الصفحة السابقةالمحتوياتالصفحة المقبلة

إثراء التجارب الناجحة

تساعد الطرق المحسنة لزراعة المحاصيل الأساسية على استعادة الأمن الغذائي وتحسين سبل المعيشة في الريف. فقد أحدثت توليفة من التكنولوجيا المتطورة وأنماط جديدة من تعاون المزارعين ثورة في طريقة استزراع هذه المحاصيل وتعميمها في عدد من أشد المجتمعات الزراعية فقرا في العالم.

وكانت غانا من البلدان التي سلطت عليها الأضواء في عدد العام الماضي من حالة انعدام الأمن الغذائي في العالم باعتبارها بلدا حقق تقدما ملحوظا في الحد من نقص الأغذية. وعندما ارتفع نصيب الفرد من المتحصلات الغذائية من 1790 سعرا إلى أكثرمن 2600 سعر يوميا، عزى قدر كبير من هذا النجاح إلى استخدام المزارعين للأصناف عالية الغلة من الكسافا. وتشمل التطورات التي حدثت في الأماكن الأخرى في أفريقيا استخدام زراعة الأنسجة في توفير نوعية نظيفة من الموزفي كينيا، واستعمال جذور البطاطا من "البذور" الخالية من الأمراض والتى أدت إلى زيادة متوسط الغلة لأكثرمن الضعف في أوغندا. كما تساعد زراعة الكسافا جمهورية الكونغو الديمقراطية على تحسين الأوضاع الغذائية بعد سنوات من الحرب والمشاكل الاقتصادية.

وثمة قاسم مشترك لقصص النجاح هذا لاسيما بالنسبة للمحاصيل التي يتم إكثارها خضريا. وقد كان من المعتاد إكثار الكسافا عن طريق شتلات من الساق، والموز من مقطع حول قاعدة النبات الرئيسية. وعندما يتحدث الناس الآن عن "بذور" البطاطس، فذلك يعني الدرنات الصغيرة التي تستخدم لإنتاج محصول جديد. وتحقق مواد الغرس الخضرية بعض المزايا. فكل نبات معروف من الناحية الوراثية من حيث أصله وأقاربه ومن ثم يمكن للمزارعين المحافظة على سلالات الأصناف الجيدة بسهولة. ذلك أن الإحتياطيات الكبيرة نسبيا من المغذيات التي تحتفظ بها المادة المزروعة يمكن أن تساعد في ترسيخ المحصول في مواجهة الجفاف وهجمات الآفات أو غير ذلك من الظروف المعاكسة. والواقع أن الطابع القوي للعديد من المحاصيل التي يتم إكثارها خضريا جعل منها احتياطيات غذائية حيوية في مناطق التربة الرديئة وفى الظروف البيئية غير المواتية أو الحروب الأهلية. ومن ناحية أخرى، فإن بعض المحاصيل مثل الموز والبلانتين والبطاطس والبطاطا والكسافا يمكن، في ظروف النمو الجيدة أن تنتج كميات هائلة من الأغذية الغنية بالطاقة، إذ يمكن بسهولة الحصول على غلات تتراوح بين 20 و 40 طنا من الوزن الطازج للهكتار.

أما الجانب السلبي في هذه العملية فهو أن الآفات والأمراض تتكاثر أيضا بسهولة- من محصول موسم لآخر ومن حقل لآخر مع مواد الغرس. فالأمراض الفيروسية على وجه الخصوص تنتقل في نسيج مواد الغرس. وقد لا يلاحظ حتى المزارعون انتقالها باعتبارها مشكلة يمكن تجنبها. وعلاوة على ذلك، فإن السلالات المحددة وراثيا من المحاصيل تكون جميعها معرضة لأي سلالات جديدة من الأمراض التي قد تظهر. وعندما يتعين إحلال مواد الغرس على وجه السرعة، مثلما يحدت بعد وباء من أوبئة الآفات أو عندما تفدى الحروب أو المجاعة إلى فقدان هذه المواد على نطاق واسع، فإن عملية الإكثار تكون بطيئة بصورة واضحة. كذلك فإن مواد الغرس الخضرية تعتبر ضخمة وتكلفة نقلها باهظة. ومن حسن الحظ أنه مع التكنولوجيات الجديدة والتدابير التي تمكن المزارعين من الاعتماد على أنفسهم، أمكن التغلب على هذه العقبات. ونتيجة لذلك، تزايدت أهمية بعض المحاصيل مثل الموز والبطاطس والكسافا في الحد من انعدام الأمن الغذائي.

حزم الموز في مستودع بالسوق

زراعة الأنسجة تزيد من غلات الموز والدخن في كينيا

تمتلك كل أسرة زراعية تقريبا، في مرتفعات كينيا، بستانا صغيرا من الموز. فالموز يكتسب أهمية خاصة سواء كمحصول غذائي أو محصول نقدي، حيث يوفر للنساء اللاتي يقمن بزراعته وتسويقه مصدر دخل صغير، وإن كان مطلوبا بدرجة كبيرة لشراء الضروريات المنزلية. ونظرا لانخفاض محصول البن، وهو المحصول النقدي التقليدي، أصبح الكثير من الأسر أكثر اعتمادا على الموز في كسب قوتهم. غير أن غلات الموز كانت في نفس الوقت تتضاءل، وذلك أساسا نتيجة لتراكم الآفات والأمراض. فالخنافس والديدان والفيروسات تنتقل جميعها من بستان مصاب مع الأغصان القاعدية أو المستخدمة لإنتاج نباتات جديدة.

وتجري معالجة هذه المشكلات من خلال شراكات دينامية تجمع بين باحثي التكنولوجيا الحيوية من القطاع العام في البلاد وصناعة التكنولوجية الحيوية للقطاع الخاص الناشئ والمزارعين الرواد. وقد بدأت هذه الشراكة عام 1997 عندما أطلق معهد البحوث الزراعية في كينيا مشروعا عن الموز دعمته "الخدمة الدولية لاستخدامات التكنولوجيا الزراعية".

وكان العنصر الفني الرئيسي في المشروع هو زراعة الأنسجة أو الإكثار الدقيق. وهو مجموعة من التقنيات المستخدمة في إكثار مواد الغرس الخالية من الآفات والأمراض. إذ يتم زراعة قطع صغيرة تؤخذ من أطراف أغصان نظيفة من سلالة مطلوبة وتزرع في وسيط صناعي معقم في المعمل لإنتاج العديد من النبتات الدقيقة. ويتم تقوية هذه النبتات بعناية في الصوبات لإنتاج نباتات يمكن زراعتها في الأماكن الخارجية. واذا زرعت نباتات الموز من أنسجة مزروعة في تربة خالية من الآفات والأمراض وتم تغطيتها بعناية طوال فترة إنشاء الجذور الحرجة، فإنها تنتج كميات أكبر بكثير من الأصناف التي تزرع تقليديا. كذلك فإن البدء من جديد بمواد الغرس من زراعة الأنسجة يوفر أيضا فرصة لإدخال أصناف جديدة عالية الغلة ومقاومة للأمراض الفطرية المدمرة مثل الفطر المغزلي والسيجاتوكا السوداء.

وكانت الخطوة الأولى في المشروع هي الإستفادة من التجربة التي تمت في جنوب أفريقيا، حيث وضعت بحوث القطاع العام أسس ما يشكل اليوم عملا كبيرا من أعمال القطاع الخاص، ألا وهو تصدير النبتات مزوعة الأنسجة والمنتجة على نطاق واسع. وقد قدم معهد جنوب أفريقيا للمحاصيل الإستوائية وشبه الإستوائية خبراته للمؤسسات الكينية في مجال تقنيات الإكثار، في حين قدمت مختبرات دوروا، وهي شركة من الشركات الخاصة في جنوب أفريقيا، مواد الغرس الأولى لاختبارها حقليا في كينيا. وتم في كينيا تكرار نموذج جنوب أفريقيا في الشراكة بين القطاعين العام والخاص من خلال شركة كينية خاصة، هي شركة التكنولوجيات الوراثية المحدودة لضمان وفرة الإنتاج باستخدام تقنيات تم استحداثها من خلال البحوث العامة.

وبعد ذلك، تمت تجربة نبتات الأنسجة المزروعة للتأكد من تقبل مجتمع المزارعين لها، حيث شارك فيها 150 مزارعا من مزارعي البيانات العملية في مناطق إنتاج الموز الرئيسية الأربعة في كينيا. وحصل هؤلاء المزارعون على ما يحتاجون إليه من نبتات الأنسجة دون مقابل، وتم تدريبهم رسميا على طريقة إدارتها. وقد أثارت الغلات الوفيرة اهتمام المجتمع مما دفع المشروع إلى استهداف الإنتاج والتوزيع واسع النطاق. غير أن الأمور لم تسر دائما على وتيرتها، فثمة عدد قليل فحسب من المزارعين كان قادرا على توفير الاستثمارات اللازمة والبالغة 200 دولار لشراء نباتات تكفي لاستمرار الإنتاج والدخل.

وقد أمكن التغلب أيضا على هذه المشكلة من خلال تشكيل مجموعات القروض الصغيرة. فاستنادا إلى نموذج بنك غرامين الناجح في بنغلاديش، تمكنت مجموعة من نحو 20 إلى 40 مزارعا من تجميع مواردها للحصول على الشتلات من شركة التكنولوجيات الوراثية المحدودة. وكان أفراد المجموعة مسؤولين بصورة مشتركة عن القروض التي أخذت من حساب متجدد، وعملوا معا وتبادلوا معلومات الإدارة.

وكانت النتائج مجدية بالنسبة للمزارعين الذين حققوا نجاحا من التكنولوجيا الجديدة. فالثمار الأثقل وزنا والتي يمكن توقعها من زراعة الأنسجة كانت سهلة التسويق، كما أن تكوين مجموعات المزارعين، التي أنشئت في البداية للحصول على القروض، شدت من أزر المزارعين في جهودهم التسويقية. واستطاع المزارعون أن يبيعوا كميات كبيرة بصورة مباشرة في الأسواق الحضرية مثل نيروبى بدلا من بيع كميات صغيرة للوسطاء. كذلك فإن الاستثمارات في تكنولوجيا الري وتحسين خصوبة التربة، التي تمت في بداية الأمر بالمساعدة في زراعة شتلات الموز، حسنت أيضا من إنتاجية المزارع بأكملها. وحظيت الأصناف الجديدة بقبول المستهلكين، وأكدت مقاومتها للآفات والأمراض شعبيتها لدى المزارعين.

وقد وفر الطلب على شتلات الموز وغيره من المحاصيل المأخوذة من زراعة الأنسجة فرص عمل جديدة في قطاع التكنولوجيا الحيوية المتنامى، في حين ستؤدي زيادة إنتاج الموز في الوقت المناسب إلى التشجيع على تطوير الصناعات التجهيزية. فإذا ما تحقق ذلك، سيكون أحد المستحدثات في مجال تكنولوجيا مواد الغرس قد حفز على تحويل محصول معيشي مهمل إلى مصدر جديد للرخاء.

رعاية بذور البطاطس، تجربة ناجحة في أوغندا

يوفر المزارعون في منطقة كابالي الواقعة على المرتفعات الباردة في جنوب غرب أوغندا، الغذاء لعدد من أكثر سكان الريف كثافة في العالم (نحو 370 فردا في الكيلومتر المريع). وتعتبر زراعة البطاطس من المستحدثات الأخيرة نسبيا في البلاد. ومع ذلك فقد أصبحت بسرعة مصدرا حيويا للغذاء والنقد. ونظرا لعدم وجود نظام رسمي للمحافظة على جودة البذور والافتقار إلى المعارف التقليدية المحلية، قام المزارعون بتطور أساليبهم الخاصة في هذا المجال. ويتألف ذلك ببساطة من بيع أكبر الثمرات حجما للحصول على النقد مع تناول الأحجام المتوسطة والاحتفاظ بالثمرات الأصغر حجما كمواد غرس للمحصول التالى. وكانت نتيجة ذلك هي تراكم الأمراض وخاصة الفيروسات مثل فيروس التفاف الأوراق في البطاطس. وأصبحت الغلات متقلبة ومنخفضة بصورة عامة.

وفي عام 1995، وبدعم من دوائر البحوث القطرية والدولية، قامت مجموعة من نحو 10 مزارعين بتشكيل الرابطة الوطنية لمنتجي بذور البطاطس في أوغندا، وهي مبادرة أثبتت فعاليتها في حل المشكلات الناشئة عن الممارسات الحالية. وقد ارتفع عدد أعضاء الرابطة منذ ذلك الوقت إلى 19 شخصا (7 من النساء و 12 من الرجال) وقدمت حتى ذلك الوقت نحو267 طنا من بذور البطاطس المحسنة لنحو 3570 أسرة استفاد منها ما يقرب من 33 ألف شخص في 73 مجتمعا محليا. ويتم في محطات البحوث التابعة لمؤسسة البحوث الزراعية الوطنية في أوغندا إكثار أصناف البطاطس المحلية الخالية من الأمراض والأصناف الجديدة المقدمة من مركز البطاطس الدولي في بيرو. وتنظم الرابطة بعد ذلك عملية إعادة إكثار البذور النظيفة على مستوى المجتمع المحلي. ويعتبر التدريب على التقنيات المتكاملة للإنتاج ومعاملة الآفات، والتى تساعد في الإحتفاظ بالمحاصيل الجديدة خالية من الأمراض، عنصرا مكملا ومهما في برنامج عمل الرابطة. وتقدم هذا التدريب الشبكة الإقليمية للدعم الفني، وهي برنامج إقليمي لتحسين زراعة البطاطس والبطاطا في وسط وغرب أفريقيا. وفى نفس الوقت، ثمة جهد متواصل لتحسين أساليب التخزين وزيادة الاهتمام بالإنتاج الفائض من بذور البطاطس. وقد أنشئ أكثرمن 60 مخزنا خفيفا في مناطق متفرقة، تبلغ طاقة المخزن خمسة أطنان، وذلك لخفض نسبة الخسائر من 40 إلى 26 في المائة.

وهكذا، أتاح استخدام مواد الغرس المحسنة بإدخال الأصناف الجديدة وتطبيق تقنيات الإنتاج المتطورة للمزارعين في منطقة كابالي زيادة غلاتهم بأكثر من الضعف، والأهم من ذلك، استعادة ثقتهم في البطاطس باعتبارها غذاء أساسيا ومصدرا لدخل الأسرة.

الكسافا فى جمهورية الكونغو الديمقراطية عملية إحياء لمحصول أساسي

كان نبات الكسافا القوي، طوال سنوات الحرب الأهلية وتوقف التجارة والزراعة في جمهورية الكونغو الديمقراطية، أحد المحاصيل الرئيسية التي وفرت الغذاء للسكان. ولا يوجد محصول يزدهر إذا أهمل، إلا أن الكسافا كانت الأقرب إلى ذلك بالفعل حيث استمر إنتاجها على الرغم من الجفاف وسوء التربة والآفات والأمراض، بل وانعدام المدخلات وسوء الإدارة بصورة كاملة تقريبا. وفضلا عن ذلك، تعذر إدخال نوعية جديدة من الكسافا في هذا البلد منذ عدة سنوات ولذا فقد انتشرت الآفات والأمراض في الكسافا دون رادع. والأمر الأكثر خطورة أن هناك شكلا مدمرا من مرض تبرقش الكسافا قد انتشر في البلاد قادما من منطقة البحيرات الكبرى في وسط أفريقيا مما يؤدي إلى خفض غلات الكسافا إلى درجة الصفر من الناحية الفعلية في المرحلة المتقدمة من الوباء.

وقد اضطلعت عملية زراعة الأنسجة بدور حيوي في معالجة المشكلة، وإن كان بصورة مختلفة عما تم في حالة الموز التي نوقشت من قبل. فهذه العملية تشكل في جمهورية الكونغو الديمقراطية أكثر الوسائل فعالية وأرخصها لنقل مواد الغرس النظيفة إلى البلاد من المعهد الدولي للزراعة الإستوائية في نيجيريا. وتم إرسال نحو مائتين من نباتات الكسافا المنتقاة بطريق الجو إلى البلد ليختبرها المزارعون. ولم يكن ذلك كافيا لاكثار مواد الكسافا المقاومة لفيروس التبرقش. ولذا، أنشأت منظمة الأغذية والزراعة وحكومة جمهورية الكونغو الديمقراطية مشروعا يتم بمقتضاه إكثار وتوزيع مليون متر من فسائل السيقان سنويا من الأصناف الأربعة المقاومة والموائمة محليا. وقد بدأت بالفعل الجولة الأولى لعملية الإكثار في ثلاثة مواقع باستخدام تقنيات الإكثار السريع التي رغم كونها أقل تقدما من زراعة الأنسجة، تعد أكثرتطورا من الإجراءات التقليدية الخاصة بأخذ الفسائل، سواء من حيث زيادة معدل الإكثار أو ضمان خلو مواد الغرس من الأمراض. وينبغي توفير نحو 300000 مترمن الفسائل للتوزيع قبل أكتوبر/ تشرين الأول 2001. وسيتم بعد ذلك إدخال ثمانية مواقع جديدة للغرض ذاته.

وقد تم بالفعل تدريب مجموعات المزارعين والمرشدين الذين سيشتركون في هذه المواقع. وسوف تتولى روابط المزارعين ومجموعات المجتمع المحلي، في المرحلة الثالثة، مسؤولية الإكثار والتوزيع في حين ستضطلع المدارس الحقلية بدورحيوي في تعريف المزارعين بالتقنيات المتكاملة للإنتاج ووقاية المحاصيل، مما سيساعد في المحافظة على الإنتاجية في المدى البعيد. وتعتبر هذه الإستثمارات في رأس المال البشري أمرا حيويا إذا ما أريد لمواد الغرس المحسنة أن تسهم بصورة كاملة في تلافي انعدام الأمن الغذائي وتحسين سبل المعيشة.

نساء يجففن الكسافا باستخدام مجفف شمسي تابع للمجتمع المحلي

الصفحة السابقةاعلى هذه الصفحةالصفحة المقبلة