لصفحة السابقةبيان المحتوياتلصفحة المقبلة

صيانة التنوع البيولوجي للغابات؛ إدارة المناطق المحمية

ان الأثر المتزايد للأنشطة البشرية على البيئة يجعل صيانة الموارد الطبيعية، بما في ذلك التنوع البيولوجي، مهمة عاجلة وحاسمة. وقد صدر أخيرا منشوران جديدان ليضيفا إلى التحذيرات الكثيرة بأن التنوع البيولوجي في العالم مهدد بالخطر بصورة جسيمة. فالقائمة الحمراء بالأنواع المهددة بالانقراض، التي أصدرها الاتحاد الدولي لصون الطبيعة عام 2000، تشير إلى أن عدد الأ نواع المهددة بالانقراض بصورة حرجة قد تزايد منذ صدور القائمة الأخيرة قبل أربع سنوات (21) ، ويحذر الاتحاد الدولي لصون الطبيعة من أن 24 في المائة من الثدييات و 12 في المائة من أنواع الطيور تواجه "خطرا كبيرا بالفناء في المستقبل القريب "، ويشكل تدهور الموئل أكبر تهديد.

وقد صدر منشور بعنوان "موارد العالم 2000-2001: السكان والنظم الايكولوجية، شبكة الحياة المتآكلة"، يعرض نتائج تقدير رائد لسلامة النظم الايكولوجية في العالم (أي النظم الحرجية والساحلية والعشبية والمائية والزراعية)، وينتهي إلى أن قدرة جميع هذه النظم على صيانة التنوع البيولوجي آخذة في التناقص (Rosen, 2000).

وتحتل الغابات- ولاسيما الغابات المدارية- بحكم أهميتها كموائل، مكانا بارزا في الجهود المبذولة لصيانة التنوع البيولوجي. وتشير التقديرات إلى أن الغابات تحتوي على نصف التنوع البيولوجي في العالم، وأنه ربما يوجد أكثر من 80 في المائة من مجموعات كثيرة من النباتات والحيوانات في الغابات المدارية. (CIFOR/Government of Indonesia/UNESCO, 1999). وقد أصبحت الجهود المبذولة لصيانة التنوع البيولوجي أكثر نشاطا واتساعا على مدى العشرين عاما الماضية، فخلال هذه الفترة، انتقلت صيانة التنوع البيولوجي من كونها مركز اهتمام جماعات صغيرة نسبيا من أنصار البيئة والعلماء، ليصبح سمة رئيسية للسياسات والخطط القطرية في جميع أنحاء العالم، وقد أعدت بلدان كثيرة خطط عمل قطرية للتنوع البيولوجي. وأصبح التنوع البيولوجي أيضا قضية هامة في جدول الأعمال الدولي.

وتوفر الاتفاقية المتعلقة بالتنوع البيولوجي، التي اعتمدت في عام 1992، إطارا قانونيا دوليا للتنوع البيولوجي على مستوى النظم الأيكولوجية، لتكمل الحماية الدولية التي توفرها، على مستوى الأنواع، اتفاقية التجارة الدولية بالأنواع الحيوانية والنباتية البرية المعرضة للخطر (أنظر الجزء الثالث، الصفحة رقم 107). وتعد صيانة التنوع البيولوجي مكونا هاما للمساعدات الثنائية ومتعددة الأطراف، وهي بؤرة جهود متضافرة من جانب المنظمات غير الحكومية في جميع أنحاء العالم. وأصبح معترف بها كأحد معايير الإدارة المستدامة للغابات كما تحددها العمليات الإقليمية والقطرية (أنظر الجزء الثالث، الصفحة رقم 113). وقد تصدى المحفل الحكومي الدولي المعني بالغابات لقضايا التنوع البيولوجي، من خلال دراسات متخصصة واجتماعات فيما بين الدورات ترعاها الحكومات (22).

وتوفر القيم معظم الدوافع لصيانة التنوع البيولوجي، فالتنوع البيولوجي له قيمة أيكولوجية، واقتصادية، وثقافية، وروحية، وجمالية، وترفيهية معترف بها. ويقال أيضا إن التنوع البيولوجي له قيمة كامنة، مستقلة عن فائدته لبني الإنسان (Wilson, 1992; Noss and Cooperrider; 1994; Redford and Richter 1999) وكان هناك اتجاه لتأكيد القيم الإقليمية والمحلية، ولكن القيم العالمية بدأت تدفع الجهود بشكل متزايد نحو صيانة التنوع البيولوجي.

والجهود المبذولة لتوضيح القيم الاجتماعية والبيئية العالمية، مثل "ميثاق الأرض " The Earth Charter ( الذي صدر في مارس/ آذار 2000)، يمكن أن تصلح كنموذج إيجابي للتفكير الاجتماعي والبيئي، بنفس الطريقة التي حققها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في مجال حقوق الأفراد .

وهناك فئتان رئيسيتان من استراتيجيات صيانة التنوع البيولوجي: الصيانة في الموقع، والصيانة خارج الموقع. وتعد الصيانة خارج الموقع (مثل بنوك الجينات، والحدائق النباتية، وحدائق الحيوان، وغيرها)، وهي استراتيجية فعالة للصيانة على مستوى الجينات والأنواع، مجدية اقتصاديا ولوجستيا بالنسبة لعدد صغير نسبيا من الأنواع. فى حين تتكون استراتيجيات الصيانة في الموقع من الصيانة داخل المناطق المحمية وخارجها على السواء. وقد ظلت المناطق المحمية تعتبر لفترة طويلة حجر الزاوية لعملية الصيانة. غير أنها لا تكفي وحدها لتحقيق أهداف الصيانة، ويجب استكمالها بإدارة فعالة للصيانة خارج المناطق المحمية. وهناك أربعة أسباب رئيسية لذلك:

ولهذا يعتبر اعتماد نهج متكامل تجاه الصيانة، يشمل الإدارة داخل المناطق المحمية وخارجها، أمرا أساسيا.

ومع الاعتراف بأهمية استراتيجيات الصيانة الثلاث، والحاجة إلى بحثها بطريقة تجمع بينها، يقتصر نطاق هذا الفصل على الصيانة في مناطق الغابات المحمية. وقد كان العقدان الماضيان فترة تغير هائل في هذا المجال، ولذا حانت اللحظة للاستفادة من الموقف وتسليط الضوء على بعض القضايا الحالية الرئيسية، ويناقش هذا الفصل باختصار أسئلة تتعلق بما يلي: ما هي مساحة ونوع الأراضي التي ينبغي حمايتها، وما هو وضع الحماية، وكيف تقدر فعالية الإدارة، وما هي النهج التي تستخدم حاليا في إدارة المناطق المحمية، وكيف تسدد تكلفة الصيانة .

 

وضع مناطق الغابات المحمية: ما هي المناطق التي ينبغي حمايتها وماحجمها

يشير التقدير العالمى للموارد الحرجية، الذى أعدته منظمة الأغذية والزراعة، ان 10 في المائة من غابات العالم يقع داخل مناطق محمية (24) (انظر الجزء الثانى، الصفحة رقم 54). وبينما تعد هذه مساحة كبيرة، إلا أنها لا تعتبر كافية بشكل عام لأسباب مختلفة. فتمثيل أنواع النظم الايكولوجية الحرجية المختلفة في شبكة المناطق المحمية العالمية، وفعالية المناطق المختلفة في صيانة التنوع البيولوجي، يتفاوتان تفاوتا واسعا (Miller, 1999). وكان تخصيص الكثير من المناطق المحمية يستند إلى معايير معينة، لا إلى قيمتها من حيث التنوع البيولوجي، مثل أهميتها كمنظر عام، أو أهميتها الترفيهية، أو التاريخية أو الثقافية، أو أن الأرض ليست ذ ات قيمة كبيرة بالنسبة لاستخدامات بديلة، وفضلا عن هذا، فإن حجم كثير من المناطق المحمية وشكلها وموقعها لم تكن مثالية لأغراض الصيانة، فحجم كثير من المناطق المحمية الحالية صغير جدا، لدرجة أنه لا يوفر موئلا ملائما لبعض أنواع النبات والحيوان. كذلك فإن شكل ومكان كثير من المناطق المحمية يجعلها عرضة لت أ ثيرات سلبية مثل التلوث، والضوضاء، والصيد غير القانوني، والزحف الزراعي.

ولتحسين قيمة المناطق المحمية من حيث الصيانة، بذلت جهود لزيادة مساحة الأرض في شبكات المناطق المحمية، ولتكون الخيارات استراتيجية بشأن حماية مناطق جديدة. ووخه أيضا اهتمام كبير إلى تحسين فعالية الصيانة داخل المناطق المحمية القائمة، وتحسين صيانة التنوع البيولوجي خارج المناطق المحمية، وادارة الاثنتين بطريقة متكاملة (سنتحدث عن ذلك في القسم التالي)، وفي مؤتمر دولي عقدته منظمة الصيانة الدولية في باسادينا، بكاليفورنيا في أغسطس/ آب 2000، قام قادة صيانة الطبيعة ورؤساء المؤسسات بتسليط الأضواء على الدور الحاسم للمناطق المحمية، وأكدوا أن حماية المزيد من النظم الأيكولوجية الحرجة في هذا الكوكب ينبغي أن تكون على رأس أولويات الصيانة.

وخلال العقدين الماضيين، طالبت الجماعات الدولية لصيانة البيئة، التي أبدت قلقها لأن الشبكة العالمية للمناطق المحمية ليست كافية، بتحويل 10 في المائة على الأقل من المناطق البرية في العالم إلى مناطق محمية، وصدر أخيرا كتاب بعنوان " الغابات من أجل الحياة- كتاب السياسة الحرجية للصندوق العالمي للحياة البرية/1لاتحاد الدولي لصون الطبيعة"، (WWF/IUCN,1996) وهو كتاب كرر هذا الهدف بالنسبة للغابات، وطالب بأن تدخل نسبة 10 في المائة على الأقل من جميع أنواع الغابات في شبكة المناطق المحمية . وكانت هناك تحديات قليلة لهذا الهدف فيما بين مجتمع صيانة الطبيعة، وكان هذا حتى وقت قريب.

وكانت الآراء بشأن ما ينبغي حمايته أكثر تفاوتا من الآراء حول مساحة الأراضي التي ينبغي حمايتها. ويقول (Myers et al. (2000 إن " المناطق الهامة" (25) للتنوع البيولوجي، الغنية بالأنواع المختلفة، ينبغي أن تكون لها الأولوية في جهود الصيانة. وغالبا ما تكون الموافي التي تضم أعدادا من الأنواع الراقية، أو الأنواع المحلية، أو مناطق بها أنواع ذات أهمية من حيث التطور (أي الأنواع البدائية)، هدفا للحماية. والتمثيل الأيكولوجي هو أحد المعايير الهامة الأخرى المستخدمة في تحديد اختيار المناطق المحمية. ويرى البعض أن المناطق المهددة بالتدهور، أو موائل الأنواع المهددة بالانقراض، (بما في ذلك " الحيوانات الضخمة التى تحظى بالاهتمام الشديد والجاذبية")، ينبغي أن تكون على رأس قائمة الحماية، بينما يرى آخرون أن المناطق غير المهددة بعد بصورة خطيرة ربما تكون أمامها أفضل فرصة لحمايتها بشكل فعالا وأصيح تحديد أولويات الصيانة أمرا معقدا بسبب القصور في قاعدة المعلومات، إذ أن المعرفة بمناطق كثيرة معرفة هزيلة، كما أن كثيرا من الأنواع لم تعرف بعد أو لم يصفها العلم.

ومع هذا، فقد بذلت جهود كبيرة لتحديد المناطق التي تستحق الحماية. وبدأ يظهر تقارب كبير في الآراء بشأن الأولويات، على الأقل بالنسبة لمجموعات معينة من الأنواع. وتم تحديد مراكز عالمية لتنوع النباتات، ومناطق مهمة لصيانة الطيور (WCMC, 1992) وقامت عدة منظمات، من بينها معهد الموارد العالمي والصندوق العالمي للحياة البرية، ومنظمة الصيانة الدولية، والاتحاد الدولى لصون الطبيعة، والمركز العالمي لمتابعة الصيانة، والمركز الدولي للطيور البرية، بمحاولات لتحديد موافي الغابات المدارية الاكثر أهمية من حيث التنوع البيولوجي.

وكان آخر جهد لتحديد مناطق الغابات التي لها الأولوية في الصيانة، والذي استفاد من نتائج هذه الأعمال السابقة، هو ما بذل في إطار حلقة عمل عقدت في بيرستاجي، بإندونيسيا في فبراير/ شباط 1999. وكان الغرض من حلقة العمل هو بحث إمكانية صيانة التراث العالمي ليكون بمثابة آلية لصيانة التنوع البيولوجي للغابات المدارية. ويعتقد أن اتفاقية التراث العالمي، بمركزها الفريد ضمن إطار اتفاقات الصيانة الدولية، تقوم بدور رئيسي في صيانة التنوع البيولوجي العالمي، وانتهت حلقة العمل إلى أن الغابات المدارية ليست ممثلة تمثيلا كافيا في قائمة التراث العالمي، ويوجد الآن من بين المناطق المدرجة في القائمة 33 موقعا لغابات مدارية تغطي أكثر من 26 مليون هكتار. وقد اقترح فريق الخبراء قائمة بمواقع غابات تستحق الحماية في إطار اتفاقية التراث العالمي (CIFOR/Government of Indonesia /UNESCO, 1999). ولاحظ الفريق أن إقامة تجمعات، أو سلاسل أو ممرات، من المناطق المحمية قد تكون الوسيلة المجدية الوحيدة لتحقيق أهداف صيانة التنوع البيولوجي للغابات في المناطق التي يتعذر فيها إنشاء مناطق محمية واسعة، بسبب التجمعات السكانية وعوامل أخرى.

وخرج من حلقة العمل هذه رأي بديل بشأن الحجم المثالي من الأراضي في المناطق المحمية، فيقول Sayer et al (تحت الطبع) أن نحو 100 موقع- أي مواقع الغابات المدارية الحالية في قائمة التراث العالمي، بالإضافة إلى القائمة المقترحة في بيرستاجي- التي تمثل من 3 إلى ه في المائة من الغابات المدارية في العالم، يمكن أن تكفي لصيانة معظم التنوع البيولوجي المداري. ويقول المؤلفون إن تمويل صيانة التنوع البيولوجي والدعم السياسي يمكن أن يكونا أكثر فعالية إذا تركزا على جهود الصيانة في هذه المجموعة "الممتازة" التى هى من أغنى مواقع الأرض من الناحية البيولوجية، ومن السابق لأوانه القول بان هذا المفهوم- الذي يختلف عن الرأي الذي ظل سائدا لفترة طويلة وهو الأ كثر هو الأفضل " وهدف " 10 في المائة فما فوق "- سوف يحظى بالقبول على نطاق واسع، ومع ذلك، فإن هذا يبين أن السؤالين الأساسيين عن حجم ونوع الأراضي التي ينبغي صيانتها لا يزالان موضع نقاش.

 

فعالية إدارة المناطق المحمية

حالة الإدارة

لاشك أن نوعية إدارة المناطق المحمية أكثر أهمية من حجم المساحة الموضوعة تحت الحماية، والمطبوعات مليئة بإشارات إلى تهديدات خطيرة تواجهها المناطق المحمية، أو إلى عدم كفاية إدارتها. ومع أنه من الصعب الحصول على صورة عالمية متكاملة عن الموقف، ظهرت دراستان أخيرتان تحاولان تقدير حالة المناطق المحمية في بعض البلدان الحرجية الرئيسية حول العالم.

وقد بحث (Dugelby (1997 و Terborgh و Van Schaik مدى تعرض المناطق المحمية لثمانية تهديدات (الزحف الزراعي، وصيد الأسماك/ قنص الحيوانات، وقطع الأخشاب/ جمع حطب الوقود، ورعي الحيوانات، والتعدين، والحرائق، وشق الطرق، والقوى المائية) في البلدان الحرجية الهامة في أمريكا اللاتينية، وأفريقيا الوسطى والغربية، ومدغشقر، وجنوب آسيا، وجنوب شرق آسيا، وأستراليا، وبابوا غينيا الجديدة، ووجدوا أن التهديدات التي تتعرض لها مناطق الغابات المطيرة المحمية ظاهرة تشمل جميع المناطق المدارية، وانتهوا إلى “ الحقيقة الواضحة وهي عدم كفاية تدابير الصيانة" في جميع البلدان التي تم بحثها باستثناء بلد واحد.

وخلص (Stolton (1999 و Dudley في مسح لمناطق الغابات المحمية في عشرة من البلدان الحرجية (26)، إلى أن 1 في المائة فقط من هذه الموافي يمكن اعتبارها مأمونة من التهديدات الخطيرة المحتملة، وأن 22 في المائة على الأقل تعاني من التدهور. وحددت الدراسة طائفة مفزعة من التهديدات، وناقشت أيضا المعوقات الخطيرة أمام فعالية إدارة المناطق المحمية، ومن بينها: الافتقار إلى الأموال، ونقص الموظفين المدربين، وضعف المؤسسات، وعدم وجود دعم سياسي، ووجود إطار قانوني هزيل، وضعف تنفيذ القوانين، وعدم كفاية الاتصال بالسكان المحليين، وعدم كفاية مشاركتهم في تخطيط الإدارة، ونقص التنسيق فيما بين الهيئات القائمة بالإدارة، وعدم وجود خطط شاملة لاستخدام الأراضي، وسوء تخطيط الحدود. وبرغم المعوقات الكثيرة التي حددتها الدراسة، تم استخلاص بعض الاستنتاجات التي تبعث على الأمل، ومن بين هذه الاستنتاجات اكتشاف أن 1 في المائة فقط من المناطق المحمية في هذه البلدان وصلت إلى حالة سيئة من التدهور، حتى فقدت تماما القيم التي أنشئت من أجلها. والتهديدات التي تواجه المناطق المحمية واضحة حتى في البلدان المتقدمة التي تنفق موارد كبيرة على الصيانة. فقد خلص الفريق المعني بالتكامل الأيكولوجي للمراتع القطرية الكندية، مؤخرا، إلى أن معظم هذه المراتع تأثرت بالضغوط الأيكولوجية (Parks Canada, 2000) وكان من بين المشاكل تفتيت الموئل أو فقدانه، وتلوث الهواء، ومبيدات الآفات، والأنواع الغريبة، والاستخدام المفرط.

قياس فعالية المناطق المحمية

لا تزال أساليب رصد فعالية المناطق المحمية متخلفة نسبيا. غير أن هذا كان مجال اهتمام متزايد وجهود كبيرة في السنوات القليلة الماضية، ويرجع هذا في جانب منه إلى الاعتراف بأهمية الإدارة المتوائمة، فباستطاعة المدراء تعديل وتحسين تدخلات الإدارة عند اكتشاف تهديدات أو تغييرات في حالة النبات والحيوان. ولاشك أن تحديد مجالات الضعف المؤسسي، أو إخفاق السياسات، أو الآثار الاجتماعية السلبية، يمكن أن يساعد المدراء أيضا على اتخاذ قرارات حاسمة.

ويمكن تقدير فعالية المناطق المحمية من حيث حماية التنوع البيولوجي، والقدرة المؤسسية، والآثار الإجتماعية، والوضع القانوني. وقد تركزت معظم جهود الرصد حتى الآن على تقدير أول هذه العناصر، أي فعالية المناطق المحمية من حيث صيانة التنوع البيولوجي. وقد ثبت أن القيام بهذه العملية كان أصعب من المتوقع، كما يتضح من الأقوال التالية:

"لعل أكبر عيب منفرد للبرامج السابقة لصيانة التنوع البيولوجي هو أننا لم نعرف قط في الواقع ما إذا كنا ننجح أو نفشل "

(Iremonger, 1998 و Sayer)

"كانت صيانة التنوع البيولوجي 000 من أهم المتغيرات التي كان يتعين علينا رصدها في كل موقع من مواقعنا. غير أنه إذا كنا قد تعلمنا أي شئ على مدى السنوات القليلة الماضية، فهو أن تحديد نجاح الصيانة أمر بالغ الصعوبة، ناهيك عن قياسه على أساس المقاييس البيولوجية".

(Salafsky et al., 1999)

وتظهر التحديات التي تواجه عملية الرصد بسبب تعقيد النظم الأيكولوجية، والمستويات المختلفة للتنوع البيولوجي، وأهداف الإدارة التي يصعب قياسها، ويستطيع المرء أن يتصورصعوبة رصد التقدم نحو تحقيق هدف صيانة التنوع البيولوجي عندما ينظر في بيانات الأهداف في المثالين التاليين . فقد خلص محفل: معني بصيانة الموارد البرية الحية، في الولايات المتحدة إلى ما يلي: "ينبغي أن يكون هدف الصيانة هو تأمين خيارات الحاضر والمستقبل عن طريق الحفاظ على التنوع البيولوجي على المستوى الجيني، وعلى مستوى الأنواع والعشائر، والنظم الايكولوجية " (Mangel, et al.,1996). وأوصى فريق مهمات كان يحقق في حالة المراتع القطرية الكندية بأن الغرض من إدارتها ينبغي أن يكون " الحفاظ على التكامل الايكولوجي " (Parks Canada,2000).

ويعد كل من قوائم الجرد والرصد من بين التحديات الصعبة، عندما تضم إحدى المناطق المحمية آلاف أو عشرات الآلاف من الأنواع، حيث انه لا يمكن رصدها جميعا، وحتى إذا أمكن ذلك، فإن هذا لن يكون استخداما مثاليا للموارد البشرية والمالية. وتجري مواجهة هذا التحدي عن طريق نهج مختلفة، مثل:

وبرغم التقدم في هذا المجال، لا تزال هناك حاجة الى القيام بقدر كبير من العمل من أجل وضع أساليب رصد فعالة. فعلى سبيل المثال، يمكن أن يؤدي استخدام الأنواع كمؤشرات إلى تيسير عملية الرصد بدرجة كبيرة، ولكن العلاقات بين أنواع المؤشرات المحتملة والعمليات الكاملة للتنوع البيولوجي والنظم الايكولوجية لا تحدد حينئذ بصورة جيدة (Lindenmayer, Margules and Botkin 2000). وفضلا عن هذا، ليس من المحتمل اجراء عملية الرصد، خاصة عندما تكون الموارد البشرية والمالية اللازمة للصيانة محدودة، إلى أن تتاح أساليب رصد رخيصة وبسيطة . وثمة تحد آخر، هو وضع مستويات مقبولة للتغير، بحيث يمكن اتخاذ إجراءات إدارية عندما يتم الاقتراب من الحدود الفاصلة، وسوف يتطلب وضع مستويات الحدود الفاصلة المفيدة فهما أكبر للديناميات الايكولوجية عما يوجد الآن، بالنسبة لمعظم النظم الايكولوجية.

وقد بذلت جهود أخيرة لوضع أدوات لتقدير فعالية المناطق المحمية من منظور واسع، يشمل عوامل مؤسسية واجتماعية وقانونية، وكذلك عوامل بيولوجية. وقد أنشأت اللجنة العالمية المعنية بالمناطق المحمية، التابعة للاتحاد الدولي لصون الطبيعة، فريق مهمات لفعالية الإدارة في عام 1998 ، وفي عام 1999 عقدت حلقتي عمل دوليتين عن هذا الموضوع، ومما لا شك فيه أن الأمر سوف يحتاج إلى نهج متنوعة لاستيعاب الطائفة الواسعة من الظروف الايكولوجية والاجتماعية الاقتصادية في جميع أنحاء العالم، ولكن اللجنة العالمية المعنية بالمناطق المحمية ترى أن النهج المختلفة ينبغي أن تنبع من إطار مفاهيمي عريض واحد، يمكن أن يستخدم في ظل طائفة واسعة من الظروف.

واقترحت اللجنة العالمية إطارا للتقدير (Hocking and Phillips, 1999) واقترحت خمسة مجالات للتقييم:

  • تقييم التصميم لتقدير تخطيط، أو تصميم، نظام لمنطقة محمية، بما في ذلك شموليته وملاعمته وتمثيله؛
  • تقييم المدخلات لتقدير كفاية وتخصيص الموارد (الأموال والموظفين والمعدات والبنية الأساسية) المكرسة لإدارة نظام المنطقة المحمية؛
  • تقييم العملية لتقدير معايير نظم الإدارة والعمليات والوظائف المستخدمة في إدارة المنطقة"
  • تقييم المخرجات لتقدير مدى تحقيق الخطط والأهداف المرجوة أو المعايير؛
  • تقييم النتائج لتقدير مدى تحقيق أهداف الإدارة.
  • ويجري اختبار واستخدام نهج أخرى لتقدير فعالية الإدارة. ونتناول فيما يلي اثنين من هذه النهج: النهج الأول يقوم على المشاركة والآخر يسمح بالرصد عبر عدد من المواقع:

    (1) استخدمت منظمة الحفاظ على الطبيعة، وهي منظمة غير حكومية مهتمة بالصيانة ومقرها في الولايات المتحدة، نهجا يقوم على المشاركة في أمريكا اللاتينية لرصد فعالية إدارة المناطق المحمية (Courrau,1999). وهذا النظام بسيط ومنخفض التكلفة، وهو يتضمن بحث خمسة جوا نب للإدارة: اللإدارة الاجتما عية، والتنظيمية، وإدارة الموارد الطبيعية، والإدارة السياسية- القانونية، والإدارة الاقتصادية- المالية، وتم وضع معايير ومؤشرات لكل جانب من هذه الجوانب . ويجرى عقد دورات رصد كل ستة أشهر، تضم موظفي المنطقة المحمية وممثلين عن الجماعات المهتمة (المجتمعات المحلية والرابطات، وغيرها)، ويجري استعراض حالة المؤشرات، ويقدر المشاركون درجة التقدم في كل منها. وهذه الطريقة لا توفر فقط وسيلة كمية للحكم على التقدم، وإنما تساعد أيضا على إيجاد تصور عام لأهداف واتجاهات الإدارة في المستقبل.

    (2) في ويلز، بالمملكة المتحدة، صمم نظام يعد بسيطا وحاسما وفعالا عندما يتعين رصد مواقع كثيرة (Alexandre and Rowell, 1999)، ولا يتم، بموجب النظام، سوى رصد السمات التي أختير الموقع من أجلها، ويتم الحكم على حالة كل سمة استنادا إلى معيار وضع لهذه السمة. ويتم المطالبة بإدارة لتحسين الأوضاع إذا اعتبرت حالة السمة غير مرضية، وهذا النهج ييسر كلا من الابلاغ والإدارة، وتصبح عملية رصد الحالة عبر مناطق كثيرة ممكنة لأن نظام التقدير والإبلاغ نظام موحد.

    ومن المحتمل أن يشهد مجال رصد فعالية المناطق المحمية تطورا هام في المستقبل. ورغم إحراز قدر كبير من التقدم، فإنه يلزم مزيد من التطوير للنهج والأدوات اللازمة للرصد. وإلى أن يحدث ذلك، ويتم وضع نظم رصد ملائمة تعمل بصورة جيدة، سوف تظل الإدارة المتوائمة الفعالة للمناطق المحمية، على مستوى العالم، مجرد هدف وليست أمرا واقعا .

     

    (21) يمكن الحصول عليها من الموفي على شبكة الإنترنت : www.iucn.org/redlist/2000 .

    (22) لدعم المحفل الحكومي الدولي المعني بالغابات، عقدت اجتماعات برعاية حكومية عن صيانة البيئة والمناطق المحمية في كانبرا، بأستراليا في عام 1998، وفي سان خوان، ببورتوريكو في عام 1999. وأصدر اجتماع كانبرا ورقة مناقشة بعنوان : International forest conservation Protected areas and beyond (Kanowski et al., 1999)

    (23) أنظر: www.earthcharter.org/.

    (24) المناطق المحمية المشار اليها هى الفئات من الأولى إلى السادسة في نظام التصنيف الخاص بالاتحاد الدولي لصون الطبيعة (أنظر الجدول رقم 9 المنشور على الصفحة رقم 54).

    (25) النظم الايكولوجية الغنية بالتنوع البيولوجي والمهددة بالدمار.

    (26) البرازيل والصين وغابون , وا ندونيسيا والمكسيك وبابوا غينيا الجديد وبيرو والاتحاد الروسي وجمهورية تنزانيا المتحدة وفيتنام.

    لصفحة السابقةاعلى هذه الصفحةلصفحة المقبلة