الصفحة السابقةبيان المحتوياتالصفحة التالية

التصورات المستقبلية- المستقبل القادم

ستؤثر القوى الدافعة المشار إليها سابقا على وضع القطاع الحرجي بصورة جماعية، وستغير بالتالي من سلوك العديد من الأطراف الفاعلة، كقاطني الغابات وصغار المزارعين وكبارهم، ومربي الماشية والجماعات المحلية، ورجال الأعمال المحليين، وشركات الاستثمار الوطنية والأجنبية، والمؤسسات الثنائية والمتعددة الأطراف، ومنظمات المجتمع المحلي الوطنية والدولية. وعبر تجاوبهم مع القوى الدافعة فإن الأطراف الفاعلة تغير الوضع وتنشئ فرصا وتحديات جديدة تستدعي بدورها ردودا جديدة. وتفضي هذه الأثار المجتمعة والمتراكبة إلى مسارات تنموية متنوعة. وهنا يستخدم تحليل التصورات لفهم تبعات هذه المسارات البديلة.


تتأثر الأعمال التي تقوم بها مختلف الأطراف بحرية الخيار المتيسرة لها، والتي تحددها البينة السياسية والمؤسسية التي تعيش فيها هذه الأطراف وتعمل ضمنها. وبالتالي فإن تحديد التصورات اللازمة لفهم الوضع الناشئ الذي سيحكم المجتمع ككل والقطاع الحرجي بصورة خاصة، يعتمد على هوية الأطراف التي تتحكم فعلا بالموارد وإدارتها، ودرجة تأثيرها على حرية اختيار مختلف الأطراف الأخرى.

وقد تم وضع تصورات أساسية عديدة في إطار الدراسة الاستشرافية للغابات في أفريقيا، بالاستناد إلى النهج الذي وضعه معهد ستوكهولم للبيئة والتعديلات الملائمة المدخلة عليه.

 

التصورات العالمية

الإطارالذي وضثعه معهد ستوكهولم للبيئة

أنشأ معهد ستوكهولم للبيئة فريق خبراء عالميين في التنمية وكلفه بوضع التصورات الإقليمية والعالمية، وتحليل السياسات وتوعية الجمهور، مع التركيز بصورة خاصة على الشروط اللازمة لضمان الاستدامة. وصدر عن الفريق منشورة هامة بعنوان:

.(Branch points: global scenarios and human choice (Gallopin et al., 1997

وقد تمد المعهد نهجا مزدوج المستوى في تبين هذه التصورات يتمثل أولهما في وضع فئات للتصنيف, والثاني في تحديد المتغيرات. يتألف المستوى الأول من: (أ) العوالم التقليدية، (ب) البربرية، (ج) التحولات الكبرى، وضمن سيناريو العوالم التقليدية يتوقع أن تتطور النظم العالمية دون مفاجآت أو اضطرابات هامة، ويتسم المستقبل باستمرار تطور وتوسع وعولمة القيم السائدة من جهة أخرى يتضمن سيناريو البربرية وسيناريو التحولات الكبرى تحولات عميقة للمجتمع، ليؤدى السيناريو الأول إلى انهيار العديد من الترتيبات الموجورة حاليا، وليأتي الثانى بتحسينات نوعية هامة. كما يحدد النهج الذي وضعه المعهد متغيرات لكل من تصورات المستوى الأول.

يقدم Gallopin et al ، وصفا مفصلا لكل من هذه التصورات، لمتغيات وآثارها على الجوانب الأ ساسية كالسكان والاقتصاد والبيئة والإنصاف والتكنولوجيا والنزاعات.

 

التصورات المستقبلية- التصورات الأساسية

هيمنة القطاع العام: تتحمل الحكومة المسؤوليات الأساسية في إدارة الاقتصاد، بما في ذلك القطاع الحرجي. وتحكم السياسات والتشريعات والقواعد والأنظمة الحكومية سلوك كافة الأطراف الفاعلة ا لأخرى.

قوى السوق: توجه آليات السوق قرارات تخصيص الموارد وفقا لهذا السيناريو الذي يسيطر عليه القطاع الخاص. وهذا القطاع يعمل لتحقيق هدف أساسي هو الربح. يتحكم عدد من العوامل في قدرة مختلف الأطراف على العمل ضمن سيناريو قوى السوق،

القطاع غيرالرسمي: توجد في أغلبية المجتمعات نشاطات اقتصادية خارج إطار القطاع العام أو قوى السوق، كما يعمل عدد من الأطراف ضمن القطاع غير الرسمي، لقد كان نمو القطاع الرسمي بطيئا إلى درجة دفعت جزءا كبيرا من سكان أفريقيا إلى الاعتماد على القطاع غير الرسمي لضمان سبل العيش.

ولكل من هذه التصورات الثلاثة اتجاهاته الإيجابية والسلبية، وقد يتطور كل منها بصورة مختلفة وفقا للقدرة على تعزيز الميزات وتصحيح مواطن الضعف.

 

 

التصورات المستقبلية- التصورات وتبعاتها

تتعايش مختلف التصورات (هيمنة القطاع العام، وقوى السوق، والقطاع غير الرسمي) بحسناتها وسيئاتها جنبا إلى جنب في معظم البلدان. وتتفاوت أهميتها النسبية وفقا للبينة السياسية والاجتماعية والمؤسسية والاقتصادية بوجه عام. وعندما تهيمن الجوانب السلبية لكل من التصورات الثلاثة، يتدهور الوضع العام ويتأتى عن ذلك نتائج خطيرة، حيث يتسع الشق بين الأغنياء والفقراء ويسيطر الأغنياء على أغلبية الموارد. وعندما تصبح فرص عمل وسبل معيشة الأغلبية غير مضمونة، تزداد حينئذ النزاعات على استخدام الموارد، وينهار القانون والنظام، وبهدف الحفاظ على الحالة كما هي عليه، يعمد المستفيدون من الوضع إلى اعتماد إجراءات حماية صارمة عبر استثمار مبالغ كبيرة في الخدمات الأمنية، ويتحول الوضع عندئذ إلى ما يسمى "بسيناريو الحصن " المتواجد في عدد من البلدان.

من جهة أخرى، يعتبر بروز مجتمع أقل عرضة للنزاعات احتمالا ممكنا، خاصة إذا تم ترسيخ التوجهات الإيجابية وتصحيح السلبية منها. وتبرهن بعض الجهود المبذولة حاليا، على غرار الشراكة الجديدة لتنمية أفريقيا، على الرغبة في الانتقال نحو سيناريو مختلف يعرف باسم "مرحلة التحول الكبرى"، وتتمثل أهم التغيرات التي تنشدها أفريقيا في:

تتسم مرحلة التحول الكبرى بسلامتها من الناحية الاجتماعية والاقتصادية والبينية. وعلى الرغم من الشكوك والعقبات، فإن تنفيذها سوف يفضي إلى:

 

 

الشراكة الجديدة لتنمية أفريقيا

تتمحور الشراكة الجديدة لتنمية أفريقيا حول الملكية والإدارة الأفريقية. وقد وضع القادة الأفارقة من خلال هذا البرنامج جدول أعمال للنهوض بالقارة يستند إلى الأولويات القطرية والإقليمية وإلى الخطط التنموية التي يجب تحضيرها من خلال عمليات تشاركية تضم الشعوب. ونحن نعتقد بأن قادتنا الأفارقة إذ يستمدون صلاحياتهم من هذه الخطط، فإن عليهم تفصيلها وقيادة العمليات الهادفة إلي تطبيقها بالنيابة عن شعوبهم،

هذا البرنامج هو إطار عمل تحاورى مع باقي العالم، بما فيه البلدان الصناعية والمنظمات المتعددة الأطراف، ويستند إلى جدول الأعمال الذي وضعته الشعوب الأفريقية من خلال مبادراتها الخاصة وسعيها إلى تقرير مصيرها.

وسعيا لتحقيق هذه الأهداف، سيتحمل القادة الأفارقة المسؤولية المشتركة لما يلي:

(اللجنة الاقتصادية لأفريقيا، 2001)

 

التصورات المستقبلية- الاوضاع الناشئة

قد تجتمع الاتجاهات السلبية والاجابية للتصورات الأساسية الثلاثة لترسم مجموعة من التصورات المستقبلية، من بينها ما يلي: استمرار الوضع الحالى: أي استمرار هيمنة القطاع العام وقوى السوق والقطاع غير الرسمي مجتمعين وبنسب متفاوتة، بما لها من سلبيات وإيجابيات، بحيث يستمر الوضع على ماهوعليه،

سيناريوالحصن: تهيمن الجوانب السلنية للتصورات الأساسية الثلاثة مؤدية إلى تدهور الوضع وظهور سيناريو الحصن كمرحلة أولى، ثم يستمر التدهور إذا لم تتخذ أية إجراءات تصحيحية، ليشهد انهيارا اجتماعيا كاملا وليبرز سيناريو "البربرية".

مرحلة التحول الكبرى: تثمر الجهود الجارية لمعالجة مواطن الضعف في التصورات الأساسية الثلاثة، كما تخطط له الشراكة الجديدة لتنمية أفريقيا، وتصبح أفريقيا قادرة على الانتقال إلى مرحلة التحول ا لكبرى.

توجد التصورات الثلاثة في أفريقيا بدرجات متفاوتة. ففي أغلبية البلدان ما يزال القطاع العام مسيطرا على القطاع الحرجي، لكن قدرة الحكومة تتدهور لتفسح المجال أمام أطراف أخرى تزداد أهمية كالقطاع الخاص. ونظرا للأداء الضعيف الذي يميز الاقتصادات الأفريقية، ومحدودية فرص العمل والدخل، وتدني الدخل وتزايد الفقر، أصبح القطاع غير الرسمي الملجأ لأعداد متزايدة من السكان. لكن تزايد حدة النزاعات بين القطاعين الرسمي وغير الرسمي أسفر عن ظهور سيناريو الحصن في بعض البلدان. كما توجد أمثلة عن ظهور البربرية التي أسفرت في الوقت الحاضر عن تدمير كافة فرص الإنتاج المستدام للسبع والخدمات.

وفي الوقت نفسه تبذل جهود ملموسة للوصول إلى مرحلة التحول الكبرى، خاصة مع ترسخ جذور الديمقراطية ودعم السياسات والتشريعات للمناهج التشاركية، على غرار إشراك المجموعات المحلية في إدارة الغابات والأحراج. وإذا ما استمرت هذه الاتجاهات وتقوت جذورها، فإن التنمية الحرجية قد تتخذ اتجاها جديدا وتعزز مساهمتها في تحقيق التنمية المستدامة.

 

 

الصفحة السابقةأعلى هذه الصفحةالصفحة التالية