Food and Agriculture Organization of the United NationsFood and Agriculture Organization of the United Nations

موقع الزراعة في عملية السلام


النتائج الدائمة للتنمية الريفية تمكّن الناجين من النزاع في كولومبيا

Share on Facebook Share on X Share on Linkedin

19/09/2024

يعرف الكثير من الناس قرطاجنة في كولومبيا، المشهورة بمدينتها القديمة المسوَّرة والنابضة بالحياة، وأجوائها الاحتفالية، ونساء البالينكيرا (Palenqueras) اللاتي يرتدين ملابس زاهية الألوان ويبعن الفاكهة ويحملن على رؤوسهن سلال المنتجات. ولكنّ قرطاجنة ليست سوى جزءًا صغيرًا من ولاية، أو دائرة، بوليفار الكولومبية الأكبر بكثير.

ويمكن تخيُّل هذه الولاية كقطعة طويلة وغير منتظمة الشكل من القماش، ينغمس أحد أطرافها في البحر الكاريبي الفيروزي اللون، فيما يمتد طرفها الآخر نحو سفوح جبال الأنديز. وتبدو بوليفار للعيان كبساط مُزخرف؛ فحقولها الخضراء غنية بالكسافا واليام والذرة وأشجار النخيل الشاهقة التي تمتدّ نحو أفق تزيّنه مروج ترعى فيها الماشية بسلام.

ولكنّ هذا المشهد الطبيعي الجميل يُخفي ماضيًا مُعقّدًا.

وتنتشر في جميع أنحاء المنطقة، على بعد ساعتين تقريبًا جنوب قرطاجنة، بلدات صغيرة تقع على حدود تتاخم شبكة من الأهوار. ويؤدي هذا النظام الإيكولوجي المتداخل والمكوَّن من ممرات المياه والأراضي الرطبة، دورًا حيويًّا في البيئة، ولكنه كان أيضًا ساحة لمعركة طاحنة خلال النزاع المسلَّح الذي طال أمده في كولومبيا.

وتقول السيدة Saray Zuñiga، التي لا تتردد في القول إنها كانت ضحية النزاع الداخلي المسلح الذي طال هذا البلد الواقع في أمريكا الجنوبية لأكثر من خمسة عقود: "يعرف الجميع أن العديد من البلدان تعيش حروبًا، ولكننا في كولومبيا لم نكن مستعدين لأي شيء مما حدث".

وفي عام 2016، توصلت كولومبيا إلى اتفاق سلام مع أكبر جماعات العصابات المسلحة. وكجزء من الاتفاق، تعهّدت الحكومة بتحسين التنمية الريفية وعقدت شراكة مع منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (المنظمة) للمساعدة على تحقيق هذا الهدف.

واليوم، تحظى السيدة Saray ومجتمعها المحلي بفرصة سرد قصص المعاناة التي عاشوها، مما يتيح لهم التعافي من الماضي والترحيب بمستقبل يحمل أملًا جديدًا.

©FAO/Maria Alejandra Lopera
©FAO/Maria Alejandra Lopera

لكنّ الحرب تركت ندوبًا عميقة في المنطقة التي ارتكبت فيها جماعات العصابات المسلحة بعض أسوأ أعمال العنف في تاريخ كولومبيا.

ووفقًا للأرقام الرسمية، أُرغم أكثر من 000 600 شخص في بوليفار على النزوح بين عامي 1985 و2019. وباتت الوديان الخضراء الخصبة، التي كانت تُضمر إمكانات كبيرة، تهمس الآن بقصص العنف التي أجبرت الكثيرين على الفرار من منازلهم ومجتمعاتهم المحلية بحثًا عن مأوى في المدن المزدحمة أو البلدات البعيدة.

وتقول السيدة Saray: "لقد نزحت خمس مرَّات؛ وكبر أطفالي وهم ينزحون"، وتضيف أنها لا تزال رغم ذلك من نساء البالينكيرا الفخورات.

©FAO/Felipe Rocha
©FAO/Laura Quinones

وتأتي نساء البالينكيرا من مجتمعات بلدة سان باسيليو دي بالينكي وهنّ يتحدّرن من الرقيق الأفارقة الذين شقّوا طريقهم نحو الحرية في القرن السادس عشر وأقاموا لأنفسهم ملاذًا آمنًا في الأجزاء الشمالية من بلدية تُعرف اليوم باسم ماهاتيس. وتُدرج اليوم منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) هذه البلدة على قائمة التراث الثقافي غير المادي للبشرية.

ولنساء البالينكيرا تقاليد زراعية وحرفية قديمة وعريقة، وفّرت لهنّ الغذاء وشكّلت رابطًا قويًّا مع أرضهنّ. واليوم، يواصل العديد من أفراد البالينكيرا العمل كمزارعات يحافظن على تراثهم ويساهمن في المشهد الزراعي في كولومبيا.

وكانت السيدة Saray وأفراد أسرتها قد أُجبروا على مغادرة المنطقة التي ظنَّ أسلافهم، الذين استبسلوا في مقاومة الحكم الاستعماري الإسباني، بأنها ستظلُّ إلى الأبد ملاذًا للسلام. ولم يتمكّنوا من العودة لمدة 20 عامًا.

ومع ذلك، لا تزال السيدة Saray تتذكّر بوضوح أسباب نفيهم وكأنه حدث بالأمس.

وتستذكر السيدة Saray ما حدث، فتقول: "صوِّب واطلق النار! صوِّب واطلق النار! هذا ما ظلَّ هؤلاء الرجال يهتفون به وهم يهددون أطفالي الذين أُجبروا على الاستلقاء في صفّ على الأرض أمام منزلي". وتتابع قائلة: "لقد اتهموني زورًا بإخفاء الأسلحة. فقلت، "لا أملك أسلحة سوى أطفالي الستة، أنا مُزارعة". وكان عمر ابنتي آنذاك ثلاث سنوات فقط. ما تلا ذلك... ما تلا ذلك كان أسوأ..."، وبدأت الدموع تنهمر من عيني الأم البالغة من العمر 55 عامًا وهي تتذكّر ما حدث.

وكانت السيدة Saray واحدة من الكثير من المزارعات اللاتي كُنَّ يُدافعن عن إرثهن في أرض ماهاتيس عندما شهدن أحبّاء لهنَّ يُقتلون أو يُهددون بالقتل، وشهدن تدمير الحقول وسرقة المحاصيل في أراضيهن.

"نحن في بالينكي لم نكن نتصوَّر أبدًا أن شيئًا كهذا يمكن أن يحدث، أن تقع مجازر وجرائم اغتصاب. لقد تعرضنا للاضطهاد، والكثير من أصدقائي في ذلك الوقت قد فارقوا الحياة اليوم".

وعندما عادت أخيرًا إلى مزرعتها في قرية تورو سونريسا في عام 2011، وجدت أنّ التربة والأشجار قد دُمّرت، وأنّ الحيوانات قد نفقت، والأسوأ من هذا كله، أن المجتمع قد تفكّك.

مجتمع اقتُلع من جذوره بسبب النزاع

على بعد بضعة كيلومترات، في قرية بارايسو، تحطّمت أحلام السيدة Ana Herrera أيضًا بسبب النزاع. وكان مشروع إنتاج الألبان الذي أنشأه مجتمعها المحلي بعد جهد كبير قد دُمّر.

وفي الماضي، كانت السيدة Ana وغيرها من أصحاب الماشية من نساء ورجال القرية قد أُجبروا على بيع منتجاتهم إلى المشترين الذين قدموا مباشرة إلى مجتمعهم لقاء السعر الذي يراه المشتري مناسبًا. وكان ذلك النظام يستغلّ عدم قدرة المزارعين على الوصول إلى قنوات التسويق المناسبة.

ولكنهم الآن، وبدعم من الحكومة، أنشأوا جمعية للألبان اسموها ASOCUPAR، للمطالبة بأسعار عادلة.

وتتذكّر السيدة Ana، فتقول: "لم نكسب شيئًا لمدة ثلاثة أشهر..."، وتضيف أنّهم بدأوا، ببطء وثبات، يرون نتائج الخطوة الكبيرة التي خطوها لتنظيم أنفسهم.

حتّى أنهم بدأوا بمعالجة الحليب لتحويله إلى أجبان. وسرعان ما وجدوا مشترين يُعوَّل عليهم وتمكّنوا من إنشاء مقرّ متواضع لمشروعهم، شيّدوه بأيديهم.

وتسرد السيدة Ana الأحداث، فتقول: "لكن، وكما يقول البعض، الأوقات الجيدة لا تدوم. فقد بدأت التعقيدات في عام 2001. هؤلاء الرجال الذين يحملون حقائب على ظهورهم بدأوا يتوافدون... ثم ظهرت الجثث. جثتان هنا، وثلاث هناك، وواحدة هنا حيث أتحدث معكم الآن. مَن يمكنه البقاء هنا في هذه الأوضاع؟"

وغادرت السيدة Ana قريتها في اليوم التالي بعد أن وصلوا إلى مزرعتها في نهاية المطاف. "رأيت هؤلاء الرجال مقبلين... وفكّرت: "ليس لنا الآن سوى العناية الإلهيّة"... أخذت ساقاي ترتعشان لأني لم أرهم وجهًا لوجه من قبل".

مكثوا في منزلها عنوةً ليوم وليلة، وحتى أنَّهم أقاموا حفلة بينما كانت هي تختبئ في غرفتها. وتُضيف: "لو كان لذلك الكشك أن يتكلّم! "

وعندما حلَّ الهدوء أخيرًا مع خيوط الفجر الأولى، عرفت السيدة Ana أن الأوان قد حان لكي ترحل. وبقلب مُثقل، تخلَّت عن منزلها ولم تجرؤ على النظر خلفها لعشر سنوات طوال.

©FAO/Maria Alejandra Lopera
©FAO/Maria Alejandra Lopera

العودة إلى الجذور

عادت السيدتان Saray وAna إلى ماهاتيس خلال النصف الأول من العقد الأول من الألفية الثالثة عندما تحسَّنت الأوضاع إلى درجة سمحت لهما بالعودة ولكن كان الاستقرار الحقيقي لا يزال بعيدًا.

أمَّا السيدة Ana، فقد عادت لتجد أن مبنى المركز المجتمعي ومبنى مصنع الجبن الذي بنته مع جمعيتها قد دُمرا بالكامل.

أمَّا السيدة Saray، فتقول: "كانت مزرعتي تقريبًا قد سُوّيت بالأرض أيضًا. وكانت أشجار جوز الهند قد ماتت وأشجاري ومحاصيلي الأخرى قد فنت. وبعد جميع التضحيات التي قدّمناها أنا وزوجي لبناء منزلنا، كان علينا أن نبدأ من الصفر. حدث هذا قبل وقت طويل، ولكني لا أعتقد أني تعافيت تمامًا منه".

وتضيف: "عندما عدت، كان الجميع يشعر بالهزيمة".

وفي عام 2016، أحدث اتفاق السلام في كولومبيا تغييرات كبيرة على حياة السيدتين Ana وSaray.

ووجدتا نفسيهما تجلسان على طاولة واحدة- وليس أيَّ طاولة؛ كانت طاولة تابعة لـ"وحدة الضحايا" وهي الوحدة المكلفة بتقديم التعويضات والعزاء لملايين الكولومبيين الذين تركت فيهم الحرب الوحشية ندوبًا لن تندمل أبدًا.

©FAO/Maria Alejandra Lopera
©FAO/Maria Alejandra Lopera

عودة السلام

في سبتمبر/أيلول 2016، جرى التوقيع على الاتفاق النهائي المتعلق بإنهاء النزاع وبناء سلام مستقر ودائم، بدعم من الأمم المتحدة، فأنهى النزاع المسلح الذي دام لأكثر من 50 عامًا بين حكومة كولومبيا والقوات المسلحة الثورية الكولومبية- الجيش الشعبي (فارك).

ولم يكن الاتفاق يهدف إلى إنهاء الصراع فحسب، بل أيضًا إلى معالجة قضايا مثل التنمية الريفية ومشاركة المتمردين السابقين في الحياة السياسية، والأهم من ذلك، آليات العدالة الانتقالية التي تشمل "وحدة الضحايا".

ويشرح السيد Agustin Zimmermann، ممثل المنظمة في كولومبيا، فيقول: "مع توقيع الاتفاق، بدأت كولومبيا إجراءات تهدف إلى ترسيخ السلام في البلاد. وكانت النقطة الأولى التي حددها اتفاق السلام هي الإصلاحات الريفية الشاملة، وكانت المنظمة شريكًا رسميًا فيها. وفي هذا السياق، تقدّم المنظمة الدعم لحكومة كولومبيا وتحديدًا في كيفية المضي في هذا التحول الريفي لترسيخ السلام".

وبوصف المنظمة شريكة في عملية الإصلاح الريفي، أعدَّت جدولًا بأعمال الدعوة وهي تقدّم الدعم الفني للجهات الوطنية المختلفة، بما في ذلك وزارة الزراعة والتنمية الريفية، في مسائل مثل الزراعة المستدامة وإدارة الأراضي وتطوير سلاسل القيمة والأمن الغذائي.

©FAO/Maria Alejandra Lopera
©FAO/Maria Alejandra Lopera

ويوضح السيد Zimmermann أن كولومبيا أحرزت على مدار العشرين عامًا الماضية تقدمًا على صعيد مؤشر التنمية البشرية. فانخفضت معدلات الفقر على المستوى الوطني وسُجّل تحسّن في مقاييس الصحة العامة والتعليم، وفي مجالات أخرى. ومع ذلك، لا يزال هناك تباين كبير وأوجه عدم مساواة صارخة على المستوى الإقليمي، لا سيما في ما يتعلق بالأمن الغذائي.

ويُضيف السيد Zimmermann، فيقول: "هذا هو التحدي الرئيسي الذي يواجه عملية ترسيخ السلام، وهو تحدٍّ يؤثر بشكل رئيسي على القطاع الريفي"، مشددًا على أن هذا هو السبب الذي يجعل دور المنظمة، وهو تحويل النظم الزراعية والغذائية، دورًا مهمًّا للغاية بالنسبة إلى البلاد.

وتعمل المنظمة في كولومبيا مع الحكومة والمزارعين من أجل تحقيق التنمية الريفية المستدامة بوصفها عنصرًا أساسيًّا في الحدّ من الجوع وسوء التغذية. وقد أكَّدت المنظمة التزامها بهذا الهدف في يناير/كانون الثاني 2023، في كتاب نوايا وقّعه فخامة السيد Gustavo Petro، رئيس كولومبيا، والسيد شو دونيو، المدير العام للمنظمة، مؤكدَيْن على أهمية السلام والأمن وارتباطهما بالحق في الغذاء.

التحول الإقليمي والقدرة على الصمود والاستدامة

وقع الاختيار على دائرة بوليفار، إلى جانب دوائر قرطبة ونارينيو وبوتومايو الكولومبية، كواحد من مواقع تنفيذ مشروع التحول الإقليمي والقدرة على الصمود والاستدامة المشترك بين المنظمة والسويد.

وقد ركّز المشروع على تحسين سبل العيش في المناطق الريفية من خلال تعزيز الإنتاج الزراعي لمحاصيل متنوعة وتشجيع مشاريع ريادة الأعمال المتنوعة التي تتماشى مع نقاط القوة الفريدة لكل منطقة والأسر فيها، بما في ذلك التربية المستدامة للماشية، وزراعة الأفوكادو، وإنتاج البنّ، وزراعة الفلفل، وتربية الخنزير الغيني، وزراعة قصب السكر لإنتاج البانيلا وغيرها. وركّز المشروع أيضًا على تشجيع الاستخدام المستدام للأراضي والإدارة المستدامة للموارد، وإنشاء بنية تحتية جديدة لدعم عمليات الإنتاج والبيع، وتعزيز التعاون بين مختلف أصحاب المصلحة، وتمكين المرأة من خلال تطوير المهارات وإتاحة الفرص القيادية، وبناء قدرة المجتمع على الصمود في وجه الكوارث.

وعلاوة على ذلك، شجّع المشروع زراعة الأغذية لأغراض الاستهلاك الشخصي، ما أدى إلى إنتاج أكثر من 612 2 طنًا من الأغذية، وعزَّز الأمن الغذائي، والاستقرار الاقتصادي، والاكتفاء الذاتي.

ويوضح السيد Zimmermann، ممثل المنظمة: "المشاريع التي ننفذها في البلاد، كهذا المشروع، تركز في المقام الأول على ترسيخ السلام من خلال تمكين المزارعين من العودة إلى أراضيهم وإتاحة فرص إنتاجية واقتصادية لكي يبقوا فيها".

وفي الفترة من 2022 إلى 2023، رفعت 27 جمعية زراعية شاركت في المبادرة المشتركة بين المنظمة والسويد إنتاجيتها بنسبة 137 في المائة في المتوسط وزادت مبيعاتها بنسبة 41 في المائة، ليرتفع دخلها بأكثر من الضعف. واستفاد من المبادرة أكثر من 500 3 شخص في المناطق الريفية واستمرت لأكثر من ثلاث سنوات واختتمت أعمالها في مارس/آذار 2024. وفي بوليفار تحديدًا، أثّر المشروع على أكثر من 500 شخص وأربع منظمات في بلديات ماهاتيس وماريا لا باجا وكارمن دي بوليفار.

وأكّد السيد Zimmermann أنَّ "ما يقوله لنا المستفيدون هو إن المشروع، بالإضافة إلى أبرز الجوانب الملموسة في دعم سلاسل الإنتاج، قد أحدث في المنطقة تغييرات اجتماعية إيجابية جدًّا أتاحت استتباب السلام".

وبالفعل، لم يقتصر المشروع على تحسين التقنيات الزراعية أو الوصول إلى الأسواق. بل تعلّق أيضًا باستعادة المزارعين لأراضيهم، وتعزيز قدرتهم على الصمود والاستدامة، وضمان أن التربة الخصبة التي يعيشون عليها لا تنتج المحاصيل فحسب، بل تنتج أيضًا مستقبلًا خاليًا من الخوف. مستقبل يمكنهم غرس بذوره، لا لأنفسهم فحسب، بل للأجيال القادمة.

وتتذكر السيدة Ana البدايات، فتقول: "جاءت المنظمة إلى منطقتنا لمساعدتنا نحن المزارعين على التخلص من الخوف. جلبوا لنا فريقًا تقنيًّا جاء بغرض العمل والتعليم. وعندما وصلوا، كنا لا نزال لا نجرؤ على إنتاج الأجبان مرة أخرى؛ كنا خائفين. وسألونا: "وما المشكلة إن كنتم تعرفون بالفعل كيف تصنعون منتجكم؟"

©FAO/Laura Quinones
©FAO/Maria Alejandra Lopera

وبدعم من المنظمة، تمكّنت جمعية ASOCUPAR التي تمثلها السيدة Ana، من إعادة بناء مركزها لصنع منتجات الألبان وعزّزت إنتاجها وقنوات تسويقها منتجاتها، بل وتمكّنت أيضًا من تأمين صفقة مع سلسلة مطاعم مشهورة في كولومبيا.

واليوم، لا تقتصر جمعية منتجات الألبان على شراء الحليب من أعضائها فقط أو حتى من القرية، بل بدأت تشتري الحليب بأسعار عادلة من بلدات أخرى أبعد، مما يساعد المنطقة على الارتقاء بسبل العيش فيها. وتوسّعت الجمعية أيضًا من حيث نطاق منتجاتها لتشمل اللبن ومصل الحليب.

ولكنّ هذه النتيجة جاءت بفضل الجهد والالتزام الذي بذله جميع أفراد مجتمعها المحلي في بارايسو وعزمهم على استعادة المعرفة التي كانت لديهم بالفعل، وفي الوقت نفسه، استعدادهم للتعلم من المنظمة عن الأمور التي لم يكونوا يعرفونها من قبل، مثل الإدارة المستدامة للماشية.

وتشرح السيدة Ana بفخر، وهي تشير إلى أبقارها التي تختبئ من شمس الظهيرة تحت الأشجار التي تملكها الجمعية الآن، فتقول: "كنا في السابق نمارس إدارة الماشية على نطاق واسع، أي أنه كانت لدينا مساحات شاسعة من الأراضي المنزوعة الأشجار لكي ترعى الماشية فيها. أمّا الآن، فنعمل على تشجير كل شيء لجعلها "أسوارًا حية". لقد تعلمنا أن الأشجار تمنح الماشية الظل وتغذيها بالثمار والبذور. ليس ذلك فحسب، بل تساعد أيضًا في إنشاء ممرات بيولوجية تسمح بعودة الحيوانات الأخرى إلى المنطقة". وتضيف السيدة Ana: "بالإضافة إلى ذلك، تُنتج [الأبقار] الآن ضعف كمية الحليب التي كانت تنتجها في السابق".

©FAO/Laura Quinones
©FAO/Maria Alejandra Lopera

تحقيق حلم يُراعي البيئة

يشرح السيد Alfredo Bray، المنسق الفني للمنظمة في هذا المشروع قائلًا: "ركّز المشروع كثيرًا على القضايا الاجتماعية وعلى مسألة توليد الدخل، ولكنه حرص أيضًا على أن يتحقق هذا الدخل من نماذج مستدامة وليس من نظم استخراجية. ويتيح هذا تحسين الإنتاج ومراعاة البيئة في الوقت نفسه".

والسيد Bray قد وُلد ونشأ هو أيضًا في بوليفار وهو، للأسف، شاهد على العنف والنزوح الذي واجهته المنطقة. وعمل جنبًا إلى جنب مع أفراد المجتمعات المحلية الذين ظلَّوا، حتى بعد أشهر من انتهاء تنفيذ المشروع، لا يترددون في إلقاء التحية عليه ومعانقته بحفاوة كلما يرونه.

©FAO/Maria Alejandra Lopera
©FAO/Maria Alejandra Lopera

ويسلط السيد Bray الضوء على كيفية مساهمة المبادرة في تحسين البيئة الطبيعية من خلال السماح بعودة الحيوانات والنباتات المحلية، والعمل في الوقت نفسه على تعزيز الإنتاجية الزراعية وزيادة الدخل. وبالنسبة إلى المزارعين، كان عليهم التوقف عن قطع الأشجار والبدء بزراعتها وتوقيع مواثيق محلية للحفاظ عليها، وتلقي التدريب على كيفية إدارة مواردهم الطبيعية على نحو مسؤول وتعزيز قدرتهم على الصمود في وجه الأحداث المناخية القاسية. فقد تعلموا مثلًا زراعة الأعلاف وتخزينها لإطعام ماشيتهم حتى في الظروف المناخية الصعبة كالارتفاع الشديد في درجات الحرارة أو الجفاف.

وفي الوقت نفسه، أثّر المشروع على طريقة التواصل بين الأسر الريفية من خلال تشجيع تبادل الخبرات والعمل كشبكة من المنظمات، فساهم في التصدي للانعزال الذي أذكته حركة النزوح. ويقول السيد Bray: "هذا ما نعنيه عندما نتحدث عن تحويل المنطقة".

وقد يكون خير مثال على ما قاله المتجر والمطعم البيئي والحرفي في قرية تورو سونريسا، وهو واحة تقع على الطريق السريع الذي يربط بين قرطاجنة وجنوب بوليفار.

وبينما ترتدي السيدة Saray زيًّا تقليديًّا وترقص على موسيقى بالينكي في المتجر الذي تديره جمعيتها ASOPROVEGUA، تتذكّر البدايات، فتقول: "جاءوا [من المنظمة] وسألونا ما الذي نريده، ما هو حلمنا. فرفعت يدي وقلت: "نريد مكانًا لبيع منتجاتنا". ويعرض المتجر، الذي يسمى باراجي ري كومينا (Paraje ri Kumina)، منتجات من جميع الجمعيات الشقيقة في المنطقة، ووفقًا للسيدة Saray فإنه "بديل عن الوسطاء الذين كان ينبغي على المزارعين بيع المنتجات لهم دائمًا".

وتعمل عادة نساء البالينكيرا تقليديًّا في بيع الفاكهة والخضروات التي يقمن بزراعتها، والحلويات التقليدية التي يصنعنها في البلدات والمدن خارج بالينكي، ويمكثن أحيانًا بعيدًا عن منازلهنّ لأسابيع متوالية، بعيدًا عن شركائهنّ وأبنائهنّ لتجنب هؤلاء الوسطاء. ولهذا السبب، كانت هي ورفيقاتها يحلمن دائمًا بوجود نقطة قريبة تتيح تحقيق الدخل وتفيد المجتمع المحلي وتمكّنهن في الوقت نفسه من العيش على مسافة قريبة من منازلهنّ.

وتشرح السيدة Saray، فتقول: "بات لدينا الآن مطعمنا الذي نقدّم فيه طعامنا التقليدي ومتجرنا، ونحن نعمل مع جمعيات شقيقة أخرى في بوليفار: جمعية بارايسو لإنتاج الأجبان، وجمعية روما لإنتاج العسل والأفوكادو، على سبيل المثال".

©FAO/Maria Alejandra Lopera
©FAO/Maria Alejandra Lopera

وتعرض السيدة Saray، وهي تشعّ بهجة، الحلويات التقليدية في بالينكي، الكوكاداس، التي يحضّرنها للبيع.

وتصنع حلوى الكوكاداس من جوز الهند المبشور والبانيلا (سكر القصب غير المكرر) وبعض التوابل مثل القرنفل والقرفة. ويُطهى المزيج ليُصبح قطع حلوى صغيرة مستديرة بقوام مطاطي ونكهة شديدة الحلاوة وقوام غني يشبه قوام الكراميل. ويمكن الاستمتاع بها كوجبة خفيفة أو كحلوى وهي عنصر من ثقافة بالينكي يحظى بتقدير كبير. وتقول السيدة Saray بثقة: "من يأكل واحدة سيأكل الثانية!".

ثمّ يقودنا حماسها إلى المطبخ، حيث نرى خمس نساء، جميعهن ناجيات من النزاع، وهنّ يعملن بجدٍّ. ومن بين هؤلاء النسوة ابنتاها اللتان عادتا من المدينة للانضمام إلى المشروع، تاركتان النزوح وراءهما. ويعمل المتجر والمطعم بنظام التناوب، بما يضمن استفادة جميع أفراد المجتمع المحلي، حيث تتناوب على العمل مجموعات مختلفة من النساء كل أسبوع.

©FAO/Felipe Rocha
©FAO/Maria Alejandra Lopera

وعلاوة على ذلك، وفي إطار مبادرة المنظمة لتعزيز السياحة وحماية التنوع البيولوجي، يقع المطعم في متنزه بيئي، على أرض تبرّع بها أحد المزارعين من المجتمع المحلي. وعلى حدود المسارات المؤدية إلى ساحة الألعاب، تصطفُّ أشجار الفاكهة ومشاتل النباتات. وتنتشر في كل مكان لافتات زاهية الألوان تحمل رسائل عن الاستدامة. ومن على النقطة المُطلة، يُمكن رؤية مجرى مائي نظيف وسماع أغاريد الطيور وصيحات القرود على الأشجار.

وتقول السيدة Saray: "يهدف هذا المتنزه إلى حماية حيواناتنا. لدينا الإغوانا، والقردة النابحة، وطيور الببغاء الصغيرة والببغاوات وغيرها. ويجعلني الجلوس في هذا الملاذ بعد كل ما عشته أشعر بالسلام. هذه هي السعادة؛ لقد استعدنا راحة البال من جديد".

©FAO/Maria Alejandra Lopera
©FAO/Maria Alejandra Lopera

وبالإضافة إلى نتائج المشروع التي يمكن للأشخاص رؤيتها من قبيل البنية التحتية واستعادة البيئة، هناك نتائج أخرى يحملها المجتمع المحلي الآن في صميمه.

وتقول سعادة السيدة Helena Storm، سفيرة السويد في كولومبيا: "إنه أمر مؤثر للغاية بالنسبة إليّ أن أرى تأثير عمل هؤلاء النساء والرجال وأن أسمعه من المشاركين"، وتضيف أن عام 2024 يصادف ذكرى 150 عامًا من التعاون بين السويد وكولومبيا، بالإضافة إلى 10 سنوات من دعم المنظمة في البلاد.

وتؤكّد السيدة Storm: "لقد رأيت بنفسي ما تتحلّى به هذه المجتمعات المحلية من عزم وإمكانات وقوة وقدرة على الصمود. وأنا مقتنعة بأن كولومبيا لديها العديد من الإمكانات لتحقيق التنمية المستدامة والسلام الدائم".

وتواصل المنظمة، بالشراكة مع السويد، تكرار نموذج التنمية الزراعية الإقليمية وبناء السلام في مناطق أخرى من البلاد. ويجري الآن تنفيذ مبادرة جديدة ستدوم حتى عام 2026 في دائرة كاوكا الواقعة في جنوب كولومبيا.

ويثني السيد Zimmermann، ممثل المنظمة في كولومبيا، على الجهود المبذولة، فيقول: "لقد مضت أشهر منذ انتهاء المشروع ونحن نرى أن جميع الجمعيات تواصل التقدّم بمفردها، بل وتعقد تحالفات مع القطاع الخاص. أمّا أجمل ما في هذا المشروع فكان اكتشاف أن هذه الديناميكية تعمل بنجاح وأنها مستدامة".

أمّا بالنسبة إلى السيدتين Ana وSaray، فإن الجمال الحقيقي للمشروع يتجاوز ارتفاع المبيعات والنمو الاقتصادي. بل هي روح الوحدة التي عادت إلى الحياة وتنبض بها الآن المجتمعات المحلية.

"نحن نقف في القطعة التي يملكها رجل واحد من العائلة، هذا الرجل لم يتردد في وهب المجتمع المحلي قطعة أرض كاملة وقيّمة جدًّا بجوار الطريق السريع. وقد وحّدتنا هذه المبادرة لدرجة أننا لا نعتبر أنفسنا شركاء فقط، بل إخوة. نحن عائلة من جديد. والألم الذي يصيب أحدنا هو ألم للآخر، ونحن فخورون بهويتنا كمزارعين".

للمزيد من المعلومات:


Share on Facebook Share on X Share on Linkedin