3-1
على الرغم من التقدم الملحوظ الذي حققته البلدان النامية خلال العقد الماضي في مجال النمو الاقتصادي وتحسين مستويات المعيشة، مازال الفقر وانعدام الأمن الغذائي ينتشران على نطاق واسع فيها، ولا يظهران دلائل كافية على تضاؤلهما. وتشير تقديرات منظمة الأغذية والزراعة إلى أن عدد الذين يعانون من نقص الأغذية (1) في البلدان النامية خلال الفترة 1997-1999 قد بلغ 777 مليون نسمة أي ما يعادل 17 في المائة من مجموع سكان هذه البلدان. وعلى الرغم من أن ذلك يمثل انخفاضا عن التقديرات البالغة 830 مليون نسمة خلال الفترة 1990-1992 (20 في المائة من مجموع السكان)، ظلت الأعداد المطلقة لناقصي الأغذية مرتفعة. وإذا ما استمرت الاتجاهات الحالية فإن من المتوقع أن ينخفض عدد ناقصي الأغذية إلى 580 مليون نسمة عام 2015، وهو ما يقل كثيرا عن الهدف الذي حدده مؤتمر القمة العالمي للأغذية بخفض أعداد ناقصي الأغذية إلى 400 مليون نسمة بحلول ذلك العام.
3-2
وسوف تتركز جميع الزيادة السكانية تقريبا في المستقبل في البلدان النامية، حيث يتعين توجيه جهود التخفيف من حدة الفقر الشديد ولاسيما الجوع. وعلى الرغم من أن انعدام اكمن الغذائي يتركز في العالم النامي، فإن هناك 38 مليون نسمة يعيشون في أماكن أخرى يعانون من نقص الأغذية، ولاسيما في البلدان التي تمر بمرحلة تحول، مع وجود جيوب للجوع في البلدان مرتفعة الدخل. ويتعين اتخاذ إجراءات عاجلة لتعبئة موارد إضافية بصورة فعالة لتحسين فرص الحصول على الأغذية ولاسيما للفئات الفقيرة والمعرضة.
3-3
وقد حظي الفقر في السنوات الأخيرة باهتمام متجدد في خطة التنمية. فقد كان عدد السكان الذين يعيشون على أقل من دولار واحد يوميا في الأقاليم النامية(2) يبلغ نحو 1.2 مليار نسمة في 1998(3) مما يعنى أن نحو ربع السكان، في المتوسط في هذا التجمع من البلدان يعانى الفقر.
3-4
ويعتبر الجوع وانعدام فرص الحصول على الأغذية الكافية من أشد سمات الفقر. وعلى ذلك فإن محاربة الجوع تشكل جزءا أساسيا من أي استراتيجية تهدف إلى استئصال الفقر. ويشكل مفهوم الأمن الغذائي أداة فعالة يمكن بها توجيه وتصميم ورصد السياسات والمبادرات الرامية إ لى الحد من الفقر. والواقع أن الموارد اللازمة لوضع نهاية للجوع متوافرة، وأن ثمنها في الحقيقة أقل من التكاليف البشرية والاقتصادية التي تتيح له الاستمرار. فهذه الأخيرة تشمل تكاليف اعتلال الصحة الذي كثيرا ما ينشأ عن نقص الأغذية (المصروفات على الرعاية الصحية والشؤون الاجتماعية) وانخفاض إنتاجية العمل، وفي النهاية انخفاض النمو الاقتصادي. وقد أسفرت البحوث عن دلائل تشير إلى أن ارتفاع مستوى نقص الأغذية يضر بصورة مباشرة بالنمو العام للبلدان (نتيجة انخفاض إنتاجية ناقصي الأغذية)، وبصورة غير مباشرة (نتيجة للأضرار الصحية الناجمة عن نقص الأغذية)(4)، ويعتبر الحد من الجوع شرطا ضروريا للحد من الفقر. إذ أن تحقيق هدف مؤتمر القمة العالمي للأغذية باعتباره هدفا متوسطا في اتجاه استئصال الجوع بالكامل، لا يعتبر ضرورة أخلاقية فحسب بل وله مغزى اقتصادي أيضا.
3-5
ويمكن تحقيق هدف مؤتمر القمة العالمي للأغذية من خلال تدابير منسقة على عدد من الجبهات مما يعكس الطابع متعدد الأبعاد للعناصر المحددة للجوع وانعدام الأمن الغذائي ونقص الأغذية. وتشمل هذه العناصر المحددة الفقر والتوزيع غير المتساوي للأصول، وانخفاض مستويات رأس المال البشري، وركود النمو الاقتصادي، وانخفاض الإنتاجية، وظهور المعوقات المالية التي تواجه الزراعة، والتحيزات في النظام المالي الدولي، والتمييز العنصري، وضعف المؤسسات والإدارة، وانتشار الأمراض (ولاسيما فيروس نقص المناعة البشرية/الايدز)، والصراعات، والكوارث الطبيعية. وقد اعترف مؤتمر القمة العالمي للأغذية بالطابع متعدد الأبعاد للأمن الغذائي في التزاماته السبعة (أنظر الإطار رقم 1-1)، التي يعالج كل التزام منها مجالا من مجالات العمل، ومن ثم يحتاج إلى موارد، وتشمل مجالات العمل التي تم تحديدها تهيئة بيئة سياسية واجتماعية واقتصادية مواتية، على المستويين القطري والدولي، واستئصال الفقر، وبذل الجهود الرامية إلى تعزيز الزراعة المستدامة، والاستعداد لمواجهة الكوارث وحالات الطوارئ وتلافيها، والاستثمار في الزراعة، ورصد التقدم.
3-6
ويركز هذا الفصل على الالتزام السادس المتعلق بالاستثمار في قطاع الزراعة، أو بصورة أدق تعبئة الموارد لتعزيز الإنتاجية وقدرات الإنتاج في قطاع الزراعة. ويعتبر دور الزراعة في توفير الإمدادات الغذائية الإضافية والدخل اللازم لزيادة فرص الحصول على الأغذية دورا لا يفوق في أهميته شئ في البلدان النامية، وخاصة في بلدان العجز الغذائي ذات الدخل المنخفض حيث تعتبر الزراعة القطاع الرئيسي من حيث الدخل القطري وفرص العمل والصادرات. ويعيش معظم الفقراء (نحو 70 في المائة) في المناطق الريفية ويتكسبون قوتهم من القطاع الزراعي بصورة مباشرة، كالمزارعين وعمال الزراعة، أو من فرص العمل في النشاطات غير الزراعية في الريف. وتتألف هذه النشاطات الأخيرة في جزء منها من الأعمال السابقة على الإنتاج الأولى واللاحقة له، ومن ثم فهي تعتمد بشدة على النشاطات الزراعية والدخل لبقائها ونموها. وتؤدي الاختلالات الشديدة في ملكية الأصول، ولاسيما الأراضي، إلى التقليل من تأثيرات التخفيف من وطأة الفقر بفعل نمو الاقتصاد الناجم عن الزراعة، بالإضافة إلى النمو في الدخل غير الزراعي في الريف. وعلاوة على ذلك فإنه بدون الوصول إلى الأسواق الخارجية، وعدم توافر الإدارة الجيدة والمؤسسات الملائمة، سوف تتضرر معظم الاستثمارات بصورة شديدة.
3-7
وقد ألزم إعلان كيبيك الوزاري لعام 1995 المنظمة وبلدانها الأعضاء بزيادة الاستثمارات الملائمة في قطاعات الزراعة والغابات ومصايد الأسماك(5). وفي سياق مؤتمر القمة العالمي للأغذية، قدرت منظمة الأغذية والزراعة(6) حجم الاستثمارات اللازمة في المستقبل للزراعة والبنية الأساسية والخدمات المعاونة اللازمة لتحقيق هدف خفض أعداد ناقصي الأغذية إلى 400 مليون نسمة في موعد لا يتجاوز عام 2015. وتشير التقديرات إلى أن الاستثمارات الحالية تقل بنحو 30 مليار دولار عن المبلغ المقدر بنحو 180.4 مليار دولار سنويا اللازم لتحقيق هدف مؤتمر القمة.
3-8
ويمكن أن تأتى الموارد اللازمة للاستثمار الزراعي من المصادر الخاصة والعامة سواء الخارجية منها والداخلية. وعلى الرغم من أن معظم الاستثمارات يأتي بصورة أساسية من المزارعين أنفسهم بالدرجة الأولى، فإن القطاع العام يضطلع، من خلال المصروفات على الزراعة والغابات ومصايد الأسماك، بدور حاسم في توفير الحوافز وضمان توافر السلع العامة (البنية الأساسية وقواعد القانون والسلام والأمن). وتعتبر المساعدات الإنمائية الرسمية الصورة المكملة للموارد المحلية وخاصة بالنسبة للبلدان التي تعاني من ارتفاع معدلات انعدام الأمن الغذائي. ويجري في هذا الفصل، بالإضافة إلى تحديد الموارد المخصصة بصورة محددة للزراعة، استعراض لتقديرات » الاحتياجات من الاستثمار لتحقيق هدف مؤتمر القمة العالمي للأغذية (أنظر الاحتياجات من الموارد اللازمة لبلوغ هدف مؤتمر القمة العالمي للأغذية ).
3-9
وتعانى البلدان التي ترتفع فيها معدلات انتشار نقص الأغذية من انخفاض مستويات الدخل، وانخفاض مستويات نسبة رأس المال إلى اليد العاملة، وانخفاض إنتاجية العمل في الزراعة، عما هو عليه الحال في البلدان التي يقل فيها انتشار نقص الأغذية. وفيما يتعلق بالموارد المخصصة للزراعة، يتوقع أن تستطيع بعض البلدان تعبئة موارد محلية إضافية لتغطية التكاليف الكبيرة اللازمة للحد من انتشار نقص الأغذية بين سكانها. غير أن هناك بلدان عديدة، وخاصة بلدان العجز الغذائي ذات الدخل المنخفض، سوف تحتاج إلى الاعتماد على تدفقات واسعة النطاق من الموارد الخارجية. وفي هذا الصدد، فإن المساعدات الإنمائية الخارجية للزراعة آخذة في الانخفاض إلى أدنى مستويات تاريخية لها، في حين، كان هناك، فيما يتعلق بإجمالي الموارد المالية، بعض التعويض عن الموارد العامة من الموارد الخاصة. غير أن الاتصال الخارجي المباشر تخطى بدرجة كبيرة معظم البلدان الفقيرة، كما أن القليل نسبيا من الاستثمارات الخاصة، التي تتدفق على البلدان الأكثر فقرا، هو الذي يوجه إلى قطاعي الأغذية والزراعة. وعلى ذلك فإن قضية التعبئة الكافية للموارد واستخدامها الأمثل تكتسي أهمية كبيرة في هذا المجال.
3-10
على الرغم من أن نسبة ناقصي الأغذية في مجموع سكان البلدان النامية قد انخفضت خلال العقود الأخيرة، فإن العدد المطلق لناقصي الأغذية ظل مرتفعا، ولا ينبغي اعتبار التركيز على استمرار الأعداد الكبيرة لناقصي الأغذية على أنه عدم اعتراف بالنجاحات الكبيرة التي حققتها الزراعة العالمية في توفير الغذاء للسكان الآخذين في الزيادة دوما. فمنذ الفترة 1969-1971، زاد سكان البلدان النامية من 2.6 مليار نسمة إلى 4.5 مليار نسمة. ويعتبر تقلص انتشار نقص الأغذية نسبيا (إلى ما يعادل نصف نسبة السكان المتضررين) إنجازا كبيرا.
3-11
ويظهر هذا التقدم أيضا في زيادة نصيب الفرد من الكميات المتوافرة من الأغذية المخصصة للاستهلاك البشري المباشر، الذي يعتبر أحد المتغيرات الرئيسية لقياس حجم انعدام الأمن الغذائي على المستوى القطري. ويحسب ذلك على أساس نصيب الفرد من إمدادات الطاقة الغذائية يوميا (أنظر الجدول رقم 3-1 )(7).
3-12
وكما يتبين من الجدول، فإن الزيادة الشاملة في إمدادات الطاقة الغذائية في العالم تعكس بالدرجة الأولى المكاسب التي حققتها البلدان النامية التي ارتفع متوسط نصيب الفرد فيها من إمدادات الطاقة الغذائية من 2110 سعرات الى 2680 سعرة حرارية (27 في المائة) فيما بين 1969-1971 و1997-1999، غير أن هذه المكاسب غير متساوية فيما بين البلدان. فلقد تأثر التقدم في مجموع البلدان النامية بصورة حاسمة من التحسينات الكبيرة التي حققتها تلك البلدان التي تضم أكبر عدد من السكان، فمن بين البلدان النامية السبعة، التي يزيد عدد سكانها عن 100 مليون نسمة، ظل بلد واحد يعانى من مستويات منخفضة للغاية من حيث نصيب الفرد من استهلاك الأغذية خلال هذه الفترة وعلاوة على ذلك، فإنه فيما بين 1990-1992 و1997-1999، لن يستطيع سوى 32 بلدا فقط خفض عدد ناقصي الأغذية من سكانه (بما مجموعه 116 مليون نسمة)، في حين زاد عدد ناقصي الأغذية بنحو 77 مليون نسمة في البلدان النامية الأخرى التي تتوافر عنها بيانات وعددها 67 بلدا.
3-13
ومن المفيد ملاحظة، عند هذه النقطة، أن الإشارة المستخدمة على نطاق واسع إلى عدد السكان الذين لا يحصلون على الحد الأدنى من الإمدادات من الطاقة الغذائية، باعتبار ذلك قياسا إلى الأمن الغذائي، لا تشمل جميع أبعاد نقص التغذية (الناجم أيضا عن حالة اعتلال الصحة)، وسوء التغذية (حيث يمكن أن تكون للاختلالات التغذوية وخاصة نقص المغذيات الدقيقة انعكاسات ضارة على الصحة). غير أن عدم توافر ما يكفى من أغذية يعتبر في حد ذاته سببا لنقص العديد من المغذيات الضرورية، وليس عدم كفاية إمدادات الطاقة فقط. وعلاوة على ذلك، وكما يتبين من المقارنة بين النظم الغذائية لفرد بالغ حسن التغذية وآخر يعانى من نقص التغذية (أنظر الشكل رقم 3-1)، فإن تنوع الأغذية يقل كثيرا عادة عند المستويات الدنيا للمتحصلات الغذائية، مما يزيد من النقص التغذوي لدى من يعانون من نقص الأغذية.

3-14
يوجد في الوقت الحاضر 32 بلدا من البلدان النامية يقل فيها نصيب الفرد من استهلاك الأغذية عن 2200 سعر حراري، ومن ثم ترتفع فيها معدلات الإصابة بانعدام الأمن الغذائي. وتتطلب عملية خفض أعداد ناقصي الأغذية إلى النصف بحلول عام 2015 في كل بلد من هذه البلدان، استنادا إلى موارده القطرية وحدها، معدلات عالية بصورة استثنائية للنمو، بالإضافة إلى توزيع الدخل بصورة أكثر إنصافا. وسوف تتطلب عملية الجمع بين نمو الدخل (8) وتحسين توزيعه، امكانيات كبير إن لم تكن غير ممكنة على الإطلاق. فلم يحدث، الأ في حالات نادرة في الماضي، أن حققت البلدان هذه المستويات من معدلات النمو في مجموع استهلاك الأغذية لفترات طويلة. ولذا فان من المستبعد أن تتمكن البلدان الأكثر فقرا من تعبئة الموارد بهذا الحجم المطلوب بنفسها.
3-15
ويمكن القول إجمالا بأن نحو 70 في المائة من الفقراء في البلدان النامية يعيشون في المناطق الريفية، وينطبق ذلك على وجه الخصوص على البلدان التي ترتفع فيها مستويات نقص الأغذية (الجدول الملحق رقم 1). فغالبية اليد العاملة في هذه البلدان تعتمد على الزراعة، سواء بصورة مباشرة أو من خلال النشاطات ذات الصلة، ويقدم هذا القطاع نسبة مرتفعة من المخرجات الاقتصادية القطرية وعائدات التصدير فيها. فقد كان هناك في عام 1999 نسبة 56 في المائة من اليد العاملة في البلدان النامية، في المتوسط يعملون في قطاع الزراعة. فعلى سبيل المثال كانت نسبة كبيرة تصل إلى 66 في المائة من مجموع اليد العاملة، تعمل في الزراعة في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى في عام 2000، حيث كان 34 في المائة من السكان يعانون من نقص الأغذية في الفترة 1997-1999 (الجدول رقم 3-2).
3-16
ويعتمد الفقراء في المناطق الريفية على الزراعة في إنتاج الأغذية التي يتناولونها، أو لتحقيق دخل من بيعها. وتحقق الأسر الريفية الدخل من النشاطات الزراعية (في شكل عائدات من بيع المنتجات الزراعية أو فرص العمل بأجر في الزراعة) أو من فرص العمل في النشاطات غير الزراعية في الريف. ويشمل القطاع غير الزراعي في الريف عددا كبيرا من السلع والخدمات التي ترتبط في معظم الحالات بالقطاع الزراعي (بما في ذلك إنتاج المدخلات وإصلاح المعدات الزراعية وتصنيع المخرجات). وعلاوة على ذلك فان الدخل المكتسب من النشاطات الزراعية ينفق على السلع المنتجة محليا، ويعتبر هذا الطلب أساسيا لبقاء القطاع غير الزراعي في الريف. ونظرا لحجم اعتماد الفقراء على الزراعة في الحصول على سبل معيشتهم، فإن نمو هذا القطاع يعد عنصرا أساسيا في استراتيجيات الحد من الفقر وتحقيق الأمن الغذائي. ويكتسي دور تعبئة الموارد لقطاع الزراعة، وهو موضوع هذا الفصل، أهمية كبيرة بالنظر إلى أن تعبئة هذه الاستثمارات تعتبر عنصرا أساسيا لزيادة الطاقة الإنتاجية، ومن ثم فرص العمل وإدرار الدخل في المناطق التي توجد بها غالبية الفقراء ومن يعانون من انعدام الأمن الغذائي،

3-17
وتعتبر تعبئة الموارد لقطاع الزراعة أمرا جوهريا، إلا أنه ينبغي أن تستكمل بالاستثمار في البنية الأساسية والصحة والتعليم (9). ومن ناحية أخرى فإن الحد من الصراعات وتطبيق الديمقراطية والإدارة الجيدة وتوفير التعليم والرعاية الصحية والمياه النظيفة، وانفتاح الأسواق، هي أهداف أساسية للمساعدات الإنمائية الرسمية، وللعمل على الحد من الجوع. ونقل التكنولوجيا الزراعية، والبحوث والإرشاد، والبنية الأساسية الريفية. وثمة قرائن تبين أن ارتفاع عائدات الاستثمار الذي يعزز رأس المال البشري حقق إسهاما كبيرا في فهم التنمية الاقتصادية وعلاقتها بالتنمية البشرية، ويكمن دور هذه الاستثمارات في جذور الاستراتيجيات الإنمائية التي حظيت باعتراف المجتمع الدولي، على سبيل المثال في مؤتمر قمة التنمية الاجتماعية الذي عقد في كوبنهاجن عام 1995، وفي التوجهات الاستراتيجية للتعاون الإنمائي الصادرة عن لجنة المساعدات الإنمائية التابعة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (10) عام 1996، وفى تقرير التنمية العالمية لعام 2000 (11)، وإعلان الألفية للأمم المتحدة.
3-18
وينبغي أن يكون تعزيز قطاع الزراعة لمكافحة الجوع جزءا من استراتيجية متعددة الأبعاد تضعها حكومات البلدان، والجهات المتبرعة الدولية، ووكالات الإقراض متعددة الأطراف، والقطاع الخاص، وفي هذا الجزء تزايدت في السنوات الأخيرة أهمية الدور الذي تضطلع به منظمات المجتمع المدني في الدعوة وفي وضع جداول أعمال السياسات. كما ينبغي أن تدمج مكافحة الجوع وتعزيز التنمية الزراعية في صكوك التنمية المنسقة، مثل أوراق استراتيجية الحد من الفقر، وإطار الأمم المتحدة للمساعدات الإنمائية، وشبكة التنمية الريفية والأمن الغذائي التابعة للجنة التنسيق ا لإدارية.
3-19
تعتمد تقديرات الاحتياجات من الموارد اللازمة للأغذية والزراعة على الأهداف التي يتعين تحقيقها. وقد رأى مؤتمر القمة العالمي للأغذية أن الانخفاض المحدود، الذي كان متوقعا في مستوى الجوع في العالم في ظل التوقعات المتاحة في ذلك الوقت (12)، غير مقبول، ومن ثم فقد وضع هدفا طموحا يرمى إلى خفض أعداد من يعانون من نقص الأغذية إلى 400 مليون نسمة في موعد لا يتجاوز عام 2015. وتشير أحدث توقعات المنظمة عن عدد ناقصي الأغذية في العالم، إلى أن هذا الهدف لن يتحقق في ظل تصور » الأمور على ما هي عليه « (الشكل رقم 3-2).
3-20
يتسم معظم البلدان، التي ترتفع فيها معدلات نقص الأغذية، بانخفاض وركود مستويات دخل الفرد. ويعنى ذلك انخفاض القدرة على الادخار، وما يرافقها في كثير من الأحيان من ارتفاع أعباء الديون التي تمتص كمية كبيرة من الموارد، التي كان يمكن استخدامها، لولا ذلك، في تنمية القطاعات الإنتاجية، والنتيجة هي أن البلدان، التي ترتفع فيها معدلات انتشار نقص الأغذية مازالت تعاني من عدم كفاية الموارد اللازمة لتعزيز النمو في القطاعات الإنتاجية. ويجرى تناول هذه المسائل في الأقسام التالية.

3-21
إن الدخل القومي (محسوبا على أساس نصيب الفرد من الناتج القومي الإجمالي) يوجد في أدنى مستوياته في البلدان التي يرتفع فيها مستوى نقص الأغذية (الفئتان الرابعة والخامسة تم تحديدهما في الإطار رقم 3-1). وعلاوة على ذلك تشير الاتجاهات خلال العقد الماضي إلى أن نصيب الفرد لم يتحسن بصورة ملحوظة في هاتين الفئتين. وفي مثل هذه الظروف من المحتم أن تنخفض معدلات الادخار والاستثمار. وبالإضافة إلى ذلك، قد تتجه مدخرات الفئات المعرضة، التي تعانى من انعدام الأمن الغذائي، إلى الأصول التي تقلل من تعرضها للصدمات، وليس إلى الاستثمارات التي قد تزيد من إنتاجية مواردها.
3-22
ويشكل ارتفاع أعباء الديون الثقيلة في البلدان، التي ترتفع فيها معدلات انتشار نقص الأغذية، نزيفا إضافيا للموارد التي كان يمكن أن تستثمر في القطاعات الإنتاجية. ويبين الشكل رقم 3-4 المنشور على الصفحة رقم 59 أن المديونية الثقيلة تنتشر في البلدان التي تعاني من معدلات عالية لانتشار نقص الأغذية في فئة بلدان العجز الغذائي ذات الدخل المنخفض. فمن بين هذه البلدان، وعددها 23 بلدا، ينتمي 17 إلى مجموعة البلدان الفقيرة المثقلة بالديون. غير أن التوقعات تبدو أكثر إيجابية بالنسبة للبلدان التي يقل فيها معدل الانتشار عن 20 في المائة، فبالنسبة لهذه المجموعة الفرعية من بلدان العجز الغذائي ذات الدخل المنخفض لا يوجد سوى ستة بلدان من مجموع 21 بلدا تعانى من الديون الثقيلة.
بغية توضيح السمات المميزة للبلدان فيما يتعلق بانتشار نقص الأغذية، أي الجزء الذي يعاني من نقص الأغذية بين مجموع سكانها، أدرجت البلدان النامية في خمس فئات وفقا لمدى انتشار نقص الأغذية فيها، أي نسبة ناقصي الأغذية بين السكان(1). ونسبة ناقصي الأغذية بين السكان في البلدان وفقا لكل فئة من فئات انتشار هذا النقص هي كالآتي: أقل من 2.5 في المائة (الفئة الأولى). من 2.5 إلى أقل من 5 في المائة (الفئة الثانية). من 5 إلى أقل من 20 في المائة (الفئة الثالثة). من 20 إلى أقل من 35 في المائة (الفئة الرابعة). أكثر من أو يساوى 35 في المائة (الفئة الخامسة).
ويتضمن الجدول الملحق رقم 2 نسبة السكان الذين يعانون من نقص الأغذية بحسب البلد والمناطق الجغرافية وفئة انتشاره(2). ويوصف نقص الأغذية بأنه » منخفض « في الفئتين الأولى والثانية و » متوسط « في الفئة الثالثة و » مرتفع « في الفئتين الرابعة والخامسة.
ويرد التوزيع الجغرافي لنقص الأغذية بحسب البلدان المتقدمة والبلدان النامية في الشكل رقم 3-3، الذي يبين تركيز نقص الأغذية في جنوب شرق آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية. فمن بين البلدان الثلاثة والعشرين في الفئة الخامسة يوجد هناك 18 منها في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، و27 بلدا في الفئة الرابعة، و 34 بلدا في الفئة الثالثة. وتضم الفئة الأولى البلدان المتقدمة.
وتجدر الملاحظة أنه قد توجد اختلافات في قيم المؤشرات الاقتصادية للبلدان المدرجة في فئة انتشار معينة.
(1) يتغير انتشار نقص الأغذية من عام لآخر، وتشير التجمعات في هذه الوثيقة إلى انتشار نقص الأغذية خلال الفترة 1997-1999.
(2) لا تشمل القائمة البلدان التي يقل فيها عدد السكان عن مليون نسمة وتلك التي لا تتوافر عنها بيانات كافية عن نقص الأغذية. تشمل الجداول الملحقة 4 و6 و7 الفئة السادسة التي تتضمن قائمة بالبلدان التي لا تتوافر عنها بيانات عن نقص الأغذية.
3-23
لا عجب إذن في أن اجتماع انخفاض القدرة على الادخار وارتفاع مستويات المديونية يؤدي إلى انخفاض القدرة على الاستثمار في قطاع الزراعة، وخاصة في هذه البلدان التي هي في مسيس الحاجة إلى الاستثمارات الزراعية لزيادة دخل الفقراء، ومن ثم تحسين الأمن الغذائي.
3-24
من الواضح الآن، على نطاق واسع، أن مفهوم الاستثمار لزيادة الطاقة الإنتاجية في الزراعة ينطوي ليس فقط على الأصول المادية، بل أيضا على نشر العلوم والتكنولوجيا، وتعزيز رأس المال البشري، وزيادة رأس المال الاجتماعي. وقد أصبح الآن توفير المناخ السابق على الاستثمار لزيادة مستويات الإنتاجية وإجراء التغييرات الهيكلية اللازمة يمثل تحديا رئيسيا للسياسات. إذ أن بيئة السياسات والمؤسسات بأكملها في حاجة إلى تعديل، لك تفضي إلى الاستثمار من جانب عناصر القطاع الخاص ولاسيما المزارعين.
3-25
وقد عالج الكثير من الحكومات، خلال العقدين الأخيرين، مسألة التحيز ضد الزراعة الذي كان سائدا في السابق، وذلك بتطبيق السياسات التي ترمى إلى إلغاء اللوائح التي كانت تنظم الأسواق الزراعية، والحد من تشوهات الأسعار، "تاحة دور كبير لعناصر القطاع الخاص في النشاط الاقتصادي، غير أن هذه التدابير، وإن كانت ضرورية، ليست غير كافية في جذب الاستثمارات اللازمة لتعزيز الإنتاجية وزيادة الإنتاج، فتحسين حوافز الاستثمار يتطلب أيضا سياسات توفر المؤسسات الزراعية اللازمة، التي تشمل الأسواق الشفافة والعاملة، والحصول على التمويل والإرشاد، والأطر القانونية والتنظيمية الكافية. وعلى المستوى الأكثر عمومية، يتعين توفير الاستقرار السياسي والأطر المؤسسية حسنة التحديد والإنفاذ لضمان الاستثمارات الكافية من القطاع الخاص. كما يتعين توافر التكامل بين الاستثمارات العامة والخاصة لتعزيز النمو الزراعي مع توظيف الحكومة للاستثمارات في القطاعات التي تنطوي على أهمية للسلع العامة- البحوث والإرشاد والبنية الأساسية (وخاصة التحكم في المياه، والطرق، ومرافق التخزين والتسويق) والتعليم والمعايير والمواصفات.
3-26
وقد وضعت المنظمة قاعدة بيانات شاملة للأصول الرأسمالية الزراعية والاستثمار استنادا إلى قاعدة البيانات الإحصائية لدى المنظمة، مع استكمالها ببيانات الحسابات القطرية من آحاد البلدان. وتشمل هذه البيانت الأصول الرأسمالية (بما في ذلك الأراضي والري والمحاريث، والثروة الحيوانية، والمزارع الكبيرة والمنشآت) للزراعة الأولية في الأقاليم النامية الرئيسية.
3-27
وبغية مراعاة تباين كثافة رأس المال ومستويات التكنولوجيا في القطاعات الزراعية في مختلف مجموعات الالجدول رقم 3-3 وبحسب الإقليم وفئة الانتشار. ويبين الإقليمان اللذان يقل فيهما انتشار نقص الأغذية، أمريكا اللاتينية والشرق الأدنى وشمال أفريقيا، ارتفاع معدلات رأس المال الزراعي بحسب العامل مقارنة بالأقاليم الأخرى. وتعرض هذان الإقليمان أيضا بمرور الوقت لزيادة كبيرة في نسبة رأس المال إلى اليد العاملة، على العكس من الركود الذي حصل في الأقاليم الأخرى.
3-28
واستنادا إلى تجميع البلدان بحسب فئة انتشار نقص الأغذية، يبدو هناك تناقض واضح في كثافة رأس المال بين الفئتين الأوليين (انخفاض معدلات انتشار نقص الأغذية) والفئات الثلاث الأخرى. كما توجد فروق من حيث التغيرات بمرور الوقت: فالبلدان التي تنخفض فيها معدلات انتشار نقص الأغذية تظهر زيادة قوية (فترة الأساس 1986-1990) في الاستثمار بحسب العامل، في حين كانت التغييرات في الفئات الأخرى ضئيلة جدا بل وسالبة. وتجدر الملاحظة بأنه خلال فترة الدراسة، زادت نسبة رأس المال إلى اليد العاملة في فئة أقل معدلات الانتشار بصورة نسبية من 6 إلى 9 أمثال تلك السائدة في فئة أعلى معدلات الانتشار (الجدول رقم 3-3). ولم تبدأ البلدان الواقعة في أعلى فئات الانتشار فقط من أقل مستوى للأصول الرأسمالية في 1975، بل إن هذه البلدان على وجه الدقة، التي كانت في مسيس الحاجة إلى رأس المال لتحقيق النمو الزراعي والحد من نقص الأغذية، هي التي شهدت تناقص الأصول الرأسمالية بحسب العامل الزراعي.
3-29
يتبدى انخفاض الأصول الرأسمالية بحسب كل عامل في انخفاض إنتاجية العامل الزراعي على النحو المبين في الجدول رقم 3-4، لمختلف فئات انتشار نقص الأغذية. والأكثر من ذلك أن التباين الشاسع فيما بين نسب رأس المال إلى اليد العاملة في الفئات المختلفة يتضح بصورة كبيرة من حيث إنتاجية اليد العاملة مثلما الحال بالنسبة للاتجاهات المتباينة بمرور الوقت وكما هو الحال في نسبة رأس المال إلى اليد العاملة، يتضح الانقسام الحاد بين فئتي انخفاض وارتفاع الانتشار. وكانت القيمة المضافة بالنسبة لكل عامل في فئة أقل معدلات الانتشار تعادل 18 إلى 22 مرة تلك المتوافرة في فئة أعلى معدلات الانتشار فيما بين 1990 و 1999، وربما تكون هذه الفروق ناجمة في جزء منها عن زيادة استخدام المدخلات المتغيرة الأخرى في الإنتاج الزراعي. كما أن من المرجح أن تفسر التباين في الكفاءة على أساس الفروق في انتشار نقص الأغذية، بالنظر إلى نمط العلاقة بين الإنتاجية والحالة التغذوية. وقد تكون البلدان التي ترتفع فيها معدلات انتشار نقص الأغذية قد وقعت في براثن الجوع كارتفاع معدلات نقص الأغذية الذي يتسبب في حدوث خسائر في الكفاءة مما يعرقل قدرات البلدان على التعامل مع هذه المشكلة.


3-30
وتظهر نتيجتان من هذه الملاحظات: أولا، الحاجة الماسة إلى موارد إضافية لتعزيز النمو الزراعي وخاصة في البلدان التي يزداد فيها انتشار نقص الأغذية. وثانيا، هناك مجال واسع لتحسين إنتاجية الأصول الرأسمالية واليد العاملة في البلدان التي ترتفع فيها معدلات انتشار نقص الأغذية. وثالثا، يمكن إن يصبح التخفيف من نقص الأغذية خطوة حاسمة في تحطيم مصيدة نقص الأغذية/انخفاض الإنتاجية التي تواجه الكثير من البلدان في العالم النامي.
3-31
يمكن للموارد على المستوى القطري، اللازمة للتنمية الزراعية والنهوض بالأمن الغذائي، أن تكون خاصة أو عامة وأن تكون محلية أو خارجية، وفي البلدان التي تزيد فيها معدلات نقص الأغذية، يمكن أن تكون المدخرات الخاصة محدودة بسبب انخفاض نصيب الفرد من الدخل. وللسبب ذاته يمكن أن تكون القاعدة الضريبية، التي تحصل منها الحكومات على الإيرادات، ضعيفة. وعلى الرغم من أن بعض الحكومات يستطيع تحقيق موارد محلية إضافية من خلال الإصلاحات المالية، فمازال يتعين على عدد من الحكومات مواصلة الاعتماد على الموارد الخارجية لتوليد الأموال اللازمة للتنمية الزراعية. وفي كثير من البلدان يجري إدخال تعديلات هامة على شكل ومستويات التدخل العام في قاعدة الموارد المتناقصة عموما، وفي الأوضاع الجديدة لمجال العمل الدولي. ولنجاح زيادة تعبئة الموارد يتعين أن تتم في بيئة مواتية تتسم بالاستقرار الاقتصادي الكلي والسياسي، والسلام، والمؤسسات القانونية والزراعية، والأسواق المحلية الشفافة والتي يسهل الوصول إليها، فضلا عن الوصول إلى أسواق التصدير. وترد فيما يلي نظرة على دور الإنفاق العام في القطاع الزراعي ودور التمويل الأجنبي في التنمية الزراعية والأمن الغذائي.
3-32
تعرض دور الحكومات في مجال دعم الأنشطة الاقتصادية بوجه عام، والزراعة بوجه خاص، لتعديلات جذرية، وغالبا لتخفيضات على امتداد عقد من الإصلاحات الهيكلية في معظم البلدان. والاتجاه في » النموذج « الجديد للتنمية، هو أن تركز الحكومات مواردها على توزيع السلع والخدمات العامة الضرورية، وخلق البيئة التي يمكن أن تزدهر فيها المبادرات الخاصة بدلا من محاولة تغييرها أو منافستها. ومع ذلك يظل الإنفاق الحكومي شرطا لا غنى عنه للتنمية الاقتصادية والاجتماعية. وتعتبر البحوث الزراعية والإرشاد، والبنية الأساسية والخدمات العامة، وشبكات الأمان ضد الصدمات العارضة، والبرامج التي تسهل إدخال التعديلات على قطاعات أو أقاليم معينة وتمكنها من الاستفادة من الابتكارات التي تحميها من المخاطر وتضمن استدامة البيئة والأمن الغذائي، أمثلة للمهام العامة التي لا يزال القطاع العام يطالب بالقيام بها، والتي يمكن أن تنفذ بشكل لا مركزي أو بالمشاركة مع القطاع الخاص والمجتمع المدني.
3-33
تؤثر الأساليب التي تتبعها الحكومات في فرض الضرائب على مستوى ما يتاح لها من موارد، مع أن هذه الأساليب أداة فعالة لإعادة توزيع الموارد. وينبغي أن تكون الإصلاحات في النظم الضريبية موجهة، بين جملة أمور، من أجل إقامة بيئة مشجعة للاستثمارات الأجنبية والاستثمارات المحلية الخاصة.
3-34
لاشك في أن بيانات السلاسل الزمنية للإنفاق الحكومي بحسب القطاع نادرة. والمصدر الوحيد للبيانات الشاملة الذي يسجل الإنفاق الحكومي المركزي، والمحلي وعلى مستوى الدولة، على الزراعة هو صندوق النقد الدولي (13). وللأسف، فإن عددا قليلا من البلدان هو الذي يقدم بيانات صالحة للاستخدام، وإن كان في الغالب بعد فترات طويلة من التأخير، كما يتضح من العدد القليل والمتناقص من المشاهدات المتاحة في هذا المصدر (أنظر الجداول الملحقة رقم 3 و4 و5). ومن حيث فئة الانتشار، فإن ندرة المشاهدات في الفئة الثانية (وردت تقارير من ثلاثة بلدان أو أقل)، تحول دون استخدام بيانات هذه الفئة.
3-35
والملاحظة الأولى هي أن نصيب الزراعة من مجموع الإنفاق الحكومي متناثر للغاية، حيث تتراوح المشاهدات بين 0.015 في المائة إلى 23 في المائة، ويقل نصيبها عن 10 في المائة في 90 في المائة من الحالات (أنظر الجدول الملحق رقم 7)، وقد تم إيجاز هذه البيانات بحسب الإقليم وفئة انتشار نقص الأغذية في الجدول رقم 3-5.
3-36
ولا يرتبط نصيب الزراعة من الإنفاق، بأي طريقة مهما كانت بسيطة، بحجم القطاع الزراعي. بل يعتمد، بين جملة أمور، على الأهمية الشاملة التي توليها ميزانية الحكومة للمهام الاقتصادية. بيد أنه قد يكون من المتوقع أن تخصص البلدان، التي تلعب فيها الزراعة دورا أساسيا، حصة كبيرة من نفقاتها لهذا القطاع. ونورد فيما يلي دراسة لهذا الموضوع بالنسبة لاثنين من المؤشرات الأساسية هما: العمالة الزراعية بالنسبة للعمالة ككل، ونصيب القيمة المضافة الزراعية في الناتج المحلي الإجمالي.
3-37
يعرض الجدول رقم 3-6 بيانات عن الإنفاق الحكومي على الزراعة بالمقارنة بالناتج المحلي الإجمالي من الزراعة. ولم تحتسب المتوسطات لمجموعة البلدان الواردة في الجدول بغية إظهار موقف السلوك الحكومي إزاء فئة معينة. وعلى المستوى الإقليمي، يتضح أن إقليمي الشرق الأدنى وشمال أفريقيا وأفريقيا جنوب الصحراء يخصصان حصة أكبر مما تخصصه الأقاليم الأخرى. ومن حيث مدى انتشار نقص الأغذية فإن الفئة التي يزيد فيها معدل الانتشار تخصص أدنى حصة من الإنفاق على الزراعة خلال الفترة محل التقرير.
3-38
إن أفضل طريقة لتوضيح المعوقات المتعلقة بالموارد، التي تواجه البلدان التي تزيد فيها مستويات نقص الأغذية، هي مقارنة الإنفاق الحكومي على الزراعة بحجم قوة العمل الزراعية (الجدول رقم 3-7). ويبين الجدول علاقة عكسية بين انتشار نقص الأغذية والإنفاق الحكومي (14). وتنفق البلدان التي تزيد فيها فئة انتشار نقص الأغذية مبالغ قليلة جدا على كل عامل زراعي، بالمقارنة بالبلدان التي تقل فيها فئة انتشار نقص الأغذية. وفي هذا الإطار تجدر الإشارة إلى أن متوسط الإنفاق لكل عامل زراعي في فئة البلدان التي تزيد فيها فئة انتشار نقص الأغذية يقل بنحو 30 ضعفا على الأقل عنه في فئة البلدان التي يقل فيها انتشار نقص الأغذية (في السنوات التي توجد بيانات بشأنها). وبالنسبة للأقاليم النامية، فإن الإنفاق بحسب العامل الزراعي هو الأقل في الأقاليم التي ترتفع فيها معدلات الأغذية، وهي جنوب آسيا وأفريقيا جنوب الصحراء الكبرى.



3-39
إلى أي مدى تساعد التغييرات، التي تطرأ (بمرور الوقت وحسب البلد/الفئة) على نصيب الزراعة من الإنفاق الحكومي، على » تعقب « الاختلافات بشأن مدى أهمية الزراعة بالنسبة للاقتصاد؟ ويوضح الجدول رقم 3-8 نصيب الزراعة من مجموع الإنفاق الحكومي، بالمقارنة بمؤشرات أخرى عن أهمية الزراعة في البلدان النامية المصنفة بحسب فئة انتشار نقص الأغذية بها. وبالنسبة للبلدان والسنوات التي توجد بشأنها بيانات عن الإنفاق، يزيد نصيب الزراعة في الناتج المحلي الإجمالي وفى مجموع الصادرات مع عدد فئات الإنتشار، مما يبرز، مرة أخرى، حقيقة تفيد أن البلدان الأشد فقرا هي البلدان التي تعتمد على الزراعة، ولا تقدم البيانات المتاحة دليلا قويا على أي انخفاض، يحدث بمرور الوقت، في نصيب الزراعة في الناتج المحلى الإجمالي، ربما بسبب قصر المدة.
3-40
وتزيد حصة الزراعة من مجموع الإنفاق بصورة طفيفة في البلدان التي يرتفع فيها معدل نقص الأغذية، والتي تضطلع فيها الزراعة بدور هام. بيد أن نصيب الزراعة من الإنفاق، بالنسبة لمجموعات البلدان التي تتوافر بيانات بشأنها عن كل فئة من الفئات، يعتبر قليلا بالمقارنة بنصيب الزراعة في المؤشرات الاقتصادية والديموغرافية لهذه البلدان (الجدول رقم 3-8). وإذا ما تم تجميع البيانات المتعلقة بنصيب الزراعة في كل من الناتج المحلي الإجمالي وفي الإنفاق، يمكن الوصول إلى » أرقام دليلية للتوجهات الزراعية « توضح ما إذا كان الإنفاق الحكومي على الزراعة يتناسب مع أهمية الزراعة في الاقتصاد ككل. وللوصول إلى هذه الأرقام الدليلية، فإنه يتم قسمة نصيب الإنفاق على الزراعة في مجموع الإنفاق الحكومي، على نصيب الزراعة في الناتج المحلي الإجمالي. وكلما زاد الرقم الدليلي اقترب نصيب الإنفاق على الزراعة من نسبة الزراعة إلى الناتج المحلي الإجمالي (15). يرد الرقم الدليلي في الشكل رقم 3-5.

3-41
يوضح الشكل رقم 3-5 أن البلدان في الفئة الأولى (حيث ينخفض معدل انتشار نقص الأغذية انخفاضا كبيرا) تظهر أقوى توجه زراعي مقارنة بالفئات الأخرى التي أخذ يظهر لديها ميل نحو الزيادة في 1993. ومن ناحية أخرى، فإن حصة الإنفاق الحكومي الموجه للزراعة، في بلدان الفئة الخامسة، تقل كثيرا عما للزراعة من أهمية في الاقتصاد، ولم تظهر في الفترة الزمنية محل الاستعراض أي بوادر على التحسن. ويمثل هذا اتجاها يثير القلق، نظرا لاعتماد بلدان الفئة الخامسة على الزراعة للحصول على الدخل والتغذية.
3-42
على الرغم من أن البيانات محدودة، إلا أن التحليل الوارد سلفا يوضح أن الإنفاق الحكومي على الزراعة، في البلدان التي ترتفع فيها معدلات نقص الأغذية ارتفاعا كبيرا لا يعكس أهمية القطاع من حيث الدخل بوجه عام أو إمكانات مساهمة القطاع في التخفيف من وطأة نقص الأغذية. ونظرا لندرة البيانات فإن هذا الفصل يتناول فقط قيمة الإنفاق الحكومي وليس نوعية أو فعالية هذا الإنفاق. وتناول فان وهازيل وثروت وآخرون (16) في دراسة تم إجراؤها عن الإنفاق الحكومي في المناطق الريفية في الهند، مدى فعالية الأساليب المختلفة للإنفاق الحكومي، وانتهوا إلى أن الإنفاق الحكومي على الاستثمارات الرامية إلى زيادة الإنتاجية، مثل البحوث الزراعية والتنمية والرى والبنية الأساسية الريفية (بما في ذلك الطرق والكهرباء)، لها أثارها الكبيرة على نمو الإنتاجية الزراعية، والمساهمة في تخفيض الفقر. وتدل هذه النتائج على أن الإنفاق الحكومي، إذا ما وجه بفعالية نحو القنوات الملائمة، يمكن أن يقلل على الفور من الفقر ويعزز النمو.

3-43
توجه الموارد المالية الخارجية جزءا هاما من الموارد المتاحة للنهوض بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية والأمن الغذائي، وخاصة في بلدان العجز الغذائي ذات الدخل المنخفض. ويمكن أن تأتى تدفقات الموارد من المصادر الرسمية أو الخاصة. ويقدم الجدول رقم 3-9 صورة شاملة عن تدفقات الموارد الخارجية ومكوناتها خلال التسعينات.
3-44
زاد صافي تدفقات الموارد المالية الخارجية إلى البلدان النامية من نحو 142 مليارا إلى 248 مليار دولار بين1990-1992 و 1999. وفي الوقت ذاته، طرأ تغيير جذري على مكونات هذه الموارد من حيث مصادرها، وفي نهاية الفترة ثبتت المساعدات الرسمية للتنمية (صافي التدفقات الشاملة من الموارد الرسمية) عند نحو 85 مليار دولار (بالأسعار الجارية)، في حين زادت التدفقات الخاصة إلى نحو ثلاثة أمثال ما كانت عليه من 58 إلى 160 مليار دولار خلال نفس الفترة وهناك عنصر متبقي صغير يشتمل على قروض التصدير، ونتيجة لهذا التغيير في مكونات التدفقات الخارجية، انخفضت المساعدات الإنمائية الرسمية من 39 في المائة في الفترة 1990-1992 إلى 20 في المائة في 1999 من صافي مجموع التدفقات الخارجية.
3-45
تعتبر الزيادة إلى ما يقرب من خمسة أمثال ما كانت عليه في الاستثمارات الأجنبية المباشرة المقدمة من بلدان لجنة المساعدات الإنمائية إلى البلدان النامية تطورا مهما، إلا أن التحليل التفصيلي لوجهة هذه التدفقات على المستوى العالمي يوضح أن توزيع الاستثمارات الأجنبية المباشرة لم يكن تبعا للحاجة (الإطار رقم 3-2)، وبالنسبة للبلدان الأكثر احتياجا للموارد من أجل الزراعة والأمن الغذائي ستظل المصادر الرسمية، بل في الواقع، المساعدات الإنمائية الرسمية المصدر الرئيسي للتدفقات الخارجية من أجل تنمية القطاع الزراعي بها. ومن ناحية أخرى، فإن الإغاثة من الطوارئ والكوارث من بلدان لجنة المساعدات الإنمائية زادت إلى أكثر من ستة أمثال ما كانت عليه منذ 1989 حيث بلغت 4.4 مليار دولار في 1999. ويبين الركود أو الانخفاض في المساعدات الإنمائية طويلة الأجل والزيادة الحادة في الإغاثة من الطوارئ تصورات البلدان المتبرعة للجوع والأمن الغذائي وارتباطه بالكوارث والطوارئ أكثر منه بانعدام الأمن الغذائي المزمن.
3-46
يوضح الجدول رقم 3-10 إن أهمية المساعدات الخارجية من أجل التعبئة العامة للموارد والنشاط الاقتصادي تظهر في البلدان التي تنتشر فيها حالة انعدام الأمن الغذائي، أما بالنسبة للبلدان التي ترتفع فيها مستويات انتشار نقص الأغذية، فقد انخفضت فيها معدلات الموارد الخارجية في النصف الثاني من التسعينات بالقياس إلى التدابير المختلفة لتعبئة الموارد وإلى الناتج المحلى الإجمالي، بيد أن المعونة الخارجية لا تزال تشكل نسبة مرتفعة، حيث تصل إلى 86 في المائة من إجمالي الاستثمار المحلى و 51 في المائة من الإنفاق الحكومي. وتعتبر المعونة الخارجية بالنسبة لمجموعة البلدان في هذه الفئة مصدر تمويل لا غنى عنه للتنمية.
3-47
يوضح الجدول رقم 3-11أن مجموع التزامات المساعدات الإنمائية الرسمية من الجهات المتبرعة الرئيسية الثنائية ومتعددة الأطراف إلى البلدان النامية من أجل التنمية الزراعية، بلغ 9.08 مليار دولار أمريكي في 1999 (أنظر العمود الأخير من الجدول رقم 3-11) بالأسعار الجارية. وهذا يكاد يكون هو ذات المستوى الذي سجل في 1994، ولكنه لا يزال أبطأ من مستوى عام 1990، وبالإضافة إلى ذلك فإن نصيب التنمية الزراعية والريفية (بالتعريف الواسع والتعريف الضيق) من مجموع المساعدات الإنمائية الرسمية كان اقل بكثير في منتصف التسعينات، عما كان عليه في بداية العقد، في حين طرأ هبوط على الانتعاش الذي سجل في مستوى 1997-1998 و 1999.
بلغت تدفقات الاستثمار الأجنبى المباشر 1.3 تريليون دولار في 2000، بزيادة نسبتها 18 في المائة عن عام 1999. وقد استأثرت البلدان النامية بنحو 19 في المائة من هذه التدفقات، حيث بلغ إجمالي ما حصلت عليه 240 مليار دولار، بزيادة نسبتها 8.2 في المائة عن عام 1999. وهذه الزيادة إذا ما قورنت بحالة الركود في 1998، تعتبر مشجعة، ولكنها لا تزال تتركز في عدد قليل من البلدان.
وذهب معظم الزيادة في الاستثمار الأجنبي المباشر في العالم النامي إلى بلدان جنوب وشرق وجنوب شرق آسيا، حيث زادت تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر بنسبة 42 في المائة لتصل إلى 137 مليار دولار في عام 2000، وذهبت هذه الزيادة أساسا إلى شرق آسيا، في حين انخفض الاستثمار الأجنبي المباشر في جنوب آسيا في 2000 بنسبة 11 في المائة. واستحوذت منطقة جنوب وشرق وجنوب شرق آسيا على 57 في المائة من جميع التدفقات إلى البلدان النامية وعلى نحو 11 في المائة من مجموع تدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة. وجاءت أمريكا اللاتينية في المرتبة الثانية حيث حصلت على مستويات مماثلة من تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر، أما أفريقيا فقد حصلت على أقل من واحد في المائة من إجمالي هذه التدفقات و 3.4 في المائة من التدفقات إلى البلدان النامية (أنظر الشكل).
وخلال عام 2000، حصل 20 بلدا على 98 في المائة من تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر للبلدان النامية. فقد حصلت مقاطعة هونغ كينغ الإدارية الخاصة والصين على 48 في المائة، يليها البرازيل، ثم المكسيك أما البلدان الأكثر فقرا فقد واجهت صعوبات في اجتذاب الاستثمار الأجنبي المباشر، نظرا في الأسواق المالية لا تزال أقل تطورا، والمعلومات المتاحة للمستثمرين المحتملين غير كاملة، ومخاطر الاستثمار طويل الأجل فيها عالية.

3-48
ويتضح عند قياس مجموع الالتزامات المخصصة للزراعة أنها قد زادت منذ عام 1995 بأسعار 1995 الثابتة، ولكنها تقل بنسبة 30 في المائة عن مستوى بداية العقد في 1990. أما المساهمات التي قدمتها الجهات المتبرعة الثنائية، وبخاصة البلدان الأعضاء في لجنة المساعدات الإنمائية، فقد ظلت عند 4.3 مليار دولار في عامي 1997 و 1998. أما الزيادة في مستوى المساعدات في 1997 و 1998، بالمقارنة بعام 1996، فتمثل كلها الزيادة في المساعدات متعددة الأطراف وبخاصة من الاتحاد الدولي للتنمية، في حين انخفضت المساعدات الثنائية عما كانت عليه في 1996 (أنظر الشكل رقم 3-6، والجدول الملحق رقم 8).
3-49
قدر نصيب المساعدات التيسيرية من مجموع الالتزامات للزراعة بنحو 65 في المائة في 1998، وهو أقل بكثير من نصيبها في 1988 (77 في المائة) و 1996 (74 في المائة). أما نصيب المنح من مجموع الالتزامات فقد ظل ثابتا نسبيا طوال التسعينات وبلغت نسبته 28 في المائة في 1998.


3-50
انخفض إجمالي الأموال المخصصة للزراعة الأولية من مجموع المساعدات الإنمائية الرسمية المقدمة للزراعة (بالتعريف الواسع) خلال الفترة 1990-1999 في حين ظل نصيب مصايد الأسماك والغابات ثابتا. وزاد الاهتمام بمجالات أخرى، وبخاصة حماية البيئة (حيث ارتفعت من 5 في المائة في 1990 إلى 10 في المائة من المجموع في 1998)، والتنمية الريفية والبنية الأساسية (من 14 في المائة إلى 25 في المائة من المجموع)، والبحوث والإرشاد والتدريب (من 6 في المائة إلى 14 في المائة من المجموع).
3-51
وفيما يتعلق بالتوزيع الجغرافي لتدفقات المساعدات الخارجية للزراعة، ظهر اتجاه هبوطي طوال عقد التسعينات في الحصة الموجهة إلى أفريقيا، وزيادة في الحصة الموجهة إلى أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي. وفي 1998 ذهب النصيب الأكبر من الالتزامات إلى آسيا (46 في المائة)، وجاءت أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي في المرتبة الثانية (23 في المائة)، وأفريقيا في المرتبة الثالثة (21 في المائة). وذهبت حصة صغيرة إلى أوروبا (3 في المائة) (أنظر الشكل رقم 3-12).
3-52
يعرض الجدول رقم 3-12 بيانات عن تدفق الموارد الخارجية إلى الزراعة في شكل قروض مقدمة من المؤسسات المالية الرئيسية الدولية والإقليمية. وقد انخفض إجمالي الإقراض للزراعة بالأرقام المطلقة، أو من حيث إجمالي القروض انخفاضا كبيرا فيما بين 1990 و 1997(17). وانخفض الإقراض للزراعة من البنك الدولي من 3.656 مليار دولار في 1990 إلى 1.337 مليار دولار في عام 2000. ومع أن نسبة الإقراض للزراعة بلغت 18 في المائة من مجموع قروض البنك الدولي في 1990، فإن هذا الرقم انخفض في عام 2000 ليصبح 9 في المائة. وفيما عدا الصندوق الدولي للتنمية الزراعية، الذي يقدم جميع قروضه للزراعة، والبنك الأوروبي للإنشاء والتعمير الذي تتباين قروضه للزراعة تباينا كبيرا من سنة إلى أخرى، فقد قامت جميع مؤسسات التمويل بتخفيض قروضها للزراعة (أنظر الجدول رقم 3-12).
3-53
ونظرا لنقص الموارد المحلية، ولأن مستويات الاستثمار المحلى اللازمة تفوق حجم ما يستطيع معظم البلدان أن يموله من مدخراتها، فإن معظم البلدان تعتمد اعتمادا كبيرا على المساعدات الأجنبية، ويزيد من درجة الاعتماد عبء الدين الكبير الذي يثقل كاهل هذه البلدان. وسوف تظل التحويلات الخارجية تلعب دورا هاما في الكفاح من أجل استئصال حالة انعدام الأمن الغذائي، إلى أن تستطيع البلدان التي يرتفع فيها معدل نقص الأغذية زيادة دخولها إلى المستوى الذي يمكنها من توليد مدخرات تكفي لتلبية احتياجاتها، وتحتاج بلدان العجز الغذائي ذات الدخل المنخفض إلى الاعتماد على قدر من التمويل الرسمي لسنوات كثيرة قادمة.
3-54
وثمة سؤال هام ينشأ عن المناقشات الواردة أعلاه، يتعلق بأسباب الانخفاض في تدفقات الموارد الخارجية على القطاع الزراعي، على الرغم من أهميته الأساسية للنمو والأمن الغذائي في البلدان النامية. وفيما يلي بعض الأسباب المحتملة التي قد تتأكد بدرجات مختلفة اعتمادا على البلد/الإقليم ومصدر المعونة أو الإقراض:
(أ) الوفرة الحالية في الكميات المتاحة من الأغذية في العالم (التي تتبدى في انخفاض أسعار السلع الزراعية) تحجب البلاء الذي يعيش فيه هؤلاء الذين لا يستطيعون أن يحصلوا على احتياجاتهم اليومية من الأغذية، حتى مع الانخفاض السائد في الأسعار.
(ب) تبدي الجهات المتبرعة ومؤسسات التمويل اهتماما متزايدا بقضايا الصحة والبيئة والتعليم والقضايا الاجتماعية دون توفير التمويل الإضافي الكافي لخدمة مجالات الاهتمام الجديدة. وبالتالي أصبح يتعين على الزراعة الأولية أن تتنافس على الموارد مع القطاعات والنشاطات الأخرى. وقد حدث ذلك نتيجة للتحول في تركيز نموذج التنمية السائد نحو مختلف مظاهر الفقر، الذي تكررت الدعوة إليه في قرارات مؤتمرات القمة وفي الاجتماعات رفيعة المستوى والمؤتمرات والتقارير.
(ج) يفتقر المهتمون بالتنمية الزراعية والريفية إلى النفوذ السياسي الكافي للضغط على الحكومات من أجل توجيه الموارد، بما في ذلك طلبات المعونة و/أو الإقراض، نحو قطاع الزراعة والريف، وعلى وجه الخصوص، قد يكون التوسع العمراني قد زاد من الصوت السياسي لسكان المدن ومن طلباتهم على الموارد المحلية والخارجية؛
(د) إن » آلية « المعونة والإقراض تحابى القطاعات والمشروعات ذات الفترة الزمنية القصيرة ولذا أصبحت لا تشجع مديري المشروعات والبرامج على القيام بالمشروعات الزراعية والريفية التي تميل إلى أن تستغرق فترة تنفيذية طويلة.
(ه) أدت التجارب السلبية لأداء (معدل العائد) حافظة القروض الزراعية والريفية لدى بعض وكالات الإقراض إلى زيادة الامتناع عن هذا الإقراض، فقروض التنمية الزراعية والريفية تنطوي على تعقيدات ومخاطر، فضلا عن تكاليف معاملات مرتفعة، وبالإضافة إلى ذلك، فان تزايد أعداد وصرامة وسائل الحماية، التي تطبق لمنع أو تقليل التأثيرات الجانبية الضارة من الناحيتين البيئية والاجتماعية للاستثمار، زاد من صعوبة الحصول على القروض، ودفع موظفي وكالات الإقراض وعملائهم إلى الإحجام عن هذه القروض تجنبا للمخاطر؛
(و) يواجه عدد من المؤسسات خسارة فعلية ووشيكة في القدرات المهنية على صياغة وتحليل وتقييم مشروعات وبرامج التنمية الزراعية والريفية، ونتيجة لقيود الميزانيات لا يجري بصورة كافية إحلال آخرين مكان الأخصائيين الذين يتركون المؤسسات. كما أن تقلص البرامج الريفية أدى إلى خفض الموظفين المهنيين المدربين والمحنكين في الميدان.
3-55
ومن المهم تحليل الأسباب الكامنة وراء انخفاض تدفق الموارد على القطاعات الزراعية والريفية، وبذل جهود منسقة لتصحيح هذا الانخفاض من جانب أصحاب الشأن وحلفائهم على المستوى القطري، والأجهزة الدولية المعنية بالنمو الزراعي والأمن الغذائي الخاص بأولئك الذين يستمدون سبل معيشتهم منها.
3-56
دعا مؤتمر القمة العالمي للأغذية إلى الابتعاد بشكل جذري عن السياسات وعناصر العجز السابقة التي أدت إلى الفشل في وقف استمرار المستويات العالية لنقص الأغذية. وكان إعلان روما واضحا في هذا الشأن:
"إننا نرى أن عدم حصول أكثر من 800 مليون نسمة، في جميع أنحاء العالم ولاسيما في البلدان النامية، على ما يكفي من غذاء لتلبية احتياجاتهم الغذائية الأساسية أمر لا يحتمل، ووضع لا يمكن قبوله أو السكوت عليه. فبالرغم من أن الإمدادات الغذائية قد زادت زيادة ملموسة فإن المعوقات التي تعترض الحصول على الغذاء والنقص المزمن في الدخول الأسرية والقطرية اللازمة لشراء الأغذية، وعدم استقرار العرض والطلب، فضلا عن الكوارث الناجمة عن أسابب طبيعية أو بشرية، عوامل تحول جميعها دون تلبية الاحتياجات الغذائية الأساسية.....إن الجوع وانعدام الأمن الغذائي مشكلتان لهما أبعاد عالمية، ومن المرجح أن تستمرا بل أن تتفاقما على نحو خطير في بعض الأقاليم ما لم تتخذ تدابير جلة وحاسمة ومنسقة، في ضوء الزيادة المتوقعة فإن عدد سكان العالم، وما تتعرض له الوارد لطبيعية من إجهاد...
"وقد عقدنا العزم على بذل الجهود لتعبئة الموارد المالية والفنية من جميع المصادر، بما في ذلك تخفيف عبء الديون الخارجية الواقع على كاهل البلدان النامية وتخصيص هذه الموارد واستخدامها على النحو كمثل من أجل تعزيز القطرية الرامية إلى تنفيذ سياسات الأمن الغذائي المستدام ".
3-57
من المفيد إجراء مقارنة بين البطء الملحوظ في نمو الموارد اللازمة للتنمية الزراعية والأمن الغذائي والتقدير، رغم عدم تأكيده، الذي أجرى عن مستويات الاستثمار اللازمة لبلوغ هدف مؤتمر القمة العالمي للأغذية. وقد جرى تحديث هذا التقدير، الذي أعدته المنظمة في البداية توطئة لمؤتمر القمة العالمي للأغذية، بعد المؤتمر، وقدم إلى لجنة الأمن الغذائي العالمي في دورتها الخامسة والعشرين التي عقدت في عام 1999. وقدرت الدراسة التي أجرتها المنظمة(19) الاحتياجات الإجمالية السنوية للبلدان النامية من الاستثمار في قطاعات الزراعة، بما في ذلك الزراعة الأولية والتخزين والتصنيع والبنية الأساسية المعاونة، بمبلغ 180.4 مليار دولار حتى عام 5 201 (أنظر الجد ول رقم3-13).
3-58
وأوضحت نفس الدراسة، التي استخدمت تقديرا مقارنا للاستثمار الفعلي في الزراعة الأولية خلال الفترة 1986-1995، أن استمرار هذه المعدلات السنوية للاستثمار حتى عام 2015، لن يكفى بالمرة لبلوغ هدف مؤتمر القمة العالمي للأغذية (الجدول رقم 3-14)، وكان العجز المتوقع يمثل نسبة 12 في المائة في المتوسط بالنسبة لكافة الأقاليم النامية، وكان يتراوح بين 38 في المائة في البلدان الأفريقية الواقعة جنوب الصحراء وصفر في المائة في الشرق الأدنى وشمال أفريقيا. أما المقارنات بالنسبة للتخزين والتصنيع والدعم والبنية الأساسية فلا يمكن إجراؤها بسبب عدم توافر الإحصاءات عن المستويات الفعلية للاستثمار.


3-59
ينبغي التأكيد هنا مرة أخرى على أن الجزء الأكبر من الاستثمار في الإنتاج الزراعي الأولى يتركز على مستوى المزرعة، ولذلك فهو يعتمد قبل كل شئ على المناخ الملائم للاستثمار الخاص، أي على اتباع السياسات الجيدة للتنمية الزراعية والريفية المستدامة. ومن ناحية أخرى يلعب استثمار العلم دورا رئيسيا في توفير السلع العامة الضرورية، والتي بدونها لا يمكن أن تزدهر المبادرة الخاصة، وهي: إتاحة أدوات المعرفة، والمعلومات، والتعليم، والبنية الأساسية. غير أن إتاحة هذه السلع العامة لكثير من بلدان العجز الغذائي ذات الدخل المنخفض لا يمكن أن تتحقق في المستقبل القريب دون اللجوء إلى المساعدات الخارجية. ومن الضروري أن تقوم البلدان المتلقية، والمؤسسات المتبرعة الثنائية ومتعددة الأطراف، بتخصيص الموارد اللازمة في هذه المجالات حتى يمكن بلوغ هدف الأمن الغذائي.
3-60
وسعيا وراء تحقيق هذا الهدف على مدى خمس سنوات، قامت منظمة الأغذية والزراعة بالفعل بتعبئة 230 مليون دولار للبرنامج الخاص للأمن الغذائي، والهدف الرئيسي لهذا البرنامج هو تحسين الأمن الغذائي من خلال تحقيق زيادات سريعة في الإنتاجية وإنتاج الأغذية، والحد من التقلبات السنوية في الإنتاج، وتحسين الوصول إلى الغذاء على أساس مستدام اقتصاديا وبيئيا. ويتمثل أحد الأهداف الرئيسية للبرنامج في التغلب على المعوقات المؤسسية الخاصة بالسياسات التي تحد من الإنتاجية على مستوى المزرعة. وحتى يكون هذا البرنامج فعالا، ويحقق أهدافه فيما يقرب من 80 من بلدان العجز الغذائي ذات الدخل المنخفض، يحتاج البرنامج إلى تمويل سنوي بنحو 1.4 مليار دولار (بما يعادل 17 مليون دولار في المتوسط للبلد الواحد)، منها 500 مليون دولار من حساب الأمانة للبرنامج الخاص للأمن الغذائي لدى منظمة الأغذية والزراعة، و 67 مليون دولار من البلدان المتلقية، و134 مليون دولار من الجهات المتبرعة الثنائية، و670 مليون دولار من المؤسسات المالية متعددة الأطراف.
3-61
يصبح العجز المتزايد في الموارد أكثر وضوحا عند التفكير في ضرورة زيادة الاهتمام بالاحتياجات الانتقالية للفقراء، الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي أثناء كفاحهم من أجل التنمية.
3-62
من الواضح، أن من الضروري لتخفيف وطأة الفقر وانعدام الأمن الغذائي، توجيه المزيد من الإهتمام إلى الاستثمارات، التي تستطيع النهوض بقدرة الناس على تحسين أحوالهم المعيشية بصورة مستدامة. وكمثال على ذلك، فإن أهمية القطاع الزراعي ومشكلة الفقر الريفي دعت الكثير من البلدان إلى اتباع استراتيجيات تركز على الحد من انعدام الأمن الغذائي المزمن عن طريق زيادة إنتاجية صغار المزارعين. وتحتاج مثل هذه الاستراتيجيات إلى توافر موارد مالية وقدرات مؤسسية، بحيث يستطيع فقراء الريف الحصول على الأراضي المنتجة والمدخلات الممكنة، ويستطيع فقراء الريف، الذين لا يعملون بالزراعة، الإفصاح عن احتياجاتهم الغذائية غير المشبعة في صورة طلب فعال. بيد أن نقص الموارد الداخلية والخارجية والقدرة المؤسسية في معظم بلدان العجز الغذائي ذات الدخل المنخفض يعوق اتباع مثل هذه الاستراتيجية.
3-63
لما كانت التغذية الكافية، والصحة، والتعليم الأولى، من متطلبات النمو الاقتصادي الشامل، فإن الاستثمارات، لضمان أوسع السبل للوصول إلى الاحتياجات الغذائية والمياه العذبة والرعاية الصحية الأولية والتعليم الابتدائي، تصبح أهم استخدام فعال للموارد الشحيحة من أجل بلوغ هدف مؤتمر القمة العالمي للأغذية، لذلك فإن التدخلات المباشرة الرامية إلى الحد من سوء التغذية الحالي، وخلق ظروف ملائمة للتمتع بالصحة، ينبغي أن تصاحبها السياسات (بما في ذلك أولويات الاستثمار العام) التي تهدف إلى تحقيق التنمية الشاملة والتنمية الزراعية. وفي الواقع فإن هدف ال20 / 20 (أي توجيه 20 في المائة من الميزانيات القطرية و20 في المائة من المساعدات الدولية إلى الأهداف الاجتماعية)، المتفق عليه أثناء القمة العالمية للتنمية الاجتماعية، يصبح فرضا منطقيا لتلبية هذه المتطلبات المزدوجة.
3-64
وقد تم التسليم بأهمية هذا النهج، الذي يسير في اتجاهين، للتصدي لحالة انعدام الأمن الغذائي (من الناحية الإنسانية والأهداف الإنمائية)، وتجلى ذلك في الوثائق الفنية التي أصدرتها منظمة الأغذية والزراعة للإعداد لمؤتمر القمة العالمي للأغذية، وكذلك في الوثيقة التي أعدها البنك الدولي عن التنمية الريفية بعنوان: "من النظرية إلى التطبيق"، والدراسة التي أعدها المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية: "رؤية 2020 للأغذية والزراعة والبيئة" وتقرير الفقر في الريف لعام 2001 الصادر عن الصندوق الدولي للتنمية الزراعية. بيد أن تحويل هذا المنهج إلى حقيقة في جميع بلدان العجز الغذائي ذات الدخل المنخفض يحتاج إلى تعبئة الموارد والقدرات المؤسسية، بحيث تتجاوز بكثير ذلك القدر الملتزم به حاليا، من أجل التصدي لانعدام الأمن الغذائي.
3-65
إن من الصعب تحديد مستوى الموارد اللازمة لتحسين الأحوال الصحية والغذائية للسكان في هذه البلدان. وتفيد التقديرات أن تكلفة تقديم الغذاء اللازم لهؤلاء الذين يتعرضون لنقص الأغذية بالمستوى الأدنى الكافي (20) تقدر بنحو 13 دولارا للفرد سنويا، ويعنى ذلك بالنسبة لعدد 800 مليون نسمة 10.4 مليار دولار سنويا، إلا أن التكلفة ستنخفض إلى 5.2 مليار دولار فقط إذا أمكن تحقيق هدف مؤتمر القمة العالمي للأغذية. وقد قامت وكالات منظمة الأمم المتحدة (21) باحتساب تكلفة تقديم التغذية المناسبة والرعاية الصحية في البلدان النامية بمبلغ يتراوح بين 70 مليارا إلى 80 مليار دولار سنويا- بالإضافة إلى مبلغ ال136 مليار دولار الذي ينفق حاليا. وإزاء قيود الميزانيات المحلية العامة في البلدان النامية الأكثر فقرا، والحاجة إلى التخفيف من تحمل اقتصادياتها الكلية بتكلفة هذا الجهد، فإن العمل على زيادة المساعدات الدولية واستدامتها لا ينطوي على أي مبالغة. وفى الوقت الذي تعتمد فيه النتيجة الإيجابية للمساعدات الخارجية على سلامة توجيهها واستغلالها من جانب الجهات المتبرعة والمتلقية على حد سواء فإن أي تحسن لا يمكن، بعد حد معين، أن يعوض عن النقص في الموارد، لذلك فان من الضروري البحث عن أشكال جديدة لتعبئة الموارد.
3-66
ويعتمد حجم التكاليف اللازمة للحد من نقص الأغذية، لتحقيق هدف مؤتمر القمة العالمي للأغذية، على نوع الاستراتيجية المتبعة. أما التحسن المستدام في الأمن الغذائي فيمكن أن ينشأ عن النمو الاقتصادي الذي يقوم على قاعدة عريضة، كما أنه أيضا يساهم في تحقيقه. بيد أن أعداد الذين يعانون من نقص الأغذية، حتى ولو انخفض الرقم من 800 مليون إلى 400 مليون خلال خمسة عشر عاما، يستوجب اتخاذ تدابير ترمى إلى الحد من نقص الأغذية الذي يعانون منه، وذلك بالإضافة إلى السياسات والبرامج التي تحسن من أحوالهم في المستقبل. ومن الضروري، عند تدبر تكاليف وفوائد هذه الإجراءات مراعاة الفوائد الاقتصادية الناشئة عن تنفيذها، فضلا عن مبرراتها الإنسانية.
3-67
يؤدى اعتلال الصحة وسوء التغذية إلى إلحاق الضرر بالقدرات المادية والعقلية، ويمتد ذلك إلى القدرة على أداء العمل المنتج. وهذا أمر يظهر بوضوح على مستوى الفرد(22). وتشير الأبحاث الأخيرة التي أجريت خلال العقود الثلاثة السابقة لتقييم الأداء الاقتصادي لمائة من البلدان وارتباط ذلك بحالة انعدام الأمن الغذائي، أن الخسائر الاقتصادية التي تلحق بالاقتصاد القطري تكون كبيرة بالفعل إذا تعطل جزء من قوة العمل بسبب الأوضاع الغذائية السيئة، حيث تصل هذه الخسائر إلى واحد في المائة من معدل النمو في الناتج القومي الإجمالي سنويا. تلك هي الظروف السائدة في البلدان التي يعانى 30 في المائة منها أو أكثر من السكان من نقص الأغذية، وهو عدد من السكان تقدره منظمة الأغذية والزراعة بنحو 600 مليون نسمة. وفي الواقع، فإنه منذ منتصف الثمانينات ظل معدل النمو الاقتصادي (محسوبا على أساس نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي) سلبيا أو لا شئ في جميع البلدان التي يعانى أكثر من نصف سكانها من نقص الأغذية، وفي غالبية البلدان التي يعاني فيها ما بين 20 في المائة إلى 50 في المائة من عدد السكان من نقص الأغذية. وفي الفئة التي تقل فيها نسبة من يعانون من نقص الأغذية عن 20 في المائة، تحقق غالبية هذه البلدان النامية معدل نمو إيجابي في نصيب الفرد (23)، وعلى الرغم من أنه من الصعب فك الارتباط بين السبب والنتيجة (من النمو إلى التغذية ومن التغذية إلى النمو)، فإن هذه النتائج تشير إلى أن مكافحة الجوع هي استثمار اقتصادي يعمل على تحقيق النمو، وليس فقط التزام تجاه حقوق الإنسان.
3-68
على الرغم من الالتزام الجاد الذي تم في مؤتمر القمة العالمي للأغذية، لا توجد أي دلائل على حدوث زيادة ملموسة في معدل تخفيض نقص الأغذية، حيث يمضى هذا المعدل بصورة بطيئة للغاية. وما لم تتخذ تدابير جذرية، فإن التوقعات الحالية بالنسبة لعام 2015 لا تزال تضع العدد المتوقع لناقصي الأغذية في ذلك التاريخ عند 580 مليون نسمة، ولن يتسنى بلوغ هدف مؤتمر القمة العالمي للأغذية بتخفيض هذا الرقم إلى 400 مليون نسمة قبل عام 2030. إن هذا الهدف هو هدف متوسط أما الهدف النهائي فهو استئصال الجوع في جميع البلدان.
3-69
إن من الضروري اتخاذ إجراءات عاجلة على العديد من الجبهات، ولكن يتعين زيادة تعبئة الموارد للزراعة بالنظر إلى أهمية هذا القطاع لسبل معيشة الجياع ومن يعانون من انعدام الأمن الغذائي في البلدان النامية. وقد سلم في هذا الفصل بأن الموارد البشرية ليست إلا عنصرا من التدابير الضرورية، كما أن التنمية الزراعية المستدامة هي واحدة من عدة عناصر لا غنى عنها لأي استراتيجية ترمي إلى التخفيف من وطأة الفقر وانعدام الأمن الغذائي. ومع ذلك فإن أهمية تعبئة الموارد للزراعة، وبخاصة في البلدان التي تستمد فيها الغالبية العظمى من الفقراء قوت يومها من هذا القطاع، تبرر إجراء التغييرات في عملية تخصيص الموارد لخدمة الزراعة، مما يعتبر شرطا أساسيا لتحقيق التطورات الإيجابية في المجالات الأخرى التي تهدف إلى التخفيف من حدة الفقر.
3-70
إن المعلومات والتحليلات الواردة في هذا الفصل لا تقدم دليلا على وجود تحرك كاف صوب مسار جديد. ويبدو أن الاستثمار في الزراعة في البلدان النامية يمضي بنفس المعدل الذي تسبب فيما لوحظ من عدم إحراز تقدم مرض منذ بداية التسعينات، ويبين هذا الفصل أن انخفاض إنتاجية الزراعة في البلدان الفقيرة يرتبط بانخفاض مستوى الأصول الرأسمالية الزراعية بحسب العامل، وكلاهما يرتبط بانتشار نقص الأغذية.
3-71
وتظل البلدان، التي تنخفض فيها المدخرات والقدرة على الاستثمار، في حاجة إلى المساعدات الإنمائية الرسمية باعتبارها المصدر الرئيسي الخارجي للتمويل، ولا توجد دلائل على حدوث تحول في استجابة المساعدات الإنمائية الرسمية لهذه الحاجة الملحة. وعلى الرغم من أن التحويلات العامة قد حلت بالتدريج مكان الاستثمارات الأجنبية المباشرة، فإن توجيه هذه الأخيرة وحجمها لا يستجيبان للاحتياجات الفعلية، ولذا فإنها لا توجه إلى أشد البلدان فقرا، التي تعاني أعلى مستويات نقص الأغذية.
3-72
وفيما يتعلق بالإنفاق العام الداخلي على قطاع الزراعة، تشير البيانات إلى أن مخصصات الحكومات من الموارد العامة للزراعة مازالت دون حصة الزراعة في إدرار الدخل وفرص العمل. ومع ذلك، فإن 70 في المائة من الفقراء والذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي في البلدان النامية، يعتمدون على الزراعة ومصايد الأسماك والغابات، سواء بصورة مباشرة أو بصورة غير مباشرة لتحسين سبل معيشتهم.
3-73
وهناك الآن دلائل وافرة تؤكد حقيقة أن الأسباب التي تدعو إلى بذل المزيد من الجهود من أجل تخفيف محنة الفقراء والذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي، ليست أسبابا إنسانية فحسب وإنما أسباب اقتصادية أيضا. فالجوع يضر كثيرا بإنتاجية الأفراد وصحتهم ويحد من نمو إمكانيات البلدان، كما أن تقديم المعونة الغذائية العاجلة للجوعى في حالات الطوارئ الناجمة عن الأحوال المناخية أو الصراع تعود بالنفع وبالفوائد الاقتصادية على الفرد والمجتمع، حيث أن هذه المساعدات تساعد ناقصي الأغذية على تعزيز مساهمتهم، على المدى القصير والمدى الطويل، في تحقيق النمو الاقتصادي والرخاء للدولة. ويدعو هذا الفصل إلى "منهج من مسارين" إزاء الأمن الغذائي يشمل تنمية القطاعات الإنتاجية وإقامة الآليات الملائمة للإغاثة في المدى القصير.
3-74
وفيما يتعلق بأولويات منح المساعدات الإنمائية الرسمية والمساعدات الفنية، فإن البلدان التي تعاني من أسوأ أداء وفقا لمؤشرات انعدام الأمن الغذائي، هي التي ينبغي أن تأتي على رأس القائمة. ومن حيث الفقر وانعدام الأمن الغذائي، على الرغم من أن البلدان التي أشير إلى أنها تعاني من أعلى معدلات انتشار نقص الأغذية توجد في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى أساسا، فإن هناك بلدانا أخرى توجد أيضا في آسيا وأمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي.
3-75
وسوف تعتمد أنماط التدخل، ومجالات الزراعة النوعية المستهدفة لزيادة الموارد، على احتياجات كل بلد من بلدان الأولوية. ولابد أن يستند تحديد مجالات الأولوية، بالنسبة لتعبئة الموارد، إلى تحليلات أكثر تفصيلا للإمكانيات والقيود، تجرى بطريقة تشاركية على المستويات القطرية والإقليمية والمحلية.
3-76
ويمكن توجيه الموارد من خلال الآليات الجديدة والعاملة بما في ذلك العناصر الزراعية والريفية في أوراق استراتيجية الحد من الفقر وإطار الأمم المتحدة للمساعدات الإنمائية وشبكة التنمية الريفية والأمن الغذائي التابعة للجنة التنسيق الإدارية. ومن الآليات الهامة في هذا المجال، حساب الأمانة الذي أنشأته منظمة الأغذية والزراعة مؤخرا للأمن الغذائي وتلافي طوارئ الآفات والأمراض النباتية والحيوانية العابرة للحدود، فضلا عن البرنامج الخاص للأمن الغذائي، الذي يهدف إلى مساعدة بلدان العجز الغذائي ذات الدخل المنخفض في التغلب على المعوقات الفنية، والاقتصادية، والاجتماعية، والمؤسسية، والمتعلقة بالسياسات التي تحول دون المزارعين وتلبية احتياجاتهم الأساسية وتحرمهم من اغتنام الفرص التي قد تنشأ.
3-77
ولا يشمل الدعم المطلوب من البلدان المتقدمة تحويل الموارد المالية فقط، بل وإجراء الإصلاحات السياسية والقانونية. فعلى سبيل المثال، سوف تتعرض فعالية الموارد المخصصة للتنمية الزراعية للأضرار، إذا لم تتح لهذه البلدان إمكانية الوصول إلى الأسواق الخارجية. كما أن خفض الحماية التجارية في بلدان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية سيتيح إمكانيات ضخمة للإنتاج والصادرات، ومن ثم الحد من الفقر في البلدان الفقيرة. وسوف تظل منافع تحرير التجارة موزعة بصورة غير متساوية ما لم تتح لصغار المزارعين إمكانية الاستفادة من الفرص الجديدة في الأسواق.
3-78
إن تمكين صغار المزارعين من مواجهة تحديات العولمة، يتطلب جهودا خاصة لبناء القدرات والمؤسسات الريفية فضلا عن تحسين البنية الأساسية في الريف، بما في ذلك الطرق والاتصالات ومرافق التسويق والنقل والتخزين والتصنيع. وتعتبر المؤسسات الزراعية الملائمة ضرورية، مثل تلك التي تيسر تقديم القروض ونقل التكنولوجيا فضلا عن الإطار القانوني اللازم للدفاع عن المطالبة بالأراضي والمياه والحصول على الحقوق. والعنصر الرئيسي في توفير المكونات التجارية لهذه البنية الأساسية، وضمان إدارة نشاطات ما بعد الإنتاج، هو القطاع الخاص الذي يعتبر من العناصر شديدة الاستجابة للبيئة الكلية المواتية والاستثمار العام في البنية الأساسية في المناطق الريفية.
3-79
ويتعين أن تكون الرسالة واضحة: لا يمكن أن يكون هناك أمل في بلوغ هدف مؤتمر القمة ما لم يتم تعزيز الإرادة السياسية لتوجيه موارد كافية لتحقيق هدف الحد من الجوع. فمن الضروري تعبئة الموارد للأغذية والزراعة لزيادة الإنتاجية وتوليد فرص العمل والحصول على الغذاء وبخاصة في المناطق الريفية حيث يوجد معظم من يعانون من انعدام الأمن الغذائي، فهناك بلدان كثيرة في أشد الحاجة إلى موارد يمكن استثمارها، وستكون المساعدات الدولية المعاونة، بدءا من إيجاد حل دائم لمشكلة الديون، علامة ملموسة على أنه يجرى الوفاء بالالتزامات التي قطعت في مؤتمر القمة، وينبغي أن تتواصل كافة الجهود على جميع المستويات لضمان أن توفر السياسات حوافز ملائمة لاستثمارات المزارعين والمستثمرين من القطاع الخاص، بالإضافة إلى بيئة سلام يسودها الاستقرار الديمقراطي والسياسي والاجتماعي.
(1) يستخدم تعبير » نقص الأغذية « للإشارة إلى الأشخاص الذين لا يوفر لهم التحصيل الغذائي سعرات حرارية كافية لتلبية احتياجاتهم من الطاقة. أما تعبير » نقص الأغذية « ، فيشير إلى حالة الأشخاص الذين تشير مقاييسهم البدنية ليس فقط إلى نتائج عدم كفاية متحصلاتهم الغذائية بل أيضا إلى ظروف اعتلال الصحة وحالتهم الصحية التي قد تحول بينهم وبين استخلاص المنافع التغذوية مما يتناولونه من غذاء (المنظمة: حالة انعدام الأمن الغذائي في العالم في 2000).
(2) بما في ذلك الاقتصاديات التي تمر بمرحلة تحول في أوروبا الشرقية ووسط آسيا، اعتمدت هذه الحسابات على أسعار 1985 باستخدام أسعار الصرف المعادلة للقوة الشرائية في ذلك العام.
(3) بيانات البنك الدولي.
(4) FAO. 2001. Undemourishment and economic growth: the efficiency cost of hunger. By J.-L. Arcand. FAO Economic and Social Development Paper No. 147. Rome.
(5) تقرير الدورة الثامنة والعشرين للمؤتمر العام للمنظمة، 20-31 أكتوبر/تشرين الأول 1995 .(C95/REP)
(6) الوثيقة رقم 10 من الوثائق الفنية الأساسية لمؤتمر القمة العالمي للأغذية » الاستثمار في الزراعة. التطور والتوقعات « والوثيقة رقم 14 » تقدير التقدم الممكن في ميدان الأمن الغذائي « والوثيقة CFS:99/Inf.7 » الاستثمار في الزراعة لتحقيق الأمن الغذائي: الأوضاع والموارد اللازمة لتحقيق أهداف مؤتمر القمة العالمي للأغذية « المقدمة للدورة الخامسة والعشرين للجنة الأمن الغذائي العالمي، المنظمة 1999، روما.
(7) المصطلح الأكثر دقة هو » المتوسط القطري للاستهلاك الغذائي الظاهري « بالنظر إلى أن البيانات تأتي من موازين الأغذية القطرية وليس من المسوحات الغذائية. ويستخدم مصطلح » نصيب الفرد من استهلاك الأغذية « بهذا المعنى في هذا الفصل.
(8) أكثر من 5 في المائة سنويا وفقا لوثيقة المعلومات الأساسية لمؤتمر القمة العالمي للأغذية رقم 14، أنظر الحاشية رقم 6.
(9) USDA. 1999. United States Action Plan on Food Security. Solutions to hunger. Washington, DC
(10) OECD. 1996. Shaping the twenty-first century-the contribution of development cooperation. Paris
(11) World Bank, World Development Report 2000, Attacking Poverty. Oxford University Press, 2000.
(12) توقعات الأغذية والزراعة حتى علم 2010 عرضتها المنظمة في دراستها بعنوان » الزراعة في العالم عام 2010 « FAO. 1995. World agriculture: towards 2010. An FAO study. Rome, FAO and Chichester,UK,John Wiley
(13) IMF. 2000. Government Financial Statistics Yearbook 2000. Washington, DC .هناك 59 بلدا مسجلا في مصدر صندوق النقد الدولي على أساس تقديم التقارير بعد سنة على الأقل من الفترة 1990-1998، و52 بلدا مسجلا على أساس أعلى المعدلات المقدمة في أي سنة، و20 بلدا فقط قدمت تقاريرها في 1998.
(14) مرة أخرى، تم استبعاد الفئة الثانية من فئات انتشار نقص الأغذية لأن البيانات المتعلقة بأحد البلدان، الكويت، تسيطر على المتوسط البسيط.
(15) تجدر الملاحظة بأن نسبة » الدعم « تصلح لعقد المقارنات بين البلدان، أو مجموعات البلدان ولا تشير إلى المعاملة النسبية للزراعة (من حيث الإنفاق الحكومي) بالمقارنة بالعوامل الأخرى في أحد البلدان. ولا تذهب جميع مخصصات الميزانية إلى الفئة الوظيفية للنشاطات.
(16) S. Fan, P. Hazell and S. Throat. 1999. Linkages between government spending, growth, and poverty in rural India, IFPRI Research Report No. 110. 1999. Washington, DC, IFPRI.
(17) سيكون التخفيض في إجمالي القروض للبلدان النامية » التقليدية « أكثر وضوحا إذا استبعدت قروض البنك الدولي والبنك الأوروبي للإنشاء والتعمير إلى البلدان التي تمر بمرحلة التحول.
(18) هذا القسم مقتبس من الوثيقة CFS:99/Inf. 7 » الحالة والاحتياجات من الموارد لبلوغ أهداف مؤتمر القمة العالمي للأغذية « المقدمة إلى الدورة الخامسة والعشرين للجنة الأمن الغذائي العالمي.
(19) أنظر الحاشية رقم 17.
(20) المنظمة، 1996، الوثيقة رقم 13 من الوثائق الفنية الأساسية لمؤتمر القمة العالمي للأغذية "الأمن الغذائي والمعونة الغذائية". ويعتمد هذا التقدير على افتراض أن الأغذية يمكن توجيهها توجيها صحيحا، حتى ولو كان غير واقعي.
(21) World Bank//UNICEF/UNESCO, quoted in ending malnutrition by 2020: an agenda for change in the millennium. Final report of the ACC/SCN Commission on the nutrition challenges of the twenty-first century.
(22) أنظر على سبيل المثال. a review of available research in: J. Strauss and D. Thomas. 1998. Health, nutrition and economic development. Economic Literature, 36 (2): 766-817
(23) "حالة الأغذية والزراعة- 1998 "، المنظمة، 1998، روما.