النظم الغذائية

جهود مدينة عمّان للحد من فقد وهدر الأغذية: التعلم من الأقران من خلال التعاون ما بين بلدان الجنوب والتعاون الثلاثي نحو نظم زراعية غذائية مستدامة

يُعدّ فقد وهدر الأغذية من إحدى أكثر التحديات العالمية إلحاحًا، إذ يؤثر على الاستدامة البيئية والأمن الغذائي والمرونة الاقتصادية. حيث يُفقد حوالي 13% من إجمالي الغذاء المُنتَج عالميًا، ويُهدر 19%، مما يُسهم في انبعاث غازات الاحتباس الحراري والاستخدام غير الفعّال للموارد. ومع توقعات استهلاك سكان المناطق الحضرية 80% من الغذاء العالمي بحلول عام 2050، تُعدّ المدن أساس المشكلة وحلها.

29/04/2025

 
باعتبارها أكبر مدينة في الأردن، تواجه عمّان توسعًا حضريًا سريعًا وطلبًا متزايدًا على الغذاء. حيث يُنتج الأردن سنويًا حوالي 93 كيلوغرامًا من نفايات الطعام للفرد الواحد، وهي كمية تكفي لإطعام 1.5 مليون شخص لمدة عام واحد. ووقّعت أمانة عمّان الكبرى ميثاق ميلانو للسياسات الغذائية الحضرية عام 2023، مُدركةً تحديات التوسع الحضري السريع ومُؤكدةً على التزامها بالتعلم من مدن العالم والتعاون معها في وضع سياسات غذائية مستدامة. و مهد هذا الالتزام الطريق لمعالجة مشكلة فقد وهدر الأغذية كنقطة انطلاق رئيسية لتحسين نظم الأغذية الزراعية في المدينة.

آلية التعاون بين بلدان الجنوب والتعاون الثلاثي لربط الجهات المعنية وتسهيل التعلّم بين الأقران

لدعم جهود مدينة عمّان، وقعت منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) اتفاقية شراكة مع أمانة عمّان الكبرى، ومدينة ميلانو، وميثاق ميلانو للسياسات الغذائية الحضرية، و"Let’s Food" غير الحكومية، لتوفير الخبرة الفنية، وتعزيز التعلّم بين الأقران، وتعزيز الشراكات بين القطاعات.

نُفذت هذه الجهود ضمن الإطار البرامجي للفاو مركزا على أولويتين، وهما "الحد من فقد وهدر الأغذية"، و"تحقيق نظم غذائية حضرية مستدامة".

كان تقييم فقد وهدر الأغذية خطوةً حاسمةً في هذه الرحلة، حيث رسم خرائط لمناطق هدر وفقد الغذاء، وحددت العوائق في سلسلة التوريد، وسلط الضوء على فرص الحد من الهدر والاسترداد وإعادة التوزيع. حيث كشفت النتائج عن هدر كميات كبيرة من السلع القابلة للتلف بسبب عدم كفاءة سلاسل التوريد، مثل سوء التغليف على مستوى المزرعة والسوق، وعدم كفاية الوصول إلى مرافق التخزين البارد والتهوية، وعدم التوافق بين الإنتاج والطلب.

وبفضل هذا التحليل القائم على الأدلة، تمكنت أمانة عمّان الكبرى من تحديد المجالات ذات التأثير العالي للتدخل ووضع معايير لرصد التقدم بفعالية. إضافة الى ذلك، أبرز التقييم فرص مبادرات استرداد الغذاء وإعادة توزيعه لدعم الفئات السكانية الضعيفة في جميع أنحاء المدينة.

لأول مرة، شاركت أمانة عمان الكبرى في عملية تشاورية موسعة مع الجهات المعنية المحلية لوضع استراتيجيتها للحد من فقد وهدر الأغذية. وقد جمع هذا النهج التشاركي آراءً متنوعة من مختلف قطاعات منظومة الأغذية الزراعية، بما في ذلك المزارعون وتجار الجملة والتجزئة والمنظمات غير الحكومية وممثلو المجتمع المحلي. ومن خلال ورش العمل الفعلية وجلسات الحوار الافتراضية، قدّمت الجهات المعنية رؤى قيّمة واقترحت حلولاً مبتكرة للحد من فقد وهدر الأغذية.

صرح كساب الشخانبة، مدير سوق الجملة في أمانة عمان الكبرى، قائلاً: "نتطلع إلى مزيد من التعاون مع جميع الجهات المعنية".

بدعم من "Let’s Food" غير الحكومية، سهّلت الفاو أيضًا تبادل الخبرات بين عمان وميلانو من خلال برنامجها للتعاون بين بلدان الجنوب والتعاون الثلاثي. حيث أتاحت هذه التبادلات تبادل الخبرات بين أصحاب المصلحة في أمانة عمان الكبرى ومسؤولي ميلانو حول الحد من فقد وهدر الأغذية، وإعادة توزيع فائض الغذاء، ومبادرات الاقتصاد الدائري. على سبيل المثال، ألهم نجاح مدينة ميلانو في إعادة توزيع فائض الغذاء لدعم الفئات التي تعاني من انعدام الأمن الغذائي بعض الإجراءات المدرجة في استراتيجية مدينة عمان للأغذية.

وقد أظهرت هذه التفاعلات قوة تبادل الخبرات بين الأقران، بما في ذلك التعلم التجريبي في تعزيز الالتزام السياسي وإشراك أصحاب المصلحة وتحفيزهم.

"إن ربط الناس هو جوهر تغييرنا المستدام". قال رئيس بلدية ميلانو، رئيس ميثاق ميلانو للسياسات الغذائية الحضرية.

وأكد أمين عمّان، يوسف الشواربة، التزام البلدية بتحقيق أهداف ميثاق ميلانو، والعمل على وضع خطة عمل محددة لتحقيقها.

المضي قدمًا: توسيع نطاق مبادرات نظم الأغذية الزراعية المستدامة

بناءً على هذا الأساس، بدأت أمانة عمان الكبرى الآن في تنفيذ إجراءات للحد من هدر الطعام، ودمج الجهود المحلية مع السياسات والحوكمة الوطنية بهدف تحرير الموارد وتوسيع نطاق التأثير. وإحدى المبادرات الرئيسية هي مشروع تجريبي في السوق المركزي، حيث يتم تحويل نفايات الطعام إلى سماد لاستخدامها في المساحات الخضراء الحضرية - وهي خطوة نحو ممارسات الاقتصاد الدائري.

وعلى المستوى الوطني، يُعد ربط جهود مدينة عمان للحد من هدر الطعام بأجندة الاستدامة الأوسع في الأردن أمرًا ضروريًا. حيث إن تعزيز الحوكمة بين السلطات البلدية والوطنية بشأن هدر الطعام وهدره وتعزيز النهج النظامي أمر بالغ الأهمية لضمان الاستدامة على المدى الطويل. وتعمل منظمة الأغذية والزراعة، بالشراكة مع برنامج الأغذية العالمي، على تسهيل الحوكمة متعددة المستويات بشأن فقد الأغذية وهدرها من خلال ربط استراتيجية هدر الغذاء في عمان الكبرى بخطة عمل اللجنة الوطنية الجديدة لفقد وهدر الأغذية.

تُبرز جهود أمانة عمّان الكبرى أثر التعاون في معالجة مشكلة فقد وهدر الأغذية كمسارٍ نحو أنظمة غذائية زراعية مستدامة. ومن خلال شراكاتها مع منظمة الأغذية والزراعة و " Let’s Food" ومدينة ميلانو، أثبتت أمانة عمّان الكبرى بالتعاون مع العديد من الجهات المعنية المحلية أن الإجراءات المُستهدفة والشاملة يُمكن أن تُعزز أنظمة الأغذية الحضرية من خلال الاستفادة من التعلم بين الأقران والتعاون فيما بين بلدان الجنوب والتعاون الثلاثي. وإن الحد من فقد وهدر الأغذية ليس مجرد هدف، بل هو حافزٌ لتحوّل أوسع نطاقًا نحو أنظمة غذائية زراعية مستدامة على جميع المستويات.