الصفحة السابقة بيان المحتوياتالصفحة المقبلة

دعم مصايد الأسماك

مقدمة

ورد في تقرير حالة الأغذية والزراعة الذي أصدرته المنظمة عام 1992 فصل بعنوان " المصايد البحرية وقانون البحار: عقد من التغيير"(82) أن دعم مصايد الأسماك يمثل حافزا على الطاقة المفرطة والصيد المفرط. وقد ساعد هذا الفصل في تركيز الإنتباه على حالة النضوب التي يتعرض لها الكثير من المخزونات السمكية البحرية التجارية الرثيسية في العالي وكان أخطر ما في التقرير هو تأكيده على أن الحالة قد تدهورت بصورة ملموسة منذ الأيام الذهبية، عندما توصل مؤتمر الأمم المتحدة الثالث لقانون البحار إلى إتفاقية سمحت للدول الساحلية بأن تفرض سيطرتها على مصايد الأسماك لمسافة 200 ميل بحري من شواطئها. فقد خلص التقرير إلى أن وجود دعم لمصايد الأسماك قضى على الدور المطلوب والمتوقع لمد الولاية على مصايد الأسماك بإقامة مصايد مستدامة والمحافظة عليها.

وقد تزايد الإهتمام بدعم مصايد الأسماك في السنوات الإثنتي عشرة الأخيرة مع قيام وكالات حكومية دولية مثل البنك الدولي، ومنظمة التعاون الإقتصادي والتنمية، وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة ومنظمة الأغذية والزراعة (83) بالتركيز على دعم مصايد الأسماك ونشر وثائق تجذب انتباه الجماهير إلى هذه المشكلة. وقد أسفر المؤتمر الوزاري الرابع لمنظمة التجارة العالمية، الذي عقد في الدوحة عام 2001، عن إصدار توجيه صريح للمشاركين في جولة المفاوضات التالية بشأن التجارة الدولية بتحسين النظام المطبق في منظمة التجارة العالمية لمراقبة دعم مصايد الأسماك. وأيدت خطة التنفيذ الصادرة في عام 2002 عن مؤتمر القمة العالمي للتنمية المستدامة ما جاء في إعلان الدوحة من دعوة منظمة التجارة العالمية إلى ممارسة دورها فيما يتعلق بدعم مصايد الأسماك.

تعريف

ما المقصود بدعم مصايد الأسماك؛ يمكن تعريف هذا الدعم على نطاق ضيق بأنه أي تحويلات حكومية إلى صناعة الصيد، وعلى نطاق أوسع بأنه أي إجراء حكومي يدخل تعديلا على الأرباح المحتملة التي قد تجنيها الشركات على المدى القريب أو المتوسط أو البعيد. وبغض النظر عن التعريف المستخدم، فإن الدعم يمكن أن يغير من تصرفات الشركات بطريقة تتدخل في التجارة الدولية وتؤثر على جهد الصيد وعلى استدامة ا لمخزونات السمكية في نهاية الأمر. ويقدم هذا الدعم لأسباب مفترضة تتعلق بالفوائد الإجتماعية، وهو ليس أمرا سيئا في حد ذاته. فهؤلاء الذين يخالفون شروط الإتفاقية الدولية لإجراءات الدعم والتعويض يمكن مساءلتهم بمقتضى اللوائح الحالية لمنظمة التجارة العالمية ويعتبرون مخالفين للمعايير الدولية. ولكن ليس كل أشكال الدعم تدخل ضمن هذه الفئة. وتبرز مشكلة الدعم الذي لا يمكن المساءلة بشأنه عندما تتغير الأطر التي ينفذ فيها هذا الدعم لدرجة يشكل فيها تهديدا لاستدامة المخزونات السمكية. وكمثال، فمع تمديد الولاية على مصايد الأسماك إلى 200 ميل بحري، ربما رأت دولة ساحلية أن تستغني عن الأسطول الأجنبي في المياه البعيدة بأسطول محلي، ترى- من بين جملة أسباب أخرى- أنه أسهل في رقابته عند إدارة مصايد الأسماك. وقد يوافق المجتمع على الدعم لهذا الغرض. ولكن بمرور الوقت، قد يصبح هذا الدعم جزءا من تفكير العاملين في مؤسسات الصيد، حتى يصبح من الصعب للغاية إلغاؤه عند بلوغ الهدف، وهو في هذه الحالة إقامة أسطول محلي.وإذا سرنا قليلا مع هذا المثال، فسنجد أنه إذا كان الدعم يشجع على بناء أسطول محلي، فإنه ما لم يتم إلغاؤه في الوقت المناسب فإن بناء القوارب سينطوي على طاقة زائدة في صناعة الصيد وأن هذه الطاقة الزائدة ستؤدي إلى الإفراط في الصيد.

فبعد إعلان مد الولاية القطرية لمسافة 200 ميل بحري في الولايات المتحدة وكندا، على سبيل المثال، قامت سياسات الدعم الحكومية على تشجيع بناء أساطيل صيد محلية. وقد استمرت هذه السياسات وقتا طويلا، ومع أوائل التسعينات اضطرت كندا إلى إغلاق أهم مصايد أسماك القد في المحيط الأطلسي أمام الصيد التجاري، نظرا لتناقص مخزونات هذه الأسماك. وبالمثل، ففي عام 1999 رأت الولايات المتحدة أن ثلث المخزونات التي تشرف عليها الحكومة والتي تعرف أوضاعها، قد تعرض للصيد المفرط. وليس هناك أدنى شك في أن الدعم لعب دوره في هاتين الواقعتين

مبررات الدعم وتاريخه

هناك على الأقل ثلاثة مبررات محتملة للدعم. أولها فكرة الصناعة الوليدة حيث ينبغي للحكومات أن تقدم رأس مال مبدئي إذا أرادت لأي صناعة أن تقف على أرجلها في مواجهة المنافسة الأجنبية. وثانيا، أن أي شركة كبيرة ومهمة قد تواجه صعوبات مالية مؤقتة ربما تؤدي إلى انتشار هذه الصعوبات وإلحاق أضرار بجوانب أخرـى سليمة في الإقتصاد، إذا واصلت هذه الشركة أعمالها. فإذا قدمت الحكومة حماية مؤقتة من خلال الدعم ، عندئذ ربما تستطيع حماية الإقتصاد برمته. وثالثا، فإن الدعم يمكن أن يستخدم في تشجيع الشركات على نهج سلوك يحافط على البيئة.

ومنذ 40 عاما كان الدعم يعتبر بشكل عام مفيدا من الناحية الإجتماعية، لاسيما من وجهة نظر حماية الصناعات الوليدة وبمرور السنين ومع تغير وجهات النظر حول دور الحكومة في الإقتصاد، لم يعد الدعم يعتبر مفيدا من الناحية الإجتماعية كما كان الحال من قبل، وإن كان الكثيرون مازالوا يجدون مبررات بيئية للدعم، ولابد من النظر إلى الدعم من خلال الإطار الإجتماعي الذي وجد فيه. فهل سيؤدي الدعم الغرض منه؟ وهل إذا أدى هذا الغرض في النهاية سيمكن إلغاؤه قبل أن يصبح ضارا؟ وهل هناك طرق بديلة أمام الحكومة لبلوغ أهدافها؟

وبغض النظر عما إذا كانت هذه الأسئلة قد أثيرت وما إذا كانت لها إجابات شافية في حالات معينة، فإن تاريخ دعم مصايد الأسماك تاريخ طويل، نعرضه من خلال الأمثلة التالية.

خلال 20 عاما من إنشاء مستعمرة ماساتشوستس في عام 1620 كان الصيادون يحصلون على دعم بإعفائهم من الخدمة العسكرية ومن بعض الضرائب. وفي القرن السابع عشر منحت بريطانيا حقوق احتكار لتشجيع صيد الأسماك فيها يعرف الآن بكندا الأطلسية. وفي منتصف القرن التاسع عشر، طلبت النرويج من علمائها دراسة تذبذب كميات المصيد، وكان ذلك بداية برنامج طويل من الدعم الحكومي للصيادين النرويجيين. وفي آيسلندا، حصلت عملية تحديث الأسطول على دفعة عندما قرر أحد المصارف الحكومية في أواخر القرن التاسع عشر تقديم قروض لشراء سفن الصيد. وفي أوائل السبعينات، وضعت بيرو خطة لتطوير مصايد الأسماك بغرض توريد منتجات أسماك طازجة ومجمدة للأسواق المحلية.

واشتملت هذه الخطة على برنامج للإستثمار تموله الحكومة لإقامة المرافق الأساسية لمصايد الأسماك وشراء معدات للصيد. وطوال 15 عاما بعد عام 1960، نفذت حكومة شيلي برنامجا للدعم من أجل تطوير مصايد الأسماك، يحتوي على إعفاءات من ضريبة الدخل ورسوم الإستيراد. وقامت البرازيل، على امتداد 25 عاما منذ منتصف الستينات، بتطوير مصايد الأسماك فيها من خلال مجموعة متنوعة من الإعفاءات الضريبية. ومن الممكن الإستمرار في هذه القائمة إلى ما لا نهاية، لتشمل صورا من الدعم في البلدان النامية والمتقدمة، منذ مئات السنين وحتى يومنا هذا.

قياس الدعم

لاشك أن قياس الدعم مسألة معقدة بسبب الإختلافات في تعريف الدعم، ونقص البيانات، بالإضافة إلى الإختلافات الناشئة عن المفاهيم المتباينة التي يبدي كل بلد استعداده لاعتبارها دعما عندما تقوم أجهزة دولية بعملية قياس الدعم. وعند قياس الدعم، فإن تكاليف التحويلات المالية الحكومية، أو خصم المتحصلات، هي عادة الأساس لأي حسابات. وكانت هناك عدة محاولات رئيسية لقياس الدعم الذي يقدم إلى مصايد الأسماك بهذه الطريقة. وقد نشر البنك الدولي بالذات كتابا من تأليف M. Milazzo وهو كتاب أساسي في هذا المجال (84). وبالإضافة إلى ذلك فقد جمعت منظمة التعاون الإقتصادي والتنمية قائمة بحسب البلدان للتحويلات المالية الحكومية إلى صناعة الصيد، وقامت بنشر هذه القائمة. كما قامت مجموعة بلدان التعاون الإقتصادي فى آسيا والمحيط الهادي بنشر دراسة عن طبيعة الدعم المقدم إلى قطاع المصايد في الدول الأعضاء ودرجة هذا الدعم. وأعدت المنظمة دليلا تفصيليا لمساعدة البلدان في قياس الدعم الذي يقدم إلى مصايد الأسماك فيها. وكان جمع البيانات يمثل الخطوة الأولى المهمة، وإن لم تكن أكثر من خطوة أولى. فالدعم ليس هو الهم الأول في حد ذاته. فالهم الأول هو تأثيره على سلوك الأفراد والشركات. فهل يؤثر الدعم سلبيا على التجارة الدولية؟ وهل يشجع الدعم الشركات والصيادين على القيام بأعمال تضر بالمخزونات السمكية التي يصيدونها؟

وهناك أشكال من الدعم تؤدي نظريا إلى الصيد الجائر مثل دعم القوارب حيث تقوم الحكومة بدفع نسبة معينة من تكاليف بناء القارب وتزويده بمعدات الصيد. فالتكاليف التي يتحملها الصياد أو شركة الصيد ستقل، وستزيد الأرباح التي تتوقعها شركات الصيد، وبذلك يكون الربح حافزا مزدوجا على الإفراط في الصيد: الأول هو أنه مع أرباح الوحدة الإيجابية من صيد الأسماك، تزيد الأرباح بزيادة كمية الأسماك التى يتم صيدها، والثاني أن الشركة تريد المحافظة على رأسمالها في حالة عمل مستمر. وما لم يتمكن العلماء من إيجاد طريقة صارمة للحد من الصيد، فإن هؤلاء الذين يملكون فائضا في رأس المال سيسعون إلى إقناع مديري مصايد الأسماك بعدم الحد من الصيد. وحيث أن العلماء غارقون إلى ذقونهم في عالم من عدم اليقين، فإنهم لا يستطيعون التوصل إلى طريقة حاسمة، وفي كثير من الأحيان يستمر الصيد بمستويات مفرطة إلى أن تكون الفرصة قد ضاعت، وأصبحت المخزونات السمكية تقترب من حالة الإنقراض تجاريا. وهذا هو الكلام النظري، ولكن هناك حالات، مثل حالة مخزونات أسماك القد في شمال نيوفاوندلاند، حدث فيها ذلك بالفعل. وهناك بالطبع عوامل إضافية تؤدي إلى انخفاض المخزونات السمكية: كوجود خطأ علمي (مقابل عدم اليقين)، ووجود ضغوط سياسية من ا لمجتمعات التي تعتمد على مصايد الأسماك في معيشتها الإقتصادية، والصيد غير القانوني دون إبلاغ ودون تنظيم، والعوامل البيئية مثل الظروف المناخية ووجود أعداد كبيرة من المفترسات وقلة الكائنات التي تفترسها، بالإضافة إلى عوامل أخرى. والسؤال العملي هو إلى أي مدى يؤثر الدعم بالفعل على الإفراط في الصيد؟ وما هو دور الدعم في الأرباح التي تتوقعها الشركة (فالأرباح التي تتوقعها الشركة هي التي ستقودها إلى العمل قبل كل شيء)؟ وإلى أي مدى يؤدي التغيير المتوقع في أرباح الشركة إلى الإفراط في الصيد؟ ومازال تحليل ذلك في مراحله الأولى.

المؤتمرات الدولية

كانت سنة "عقد من التغيير"، وهي سنة 1992، علامة فارقة في تاريخ إدارة مصايد الأسماك. ففي شهر مايو/ أيار من تلك السنة، عقد المؤتمر الدولي للصيد الرشيد في مدينة كانكون في المكسيك. ومع اهتمام المؤتمر بالمحافظة على الأسماك كمورد رئيسي لتغذية البشر، وأهمية المحافظة على البيئة البحرية، ومشكلة الطاقة المفرطة في الصيد، طلب إلى المنظمة إعداد مدونة سلوك دولية بشأن الصيد الرشيد. وقد وافقت البلدان الأعضاء في المنظمة على هذه الوثيقة في عام 1995. وفيما بعد، عقد مؤتمر قمة الأرض في ريو دى جانيرو، ورغم أن إعلان ريو بشأن البيئة والتنمية لم يشر بصورة مباشرة إلى مصايد الأسماك أو الدعم الذى يقدم إليها، فإنه كان شاملا بصورة تسمح باحتواء مشكلات مصايد الأسماك. وفي ديسمبر/ كانون الأول 1995، أكد مؤتمر كيوتو المعني بالمساهمة المستدامة لمصايد الأسماك في الأمن الغذائي على الدعوة إلى الصيد الرشيد. كما أعاد مؤتمر ريكيافيك بشأن الصيد الرشيد في النظام الإيكولوجي البحري عام 2001 التأكيد على أن هناك ضرورة ملحة لإدخال تحسينات على علوم مصايد الأسماك ومتابعتها من أجل مواصلة تنفيذ مدونة السلوك الدولية بشأن الصيد الرشيد. وأخيرا، فإن مؤتمر الدوحة الذي عقد في نفس السنة قد دفع صراحة بقضية الدعم الذي يقدم إلى مصايد الأسماك إلى مقدمة الإهتمامات.

الجدل السياسي

كان هناك إحباط كبير بسبب العجز الواضح في الترتيبات الدولية القائمة لضبط الصيد المفرط. ونظرالوجود تدابير قوية للتنفيذ لدى منظمة التجارة العالمية، فقد أبدى عدد من الدول اهتماما بإيجاد طريقة قانونية أمام تلك المنظمة لتشارك في قضايا الإستدامة. فمنذ عام 1999 تقدمت خمس دول باقتراح إلى لجنة التجارة والبيئة في منظمة التجارة العالمية لحث الحكومات على العمل مع تلك المنظمة بهدف الإلغاء التدريجي لدعم مصايد الأسماك الذي يضر بالبيئة. وقد استمرت هذه المداولات إلى أن أوضح إعلان الدوحة في عام 2001 مدى أهمية هذه المسألة. ثم طرحت هذه المسألة على مجموعة التفاوض المعنية باللوائح في منظمة التجارة العالمية. وقد تقدمت ثماني دول، هي أستراليا وشيلي الإكوادور وآيسلندا ونيوزيلندا وبيرو والفلبين والولايات المتحدة- باقتراح بدأ بملاحظة أنه في أغلب الأحيان تتعرض مصايد الأسماك التجارية إلى الاستغلال الفعلي أو المحتمل من جانب أكثر من دولة واحدة ومضى الإقتراح يقول إن نتيجة ذلك هي أن الدعم الذي يقدم إلى مصايد الأسماك له تأثيرات على التجارة تتعدى بكثير الخلل في العلاقات التنافسية. ففي أغلب الصناعات، يؤثر الدعم الذي يشجع الإنتاج على التجارة على مستوى السوق فقط، دون تأثير على قدرة شركاء التجارة على إنتاج السلعة. أما مع الموارد السمكية المشتركة، فإن قدرة الشركاء التجاريين على إنتاج منتجات سمكية قد تتعرض للتهديد إذا كان أحد البلدان يدعم عملية الصيد إلى الدرجة التى تتناقص معها هذه الموارد. وبناء على ذ لك، أعلنت هذه الدول الثماني تأييدها للنداء الذي جاء في إعلان الدوحة بأن تعزز منظمة التجارة العالمية قواعدها الخاصة بمصايد الأسماك.

وجاءت المعارضة لهذا الإقتراح من البلدان التي ذكرت عدة أسباب من بينها أنه ينبغي إعطاء مزيد من الوقت لاتفاقية الأمم المتحدة للأرصدة السمكية لمعرفة ما إذا كانت ستثبت فعاليتها. وكان الغرض من الإتفاقية هو مجرد حل المشكلات التي ركزت عليها الدول الثماني. وطوال الفترة من أكتوبر/ تشرين الأول 2002 إلى يوليو/ تموز 2003 كان هناك سيل من الرسائل الموجهة إلى مجموعة التفاوض بشأن اللوائح في منظمة التجارة العالمية. واقترحت الولايات المتحدة نظاما "لإشارات المرور" حيث يوضع خط أحمر لفئات معينة من الدعم، أي تحريم هذه الفئات والفئة الثانية من الدعم تواجه ضوءا أصفر حيث ينظر إلى هذه الفئة باعتبارها ضارة. وتقدمت المجموعات الأوروبية باقتراح بديل ركز على تقسيم بسيط للدعم إلى فئتين هما القئة المحرمة والفئة المسموح بها. ومازال الجدل دائرا، مع وصول رسائل إلى الآن من الأرجنتين وشيلي وآيسلندا واليابان وجمهورية كوريا ونيوزيلندا والنرويج وبيرو. وبالإضاقة إلى ذلك فإن هناك مجموعة من " الدول الساحلية الصغيرة المعرضة للخطر " طلبت معاملة تفضيلية في بعض المسائل مثل رسوم الدخول إلى مناطق الصيد، و المساعدات الإنمائية، والحوافز المالية لبناء أساطيل محلية وتنمية ا لمصايد، والمصايد الحرفية. والوقت وحده هو الذي سيجيب عما إذا كانت "النظم " التي ستضعها منظمة التجارة العالمية تناسب المشكلات الخاصة لمصايد الأسماك من عدمه.

المياه العذبة في أفريقيا: هل تمثل المصايد الصغيرة مشكلة؟

مقدمة

خلال السنوات العشر الأخيرة اقترحت الإدارة المشتركة لمصايد الأسماك في أغلب الأحيان كوسيلة للهروب من الفشل في نهج الإدارة السابقة. ورغم أن الإدارة المشتركة اقترحت كبديل، ظلت تشترك مع الإدارة التقليدية في الإفتراض الأساسي بأن زيادة جهد الصيد تسبب الإفراط في الصيد بيولوجيا واقتصاديا، وبالتالي فإنها تمثل التحدي الأول لاستدامة المصايد وبناء على ذلك، يظل تنظيم جهد الصيد هو الوسيلة الأساسية لتلافي "المآسي"، وتحسين الكفاءة والأحوال المعيشية للسكان. ولكن الإدارة المشتركة تختلف عن الإدارة التقليدية في افتراضها أنه بمجرد اقتناع السكان بالنتائج الإيجابية لتخفيض جهد الصيد، فإن المصايد ستتوصل إلى شكل من أشكال التنظيم يقوم على المجتمعات المحلية.

ولكن علماء الإيكولوجيا والإجتماع في مجالات الرعي والغابات في أفريقيا بدأوا مؤخرا في الإعتراض على هذه الافتراضات ، وإثارة أسئلة حول مدى التأثير البشري على قدرة المراعي والغابات الإستوائية(85) على التجدد. وقد أوضحوا أن المتغيرات غير الحيوية المتصلة بتغير المناخ وتنوعه قد يكون لها تأثير أكبر على ديناميات النظام الإيكولوجي عما كان معتقدا بشكل عام، بل إنهم قد يرجحون التأثيرات البشرية، وأن الديناميات الناشئة عن ذلك تصعب على الأقل من معرفة الإتجاهات الناجمة عن النشاط البشري. وتثور الآن أسئلة مماثلة فيما يتعلق بمصايد الأسماك في أفريقيا، وقد نشرت المنظمة في عام 2003 أعمال مجموعة من الباحثين الأوروبيين والأفريقيين (86). وقد ركز هؤلاء الباحثون أساسا على مصايد الأسماك ذات المساحة المتوسطة في ملاوى وزامبيا وزمبابوي، وإن كانوا قد حصلوا على مواد من مصايد أسماك أخرى في الإقليم. وكانت الأسئلة العامة هي:

  • كيف تغير المصيد وجهد الصيد في مصايد المياه العذبة لبلدان الجماعة الإنمائية للجنوب الأفريقي خلال الخمسين عاما الأخيرة؟
  • ما هي الأسباب الرئيسية وراء هذه التغييرات؟
  • كيف يؤثر جهد الصيد على تجدد المخزونات؟
  • إلى أي مدى تتسق لوائح الإدارة الحالية وتلك المقترحة لمصايد الأسماك مع الإستنتاجات التي تم استخلاصها من الإجابات على الأسئلة الثلاثة السابقة؟

تغير المصيد وجهد الصيد خلال الخمسين عاما الماضية

طبقا للمنظمة، فإن المصيد من المياه العذبة في 12 بلدا من بلدان الجماعة الإنمائية للجنوب الأفريقي زاد بصورة منتظمة من 000 168 طن في عام 1961 إلى 598000 طن في عام 1986 . ومنذ ذلك الحين استقر المصيد عند رقم يتراوح بين 000 600 و000 700 وجاءت الزيادة مع مرور الوقت من استغلال مسطحات مائية جديدة مثل بحيرتي كاريبا وكابورا باسا من ناحية ومن صيد المخزونات التي لم تمس من قبل وعلى الأخص أسماك السطح الصغيرة من ناحية أخرى وقد واصل جهد الصيد زيادته بالنسبة للمخزونات المستغلة بالفعل خلال نفس الفترة رغم التفاوت الشديد فيما بين المسطحات المائية المختلقة. وكمثال، فإن عدد الصيادين في بحيرة مويرو زاد بصورة مطردة بينما ظل ثابتا تقريبا في مستنقعات بانغويلو لوقت طويل. وفي بحيرة كاريبا، تفاوت جهد الصيد بالنسبة للمخزونات الساحلية تفاوتا شديدا، وربما لم يزد الآن كثيرا عما كان عليه بعد امتلاء البحيرة في أواخر الخمسينات وفي بحيرة مالومبي زاد عدد الصيادين بإطراد طوال السبعينات ولكنه استقر في الثمانينات والتسعينات ثم بدأ في الإنخفاض في السنوات الأخيرة.

وهناك اختلافات كبيرة فى ديناميات الجهد بالنسبة للتغييرات التي تحدث في هذا النطاق بسبب السكان أو بسبب الإستثمارات. فالسبب الأول يتعلق بالتغييرات في عدد الصيادين، بينما يتعلق السبب الثاني بالتغييرات في الإستثمارات والتكنولوجيا. وجميع مصايد الأسماك بها عناصر من هذين النوعين من التغييرات مع تفاوت الأهمية النسبية لكل منهما تفاوتا كبيرا، وإن كانت التغييرات بسبب السكان في المياه العذبة لبلدان الجماعة الإنمائية للجنوب الأفريفي هي الغالبة طوال الخمسين عاما الماضية. ومعنى هذا أن تكنولوجيا الصيد وتكاليف الإنتاج الكلية من كل وحدة صيد ظلت في أغلب الأحيان مستقرة نسبيا أو تناقصت، في الوقت الذي زاد فيه عدد الصيادين أو تفاوت من وقت إلى آخر. أما في بحيرة مالومبى والحالات الأخرى المرتبطة بالتنمية (غير الناجحة) لمصايد الأسماك " الحديثة " بواسطة مؤسسات أجنبية، فهي استثناءات من حيث أن التغييرات بسبب الإستثمارات كانت هي الغالبة كما أن التغييرات التكنولوجية كانت أهم عناصر التنمية.

وقد يكون الإختلاف في مستويات الجهد كبيرا. ففي بحيرة كاريبا على سبيل المثال، نجد أن عدد الصيادين قد نقص بنسبة 75 في المائة خلال أقل من 5 سنوات بعد عام 1963، ولكنه زاد بنسبة. 150 في المائة في سبع سنوات أثناء الثمانينات. ويغلب على المصايد استخدام تكنولوجيات بسيطة ورخيصة تنطوي على تكاليف بسيطة لدخول أماكن الصيد وتيسير حركة البشر في الدخول إلى المصايد والخروج منها. ومن الناحية الإقتصادية فإن أي شخص يمكن أن يصبح صيادا مستقلا خلال سنوات معدودة وربما كانت سهولة الحركة هذه هي السبب فيما قاله Daniel Pauly من أن دخول أفراد مهمشين من حيث الموارد أو الوظائف الأخرى، يمثل أكبر أسباب القلق في المصايد الصغيرة في مختلف أنحاء العالم (87). وقال إن المصايد الصغيرة أصبحت "الملجأ الأخير" وإن تجمع الأفراد المحرومين في هذا القطاع يؤدي في نهاية الأمر إلى "الإفراط في الصيد حسب نظرية مالتوس ".

ويتبين من استغلال مصايد الأسماك في المياه العذبة لبلدان الجماعة الإنمائية للجنوب الأفريقي أن هذا الإستغلال يتيح قدرا كبيرا من القدرة على الحركة. فكما تبين من حديثنا عن بحيرة كاريبا، فإن الأفراد يستطيعون الدخول إلى أغلب أماكن الصيد، ويستطيعون أيضا الخروج منها. وحتى عندما تكون هناك زيادة مستمرة في جهد الصيد، فإن الناس يهجرون المصايد. وكمثال، ففي بحيرة مويرو، هجر أكثر من 3000 صياد مهنتهم في فترة كان عدد المنتجين يزيد بنحو 2300 شخص. فمصايد الأسماك في المياه العذبة لبلدان الجماعة الإنمائية للجنوب الأفريقي لا تمثل ملجأ أخيرا، وإنما صماما مؤقتا للأمان، لأنها تعطي فرصة لعمل يستطيع الناس ممارسته أو تركه حسب احتياجاتهم.

الأسباب الكامنة وراء أنماط التغيير في جهد الصيد

تعتبر زيادة جهد الصيد في أغلب الأحيان أمرا لا مفر منه نظرا لارتباطها بالنمو الديموغرافي (أي الزيادة بسبب السكان) وبزيادة الطلب على الأسماك (أي الزيادة بسبب الإستثمارات). ولكن هذه النظرية لا تفسر التفاوتات التي تحدث بمرور الوقت ولا تفسر الإختلافات من مسطح مائي إلى آخر. ثم أن النمو بسبب ا لإستثمارات يبدو هو الاستثناء رغم الزيادة العامة في الطلب على الأسماك في كل الإقليم.

والتغييرات في جهد الصيد بسبب السكان ترجع أساسا إلى مجموعة تغيرات في الإنتاجية الإيكولوجية والفرص المتاحة في القطاعات الأخرى. فالإنخفاض المفاجئ في إنتاجية بحيرة كاريبا بعد امتلائها، مع وجود فرص طيبة في القطاعات الأخرى، أدى إلى انخفاض شديد في عدد الصيادين بعد عام 1963. وبالمثل فإن الأزمة التي حدثت في اقتصاد زامبيا بعد عام 1974 أدت إلى انضمام الكثيرين إلى الصيادين العاملين في بحيرة كاريبا. فأكثر من 85 في المائة من الصيادين الذين وصلوا إلى كاريبا في الثمانينات عملوا من قبل في حزام النحاس أو في لوساكا. وقد أدت نفس الأزمة بالناس الذين فقدوا أعمالهم في حزام النحاس إلى العمل في أماكن الصيد الجديدة في تشيسنس في بحيرة مويرو. وليس هناك أدنى شك في أن مصايد المياه العذبة فى بلدان الجماعة الإنمائية للجنوب الأفريقي تعمل كصمام أمان له أهميته بالنسبة للعديد من الأفراد في أوقات الأزمات الإقتصادية، وإن كان الدخول إلى مصايد الأسماك يسمح بالخروج منها.

وتوجد آليات لتنظيم دخول الأفراد إلى مصايد الأسماك المحلية تقوم على الهوية العرقية أو المجتمعية في كل مكان، رغم أنها قد تختلف في فعاليتها في التحكم فى وجود صيادين جدد. فقد استبعدت مثل هذه الآليات في بحيرة مالومبى، ولفترة طويلة، الملاك القادمين من خارج مكان الصيد. وفي بحيرة كاريبا، لم تنفذ لوائح محلية للدخول إلى أماكن الصيد بصورة فعالة لاستبعاد القادمين من الخارج إلا في أوائل الستينات وفي السنوات العشر الأخيرة أما في الأماكن الأخرى فإن هذه اللوائح لم تكن ذات قيمة كبيرة.

وعلى النقيض من ذلك، فعندما تحدث تغييرات مهمة بسبب الإستثمارات في شكل المزيد من طرق جمع رؤوس الأموال الكثيفة، يبدو أن ذلك يقلل من النمو بسبب السكان. ففي بحيرة مالومبى، ومع التحول من الشباك الخيشومية إلى الجرافات المختلفة التي تتطلب قدرا أكبر من كثافة رأس المال، حدثت زيادة ملموسة في تكاليف الدخول إلى أماكن الصيد، وقللت بالتالي من عدد العاملين المحتمل.

والصعوبات العامة المتعلقة بزيادة جهد الصيد بسبب الإستثمارات ترتبط بالحصول على رأس المال النقدي. فأنشطة الصيد ليست كافية في حد ذاتها لدفع التنمية التكنولوجية المكلفة. ويبدو أن الموارد المالية من الخارج أمر ضروري. ففي بحيرة مويرو، قامت المؤسسات الأوروبية بتلبية الإحتياجات المحلية لمصايد موبيندو ( Labeo altivelis ) في أوائل الخمسينات. وفي بحيرة مالومبى تم تدبير الأموال اللازمة لشراء الجرافات من الفوائض التى تحققت من الهجرة الدولية للعمال.

ولاشك أن نقص الموارد المالية والزيادة في جهد الصيد بسبب الإستثمارات في المياه العذبة لبلدان الجماعة الإنمائية للجنوب الأفريقي ليست سوى انعكاس للجوانب الأساسية في المجتمعات سواء على المستويين المركزي أو المحلي. كما أن التحليل المؤسسي الحالي لمساحات مصايد الأسماك في بلدان الجماعة الإنمائية للجنوب الأفريقي يوضح أيضا مدى صعوبة تحديد المؤسسات التي لها قواعد إجتماعية محددة تحديدا جيدا على المستوى المحلي، والتي لها معايير مشتركة بين الجميع. وينظر إلى هذه الصعوبات من زاوية العلاقات القائمة بين الصيادين العاملين وأصحاب معدات الصيد في مالومبى، وهي العلاقة التي يعتقد في أغلب الأحيان أنها علاقة مباشرة بين العامل وصاحب العمل. ولكن يبدو أن المعايير الكامنة التي قد تفيد في استقرار هذه العلاقة بعيدة تماما عن المبادئ المشتركة بين الجميع، وبالتالي فإن القواعد تبدو دائما فضفاضة بل ومتناقضة. والنتيجة هي أن أصحاب المعدات يتحكمون في أطقم ا لسفن بصعوبة بالغة، وأن الصيادين يشعرون في أغلب الأحيان بأنهم مستغلون و/ أو منهوبون من جانب أصحاب المعدات.

تأثير جهد الصيد والبيئة على تجدد المخزونات السمكية

في جميع نهج الإدارة يحظى جهد الصيد بدور رئيسي في تفسير التغييرات التي تطرأ على تجدد كل مخزون من المخزونات السمكية والتنبؤ بهذه التغيرات، ولكن وضع حدود قصوى لنفوق الأسماك على أساس النماذج التقليدية لتقدير المخزونات لم يلق سوى نجاح محدود في كثير من مصايد الأسماك الأفريقية. وقد ساهمت عدة أسباب خاصة بتنوع النظام الإيكولوجي في هذا الفشل. ففي البحيرات التي جرت دراستها، يبدو أن العوامل البيئية كانت أهم في أغلب الأحيان من التغييرات في جهد الصيد في تفسير التغييرات التي تطرأ على إنتاج الأسماك. ورغم أن إجمالي الحصيلة في مصايد الأسماك التي بها أصناف عديدة والتي تستخدم فيها معدات صيد متعددة كان ثابتا بصورة تثير الدهشة مع نطاق واسع للغاية من جهة الصيد، فإن تغيرات واضحة حدثت في الأصناف وحجم المصيد كنتيجة لعمليات الصيد والعمليات ا لتي ترجع إلى البيئة. ويبدو أن أغلب المخزونات تتسم بالمرونة مع قدرتها على الإنتعاش بعد أن يزول ا لضغط عليها. ونتيجة لذلك، فإن التفاوت في جهد الصيد يعتبر انعكاسا بدرجة ما لتفاوت إنتاجية النظام الإيكولوجي (الشكل 43) وليس العكس كما تقول النماذج التقليدية.

وحيث أن التقلبات البيئية تؤثر بصورة ملموسة على الإنتاجية، فإن الإدارة البيولوجية للمخزونات السمكية ينبغي أن تقوم على معرفة التفاوت في النظم في المدى الطويل، ومدى استجابة الأسماك والصيادين لهذه الديناميات، وتتكون قاعدة المعلومات التي تحتوي على هذه المعارف من ثلاثة عناصر: تنوع النظم، وحساسية الأصناف للصيد، والإنتقائية وحجم تشغيل أنماط الصيد.

تنوع النظم

لاشك أن التغيرات طويلة الأجل في مستوى المياه وما يرتبط بذلك من تغيرات مناخية أمور لها أهميتها في تفسير التغيرات في المخزونات السمكية. ويتضح ذلك في البحيرات المتقطعة مثل مويرو وأنتيبا وتشلوا/ تشويتاه حيث تجددت المخزونات بسرعة وحدثت زيادة في الإنتاجية بعد امتلاء البحيرات ولكن الجهود لم تقتصر على الحالات الحادة وفي جميع البحيرات، أثبتت معدلات الصيد بصورة إيجابية وملموسة أنها مرتبطة بمستوى المياه. وفي بحيرة كاريبا يمكن إرجاع الفروق في تكوين الحجم وفي معدلات المصيد بين الأماكن التي يتم فيها الصيد والأماكن التي لا يحدث فيها ذلك إلى نشاط الصيد،

ولكن هنا أيضا نجد أن الحصيلة العامة للصيد ومستويات البحيرة تشيران بقوة إلى أن البيئة هي العامل الرئيسي الذي يؤثر على تذبذب المخزونات (88). وفي بحيرة تنغانيقا، نجد أن التغيرات الكبيرة في معدلات المصيد من الصابوغيات تتأثر أساسا فيما يبدو بعوامل بيئية تلعب فيها الرياح دورا أساسيا (89).

ويمكن تقسيم بحيرات المياه العذبة إلى مجموعتين من البيئات المتغيرة والثابتة. وحينما تكون التغيرات في مستويات المياه هي العامل البيئي المؤثر، فإن ذلك يعطينا معلومات عن الإستقرار النسبي للنظام الذي يمكن إرجاعه إلى التذبذب في حجم المخزون والإنتاجية العامة (الشكل 43).

حساسية الأصناف للصيد

يمكن أن تحدث سلسلة من التغيرات المذهلة في ظل الإستقرار البادي في حصيلة نظم المياه العذبة في بلدان الجماعة الإنمائية للجنوب الإفريقي (الشكل 44). وفي الوقت الذي يمكن فيه العثور على أمثلة لحدوث انخفاض خطير في أحد المخزونات فإن العديد من هذه المخزونات يتذبذب بغض النظر عن جهد الصيد. وتلعب الخصائص البيولوجية دورا هنا، فبعض الأصناف يتميز "بحساسية" خاصية الصيد: وكمثال، فمن الواضح أن بعض الأصناف الكبيرة التي تنمو ببطء، مثل أسماك lates المفترسة في بحيرة تنغانيفا، قد انخفضت نتيجة الصيد، أو الأصناف التي تكون معرضة للخطر في إحدى مراحل

 

نموها، مثل أسماك الشبوط الكبيرة التي يسهل صيدها أثناء هجرتها لوضع البيض في بحيرات مويرو وملاوى وفيكتوريا وتانا. ولكن أغلب الأصناف يتميز بمرونة كبيرة في مواجهة الزيادة في جهد الصيد، وهي صفة ترتبط بتنوع النظم. فكلما تكيف أحد الأصناف مع البيئات المتغيرة، قلت أهمية الإدارة من الزاوية البيولوجية. وقد كانت الأصناف "المرنة" مثل التيلابيا هي الأكثر شيوعا في كثير من مصايد المياه العذبة في إفريقيا لفترات طويلة. وفي الآونة الأخيرة حدث تحول في كثير من البحيرات باتجاه أسماك السطح التي تنمو بسرعة والتي لا تعيش طويلا والتي تتسم بدرجة عالية من "المرونة" مثل صابوغيات المياه العذبة.

الإنتقائية وحجم تشغيل أنماط الصيد

بإمكان المصايد الصغيرة أن تتكيف بسرعة مع الظروف المتغيرة بتغيير وتنويع طرق الصيد فيها. ففي بحيرة مويرو، وردا على اختفاء أسماك Oreochromis mweruensis كبيرة الحجم في السبعينات، تم تصغير فتحات جميع الشباك الخيشومية خلال سنوات متعددة وعادت إلى الظهور فئات العمر القوية التي تشكلت بعد سنوات مع الفيضانات الغزيرة من أسماك O. macrohir كبيرة الحجم رغم زيادة جهد الصيد. وهذه الأسماك التي لا يمكن صيدها بالشباك ذات الفتحات الصغيرة كانت الأساس في العودة إلى الصيد بالجرافات ورغم ثبات العديد من طرق صيد الأصناف المختلقة،

المحرمة رسميا أحيانا، فإنها تكون إنتقائية، بل وقد تصيد أصنافا كان يمكن أن تظل دون استغلال لولا ذلك. ويبدو أنه لا يوجد سوى خطر محدود من تنويع أنماط الصيد في المصايد الصغيرة كتلك الموجودة في أغلب مصايد المياه العذبة في بلدان الجماعة الإنمائية للجنوب الإفريقي، فمع إخفاء ا لتنوع الكامن في الوفرة النسبية للمخزونات متعددة الأصناف، واختيار استهداف أصناف وأحجام متعددة قي وقت واحد، يظهر نمط صيد عام غير انتقائي، يبدو أنه يصون النظام الإيكولوجي. وستظل تركيبة تجمعات الأسماك دون أي تغيير لو أن جميع مكوناتها انتقلت بالتناسب مع إنتاجيتها. ومع ما يبدو من أن إنتاجية النظام و المعدلات المتوسطة للمصيد هي التي تحدد جهد الصيد العام (الشكل 43)، فإن البيئة ذاتها تؤدي إلى تنظيم عملية الصيد بصورة ما في المصايد الصغيرة ويكمن الخطر هنا في زيادة حجم العمليات، سواء تلك الناجمة عن الإستثمارات في تكنولوجيا أفضل، أو الناجمة عن الإستفادة المكثقة من التكنولوجيا المتوافرة بالفعل عند السعي للتغلب على التذبذب الكامن في ا لمخزونات.

الاستنتاجات

منذ بداية القرن العشرين، وضعت اللوائح الخاصة بمصايد الأسماك في إفريقيا نظما لإدارة هذه المصايد تقوم على المعرفة المقبولة بشأن العلاقة بين جهد الصيد والإنتاجية البيولوجية.

ومع ذلك، فإن الديناميات الإيكولوجية معقدة، كما أن زيادة جهد الصيد بسبب السكان ربما كانت أقل ضررا مما ينتظر بشكل عام. فالفهم المتزايد للتنوع الطبيعي مع المراحل المعرضة للخطر أثناء فترات إنخفاض الإنتاجية، وعدم اليقين المرتبط بظهور تكنولوجيات أكثر كفاءة، يدلان على الحاجة إلى "نظم للإنذار المبكر" طبقا للعناصر السابق ذكرها.

والنتيجة التي تم التوصل إليها بأن ديناميات جهد الصيد تعتمد على التنمية الإقتصادية والإجتماعية العامة في الإقليم بقدر ما تعتمد على الإقتصاد السمكي، تنطوي على تركيز أوسع على متابعة مصايد الأسماك. فالتحليلات الإقتصادية القائمة على كيفية رد فعل الأفراد واستجابتهم للتغيرات التي تحدث في الإقتصاد العام لها نفس أهمية التحليلات القائمة على المتابعة البيولوجية الحالية من أجل فهم التطورات التي تحدث في مصايد الأسماك.

وحيث أن التغييرات التي تحدث في جهد الصيد تظل بسبب السكان وعمليات الصيد تجري على نطاق ضيق وبمعدات متعددة فإن التنظيم العام لجهد الصيد يصبح مشكلة. وسيكون من الصعب للغاية توضيح أن انخفاض جهد الصيد سيؤدي إلى تحسين معدلات المصيد والغلة الإجمالية. ومع ذلك فإن تخفيض جهد الصيد التكيفي قد تكون له أهمية محلية، إما في الفترات الخطرة للغاية، أو كوسيلة لمواكبة التغيرات الطبيعية التي ستحدث في ظل أي نوع من نظم الإدارة ولكن إذا أصبحت ديناميات جهد الصيد مدفوعة أكثر بالاستثمارات، فإن الحاجة إلى اللوائح المنظمة تزيد بشدة ولن يكون من الصعب الإجابة على السؤال حول ما إذا كانت مصايد المياه العذبة في بلدان الجماعة الإنمائية للجنوب الأفريقي ستستمر كصمام أمان إقتصادي وملاذ لعامة الناس في الإقليم، أو ما إذا كان ينبغي لهذه المصايد أن تتطور لتصبح مؤسسات صناعية (وبالتالي تستغني عن الكثيرين). وفي وضع تكثر فيه حالات ركود الإقتصاد العام الخطيرة والتي قد تستمر طويلا، يبدو من الضروري التمسك بمهمة هذه المصايد كملاذ لعامة الناس. وبالإضافة إلى ذلك، فمن الصعب أن تتحول مصايد المياه العذبة إلى قوة دافعة في عملية الإصلاح الإقتصادي التي تشتد الحاجة إليها

(82) المنظمة ،1992 "المصايد البحرية وقانون البحر عقد من التغيير". فصل خاص من" حالة الأغذية والزراعة 1992". نشرة مصايد الأسماك الصادرة عن المنظمة رقم 853،روما.
(83) FAO. 2003. Introducing fisheries subsidies, by W.E Schrank. FAO Fisheries Technical Paper. No. 437. Rome
(84) .M. Milazzo. 1998. Subsidies in world fisheries: a re-examination. Washington, DC, World Bank
(85)أنظر على سبيل المثال .I. Scoones, ed. 1995. Living with uncertainty: new directions in pastoral development in Africa London, Intermediate Technology Publications; and J. Fairhead and M. Leach. 1996. Misreading the African landscape society and ecology in a forest-savanna mosaic. Cambridge, UK, Cambridge University Press
(86) FAO. 2003a. Management co-management or no management Major dilemmas in southern African freshwater fisheries. 1. Synthesis report by E. Jul-Larsen. J. Kolding, R. Overå, J. Raakjaer Nielsen and P.A.M. van Zwieten. FAO Fisheries Technical Paper No. 426/1. Rome; and FAO. 2003b. Management co-management or no management? Major dilemmas in southern African freshwater fisheries. Case studies, by E. Jul-Larsen, J. Kolding, R. Overå, J. Raakjaer Nielsen and P.A.M. van Zwieten, eds. FAO Fisheries Technical Paper No.426/2. Rome
(87) D. Pauly. 1994. On Malthusian overfishing In D. Pauly, ed. On the sex of fish and the gender of scientists: essays in fisheries science, pp. 112-117. London, Chapman and Hall; and D. Pauly. 1997. Small-scale fisheries in the tropics marginality, marginalization and some implications for fisheries management. In K. Pikitch, D.D. Huppert and M.P
Sissenwine, eds. Global trends: fisheries management, pp. 40-49. Bethesda, Maryland, USA, American Fisheries Society Symposium 20.
(88) L.P. Karenge, and J. Kolding. 1995 On the relationship between hydrology and fisheries In Lake Kariba, central Africa.fisheries Research,22: 205-226
P.A.M. van Zwieten, F.C. Roest, M.A.M. Machiels, and W.L.T. van Densen 2002. Effects of Inter-annual variability seasonality and persistence on the perception of long-term trends in catch rates of the industrial pelagic purse-seine fisheries of Northern Lake Tanganyika (Burundi). Fisheries Research 54: 329-348; and P. Verburg, R.E. Hecky and H. Kling.2003. Ecological consequences of a century of warming in Lake Tanganyika. Science, 301: 505-507
 

الصفحة السابقة اعلى هذه الصفحةالصفحة المقبلة