مكتب منظمة الأغذية والزراعة الإقليمي للشرق الأدنى وشمال أفريقيا

آراء

البابا فرانسيس: صوت أبدي في عالم جائع (1936–2025)

البابا فرانسيس متحدثا في منظمة الأغذية والزراعة عام 2014

©FAO/Alessandra Benedetti

محمد العيدروس الهاشمي - 27/04/2025

بغض النظر عن الأوقات الصعبة التي نعيشها، تبقى كلمات البابا فرانسيس حاضرة في ضمائرنا. فقد قال ذات يوم: «مُستقبل الإنسانية مكتوب في الحُقول والقُرى والغابات، حيث يُقاتل المُستبعدون من أجل كرامتهم». هذه الكلمات التي نُطِقَت عام 2017، تردد صداها في أرجاء منطقة الشرق الأدنى وشمال إفريقيا، حيث تتعاقب الأزمات وتتزايد المعاناة.  

رحل البابا فرانسيس، في 21 أبريل 2025، لكن إرثه كمدافع عن المهمشين لا يزال حيًا. لقد تجاوزت رسالته الدينَ، داعيًا الجميع إلى مواجهة ما أسماه «عولمة اللامبالاة». وفي مناطق مثل منطقتنا، حيث تضرب التغيرات المناخية والصراعات الاقتصادية، كانت تعاليمه بوصلةً يُهتدى بها في الطرق الوعرة التي تُهدد الأمن الغذائي حول العالم.  

وباستقراء الرؤية الحكيمة للبابا فرانسيس في وثيقته «لاوداتو سي» (2015)، لا تجد نفسك أمام وثيقة دينية فحسب، بل أمام بيانٍ زمني يُعالج أزمةً أخلاقيةً تعصف بالبيئة. عبر كلماتها، تكاد تسمع أصوات المزارعين في قرى السودان المُتضررة من الجفاف، وأصوات الرعاة في ريف العراق وأنبارها. عندما قال: «الجوع جريمة في عالم مليء بالخيرات»، كان يلامس واقع ٥٥ مليون شخصٍ يعانون من انعدام الأمن الغذائي في منطقتنا، حيث تُكدَّس الموارد في أيدي القِلّة. لم تكن دعوته لتحقيق أهداف التنمية المستدامة مجرد تنظيرٍ بعيد، بل صرخةً لأجل الفقراء الذين يهددهم الفقر وشح الموارد.  

وكان للتعاون الوثيق بين البابا ومنظمة الفاو أثرٌ عميق في منطقتنا. فألهم خطابه عام 2015، الذي ربط بين الزراعة الصناعية وانتشار الجوع، مشاريعَ مثل الزراعة الذكية مناخيًّا في تونس، وتجارب زراعة الشعير المقاوم للجفاف في المغرب. خلال زياراته العالمية، دعم المزارعين الصغار الذين وصفهم بـ«نبض الأمن الغذائي»، وهم قلب أنظمتنا الغذائية. وفي خضم أزماتٍ كأزمة الساحل والحرب في أوكرانيا، جاءت تحذيراته: «الحرب تُولِّد الجوع، والجوع يُولِّد الفوضى» كضوءٍ في ظلام اليأس.  

لكن إرث البابا فرانسيس ليس مجرد تأبين، بل دعوةٌ للعمل. فالتحديات التي أشار إليها في خطاباته للمسيحيين ورسائله لقادة الدول لا تزال قائمة. ودعوته إلى «ثورة الحنان» تُطالبنا بمواجهة هذه القضايا ليس بحلولٍ تقنية فحسب، بل بتعاطفٍ عميق. لتكريمه، يمكننا تعزيز الزراعة الإيكولوجية، وتوسيع نطاق الري بالطاقة الشمسية في دول الشرق الأدنى وشمال إفريقيا خصوصًا. كما يمكننا إدارة النفايات بطرقٍ بيئيةٍ مستدامة، سواء في سلاسل الإمداد المُعطَّلة أو عبر مواجهة ثقافة هدر الطعام. ولا ننسى تعزيز أصوات المهمشين، كالبدو والرعاة في مناطق النزاعات، لضمان مشاركتهم في صنع السياسات التي تُشكِّل مستقبلهم.  

كما ذكر البابا في خطابه أمام الأمم المتحدة عام 2020: «لا نستطيع أن ندَّعي الاهتمام بالأرض إذا تجاهلنا صرخات أفقر سكانها». بالنسبة لنا في الشرق الأدنى وشمال إفريقيا، حيث تختلط صرخات الفقراء بأصداء الحضارات القديمة، تظل كلمات البابا فرانسيس مصدر إلهامٍ ودليلًا على واقعٍ مُؤلم.  

ومن القاهرة، حيث يُخلِّد الفلاحون إرثه في التربة التي يحرثونها، وتنشر العائلات الريفية خُضرة الحدائق على أسطح المنازل، ندرك أن الطريق أمامنا شاق. لكن كما علَّمنا إرث فرانسيس: «الاستدامة ليست تحديًا تقنيًّا، بل اختبارًا لإنسانيتنا». فلنواجه هذا الاختبار بعزيمةٍ تُجاوز الصعوبات، نحو حلولٍ يتشارك فيها الجميع: شُعوبًا وحكوماتٍ.  

 

محمد العيدروس الهاشمي

المسؤول الإقليمي عن الاتصال وإدارة المعرفة في مكتب منظمة الأغذية والزراعة في الشرق الأدنى وشمال أفريقيا، ومقره القاهرة

لقراءة المقال الأصلى

الآراء المعبر عنها هي آراء خاصة به