تحسن التكنولوجيا الحديثة سبل العيش التقليدية في كازاخستان

تطبيق الهاتف الجوّال الذي طوّرته منظمة الفاو لجمع الألبان يحسّن دخل منتجي الألبان وظروف عيشهم 

وقائع رئيسية

في كازاخستان، تكسب ما بين 2 و2,5 مليون أسرة عيشها من قطاع الألبان، ويأتي 80 في المائة من حليب البلد من المزارعين أصحاب الحيازات الصغرى الذين يمتلكون أربعة أبقار أو أقلّ. وفي إطار الحدود الواسعة لكازاخستان، وهي أكبر دولة في العالم، تشكل الثروة الحيوانية جزءا هاماًّ من سبل معيشة الناس وأمنهم الغذائي.

تواجه صناعة الألبان في كازاخستان العديد من التحديات، لكنّ معظمها يرتبط ارتباطا مباشرًا بالمسافات الشاسعة التي يجب أن يسافر إليها الحليب للتجهيز وبالتجزئة الكبيرة لإمدادات الحليب. وليس لدى البلد ما يكفي من مراكز جمع الألبان لخدمة العدد الكبير من منتجي الألبان أو تلبية احتياجات مصنعي الألبان، ويمكن أن تبلغ المسافة من المزارع إلى مصانع تجهيز الألبان إلى مئات الكيلومترات، مما يؤدي إلى ارتفاع تكاليف النقل وخطر التلف.

وبتطبيق قوة التكنولوجيا لإيجاد الحلول الإبداعية، قامت منظمة الأغذية والزراعة، بمشاركة المصرف الأوروبي للإنشاء والتعمير، بتصميم تطبيقات الهاتف الجوّال، تطبيق جمع الألبان، وتطويعه في سياق الألبان، تساعد مجهّزي الحليب في تحديد مواقع مُوَرّدي الحليب الخام الحاليين والمحتملين، ومعظمهم من أصحاب الحيازات الصغرى أو من المزارعين الأسريين. ويساعد هذا الاتصال على تحسين إنتاجهم وبالتالي على سبل عيشهم.

فالنظم الغذائية الشاملة والكفؤة وتوفير سُبل أفضل للمعيشة وتساعد في نهاية المطاف على القضاء على الجوع.

تقليد طويل الأمد

يتمتّع الحليب بتاريخ في كازاخستان. كانت الرعوية البدوية هي طريقة الحياة هناك، ويعكس اسم البلد ما يلي: كازاخستان تعني "أرض المتجولين". وكانت الثروة الحيوانية جزءا لا يتجزأ من حياة كازاخستان، وهذا ما يظهر بوضوح في طبخها وثقافتها. ويسهم الحليب الحامض أو المطبوخ في العديد من الأطباق التقليدية. على سبيل المثال، يعدّ كوروت منتجاً تقليدياً هاماًّ، وهو مصنوع من الحليب المغلي الذي يخمّر، ويفصل ويصبح جبناً مالحاً جافاًّ.  أمّا الكاجماك، فهي قشطة مصنوعة من الحليب الخام، وتعدّ طبقا شعبيا آخر غالبا ما يقدّم مع الشاي.

وينطوي إنتاج الألبان على تقليد طويل. لكن هذه الطريقة التقليدية للحياة آخذة في التغير. وكما هو الحال في العديد من البلدان، ينتقل العديد من الشباب من المناطق الريفية إلى المدن بحثاً عن فرص أفضل.

أما السكان الريفيون الأكبر سناًّ الماكثون هناك، والذين يعيشون في غالب الأحيان من المعاشات الضئيلة، فكثيرًا ما يحاولون تكملة دخلهم عن طريق بيع فائض الحليب الذي يجنوه من أبقارهم. لكن المبيعات عادة ما تكون محلية وغير رسمية. إذ يحصل أكثر من 40 في المئة من سكان كازاخستان الذين يعيشون في المناطق الريفية على الحليب من بَقَرهم أو من بَقَر جيرانهم.

كل شيء يتم محليا

تروي فيكتوريا من قرية زمان زول في منطقة كاراغاندا في كازاخستان، قائلةً: "قبل أن نحصل على مركز جمع الحليب هنا، كان عليّ تبريد الحليب يدويا. وكان عليّ جمع العديد من القوارير البلاستيكية، وملؤها بالماء وتجميدها. وتصبح بمثابة ثلاجة للحليب. وفي الأشهر الحارة، كان عليّ تغيير القوارير عدّة مرّات حتى تصل شاحنة الجمع. وكان ذلك يمثّل عملاً مُجهداً وإزعاجاً كبيراً  ".

وقد تغير الوضع بإنشاء مركز جمع الحليب. "عندما أعلن المصنع أنه سينظم جمع وتبريد الحليب في قريتنا، كنا جميعا ضد الخطة: لا أحد كان يريد أن يحمل حليبه عبر أنحاء القرية. لكنّ الآن، بعد بدء تشغيل المركز فقد فهمنا حقاًّ فوائده لمجتمعنا. أولا، ليس علينا تجميد تلك الزجاجات. ثانيًا، لم يعد عليّ أن أستيقظ ليلاً للتحقق من درجة حرارة الحليب. وأخيرًا، لدينا المزيد من الوقت للزراعة، وبالتالي لسبل عيشنا. ونحن ممتنون جدًا لوجود هذا المركز في قريتنا ".

ويعدّ مركز التجميع من الخطوات الأولى لتحسين قدرة المنتجين الصغار ولجودة المنتوج.

ثم جاء التطبيق

تنطوي صناعة الحليب في كازاخستان على إمكانات كبيرة في مجال النمُوّ، لكنها لا تزال تواجه العديد من المشاكل. ويُنتج أصحاب الحيازات الصغرى حاليا حوالي 80 في المائة من إنتاج الحليب الوطني. غير أنه نظرًا لسلاسل القيمة الطويلة والمعقدة، نادراً ما يكون منتجو الألبان ومعالجوه على اتصال بعضهم ببعض، مما يؤدي إلى افتقار الفهم المتبادل للتحديات المتعلقة بإنتاج وتوفير حليب عالي الجودة. فعندما تنعدم الروابط المباشرة، يصعب على المعالجين تفسير متطلبات الجودة وعلى المنتجين توفير المعلومات اللازمة لتمكين جمع الحليب بصورة كفؤة.

وهنا يأتي تطبيق الجوّال للجمع. إذ يقوم معالجي الحليب بإجراء مسوحات ميدانية ومن ثم استخدام تطبيق الجوّال للتجميع، وهو تطبيق على الهاتف الجوّال، طوّرته منظمة الفاو واقتبسته عن جناح أوبينفوريس (OpenForis suite)، للتحقق من صحة وتحليل البيانات عن توافر الحليب. وبواسطة أجهزة تعمل بنظام Android مجهزة
بالنظام العالمي لتحديد المواقع، يستعمل مصنّعو الحليب هذا التطبيق لتحديد الموقع الجغرافي لموردي الحليب الخام المحتملين والحاليين.

تعتمد شركات الألبان الكازاخستانية على مئات من موردي الحليب المنتشرين في جميع أنحاء البلاد الشاسعة. ويساعد التطبيق على تحديد هذه القوائم الكبيرة من المنتجين وإدارتها بصورة أفضل، وتوفير الوقت بتقليل الأعمال الورقية. كما أنه يساعد على تحسين طرق الجمع من أجل خفض تكاليف النقل والتنبؤ باحتياجات القدرات من خزانات التبريد ومعدّات التبريد للنقل.

وعلاوة على ذلك، يعزز الجمع بالهاتف الجوّال التفاعل المباشر بين المجهّزين والمزارعين ويُمكّن شركات الألبان من تقديم المشورة بشأن مواضيع مختلفة من تحسين النظافة إلى إدارة المزارع. وبواسطة هذا التطبيق وطريقة جمع البيانات، يتلقى المجهّزون معلومات دقيقة عن المصادر الحالية للحليب الخام بما في ذلك الحجم، والتوافر الموسمي، وخصائص الجودة، والأهمّ من ذلك، إمكانات نمو كل مورد، مما يساعد على تشخيص ما يمنع المزارعين من إنتاج أكثر وأفضل نوعية من الحليب.

لمسة حديثة تحسّن الطُّرُق التقليدية

والهدف من هذا التطبيق هو تحديث الممارسات لمساعدة المزارعين كي يصبحوا أكثر قدرة على المنافسة، وبناء الثقة بين المزارعين ومجهّزي الحليب. وبعبارة أخرى، يساعد "الجمع بالهاتف الجوّال" على تعزيز قدرة منتجي الألبان، ولا سيما الأسر والمزارعين أصحاب الحيازات الصغيرة، لزيادة إنتاجهم وتحسين نوعية الحليب. كما أنه يساعد القطاع الخاص على اتخاذ قرارات مستنيرة بشأن إدارة سلسلة الإمدادات وتوسيعها.

ويستفيد الجميع من هذا النهج: فالمزارعون يزيدون من دخلهم بسبب استقرار المبيعات إلى المصنع، ومن تحسين إنتاجهم بفضل زيادة توافر المعرفة؛ ويكتسب المجهّزون الكفاءة في إدارة سلسلة التوريد الخاصة بهم، ويُوَفَّر للمستهلك النهائي منتج كازاخستاني عالي الجودة.

كمبادرة إضافية من المشروع، أنشأت المنظمة والبنك الأوروبي للإنشاء والتعمير أيضا مقاطع فيديو من الرسوم المتحركة تسمى "الحليب الذكي" لزيادة الوعي بالممارسات الجيدة في مجال زراعة الألبان. البنك الأوروبي للإنشاء والتعمير هو أكبر مستثمر مؤسسي في كازاخستان. ومن خلال المساعدة على تعزيز القطاع الزراعي في البلد، تعمل المنظمة والبنك الأوروبي للإنشاء والتعمير معا على تعزيز إمكانات كازاخستان ودعم تنويع الاقتصاد.

ويمثل ضمان إدراج المزارعين أصحاب الحيازات الصغيرة في نظم الأغذية الزراعية أحد أهداف المنظمة. فالنظم الغذائية الشاملة والكفؤة تخلق سبل عيش أفضل وتساعد في نهاية المطاف على تحقيق انعدام الجوع.

شارك بهذه الصفحة