الصفحة السابقة بيان المحتوياتالصفحة المقبلة

تحسين إنتاج الزراعات المروية

شكلت الزراعة المروية موردآ في غاية الأهمية لإنتاج الغذاء في العالم عبر العقود الحديثة، وكما يوضح الرسم البياني، فإن أعلى المحاصيل التي يمكن الحصول عليها بالري تفوق ضعف أعلى ما يمكن الحصول عليه من الزراعة المطرية. وحتى الزراعات المروية ذات المدخلات القليلة فإنها أكثر إنتاجة مما تغله الزراعات المطرية ذات المدخلات العالية. ويعتبر هذا من مميزات القدرة على التحكم وبدقة في امتصاص جذور النبات للماء.

وبالرغم من هذا، فإن إسهام الزراعة المروية في الإنتاج الزراعي الكلي أقل من إسهام الراعة المطرية، وعلى مستوى العالم، فإن 3 8 % من الأراضي الزراعية تتبع نظام الزراعة المطرية ويشكل إنتاجها 60% من الإنتاج العالمي للغذاء. وفي المناطق المدارية التي تتصف بندرة المياه كبلاد الساحل (الأفريقي)، تمارس الزراعة المطرية على أكثر من 95% من أراضيها المنزرعة. وأحد أسباب ذلك هو أن بناء وتطوير أنظمة الري التقليدية لإنتاج الغذاء في هذه المناطق يتطلب كلفة عالية جدآ يصعب تبريرها من الناحية الاقتصادية. وتوجد عدة أسباب تفسر عدم قدرة الزراعة المروية التقليدية على الاستمرار في النمو بنفس المعدل السريع التي اتسمت به عبر العقود القليلة الماضية. ومن هذه الأسباب أن التكلفة الحقيقية للإنتاج الزراعي من الزراعة المروية ليست واضحة أو معروفة بالتحديد، وعلى حد قول أحد المؤلفين: "أن ال ر ي يعتبر من أكبر النشطات المتلقية للدعم في العالم". كما أن الكلفة البيئية تعتبر عالية (ولا تنعكس في أسعار الغذاء الناتج) حيث تؤدي أنظمة الري المكثفة إلى تغدق الأرض أو التربة بالمياه بالإضافة إلى/ أو تملحها، ويوجد الآن حوالي 30% من الأراضي المتأثرة بدرجات متوسطة أو حادة بهذه الأعراض. ويتسبب تملح الأراضي المروية في إنقاص المساحة المنزرعة منها بمعدل ا إلى 2 في المائة سنويآ.

وبالرغم من هذه التحفظات، فإن الري سيستمر استخدامه في المساحات المروية كما أن هذه المساحك سوف يتم التوسع فيها. إن ما نحتاجه بشدة هو زيادة الكفاءة في استخدام مياه الري (أنظر الأطار فى الصفحة المقابلة).

يوجد لدينا، أساسآ، خمسة أنواع من الري:

يطلق على الطريقتين الاولتين، الري السطحي والري بالرش، الري التقليدي. ويعتبر الري السطحي حاليآ أكثر أساليب الري شيوعآ حيث يستخدم على وجه الخصوص بواسطة صغار المزارعين لأنه لا يحتاج إلى تشغيل وصيانة معدات هيدروليكية متقدمة أو معقدة. ولهذا السبب، فإن من المتوقع غالبا- أن يستمر هذا النوع من الري، أي السطحي، سائدآ إلى عام 2030 بالرغم مما يتسم به من هدر للمياه وكونه من الأسباب الرئيسية لتغدق التربة وتملحها.

الري بالتنقيط والري بالنضح أو النشع (تحت السطح) هي أمثلة للري " الموضعي" ( localized ) وتزداد شعبية استعمال هذا النوع من الري حيث تتعاظم فيه كفاءة استخدام المياه والتي توضع أو تطبق فقط في المواقع ذات الاحتياج ويكون هدر المياه فيها قليلا. وعلى أية حال فإن التقانة ليست هي كل شئ، فمن الأشياء الواعدة بالنسبة لزيادة الإنتاجية من المياه هي استعمال الري بمقاييس صغيرة واستخدام المياه العادمة الناتجة من الاستعمالات الحضرية، مما يؤدي لزيادة إنتاجية المياه بكمية تضارع تلك الناجمة عن التغيير في تقانات الري.

أنطمة الـري الموضعي  

إذا ما وضعت الحوافز في مكانها- ويعتبر زيادة سعر مياه الري في الغالب الحافز الرئيسي- سيقوم المزارعون بتبني التقانات المقتصدة في استعمال مياه الري وأساليب التقانة الرئيسة التي يتوقع استخدامها وتبنيها في البلاد النامية، حيث هناك وفرة في العمالة وندرة في رأس المال، هي الري بالتنقيط والري بالنضح أو النشع (من تحت السطح)، ويعتمد هذان النظامان على الإضافات المتقاربة لكميات صغيرة من المياه إلى جذور النباتات بطريقة مباشرة على قدر الإمكان. ومن أهم ميزات الأساليب المقتصدة في مياه الري، وخاصة الري بالتنقيط أنه إلى جوار اقتصادها في استعمال المياه فإنها تعمل على زيادة المحصول مع الإقلال من معدل تملح التربة. إضافة إلى ذلك فإن النظامين المذكورين لا يتسبب عن تطبيقهما ملامسة مياه الري للجزء الخضري من النبات. ولذا فإنهما يمكنان من استعمال المياه الضاربة للملوحة ( brackish ) في ري المحاصيل ذات الحساسية الضئيلة للملوحة. بعض أنظمة الري تحت السطحي بالنضح بسيطة ولا تتطلب مدخلات مكلفة من المعدات ولكنها تحتاج إلى عمالة كثيفة. وفي الواقع، فإن واحدآ من أقدم نظم الري هو وضع جرار فخارية مسامية في التربة حول أشجار الفاكهة وبمحاذاة صفوف المحصول بحيث تملأ الجرار باليد حسب الحاجة، الأنابيب المسامية والمثقبة التي تدفن تحت الأرض تقوم بنفس الغرض ويمكنها عادة إرواء صفين اثنين من النباتات، صف على كل من ناحيتي الأنبوب. ولا يمكن التحكم في معدل إضافة المياه (وإن كان يمكن التحكم في معدل تكرار الإضافة) حيث أنها تعتمد على حجم الثقوب وخواص التربة.

ولقد تم تطبيق الري بالتنقيط- حتى الآن- على جزء صغير من المناطق الملائمة لتطبيقه. ويعتمد هذا النوع من الري على نظام يعمل تحت الضغط لإجبار المياه على المرور خلال الأنابيب المثقبة الممتدة على سطح الأرض، بمعدلات تتراوح بين 1 و 10 لتر في الساعة لكل "نقاطة" ( emitter )، وبالرغم من أن التقانة المستخدمة بسيطة، إلا أنها تحتاج إلى استثمار وصيانة دقيقة في نفس الوقت حيث أنه يمكن انسداد "النقاطات " بسهولة.

ولقد أوضحت النتائج من العديد من الدول أن المزارعين الذين تحولوا من الري السطحي في خطوط إلى الري بالتنقيط قد أمكنهم خفض استهلاكهم للمياه بحوالي 30 إلى 60 في المائة. وغالبا ما يزداد المحصول الناتج في نفس الوقت حيث تعطى النباتات الكمية المثلى الاكثر ملائمة من المياه (وغالباالأسمدة أيضآ) عند احتياجها لها كما لو كانت تغذى بواسطة الملعقة.

 

تبلغ تكلفة أنظمة الري- بالتنقيط حواالى 1200 إلى 2500 دولار أمريكي للهكتار، وتعتبر هذه التكلفة عالية بالنسبة لمزارعي المساحات الصغيرة وكذا في المحاصيل منخفضة القيمة، إلا أن الأبحاث مستمرة لخفض تكلفة هذه الأنظمة وجعلها في حدود المستطاع. ولقد أمكن تطوير نظام للري بالتنقيط تبلغ تكلفته 250 دولارا أمريكيا فقط للهكتار. وتعتمد عملية خفض التكاليف أساسآ على استخدام مواد بسيطة بالإضافة إلى قدرة النظام على إمكانية التنقل والحركة. وبدلا عن استخدام أنبوب تنقيط خاص لكل صف من صفوف المحصول، فإن أنبوبا واحدا يمكن نقله كل ساعة تقريبا يمكن له أن يعمل على إرواء عشرة صفوفا ويعتبر الري بالفوارات ( ( Bubbler irrigation نوعا مختلفآ أقل تكلفة من نظام التنقيط حيث تنتفي الحاجة لاستعمال النقاطات emitters) ( ومنظمات الضغط وبعض ا لأ جزاء الأخرى. وبدلا عن ذلك يسمح للمياه أن تفور ( Bubble ) من قطع أو وصلات من الأنابيب القصيرة المركبة رأسيآ والمتصلة بأنابيب توزيع أفقية أو جانبية تحت سطح الأرض.

ارواء المساحات الصغيرة

يعتبر توافر بعض الأنظمة التقليدية والحديثة، لإرواء المساحات الصغيرة من خلال الري التكميلي، من الأمور الواعدة جدآ من أجل رفع الإنتاج في مناطق الزراعة المطرية. وبعض التقانات مثل "مضخات الدواسة " ( treadle pumps ) أي التي تدار بواسطة الدوس بالأرجل (انظر الأطار فى الصفحة 19) تسمح للمزارعين فقيري الموارد من إدارة أنظمتهم الخاصة بالري بما يلائم احتياجاتهم بشرط توافر المياه محليآ. ويعتبر ضخ المياه باستعمال مضخات أو ماكينات الديزل أو الكهرباء الصغيرة أفضل اقتصاديا من تلك المشاريع التي تعتمد أساسا على التحكم المركزي. ويضاف إلى ذلك، أنه بسبب التحكم الكامل لصغار المزارعين في أنظمة الري الخاصة بهم، فإنه غالبا ما يمكنهم تعظيم إنتاجهم لملائمة طرق معيشتهم وحياتهم وهو أمر مستحيل تحت ظروف الأنظمة الكبيرة مركزية التحكم.

تحسين الصرف والإقلال من التملح

يخدم صرف الأراضي المروية غرضين: الإقلال من تشبعها بالما ء "وعلى نفس القدر من الأهمية" التحكم والإقلال من عملية تملح التربة، والتي لا مناص من مصاحبتها لعملية التشبع بالماء في المناطق الجافة وشبه الجافة. كما يسمح الصرف الملائم للاراضي أيضا بتنويع المحاصيل المنزرعة وتكثيفها وكذا زراعة أصناف ذات غلة عالية، هذا بالإضافة إلى الكفاءة العالية للمدخلات مثل الأسمدة والميكنة.

وتعتبر المشكلة بأنها محدودة بحوالي100 -. 110 مليون هكتار من الأراضي المروية في المناطق الجافة وشبه الجافة في العالم. وفي الوقت الحالي فإن هناك حوالي 20- 30 مليون هكتار من الأراضي المروية تعاني من التدهور الشديد نتيجة لتراكم الأملاح بها، وتفيد التقديرات بأن هناك 5 2 ر. 50 ر. مليون هكتار يتم فقدانها وخروجها من العملية الإنتاجية سنويا بسبب التملح. والمساحة التي تحت الصرف حاليآ تقدر بحوالي 20-. 50 مليون هكتار تعتبر غير كافية، ولهذا فإن هناك حاجة ماسة للصرف في الأراضي المروية. إلا أن للصرف سلبيتان رئيستان: الأولى أن سائل الصرف ( drainage effluent) ( غالبآ ما يكون ملوثآ بالأملاح والعناصر النادرة والعوالق أو الترسبات وبعض شوائب المدخلات ال ز راعية. ولذا فإن سائل الصرف يجب أن يتخلص منه بعمليات مأمونة. أما النقطة السلبية الثانية فإن الصرف المحسن في المناطق أعلى المجرى يتسبب في تدفقات أكبر للمياه بأسفل المجرى، مما يزيد من مخاطر الفيضانات، لذا فإن مشروعات الصرف الجديدة يجب أن تأخذ في اعتبارها التأثيرات الجانبية على البيئة وألا يقتصر اهتمامها فقط على فوائد ومزايا الإنتاج الراعي المستدام. ولقد تم إنجاز عمليات الصرف لحوالي 100-.150 مليون هكتار من أراضي الزراعة المطرية، غالبيتها تقع في أوروبا وأمريكا الشمالية، أما الباقي وهو حوالي 250-350 مليون هكتار فلا زالت بحاجة إلى الصرف 0 هذا ويتم الكثير من عمليات الإنتاج الزراعي في الأراضي المبتلة سابقآ (التي تم صرفها)، إلا أن هذا النوع من عمليات الصرف قد تم إيقافه تقريبا نظرا لزيادة إدراك قيمة ودور هذه الأراضي المبتلة.

استخدام المياه العادمة في الري

الإقلال من حمل التلوث بالنسبة للمياه التي تم استعمالها في المزارع والصناعات وكذا الاستخدام الحضري، قد يمكننا من إعادة استعمال جزء أكبر منها في عمليات الري. وفي الإمكان أن نحقق فوائد كثيرة من استعمال المياه العادمة في الري. وعلى سبيل المثال، فإن مدينة تعدادها 500000 نسمة وتستهلك 120 لتر/ يوم/ شخص تنتج 48000 م 3/يوم من المياه (بفرض أن 80% من المياه المستعملة تصل لنظام الصرف الصحي). وإذا ما عولجت هذه المياه العادمة وتم استخدامها بحرص في عمليات الري، المتحكم بها جيدآ، وبمعدل 5000 م3/ هكتار/سنة فإنه يمكن إرواء حوالي 3500 هكتار. وينظر إلى القيمة السمادية للمياه الناتجة ( effluent ) بنفس قدر أهمية كونها مصدرا من مياه. وتبلغ التركيزات النمطية المعتادة في الجزء السائل للمياه العادمة المعالجة خلال التقليدية للمجاري كما يلي: النيتروجين 50 مجم/ لتر، و الفسفور 10 مجم/ لتر، والبوتاسيوم 30 مجم/ لتر. وعند الري بمعدل إضافة قدره 5000 م 3/ هكتار/ سنة، فإن كمية الأسمدة المضافة خلال الجزء السائل تصل إلى 250 كجم نيتروجين و 50 كجم فسفورو 150 كجم بوتاسيوم للهكتار. وبذلك فإن كل ما يحتاجه إنتاج محصول زراعي- عادة- من نيتروجين ومعظم ما يحتاجه هذا الإنتاج من فسفور وبوتاسيوم، يتم الحصول عليها من خلال الري بواسطة المياه العادمة المعالجة، كما أن هناك فوائد إضافية من العناصر الغذائية الدقيقة ذات القيمة العالية والمادة العضوية التي يحتويها هذا الجزء السائل.

وهناك أيضآ فائدة إضافية، هي أن امتصاص المحصول لمعظم هذه العناصر والمغذيات يعمل على إزالتها وإخراجها من لمحورة الماء في الطبيعة وبذلك لا تلعب هذه العناصر دورآ في عملية "التأجين"،( (Eutrophication للأنهار و التسبب في موات جزء من المناطق الساحلية.

الحاجة إلى مخزون أكبر للمياه

تدل التقديرات على أنه بالرغم من التوقعات المتفائلة فيما يتعلق بزيادة الإنتاجية و الكفاءة والتوسع في المساحات المروية، فإنه مازالت هناك حاجة إلى زيادة في المياه تقدر ب 14% لسد حاجة الزراعة المروية في البلاد النامية بحلول عام 2030. وسيحتاج هذا إلى مخزون إضافي للمياه قدره 220 كم 3، وبالإضافة لذلك فإن حجم المخزون المائي الذي يضيع بسبب الترسب في الخزانات الحالية، يجب تعويضه، ويقدر هذا ب 1% أو 60 كم 3 في السنة أو 0 180 كم 3 على مدى 30 عاما.

 

كما أنه يجب تعويض 160 كم 3 من المياه التي "تعدينها" (أي استنزافها بلا رجعة) من مياه التكوينات المائية الجوفية. وعلى ذلك فإن احتياجاتنا الكلية عبر الثلاثين عاما القادمة تتطلب خزنآ أو مخزونة إضافيآ من المياه يقع في نطاق . 2180 كم 3 أي أكثر من 70 كم 3 في السنة (غير آخذين في حساباتنا ازدياد الفقد بالتبخر كنتيجة لزيادة المساحة)، وهذا يتطلب العمل على أن نقيم سنويآ ما يعادلى أو يكافئ السد العالي بأسوان، ولأسباب اقتصادية وبيئية واجتماعية متعددة فإنه ليس من المتوقع إقامة المنشئات أو السدود التي تتسع لمثل هذا القدر من الخزن السطحي الإضافي للمياه خلال 30 عاما القادمة، ويعتبر الخزن لمياه إضافية في التكوينات المائية الجوفية من البدائل الجذابة. وهناك حاجة عاجلة وماسة إلى الأخذ بتقانات جديدة وآليات مؤسسية لتشجيع إعادة تغذية المياه الجوفية بالتكوينات الأرضية .

  الصفحة السابقة اعلى هذه الصفحة الصفحة المقبلة