آراء
الحق في الغذاء في المغرب العربي والشرق الأوسط: لحظة حاسمة تتطلب العمل
©FAO/Mazen Haffar
الحق في الغذاء هو حق أساسي من حقوق الإنسان يضمن حصول كل فرد على الغذاء الكافي والآمن والمغذي الذي يلبي احتياجاته الغذائية من أجل حياة نشطة وصحية. ولا يقتصر هذا الحق على الحصول على ما يكفي من الغذاء للبقاء على قيد الحياة فحسب، بل يشمل كذلك الحصول على غذاء مناسب ومتوفر وفي متناول الجميع دون تمييز. وهذا حق معترف به دولياً، ويفرض التزاماً قانونياً على الحكومات باحترامه وحمايته والوفاء به.
وفي الشرق الأدنى وشمال أفريقيا، يعد الحق في الغذاء أكثر من مجرد مبدأ قانوني - فهو مسألة حياة أو موت يومية للملايين من البشر. لكن ولسوء الحظ، يتعرض هذا الحق لتهديد كبير في أجزاء كثيرة من المنطقة بسبب النزاعات المستمرة وحالة عدم الاستقرار الاقتصادي وتأثيرات تغير المناخ. فقد أصبحت اليمن وفلسطين والسودان والجمهورية العربية السورية بؤراً ساخنة يتعرض فيها الحق في الغذاء للخطر الشديد، مما يترك السكان في حاجة ماسة إلى الغذاء.
وفي غزة، لا يقتصر الأمر على إهمال الحق في الغذاء، بل يتعداه إلى تعريض هذا الحق وبشكل كبير للتقويض نتيجة النزاع واستمرار الأعمال العدائية. وبدون تدخل دولي كبير وفوري لاستعادة إمكانية وصول السكان إلى الغذاء وإعادة بناء نظم الأغذية الزراعية، فإن القطاع يواجه خطر المجاعة وذلك وفقاً لتقرير التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي الصادر في أكتوبر/تشرين الأول 2024.
ومع تصاعد النزاع في السودان، أصبح الحق في الغذاء بعيد المنال، مما أدى إلى معاناة الملايين من أزمة جوع لا ترحم. ووفقاً للتقرير الأخير الصادر عن التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي في يونيو/حزيران، واجه أكثر من نصف سكان السودان، أي ما يقارب 25.6 مليون نسمة - أزمة أو ظروفاً أسوأ (المرحلة الثالثة من التصنيف أو أعلى) بين يونيو/حزيران وسبتمبر/أيلول 2024، وذلك بالتزامن مع موسم العجاف. ويشمل ذلك 755,000 شخص يعيشون مستويات كارثية من الجوع الحاد (المرحلة الخامسة من التصنيف) في 10 ولايات، وأكدت لجنة مراجعة المجاعة التابعة لمبادرة التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي أن ظروف المجاعة (المرحلة الخامسة من التصنيف) قد امتدت لتشمل حالياً معسكر زمزم للنازحين داخلياً في ولاية شمال دارفور.
وفي اليمن، تسببت الحرب الأهلية المستمرة في تعريض الملايين من السكان إلى انعدام الأمن الغذائي، كما أن الحق في الغذاء ما يزال بعيد المنال. ومن جهة أخرى، لا يزال الوضع في الجمهورية العربية السورية سيئاً، حيث يعاني أكثر من 15 مليون شخص (حوالي 66 في المائة من السكان) من انعدام الأمن الغذائي، وفقاً لوثيقة "النظرة العامة على الاحتياجات الإنسانية 2024". وتسلط هذه الأزمات الضوء على التحديات العميقة التي تواجه الحق في الغذاء في المنطقة.
وتصادف هذا العام الذكرى السنوية العشرون لاعتماد الخطوط التوجيهية الطوعية لدعم الإعمال المطرد للحق في غذاء كاف، وهو إنجاز بارز في إطار جهود الأمن الغذائي العالمي. وتزود هذه الخطوط،التي اعتمدها مجلس منظمة الأغذية والزراعة في عام 2004، الحكومات باستشارات عملية بشأن آلية إعمال الحق في الغذاء ضمن سياساتها الوطنية. وعلى مدى العقدين الماضيين، كانت تلك الخطوط أداة حاسمة في تشكيل مبادرات الأمن الغذائي في جميع أنحاء العالم.
و هذا العام، لن تكون هذه الذكرى السنوية مجرد احتفالية بالإنجازات الماضية، بل تذكيراً قوياً بحجم العمل الذي لا يزال يتعين علينا جميعاً القيام به، ولا سيما في المناطق الأكثر تضرراً. ويركز موضوع يوم الأغذية العالمي لهذا العام على الحق في الغذاء، ويهدف من خلال ذلك إلى تسليط الضوء على الحاجة إلى تجديد الالتزام والعمل لمعالجة الأزمات المستمرة في هذه المجالات.
ورغم الواقع المرير، لا يزال هناك بصيص من الأمل. ففي اليمن، ساعد الدعم الذي قدمته منظمة الأغذية والزراعة صغار المزارعين على استعادة سبل عيشهم في المناطق التي مزقتها الحرب، مما يوضح وبشكل جلي كيف يمكن للتدخلات المستهدفة أن تحدث فرقاً حتى في البيئات الأكثر تحدياً. وفي الجمهورية العربية السورية، عملت المنظمة على إعادة تأهيل البنية التحتية الحيوية، مثل أنظمة الري، ومساعدة المزارعين على زيادة إنتاجيتهم والمساهمة في تعزيز الأمن الغذائي المحلي.
إن التحديات الرئيسية التي تواجه الحق في الغذاء في المنطقة واضحة، وهي النزاعات، وتغيُّر المناخ، وحالة عدم الاستقرار الاقتصادي. وتتطلب معالجة هذه القضايا جهوداً متضافرة من جانب الحكومات المحلية والمجتمع الدولي. ويجب على الحكومات أن تمنح الأولوية لإدراج الحق في الغذاء في سياساتها، لضمان ألا يكون الأمن الغذائي مجرد فكرة لاحقة نلجأً إليها بعد وقوع المشكلة، بل ركيزة أساسية للتنمية الوطنية. كما تدعو الحاجة إلى زيادة الاستثمار في نظم الأغذية الزراعية الفعالة والمستدامة، ولا سيما في الممارسات التي يمكنها تحمل الضغوط البيئية المتزايدة الناجمة عن تغير المناخ.
ويتعين على المجتمع الدولي، بما في ذلك المنظمات مثل منظمة الأغذية والزراعة، الاستمرار في تقديم الدعم من خلال المساعدات الإنسانية الفورية ومشاريع وبرامج التنمية طويلة الأجل التي تعمل على بناء القدرة على الصمود والاكتفاء الذاتي في المجتمعات التي يعاني سكانها من انتهاك حقهم في الغذاء. إن الحق في الغذاء ليس مجرد هدف في السياسات، بل هو حق من حقوق الإنسان يجب الحفاظ عليه، حتى في أوقات الشدائد والمحن.
وبينما نحتفل بمرور عشرين عاماً على إطلاق الخطوط التوجيهية الطوعية، يجب علينا ألا نكتفي بالاعتراف بالتقدم المحرز، بل علينا أن نعترف كذلك بالحاجة الملحة إلى التحرك والعمل. وبينما لا يزال الملايين من البشر يناضلون من أجل حقهم الأساسي في الغذاء، فإن مسؤوليتنا الجماعية هي ضمان إعمال الحق في الغذاء للجميع.
المؤلفون
