استحدثت منظمة الأغذية والزراعة ومبادرة أوكسفورد بشأن الفقر والتنمية البشرية طريقة جديدة لقياس الفقر الريفي تنظر إلى عوامل مثل الأمن الغذائي ومستويات المعيشة والصحة على أنها ذات أهمية تعادل أهمية الدخل بالنسبة إلى التنمية البشرية. ©FAO/Eddie Gerald
عندما توجه Maxton Tsoka وفريقه من الباحثين إلى ريف ملاوي لاختبار طريقة جديدة من أجل قياس الفقر، كانوا يعتقدون أنهم على دراية تامة بالمؤشرات التي ينبغي عليهم البحث عنها. ولم يكن الجمال واحدًا منها.
لكنّ الأحداث كشفت أنّ السكان في شامبوغو وفي خمس عشرة قرية أخرى زاروها ذكروا مرارًا وتكرارًا أنّ المظهر الخارجي هو علامة على الثروة.
وقال Mtisunge Matope، أحد الباحثين الخمسة في فريق Maxton، الذي انضم إليه من مركز البحوث الاجتماعية في جامعة ملاوي المكلف من منظمة الأغذية والزراعة (المنظمة) بإجراء اختبار ميداني للمشروع: "في البداية لم نفكر بالمظهر الخارجي على أنه أحد المؤشرات، لكن وجدنا أنهم يستخدمونه من أجل التمييز بين أوضاع الناس في مجتمعاتهم".
وكان Donald Chitekwe، وهو عضو آخر في الفريق، متفاجئًا بالقدر نفسه عندما اكتشف مقدار الأهمية التي يوليها القرويون لهذا العامل المتغير. وفي المجمل، ذُكر هذا الأمر في 55 من أصل 64 مناقشة جماعية.
ويبدو هذا الأمر منطقيًا إذا ما تأملنا فيه بعض الشيء.
وقال Donald: "أولئك الذين لديهم عمل جيد غالبًا ما يظهرون بمظهر جيد، لأنّ لديهم المال، وبالتالي يمكنهم شراء المستحضرات التي تغذي بشرتهم؛ ويمكنهم شراء ملابس أفضل؛ وهم يأكلون طعامًا جيدًا وصحيًا يجعلهم يبدون بمظهر أفضل".
ورغم صعوبة استخدام مؤشر غير موضوعي مثل المظهر الخارجي، إلا أنّ ذكره من قبل العديد من المجيبين على الأسئلة يدل بوضوح على أهمية النظرة الذاتية وعلاقتها بالفقر: فالأرقام التي نراها تمثل البشر وعواطفهم.
في ملاوي، 14 في المائة من فقراء الريف الذين حددهم مؤشر الفقر الريفي المتعدد الأبعاد لم تكن المقاييس النقدية التقليدية قد اعتبرتهم من ضمن فئة الفقراء. ©FAO/Eddie Gerald
حصر الفقر بجميع أبعاده
نشرت المنظمة في ديسمبر/ كانون الأول 2021 تقريرًا بالتعاون مع مبادرة أوكسفورد بشأن الفقر والتنمية البشرية عرض طريقة ابتكارية من أجل قياس الفقر في المناطق الريفية، حيث تعيش غالبية الناس الأقل ثراءً في العالم، والتي يصعب استقاء بيانات موثوقة ومتسقة بشأنها.
والفكرة هي أنه كلما كان تحديد الفئات الأشد فقرًا دقيقًا، كلما ساعد ذلك صانعي السياسات على صياغة سياسات أكثر دقة تهدف إلى معالجة الفقر والجوع في الريف.
وقد استند مؤشر الفقر الريفي المتعدد الأبعاد المذكور إلى فكرة مقبولة على نطاق واسع تتمثل في أنّ دخل الأسر المعيشية وحده لا يحدد بشكل كامل رفاه الشخص؛ لا بل هناك عوامل متنوعة، مثل الأمن الغذائي ومستويات المعيشة والتعليم والصحة، تعدّ على القدر نفسه من الأهمية بالنسبة إلى التنمية البشرية.
ومن أجل اختبار فعالية مؤشر الفقر الريفي المتعدد الأبعاد، اعتزم Maxton وفريقه زيارة 15 من المجتمعات المحلية الموزعة في ثماني مناطق في ملاوي. ويعدّ هذا البلد الواقع في الجنوب الأفريقي والذي يبلغ عدد سكانه 19 مليون شخص أحد أكثر البلدان فقرًا في العالم، حيث تعتمد غالبية سكانه المقيمين في الريف على الزراعة من أجل تأمين سبل عيشهم.
وقد أجرى الباحثون مقابلات مع مئات الأشخاص، بمن فيهم زعماء المجتمعات المحلية والمزارعون والرعاة وصيادو الأسماك والنساء ربات الأسر المعيشية والتجار والعاملون في مجال العقارات.
وبدأ الفريق بحثه باستخدام 18 مؤشرًا، ومضى يتحقق مما إذا كانت المؤشرات التي انتقاها – مثل معدلات وفيات الأطفال أو الالتحاق بالمدرسة أو توفر وقود الطهي أو مخاطر التعرض لتغير المناخ – تنطبق على أرض الواقع.
تأكيدات ومفاجئات
أكد البحث الميداني بصورة عامة أنّ النهج المتعدد الأبعاد هذا أكثر دقة في حصر الفقر بجميع جوانبه. وبالفعل، وجد الفريق أنّ نسبة تصل إلى 14 في المائة من فقراء الريف الذين حددهم مؤشر الفقر الريفي المتعدد الأبعاد لم تكن المقاييس النقدية التقليدية قد وضعتهم ضمن فئة الفقراء.
وفي الوقت نفسه، أدهشهم أنّ بعض مؤشرات الفقر الريفي المتعدد الأبعاد الرسمية بالكاد ذكرها القرويون، في حين كانت المؤشرات التي ذكروها مفاجئة. وعلى سبيل المثال، باستثناء ذكر المظهر الخارجي، كان الأشخاص الذين أُجريت معهم مقابلات يولون أهمية أكبر بكثير لحجم العمل الذي يضطلع به الأشخاص، مقارنة بمؤشرات أخرى.
وقال Maxton: "السبب هو أنّ الأثرياء لا يعملون ويوظفون أشخاصًا آخرين كي يقوموا بكل شيء تقريبًا، وفي الكفة الأخرى هناك من يعملون طوال الوقت".
وكانت الأهمية المنخفضة نسبيًا التي يوليها القرويون للتعليم مفاجئة بالقدر ذاته بالنسبة إلى الفريق.
وقال Maxton: "وجدنا أنّ التعليم لم يكن مفيدًا في التمييز بين الغني والفقير". وتفسير ذلك: "أحيانًا يكون غير المتعلمين أغنى من المتعلمين. ولهذا السبب لا ينظر الناس إلى التعليم باعتباره مؤشرًا يميز بين الفقير والغني".
وبالمثل، لم يكن الوصول إلى الأراضي أحد مؤشرات النسخة الأصلية من مؤشر الفقر الريفي المتعدد الأبعاد، إلا أنّ القرويين ذكروه مرات عديدة.
وكانت الحالة الذهنية مؤشرًا هامًا آخر برز أثناء المناقشات. فكان الحزن مرتبطًا بالفقر، في حين قيل إنّ يُسر الحال تعني السعادة وراحة البال. وكانت هذه الحالة الذهنية تعزى إلى حصولهم على ما يحتاجون إليه في الحياة، بما في ذلك ما يكفي من الطعام والمال الإضافي من أجل شراء مواد أخرى.
تتمثل الفكرة الكامنة وراء مؤشر الفقر الريفي المتعدد الأبعاد في أنه كلما كان تحديد الفئات الأشد فقرًا دقيقًا، كلما ساعد ذلك صانعي السياسات على صياغة سياسات أكثر دقة تهدف إلى معالجة الفقر والجوع في الريف. ©FAO/Eddie Gerald
علاوة على ذلك، تعجّب الباحثون لمدى الدقة التي قاس بها الأشخاص الذين أجروا معهم مقابلات الثروة النسبية لجيرانهم. وعندما تعلق الأمر بمؤشر مثل السكن، ذهب المجيبون إلى أبعد من الأساسيات – مثل مواد البناء – ووفروا تقييمًا أكثر دقة، ذاكرين وسائل الراحة في المنزل والبيئة المحيطة به ونوع النوافذ وأمن الأبواب وما إلى ذلك.
ولعلّ الأهمّ هو أنّ البحث أظهر فعالية مؤشر الفقر الريفي المتعدد الأبعاد في تحديد أوضاعهم.
وقال Patrick Msukwa، وهو عضو آخر في فريق Maxton: "عندما طلبنا من المشاركين تعريف الفقر من وجهة نظرهم، فاجأني أنّ معظم التعريفات الواردة ذكرت – دون إيحاء – الأبعاد المدرجة في مؤشر الفقر الريفي المتعدد الأبعاد، مثل التغذية ومستويات المعيشة وسبل العيش والموارد، فضلًا عن التعرض للصدمات والمخاطر".
ويعدّ تطوير مؤشر الفقر الريفي المتعدد الأبعاد جزءًا من جهود المنظمة الجارية والرامية إلى مساعدة البلدان على تصميم وتنفيذ سياسات تعالج وضع المزارعين الصغار والفقراء وتحسين سبل عيشهم وقدرتهم على الصمود وقابليتهم للخروج من حلقة الفقر المدقع.
للاطلاع على المزيد:
المطبوع: قياس الفقر الريفي باستخدام نهج متعدد الأبعاد
الموقع الالكتروني: الحد من الفقر الريفي