لا يوجد في لغة شعوب وايو الأصلية "وايونايكي" كلمة تعبر عن "تغيّر المناخ". لكن مجتمعاتهم تتأثر حتمًا بأزمة المناخ، وقد وجدوا لتوّهم سبيلًا للصمود في وجهها: إنها حبة لوبياء متواضعة.
لقد تمكن شعب وايو على مدى قرون من الزمن من التغلب على تحديات أحد أكثر المناخات قسوة في العالم. إذ تمتد منطقة لا غواخيرا، وهي موطنهم الأصلي، في أراضي أقصى الطرف الشمالي لأمريكا الجنوبية، على الحدود مع كولومبيا وفنزويلا. وتبلغ مساحة هذه المنطقة الصحراوية الشاسعة 20 848 كيلومترًا مربعًا، أي ما يوازي مساحة السلفادور وسلوفينيا.
وتشتهر هذه المنطقة، التي تلتقي فيها الغابات الجافة ورمال الصحراء بالبحر الكاريبي الفيروزي، بأنها واحدة من أكثر البيئات قسوة وجفافًا في المنطقة بسبب شمسها اللاهبة ورياحها العاتية وندرة هطول الأمطار وشحّ مصادر المياه، في ظل درجات حرارة تتراوح بين 35 و40 درجة مئوية على مدار السنة.
وفي مواجهة هذه الظروف القاسية التي لا تسهّل زراعة المنتجات الغذائية، يمكن التعويل على نوع فريد من اللوبياء، وهي لوبياء كابيشونا، المعروفة باسم لوبياء غواخيرو (Vigna unguiculata L.)، التي سميت على اسم المنطقة الجافة التي تنبت فيها.
هذه النبتة الرائعة، التي توالت على زراعتها أجيال عديدة منذ القدم وتوارثتها العائلات كإرث عزيز، تمثل أكثر من مجرد غذاء لشعب وايو الذي يبلغ عدد سكانه حاليًا أكثر من 000 600 نسمة. فهي تمثل ارتباطًا عميقًا بأسلافهم، ورمزًا لقدرتهم على الصمود وخيطًا حيويًا في نسيج هويتهم الثقافية والروحية.
ويقول السيد Manuel Montiel من قرية إيباشاراين في المنطقة الوسطى من لا غواخيرا في كولومبيا: "اللوبياء مهمة جدًا بالنسبة إلينا لأنها تنمو بسرعة: إذ يستغرق نموّ المحصول فترة تتراوح بين 45 إلى 50 يومًا فقط. كما أنها مقاومة جدًا، وتنمو حتى في الظروف الجافة أو أثناء الفيضانات بفضل جذورها العميقة".
وفي الواقع، تتميز هذه اللوبياء بدورة نموها الفريدة، إذ تنتج الحصاد الأول في غضون ثلاثة أشهر ثم تستمر في الإنتاج لمدة تصل إلى ثمانية أشهر، وهو ما يوفر إمدادًا ثابتًا من الغذاء حتى عندما تكون الأمطار نادرة.
يتجول السيد Manuel في الحقل. ولا يخشى أن يدوس على النباتات، كما هو حال معظم الناس. ويقول مبتسمًا: "لا تقلق، فحبوب اللوبياء في غواخيرا صلبة مثل شعب وايو. لا بل إنها تصبح أقوى عندما تدوس عليها".
ثم يقوم بفحص النباتات الخضراء والبنية والأرجوانية، شارحًا كيف يشير كل لون إلى درجة نضج اللوبياء. ثم يختار بعناية حفنة منها ويعطيها لأخته وزوجته وابنته - اللاتي يجتمعن مع نساء أخريات من المجتمع المحلي في المطبخ المشترك لإعداد مجموعة متنوعة من الأطباق التي تشكّل هذه اللوبياء المتعددة الاستخدامات مكوّنها الرئيسي.
تتميز لوبياء "غواخيرا" العزيزة على قلب مانويل بقدرتها على التكيّف بشكل ملحوظ. فهي تتمتع بقدرة على الصمود ويمكن تناولها في أي مرحلة من مراحل نموها، كما أنها مغذّية وتعطي شعورًا بالشبع لأنها تحتوي على قدر عال من البروتينات والمعادن والألياف.
وتقول السيدة Ana Griselda Gonzalez: "نحن نقوم بزراعتها لأنها "دسمة"، أي أنها تعطي شعورًا بالشبع. ونقدّمها لأطفالنا ولجميع أفراد الأسرة، وهي تغذّينا. كما يمكننا استخدامها لتحضير العديد من الوصفات".
فمثلًا هناك طبق "شابولانا"، وهو حساء شهي مصنوع من لوبياء غواخيرا ودهن الماعز والذرة الصفراء. وتقول وهي تحمل طبقًا من الحساء، إن وصفتها المفضلة تقضي بطهي اللوبياء داخل قرونها وتناولها مع القليل من جبن الماعز.
وتعدّ نساء وايو حارسات الحكمة المتوارثة عن أمهاتهن وجدّاتهن حيث يؤدّين بشكل تقليدي دورًا بارزًا في صنع القرار، وهنّ ينتقين ويحفظن بعناية أكبر بذور اللوبياء وسلمها بعد كل حصاد، من أجل ضمان استمرارية هذا المحصول الحيوي.
وفيما يقوم الرجال بإعداد الحقول وحرث الأرض الجافة بعناية، تتبعهم النساء والأطفال لنثر البذور الثمينة، وكل منها يعِد بقوت المستقبل. وتمثل عملية الزرع هذه رمزًا للمجتمع والتراث المشترك وتعزز الروابط الاجتماعية حيث تتجمع الأسر والجيران معًا.
كما أن هذه العملية مكرّسة في معتقداتهم الروحية، فالأحلام والتنبؤات توجّه زراعة هذا النوع من اللوبياء واستخدامها في العلاجات الطبية لضمان رفاه أحبائهم.
وتقول السيدة Ana: "نحن ممتنون لتوفر كل هذا الغذاء الآن. في السابق، كان علينا انتظار هطول الأمطار لكي نتمكن من البذر أو من شرب بعض الماء فقط. وبات لدينا الآن بئر وطعام على مدار السنة. ولكن حتى عندما كان الوضع مأساويًا، كانت لوبياء غواخيرا مصدر غذائنا الرئيسي، وكانت تغذي أسلافي الذين لم يكن لديهم أي شيء مما لدينا الآن"، موضحةً أن اللوبياء تؤكل أيضًا خضراء وغير مطبوخة، كوجبة خفيفة.
على مدى قرون من الزمن، عاش شعب وايو في مجتمعات صغيرة في مختلف أنحاء لا غواخيرا، حيث كانوا يرعون الماعز ويبحثون عن الفواكه البرية من الغابات الاستوائية الجافة المحيطة ويمارسون الصيد وصيد الأسماك ويزرعون المحاصيل القليلة التي استطاعت أن تنمو في الأراضي الوعرة في حدائق منازلهم، وخاصة اللوبياء، معتمدين على المؤن التي يخزنونها لأشهر طويلة من دون حصاد.
وكان المزارعون تقليديًا، مثل أسلاف السيدة Ana، يقومون بزراعة لوبياء غواخيرا وفقًا لتوقعات موسمي الأمطار والجفاف. لكن نمط الحياة هذا بدأ بالتراجع منذ أكثر من عقدين من الزمن، ومع أن شعب وايو يتمتع بقدرة مذهلة على الصمود في وجه التحديات - من المناخ القاسي بفعل الطبيعة المحيطة إلى التفاوتات الاجتماعية والاقتصادية مثل البنية التحتية المحدودة وضعف القدرة على الوصول إلى الخدمات - فهو يواجه الآن تهديدًا غير مسبوق لأمنه الغذائي.
فقد أدّى عدد من الأحداث المتصلة بظاهرة النينيو وغيرها من العوامل المناخية التي فاقمها تغير درجات الحرارة في كوكبنا إلى إحداث اختلالات في هذه الدورات الطبيعية، مما أدى إلى بروز أنماط مناخية غير متوقعة وإلى اشتداد موجات الجفاف. وفي بعض الحالات، اضطر شعب وايو إلى التخلي تمامًا عن ممارساته وتقاليده الزراعية والانضمام إلى صفوف القوى العاملة في المدن.
ويقول السيد Manuel: "قبل عشرين عامًا، عندما كنا نعرف موعد هطول الأمطار، كنا نحفظ الطعام لحيواناتنا، وكان يكفينا حتى الشتاء التالي، ولكن الحيوانات تنفق الآن في مجتمعات محلية أخرى لأن النباتات تبدأ في الذبول مبكرًا، ولا تهطل الأمطار في موعدها المفترض".
وقد خلّف الجفاف المدمّر الذي ضرب لاغواخيرا بين عامي 2012 و2016 ندبة عميقة في المنطقة. فقد واجه أكثر من 000 900 نسمة من سكان منطقة البحر الكاريبي الكولومبية، بما في ذلك ما يقرب من 000 450 شخص من شعب وايو، تآكلًا تدريجيًا لسبل عيشهم. وأصبحت ندرة الغذاء واقعًا قاسيًا سبّب سوء التغذية والأمراض ووفيات الأطفال. وذبلت المزروعات وفُقدت البذور الأصلية وهلك ما يقرب من 60 في المائة من الماشية، وهي العمود الفقري لاقتصاد وايو.
وقد أدت ظاهرتا النينيو والنينيا في السنوات الأخيرة إلى تفاقم انعدام الأمن الغذائي، فأصبح يعاني منه ما يصل إلى 67 في المائة من الشعوب الأصلية في لا غواخيرا، ولا سيما شعب وايوو، وفقًا لبيانات الحكومة.
وتعدّ قرية إيباشارايم، التي تقطنها السيدة Ana والسيد Manuel و52 أسرة أخرى من شعب وايو، واحدة من أكثر من 50 قرية استفادت من مبادرة منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (المنظمة) وشركائها. وقد نجح هذا الجهد، الذي أُطلق استجابة لأزمات الغذاء والهجرة الأخيرة في المنطقة، في تحويل المشهد الصحراوي وإيجاد ملاذات خضراء يعتبرها الكثيرون واحات حقيقية.
وبفضل شبكة من المضخات التي تعمل بالطاقة النظيفة والري بالتنقيط، وسحب المياه من بئر تحت الأرض تم تجديدها، أصبح نصف فدان من أراضي المجتمع المحلي مخصصًا حصريًا لإنتاج الأغذية. وبفضل هذا وغيره من تدابير التكيّف مع تغيّر المناخ التي نصحت بها منظمة الأغذية والزراعة، تغلّب المجتمع المحلي على تحديات موسم الأمطار الذي لم يعد من الممكن التعويل عليه.
في الماضي كانوا ينتظرون هطول الأمطار لمدة تسعة أشهر أو أكثر أحيانًا، أما الآن، فهم يزرعون حقلًا مجتمعيًا مزدهرًا أو مركزا تجريبيًا مجتمعيًا ("Centro Demostrativo Comunitario")
ويتعاون فنيو منظمة الأغذية والزراعة مع المجتمع المحلي ضمن هذه المراكز من أجل في تكييف الممارسات الزراعية الذكية مناخيًا مع السياق الثقافي والاجتماعي. ويعمل الفنيون على تمكين الشعوب الأصلية لكي يصبحوا الفاعلين الرئيسيين في إعادة تأهيل نظمهم الزراعية. وعلى سبيل المثال، يوضح فني الطهي الذي يتحدث لغة شعب وايو ويفهم ثقافتهم وممارساتهم الغذائية كيفية إعداد وجبات آمنة ومغذية، وحفظ المكونات لفترات أطول، واعتماد وصفات جديدة وممارسات غذائية مستدامة.
وتقوم هذه المراكز أيضًا على الإقرار بالمعارف المتوارثة للشعوب الأصلية وممارساتها الإنتاجية التاريخية وأنماط استهلاكها ودمجها في ممارسات التكيّف مع المناخ.
يعمل حاليًا برنامج منظمة الأغذية والزراعة وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، توسيع نطاق الطموح المناخي بشأن استخدام الأراضي والزراعة من خلال المساهمات المحددة وطنيًا وخطط التكيف الوطنية" (SCALA) المموّل من وزارة البيئة الألمانية، على تعزيز نهج التكيف القائم على المجتمع من خلال زيادة قدرة شعب وايو على الصمود في مواجهة الظروف المناخية القصوى بشكل متزايد، من خلال إدماج الممارسات التقليدية والتركيز على التنوع البيولوجي الزراعي.
المموّل من وزارة البيئة الألمانية، على تعزيز نهج التكيف القائم على المجتمع من خلال زيادة قدرة شعب وايو على الصمود في مواجهة الظروف المناخية القصوى بشكل متزايد، من خلال إدماج الممارسات التقليدية والتركيز على التنوع البيولوجي الزراعي.
وبشكل عام، يشمل التكيف مع الآثار الحالية والمتوقعة لتغير المناخ إجراء تغييرات على البنية التحتية والمؤسسات والسلوكيات والبيئات الطبيعية للحد من الضعف وزيادة القدرة على الصمود. ويعمل برنامج SCALA على وجه التحديد على هذه القضايا مع أكثر من اثني عشر بلدًا في أمريكا اللاتينية وأفريقيا وآسيا، بهدف تحديد وتنفيذ حلول تحويلية يمكن تكييفها مع السياقات المحلية وتوسيع نطاقها على حد سواء، لمعالجة التحديات المناخية والاجتماعية والاقتصادية والأمن الغذائي وغيرها من التحديات في مختلف البلدان والأقاليم.
ويقول السيد Jorge: "في لا غواخيرا، اشتدّت موجات الجفاف، كما أن هطول الأمطار، عندما يحدث، يمكن أن يطرح مشكلة أيضًا، فهو يتسبب في إلحاق أضرار بالحدائق، وأمراض بالحيوانات ونمو الفطريات بسبب الرطوبة الزائدة. وقد ركزنا، من خلال برنامج SCALA، على تحديد الممارسات التي تعزز توافر المياه وجودة التربة على السواء، بما يضمن الإنتاج المستدام للمحاصيل".
فعلى سبيل المثال، يدرك برنامج SCALA وشركاؤه المختلفون في مجال العمل الإنساني، إلى أي حدّ يعتمد شعب وايو على هطول الأمطار. لذا، قاموا بمساعدة شعب وايو في تحسين الآبار الموجودة وإنشاء خزانات مياه لتمكين الري بالتنقيط الدقيق باستخدام الحد الأدنى من المياه يوميًا.
ويضيف السيد Jorge: "إنها عملية تعاونية تعتمد على التجريب والتعلّم من الأخطاء مع كل مجتمع محلي. فنحن نعمل معًا لفهم عمق الزراعة والمحاصيل المناسبة بناءً على ظروف التربة. وحين نعرف ذلك، يصبح بإمكاننا توزيع محاصيل مختلفة على مدار السنة، مما يسمح بممارسة الزراعة على مدار السنة بدلًا من الاقتصار على شهرين أو ثلاثة أشهر من الأمطار".
ويوضح خبير منظمة الأغذية والزراعة: "إن التعرف على أنواع البذور والنباتات والأغذية لدى كل مجتمع محلي أمر حيوي للتكيف مع تغير المناخ. وقد حدّدنا عددًا من الأغذية الرئيسية، ولكنّ صنفًا واحدًا يبرز من بينها وهو لوبياء غواخيرا. فهي تنمو على مقربة من الأرض، وتقاوم الجفاف والفيضانات، وتنمو في التربة المخصّبة حتى ضد الآفات".
وفي ما يتعلق بإدارة التربة، يستخدم حاليًا شعب وايو، الذي كان يعتمد تقليديًا على تربية الماعز، روث الماعز الممزوج مع المعادن والرماد والمواد الحافظة لتخصيب التربة وتوفير العناصر الغذائية الأساسية للمحاصيل والبذور المحلية.
ويؤكد الخبير أن هذا الفهم العميق لدورة المغذيات والعلاقة بين التربة والمياه والبذور يمكّن المجتمع المحلي من الحصول على الغذاء على مدار السنة.
"إننا نعمل على إحياء المعارف التقليدية بشأن الأرض من خلال البذور المحلية التي تتمتع بالقدرة على الصمود أيضًا. ويضمن هذا الحوار بين المجتمع المحلي والبذور أن يرى الأطفال في هذه المنطقة، الذين واجهوا للأسف تحديات كبيرة في السنوات الأخيرة، تحسنًا في ظروفهم التغذوية والغذائية."
وكان تأثير المشروع كبيرًا للغاية حيث بات لدى بعض المجتمعات المحلية الآن فائض من لوبياء غواخيرا لبيعها أو الاتجار بها، بفضل الممارسات التكيفية الجديدة.
ويختتم السيد Jorge حديثه قائلًا: "عندما تنتهي مهمة منظمة الأغذية والزراعة، سنكون على ثقة من أن هذه المجتمعات المحلية لديها دورة كاملة، أي المغذيات والبذور وأحواض البذور والمشاتل وإدارة المياه على مر الزمن، بشكل يلائم حياتها اليومية. لقد كان هذا تحديًا كبيرًا ولكنه مجزٍ، وفي اعتقادنا أنه يمكن تكراره مع مجتمعات وبلدان أخرى، كون هذه العناصر العالمية متوفرة في أي مجتمع محلي كان".
في مجتمع وايو في إيباناما، على بعد 40 دقيقة بالسيارة جنوب ريوهاتشا، عاصمة منطقة لا غواخيرا في كولومبيا، ترحب السيدة Sandra Medina، الزعيمة المختارة لمركز تجريبي مجتمعي جديد، بحفاوة بمجموعة من فنيي منظمة الأغذية والزراعة، ومعظمهم من شعب وايو أيضًا. ومع أنهم من عشائر مختلفة، إلا أنّ عملهم معًا هو دليل على التزامهم المشترك.
والسيدةSandra ، وهي أيضًا معلمة في المدرسة المجتمعية، تدرك جيدًا الصعوبات التي يواجهها أهلها، بما في ذلك الذهاب إلى المدرسة وهم جائعون. فعندما كانت طفلة، كانت تقطع مسافة عشرة كيلومترات سيرًا على الأقدام كل يوم لمتابعة دراستها، خالية البطن في أغلب الأحيان. وهي تدرّس الأن في مدرسة جديدة تمّ تشييدها قبل سنوات قليلة لاستقبال الأطفال المحليين.
وتقول السيدة Sandra: "كنت أعلم أنه لا بد لي من المغادرة لمتابعة تحصيلي العلمي. لقد رأيت احتياجات شعبي وشعرت بمسؤولية عميقة لمساعدتهم. ولطالما قطعت عهدًا على نفسي بالعودة واستخدام معرفتي لإحداث فارق".
ولقد نجحت بالفعل. فهي تعمل إلى جانب منظمة الأغذية والزراعة وإلى جانب أهلها لبناء الأساس لما يتمتع به مجتمع إيباشاريم بالفعل: تحويل فدان من الصحراء إلى واحة مزدهرة مكيّفة مع تغير المناخ.
وتعترف السيدةSandra بقلق: "لقد اعتدنا على حفظ البذور، ولكنّ تغير المناخ جعل الزراعة مستحيلة في الآونة الأخيرة. فلا هطول للأمطار. وأصبحنا الآن جزءًا من شيء مبتكر للغاية، شيء يمنحنا أملًا حقيقيًا".
وبدعم من برنامج SCALA وشركائه، تقوم المجتمعات المحلية بتركيب نظم الري وحفر حُفر للزراعة، ولكنها أولاً، تقوم بتأهيل التربة.
وتوضح السيدة Sandra: "لم نستخدم سماد الماعز بهذه الطريقة من ذي قبل. فهذا المورد موجود لدينا ولكننا لم نكن نعرف قيمته. وهذه المعرفة حيوية لمجتمعنا؛ فهي تساعدنا في الحفاظ على هدية البذر التي قدمها لنا أسلافنا".
كما تعتني المجتمعات المحلية بحدائق الأعشاب ومشاتل المحاصيل التي تم إنشاؤها حديثًا والتي تمثل الأمل المتجدد للمجتمع بأكمله.
تقول السيدة Sandra: "كنا نزرع اللوبياء والذرة والقرع وربما بعض البطيخ مثل أجدادنا. أما الريحان والكزبرة والباذنجان والطماطم فهي كلها نباتات جديدة بالنسبة إلينا. ونحن متحمسون لما تعلمناه". وتنظر مبتسمة إلى السيدة Maria Alejandra Epiayú، خبيرة الطهي في منظمة الأغذية والزراعة التي تنتمي إلى شعب وايو، والتي تساعد المجتمع على الاستفادة من المنتجات لإعداد وصفات جديدة وآمنة.
إن تبني شعب وايو للمحاصيل الجديدة التي تم إدخالها حديثًا يوضح قوة التنوع البيولوجي الزراعي في ميدان العمل. ويعزز هذا التنوع أمنهم الغذائي عبر توفيره حاجزًا لدرء الصدمات المناخية، كما أنه يمكّنهم أيضًا من تحسين تغذيتهم ورفاههم الاقتصادي. وعلاوة على ذلك، فإنه يعزز ارتباطهم بالأرض ومعارفهم القديمة، مما ينشئ نظامًا زراعيًا وغذائيًا مستدامًا وقادرًا على الصمود في مواجهة تغير المناخ.
ويأمل المجتمع المحلي في تعزيز اقتصاده، وزراعة العديد من المحاصيل المختلفة والاتجار بها مع الآخرين. كما يعمل على إنشاء بنك للأعلاف لحيواناته، التي عانت أيضًا من المناخ القاسي.
"سأظل دائمًا ممتنة لتدخل منظمة الأغذية والزراعة. وآمل أن يتمكنوا، كما هم هنا في منطقتنا، من الوصول إلى المزيد من المجتمعات المحلية، لأن الاحتياجات والآثار الناجمة عن تغير المناخ لا تُلمس هنا فحسب، بل في جميع الأماكن والأقاليم التي توارثناها عن أجدادنا".
وبعد ثلاثة أشهر فقط، أثمرت جهودهم وأصبحت المساحة القاحلة من الأرض (الصورة على اليمين) مزدهرة الآن بالخضرة (الصورة على اليسار).
تتمتع كولومبيا، وهي ثالث أكبر بلد من حيث عدد السكان في أمريكا اللاتينية، بتنوع بيولوجي غني، فهي تأوي ما يقرب من 10 في المائة من الأصناف في العالم. ويشكل تغير المناخ تهديدًا كبيرًا للنظم البيئية الهشة، مما يؤدي إلى تفاقم تدهور الأراضي والتأثير على جودة المياه والإنتاج الزراعي. والزراعة، التي كان يعمل فيها 15.8 في المائة من السكان في عام 2019، معرضة بشكل خاص للأحداث الناجمة عن المناخ مثل ظاهرة النينيا، التي تتميز بدورات جفاف وأمطار غزيرة.
وقد أثبتت كولومبيا التزامها بمعالجة تغير المناخ من خلال أهدافها الطموحة للتخفيف والتكيف الموضحة في مساهمتها المحددة وطنيًا وخطط التكيف الوطنية. وبينما تساهم البلاد بنسبة 0.56 في المائة فقط من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري على نطاق العالم، فإنها تهدف إلى خفض انبعاثاتها بنسبة 51 في المائة مقارنة بالمستويات المتوقعة بحلول عام 2030. وسيؤدي قطاع الزراعة، المسؤول عن 71.3 في المائة من الانبعاثات المحلية، دورًا رئيسيًا في تحقيق هذا الهدف من خلال استراتيجيات تركز على الحد من الانبعاثات في إنتاج الكاكاو والأرزّ والبنّ والغابات المزروعة والماشية.
وبالإضافة إلى جهود التخفيف من وطأة التأثيرات، تعطي كولومبيا الأولوية للتكيّف من خلال مبادرات مثل برنامج SCALA، الذي يبني على الجهود السابقة مثل برنامج "إدماج الزراعة في خطط التكيف الوطنية" (NAP-Ag).
كما يعمل برنامج SCALA بشكل ناشط في كولومبيا على توثيق وتنظيم المعارف التقليدية المتعلقة بالتكيف مع تغير المناخ في مختلف المناطق. وتهدف مبادرة "الممارسات والتقنيات الإقليمية التقليدية" إلى رصد 15 ممارسة من هذا القبيل في مناطق مختلفة مثل منطقة البحر الكاريبي والمحيط الهادئ وجبال الأنديز وأورينوكيا والأمازون. ويتمثل الهدف النهائي في دمج هذه المعارف المحلية القيّمة في خطط العمل الوطنية لضمان دمج استراتيجيات التكيف مع المناخ بشكل فعال مع حكمة الشعوب الأصلية والمجتمعات المحلية وممارساتها. وتعدّ زراعة لوبياء غواخيرا لدى شعب وايو واحدة من هذه المبادرات.
ويؤكد السيد Agustín Zimmermann، ممثل منظمة الأغذية والزراعة في كولومبيا، على أهمية دمج العمل المناخي مع قضايا رئيسية أخرى مثل انعدام الأمن الغذائي، قائلًا: "في عام 2023، كان ما بين 713 و757 مليون شخص يعانون من الجوع، وكان حوالي 2.33 مليار شخص - 28.9 في المائة من سكان العالم - يواجهون انعدام الأمن الغذائي المعتدل أو الشديد، ما يعني أنهم لا يأكلون لمدة يوم أو أكثر. وظل هذا الرقم من دون تغيير يُذكر على مدى السنوات الثلاث الماضية، ويرجع ذلك جزئيًا إلى تغير المناخ الذي أدى إلى أحداث متطرفة متزايدة الوتيرة والشدة، مما أثر على إنتاج الأغذية وعلى سبل العيش".
ويضيف السيد Zimmermann: "لهذا السبب، يلتزم مكتب منظمة الأغذية والزراعة في كولومبيا بالمساهمة في مواءمة خطط التنوع البيولوجي وتغير المناخ مع مبادرات التنمية الريفية والسلام. ونحن نسعى، من خلال مشاريع ملموسة، إلى تزويد المجتمعات بالقدرات الداخلية اللازمة لدمج وتطبيق رؤية شاملة للنظم الزراعية والغذائية".
يقول السيد Kaveh Zahedi، مدير مكتب التنوع البيولوجي والبيئة في منظمة الأغذية والزراعة: "إن الحلول التي تنبع من تحويل نظمنا الزراعية والغذائية، هي وحدها القادرة على تحقيق تطلعات التنوع البيولوجي العالمي وتغير المناخ أو أهداف الحياد في تدهور الأراضي التي حددتها البلدان لنفسها". ويضيف: "نحن بحاجة إلى التأكد من تدفق التمويل لتوسيع نطاق حلول النظم الزراعية والغذائية التي يمكن أن تجلب هذه الفوائد المتعددة".
هذه القصة هي جزء من سلسلة من ثلاثة أجزاء عن المناخ والتنوع البيولوجي والحلول الخاصة بالأراضي في كولومبيا. من المناظر الطبيعية القاحلة في لا غواخيرا حيث يدعم برنامج SCALA التابع لمنظمة الأغذية والزراعة القدرة على التكيف مع المناخ والأمن الغذائي إلى غابات الأمازون المطيرة الخصبة، حيث يتصدى مشروع صندوق المناخ الأخضر التابع لمنظمة الأغذية والزراعة لإزالة الغابات. وسوف نستكشف في الختام ساحل المحيط الهادئ، وهو المكان الذي يعمل فيه مشروع مدعوم من مرفق البيئة العالمية على الحفاظ على التنوع البيولوجي الغني مع المساهمة أيضًا في السعي إلى إحلال السلام.