الصفحة السابقةالمحتوياتالصفحة المقبلة

أحدث الصدمات التي تعرض لها الأمن الغذائي

تستمر حالات الجفاف والفيضانات والأعاصير والارتفاع الشديد في درجات الحرارة والزلال وكذلك الصراعات الأهلية في تهديد التقدم صوب تحقيق الأمن الغذائي في كثيرمن البلدان النامية. وتتحمل هذه البلدان العبء الأكبر للكوارث الطبيعية التي يشهدها العالم، وتعاني بصورة أليمة نقص وسائل الإستعداد لهذه الأحداث إعادة بناء سبل معيشتها في أعقابها. ويتعين على الحكومات التي تعاني اقتصاديا بالفعل أن تحول مواردها الشحيحة للتخفيف من تأثيرات الجفاف والفيضانات أو الزلازل ومن ثم تبديد جهودها القائمة من فترة طويلة لتحسين الأمن الغذائي والتحفيز على التقدم الإقتصادي. وعندما تؤدي الصراعات البشرية إلى تفاقم البؤس الناجم عن الكوارث الطبيعية، فإن التقدم صوب التحرر من الجوع يتعرض لمزيد من العقبات.

ومنذ أكتوبر/ تشرين الأول 1999 إلى يونيو/ حزيران 2001، تضرر 22 بلدا من حالات الجفاف وتعرض 17 بلدا لفيضانات وأعاصير وانهمك 14 بلدا في صراعات أو حروب أهلية، وتعرض بلدان لضربات الزلازل، وواجه 3 بلدان حالات شتاء باردة بصورة استثنائية. وتترك كل كارثة من هذه الكوارث سلسلة من الأضرار المختلفة في أعقاب كل منها مما يتطلب إستجابات مختلفة في كل حالة، إلا أن الإجراءات التي اتخذت في كثير من الأحيان كانت إما قليلة للغاية أو متأخرة كثيرا.

فظروف الجفاف تأتي بالتدريج مما ييسر التنبؤ بأنماط المشاق اللاحقة لها. وحتى إذا كان الأمر كذلك فإن الإنذار المبكر لا يضمن بالضرورة إتخاذ إجراءات دولية منسقة وفى وقتها المناسب. فالفيضانات والأعاصير والعواصف الشديدة وقبل كل شئ الزلازل، تضع السكان المتضررين تحت رحمة ردود فعل دولية تلقائية لمعاناتهم. فالأحوال المناخية غير المواتية تسبب بعض الخسائرفي أحسن الأحوال، إلا أنه عندما ترتفع درجة الحرارة بصورة متطرفة وغيرمتوقعة، فإن النتائج قد تكون بنفس الشدة التي تسفرعنها الكوارث الأخرى، مما يتسبب في إجهاد شديد للإقتصاديات الهشة. وعلى الرغم من أن عددا قليلا نسبيا من الصراعات أو الحروب الأهلية الجديدة قد نشب خلال الفترة قيد الاستعراض، فإن سعير الحروب الأهلية القائمة من فترة طويلة مازال يؤدي إلى تشريد الملايين من السكان داخليا وبعثرة مئاتالآلاف عبر الحدود كلاجئين على الرغم من نشر قوات حفظ السلام الدولية.

أفريقيا

أدت حركة الجفاف الشديد التي بدأت في عام 1999 واستمرت في عام 2000، إلى تدمير المحاصيل والثروة الحيوانية في مختلف أنحاء أفريقيا الشرقية تاركة الملايين من السكان في حاجة ماسة إلى المساعدات الغذائية. ففي إثيوبيا وكينيا، حيث فقدت أعداد كبيرة من الحيوانات، زهقت أرواح السكان نتيجة لنقص الغذاء، في حين عانت إريتريا والصومال والسودان وأوغند ا وجمهورية تنزانيا المتحدة آثار الجفاف.

وعلى الرغم من الإنذارات المبكرة التي أصدرها النظام العالمي للإعلام والإنذار المبكر لدى منظمة الأغذية والزراعة، فإن الإستجابة الدولية لحالة الطوارئ الغذائية الوشيكة لم تبدأ إلا متأخرة ولم يمكن تجنب الهلاك الجماعي جوعا إلا بشق الأنفس. وفى يناير/ كانون الثانى 2001، أصدرت الأمم المتحدة نداء مشتركا بين الوكالات للحصول على 353 مليون دولار لمساعدة البلدان في القرن الأفريقى على الخروج من آثار الجفاف، إلا أنه حتى أبريل/ نيسان 2001، كانت الجهات المتبرعة ما زالت عاجزة عن الإستجابة. وطبقا لما ذكره منسق إقليمي للأمم المتحدة للمساعدات الإنسانية الإقليمية، فإن الإستجابة المتعلقة بكينيا، وهي من أكثر البلدان تضررا، لم تحقق سوى 3 في المائة فقط من المبلغ المطلوب في ذلك الوقت.

وفى أفريقيا الجنوبية، اجتاحت الفيضانات غير المسبوقة في فبراير/ شباط ومارس/ آذار 2000 وسط وجنوبي موزامبيق وأدت إلى إلحاق أضرار خطيرة أو تدميركامل للبنية الأساسية وخسائر فادحة واسعة النطاق في المحاصيل والثروة الحيوانية. ومرة أخرى كانت المساعدات الدولية بطيئة في البداية إلا أنها تسارعت في وقت لاحق مما مكن البلاد من تلافي كارثة كبيرة. وحتى والأمركذلك، كانت المساعدات الدولية لأغراض الإحياء والتعميرأقل سخاء بكثيرمما كان متوقعا. وعلى الرغم من أن موزامبيق تعتبر من أشد البلدان فقرا في العالم، فإنها كانت تحقق تقدما إقتصاديا مطردا منذ نهاية الحرب الأهلية التي شهدتها في 1993. وما لم تقدم مساعدات دولية كبيرة فإن المكاسب الإقتصادية المتواضعة التي تحققت في السنوات الأخيرة تصبح غير ذي جدوى مما يبدد الآمال في تحقيق الأهداف التي حددها مؤتمر القمة العالمي للأغذية عام 1996.

واجتاح إعصاران كبيران وعاصفة إستوائية مدغشقر في أوائل عام 2000 أحدثت فيضانات خطيرة وخسائر في الأرواح وتشريد أكثرمن عشرة آلاف شخص إلحاق أضرار واسعة النطاق بالبنية الأساسية في البلاد. وقد تضرر من ذلك ما يبلغ مجموعه 14. 1 مليون هكتار مزروعة بالمحاصيل مع فقد كامل لما يقدر بنحو 200 ألف هكتار تحت الفيضانات. وعلاوة على الخسائر الفادحة في المحاصيل الغذائية تعرضت محاصيل التصـدير الرئيسية من البن والفانيليا والقرنفل لأضرار بالغة. ومن المعروف أن مدغشقرشأنها شأن موزامبيق، بلد فقير حقق بعض التقدم في السنوات الأخيرة نتيجة للإصلاحات اللإقتصادية. وقد استمرت الصراعات وما يعقبها من نتائج وخاصة الحروب الأهلية الممتدة في إلحاق أضرار بملايين من سكان أفريقيا وكأنها تضيف بؤسا إلى ما تعانيه بالفعل من بؤس ومعاناة. ففي سيراليون، وعلى الرغم من انتشار قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة استمرت عملية نزوح سكان الريف واسعة النطاق. فهناك عدد يصل إلى 2. 1 مليون نسمة من السكان النازحين داخليا في المناطق التي يسيطرعليها المتمردون بعيدون عن متناول وكالات المساعدات الإنسانية، وتثير حالتهم التغذوية والصحية قلقا بالغا. وقد ظلت سيراليون، لبعض الوقت، تعتمد إعتمادا كبيرا على المعونة الغذائية الدولية نتيجة لعمليات التوقف المستمرة في نشاطات إنتاج الأغذية المحلية. وفى أنغولا، أدى تصاعد الحرب الأهلية التي استمرت 25 عاما إلى نزوح أكثرمن 5، 2 مليون نسمة معظمهم من الأفراد الذين يعانون سوء التغذية والأمراض. وتسود أوضح مماثلة جمهورية الكونغو الديمقراطية. فطبقا لإحصاءات الأمم المتحدة يعاني ثلث سكان البلاد على الأقل أو 16 مليون نسمة من سوء التغذية، وذلك إلى حد كبير نتيجة لاستمرار نزوح السكان. وفي الأماكن الأخرى في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، إستمرالقتال في بوروندى وليبيريا والسودان وأوغندا.

كما أصبحت الألغام الأرضية تشكل تهديدا خطيرا للمجتمعات الريفية سواء خلال الصراعات أو بعدها. ففى إريتريا، على سبيل المثال، يرفض الكثيرمن السكان النازحين من أفضل الأراضي الزراعية في البلاد والبالغ عددهم 5. 1 مليون نسمة نتيجة للحرب مع إثيوبيا المجاورة العودة إلى مناطقهم الأصلية خوفا من التعرض للقتل نتيجة للألغام الأرضية.

آسيا

في آسيا الوسطى يحتاج إلى المساعدة الآن ما مجموعة 4 ملايين نسمة في البلدان الأكثر تضررا من الجفاف وهي أرمينيا وجورجيا وطاجيكستان. وقد أضرت حالات الجفاف أيضا بالأردن والعراق والجمهورية العربية السهرية لعامين متواليين، وكان صغار المزارعين وأصحاب القطعان من أشد الفئات تضررا من هذه الحالة وهم الآن في حاجة عاجلة إلى معونة غذائية.

وفي أفغانستان، قضت حالة الجفاف على المحاصيل والثروة الحيوانية في مختلف أنحاء البلاد. ووردت أنباء عن حدوث وفيات نتيجة لنقص الأغذية. وقد تفاقم الموقف مرة أخرى نتيجة لتصاعد الحرب الأهلية المستمرة منذ فترة طويلة وما حل بالبلاد من شتاء شديد البرودة مع تحرك السكان في جماعات من المناطق الريفية إلى المدن وعبر الحدود بحثا عن الغذاء والمأوى. وقد ترددت أنباء عن حدوت وفيات نتيجة لانخفاض درجات الحرارة التي وصلت إلى حد التجمد وخاصة في المناطق الغربية والشمالية.

وفى جمهورية إيران الإسلامية، كان الجفاف الذي حل بالبلاد في عام 2000 استمرارا لحالة من أسوا حالات الجفاف التي تصيب البلاد منذ ثلاثين عاما وأدت إلى أضرارا بالغة شملت 18 مقاطعة من مقاطعات البلاد البالغ عددها 28. وقد اضطر البلد إلى استيراد ما يقرب من 7 ملايين طن من القمح في 1999/ 2000 حيث أصبح أكبر بلدان العالم استيرادا للقمح. وفى باكستان، دمر الجفاف المحاصيل في مقاطعة بلوخستان الغربية ومقاطعة السند الجنوبية. وفى الهند أضر أسوأ جفاف تشهده البلاد منذ مائة عام بولاية بوجارات تاركا أكثرمن 18 ألف قرية تعاني نقصا خطيرا في المياه. وتشمل الولايات الأخرى التي تضررت راجستان ومدهيابراديش وأندهار براديش.

وكانت بنغلاديش وكمبوديا والصين والهند وجمهورية لاو الديمقراطية الشعبية ونيبال وتايلند وفيتنام من بين البلدان التي أصابتها كوارث مثل الفيضانات والأعاصير والعواصف المدارية والزلازل. ففي كمبوديا، التي تعتبر بلدا آخر من أشد البلدان فقرا في العالم، أسفرت أسوأ فيضانات تحدث في البلاد منذ 40 عاما عن وفاة عدة مئات من السكان وحدوث حالات تدمير واسعة النطاق في المحاصيل والبنية الأساسية والممتلكات وخطوط الاتصالات. وفى الهند، وهي أسوأ البلاد تضررا، دمرت الفيضانات الشديدة ولايات هيماشال براديش وبيهار والبنغال الغربية وآسام. وفي الهند أيضا تعرضت ولاية غوشارات لزلازل أدت إلى إزهاق أرواح عشرات الآلاف من السكان.

وفى منغوليا، أدى فصلان متتابعان من الشتاء القارس (1999/2000 و 2000/2001) إنخفضت فيهما درجة الحرارة إلى أقل من- 50 درجة مئوية إلى نفوق 6. 3 مليون رأس من الحيوانات تشكل أكثر من 10 في المائة من قطعان البلاد. ومن المعروف أن أكثرمن ثلث سكان البلاد، ولاسيما أصحاب القطعان الرحل يعتمدون إعتمادا كاملا على الثروة الحيوانية في الحصول على قوتهم ودخلهم. ولذا فإن نسبة كبيرة من السكان أصبحت تعاني الفقروانعدام الأمن الغذائي، وسوف تظل كذلك لعدة سنوات إلى أن يعاد تكوين هذه القطعان بالكامل. وقد انخفضت درجات الحرارة في يناير/ كانون الثانى 2001 إلى أدنى مستوياتها منذ 50 عاما في جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية الأمر الذي أدى إلى تفاقم الأوضاع الخطيرة التي يعانيها السكان الذين أصابهم الوهن بالفعل نتيجة لسنوات من ندرة الأغذية ونقص الكهرباء والوقود اللازم للتدفئة والخدمات الصحية.

أمريكا اللاتينية

فى أمريكا الوسطى، تضرر الإنتاج المحصولي بصورة خطيرة نتيجة لسلسلة من الكوارث الطبيعية شملت موجة ممتدة من الجفاف و الزلازل فضلا عن إعصار "كيث ". فقد تعرضت السلفادورلسلسلة من الزلازل في شهري يناير/ كانون الثانى وفبراير/ شباط 2001 أدت إلى مصرع أكثرمن ألف شخص إلحاق أضرار واسعة النطاق بالمساكن والبنية الأساسية الخاصة بالإتصالات. وعلى الرغم من أن المحاصيل الغذائية الرئيسية كانت قد حصدت، فإن قطع البن الحيوى تضرر بصورة خطيرة وفي أمريكا الجنوبية، أرغمت السيول الغزيرة وحالات الجفاف حكومة بوليفيا إلى إعلان حالة الكوارث في معظم أنحاء البلاد في فبراير/ شباط 2001 الأمر الذي تطلب مساعدات غذائية من المجتمع الدولي.

الحاجة إلى استراتيجيات طويلة الأجل

تؤيد توقعات تغير المناخ الإنطباع السائد بتزايد حالات الجفاف والفيضانات واتساع رقعتها الجغرافية. ومما سبق، فإن بعضا من أقل بلدان العالم دخلا هو الأكثرتضررا من هذه الحالات. ويمكن للمساعدات الدولية التي تأتي في وقتها أن تؤدي في كثيرمن الأحيان إلى تجنب الموت الجماعى جوعا، والمساعدة في تخفيف أسوأ التأثيرات الاقتصادية. وفيما يتجاوز حالات الإغاثة من الطوارئ هذه ثمة حاجة إلى مساعدات أخرى لعمليات الإحياء والتعمير. غير أنه إذا تزايدت وتيرة هذه الكوارث كما تعتقد الدوائر العلمية الدولية، فإن وضع استراتيجية طويلة الأجل يعتبرضـروريا لمساعدة البلدان في التكيف مع هذه الأوضاع في المدى القصير وعكس مسار الاتجاه نحو الاحترار العالمي خلال الأجلين المتوسط والطويل. وعلاوة على الحد من انبعاث غازات الدفيئة، تشمل التدابير الوقائية إعادة التشجير وصيانة التربة والمياه (عند مستوى مستجمعات المياه) وزراعة المحاصيل المقاومة للجفاف. وتعتبر شبكات الأمان لأشد الأقاليم تضررا، والنهوض بنظم الإنذار المبكرمن الأمور المهمة.

الصفحة السابقةاعلى هذه الصفحةالصفحة المقبلة