الماء هو المفتاح لتحقيق الأمن الغذائي

مقابلة مع السيد الكسندر مولر، المدير العام المساعد ، رئيس قطاع الموارد الطبيعية بالمنظمة


لقد برز بشكل صارخ ضعف نظم الإنتاج الغذائي المعتمدة على هطول الأمطار والأشخاص الذين يعتمدون عليها وذلك بسبب الأوضاع القائمة في شرق أفريقيا. ففي الوقت الذي تزداد فيه تحديات البحث عن إمدادات مائية مستقرة لانتاج المحاصيل وتربية الحيوانات، التي تتباين بين منطقة وأخرى ، فإن الاستثمار في مجال الري، حيثما كان متيسرا وتطوير كفاءة استخدام المياه للأغراض الزراعية واعتماد ممارسات زراعية ذكية ، من شأنها جميعا أن تسهم في تحسين الأوضاع .

في هذه المقابلة التي أجريت في العاصمة السويدية، ستوكهولم هذا الأسبوع بخصوص "الأسبوع العالمي للمياه"، يتحدث السيد الكسندر مولر، المدير العام المساعد ، رئيس قطاع الموارد الطبيعية بالمنظمة ، حول هذه المواضيع وغيرها من الأمور ذات الصلة.

يدرك الجميع أهمية المياه في انتاج الأغذية، ولكن غالبا ما يتم ذلك بصورة مجردة. هل لكم أن تذكروا مزيدا من التفاصيل بشأن دورالمياه وأهميتها في تأمين الغذاء للعالم؟

في البداية، من الأهمية بمكان أن نُميز بين الزراعة البعلية - أي الزراعة التي تعتمد على الأمطار الطبيعية - وبين الزراعة المروية. إن ري الأراضي الزراعية من شأنه أن يغير كل شيء، حيث أنه يركز على المدخلات وتغيرات القوى في مجالي الهندسة الزراعية والتسويق.

وفي الوقت الذي يعمل فيه العديد من السكان في بلدان القرن الأفريقي كرعاة، وليس كمزارعي محاصيل، فأن الوضع الحالي هناك يجعل من مواطن الضعف ذات الصلة بنظم الإنتاج الغذائي البعلي واضحة على نحو مؤلم ، خاصة وأن تأثيرات التغير المناخي باتت محسوسة. وهذا لا يعني أن الزراعة البعلية تعد مشكلة بحد ذاتها، لكنها أكثر عرضة للمخاطر، وتميل إلى أن تكون أقل إنتاجية.

أما فيما يخص الري، فليس بوسع المرء أن يقلل من أهمية  الأمطار ودورها في تأمين الغذاء للعالم. ففي غضون السنوات الخمسين الماضية، تضاعف عدد سكان كوكب الأرض حيث استجاب نظام الغذاء العالمي للزيادة على طلب الغذاء بشكل ملحوظ. وقد تم ذلك بمجرد حصول زيادة متواضعة في إجمالي الأراضي الزراعية، ليس أكثر من 12 في المائة. لقد تحققت هذه الزيادة أساساً عن طريق تكثيف الإنتاج الزراعي، أي من خلال تحقيق زيادة في حجم الغلة وفي كثافة المحصول، والتي بدورها لم تكن ممكنة من دون الري.

وقد ازدادت رقعة الأراضي المروية بوتيرة أسرع من الأراضي الخاضعة للزراعة البعلية، ففي الوقت الذي لم تشهد فيه  الأراضي المستغلة نموا زراعيا بأكثر من 12 في المائة خلال السنوات الخمسين الماضية، تضاعفت رقعة الأراضي المروية خلال الفترة ذاتها ، لتبلغ الزيادة الصافية للأراضي المستغلة زراعيا. وفي هذه الأثناء، شهد الإنتاج الزراعي نموا تراوح بين 2.5 إلى 3 أضعاف، وذلك بفضل الزيادة الهامة في حجم الغلة من المحاصيل الرئيسية.

هل تم بلوغ مستوى القدرة العالمية على ري الأراضي الزراعية؟

في بعض المناطق نعم، ولكن لم يتم بلوغ تلك القدرة في مناطق أخرى.

عالميا، يتم ري نحو 300 مليون هكتار من الأراضي الزراعية، بما يشكل 70 في المائة من مجمل المياه العذبة المتيسرة. ويحدث ذلك في 20 في المائة فقط من الأراضي المزروعة في العالم، بينما تمثل تلك الأراضي المروية، في الوقت نفسه، 40 في المائة من إجمالي الإنتاج الزراعي برمته و 60 في المائة من إنتاج الحبوب.

ولكن لماذا لا يتم ري مزيد من الأراضي الزراعية ؟  قد لا يكون ذلك ضرورياً في بعض المناطق.  وقد لا تتيسر الموارد المائية  في مناطق أخرى،. وفي أماكن أخرى، تكمن المشكلة في تمويل عمليات الري والتواصل مع السوق. وهنا يرد إلى ذهني الوضع في أفريقيا على نحو خاص.فاننا  لم نلحظ التزاما كاملا لتحديث الإنتاج الذي يعتمد على الري والتسويق لكي يتماشى مع الأسواق العالمية والمحلية المتغيرة، حتى في الحالات التي تكون فيها الأراضي والموارد المائية متاحة.  

ولكن أليس هناك مناطق أخرى من العالم توشك على نفاد مياهها؟

تواجه المزيد من المناطق في العالم بالفعل شح المياه ، وهي بذلك تواجه مخاطر انهيار تدريجي في طاقتها الانتاجية تحت مزيج من الضغوط الديموغرافية والممارسات الزراعية غير المستدامة. و قد تتعرض الحدود الطبيعية للأراضي والمياه المتاحة في نطاق هذه النظم إلى مزيد من التفاقم في بعض المناطق بسبب عوامل خارجية، بما في ذلك التغيرات المناخية، والتنافس مع القطاعات الأخرى وكذلك التغيرات الاجتماعية والاقتصادية.

وبحلول العام 2050، من المتوقع أن تستدعي زيادة عدد السكان وارتفاع المداخيل زيادة إضافية في إنتاج الأغذية تبلغ 70 في المائة عالميا، ونحو 100 في المائة في البلدان النامية. غير أن بعض المناطق تقترب كثيرا من تحقيق قدراتها الكامنة في تكثيف إنتاج الأغذية، الأمر الذي بات يثير التوتر بشأن مسالة النفاذ إلى الموارد الطبيعية، ولا سيما المياه. وتعمل كلّ من منطقتي شرق آسيا والشرق الأوسط على نحو قريب جدا من حدود إمكانياتهما ولن يكون بوسعهما تحقيق مزيد من التوسع في المجال الزراعي، فيما لا تزال هناك إمكانيات كبيرة متاحة في كل من أمريكا اللاتينية وأفريقيا جنوب الصحراء الكبرى.

إذن، ما الذي يمكن عمله؟

رغم التحديات، فأن هناك مستقبلا نحو مزيد من الزيادات في الانتاجية، في مجال الزراعة البعلية والمروية، على حد سواء. لكننا سنكون بحاجة إلى إجراء تغييرات في طرق زراعتنا وطرق استخدامنا للمياه.

وسيستمر الري في النمو، حيثما كان ذلك ممكنا، استجابة للطلب على إنتاج أكبر وأكثر تنوعا. ففي الوقت الذي تنعدم في بعض المناطق فرص توفر مزيد من إمدادات المياه الخاصة بالزراعة، ستبقى هناك فرص بمناطق أخرى. وربما تكون معظم خزانات المياه الكبيرة قد تم تشييدها، كما أنه من المتوقع استمرار تطوير المزيد من نظم التوزيع لخزانات المياه. وسيصبح الاستخدام المزدوج للمياه الجوفية والحصاد المائي أكثر انتشارا. ومن المتوقع أن تحقق الزراعة قرب المدن المزيد من الاستفادة المنتظمة من مياه الصرف الصحي المُعالجة.

وتبرز أيضا الحاجة إلى إنجاز الكثير قدر تعلق الأمر بسبل قيامنا بالري. وسيتعين استبدال النظم القديمة والصارمة لتوزيع المياه في مخططات الري الواسعة بنظم أكثر مرونة، تتيح المزيد من الدقة في مجال إمداد المياه مما يقتضي تحقيق تنوع تدريجي باتجاه محاصيل ذات قيمة أعلى. وفي ظل مثل هكذا نظم محدثة، سيلعب الري المحلي دورا هاما في رفع الانتاجية بينما يتم الحد من الاستخدامات غير المفيدة للمياه، بما يعمل على زيادة كفاءة استخدام المياه داخل الحقل والانتاج.

وسيتعين علينا أيضا أن نركز على سبل انتاج "المزيد من المحاصيل من كل قطرة ماء" من خلال اعتماد تقنيات زراعية قادرة على توفير مزيد من مياه الأمطار، وتحافظ على رطوبة التربة، وتقلل من الهدر في الري ، وفي بعض الاحيان تجري تغييرات في الخيارات الغذائية والمحاصيل من خلال التركيز على المحاصيل والأغذية التي تحتاج الى قدر أقل من المياه.

وأخيرا، لا تزال الحاجة قائمة لفعل الكثير بغية الحد من حالات الهدر الحاصل بين أبواب الحقل وصولا إلى المستهلك. ويقدر في هذا الصدد، أن 50 في المائة فقط من الأغذية التي تنتج يتم استهلاكها فعليا، أما المتبقي منها فانه يضيع ما بين التخزين، والتوزيع، ومن جانب المستخدم النهائي.

إن ذلك لا يعني مجرد هدر في الأغذية، بل هدر في المياه أيضا إذا كان المنتج مرويا. إن إنتاج سعرة حرارية واحدة من الغذاء يتطلب لترا واحدا من المياه. وفيما يبلغ متوسط متطلبات السعرات الحرارية اليومية عالميا نحو 2800 سعرة للشخص الواحد، فأن المياه اللازمة لتلبية متطلبات الغذاء اليومية لكل شخص على وجه الأرض تبلغ نحو 2800 لتر. وبعبارة أخرى، ومن اجل الحصول على قطعة همبرغر واحدة نحتاج إلى 2400 لتر من المياه. وللحصول على قدح من الحليب نحتاج إلى 200 لتر من المياه. وللحصول على بيضة واحدة، نحتاج الى  135 لترا. ونحتاج إلى 40 لترا للحصول على شريحة خبز. وعليه، يُعد الحد من هدر الغذاء مسألة جوهرية لتحسين كفاءة استخدام المياه لأغراض الزراعة. 
 

Photo: ©FAO/Giulio Napolitano
مزارعة من بوروندي تقوم بري محصولها