وصفت التغيرات التي حدثت على مدى العقد الماضي بأنها تحول مثالي في تخطيط وإدارة المناطق المحمية (Dudley et al.,1999). وتشمل عناصر النموذج القديم السيطرة الاحتكارية من جانب الحكومة المركزية، والسياسات الحمائية، واستبعاد المجتمعات المحلية، وفي أغلب الأحوال حظر الاستخدامات التقليدية لموارد الحياة البرية. أما عناصر النموذج الجديد فتشمل تغيرا في دور الحكومة من التنفيذ إلى التنظيم، ولامركزية صنع القرار، وجهودا لإشراك أصحاب الشأن الرئيسيين في تخطيط وإدارة المناطق المحمية، والإدراك المتزايد للدور الحاسم للسياسات والقوانين والمؤسسات في تهيئة بيئة قادرة على تحقيق التغير والتطور اللازمين.
وفي أكتوبر/ تشرين الأول 1999، أجرت المنظمة مشاورة تقنية دولية في هراري، بزمبابو ي عن كيفية التوفيق بين إدارة المناطق المحمية والتنمية الريفية المستدامة، وأكد الاجتماع صعوبة تحقيق هذا التوفيق، ولكن كان هناك أيضا دليل على التقدم المحرز في الإدارة التعاونية للمناطق المحمية، والفهم الأفضل لقضايا مثل الإصلاح المؤسسي والمتطلبات الأساسية لمشروعات السياحة الايكولوجية الناجحة.
وثمة طريقتان، تأكد فيهما الاعتراف بأهمية ربط التنوع البيولوجي بحياة السكان الريفيين في المناطق المحمية أو بالقرب منها، هما مشروعات الصيانة والتنمية المتكاملة، والصيانة القائمة على المجتمعات المحلية، والتحول الكبير الثاني في تخطيط وإدارة المناطق المحمية، الذي ظهر على مدى العقد الماضي، هو تصور المناطق المحمية، كجزء من مناظر عامة أكبرحجما. والنهج الإقليمي البيولوجي لتخطيط المناطق المحمية، هو مفهوم طورته أوساط الصيانة لوضع المناطق المحمية ضمن سياق جغرافي وسياق لاستخدام الأراضي أوسع نطاقا. وهو يعتمد على بعض مبادئ إدارة النظم الايكولوجية، التي حظيت بقبول مدراء الموارد الطبيعية على مدى العقد الماضي، وتعترف النهج الإقليمية البيولوجية، ونهج النظم الايكولوجية، بتعقيد ودينامية النظم الايكولوجية والاجتماعية. فكلاهما يتطلب اشراك المجتمعات المحلية وأصحاب الشأن في صنع القرار، وبذلك يقتسمون بعض العناصر المشتركة للتحول النموذجي الموصوف أعلاه.
ويناقش القسم التالي هذه النهج الجديدة: مشروعات الصيانة والتنمية المتكاملة، والصيانة القائمة على المجتمعات المحلية، والنهج الإقليمي البيولوجي، ونهج النظام الايكولوجي. كما يناقش أيضا مناطق الصيانة عبر الحدود.
مشروعات الصيانة والتنمية المتكاملة
يشير الواقع إلى أن كثيرا من المناطق المحمية، إن لم يكن معظمها، يوجد بها سكان يعيشون فيها أوحولها، ورد أنصار الصيانة على ذلك بالسعي إلى ربط أهداف الصيانة بأهداف التنمية، لكي تعود بعض منافع المناطق المحمية إلى السكان المحليين. وهذا المفهوم ليس جديدا، ولكنه أصبح ببساطة العنصر الرئيسي في جهود الصيانة على مدى العقد الماضي. وهذا مبدأ كامن في تعيين وإدارة محتجزات المحيط الحيوي، وهي المناطق المحمية الدولية المسماة في إطار برنامج الإنسان والمحيط الحيوي (التايع لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونسكو")، الذي أنشئ في عام 1972 وقد تأكدت الحاجة إلى إدارة المناطق المحمية لمراعاة الاحتياجات والحقوق المحلية، بشكل واضح، في مؤتمر الحدائق العالمية، الذى عقد عام 1982 في بالي، بإندونيسيا، واعتبرت هذه الإدارة بديلا للسياسات الحمائية المحدودة التي اتبعت في الماضي، والتي أدت غالبا إلى إبعاد السكان الريفيين عن جهود الصيانة.
وأدى هذا الرأي الى عدد متزايد من المبادرات لربط إدارة المناطق المحمية بالتنمية الاجتماعية والاقتصادية المحلية، غالبا عن طريق تقديم الحوافز لسكان الغابات والمجاورين لها لدعم الصيانة والاستخدام المستدام، وتعرف هذه المبادرات عادة بمشروعات الصيانة والتنمية المتكاملة. ولقيت هذه المشروعات تأييدا قويا من جانب الحكومة والمنظمات غير الحكومية المعنية بالصيانة والجهات المتبرعة الرئيسية. ومع أواخر التسعينات، وجهت معظم الخطط، أو المقترحات الخاصة بإدارة المناطق المحمية، اهتماما كبيرا للعلاقات مع السكان المحليين، أما الآن، وبعد مضي أكثر من عقد على الترويج بحماس لنهج مشروعات الصيانة والتنمية المتكاملة، ليس هناك سوى عدد قليل جدا من الحالات الناجحة بشكل واضح، التي تم التوفيق فيها بين احتياجات وتطلعات السكان المحليين وإدارة المناطق المحمية. وهناك اعتراف متزايد باحتمال ألا تسهم مشروعات التنمية والصيانة المتكاملة بشكل فعال في عملية الصيانة، أوفي التنمية.
وسجلت شبكة صيانة التنوع البيولوجي، وهي تجربة واسعة النطاق أجريت لفحص العلاقة بين فرص التنمية وصيانة التنوع البيولوجي، بعض الجهود الناجحة، كما أنها تقدم بعض الدروس المستفادة التي قد تحسن من نجاح مثل هذه الأنشطة في المستقبل (Salafsky et al., 1999).وتخلص هذه التجربة إلى أن مشروعا حيويا، يرتبط بالتنوع البيولوجي في موقع أحد المشروعات، يمكن أن يؤدي إلى الصيانة الناجحة لهذا المورد، ولكن ينبغي أن تكون الظروف مواتية. إذ يتعين التغلب على معوقات ومشاكل التسويق المرتبطة باللوائح الحكومية والأساليب البيروقراطية. ومن بين الأمور الحاسمة وجود درجة عالية من المشاركة المحلية في المشروع، كما يتعين على المجتمعات المحلية أن تدرك أن المشروع يتوقف على صيانة التنوع البيولوجي. ومع وضع هذه النتائج في الاعتبار، قد يظن المرء أن بعض مظاهر الفشل في مشروعات الصيانة والتنمية المتكاملة قد تعزى إلى عدم التوافق بين الصيانة والتنمية بقدر أقل مما تعزى إلى العيوب في تصميم وتنفيذ المشروع، أو إلى عدم وجود الشروط الأساسية اللازمة للنجاح .
غير أن خيبة الأمل العامة، فيما يتعلق بجهود الصيانة والتنمية، أشعلت الجدل الدائر بشأن ما إذا كانت صيانة التنوع البيولوجي مرادفا للاستخدام المستدام أم لا، كما يتضح من الرأيين التاليين. يرى (Ntiamoa-Baidu et al. (2000، "ان ربط استخدام الموارد بصيانة التنوع البيولوجي يعد أمرا هاما بصورة حاسمة، لأن السكان الريفيين يعتمدون كثيرا على الموارد الطبيعية في معيشتهم الأساسية"، أما Van Schaik و Terborgh ، (1997) فيقولان إن "المناطق المحمية بشكل صارم 000 ضرورية للمستقبل القريب باعتبارها آخر حصون الطبيعة، ولهذا فإن الحماية الصارمة للغابات ينبغي أن تكون لها الأولوية في جهود صيانة الطبيعة".
وفي مكان ما بين هذين الرأيين، يأتي الرأي القائل بان أهداف الصيانة لا تتحقق على نحو أفضل بإبعاد السكان عن المناطق المحمية، ولكن بإدارة الأنشطة البشرية بحيث لا تمس القيم التي أنشئت من أجلها هذه المناطق، ويقول البعض إن معظم التنوع البيولوجي كان يتعايش دائما مع الأنشطة البشرية الهامة، فطالما استمرت الأنشطة الاستغلالية بمستوى منخفض، فانها لن تهدد التنوع البيولوجي. ويرتبط بهذا الرأي اعتراف بضرورة إشراك السكان المحليين في قرارات التخطيط والإدارة المتعلقة بإدارة المناطق المحمية. وهذا يتسق مع اتجاه عام نحو اللامركزية وتفويض المسؤوليات في كثير من البلدان، والأمل معقود على ان يتمكن السكان المحليون، بمنحهم المزيد من المسؤولية المباشرة، من تحقيق نجاح، في ايجاد الحلول الملائمة للتوفيق بين الصيانة والتنمية، يفوق ماحققته الجهود التى لم تشركهم بقدر كاف.
الصيانة القائمة على المجتمعات المحلية
يشير تعبير "الصيانة القائمة على المجتمعات المحلية" إلى الجهود التي تشرك السكان الريفيين فى هذه النشاطات باعتبارهم جزءا لا يتجزأ من سياسات الصيانة، والافتراض هو أن مشاركة المجتمعات المحلية في تخطيط وإدارة الموارد، يمكن أن تعمل على تحسين فعالية جهود الصيانة، وتساعد في نفس الوقت على ضمان انتفاع المجتمعات المحلية من هذه الصيانة.
وتجري في بلدان مختلفة حول العالم محاولة لتطبيق نهج له شقين للصيانة القائمة على المجتمعات المحلية، بنقل الإشراف على الموارد الطبيعية من المستوى المركزي إلى المستوى المحلي، وإقامة نظم إدارة قائمة على المجتمعات المحلية يمكنها الاعتماد على العلوم والمعلومات والمعرفة التقليدية.
ومن السابق لأوانه استخلاص استنتاجات كثيرة بشأن نجاح هذا النهج عند تطبيقه على إدارة المناطق المحمية . فلم تتضح بعد استدامته على المدى الطويل في أماكن كثيرة، كما أن مدى محافظته على قيم التنوع البيولوجي ليس مؤكدا.
وتوحي الدلائل بأن الصيانة القاثمة على المجتمعات المحلية قد تكون نموذجا فعالا بطبيعته في البلدان المتقدمة حيت يمكن إعطاء الصيانة أولوية أعلى لأنها تلبي احتياجات اقتصادية أساسية. وهناك أيضا أمثلة مثل CAMPFIRE في زمبابوي Community Baboon Sanctuary في بليز، تبين أن الصيانة القائمة على المجتمعات المحلية يمكن أن تنجح في البلدان النامية. غير أن هذا النموذج قد يكون أصعب تنفيذا في بعض البلدان النامية الأخرى. وهناك أسباب كثيرة لذلك، فالسكان الريفيون، الذين يواجهون مشاكل الفقر وقلة الفرص الاقتصادية والمنازعات على الموارد الشحيحة، يهتمون عادة بالفرص الاقتصادية أكثر من اهتمامهم بصيانة التنوع البيولوجي، وهذا أمر مفهوم، فهناك فرق شاسع بين المنافع الاقتصادية التي يمكن أن تحققها الصيانة بشكل واقعي، وبين احتياجات وتطلعات السكان الريفيين. ونتيجة لهذا، قد يرفض السكان الريفيون جهود الصيانة إذا عرض عليهم خيار أكثر فائدة لاستخدام هذه الموارد (Hackel,1999). كذلك فإن الفروق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والتباين في القوى الموجودة داخل المجتمعات المحلية، تشكل كلها تحديات إضافية. ويتعين الاعتراف بهذه الأمور وفهمها ووضعها في الاعتبار عند إعداد برامج الصيانة، وإلا فان من الممكن ان تفشل هذه البرامج بسهولة في تحقيق أهدافها، وبالمثل، يجب الاعتراف بأن جماعات السكان الأصليين، وغيرهم من السكان الآخرين الذين يعتمدون على الغابات، لديهم مواقف مختلفة إزاء الطبيعة؛ وقد حدثت أخطاء لمجرد الافتراض بأن هؤلاء لديهم مبادئ أخلاقية قوية تمنعهم من الإفراط في استخدام الموارد، مثل موارد الحياة البرية.
ووسائل التوفيق بين احتياجات السكان الريفيين الفقراء وصيانة التنوع البيولوجي ليست واضحة بعد. ويتمثل أحد الخيارات في تحسين تصميم وتنفيذ البرامج بحيث تشرك السكان المحليين بصورة فعالة، وتمدهم بفوائد ملموسة ترتبط ارتباطا مباشرا بعملية الصيانة، ويقدم (2000) Brown خيارا آخر: وهو إقامة تحالفات متعددة القطاعات، تجمع أصحاب الشأن والمجتمعات المحلية مع المصالح التي تسعى إلى الربح والحكومة، غير أن هناك شيئا واحدا مؤكدا، وهو أن فهم السياق ا لاقتصادي والاجتماعي والأيكولوجي والسياسي أمر أساسي لنجاح أي جهود للصيانة تقوم على المجتمعات المحلية، وليست هناك حلول نمطية يمكن تطبيقها ببساطة، ولذا يجب تعديل النهج بعناية لكي تتناسب مع كل حالة.
النهج الإقليمي الحيوي
يقوم النهج الإقليمي الحيوي على المفهوم الذي يقول إنه ينبغي لبرامج صيانة وإدارة الموارد أن تشمل نظما ايكولوجية بأكملها أو "مناطق بيولوجية" (27) ، وهذا النهج يساعد على صيانة المجتمعات البيولوجية، والموائل والنظم الايكولوجية، وكذلك العمليات الأيكولوجية، في المناطق التي تم فيها تفتيت المناظر العامة بواسطة مد الطرق، وإقامة المستوطنات، والسدود والتنمية الزراعية (Miller and Hamilton, 1999).
ويتناول النهج الإقليمي الحيوي صيانة التنوع البيولوجي في أربعة أنواع من المناطق. النوع الأول، هو قلب المنطقة أو المناطق البرية التي تأو ي النباتات والحيوانات البرية في موائلها الطبيعية. والنوع الثاني، هو المناطق العازلة، أو المناطق التي تحيط بمناطق القلب، حيث يتم تشجيع مالكي الأراضي والمستخدمين من القطاع الخاص والجمعيات- عن طريق صكوك قانونية وسياسية وحوافز ا قتصادية- على إدارة مواردهم بطرق تقلل إلى أدنى حد من الآثار السلبية على مناطق القلب، والنوع الثالث، هو ربط مناطق القلب والمناطق العازلة بغيرها من مناطق القلب والمناطق العازلة الأخرى، بواسطة ممرات توفر موائل ملائمة لهجرة وانتشار النباتات والحيوانات. والنوع الرا بع، هو إقامة شبكة تضم مناطق القلب، والمناطق العازلة، والممرات داخل مناطق تهيمن عليها المستوطنات والأنشطة البشرية. والهدف من إدارة المناطق البيولوجية هو إنشاء برامج تعاونية على امتداد المنطقة بكاملها، تتيح صيانة واستعادة التنوع البيولوجي، وتدعم فى نفس الوقت أسباب معيشة السكان المحليين وأساليب حياتهم.
ويتوقف التوزيع الناجح للنهج الإقليمي الحيوي (Miller and Hamilton,1999) على مايلي:
وقد أستخدم النهج الإقليمي الحيوي في مناطق مختلفة في جميع أنحاء العالم، تحت ظروف أيكولوجية واجتماعية- اقتصادية متنوعة، وتم توثيق الكثير من هذه التجارب بصورة جيدة، كما أنها توفر دروسا مفيدة (على سبيل المثال Miller,1999,IUCN,1999).
نهج النظام الايكولوجي
هناك تفسيرات مختلفة لعبارتي "نهج النظام الايكولوجي " و "إدارة النظام الأيكولوجي "، ولكنهما يجمعان في الغالب بين عناصر مشتركة، مثل: التفكير في النظم، والاعتراف بتعقد ودينامية النظم الأيكولوجية والاجتماعية، والحدود المقررة أيكولوجيا، وبحت المجالات الزمنية المختلفة، والإدارة المتوائمة لمواجهة التغيرات والتقلبات، وصنع القرار التعاوني. ويرى بعض الناس أن صيانة أو إصلاح وحدة النظم الأيكولوجية أو سلامتها هي الهدف الشامل للإدارة، بينما يرى آخرون أن الاحتياجات البشرية لها نفس الدرجة من الأهمية أو أنها أكثر أهمية (Yaffee,1999).
وتصف الاتفاقية المتعلقة بالتنوع البيولوجي نهج النظام الايكولوجي على النحو التالي:
"هو استراتيجية للإدارة المتكاملة للاراضي والمياه والموارد الحية، تشجع الصيانة والاستخدام المستدام بطريقة عادلة 000 . ويقوم النهج على استخدام منهجيات علمية ملائمة تركز على مستويات التنظيم البيولوجي، الذي يشمل الهياكل والعمليات والوظائف والتفاعلات الاساسية فيما بين الكائنات وبيئتها، ويعترف النهج بأن البشر، بتنوعهم التقافي، هم أحد المكونات المتكاملة لكثير من النظم الايكولوجية" (28) .
وتستخدم بلدان كثيرة بشكل متزايد نهج النظام الايكولوجي في تخطيط وإدارة استخدام الموارد وتنميتها . وفضلا عن هذا، وافقت الأطراف في الاتفاقية المتعلقة بالتنوع البيولوجي في مؤتمر الأطراف الخامس، الذى عقد في مايو/ أيار 2000، على تطبيق مبادئ نهج النظام الايكولوجي- على النحو الموصوف أعلاه- في إدارة مواردهم الطبيعية. وقد نتج عن مؤتمرين عقدا في إطار الاتفاقية المتعلقة بالتنوع البيولوجي، 12 مبدأ، يشار إليها عادة بمبادئ ملاوي، وخمسة مبادئ توجيهية تنفيذية لاستخدام هذا النهج (أنظر الإطار رقم 19).
ويعد تنفيذ نهج النظام الأيكولوجي مهمة معقدة، وهي بالتأكيد أكثر تعقيدا من النظم التقليدية لإدارة المناطق المحمية والحياة البرية. ويشير مدير دائرة الأسماك والحياة البرية الأمريكية، إلى أنه عند الأخذ بنهج النظام الأيكولوجي، يتعين على مدير الموارد البرية أن يتخلى عن نهج النوع الواحد الذي جربه من قبل (Clark,1999) ويقول أيضا إن المدراء سوف يحتاجون إلى مساعدة العلماء لتحديد الأهداف والغايات البيولوجية التي يسعون إليها .

مناطق الصيانة عبر الحدود
بالرغم من أن مناطق الصيانة عبر الحدود ليست جديدة، إلا أنها اجتذبت اهتماما كبيرا في الفترة الأخيرة (مثل برنامج دعم التنوع البيولوجي، 1999). فهذه المناطق مهمة لأسباب أيكولوجية وسياسية على السواء.
ووجد (Zbicz (1999 أن 136 مجموعة من المناطق المحمية المتجاورة، أو تجمعات المناطق المحمية عبر الحدود، تغطي ما لا يقل عن 10 في المائة من مجموع مساحة المناطق المحمية في العالم. وتتيح المجمعات القائمة والمقترحة معا 205 فرص محتملة لصيانة التنوع البيولوجي عبر الحدود.
وهذه المناطق مهمة من الناحية الأيكولوجية، لأن كثيرا من المناطق المهمة للتنوع البيولوجي تقع على جانبي الحدود القطرية لبلدين أو أكثر، وتتوقف الإدارة الفعالة للنظم الايكولوجية عبر الحدود على الاستخدام المتوافق من جانب البلدان المجاورة، وتطرح إمكانية إقامة مناطق محمية عبر الحدود.
وفي السياق السياسي، قدم اقتراح يفيد بأن مناطق الصيانة عبر الحدود يمكن تطويرها "كحدائق للسلم " لتعمل كآليات لحل النزاعات الدولية على طول الحدود. وقد اجتذبت هذه الفكرة قدرا كبيرا من الاهتمام والتأييد، ولكنها لا تخلو من الانتقادات، فيقال إن إنشاء وتشغيل الحدائق عبر الحدود عملية معقدة بصورة لا يمكن التحكم فيها، وإن من الأفضل استثمار الموارد في تحسين إدارة نظم المناطق المحمية القطرية.
ومهما تكن المزايا السياسية للمناطق المحمية عبر الحدود، فمن الواضح أن الأسباب الايكولوجية للقلق من قضايا المناطق المحمية عبر الحدود، أسباب صحيحة وتستحق مزيدا من الاهتمام.
يعد النقص المزمن في الأموال للإنفاق على عمليات الصيانة أحد المعوقات الرئيسية لصيانة التنوع البيولوجي بشكل فعال في معظم البلدان النامية. وأصبحت الحاجة إلى تحسين التمويل القطري لنظم المناطق المحمية، وتأمين مصادر تمويل دولية، موضوعا للمناقشات والمبادرات الجارية .
وبصرف النظر عن مشكلة نقص التمويل، فإن أحد المعوقات الرئيسية للوكالات الحكومية يتمثل في عجزها المتكرر عن الاحتفاظ بالعائدات التي تحققها المناطق المحمية. فليست هناك حوافز كثيرة لوكالات الصيانة لكي تنفذ برامج تحقق عائدا، عندما ترغم على إعادة هذا العائد إلى الخزانة القطرية، وهو ما يحدث في أغلب الأحوال، وغالبا ما يتسبب افتقار هذه الوكالات إلى الاستقلال المالي في عدم تشجيع المبادرات لإقامة صلات مع القطاع الخاص (James, 1999). ولاشك أن خفض الاعتماد على التمويل الحكومي، وتطوير مصادر مبتكرة للتمويل، واحتفاظ الوكالة بالعائدات المتحققة، للاستفادة منها في إدارة المنطقة المحمية، كل هذا من شأنه أن يخفف من صعوبة الموقف .
وقد تكون التغيرات في الهياكل المؤسسية خيارا آخر لإحداث تغيرات هامة في توفير الأموال لإدارة المناطق المحمية. وتبين من مقارنة إدارات الصيانة الحكومية التقليدية بوكالات الصيانة شبه الحكومية المستقلة ماليا وتنفيذيا في إقليم أفريقيا، أن الوكالات شبه الحكومية تنفق على إدارة المناطق المحمية ما يزيد 15 مرة على ما تنفقه الإدارات الحكومية (James,1999) . وهذه المقارنة تعبر عن ثقافة مؤسسية مختلفة . فمدراء المناطق المحمية شبه الحكومية يسعون لزيادة وتنويع مصادر تمويلهم. وقد أفادت جميع الوكالات المستقلة ماليا بأنها استهلت برامج جديدة مدرة للدخل، من بينها زيادة رسوم الدخول للزوار، وفتح حسابات أمانة، وطلب منح من مجموعة متنوعة من المنظمات العامة والخاصة، ودعوة القطاع الخاص لتقديم عطاءات في مشروعات مشتركة لتنمية السياحة الأيكولوجية، وغير ذلك.
وتقول الدعوات الموجهة من أجل زيادة الأموال الدولية لجهود الصيانة إنه إذا كان للتنوع البيولوجي أهمية عالمية ويوفر منافع عالمية، فإن تكاليف صيانته ينبغي تحملها على المستوى العالمي، ويشير البعض، من منظور عملي أوسع، إلى أنه ما لم تساعد البلدان الأكثر ثراء في تغطية التكاليف، سوف تظل الصيانة ضعيفة بسبب النقص المزمن في الأموال الكافية لدى البلدان الاكثر فقرا.
ويعد المرفق العالمي للبيئة آلية التمويل الدولية الاكثر أهمية للصيانة في البلدان النامية. وهو أيضا الآلية المالية للاتفاقية المتعلقة بالتنوع البيولوجي. والدعم الثنائي ومتعدد الأطراف للصيانة هو وسيلة أخرى يساهم بها المجتمع الدولي في تكاليف الصيانة في البلدان النامية، وكانت المنظمات غير الحكومية المهتمة بالصيانة تنش ط أيضا منذ وقت طويل في جمع الأموال اللازمة لجهود الصيانة، والدعم الذي تتلقاه جهود الصيانة الدولية في الوقت الحاضر من جميع هذه المصادر، يقدم حسب الحاجة، وبصورة غير منتظمة، ولا يمكن التنبؤ به. ومن الواضح أنه يلزم تأمين دعم منتظم ومستمر من أجل الصيانة الفعالة والمستدامة، ويمكن أن يكون هناك هدف متوسط الأجل أو بعيد الأجل، يتمثل في إنشاء آلية تمويل دولية داثمة لصيانة التنوع البيولوجي، ونظرا لعدم وجود هذه الآلية، بدأت تظهر آليات جديدة لدعم جهود الصيانة، ومصادر جديدة للتمويل.
وقد استحدثت منظمة الصيانة الدولية مؤخرا آلية جديدة لصيانة التنوع البيولوجي: وهي "امتياز الصيانة"، ففي سبتمبر/ أيلول 2000، استأجرت مساحة كبيرة من الغابات من حكومة غيانا بسعر السوق كامتياز للأخشاب، وسوف تدار هذه الغابة لأغراض صيانة التنوع البيولوجي وليس لاستغلال الأخشاب، وهذه الآلية السوقية توفر تدبيرا لحماية الغابة، وتضمن فى الوقت نفسه تدفقا مستمرا للعملة الصعبة على البلد. وتعتزم منظمة الصيانة الدولية العمل مع حكومات أخرى لاستخدام هذه الآلية، من أجل صيانة التنوع البيولوجي للغابات في أماكن أخرى.
وتشكل المنظمات غير الحكومية المهتمة بالصيانة تحالفات جديدة مع شركاء غير تقليديين لدعم أعمالها. ومن الأمثلة على ذلك، تحالف الغابات المشترك بين البنك الدولي والصندوق العالمي للحياة البرية، الذي أنشئ فى عام 1998، ومن بين أهداف هذا التحالف هدفان هما: العمل مع الحكومات والمجتمع المدني لزيادة مساحة مناطق الغابات المحمية ب 50 مليون هكتار، وتأمين إدارة فعالة لمساحة مماثلة من مناطق الغابات المحمية حاليا ولكنها معرضة لتهديد خطير بحلول عام 2005، وهناك مثال أخر وهو "صندوق المشاركة في النظم الايكولوجية الحرجة"، الذي أنشأه البنك الدولي ومنظمة الصيانة الدولية والمرفق العالمي للبيئة في منتصف عام 2000 لحماية المناطق المهمة للتنوع البيولوجي في العالم. وسوف يسهم كل شريك بمبلغ 25 مليون دولار أمريكي، مع العمل على جمع 75 مليون دولار أخرى ليصل مجموع المبلغ المحصص للانفاق على أنشطة الصيانة الى 150 مليون دولار.
وثمة تطور حديث، وهو اجتذاب أموال من القطاع الخاص للصيانة، فمع أن تبرعات ا لأفراد والشركات لجهود الصيانة لها تاريخ طويل في بعض البلدان (مثل الولايات المتحدة)، بدأت تظهر مصادر تمويل جديدة لجهود الصيانة الدولية.
وتعد "مؤسسة الأمم المتحدة" أحد هذه المصادر الجديدة للتمويل. فذلك الجزء من أموالها الموجه حاليا لصيانة التنوع البيولوجي سوف يخصص لمشروعات تستند إلى مواقع التراث العالمي، وقد أعطيت منحة أخيرة من هذه المؤسسة، تبلغ ثلاثة ملايين دولار، لأربعة مواقع للتراث العالمي في جمهورية الكونغو الديمقراطية، ثلاثة منها مناطق غابات محمية.
وبدأت الاتصالات الإلكترونية وقطاع الإنترنت يشاركان بشكل متزايد في تمويل جهود الصيانة، ابتداء من فتح حسابات أمانة لإدارة مناطق محمية منفردة، إلى دعم أنشطة البحوث والصيانة التي تقوم بها المنظمات غير الحكومية، فعلى سبيل المثال، تلقت منظمة صيانة الطبيعة مؤخرا 5 ملايين دولار أمريكي من مستخدمي الإنترنت، لمساعدتها على شراء مساحة من النظام الايكولوجي للبراري في شمال غرب الولايات المتحدة، وهناك مثال آخر يشمل منحة قدرها 35 مليون دولار أمريكي مقدمة من أحد المشتركين في تأسيس شركة Intel Corporation لمنظمة الصيانة الدولية، من أجل إنشاء مركزها الخاص بالعلوم التطبيقية للتنوع البيولوجي.
أصبحت صيانة التنوع البيولوجي للغابات موضع اهتمام كبير على مدى العقد الماضي. وفي الوقت الذي يستنتج فيه العلماء، ذو الخبرة الطويلة في مجال البحوث، أن المحتجزات الحرجية المدارية أصبحت الآن في حالة أزمة (Van Schaik, Terborgh and Dugelby, 1997). وفي الوقت الذي يكتب فيه عالم بيولوجي، يحظى باحترام كبير في مجال الصيانة، عن " الهجوم العالمي الضاري على التنوع البيولوجي" (Ehrenfeld,2000)، أصبحت هذه القضية تعالج الآن بإحساس متزايد بمدى إلحاحها. وأدى هذا القلق المتزايد إلى ظهور طائفة واسعة من المبادرات القطرية والدولية في مجالي صيانة التنوع البيولوجي وإدارة المناطق المحمية. وحدث تطور هام في الفكر بشأن كيفية معالجة الإدارة الفعالة للمناطق المحمية على المدى الطويل، ويتجلى ذلك في الجهود المبذولة للتوفيق بين احتياجات الصيانة والاحتياجات الإنمائية، وإشراك المجتمعات المحلية وأصحاب الشأن الآخرين في جهود الصيانة، وإدارة المناطق المحمية باعتبارها أجزاء من مجمعات جغرافية وأيكولوجية واجتماعية أكبر حجما. وبرغم التغيرات التي حدثت، لا تزال هناك احتياجات هامة، مثل:
وسيتطلب إحراز تقدم في هذه المهام إجراء البحوث والتجارب والمناقشات والالتزامات من مستوى السياسات حتى المستوى الميداني، غير أنه يمكن للمرء أن يستمد قدرا من الأمل والتشجيع من الطريقة التي يجري بها التصدي للمشاكل، داخل المناطق المحمية وخارجها على السواء، ومن النهج الابتكارية التي ظهرت على مدى السنوات القليلة الماضية.
(27) المنطقة البيولوجية هي منطقة جغرافية تضم مجموعة أو أكثر من النظم الأيكولوجية، وتعين حدودها بواسطة حدود النظم الأيكولوجية أو المجتمعات البشرية .
(28) WWW .biodiv.org/EcosysApproach/Description.html