تخضير الزراعة - معالجة شح المياه وضمان الاستدامة البيئية والعمل المناخي
الابتكار في تبادل المعرفة من أجل الإدارة المستدامة للغابات والمناظر الطبيعية: كيف يمكن لمركز (خبرة) تيسير تبادل الدروس المستفادة في إصلاح الغابات بين لبنان والجزائر وغيرهما من البلدان
©FAO
في ظل تزايد الضغوط الناجمة عن التغيّر المناخي والنشاط البشري على الغابات في العالم، خاصة في منطقة الشرق الأدنى وشمال أفريقيا، أصبح تبادل المعرفة والتعلم المتبادل بين البلدان ضرورياً لتعزيز الإدارة المستدامة للغابات والمناظر الطبيعية. وهنا يأتي دور منصة المركز المعرفة الإقليمي لتعزيز مرونة التنوع البيولوجي والأنظمة الزراعية الحرجية الرعوية المتكاملة (خبرة)، التي تضطلع بدور رئيسي في تعزيز التعاون وتمكين الممارسين وصناع السياسات والخبراء من تبادل الخبرات والوصول إلى الموارد الفنية، والمشاركة في مبادرات بناء القدرات. ومن خلال الاستفادة من المنصة، يمكن لدول مثل الجزائر ولبنان تحسين استراتيجياتها لإصلاح الغابات والمناظر الطبيعية عبر الاستفادة من النجاحات والتحديات المشتركة.
التعلم المشترك بين لبنان والجزائر
تواجه كل من الجزائر ولبنان تحديات تتمثل في تدهور الغابات وإدارة الأراضي، وبشكل خاص الحفاظ على التنوع البيولوجي وتعزيز ممارسات الاستخدام المستدام للأراضي. فغابات البلوط الفليني في الجزائر، والتي تعتبر كنزاً بيئياً يغطي مناظر طبيعية متنوعة، تتعرض لخطر الاستهلاك غير المستدام وتغيُر المناخ، ما يؤدي بدوره إلى تدهور الأراضي. وبالمثل، تتعرض الغابات في لبنان والتي تغطي حوالي 13 في المائة من مساحة البلاد، لضغوط ناجمة عن الهجرة الريفية، واستخدام الأراضي غير المحكوم بقوانين، والتغيرات البيئية.
في لبنان، كان لمشروع التكيف الذكي للمناظر الطبيعية للغابات في المناطق الجبلية (SALMA) الذي أُطلق عام 2016، دور مهم في استعادة التوازن البيئي ودعم المجتمعات الريفية. وقد نفذت منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (المنظمة) هذا المشروع بالتعاون مع وزارة الزراعة اللبنانية وبتمويل من مرفق البيئة العالمي. وركّز المشروع على إعادة التشجير وتعزيز القدرة على التكيف مع تغير المناخ، من خلال إشراك المجتمعات المحلية، خصوصًا في المناطق الفقيرة اقتصاديًا، مما ساعد على تحسين الإنتاجية الزراعية، وتنويع المحاصيل، وخلق فرص دخل من خلال أنشطة إدارة الغابات والممارسات الزراعية الحرجية والرعوية.
ونجح المشروع في إعادة تشجير 674 هكتارًا في 23 موقعًا، ووضع خطط إدارة مستدامة للغابات لمساحة 1,230 هكتارًا. كما عزز المشروع قدرات السلطات والمجتمعات المحلية على إدارة مخاطر اندلاع حرائق الغابات والحد منها. وشملت هذه الجهود إجراءات الوقاية من اندلاع الحرائق من بينها بناء قدرات المجتمعات المحلية على التدخل المبكر، وتقليص الكتلة الحيوية القابلة للاشتعال في المناطق الأكثر عرضة للحرائق. ويستند نهج إدارة الحرائق المعتمد على المجتمع والذي يتبناه المشروع، على الدروس المستفادة من مبادرات سابقة أطلقتها منظمة الأغذية والزراعة والوكالات الأممية الأخرى وغيرها من الجهات الفاعلة. ويمكن للجزائر فعلياً الاستفادة من هذه التجارب وسط تزايد مخاطر الحرائق بسبب التغير المناخي.
نجاح نهج لبنان: دمج المجتمعات في إدارة الغابات والمناظر الطبيعية
تركّز المبادرات المدعومة من آلية إعادة الغابات والمناظر الطبيعية إلى هيئتها الأصلية التي تدعمها منظمة الأغذية والزراعة في لبنان، على دور المجتمعات المحلية في إدارة الغابات والأراضي. وتهدف الآلية إلى مساعدة البلدان في توسيع نطاق أنشطة اصلاح الغابات والمناظر الطبيعية، ورصدها، والإبلاغ عنها. وفي لبنان، انصب التركيز على الإدارة المستدامة للرعي والتي تُمكّن التعاونيات والمجتمعات من إصلاح الأراضي الحرجية وإدارتها بشكل فعّال. ويضمن هذا النهج الحفاظ على المناظر الطبيعية بشكل يدعم التنوع البيولوجي، ويوفر في الوقت نفسه فرصًا اقتصادية لسكان الريف. ومن خلال العمل بمبادئ الآلية، نجح لبنان في إشراك المجتمعات المحلية في ممارسات الاستخدام المستدام للأراضي، خاصة من خلال مبادرات تدعم إدارة الرعي.
ويعتبر الاستخدام المستدام لمنتجات الغابات الغذائية، ومن بينها الأعشاب والمنتجات غير الخشبية، جزءًا أساسيًا من نهج لبنان. فمن خلال تقوية سلاسل القيمة لمنتجات مثل النباتات العطرية والطبية والعسل والصنوبر، وهي قطاعات توظف آلاف العاملين في الريف، تمكّن لبنان من خلق حوافز اقتصادية تُشجع المجتمعات على المشاركة في الحفاظ على الغابات. كما ساعدت برامج التدريب على الوظائف الحرجية في تمكين المجتمعات من اعتماد ممارسات مستدامة تجمع بين الحفاظ على سبل العيش وحماية البيئة.
تطبيق تجربة لبنان على المناظر الطبيعية الحرجية في الجزائر
تمتلك غابات البلوط الفليني في الجزائر الكثير من المزايا التي تجعلها قابلة لتطبيق نهج متكامل مماثل للنهج اللبناني في إدارة الغابات والمناظر الطبيعية. وبالفعل، فإن مشروع منظمة الأغذية والزراعة إعادة التأهيل والتنمية المستدامة المندمجة لإنتاج غابات البلوط الفليني بالجزائر يظهر أهمية إشراك أصحاب المصلحة المحليين في ممارسات الإدارة المستدامة. وطور المشروع خططاً لإدارة الغابات المستدامة استنادًا إلى جرد التنوع البيولوجي والمسح الرقمي في ثلاث مناطق تجريبية هي: تاوريرت إغيل (بجاية) وبني إيدر (جيجل) وحفير (تلمسان). كما شارك ممثلون عن الجمعيات ومزارعون وأكاديميون في ورش عمل وطنية وإقليمية لتعزيز المشاركة المحلية.
وعلى غرار التجربة اللبنانية، فمن شأن تعزيز سلاسل القيمة للمنتجات غير الخشبية في الجزائر مثل الفلين والعسل والمستكة، والتي تسهم بشكل كبير في الاقتصادات المحلية، أن توفر فرص اقتصادية جديدة، وتشجّع على الحفاظ على الغابات. ويهدف المشروع إلى إنشاء 60 مؤسسة صغيرة ومتوسطة ومنظمة مجتمعية، على أن تكون 40 في المائة منها على الأقل بقيادة نساء، لضمان الاستدامة الاقتصادية والمساواة بين الجنسين. كما يجري العمل على إدخال نظم تتبع، ووضع علامات تجارية، وتحديد آليات الاعتماد، لتعزيز القيمة الاقتصادية لهذه المنتجات.
نظرة استشرافية: تعزيز تبادل المعرفة للاستثمار المستدام
يعتبر مركز المعرفة (خبرة) أداة بالغة الأهمية لتعزيز التعاون الإقليمي، إذ أنه يُيسر الحوارات المهيكلة، والتبادلات الفنية، ومبادرات بناء القدرات بين لبنان والجزائر. ومن خلال التركيز على اصلاح الأراضي وإدارة الغابات المستدامة، يمكن لمركز (خبرة) أن يدعم تطوير استراتيجيات وطنية تُلبّي احتياجات كل بلد، وتُشجّع على الاستثمار في الاستدامة طويلة الأمد.
في الوقت ذاته، توفر مبادرة إطار التعهد الإقليمي للاستعادة والاستثمار في منطقة الشرق الأدنى وشمال أفريقيا إطاراً أوسع لمواءمة الجهود الوطنية مع نهج إقليمي شامل لاستعادة النظام الإيكولوجي. ورغم الاستثمارات الكبيرة التي تحققت في السنوات الماضية، لا تزال منطقة الشرق الأدنى وشمال أفريقيا تواجه فجوات جدية في التمويل المناخي، إذ لا تحصل المنطقة سوى على جزء زهيد من الموارد العالمية الضرورية لتلبية احتياجات الإصلاح والتنمية. وتهدف هذه المبادرة إلى سد هذه الفجوات من خلال تحسين آليات التمويل، والاستفادة من نماذج تمويلية متنوعة، واعتبار اصلاح الأراضي محركًا اقتصاديًا يحقق منافع اجتماعية وبيئية طويلة الأجل.
ومن خلال دمج الموارد المالية والمؤسسية والمعرفية، يعزز هذا الإطار التعاون، والعمل المستند إلى الأدلة، والتخطيط الاستراتيجي، بما يضمن أن تكون جهود الاستعادة مستدامة بيئيًا ومجدية اقتصاديًا.
وبفضل الجهود المشتركة لمركز (خبرة) والإطار الاستثماري، يمكن للبنان والجزائر وبلدان أخرى في المنطقة تسريع الاستثمارات في الاصلاح، وتقوية الاقتصادات المحلية، وبناء القدرة على التكيّف مع تغير المناخ. وسيُسهم هذا النهج المتكامل في تحويل إصلاح الأراضي إلى محرك إقليمي للتنمية المستدامة، من أجل مستقبل يعزز قدرة الغابات والمناظر الطبيعية والمجتمعات في المنطقة على الصمود.

بقلم فداء حداد
مسؤول أول برامج الغابات في المكتب الإقليمي للشرق الأدنى وشمال أفريقيا لمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة