تخضير الزراعة - معالجة شح المياه وضمان الاستدامة البيئية والعمل المناخي
دول الخليج تمهد الطريق نحو استعادة غابات المانغروف
©Oman observer
في اليوم الدولي لصون النظام الإيكولوجي لغابات المانغروف، نتعمق في دراسة الأهمية الحيوية لغابات المانغروف (القرم). توفر هذه النظم البيئية الساحلية الفريدة موائل حيوية لأعداد لا تحصى من الأحياء البرية البحرية والبرية. وتلعب هذه الغابات دورًا حيويًا في حماية السواحل، حيث تعمل أنظمتها الجذرية المعقدة كحواجز طبيعية تقلل من تأثير الأمواج وهبوب العواصف وتآكل التربة الساحلية.
إن هذه الغابات ليست بؤرًا رئيسية للتنوع البيولوجي فحسب، بل تتمثل أهميتها أيضًا في امتصاص الكربون، وتخزين كميات كبيرة منه وبالتالي المساهمة في التخفيف من تغير المناخ. أما على الصعيد العالمي، فتقوم غابات المانغروف بامتصاص الكربون بمعدلات أعلى من العديد من الغابات الأرضية، حيث تخزن حوالي 11 مليار طن من ثاني أكسيد الكربون.
كما تعمل هذه الغابات على تحسين جودة المياه عن طريق تصفية الملوثات وحجز الرواسب، مما يعزز صحة المياه الساحلية. وتدعم كذلك سبل عيش العديد من المجتمعات الساحلية، حيث توفر الموارد مثل الأخشاب والنباتات الطبية وتدعم مصايد الأسماك.
توفر غابات المانغروف مراعي للإبل في جزر البحر الأحمر، مما يوفر تغذية عالية الجودة للإبل في المواقع الساحلية خلال فصل الشتاء.
© arabnews.com
التحديات التي تواجه أشجار المانغروف في الشرق الأوسط
في الشرق الأوسط، تنتشر غابات المانغروف على امتداد سواحل بعض البلدان مثل البحرين وعُمان والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. وتواجه هذه النظم الإيكولوجية تحديات عديدة. ففي الإمارات العربية المتحدة على سبيل المثال، زادت ملوحة السواحل نتيجة أنشطة تحلية المياه المكثفة، مما تسبب في خلق بيئة شديدة الملوحة تعيق نمو تلك الأشجار. وقد أدى ارتفاع درجات حرارة مياه البحر نتيجة لممارسات إنتاج الطاقة وتحلية المياه، والتلوث الناجم عن مصانع الأسمنت، والتطور السريع للجزر الصغيرة، وبناء الجسور، إلى زيادة الضغط على النظم الإيكولوجية لغابات المانغروف.
يجمع تقرير منظمة الأغذية والزراعة "غابات المانغروف في العالم 2000-2020" تقنيات الاستشعار عن بعد مع معارف الخبراء المحليين لتقييم مناطق المانغروف العالمية والتغيرات التي طرأت عليها على مدى عقدين من الزمن. وقدرت الدراسة الخاصة بالتقرير إجمالي مساحة غابات المانغروف في عام 2020 بنحو 14.8 مليون هكتار، مع انتشار قرابة 44 في المائة منها في جنوب وجنوب شرق آسيا. وعلى الرغم من الانخفاض الصافي لمساحة غابات المانغروف بمقدار 284,000 هكتار خلال فترة العشرين عامًا، يبين التقرير تباطؤ معدل الفقدان السنوي لهذه الغابات من 0.12 في المائة في الفترة 2000-2010 إلى 0.07 في المائة في الفترة 2010-2020، مما يبرز تأثير جهود الحفظ.
تسلط التقييمات الأخيرة التي أجراها الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة الضوء على حقيقة أن حالة غابات المانغروف العربية تعتبر الآن معرضة للخطر بسبب تغير المناخ. ويهدد ارتفاع منسوب مياه البحر، والأعاصير المتكررة، وتغير تدفقات المياه العذبة، هذه النظم الإيكولوجية، التي تعتبر بالغة الأهمية للحفاظ على التنوع البيولوجي وتعزيز قدرة السواحل على الصمود. على سبيل المثال، تأثرت غابات المانغروف في عُمان، التي تغطي حوالي 1000 هكتار من مساحة البلاد، جراء الأنشطة البشرية مثل الاحتطاب للوقود ورعي الماشية، مما أدى إلى تفاقم التحديات التي يفرضها تغير المناخ.
![]() | ![]() |
غابات المانغروف في البحر الأحمر، 15 سبتمبر/أيلول 2020
@: أحمد فؤاد
استعادة غابات المانغروف في عُمان
في عُمان، يمثل مشروع عُمان للكربون الأزرق مبادرة رائدة طموحة لهيئة البيئة وشركة MSA للمشاريع الخضراء، تهدف إلى استزراع 100 مليون شجرة مانغروف في جميع أنحاء البلاد، مما يعزز البيئة الطبيعية بشكل كبير. ويتوقع خلال فترة المشروع التخلص من قرابة 14 مليون طن من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون وتحقيق أرباح اقتصادية من شهادات ائتمان الكربون الأزرق لصالح هيئة البيئة تصل قيمتها إلى 150 مليون دولار أمريكي. وتخطط منظمة الأغذية والزراعة لبدء برنامج شامل لاستعادة غابات المانغروف في عُمان من أجل حماية النظم الإيكولوجية لهذه الغابات وتعزيزها على طول سواحلها. ويمكن لهذا الجهد المشترك أن يعالج التهديدات المختلفة التي تواجه غابات المانغروف في البلاد. علاوة على ذلك، سيعمل هذا التعاون على الاستفادة من الإمكانات الكبيرة لغابات المانغروف في امتصاص الكربون، بما يتماشى مع الاستراتيجية الوطنية لسلطنة عمان لتحقيق الحياد الصفري الكربوني بحلول عام 2050.
ويهدف هذا التعاون إلى تعزيز تنفيذ عقد الأمم المتحدة لاستعادة النظام الإيكولوجي في عُمان، وتمكين مجتمعات الصيادين ومساءلتهم بشأن ممارسات الصيد الخاصة بهم في سياق استعادة غابات المانغروف، والاستفادة من تقنيات الرصد المتقدمة والنهج المبتكرة مثل منصة تيسير الوصول إلى بيانات رصد الأرض ومعالجتها وتحليلها لأغراض رصد الأراضي (SEPAL) التابعة لمنظمة الأغذية والزراعة لتعزيز تقنيات مراقبة الاستعادة.
مبادرات استعادة غابات المانغروف في المملكة العربية السعودية
أطلقت المملكة العربية السعودية مبادرة طموحة لاستعادة النظم الإيكولوجية لغابات المانغروف. توفر غابات المانغروف في المملكة فوائد أساسية، بما في ذلك عملها كمرشحات طبيعية للملوثات، وامتصاص المعادن الثقيلة، وتوفير موائل لـ 125 نوعًا من الأسماك والقشريات والطيور المهاجرة. وتوفر مستنقعات المانغروف أيضًا مناطق رعي قيّمة للإبل في جزر البحر الأحمر، وتوفر العلف المغذي للإبل الساحلية خلال أشهر الشتاء. وتمتص غابات المانغروف ما يتراوح بين 70 إلى 90 في المائة من طاقة الأمواج، مما يساهم في حماية المجتمعات الساحلية من التآكل وأضرار العواصف. ولا تعمل هذه المبادرات على تعزيز الاستدامة البيئية فحسب، بل تساهم أيضًا في تحقيق الأهداف الأوسع للمملكة المتمثلة في التصدي لتغير المناخ، وتقليل انبعاثات الكربون، وتحسين جودة الحياة للسكان.
وتلعب غابات المانغروف في المملكة، والتي توجد بشكل رئيسي في مناطق مجزأة على امتداد سواحل البحر الأحمر والخليج العربي، دورًا حيويًا في امتصاص الكربون والحماية من العواصف. وتماشياً مع مبادرة السعودية الخضراء التي تم إطلاقها في عام 2021، تهدف المملكة العربية السعودية إلى زراعة 10 مليارات شجرة مانغروف بحلول عام 2030، مما يعزز بشكل كبير الغطاء الحالي الذي تبلغ مساحته حوالي 35,500 هكتار على امتداد البحر الأحمر. ومن بين المشاريع الجديرة بالذكر مبادرة شركة البحر الأحمر الدولية التي تسعى إلى زراعة 50 مليون شجرة مانغروف بحلول عام 2030.
وفي إطار مبادرة رؤية 2030، نفذت وزارة البيئة والمياه والزراعة السعودية مشاريع مهمة لتعزيز أعداد أشجار المانغروف. على سبيل المثال، زرعت الوزارة 250 ألف شتلة مانغروف في ينبع، و1.7 مليون شتلة على امتداد السواحل لزيادة الغطاء النباتي ودعم مصايد الأسماك المستدامة. وقد أدت جهود الاستصلاح الناجحة إلى توسيع مناطق غابات المانغروف، حيث كان للمشاريع في ينبع دور ملحوظ في زيادة التغطية من 0.011 كيلومتر مربع في عام 1972 إلى 0.562 كيلومتر مربع في عام 2013. كما ساهمت أرامكو السعودية بزراعة مليوني شجرة مانغروف على امتداد الساحل الشرقي للبلاد بمساحة 60 كيلومتر مربع، وأنشأت أول منتزه وحديقة بيئية لأشجار المانغروف في خليج تاروت في عام 2020. كما نفذت مبادرات مراقبة في جزيرة تاروت لحماية غابات المانغروف من التخريب والتلوث. وتؤكد هذه الجهود التزام المملكة العربية السعودية بالحفاظ على النظم الإيكولوجية لغابات المانغروف وتعزيز التنمية المستدامة في المناطق الساحلية.
![]() | ![]() | ![]() |
| الغطاء النباتي لغابات المانغروف في عام 1985م (الصورة من مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية، تم إنشاء مؤشر الفرق المعياري للغطاء النباتي (NDVI) بواسطة الباحث). | الغطاء النباتي لغابات المانغروف في عام 2011م (الصورة من مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية، تم إنشاء مؤشر الفرق المعياري للغطاء النباتي (NDVI) بواسطة الباحث). | الغطاء النباتي لغابات المانغروف في عام 2023، (صورة من هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية، تم إنشاء مؤشر الفرق المعياري للغطاء النباتي (NDVI) بواسطة الباحث). |
خطط البحرين لاستعادة غابات المانغروف
إن جهود البحرين الطموحة لاستعادة غابات المانغروف هي جزء من استراتيجية شاملة لاستزراع 3.6 مليون شجرة بحلول عام 2035، بما يتماشى بشكل وثيق مع الأهداف التي حددتها اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ. ويؤكد هذا الالتزام نهج البلاد الاستباقي في التخفيف من آثار تغير المناخ والتكيف مع المناخ، والاستفادة من الحلول الطبيعية مثل النظم الإيكولوجية لغابات المانغروف لتعزيز القدرة على مواجهة تأثيرات المناخ. وتهدف الشراكة بين برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية وبنك HSBC بشأن استعادة غابات المانغروف في خليج توبلي، بما في ذلك رأس سند، ليس فقط إلى توسيع موائل غابات المانغروف، بل تسعى أيضًا إلى دمج الحلول القائمة على الطبيعة في التخطيط الحضري، وتعزيز رفاهية المجتمع والحفاظ على التنوع البيولوجي، وفي ذات الوقت المضي قدمًا في تحقيق أهداف المناخ العالمية.
استعادة غابات المانغروف في مصر
في أبريل/نيسان 2020، أطلقت مصر مشروعاً حكومياً مدته سنتان بهدف استصلاح مزارع المانغروف، واستعادة مساحة إجمالية قدرها 210 هكتار من غابات المانغروف على امتداد سواحل البحر الأحمر وسيناء. وعلى الرغم من الإخفاق في إطلاق المشروع في بعض المواقع، إلا إنه نفذ بنجاح كبير في مناطق أخرى. وتوفر الشراكات الدولية، بما في ذلك التعاون مع منظمة الأغذية والزراعة والمنظمة الدولية للأخشاب الاستوائية، التمويل والمساعدة الفنية المحورية لهذا المشروع. وفي عام 2021، أبرم بنك HSBC شراكة مع مركز الأبحاث التطبيقية للبيئة والاستدامة بالجامعة الأمريكية في القاهرة لإطلاق مشروع استعادة النظام الإيكولوجي لغابات المانغروف في مصر تحت اسم "مشروع تطوير نموذج تشاركي لاستعادة النظام الإيكولوجي لغابات المانغروف كحل قائم على الطبيعة لتغير المناخ". ويهدف مركز الأبحاث من خلال هذا المشروع إلى استعادة النظم الإيكولوجية لغابات المانغروف وتوسيع على امتداد ساحل البحر الأحمر في مصر. وعلى مدى خمس سنوات، يخطط مشروع استعادة النظام الإيكولوجي لغابات المانغروف في مصر لزراعة 10,000 شتلة جديدة من أشجار المانغروف سنوياً في المواقع المتدهورة من الجونة إلى حلايب وشلاتين، بما يعزز مرونة السواحل والتنوع البيولوجي. وتعمل هذه المبادرة على دمج المجتمعات المحلية في جهود الاستصلاح، وتعزيز الفرص الاقتصادية مثل السياحة البيئية ونماذج الأعمال المستدامة.
توزع غابات المانغروف في منطقة الشرق الأوسط ومصر
الالتزام بعقد الأمم المتحدة لإصلاح النظم الإيكولوجية
عند الاطلاع على عقد الأمم المتحدة لإصلاح النظم الإيكولوجية (2021-2030)، تبرز غابات المانغروف كرمز للحلول القائمة على الطبيعة للتحديات العالمية. وتتوافق استعادة موائل المانغروف مع أهداف العقد المتمثلة في وقف فقدان التنوع البيولوجي، ومكافحة التصحر، ومعالجة آثار تغير المناخ. وتتصدر دول الخليج طليعة هذه الجهود، مما يدل على التزامها القوي بحماية موائل المانغروف واستعادتها. ومن خلال دمج المعرفة التقليدية والاستفادة من التقنيات المتقدمة، أصبحت هذه البلدان مثالاً تحتذي به بقية بلدان العالم.
وفي الإمارات العربية المتحدة، وتحديدًا في أبو ظبي، يجري حالياً تنفيذ مبادرة بحرية بارزة لاستعادة مروج الأعشاب البحرية والشعاب المرجانية وغابات المانغروف على امتداد ساحل الخليج. وتؤكد هذه المبادرة الهامة التي يتم تنفيذها في إطار عقد الأمم المتحدة على التزام البلاد بالحفاظ على الموائل الساحلية واستعادتها، بما في ذلك غابات المانغروف. ومن خلال التركيز على استعادة الأعشاب البحرية والشعاب المرجانية وغابات المانغروف على امتداد ساحل الخليج، تهدف أبو ظبي أيضًا إلى تعزيز التنوع البيولوجي وحماية الأنواع البحرية مثل بقر البحر (الأطوم)، وهو من الثدييات البحرية التي تتغذى على النباتات بما في ذلك مروج الأعشاب البحرية وموائل المانغروف.
لمعرفة المزيد حول غابات المانغروف
- كشف أسرار أشجار المانغروف: كشف أسرار أشجار المانغروف (fao.org)
- عمل شعبة الغابات في منظمة الأغذية والزراعة بشأن أشجار المانغروف: https://www.fao.org/forestry/mangrove/ar
- وحدة مجموعة الإدارة المستدامة للغابات الخاصة بغابات المانغروف في منظمة الأغذية والزراعة: https://www.fao.org/sustainable-forest-management/toolbox/modules/mangroves-restoration-and-management/tools/en/
- القائمة الحمراء للأنظمة الإيكولوجية لغابات المانغروف: https://www.iucn.org/resources/conservation-tool/iucn-red-list-ecosystems/red-list-mangrove-ecosystems
- حالة غابات المانغروف في العالم: https://www.mangrovealliance.org/mangrove-forests/
- مشروع عُمان للكربون الأزرق: https://www.omanobserver.om/article/1144305/oman/environment/omans-blue-carbon-project-to-cut-14-million-tonnes-co2-emissions
- غابات المانغروف في العالم 2000-2020: المحتوى (fao.org)




