سفينة أبحاث تستقصي بدعم "فاو" ظاهرة انتشار المخلّفات في جنوب المحيط الهندي
استخدام تكنولوجيات مستحدثة على هيئة كريات بلاستيكية كمجسّات دائمة في المياه وأجهزة "روبوتية" غوّاصة للاستشعار والقياس
5 أغسطس|آب 2015، روما -- من المقدّر أن 5 تريليونات قطعة من البلاستيك تطفو حالياً في محيطات العالم، مقارنة بما يكاد يبلغ صفراً من المخلّفات اللدائنية في ماض لا يتجاوز عام 1950... مما يثير تساؤلات حول تأثيرها المحتمل على سلسلة الإمدادات الغذائية التي تمتد بدءاً من العوالق البحرية - لا سيما بعد أن وجِدت تقتات على الحبيبات اللدائنية في البحار - دع عنك الأضرار الممكنة على مختلف الأنواع السمكية من المحار والسلمون والتونة بل والحيتان، وفي نهاية المطاف البشر أيضاً.
وفي تزامن مع ذلك تمشط سفينة الأبحاث النرويجية "الدكتور فريدجوف نانسن"، في تعاون وثيق مع منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو) أمواج جنوب المحيط الهندي، لتجرف النفايات بشباك جر سطحية خاصة. وفي كل إلقاء للشبكة من قبل الطاقم العلمي على متن السفينة، ما تلبث أن تتجمع قطع البلاستيك لتؤكد مجدداً مدى خطر الاضطرابات الهائلة في النظم الإيكولوجية البحرية حتى في منطقة نادراً ما تشاهد فيها سفينة مبحرة.
وتظهر الاختبارات المعملية أن الأسماك التي تقتات على هذه المخلفات تعاني من تسمم الكبد والمشكلات الأيضية. على أنه لا يُعرف الكثير عن مدى اقتيات الأنواع الطليقة على هذه المخلفات في النظم الإيكولوجية البحرية عموماً، وما إذا كانت المواد الكيميائية السامة تظل فوعية المفعول في البلاستيك بعد التعرض فترة طويلة لملوحة المياه البحرية وقصف الأمواج المتواصل.
ومنذ عام 1975، أبحرت سفينة الأبحاث التي يديرها المعهد النرويجي للبحوث البحرية (IMR) بالتعاون مع منظمة "فاو"، عبر محيطات العالم لجمع المعلومات عن الموارد البحرية وصحة النظم الإيكولوجية البحرية، والمساعدة على تدريب العلماء من جميع أنحاء العالم.
وثمة 18 من علماء ثمانية بلدان الآن وأفراد الطاقم على متن السفينة، لتنفيذ بعثة موسمية ثانية هذا العام. ويقوم الباحثون عادة بقياس درجات حرارة المحيطات، ومستويات الأوكسجين والكلوروفيل، ومعاينة العمليات الحيوية مثل إنتاج العوالق وتوزيع الأسماك، لكن هنالك هدفين إضافيين هذا العام هما تقييم حجم وطبيعة النفايات الصناعية في المناطق النائية من جنوب المحيط الهندي، ودراسة كيف تنشر الدوامات الدورية والتيارات المحلية... العوالق والأسماك الصغيرة.
وقال الخبير رايدار توريسون من المعهد النرويجي للبحوث البحرية، "يكاد يعثر على جزيئات البلاستيك في جميع المحيطات المعايَنة في العالم"، علماً بأن المعهد النرويجي يمد المشروع المشترك مع منظمة "فاو"، والممول من طرف الوكالة النرويجية للتعاون الإنمائي (NORAD)، بالتفاصيل التقنية.
جزر عائمة من المخلّفات
وفي حين تطفو اليوم جزر عائمة هائلة من القمامة وفي مساحات تغطى نحو ضعف مساحة ولاية تكساس الأمريكية بأسرها، في كلا المحيطين الأطلسي والهادي، فإن المنطقة الجنوبية من المحيط الهندي تظل غير مستكشفة نسبياً، ومن المنتظر أن يغل المسح الجاري للمحيط الهندي كماً من المعلومات الهامة للعلماء الذين يساورهم قلق متزايد إزاء مدى انتشار وتأثير ما يعرف اليوم بتسمية "الخَرز البلاستيكي في المحيطات".
ويعد تعزيز سلامة المحيطات وممارسات الصيد المستدامة أولوية بالنسبة لمنظمة "فاو"، بالنظر إلى أن إنتاج مصايد الأسماك الطبيعية يشكل مصدراً لنحو 80 مليون طن من الغذاء البروتيني سنوياً. ومع تربية الأحياء المائية، توفر المصايد الطبيعية في العالم لما يقرب من 3 مليارات نسمة نحو 20 في المائة من البروتين الحيواني، وكذلك ما يقرب من 60 مليون فرصة عمل.
ليس مخلفات فحسب
ويعكف طاقم سفينة المشروع المشترك بين "فاو" والمعهد النرويجي على إطلاق تكنولوجية جديدة باستخدام أجهزة استشعار فائقة الحساسية لقياس مستويات مجموعة من العناصر البيولوجية في المياه العميقة. وتمثل هذه المجسّات الروبوتية المقدمة من أستراليا بمساعدة من الهند، خطوة أبعد تطوراً من الروبوتات العائمة قيد الاستخدام حالياً لمراقبة درجة حرارة المحيطات والملوحة، كما أنها مبرمجة للغوص على عمق 2000 متر لمعاينة المؤشرات الصحية في المحيطات.
وتجمع هذه الأجهزة الغواصة شتى البيانات على أعماق مختلفة، ثم تطفو إلى السطح لتنقل هذه المعطيات إلى العلماء عبر التوابع الفضائية (الأقمار الصناعية). والمعتزم أن تجمع أجهزة الاستشعار في هذه المرحلة كم بيانات عن مستويات الكلوروفيل، باعتباره مؤشراً بالغ الأهمية على قدرة المحيطات التخزينية للكربون... وأيضاً لقياس الحد الأدنى المطلوب من الإمدادات الغذائية التي تعتمد عليها حياة العوالق والأسماك.
سفينة أبحاث جديدة
وفي عام 2016 سيُدشن موديل أحدث من سفينة الأبحاث المملوكة للوكالة النرويجية للتعاون الإنمائي، بغية مواصلة المشروع الذي بدأ بالتعاون مع منظمة "فاو" في السبعينات من القرن الماضي. وستأتي السفينة الجديدة مجهزة بسبعة مختبرات علمية وقاعة للمحاضرات، وستزود بأجهزة استشعار بالسونار قادرة على ترسيم خرائط لتوزيع الأسماك بسرعات فائقة؛ وكذلك بغواصة خاضعة للتحكم عن بعد وقادرة على التقاط صور للحياة في مستويات جديدة من قاع المحيطات.
ويُعد ترسيم خرائط قاع المحيطات جزءاً رئيسياً آخر للأجل الطويل في المشروع الجاري، بالتعاون مع منظمة "فاو" كوكالة تنفيذية والوكالة النرويجية للتعاون الإنمائي كممول رئيسي. وستمكن الخرائط من التوسع في الإحاطة بديموغرافية التجمعات السمكية، واستنباط تدابير أكثر استنارة لإدارة مصايد الأسماك. وإذ ساعد المشروع حتى اليوم 16 بلداً إفريقيا ساحلياً على تطوير خطط للإدارة المستدامة للموارد البحرية، سوف تُعقد في شهر سبتمبر|أيلول من العام الجاري ورشة عمل للتصنيف البحري في موزمبيق.
وتكشف الجهود السابقة أن قاع المحيطات هو أعمق مما تُظهر الخرائط إلى الآن وخصوصاً حول ما يسمى بالهضاب البحرية، وهي مرتفعات شكلتها البراكين في جوف المحيطات وخلقت سلسلة من الموائل البحرية الفريدة التي يكمن دورها في تعزيز التنوع البيولوجي حسبما أعلنت الأمم المتحدة رسمياً.
