرا. وفي بعض بلدان الخليج جهزت أكثر من ثلثي المناطق المروية بنظم عصرية، وخاصة الرشاشات المحورية. إلا أن فعالية هذه النظم منخفضة عموما مقارنة بإمكاناتها بسبب سوء الإدارة على مستوى المزرعة.

دال- تراجع الاستثمارات في الزراعة المروية

22- بين أواخر الخمسينات والثمانينات استثمرت أكثرية البلدان استثمارات كبيرة في تنمية الري، وخاصة في البنية الأساسية مثل السدود ومشاريع نقل المياه وتوزيعها وشبكات الري. وتوسعت المساحات المروية بمعدل 1 في المائة سنويا في بداية الستينات، فيما بلغت معدلا سنويا أقصى قدره 2.3 في المائة خلال الفترة 1972 إلى 1975. وأثرت الأزمات المالية في النصف الثاني من التسعينات بصورة سلبية على الاستثمار في ميدان الري، وبالتالي تخلف كثيرا عن قطاع الإنتاج والزراعة المتناميين.

23- وتراجعت أكثرية أشكال الاستثمار في الأراضي والمياه تراجعا كبيرا خلال السنوات القليلة المنصرمة. وفي عام 2000 وصل مستوى الإنفاق الحكومي على الزراعة في الشرق الأدنى إلى أدنى مستوياته، وبلغ نسبة 1 في المائة تقريبا. ولا يؤثر هذا التراجع في الاستثمارات على التوسع في الري فحسب، بل وعلى تشغيل مشاريع الري القديمة وإدارتها كذلك، مما يؤثر بدوره على كل من الفعالية والإنتاجية معا.

هاء- المياه والتجارة والأمن الغذائي: مسألة " المياه التقديرية "

24- سعت حكومات هذا الإقليم خلال حقبتي الستينات والسبعينات إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي في ميدان المحاصيل الغذائية الأساسية بغض النظر عن قاعدة الموارد الطبيعية للبلد المعني. وتجاهلت السياسات ما يترتب عنها من تكاليف على الصعيدين الاقتصادي والبيئي. إلا أنه ونظرا إلى الركود الاقتصادي وزيادة ندرة المياه واعتماد سياسات إصلاحية أوسع نطاقا وتغير سياسات التجارة العالمية، استعيض عن النموذج القديم القائم على الاكتفاء الذاتي الغذائي بمفهومي الاعتماد على الذات والتنافسية.

25- كان بالإمكان حتى بداية السبعينات إيجاد، أو بالأحرى تعبئة، موارد مائية جديدة عن طريق تنظيم التدفقات المائية السطحية، أو ضخ المزيد من المياه الجوفية. إلا أنه منذ ذلك التاريخ لم يعد هذا الخيار يلبي حاجات الإقليم الاستراتيجية من المياه لتحقيق الاكتفاء الذاتي الغذائي. وتبعا لذلك، اتجه الإقليم إلى استيراد كميات أكبر من الأغذية.

26- واستيراد الغذاء يعادل استيراد المياه في صورة مركزة يطلق عليها اسم " المياه التقديرية". ويقوم مفهوم المياه التقديرية هذا على تنويع الإنتاج استنادا إلى الميزة النسبية لبلد أو إقليم ما، كوسيلة لتوليد النقد الأجنبي اللازم لشراء الواردات الغذائية عوضا عن إنتاج محاصيل منخفضة القيمة وتستهلك كميات كبيرة من المياه. ووفقا لتقديرات المسح الذي أجرته المنظمة للري والموارد المائية فإن هناك حاجة إلى 86.5 كيلومتر مكعب من المياه لإنتاج الأغذية التي كان يستوردها هذا الإقليم. وتزيد هذه الكمية عن تدفقات المياه السنوية التي يحملها نهر النيل إلى الإقليم. وتنفرد تركيا وحدها في الإقليم بصفة المصدّر الصافي للحبوب.

27- والمنافع المحتملة لتجارة المياه التقديرية لا تقتصر على البلدان التي تستوردها فحسب، بل وتشمل كذلك إدارة المياه على الصعيد العالمي لسببين. في المقام الأول تمثل الحبوب واحدة من الواردات الرئيسية، كما يمكن إنتاجها بالاستعانة بكمية أقل من المياه في البلدان التي تتميز بالإنتاجية العالية للمياه. وفي المقام الثاني إن الكميات المستوردة يتم إنتاجها في ظل الظروف المعتدلة المناخ، وهي بالتالي لا "تستهلك" سوى رطوبة التربة، وليس مياه السطح والمياه الجوفية التي قد تخصص لاستعمالات أخرى.

28- لقد انخفضت أسعار الأغذية الأساسية في السوق الدولية، وخاصة الحبوب بصورة مطردة ولسنوات عدة، بالأرقام الحقيقية، ومن ثم فإن استيراد الحبوب للاقتصاد في المياه لأغراض منافسة أخرى قد تكون سياسات حصيفة ينبغي إتباعها. وثمة خيار يقوم على أن تستخدم البلدان مواردها المائية المحدودة لإنتاج محاصيل صادرات عالية القيمة، ويمكن استخدام النقد الأجنبي الذي تحققه هذه العملية لشراء الحبوب المستوردة. بيد أن هذه المسألة تشكل موضوعا حساسا ينبغي تقييمه على الصعيدين السياسي والاقتصادي.

واو- قدرات إدارة المياه الزراعية

29- غالبا ما تغفل مشاريع الري مسألة تكوين القدرات داخل المجتمع المحلي الزراعي، وفي الخدمات التي تدعمها.

رابعا- اتساع الفجوة الغذائية في الشرق الأدنى

30- تشير تقديرات المنظمة إلى أن كل الأقاليم الفرعية في الشرق الأدنى سوف تعاني من حالات عجز غذائي كبيرة نسبيا بحلول عام 2010 باستثناء تركيا التي تتوافر لديها موارد زراعية كبيرة. ومن المرجح أن تتسع الفجوة الغذائية في الإقليم بنحو 54 في المائة مقارنة بالعجز المسجل عام 1995، مما يعكس معدل نمو سنوي يبلغ 2.9 في المائة وسوف يسجل ثلث البلدان نسبة اكتفاء ذاتي تقل عن 60 في المائة، بما في ذلك ثلاثة من البلدان الغنية المصدرة للنفط، واثنين من البلدان ذات الدخل المنخفض. وبمعزل عن التغيرات بين بلدان الإقليم، سوف يظل الإقليم بكامله (باستثناء تركيا) يعاني عجزا غذائيا.

خامسا- الخيارات الاستراتيجية لتحسين إدارة المياه والأمن الغذائي في ظل شروط ندرة المياه

31- في ضوء تشخيص السياسات أعلاه، ما هي الخطوات الممكن اتخاذها لتحسين إدارة المياه والحفاظ في ذات الوقت على مستوى عال من الأمن الغذائي؟ هل تشكل المياه التقديرية خيارا للسياسات للبلدان التي تواجه قيودا على صعيدي الميزانية والتسويق آخذا في الاعتبار توقع ارتفاع الأسعار العالمية للحبوب؟ لا بد للإقليم من رسم استراتيجية ري جديدة تتميز بأنها خروج عن النهج السابقة وتعالج الأسباب الأساسية للمشاكل عوضا عن أعراضها. غالبا ما تكون إصلاحات السياسات قضية سياسية ساخنة نظرا إلى أن مختلف مجموعات المصالح ترى أسلوب النهج من منظور مغاير. وسوف يتوقف نجاح الإصلاحات على كيفية وضعها موضع التنفيذ بصورة فعلية.

32- وتتيح إدارة الطلب على المياه وسيلة للاستعاضة عن الحاجة إلى موارد مائية إضافية، كما بإمكانها أن تتفادى بعضا من تكاليف الإمدادات. ويعني ذلك تحسين كفاءة إنتاجية استخدام المياه وتوزيعها. وعلى الصعيد العملي، فإن إدارة المياه تدعو إلى تطبيق متكامل لممارسات الصيانة والتسعير للتأثير على استخدام المياه – المستوى الكامل لاستخدام المياه ونمط استخدامها على حد سواء. بيد أن ثمة قيود تفرض نفسها على إدارة الطلب على المياه. وبالتالي، فإن التطبيق المناسب لإدارة الطلب على المياه لا يعني الاستعاضة عن المصادر والاستثمار على صعيد الإمدادات، وإنما التشجيع على اعتماد مزيج فعال بين موارد الإمدادات والصيانة. ويتكون هذا المزيح من الجوانب التالية التي يرد تفسيرها في الأقسام التالية:

• تحسين كفاءة إنتاجية الزراعة المروية والبعلية؛
• رفع القيود المتصلة بالسياسات من خلال تحسين كفاءة تخصيص المياه؛
• تقييم مسألة المياه التقديرية كخيار في إطار الخيارين الواردين أعلاه.

ألف- تحسين صيانة المياه ورفع كفاءتها الإنتاجية

33- ينبغي أن تمهد سياسات إدارة إمدادات المياه القائمة على الاستثمار في البنية الأساسية وإعانات الدعم والإدارة من جانب القطاع العام، الطريق بصورة مطردة إلى سياسات لإدارة الطلب تستند إلى كفاءة أكبر للري، وتعزيز خدمات الدعم الفني ومشاركة المزارعين في إدارة المياه وصيانة مشاريع الري التي تخدمهم.

(1) تحسين كفاءة استخدام المياه في الري

34- تتراوح تقديرات النسبة الإجمالية لكفاءة الري في الإقليم بين 45 - 50 في المائة، أي أن الخسائر من المياه المحولة للري تتجاوز 50 في المائة. وعلى الرغم من أنه يعاد تدوير جزء من هذه الخسائر، تتعذر استعادة الجزء المتبقي من الوجهة الاقتصادية. إضافة إلى ذلك قد يؤدي هذا الوضع إلى تخفيض نوعية المياه، وإلى تدهور الأراضي والمياه وتخفيض أرباح المزرعة.

35- قد يبدو مفهوم كفاءة استخدام المياه بسيطا نظريا، ولكن إنجازه العملي معقد وصعب. بيد أن زيادة الكفاءة قد يساهم مساهمة كبيرة في تلبية زيادة الطلب. وعلى سبيل المثال، وبتحقيق زيادة معدل كفاءة استخدام المياه في الإقليم إلى 70 في المائة بحلول عام 2025، يكون بالإمكان اقتصاد قدر كاف من المياه لتلبية نسبة 50 % تقريبا من زيادة الطلب على إمدادات إضافية من المياه في الفترة 1990 - 2025.

36- ينبغي الإشارة إلى أن مصطلح "كفاءة الري" حسب استعماله يقصد به نقل المياه من مصدرها إلى المزرعة مقارنة مع كمية المياه التي يحتاجها المحصول فعليا. ولا يعنى المصطلح بكفاءة استخدام كل نبتة من النباتات للمياه المتاحة. وقد تكون البحوث فيما يتصل بتخفيض استعمال المحاصيل نفسها لهذه المياه مسألة مهمة على صعيد الاقتصاد في المياه وتحسين كفاءة الري.

(2) تحديث إدارة مشاريع الري

37- نظرا إلى الحاجة إلى استخدام مياه الري بكفاءة أكبر في المشاريع الحالية، ينبغي بالتالي أن يركز مجموع الاستثمارات الجديدة على التحديث عوضا عن أن تركز على مشاريع جديدة. وبغية تعظيم العائدات، ينبغي أن تستوعب تحسين المشاريع الدروس المستخلصة من تطورات الري السابقة، وألا تقتصر على مجرد إعادة تأهيل المشاريع على أساس المعايير القديمة. وينطوي تحسين الأداء على إصلاح المنشآت وتعديلها، وتعزيز إدارة المشاريع والترتيبات المؤسسية المرتبطة بها.

38- ثمة حاجة ملحة إلى الانتقال إلى إدارة موجهة نحو الخدمة لإكساب المرونة للنظم الزراعية. ومن الصعب تنويع المحاصيل وإنتاج المحاصيل النقدية لتكون بدائل للحبوب، في ظل نظم توزيع المياه غير المرنة والتي لا يمكن الاعتماد عليها. وينطوي الترويج لاستدامة الري كذلك على أن يتحمل المستعملون تكاليف الخدمات، وأنه يجب عليهم بالتالي أن يكونوا في مركز لاتخاذ القرار بشأن مستوى الخدمات الذين هم على استعداد لقبولها. علاوة على ذلك، تشكل الحاجة إلى تطبيق إدارة متكاملة للموارد المائية دافعا قويا لإعادة تصميم إدارة الري على نحو يتوافق مع إجراء إصلاحات على القطاعات المائية الأخرى، وفي البيئة.

39- إن التركيز على التحديث قد يساهم بطرق عدة في تحسين العائدات من الاستثمارات الجديدة في الري. وثمة ميزة أخرى تقوم على أن تكاليف وحدات المشروع تكون منخفضة عموما، مما يزيد من احتمال الجدوى الاقتصادية.

(3) تحسين التشغيل والإدارة

40- غالبا ما يكون قصور التشغيل والإدارة في مشاريع الري سببا رئيسيا لضعف أداء المشروع وعدم استدامته. وبات من الصعب أكثر فأكثر على العديد من الحكومات أن تمول تكاليف تشغيل نظم الري وإدارتها، فضلا عن أن تقدم الخدمات المائية على عدد كبير من صغار المزارعين بصورة فعالة. وأدت هذه العوامل إلى تدهور البنى الأساسية وانكماش المساحات المروية وسوء توزيع المياه وهدرها وزيادة التغدق والملوحة.

41- يحاول العديد من الحكومات نقل مسؤولية إدارة نظم الري من الوكالات الحكومية إلى المزارعين المنظمين في روابط مستخدمي المياه. ولقد ظهر اتفاق عام في الآراء بأن هناك رابطة بين مشاكل الاستثمار والإدارة وصيانة المشاريع وملكية الأنظمة من جانب المضطلعين بالري واسترداد التكاليف.

42- ويكمن الحل لهذه المشاكل البالغة التعقيد والمترابطة في مبادئ الاستقلالية المالية ومشاركة المضطلعين بالري في كل من التنظيم والإدارة من خلال روابط مستخدمي المياه المناسبة. والطريق الواعد بإمكانية التحسين في إعطاء المضطلعين بالري مسؤولية تنظيم وإدارة أنفسهم، وفي تزويدهم بالدعم الفني المطلوب.

43- وتعد خصخصة التنظيم والإدارة التدريجية والانتقائية (وغيرها من جوانب الري الأخرى) كطريقة لتحسين جدوى المشاريع واستدامتها. ولقد أثمر الاستثمار في تدابير الخصخصة نتائج مشجعة في أقاليم أخرى، بيد أن تطبيقه في الشرق الأدنى كان بطيئا. ويشكل بناء الشراكات الفعالة بين القطاع العام والقطاع الخاص، وخاصة في مشاريع الري واسعة النطاق تحديا كبيرا لتشغيل الري وإدارته في الشرق الأدنى. وثمة حاجة على هذا الصعيد لاعتماد سياسات واضحة بشأن هذه المسألة، وإلى تحديد الوظائف التي ينبغي أن يضطلع بها القطاع الخاص، والوظائف التي ينبغي أن تبقى مع القطاع العام.

(4) تحسين الصرف وتخفيض الملوحة

44- تشكل إدارة الصرف كذلك عنصرا رئيسيا للري المستدام في المناطق القاحلة. ويعود انخفاض أو ركود الغلات في العديد من مشاريع الري الكبيرة إلى سوء الصرف. إن الصرف في الأراضي المروية يقلل من التغدق ويكفل التحكم في الملوحة. كما يتيح للمزارعين إمكانية تنويع المحاصيل وتكثيفها، واستخدام الأصناف ذات الغلة العالية ويحسن فعالية المدخلات من قبيل الأسمدة والميكنة.

(5) تحسين إنتاجية المياه في الزراعة البعلية

45- إن 70 في المائة تقريبا من الإقليم قاحل أو شبه قاحل حيث تحد قلة الأمطار وعدم انتظامها بدرجة كبيرة من إنتاج المحاصيل الغذائية، كما أنه يتسبب بعدم استقرار الإنتاج. وفي المناطق التي يبلغ معدل الأمطار فيها 300 ملم أو أكثر، ثمة إمكانية هائلة لزيادة إنتاج المحاصيل. أما في المناطق الأقل حظا، فإن المزارعين يمارسون في ظل ظروف إنتاج مدخلات منخفضة حصيلة منخفضة. إن تحسين نظام الإنتاج وإدخال تقنيات صيانة المياه والري التكميلي قد يسفر عن غلات تنافس المحاصيل الناجمة عن الري، بل وأنها أحيانا تكون أكثر فعالية على صعيد التكاليف بالنسبة إلى المزارعين. ويمكن أن تكون الزراعة على نطاق صغير منتجة في المناطق البعلية الحدية في حال تيسر ري تكميلي لتجاوز فترات الجفاف القصيرة التي تشكل عنصرا حاسما في غلات المحاصيل. ويكون بالإمكان زيادة إنتاج المحاصيل زيادة كبيرة في حال توافر طرق فعالة على صعيد التكاليف لتجميع المياه وتخزينها واستعمالها للمحاصيل في مراحل نموها الحاسمة. وأثمرت تقنيات تحسين الأراضي وتنمية مستجمعات المياه المتكاملة نتائج واعدة. ويحتاج المزارعون في المناطق البعلية إلى الدعم من أجل تقليل المخاطر وتحقيق قدراتهم الإنتاجية.

(6) استخدام المياه غير التقليدية للري

46- ثمة منافع كبيرة محتملة يمكن الاستفادة منها من خلال استخدام المياه العادمة للري. ويتيح تخفيض حمل التلوث من المياه المستعملة في المزارع والصناعات والمناطق الحضرية إعادة استخدام كمية أكبر بكثير منها للري. بيد أن هذه العملية تتطلب إدارة متأنية ورصد مهني لتقليل الأخطار المحتملة. وتتيسر تقنيات التنظيف وأدوات الإدارة، إلا أن ثمة حاجة إلى المساعدة التقنية والتعاون الإقليمي لنقلها واعتمادها.

باء- تنمية قدرات المزارعين ومقدمي الخدمات

47- من العوامل الهامة التي تؤثر على الطلب على المياه الزراعية ضعف قدرات المزارعين، وإجمالا كل مقدمي الخدمات في مجال الري. وأظهرت اللقاءات الإقليمية والدولية التي نظمتها منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة مؤخرا بشأن الخدمات الاستشارية في مجال الري أن النقص في مثل هذه الخدمات، فضلا عن ضعف قدرات الخدمات المتوافرة حاليا من المعوقات الرئيسية التي تحول دون تحسين أداء الري، كما أنها شددت على الحاجة إلى إعطاء الأولوية لهذه المسألة. وتعتبر تنمية قدرات أصحاب الشأن المعنيين بالري أساسية للتغلب على مظاهر الافتقار إلى المهارات، وعدم ملاءمة المنظمات وعدم فعالية التشريعات، وعدم كفاية التحفيز والتي غالبا ما تعرض أفضل مشاريع الري إلى الخطر.

جيم- تحسين كفاءة التخصيص

48- إن مشاكل ندرة المياه واستنزاف المياه الجوفية والتلوث والتغدق والملوحة هي أعراض تشير إلى مشاكل أكثر عمقا بكثير وتشكل جزءا لا يتجزأ من الإخفاق على صعيد السياسات والمؤسسات والأسواق. وتتفاوت وسائل تصحيح مظاهر الفشل هذه في السياسات والأسواق، من التقييد التام إلى ترك إشارات السوق لتفرض استجابة الإمدادات. وتشمل الأدوات الاقتصادية وغير الاقتصادية ذات الاستعمال الأكثر شيوعا، الوسائل المؤسسية والمراقبة والتحكم والأدوات الاقتصادية والأدوات المبتكرة.

(1) الحوافز لإعادة تخصيص المياه

49- نظرا إلى أن كلا من الزراعة والقطاع الريفي يستخدم أكثر من 90 في المائة من المياه، وأن ندرة المياه تزداد، فإن تصاعد الطلب على الزراعة بالإفراج عن المياه للقطاعات المنافسة لها يثير الشكوك بشأن مستقبل النمو الزراعي، ومسائل الأمن الغذائي المتصلة به على الأجل الطويل. ومن جملة الحلول المقترحة، فإن هذا الحل يدعو إلى تحسين الكفاءة "التخصيصية" لاستخدام المياه، بما في ذلك "الكفاءة التخصيصية ما بين القطاعات" و"الكفاءة التخصيصية داخل هذه القطاعات".

(أ) كفاءة التخصيص ما بين القطاعات

50- إن تعظيم إنتاجية المياه لا يعني تعظيم الإنتاج الزراعي لكل قطرة من المياه فقط، بل يعني كذلك تعظيم فرص العمل الريفية الممكن إيجادها بالاستعانة بموارد مائية محدودة. وبصورة أعم، يجني مستعملو المياه من خارج القطاع الزراعي منافع أكبر بكثير من استخدام المياه، كما أنهم على استعداد وقادرين على دفع تكاليف أعلى بكثير. أما مستعملو المياه في مجال الزراعة فيجنون منافع أقل، كما أنهم يعارضون معارضة شديدة تسديد رسوم أعلى مقابل المياه.

51- سيظل الفرق الشاسع في التكاليف يضع الضغوط على الزراعة للإفراج عن المياه من استعمالها منخفض القيمة إلى استعمالها مرتفع القيمة، كما هو الحال في استعمالاتها المنزلية والصناعية. ويعني ذلك ببساطة أن القطاع الزراعي سيضطر مستقبلا إلى استعمال كمية أقل من المياه لإنتاج المزيد من الغذاء. وسوف ينجم عن ذلك الوضع استبعاد صغار المزارعين في المناطق الريفية، ما لم توفر حقوق المياه الحماية لهم. إن القواعد التنظيمية لضمان إمكانية نقل حقوق المياه سوف تتيح للمزارعين التفاوض بشأن نقل هذه الحقوق مقابل مجموعة من التدابير التنموية الأخرى. ومن بين عوائق تطبيق تخصيص المياه بين القطاعات على نطاق واسع، الافتقار إلى تعريف واضح لحقوق المياه وإمكانية تسويقها، والافتقار إلى إدراك واسع النطاق للقيمة الفعلية للمياه في ظل ظروف تناقص إمداداتها.

(ب) فعالية التخصيص داخل القطاعات

52- إن أسعار المياه المنخفضة تتيح للمزارعين زرع محاصيل تستهلك كميات كبيرة من المياه من المتعذر اقتصاديا، زراعتها في حال ارتفاع سعر المياه. ومن هنا يشكل سعر المياه عاملا يحدد نمط المحاصيل، وخاصة محاصيل الأغذية التي تلقى قبولا كبيرا. وعلى الصعيد العملي، وحال أن أصبحت تعريفات المياه جزءا من المعادلة، أو اضطر المزارعون إلى تحمل تكاليف الضخ، يبدأ إبعاد المحاصيل التي لا يمكن لها تحمل رسوم المياه، من أنماط المحاصيل.

53- وثمة سمة مشتركة بين مشاريع الري في جميع أنحاء العالم تتمثل في دعم سعر المياه المقدمة للمزارعين. ويعني ذلك عموما أنه لا يتوفر تمويل كاف لاستمرارية هذا النظام، فضلا عن أن هناك طلبا مفرطا على المياه. وفي حال رفع معدل استرداد التكاليف، سيضطر المزارعون إلى تكييف أنماط محاصيلهم وتقنياتهم بحيث تتطلب قدرا أقل من المياه و/أو القبول بتحقيق أرباح أقل من الري. بيد أنه قد يكون لذلك آثار سلبية على إنتاج بعض المحاصيل ذات الأهمية القطرية.

(2) ضرورة أن يدفع الملوث تكاليف نظافة المياه

54- من الجلي أن الاستدامة توجب ألا تتدهور نوعية المياه إلى درجة يتعذر استعمالها بصورة آمنة. وتعتمد البلدان قواعد تنظيمية عموما لمراقبة التلوث تقوم بصورة كبيرة على طرائق التحكم والمراقبة، إلا أنه تستخدم حاليا في بعض البلدان نهجا اقتصادية ومبتكرة بقدر أكبر. بيد أن القواعد التنظيمية لا تطبق في جميع أنحاء الإقليم.

55- إن المستوى الحالي لتلوث المياه يستوجب اتخاذ خطوات من خلال تشريعات أكثر تشددا لمكافحة التلوث، وحوافز اقتصادية لحماية الموارد المائية المتاحة. وثمة أدلة دامغة بأن بالإمكان توفير نسبة تتراوح بين 20 و30 في المائة على الأقل من المياه المستعملة حاليا في المنازل والزراعة والمناجم والصناعة من خلال اعتماد أدوات تنظيمية ملائمة وفي مجال السياسات. ويمكن تحقيق المنفعة المزدوجة المتمثلة في توافر مياه مناسبة وتخفيض الطلب عليها، بفضل تشجيع إعادة استخدام وتدوير المياه المعالج وغير المعالج منها كلما كان ذلك ممكنا، وتطبيقها على أساس قانوني.

دال- المياه التقديرية كخيار للسياسات

56- ثمة سؤال رئيسي على صعيد المياه الكلية وهو ما إذا كان ينبغي للإقليم أن ينتج الحبوب التي يستهلكها محليا، أو ينبغي به أن يستورد أغذيته من الحبوب بأسعار أرخص من الخارج. إن الإجابة على هذا السؤال بالنسبة إلى عدد من بلدان الشرق الأدنى تتوقف على كيفية تثمين هذه البلدان للمياه.

57- مازالت مسألة المياه التقديرية معقدة للغاية، ولا يمكن تحليلها تحليلا كاملا في الوقت الحاضر لتحديد ما هي المحاصيل التي ينبغي إنتاجها محليا، أو تلك التي ينبغي استيرادها. إن الإطار التحفيزي السائد فيما يتعلق بالزراعة عموما يعادي التصدير بقوة في البلدان النامية. إضافة إلى ذلك، ثمة اختلال في الأسعار الدولية التي تستعمل غالبا كسعر مرجعي للقمح بغية تحديد الميزة النسبية والتنافسية للمياه التقديرية. أما السعر الذي يحصل عليه المزارع فيتسم باختلال كبير جراء الدعم المحلي المقدم إلى القطاع الزراعي على مستويين هما، إعانات دعم الإنتاج وإعانات الصادرات. وتكون الحصيلة النهائية هي اختلال الميزة النسبية للمزارع، بحيث يتعذر عليه منافسة الصادرات رخيصة السعر وتحمل تكاليف معاملات التصدير المرتفعة. وفي مثل هذه الحالة يتعذر ببساطة معرفة القيمة الدقيقة لما يطلق عليه اسم "المياه التقديرية". ولا يتيح هذا الوضع للبلدان النامية تحديد الميزة النسبية الطبيعية الخاصة بها، والتي ترتكز إليها قدراتها التنافسية.

58- إن الاعتماد على المياه التقديرية بالنسبة إلى البلدان التي تعاني من ندرة المياه يشكل بجلاء خيارا للسياسات يمكن أن يعود من الزاوية النظرية بالنفع على المستورد والمصدر. فالبلدان المستوردة يمكنها الاقتصاد في الموارد المائية القيمة، وإعادة تخصيصها لاستعمالات ذات قيمة أعلى في الزراعة أو في قطاعات أخرى. ويؤدي ذلك على الصعيد العالمي إلى الاقتصاد في المياه عموما. بيد أن هناك عدة عقبات ينبغي ألا يستهان بها ومنها: الحواجز أمام الدخول إلى السوق وانعدام تبادل المنفعة في مجال التجارة، وقضايا جودة وسلامة المنتجات الغذائية في أسواق البلدان المتقدمة، وضمان وموثوقية حصول البلدان المستوردة على السلع الغذائية الأساسية.

59- ولا بد أن تقدم ضمانات للبلدان التي تواجه عدم انعدام الأمن الغذائي، وإجهاد المياه لديها، أنها سوف تحظى بتجارة منصفة ومضمونة مع البلدان التي تتمتع بوفرة المياه. وينبغي أن تغدو هذه المسألة من بين أولويات منظمة التجارة العالمية. ولا تستطيع بعض البلدان بعد تصدير كميات كافية لكسب النقد الأجنبي الضروري لشراء الواردات الغذائية التي تحتاج إليها. وبصورة مماثلة، قد لا يتوفر لدى الأفراد المال اللازم لشراء الغذاء لهم ولأسرهم، حتى وإن تيسرت في السوق. وهو ما يؤكد الحاجة المستمرة في الإقليم إلى برامج التنمية الريفية القائمة على الزراعة.

وبإيجاز، فإن مفهوم المياه التقديرية يقوم على أسس متينة بشرط أن تكون البلدان رؤية أكثر شفافية عن ميزتها النسبية وتحويلها بالتالي إلى ميزة تنافسية.

60- والمسألة الثانية تتعلق بمستوى القاعدة الاقتصادية، أي ما إذا كان البلد متطورا ومتنوعا بدرجة كافية تتيح له أن يقرر إعادة تخصيص المياه وتحويلها عن الحبوب التي توفر رزق الكفاف لفئات كبيرة من سكان الريف، إلى استعمالات أخرى ذات قيمة أعلى. تظهر الخبرة المكتسبة من الإقليم، وربما من جميع أرجاء العالم، عن أن هناك عددا من العوامل الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي تؤثر في عملية إعادة تخصيص الموارد بهذه الطريقة.

سادسا- التوصيات

61- تحث البلدان الأعضاء على إعطاء العناية التامة والأولوية لإدارة الطلب على المياه باعتبارها الوسيلة للتخفيف من حدة مشكلات النقص في المياه حاضرا ومستقبلا. إن الخيارات المتاحة فيما يتعلق بإدارة الطلب على المياه في الزراعة تفتح الباب لمعالجة مشكلة النقص في المياه السائد بصورة رشيدة واقتصادية ومستدامة بقدر أكبر. وينبغي بالبلدان بشكل خاص أن تعد وتنفذ استراتيجيات وطنية تستهدف:

• تحديث طرائق الري وتحسينها كي تحل محل الطرائق التقليدية الحالية منخفضة الكفاءة ؛
• تشجيع إعادة تدوير المياه واستعمال موارد المياه غير التقليدية مثل معالجة المياه العادمة، وأشكال المياه الأخرى منخفضة النوعية ؛
• تعبئة كل الموارد المائية المتاحة من خلال بنى أساسية جديدة وتقنيات تجميع المياه وغيرها، مع إيلاء عناية كافية بالبيئة؛
• اعتماد سياسات لتسعير مياه الري، حيثما كان ملائما، تتيح على الأقل استرداد تكاليف التشغيل والصيانة لمشاريع الري، وتعزز من صيانة المياه والإنتاجية العالية؛
• إعادة النظر في السياسات المتعلقة بالمياه مع تركيز أكبر على ندرة المياه والتأهب للجفاف والتخفيف من حدة تأثيراته؛
• إرساء واعتماد أطر تنظيمية للمياه، وإعادة النظر في الأطر الحالية لإدخال تدابير وحوافز من أجل الاقتصاد في المياه وضمان حقوق المياه؛
• تنمية قدرات الموارد البشرية في مجال إدارة المياه الزراعية، والتركيز على المزارعين ومقدمي الخدمات؛
• إجراء تكييفات هيكلية تتأقلم وإدارة الطلب على المياه، بما في ذلك الإصلاحات المؤسسية وتنظيم المستفيدين من المياه ومشاركتهم في إدارة مشاريع الري، إضافة إلى إشراك القطاع الخاص.

ويطلب إلى منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة أن تواصل تقديم الدعم للبلدان الأعضاء في سعيهم إلى التحول إلى إدارة الطلب على المياه في قطاع الزراعة من خلال:

• تقديم المساعدة الفنية في ميدان السياسات العامة وعمليات الاستعراض التنظيمية والمؤسسية ووضعها موضع التنفيذ؛
• استحداث مجموعة تدابير تقنية مكيفة بشأن إدارة الطلب على المياه وتشجيعها واعتمادها؛
• توفير التدريب وتبادل الخبرات بين البلدان بشأن الجوانب الهامة المتعلقة بتحسين إدارة المياه في قطاع الزراعة؛
• الترويج لزيادة الدعم لتحسين إنتاجية المياه في قطاع الزراعة.