الصفحة السابقةالمحتوياتالصفحة المقبلة

التحديات الجديدة التي تواجه منجزات مؤتمر القمة العالمي للأغذية

مقدمة

1-1

أكد القادة الذين اجتمعوا في مؤتمر القمة العالمي للأغذية عام 1996 » إلتزامهم الجماعي والوطني بتحقيق الأمن الغذائي للجميع « ، واتفقوا على العمل معا نحو تحقيق هدف » تخفيض عدد الذين يعانون نقص الأغذية إلى النصف في موعد أقصاه عام 2015 « . وتوفر هذه الالتزامات ما أطلق عليه » الإطار الاستراتيجي للمنظمة خلال الفترة 2000-2015 « (1) وصف » نقطة مرجعية جديدة « للمنظمة، وسيشكل هذا الإطار الموضوع الرئيسي لمؤتمر القمة العالمي للأغذية: خمس سنوات بعد الانعقاد.

1-2

وكان إعلان روما بشأن الأمن الغذائي العالمي قد وضع الأمن الغذائي(2) ضمن إطار واسع. حيث اعترف » بالطابع متعدد الجوانب للأمن الغذائي « ، ويركز على ارتباطه بالقضاء على الفقر، وتحقيق السلام، والاستخدام المستدام للموارد الطبيعية، والتجارة النزيهة، وتلافي الكوارث الطبيعية وتلك التي من صنع الإنسان. وهو يعرف الأمن الغذائي بأنه » تمتع البشر كافة في جميع الأوقات بفرص الحصول، من الناحيتين المادية والاقتصادية، على أغذية كافية وسليمة ومغذية « . وتحدد خطة العمل التي صدرت عن مؤتمر القمة العالمي للأغذية، والتي وضعت على أساس الالتزامات السبعة لإعلان روما (الإطار رقم 1-1، الصفحة رقم 2)، 27 هدفا، و 182 إجراء مقترحا، تغطي كل مجال تقريبا من المجالات المتصلة بالأمن الغذائي العالمي والإقليمي والقطري والأسري والفردي.

1-3

إن التحديات التي تواجه دور الزراعة في ضمان الأمن الغذائي العالمي، والإدارة المستدامة للموارد الطبيعية، هي تحديات متعددة الجوانب ومتشابكة إلى أقصى حد. فالزراعة ترتبط ارتباطا وثيقا بالطبيعة، وهي بالتالي عرضة لتقلباتها. فقد تنعم الطبيعة في سنة من السنوات على العالم بمحاصيل وفيرة عندما تأتي الأمطار بما يلبي احتياجات المحاصيل، وفي السنة التالية مباشرة قد يجوع المزارعون بسبب الجفاف، أو الفيضانات أو الأعاصير، أو أسراب الجراد، أو انتشار أوبئة نباتية وحيوانية لا علاج لها ولا تعرف حدودا للبلدان، ولكن الزراعة تعني أيضا تسخير الطبيعة من أجل توفير احتياجات البشر، تلك الاحتياجات التي زادت في القرن الماضي بمعدلات خيالية استجابة لمعدلات زيادة السكان غير المسبوقة وزيادة قوتهم الشرائية وكذلك استهلاكهم، وترجع قدرة المزارعين وصيادي الأسماك في العالم على تلبية احتياجات البشر من الأغذية إلى الإنجازات العلمية التي أحدثت ثورة في طرق الإنتاج، وسمحت بالنمو السريع في إنتاجية موارد الأرض والمياه.

الالتزام الأول

سنكفل بيئة سياسية واجتماعية واقتصادية مواتية تستهدف إيجاد أفضل الظروف لاستئصال الفقر وإحلال السلام الدائم، وتستند إلى المشاركة الكاملة والمتكافئة للرجال والنساء، باعتبار ذلك أقوم سبيل يقود إلى تحقيق الأمن الغذائي المستدام للجميع.

الالتزام الثاني

سننفذ سياسات تهدف إلى استئصال الفقر والقضاء على انعدام المساواة، وإلى تحسين الفرص المادية والاقتصادية للناس كافة في الحصول، في جميع الأوقات، على أغذية كافية وسليمة ووافية تغذويا يستفاد منها استفادة فعالة.

الالتزام الثالث

سنتبع في تحقيق التنمية الغذائية والزراعية والسمكية والحرجية والريفية، في كل من المناطق ذات الإمكانيات المرتفعة والمناطق ذات الإمكانيات المنخفضة، السياسات والممارسات المستدامة والقائمة على المشاركة، التي تعد جوهرية لتوفير الإمدادات الغذائية الكافية والموثوق بها على المستويات الأسرية والقطرية والإقليمية والعالمية، ولمكافحة الآفات والجفاف والتصحر، وذلك بالنظر إلى ما للزراعة من طابع متعدد الوظائف.

الالتزام الرابع

سنعمل على أن تؤدي السياسات المتعلقة بالتجارة في السلع الغذائية والزراعية وبالمبادلات التجارية عامة، إلى تعزيز الأمن الغذائي للجميع من خلال نظام تجاري عالمي عادل ومستند إلى قوى السوق.

الالتزام الخامس

سنسعى إلى تلافي الكوارث الطبيعية وحالات الطوارئ التي يتسبب فيها الإنسان، إلى التأهب لمواجهتها، وإلى سد الاحتياجات الغذائية العابرة والطارئة بطرق تشجع عمليات الانتعاش والإحياء والتنمية، وبناء القدرات على تلبية الاحتياجات في المستقبل.

الالتزام السادس

سنشجع تخصيص واستخدام استثمارات القطاعين العام والخاص على النحو الأمثل من أجل تعزيز الموارد البشرية، والنظم الغذائية والزراعية والسمكية والحرجية المستدامة، والتنمية الريفية، في كل من المناطق ذات الإمكانيات المرتفعة والمناطق ذات الإمكانيات المنخفضة.

الالتزام السابع

سننفذ خطة العمل هذه ونرصدها ونتابعها على جميع المستويات بالتعاون مع المجتمع الدولي.

1-4

وبإمكان الزراعة أن تساهم على نحو إيجابي في صيانة البيئة والاستخدام المستدام للموارد الطبيعية. ولكن الكيفية التي سخرت بها الطبيعة من خلال الزراعة، أصبحت مصدرا لجدل شديد، وتزايد التساؤل حول استدامة التكنولوجيات وسلامتها التي قام على أساسها تكثيف الزراعة. ويثور القلق بشأن التأثيرات السلبية المحتملة على الزراعة الكثيفة والنظم الايكولوجية والتنوع البيولوجي، والأخطار المحدقة بصحة الإنسان والبيئة والمرتبطة بالإفراط وإساءة استخدام المبيدات والأسمدة، وتدهور الأراضي نتيجة الملوحة واستنفاد المغذيات فيها، وتقلص القاعدة الوراثية للمحاصيل والحيوانات الزراعية، والأخطار التي يتعرض لها المستهلكون عند استخدام النظم

عالية الكثافة لإنتاج الأغذية. كما تزايدت المداولات حول التفاعلات بين الزراعة وعمليات تغير المناخ، التي لا تتأثر بصورة ملموسة بكيفية استخدام الأراضي فحسب، بل وينتظر أن يكون لها تأثيرات خطيرة ومتزايدة على الزراعة.

1-5

وتضطلع التجارة الدولية بدور يتزايد بسرعة في المحافظة على الأمن الغذائي العالمي، الأمر الذي يسمح بإنتاج السلع الزراعية أينما سمحت الظروف المحلية بأي ميزات نسبية. ولكن تزايد حركة المنتجات الزراعية حول العالم يخلق أيضا أخطارا جديدة مثل سرعة انتشار الآفات والأمراض، بما فيها الأمراض التي تنقلها الأغذية والتي تؤثر على البشر. فإذا كانت عولمة الزراعة وتحرير التجارة بالمنتجات الزراعية تعتبر على نطاق واسع مصدرا لمكاسب مفيدة في مجموعها، فإن كيفية توزيع هذه الفوائد بين المزارعين والمستهلكين، وبين البلدان الفقيرة والبلدان الغنية، أصبحت محور مداولات كثيرة.

1-6

وطوال السنوات الخمس التي انقضت على انعقاد مؤتمر القمة العالمي للأغذية، ظهر الكثير من هذه القضايا بصورة أوضح. فقد جلبت هذه القضايا معها » احتمالات الصراع والاضطرابات الاجتماعية، وأبرزت العديد من القضايا الأخلاقية المحورية بالنسبة للأمن الغذائي، والتنمية الريفية وإدارة الموارد بصورة مستدامة، وكذلك أوجه المفاضلة بين كل هذه الأهداف. ولاشك أن اتخاذ قرار بشأن هذه القضايا المثارة يتطلب تأملا وحوارا وعملا جادا « (3). وطبقا لاختصاصات المنظمة، التي تأكدت في إعلان كيبيك » بالمساعدة على بناء عالم يستطيع الجميع أن يعيشوا فيه بكرامة، واثقين من أمنهم الغذائي « ، تعمل المنظمة بدأب مع الحكومات الأعضاء والمنظمات الدولية الأخرى، والمجتمع العلمي، والقطاع الخاص، ومنظمات المجتمع المدني في عملية التأمل والحوار هذه، واتخاذ إجراءات قبل كل شئ. ومعظم هذه المسائل، إن لم يكن كلها، كان سببا للقلق عندما أصدر مؤتمر القمة العالمي للأغذية إعلان روما وخطة العمل، ولكنها اكتسبت قوة متزايدة في السنوات الخمس الأخيرة وأصبحت بناء على ذلك تستحق معالجة خاصة قي أي دراسة للأوضاع العالمية التي تطرح في إطارها مشكلة تنفيذ التزامات مؤتمر القمة.

1-7

ورغم أنه من السابق لأوانه تحليل استجابة البلدان أو المنظمات الأخرى لهذه التحديات الجديدة أو تلك التي زاد الشعور بحدتها، فإن من الممكن تصور بعض الإجراءات التي اتخذتها المنظمة حتى الآن استجابة لهذه التحديات. فقد زادت المنظمة من تركيزها على هذه التحديات من خلال عملية التخطيط الاستراتيجي التي بدأتها في أعقاب مؤتمر القمة العالمي للأغذية. ففي الإطار الاستراتيجي للمنظمة خلال الفترة 200-2015(4)، تم تحديد أهم الاتجاهات والقوى التي قد يكون لها تأثيرها على عمل المنظمة، وتم تجميع الأعمال في مجموعات ضمن الاستراتيجيات على مستوى المنظمة، وهي: (أ) المساهمة في استئصال انعدام الأمن الغذائي والفقر في الريف؛ (ب) ترويج أطر السياسات والأطر التنظيمية لقطاعات الأغذية والزراعة ومصايد الأسماك والغابات وتطويرها وتعزيزها؛ (ج) تحقيق زيادات مستدامة في إمدادات وتوافر الأغذية والمنتجات الأخرى من قطاعات المحاصيل والثروة الحيوانية والغابات ومصايد الأسماك؛ (د) دعم صيانة الموارد الطبيعية للأغذية والزراعة وتحسينها واستخدامها المستدام؛ (ه) تحسين اتخاذ القرارات من خلال توفير المعلومات وعمليات التقدير، وتدعيم إدارة المعارف للأغذية والزراعة. وفى هذا الإطار، يطرح هذا الفصل وجهة نظر موجزة وانتقائية عن كيفية استجابة المنظمة لعدد من التحديات الجديدة التي تعترض الأمن الغذائي العالمي.

الصراعات والكوارث الطبيعية

1-8

تعد الكوارث الطبيعية وتلك التي من صنع الإنسان، من الأسباب الرئيسية للوفيات والإصابات ونزوح السكان، كما تتسبب في أضرار بالغة تؤثر على رفاه المزارعين وممتلكاتهم، وعلى الإمدادات المحلية والقطرية من الأغذية. وما لم تتوافر إدارة سليمة لهذه الكوارث فإنها قد تسفر عن نقص خطير في الأغذية، وتخلق ظروفا تسمح للمجاعة بأن تحصد أرواح من يتعرضون لها، وتحدث اضطرابا في أسواق الأغذية في العالم. غير أن الاتجاه الأكثر إزعاجا من غيره هو الزيادة الهائلة في عدد البلدان التي تعاني كوارثا من صنع الإنسان، حيث زاد عدد هذه البلدان من خمسة في الثمانينات إلى 22 عام 2000، وكان السبب الرئيسي فيها هو الصراعات ناهيك عن حالات الطوارئ التي لها تأثيرات اجتماعية واقتصادية بارزة، والتي تأتي أيضا نتيجة انتشار الأمراض النباتية والحيوانية، بل ونتيجة الأمراض التي تصيب الإنسان مثل فيروس نقص المناعة البشرية/ متلازمة نقص المناعة المكتسبة (الإيدز) والسل والملاريا. ورغم الدروس الكثيرة المستمدة من التجارب المتعلقة بكيفية التنبؤ بأغلب أنواع الكوارث. ورغم التكنولوجيات الجديدة التي أتاحت الوقت الكافي لإصدار التحذيرات من الأحوال الجوية السيئة، زاد عدد البلدان التي تتعرض للكوارث الطبيعية في كل سنة زيادة مذهلة منذ انعقاد مؤتمر القمة العالمي للأغذية، حيث ارتفع عدد هذه البلدان من 28 بلدا في 1996 إلى 46 بلدا في عام 2000، يضاف إلى ذلك ارتباط هذا الاتجاه بزيادة حجم الدمار نفسه. وكان الجزء الأكبر من الزيادة من نصيب البلدان التي تعرضت إلى كوارث مرتبطة بالأحوال الجوية (حيث ارتفع العدد من 10 إلى 18 بلدا في كل سنة)، ولكن مدى ارتباط ذلك بتأثيرات تغير المناخ الناجم عن ظاهرة ارتفاع درجة حرارة الأرض، وبالتالي نشاط الإنسان، ليس واضحا.

1-9

ومن بين نتائج هذه الزيادة الأخيرة في عدد وحجم الكوارث، هو أنها تميل إلى جذب الاهتمام الدولي والقطري، وكذلك اجتذاب الموارد إلى أنشطة الحد من الدمار، وبذلك تستبعد الاهتمام بالقضايا الأقل مأساوية وإن كانت على درجة أعلى من الأهمية، حيث تعتبر أقل إلحاحا. ويبدو أن هذا هو الحال بالنسبة لمشكلات الجوع والمرض المزمنين والإعاقة حيث من الصعب رؤية أكثر من يعانون وغالبا ما يظلون في المنازل حيث يهمشون في الحياة اليومية. ولكن الفشل في معالجة هذه المشكلات بصورة مرضية، هو الذي يجعل أعدادا هائلة من الأسر الفقيرة معرضة دائما للصدمات سواء كانت طبيعية أو من صنع الإنسان. والمطلوب هو اتخاذ الاحتياطات لمواجهة الكوارث من خلال زيادة قدرة المجتمعات الفقيرة التي تفتقر إلى الأمن الغذائي، على التكيف لمقاومة الصدمات ومن خلال تحسين نظم الإنذار المبكر. وحينما تتواصل الكوارث، يستوجب الأمر توفير الإغاثة بأسرع ما يمكن وبقدر كاف، على أن يعقب ذلك بذل جهود مستمرة لإعادة بناء مرافق توفير سبل المعيشة والقدرة على الاعتماد على الذات.

حالات الطوارئ من صنع الإنسان

1-10

الصراعات هي المصدر الرئيسي للكوارث من صنع الإنسان. وقد تراوح عدد البلدان المنخرطة في صراعات بين 30 و40 بلدا في نهاية القرن العشرين، مما أضر بمئات الملايين من البشر. وقد تركزت الحروب في أقل البلدان نموا في أفريقيا، إلا أن عقد التسعينات شهد أيضا عمليات كبيرة في الشرق الأدنى والبلقان وأمريكا الوسطى وآسيا(5). وظهر اتجاه يبتعد عن الحروب بين البلدان ليتركز على الصراعات داخل البلدان، مما يؤدي في كثير من الأحيان إلى النزوح الجماعي لسكان الريف، ونهب المزارع، وبث الألغام بصورة عشوائية. ولذا فإن الخسائر الاقتصادية وتوقف الإمدادات الغذائية والحصول عليها، وخاصة في بلدان الدخل المنخفض، قد تكون ضخمة، وقد تصبح عملية انتعاش القطاع الزراعي من الدمار الذي أحدثته الحرب بطيئة بصورة مؤلمة. وتشير التقديرات إلى أن التأثيرات المباشرة على الزراعة (في 23 بلدا تتوافر عنها بيانات) بلغت ما يقرب من 55 مليار(6) دولار فيما بين 1990-1997 كانت هذه التأثيرات في السنة الأخيرة تعادل 40 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي المركب للقطاع الزراعي.

1-11

ونظرا لأن الصراعات تنشأ في كثير من الأحيان نتيجة للتنافس على الموارد الشحيحة، فإن الكثير من عمل منظمة الأغذية والزراعة، وخاصة في المجالات التشريعية والقانونية، له انعكاساته على تلافي الصراعات. إذ أن الإتفاقيات الخاصة بتقاسم موارد المياه الدولية، وحقوق الصيد، وتوضيح ترتيبات حيازة الأراضي والتدابير التي تؤدي إلى تعزيز دور المجتمعات المحلية في إدارة الموارد الطبيعية، عوامل تسهم كلها في الحد من التوترات فيما بين البلدان وداخلها.

1-12

وكثيرا ما توضع فروق بين الاستجابة لحالات الطوارئ وعمليات الإحياء والتنمية، في حين أنها تشكل جميعا، من الناحية العملية، سلسلة متصلة تتطلب التزاما طويل الأجل من جانب الحكومات والمجتمع الدولي والسكان المعنيين. والخطر الماثل هو أنه بمجرد أن تنزاح الأضواء عن ساحات الحرب الرهيبة وأوضاع ما بعد الصراع، تتزايد صعوبة مواصلة الجهود المبذولة وتعبئة الموارد اللازمة لاستعادة الأمن الغذائي ومواصلة النمو الزراعي، والحيلولة دون وقوع السكان المتضررين في براثن الصراع من جديد.

1-13

لقد زادت منظمة الأغذية والزراعة زيادة كبيرة من أعمالها في مجال الطوارئ، وأخذت توسع باطراد هذه الأعمال من مجرد الإمداد بالمدخلات الزراعية بعد الكوارث مباشرة لتشمل عمليات الإحياء الأولى في أوضاع ما بعد الصراعات، بما في ذلك إعادة دمج المحاربين السابقين والمزارعين المشردين في قطاع الزراعة. وتتسق هذه الأنشطة على نحو وثيق مع جهود برنامج الأغذية العالمي في إطار إدارة أغذية الإغاثة. فقد حدثت زيادة تدريجية في نطاق المعونة الغذائية المخصصة للطوارئ وارتفعت قيمة عمليات الطوارئ المشتركة الموافق عليها بين منظمة الأغذية والزراعة وبرنامج الأغذية العالمي من متوسط مبلغ 750 مليون دولار في السنة في الفترة 1995-1998 إلى 200 1 مليون دولار في السنة في الفترة 1999-2001، وارتفعت قيمة المساعدات الزراعية التي قدمتها منظمة الأغذية والزراعة في حالات الطوارئ من 28 مليون دولار في 1997 إلى زهاء 70 مليون دولار في عام 2001 لأكثر من 50 بلدا. ومع ذلك، فان حجم المساعدات لا المقدمة من المنظمة فحسب، بل ومن شركائها، يظل منخفضا جدا مقارنة بالاحتياجات في القطاع الزراعي. كما تتولى المنظمة إدارة عنصر الزراعة في برنامج النفط مقابل الغذاء في العراق، الذي خصص له مبلغ 682 مليون دولار منذ بدأ في يناير / كانون الثاني 1997. وساعدت المنظمة حكومات عدد من البلدان (مثل هايتي وكمبوديا وأنغولا) في استعراض وتوثيق سياساتها الزراعية في أعقاب الاضطرابات السياسية والصراعات الداخلية، بهدف توفير مناخ للسياسات وظروف مؤسسية تؤدي إلى الاستثمار والنمو الزراعي.

الكوارث الطبيعية

1-14

شكلت العواصف والفيضانات 60 في المائة من مجموع الخسائر الاقتصادية الناجمة عن الكوارث الطبيعية فيما بين 1990 و1999 مقابل نحو 25 في المائة نتيجة للزلازل والبراكين(7). وفي عام 1998 قدرت الأضرار، التي تعزى بالدرجة الأولى إلى ظاهرتي النينيو والنينيا، بنحو 89 مليار دولار، بالإضافة إلى مصرع 32000 نسمة، وتشريد 300 مليون آخرين بعيدا عن مساكنهم ونظم معيشتهم. وفي غضون السنوات الأخيرة ضربت العواصف الكبرى والفيضانات الكاسحة الصين وبنغلاديش وفيتنام وكمبوديا والهند وأفريقيا الجنوبية (وخاصة موزامبيق) وأمريكا الوسطى والبحر الكاريبي وفنزويلا، وكانت الفيضانات التي سبقتها أحوال الجفاف سببا كبيرا أيضا للنقص الحاد في الأغذية الذي أثر في أجزاء من القرن الأفريقي في عام 2000. وظلت البلدان النامية الجزرية الصغيرة معرضة، بصورة خاصة، للكوارث الناشئة عن الأحوال الجوية، بالنظر إلى أنها تتخذ طابعا يشمل البلد بأكمله.

1-15

وهناك الكثير من الأخطار الطبيعية التي لا تتسبب في حدوث كوارث، فالواقع أن مدى تأثر أوضاع الكوارث بالأحداث الطبيعية يعتبر إلى حد كبير دالة على فعالية نظم الإنذار المبكر، وعلى طبيعة ونطاق النشاط الإنساني وحجم البنية الأساسية والخدمات التي يمكن أن توفر الحماية. فالفقراء في المناطق المكتظة بالسكان في البلدان النامية هم الأكثر عرضة للكوارث الطبيعية، وتشير الدراسات إلى أن تزايد حجم هذه الكوارث إنما يعزي جزئيا إلى الضغوط الاقتصادية والاجتماعية والسكانية مما يسهم في تدهور البيئة. وعلى العكس من ذلك وكما أظهر مشروع تديره المنظمة في هندوراس(8)، تتوافر فرص جيدة لتعزيز مقاومة المناطق الريفية المكتظة بالسكان للعواصف والفيضانات الكبرى، من خلال العمل مع المجتمعات المحلية على معالجة قضايا إدارة الأراضي وحيازتها، ومن ثم توفير الغطاء الأفضل للتربة فضلا عن الظروف الملائمة لتجميع مياه الأمطار والاحتفاظ بها في مواقعها الطبيعية، وبذلك يتسنى تقليل حجم الأضرار الناجمة عن جريان المياه.

1-16

واتساقا مع الالتزام الخامس في خطة العمل الصادرة عن مؤتمر القمة العالمي للأغذية، سعت المنظمة بالتعاون مع الوكالات الشريكة، إلى تعزيز القدرات على تلافي الكوارث الطبيعية وغيرها من حالات الطوارئ والاستعداد لها باتباع الخطوط التي حددت في القسم أ- 3 من الإطار الاستراتيجي للمنظمة. وكان معظم التركيز على تعزيز قدرات الإنذار المبكر من خلال تحسين النظام العالمي للإعلام والإنذار المبكر عن الأغذية والزراعة وذلك جزئيا من خلال زيادة عدد بعثات تقدير المحاصيل والإمدادات الغذائية (من 26 بعثة في 1994 إلى 36 في عام 2000، أوفد 70 في المائة منها بالاشتراك مع برنامج الأغذية العالمي).

1-17

واتخذت المنظمة عدة تدابير، كجزء من الخطة متوسطة الأجل (2002-2007)، لتعزيز قدراتها على التخطيط بعيد المدى لتلافي الكوارث والتخفيف من وطأتها. ويظهر ذلك بوضوح من خلال الدراسة التي أجراها، بناء على طلب الأمين العام للأمم المتحدة فريق مهمات مشترك بين الوكالات بشأن استجابة الأمم المتحدة للأمن الغذائي طويل الأجل والتنمية الزراعية وما يتصل

الإطار رقم 1-2

تغيير المناخ ومنظمة الأغذية والزراعة بعد مراكش

خلال الدورة السابعة لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، التي انعقدت في مراكش، المغرب، في نوفمبر/تشرين الثاني 2001، وضعت 171 حكومة التفاصيل النهائية لبروتوكول كيوتو لعام 1997 بشأن تغير المناخ، الذي يلزم البلدان الصناعية والبلدان التي تمر بمرحلة تحول (ما يسمى ببلدان الملحق الأول) التصديق عليه لخفض إنبعاثات غازات الاحتباس الحراري بكميات ثابتة. واتفقت الأطراف، بالنسبة لفترة الالتزام الأولى من 2008 إلى 2012، على خفض صاف يبلغ حوالي 250 طنا متريا من الكربون. وقد تسمح المفاوضات الأخيرة ببدء نفاذ المعاهدة في 2002 بعد 10 سنوات من ريو. وستصبح قانونا عندما يصدق عليها 55 بلدا على الأقل من بينهم البلدان الصناعية المسؤولة عن 55 في المائة على الأقل من إنبعاثات ثاني أكسيد الكربون في عام 1990.

لقد خلقت المفاوضات بشأن تغير المناخ، التي تابعتها منظمة الأغذية والزراعة عن كثب وفريقها العامل بشأن تغير المناخ المشترك بين المصالح، تحديات جديدة جوهرية للمنظمة:

. قد تساهم إزالة الغابات أو تدهورها وتكثيف الزراعة (وهي قضايا مركزية للمنظمة) في تغير المناخ نتيجة إطلاق غازات الاحتباس الحراري، مما يعزز من مبررات صيانة الغابات والتربة؛

. سوف تعاني النظم الزراعية والغابات في مناطق كثيرة من الآثار الضارة الناجمة عن تغير المناخ في المستقبل، مما يخلق تحديا للبدء في عملية التكيف الآن؛

. قد تحقق الأطراف المعنية جانبا من أهداف الخفض الصافي باستخدام الطاقة الحيوية و » بالوعات « امتصاص الكربون التي تثبت الكربون عند استخدام الأرض وتغير استخدام الأرض والغابات، والتي تمثل أهم شواغل المنظمة.

وقد تفتخر البلدان الصناعية الآن بما حققته في مجال عزل الكربون، خلال الفترة الأولى من الالتزام، من خلال التحريج وإعادة التحريج منذ عام 1990، ومن خلال إدارة الأراضي الزراعية والمراعي والاستزاع الحمائي. وبالإضافة إلى ذلك، قد تحصل على إئتمانات لإدارة الغابات المحلية، في إطار الإعانات القطرية المحددة.

ومن الأمور التي تهم المنظمة، ما يسمى بالآليات المرنة التي يمكن أن تطبقها البلدان على نحو متوازن لخفض الانبعاثات محليا، والتي تتضمن استخدام » البالوعات « في الزراعة والغابات وخلال التنفيذ المشترك، يجوز لبلد متبرع من البلدان المدرجة في الملحق الأول أن يفي بجميع التزاماته أو أجزاء منها من خلال مشروعات » البالوعات « في بلد صناعي آخر. وعالميا، يجوز للبلدان الصناعية أن تستثمر في مشروعات التحريج وإعادة التحريج في بلدان غير بلدان الملحق الأول بناء على آلية التنمية النظيفة للاتجار في مسببات الانبعاثات ومع ذلك فإن إحدى الفوائد البيئية العالمية الرئيسية للغابات هي الحصول على قيمة تجارية، قد تكون متواضعة في البداية، ولكن مع تغير الزراعة والغابات بطرق كثيرة فمن المتوقع أن يؤدي هذا النظام التجاري إلى عمليات تحويل كبيرة في الأموال من البلدان المتقدمة إلى البلدان النامية.

ويؤكد اتفاق مراكش أيضا على مجالات لا تقل أهمية بالنسبة للمنظمة، مثل الربط بين تغير المناخ والتنمية المستدامة والقضاء على الفقر، والتآزر بين الاتفاقية الإطارية بشأن تغير المناخ واتفاقيتي التنوع البيولوجي ومكافحة التصحر، وبالإضافة إلى ذلك، أنشأ الاتفاق ثلاثة صناديق هي الصندوق الخاص المعنى بتغير المناخ وصندوق التكيف والصندوق الخاص بأقل البلدان نموا، التي قد تدعم 3 أيضا الصيانة وإعادة التأهيل وإدارة الأراضي الزراعية والغابات وتكييفها حيث لا تطبق فيها آليات السوق.

ويمكن للمنظمة أن تعتمد على قوتها التقليدية وتعاونها مع شركائها الدوليين، لدعم الاستخدام الجديد للأراضي الزراعية والغابات للتخفيف من أثر تغير المناخ وصيانة مخازن الكربون وتكييف الزراعة مع مخاطر الإحترار العالمي. وقد وضع المؤتمر العام لمنظمة الأغذية والزراعة لعام 2001 تغير المناخ كأولوية للعمل متعدد التخصصات. وهذا من شأنه، مع قرارات لجنة الزراعة ولجنة الغابات في المنظمة، أن يساعد في بلوغ هدف » إثراء خبرة المنظمة في هذا المجال المعقد ودعم مساهمتها التقنية في المبادرات الدولية المرتبطة بالتكيف مع تغير المناخ والتخفيف منه « .

بذلك من جوانب في القرن الأفريقي(9)، برئاسة المدير العام لمنظمة الأغذية والزراعة، والذي قدمت له المنظمة خدمات الأمانة، وشاركت فيه 10 من منظمات الأمم المتحدة. وأوضحت هذه الدراسة مدى صعوبة وتعقيد عملية خفض درجة التعرض، في بعض البلدان التي تفتقر أكثر من غيرها للأمن الغذائي في العالم، للصدمات الناجمة عن المخاطر الطبيعية وتلك التي من صنع الإنسان. ودعت المنظمة جنبا إلى جنب مع التركيز على ضرورة وضع سياسات مناسبة وقيام بيئة مؤسسية ملائمة، إلى أن تبذل البلدان المعنية والمنظمات الإقليمية والمجتمع الدولي جهودا مستمرة تهدف إلى الحيلولة دون وقوع الكوارث والعمل على تخفيف التأثيرات المباشرة لنقص إمدادات الأغذية وإقامة قاعدة أقوى لتحسين سبل المعيشة ولاسيما لسكان الريف.

1-18

كما تشترك المنظمة بنشاط في تنفيذ اتفاقية مكافحة التصحر والجفاف، باعتبارها عضوا في لجنة التيسير وفي الجماعة الاستشارية الفنية للآلية العالمية، وتقوم بعدد من النشاطات المعيارية ذات الصلة بعمل فريق الخبراء الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ، حيث تدرس على وجه الخصوص دور الغابات والتربة في امتصاص الكربون(10) فضلا عن انعكاسات ارتفاع درجة حرارة الأرض على الدول الجزرية المنخفضة والصغيرة.

الآفات والأمراض العابرة للحدود

1-19

شهدت السنوات الأخيرة تصاعدا حادا عبر الحدود في وتيرة تفشي الآفات التي تصيب المحاصيل ومخزونات الأغذية وكذلك الثروة الحيوانية. ويتميز الكثير منها بالقدرة على الانتقال السريع عبر مسافات طويلة، وتهديد الأمن الغذائي ومستويات الدخل، بما يؤدي إلى اختلالات في التجارة ويشكل، في بعض الحالات خطرا على صحة الإنسان. وترتبت تكاليف اقتصادية هائلة عن غزو الجراد الصحراوي والدودة الخضراء للمحاصيل في أفريقيا والشرق الأدنى، أو فيروس تبرقش الكسافا في كافة أنحاء أفريقيا، وحمى الخنازير في هايتي، وحمى الخنازير الأفريقية في غرب أفريقيا، وحمى الوادي المتصدع في القرن الأفريقي والمملكة العربية السعودية واليمن، وحمى الساحل الشرقي في أفريقيا الجنوبية والشرقية، والدودة الحلزونية من العالم الجديد في شمال أفريقيا والشرق الأدنى، والحمى القلاعية في المملكة المتحدة ومرض الاعتلال المخي الإسفنجي في الأبقار (جنون البقر) في أوروبا.

1-20

كما أن آفات المنتجات المخزنة، مثل حفارة الحبوب الكبيرة التي تنتشر بسرعة حاليا في كافة أجزاء أفريقيا الشرقية والجنوبية عقب دخولها بصورة عرضية، تهدد بالخطر الأمن الغذائي لعدد كبير من المزارعين الحديين الذين يزرعون الذرة بوصفها محصولا غذائيا أساسيا. والواقع أن خسائر المحاصيل عقب الحصاد من جراء آفات وأمراض التخزين، إضافة إلى التلف في مراحل أخرى من السلسلة الغذائية، تشكل مصدرا هائلا للإهدار في العالم ككل.

1-21

وفي حين أمكن تحقيق تقدم طيب في تخفيض معدلات انتشار بعض الأمراض الحيوانية الرئيسية، مثل الطاعون البقري (من المنتظر استئصاله في العالم ككل بحلول عام 2010)، فإن العوامل التي تساعد على انتشار الآفات والأمراض النباتية والحيوانية باتت مواتية بقدر أكبر، ومن بين هذه العوامل الزيادة السريعة في حركة التجارة الدولية والنقل، ولاسيما التجارة العالمية بالنباتات والحيوانات ومنتجاتهما لمسافات بعيدة(11)، وتفاقمها يسبب تصاعد حركة انتقال المنتجات النباتية والحيوانية الحية ومنتجاتها الطازجة. وتوسع نطاق النظم الزراعية المكثفة، بما في ذلك الزراعة الأحادية على نطاق واسع. وإقامة مناطق مكثفة لتربية الحيوانات ذات الغرض الواحد. وتناقص التنوع الوراثي للمحاصيل الأساسية في العالم. والتشدد المطرد في القيود المفروضة على استخدام مبيدات معينة كان الاعتماد عليها كبيرا في مكافحة الآفات النباتية المهاجرة وآفات الحبوب المخزنة. ومن شأن أي تغيير جديد في درجات الحرارة والرطوبة ينشأ عن ارتفاع درجات الحرارة في العالم، أن تكون له تأثيرات هامة على انتشار آفات المحاصيل والحشرات الناقلة للأمراض المحصولية والحيوانية، ولقد حالت النزاعات وانهيار الخدمات البيطرية وخدمات وقاية النباتات في بعض البلدان النامية والبلدان التي تمر بمرحلة التحول، دون قيام رقابة وافية لهذه الآفات والأمراض.

1-22

ومن التطورات التي تبعث على القلق، في الآونة الأخيرة ظهور أمراض حيوانية جديدة لا تقتصر فقط على الاعتلال المخي الإسفنجي في الأبقار، بل وتشمل أيضا متلازمة الجهاز التنفسي والتناسلي للخنازير، وفيروس ( Nipah ) ومرض حصبة الخيول.

1-23

وفيما يتعلق بجميع الآفات والأمراض العابرة للحدود، فإن المكافحة والاحتواء عند المنشأ تكلف قليلا وتأتي بنتائج مؤكدة مقارنة مع الاستجابة لكوارث الآفات والأمراض عند تفشيها في بيئات جديدة. بيد أن هذا يستوجب طرقا جديدة للتعاون المشترك بين البلدان، واستعداد البلدان الأخرى التي لم تتضرر بعد بآفة أو مرض محتمل، على الاستثمار في احتواء ومكافحة هذه الآفات والأمراض في البلدان التي توجد فيها.

1-24

وكان هذا المنحنى في التفكير هو الباعث على إنشاء المنظمة لنظام الوقاية من طوارئ الآفات والأمراض النباتية والحيوانية العابرة للحدود، الذي طرح مبادئ الإنذار المبكر والاستجابة المبكرة والبحوث والتنسيق المساندين، والذي حظي بقبول عالمي واسع، رغم أن هذا النظام مازال يشكو من قلة التمويل. وشملت الأعمال التي قامت بها المنظمة تقديم المساعدة للبلدان للتصدي لحالات تفشي الآفات والأمراض العابرة للحدود (مثل قرادة بونت وحمى الخنازير المعروفة في بلدان البحر الكاريبي)، واستحداث نظم المراقبة، وعقد الاجتماعات الفنية عالية المستوى بشأن مشكلات الأمراض الرئيسية (بما فيها » جنون البقر « والحمى القلاعية)، وتدريب أخصائيي الصحة الحيوانية، والاضطلاع بدور القيادة في جهود استئصال الطاعون البقري، كما تشمل تقديم المساعدة للدول الأعضاء في إنشاء وتعزيز نظم للإنذار المبكر والمكافحة المبكرة للجراد الصحراوي. وعموما، مازالت الإجراءات الدولية تأتى متأخرة في مجالي الكشف عن الآفات والأمراض وإدارتها، لأسباب تعزى جزئيا إلى نقص الأموال التي يمكن توافرها بسهولة بما يحقق الاستجابة السريعة والرقابة المستدامة مع فعالية الإنذار المبكر. ومن المهم أيضا المحافظة على الإجراءات المتبعة للتحقق من القضاء على الطاعون البقري على المستوى العالمي لمنع التكرار المأساوي لطاعون الماشية.

فيروس نقص المناعة البشرية/ الايدز

1-25

يشكل وباء فيروس نقص المناعة البشرية/ متلازمة نقص المناعة المكتسبة (الإيدز) خطرا كبيرا على الأمن الغذائي، وعلى الإنتاج الزراعي والنسيج الاجتماعي للمجتمعات الريفية في الكثير من البلدان، ويصل عدد المصابين به في العالم قرابة 40 مليون شخص، منهم 95 في المائة في البلدان النامية (28.1 مليون شخص في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى و7.1 مليون في آسيا من بينهم 4 ملايين شخص في الهند). وتترتب على الإصابة بمرض الإيدز حالة تردي مطرد في رفاه الأسرة عندما يقع أول بالغ فيها صريع المرض. إذ تتزايد نفقات الرعاية الصحية، وتنخفض الإنتاجية، وتتراجع الدخول، وتباع الممتلكات ويترك الأطفال المدارس قبل الأوان ويتشردون، بينما تزيد نفقات الجنازة من ثقل أعباء التكاليف المفروضة على الأسرة. ومن ثم يؤثر المرض تأثيرا شديدا على قدرة الأسرة سواء قدرتها على شراء الأغذية بسبب الفقر، أو إنتاجها بسبب خسارة قوتها العاملة، بيد أن التأثير يمتد أيضا ليشمل مستوى المجتمعات المحلية والمستوى القطري: إذ تنشأ فجوة في الأجيال تؤدي إلى تخفيض القوة العاملة القادرة بدنيا مخلفة رعاية اليتامى، الذين أصابهم المرض بدورهم منذ مولدهم، على عاتق كبار السن. وفي البلدان الأفريقية العشرة الأشد إصابة بالمرض، يمكن أن ينخفض حجم القوى العاملة الزراعية بنسبة الربع بحلول عام 2020، مع ما يترتب على ذلك من عواقب وخيمة على الإنتاج الزراعي والنمو الاقتصادي.

1-26

وينصب تركيز المنظمة، في المقام الأول، على دمج أبعاد مرض الإيدز، حيثما يكون ملائما، في المبادرات الجارية في مجالات الأمن الغذائي والتغذية والتنمية الزراعية، وكذلك في عمليات الطوارئ في البلدان المتضررة. ومنذ عام 1988، تقوم المنظمة بتنفيذ عمليات تقييم لتأثير المرض على الجوانب المختلفة للزراعة والأمن الغذائي والتنمية الريفية. فمثلا، تم القيام بدراسات عن تأثير مرض الإيدز على منظمات الإرشاد الزراعي ونظم الزراعة والثروة الحيوانية والحصول على الأرض وصيانة الموارد الوراثية في بلدان أفريقية مختارة. وفي آسيا، يجري بنجاح تطبيق المنهجيات القائمة على الوقاية من مرض الإيدز من خلال برامج المشاركة المتبعة في المدارس الحقلية للمزارعين، وبرامج الإدارة المتكاملة للآفات. ويجري وضع خطوط توجيهية بشأن الرعاية التغذوية في المجتمعات المحلية/الأسر، لمرضى الإيدز والأسر المتضررة، وتقوم المنظمة بتنفيذ استراتيجية مشتركة مع الصندوق الدولي للتنمية الزراعية وبرنامج الأغذية العالمي للتخفيف من تأثير الإيدز على الأمن الغذائي والفقر في الريف، كما بدأ التعاون مع برنامج ألأمم المتحدة المشترك لمكافحة الإيدز بإبرام اتفاق إطاري تعاوني في عام 1999 وتطور ليصبح برنامجا مشتركا كاملا. وهدف البرنامج هو الوقاية من فيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز والتخفيف من أثره على الأمن الغذائي وسبل المعيشة في الريف والحد من تعرض فقراء الريف للمرض وتعزيز التنمية الريفية المستدامة.

موارد المياه العذبة

1-27

ساهمت سلسلة من المؤتمرات الدولية، بما فيها الدورة السادسة للجنة التنمية المستدامة والدورة الثانية للمنتدى العالمي للمياه، في تسليط الضوء على التعارض المتصاعد بين مفهومي » المياه لخدمة الأغذية والتنمية الريفية « و » المياه لأجل الطبيعة « . ويرى الكثيرون أن حل هذه الاختلافات بين وجهتي النظر القطاعيتين هو واحدة من التحديات الكبرى التي تواجه المجتمع في بداية القرن الحادي والعشرين وطبقا للجنة العالمية المعنية بالمياه، فإن تزايد التنافس في أوائل القرن الحادي والعشرين حري بأن يزيد من تفاقم مشكلات إمدادات المياه المحلية، وتلوث المياه وحالات النقص الغذائي الإقليمي، والمعايير البيئية، ما لم تتخذ إجراءات حاسمة لعلاجها. ومن شأن سوء إدارة هذه الأزمة أن يحرم أعدادا كبيرة من البشر من الحصول على مياه مأمونة، وأن يعيشوا في ظل ظروف انعدام الأمن الغذائي وتردي أوضاعهم الصحية. وكثيرا ما يكون التنافس على موارد المياه الشحيحة، خاصة حيثما كانت عبر حدود دولية، مصدرا للنزاعات التي قد تؤدي إلى صراعات. كما أن استخلاص المياه الجوفية يتجاوز، بالفعل، معدلات تجددها في الكثير من المناطق التي تعتمد بشكل بالغ على الري، مثل شمال الصين، وبعض أجزاء الهند والكثير من بلدان الشرق الأدنى.

1-28

والاستخدامات الاستهلاكية الرئيسية للمياه هي الاستهلاك الإنساني (9 في المائة)، والصناعة (20 في المائة) والزراعة (71 في المائة)، ونظرا لأن الزراعة المروية هي المستخدم الأول للمياه المستخلصة من الطبيعة للأغراض الإنسانية، فإن مستقبل الزراعة المروية هو في قلب النقاش الجاري. وتؤكد عدة مصادر أن الزراعة ستحتاج إلى زيادة تتراوح بين 15 و20 في المائة من موارد المياه لتحقيق الأمن الغذائي العالمي والقطري، وترى ضرورة أن تركز الاستراتيجيات القطرية على البدائل التي تقلل من التكاليف البيئية والاجتماعية إلى حدودها الدنيا، في إطار مساعيها لاستخدام المياه لأغراض الزراعة. ويرى آخرون أن التوسع في الري ليس بديلا بالنظر إلى ارتفاع تكاليفه الاجتماعية والبيئية، وأن هناك وسائل أخرى لإنتاج ما يكفي من الغذاء- وجوهر الأمر هو حجم وطبيعة الاستثمارات المحلية والدولية الضرورية لزراعة الأغذية للعدد المتزايد من الناس، وتوفير سبل المعيشة المستدامة لفقراء الريف والحفاظ على نوعية البيئة وسلامتها.

1-29

وتؤدي المياه العذبة دورا اقتصاديا مهما في المصايد الداخلية، والملاحة، وتوليد الطاقة الكهربائية المائية، إضافة إلى صيانة التنوع البيولوجي وتخفيف حدة تقلبات المناخ محليا. وعلى الرغم من أن الري يغطي ما لا يزيد عن 17 في المائة من الأراضي الزراعية، فإنه يوفر نحو 40 في المائة من الإنتاج الغذائي العالمي، وسيلعب دورا متزايد الأهمية في ضمان الأمن الغذائي العالمي في المستقبل، تبعا لتضاؤل إمكانيات توسع الحدود الزراعية إلى أراض جديدة، بيد أن معظم الأراضي التي يتيسر ريها بقدر أكبر والتي تعد من أفضل مواقع تخزين المياه قد تمت تنميتها بالفعل، كما أن هناك انشغالات بيئية واجتماعية جادة بشأن تأثيرات السدود الكبيرة ونظم التحويل الحوضي.

1-30

وهناك عدم مساواة في توزيع الأراضي المروية بين الأقاليم، ففي حين أن 42 في المائة من الأراضي الصالحة للزراعة هي أراض مروية، تنخفض هذه النسبة إلى 31 في المائة في الشرق الأدنى وشمال أفريقيا، و14 في المائة في أمريكا اللاتينية، وما لا يزيد عن 4 في المائة في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، ويبلغ المتوسط للأقاليم النامية 27 في المائة.

1-31

وواحدة من الطرق لزيادة الإنتاج الزراعي المروي، هي تحسين إنتاجية مشروعات الري القائمة بالفعل، وذلك من زاوية الإنتاج الغذائي للوحدة من المياه المستهلكة. فالوفورات الحالية في كفاءة استخدام المياه منخفضة للغاية (بين 25 و40 في المائة). غير أن هناك متسعا لكثير من التحسين. ويمكن رفع كفاءة استخدام المياه في الزراعة من خلال الجمع بين الوسائل التقنية والإدارية. ويستلزم لتحقيق هذه التحسينات في العادة، تعزيز التعاون بين المزارعين فيما يتصل بإدارة وصيانة شبكات الري المرتبط بنظم تسعير المياه، مما يقلل معدلات الإهدار ويحفز على الاستخدام الرشيد والفعال للمياه ويضمن توافر تمويلات كافية لنظم الصيانة. وزيادة على تبديد مورد نادر، فإن الإهدار قد يؤدي إلى تدهور الأراضي، بما في ذلك التغدق والملوحة التي أضرت، بالفعل، وبدرجات متفاوتة، أكثر من 30 مليون هكتار وتسببت في خسائر فادحة في الإنتاج.

1-32

ويقترح الكثيرون تنمية الري صغير النطاق لتحاشي الخلافات المرتبطة بمشكلات البيئة والمشكلات الاجتماعية والإدارية المرتبطة بالري على النطاق الكبير، ويشجع الري صغير النطاق ملكية المجتمعات المحلية، وتعبئة الموارد المحلية. وهو زهيد التكاليف نسبيا وأثبت مرونته في ظل الظروف المناوئة، وتميز بالإنتاجية العالية لا سيما عندما يكون الإنتاج قريبا من الأسواق ويتمتع المزارعون بإمكانيات التحكم في موارد المياه.

1-33

وتحيط بالكثير من المدن، خاصة في أفريقيا، أحزمة خضراء من البساتين عالية الإنتاج. ولقد شهدت السنوات القليلة الماضية زيادة سريعة في الزراعة شبه الحضرية التي تغطي، في بعض البلدان، ما يصل إلى 40 في المائة من حاجة المدن إلى الفاكهة والخضر، وتبعا لهذا النمو في الزراعة شبه الحضرية، وزيادة الطلب على المياه، تحول المزارعون بصورة متزايدة في البلدان التي تعاني ندرة المياه إلى استخدام مياه الصرف غير المعالجة أو المعالجة جزئيا، لإنتاج الخضر. وهو مبعث قلق شديد بالنظر إلى المخاطر الصحية الكبيرة وتأثيراته السلبية على البيئة. وتدعو الحاجة إلى توفير التكنولوجيات الملائمة لمعالجة مياه الصرف، والسلاسل الغذائية المأمونة، من المنتجين شبه الحضريين إلى الأسواق المحلية.

1-34

وتعالج المنظمة، من خلال أنشطتها المعيارية وبرامجها الميدانية، الكثير من هذه القضايا المعقدة، وتتعاون بشكل وثيق مع البنك الدولي، ومراكز الجماعة الاستشارية للبحوث الزراعية الدولية وغيرهم من الشركاء، في دعم الأساليب المبتكرة في مجال إدارة موارد المياه وتحسين كفاءة استخدامها. ولا تدخر المنظمة وسعا في تقديم خبراتها الفنية في مجال إدارة موارد المياه وقانون المياه وفي العمليات الرامية إلى ضمان إدارة متكافئة لموارد المياه عبر الحدود الدولية. كما تضطلع المنظمة بدور كبير في مساعدة البلدان الأعضاء في صياغة استراتيجيات قطاع الري وإعداد المشروعات التي يركز معظمها على التحديث الفني والمؤسسي وتحسين كفاءة استخدام المياه- بغرض تمويلها من قبل مؤسسات التمويل الدولية. وتشرف المنظمة على رسم الخطط الكفيلة بزيادة فعالية روابط المنتفعين بالمياه في نظم إدارة الري والتي غالبا ما تتم في إطار البرنامج الخاص للأمن الغذائي.

تطور التكنولوجيا

1-35

تشير جميع إسقاطات الإنتاج الزراعي خلال العقود الأولى من القرن الحادي والعشرين(12)، إلى تعاظم الدور الذي سيؤديه التكثيف الزراعي في تلبية النمو المتوقع في الطلب على الغذاء. فالأصناف المحصولية والسلالات الحيوانية المحسنة، والتوسع في استخدام الأسمدة والمبيدات على نحو كبير، والمعدات الزراعية الأفضل والتحسينات في الرعاية الحيوانية وصحة الحيوان، ساهمت جميعها بقدر كبير في النمو الملحوظ للإنتاج الزراعي خلال النصف الثاني من القرن العشرين. ولم تقتصر استجابة هذه الزيادة على طلبات السكان الذين تضاعف عددهم من 3 مليارات في عام 1960 إلى 6 مليارات حاليا، بل أدت أيضا إلى زيادة متوسط المتناول اليومي من أغذية الطاقة من 2250 سعرة حرارية إلى 2800 سعرة حرارية. بيد أن المعنيين بشؤون البيئة والمستهلكين يشككون كثيرا في إمكانية استدامة وسلامة الأغذية التي تنتج بفضل نظم الزراعة المكثفة، التي تزايد اعتماد الأمن الغذائي العالمي عليها أكثر فأكثر. ويبدو القلق، على وجه خاص، لدى كل من السلطات المعنية بالبيئة وبالصحة العامة، إزاء الإفراط في استخدام المبيدات والأسمدة وتأثيره على الصحة العامة واستقرار البيئة والتنوع البيولوجي. ومن بين الشواغل الرئيسية في هذا السياق هو تلوث موارد المياه في مناطق الزراعة المكثفة جدا في البلدان النامية والمتقدمة. ويعتبر تقلص التنوع الوراثي في الأنواع المحصولية والحيوانية الرئيسية أكثر فأكثر مصدر لأخطار محتملة. ويأخذ صوت المستهلكين بالارتفاع بشأن المخاطر المحتملة على سلامة الأغذية والناشئة عن مخلفات المبيدات والأمراض التي تنقلها الأغذية والملوثات، وانتقال الأمراض من الحيوانات إلى البشر (أنظر موضوع سلامة الأغذية في ما بعد).

1-36

ومن المحتم أن تؤدي هذه الانشغالات، في نهاية المطاف، إلى ظهور ابتكارات تؤدي إلى استنباط سبل مستدامة بقدر أكبر لإدارة الأراضي والثروة الحيوانية بصورة مكثفة. ومما لا شك فيه أن غالبية الزيادة في الغلات سيظل مصدرها تحسين التكنولوجيا المعروفة والتقليدية، مع إدخال تحسينات في كفاءة استخدام المياه، وفي المتحصل التغذوي النباتي والحيواني. ولا يزال الوصول إلى التكنولوجيا التقليدية يتجاوز قدرات الكثير من المزارعين، حسبما تكشف عنه المستويات المنخفضة جدا لاستخدام الأسمدة في أفريقيا (نحو 19 كيلوغراما للهكتار في السنة مقارنة مع 100 كيلوغرام في شرق آسيا و230 كيلوغراما للهكتار في غرب أوروبا). والوصول إلى التكنولوجيا، التي يعتمد عليها التكثيف الزراعي، مشكلة ترجع إلى التطور المحدود لتسويق المدخلات والنظم الإئتمانية، وارتفاع تكاليف النقل (يرتبط برداءة الطرق وصغر حجم التجارة). وفي حالة مزارعي الكفاف فإن سبب المشكلة هو افتقارهم التام للدخل اللازم لشراء المدخلات.

1-37

ومن سبل الاستجابة لهذه الأوضاع، إيجاد طرق بديلة للمحافظة على إنتاجية التربة تعتمد، بقدر أقل، على استخدام المدخلات الخارجية المشتراة. ويحظى هذا المنهج بعناية خاصة من قبل المنظمة والبنك الدولي والشركاء الدوليين الآخرين في مبادرة خصوبة التربة لأفريقيا، ويشمل طرق تكثيف استخدام الأراضي، من خلال الدورة المحصولية ونظم الزراعة المختلطة بالغابات والرامية إلى تعزيز تثبيت الآزوت البيولوجي، إضافة إلى نظم المحاصيل والحيوانات المتكاملة، وفي البلدان التي لا يمثل فيها توافر المدخلات معوقا كبيرا، فإن التركيز ينصب بصورة متزايدة على تغيرات التكنولوجيا بما يؤدى إلى زيادة في إنتاجية استخدام الأرض واليد العاملة، مثل نظم الحد الأدنى من الحرث، التي تمكن الأسرة من إبقاء مساحة كبيرة من الأرض تحت الزراعة، في حين تساهم في زيادة مستويات الكربون في التربة. وفي نفس الوقت، قد يتحقق مزيد من النمو في الزراعة العضوية استجابة لانشغال المستهلكين إزاء ما يتصورون من مخاطر ترتبط بنظم الزراعة القائمة على الاستخدام المكثف للمدخلات الكيميائية. والزراعة العضوية التي جائت في الأصل، استجابة لطلب المستهلكين واستعدادهم لدفع أسعار عالية للمنتجات العضوية، تشهد الآن تسابق عدد من الحكومات على تعميمها نظرا لإمكانية استدامتها وعدم اضرارها بالبيئة. وتساهم المنظمة في الحوار الدولي الدائر بشأن الزراعة العضوية، وقدمت مؤخرا تقريرا عن عملها في هذا المضمار إلى لجنة الزراعة(13).

1-38

وتشمل مشكلات المبيدات، خاصة في البلدان النامية، حالات التسمم والتأثيرات السلبية على البيئة. وكثيرا ما تعاني البلدان النامية قصور التشريعات واللوائح لديها، ونقص القدرات على اتخاذ القرارات المتعلقة باستخدام المبيدات والافتقار إلى المعارف، وعلى الأخص على مستوى الإرشاد والمزارعين. وتوفر مدونة السلوك عن توزيع المبيدات واستعمالها لدى المنظمة، التوجيه العام بشأن إدارة المبيدات. كما أن اتفاقية روتردام بشأن تطبيق إجراء الموافقة المسبقة عن علم على مواد كيماوية ومبيدات آفات معينة خطرة متداولة في التجارة الدولية، التي أقرت عام 1998، والتي يشترك برنامج الأمم المتحدة للبيئة والمنظمة في توفير خدمات الأمانة لها، تشجع على تقاسم المسؤوليات فيما بين البلدان في مجال التجارة الدولية بمواد كيماوية خطرة معينة، بما فيها المبيدات، وذلك في ضوء الأحكام التي تتعلق بعملية صنع القرار القطري بشأن استيرادها وتصديرها، وبنشر هذه القرارات. كذلك تقوم المنظمة وشركاؤها، من خلال برنامج الإدارة المتكاملة للآفات لدى المنظمة والمرفق العالمي للإدارة المتكاملة للآفات، بتدعيم البرامج الرامية إلى زيادة الوعي بطبيعة العلاقة بين المحاصيل والآفات. ولا شك في أن العلاقة في أوساط صانعي السياسات والعلماء وفي أوساط المزارعين تؤدي إلى اتخاذ قرارات تقلل من الاعتماد على المبيدات إلى المستوى الضروري بالفعل.

1-39

وعلقت آمال عريضة على التطبيقات الحالية للتكنولوجيا الحيوية، وعلى الأخص زراعة الأنسجة النباتية (وهي راسخة بالفعل في القطاع الحرجي وزراعة الأزهار) واستخدام الواسمات الجزيئية والتحوير الوراثي للكائنات الزراعية، باستخدام تقنيات ترابط الدنا للتغلب على الكثير من مشكلات البيئة والسلامة المستمرة والمرتبطة بالإنتاج الزراعي المكثف. ومن المفترض ألا تقتصر الحلول المستمدة من التكنولوجيا الحيوية على تحسين مقاومة النباتات للآفات والأمراض فحسب، بل وفي إيجاد وسائل مبتكرة أيضا للتغلب على مشكلة المحاصيل الناتجة عن الجفاف وانخفاض الخصوبة، كذلك توفر التكنولوجيا الحيوية تطبيقات مفيدة في تشخيص الأمراض(14). وجنبا إلى جنب مع التكنولوجيا التقليدية، بما فيها تلك المرتكزة على المعارف المحلية، فإن هذه التطورات الجديدة في التكنولوجيا الحيوية تنطوي على إمكانيات كبيرة لتوسيع نطاق الخيارات المتاحة للمزارعين في جميع أقاليم العالم فيما يتعلق بزيادة إنتاجية نظمهم الزراعية واستدامتها. بيد أن الشكوك والمخاطر المرتبطة بتطبيقات التكنولوجيا الحيوية أدت إلى معارضة واسعة من المستهلكين والمعنيين بشؤون البيئة، خاصة في البلدان المتقدمة، لاستخدام التحوير الوراثي في إنتاج المحاصيل وتربية الحيوانات. ولهذه المعارضة تأثير على الخطوات التي تقطعها البحوث في هذا المجال، حتى بالنسبة للمسائل التي لا تنطوي على مخاطر جادة.

1-40

بافتراض إرساء ضمانات مقبولة وتطبيقها للحد من المخاطر التي تتهدد صحة النبات والحيوان والإنسان (مخاطر السلامة البيولوجية)، فإن القضية الرئيسية الناشئة هي مدى انتفاع المزارعين، وخاصة صغار المزارعين في البلدان النامية، بتطبيقات التكنولوجيا الحيوية الجديدة ونظرا لأن معظم بحوث التكنولوجيا الحيوية الحالية يجريها القطاع الخاص، فإنها ترتبط بشكل قوي بعوامل السوق وبالتالي لا تسند الأولوية الواجبة للتطبيقات التي تهم البلدان النامية، حيث القوى الشرائية للمزارعين محدودة، ومن المشكوك فيه إمكانية إنفاذ حقوق المربين. كما يحد ذلك من إمكانيات البلدان النامية في الحصول عليها، زيادة على ذلك، أحكام اتفاق منظمة التجارة العالمية بشأن حقوق الملكية الفكرية المتعلقة بالتجارة التي تضمن مصالح أصحاب التكنولوجيات الجديدة من خلال براءات الاختراع، وتتمثل واحدة من انعكاسات هذا الوضع، في أن معظم جهود تطوير التكنولوجيا الحيوية لصالح البلدان النامية لا بد من رعايتها، والأرجح الاضطلاع بها أيضا، من قبل القطاع العام، بما في ذلك مراكز البحوث الزراعية الدولية التي تعمل ضمن نطاق الجماعة الاستشارية للبحوث الزراعية الدولية.

1-41

وهناك، بلا شك، منافع ومخاطر وشكوك ترتبط بالجيل الجديد من التكنولوجيا الحيوية. وعند هذه المرحلة، فإن الدور الذي تقوم به المنظمة يقتصر، في المقام الأول على دور الموجه لقيام حوار بناء بشأن القضايا مثار الخلاف التي تحيط بالكائنات المحورة وراثيا(15)، وعلى تبادل المعلومات ومساعدة دولها الأعضاء على صياغة سياسات وقوانين تتعلق بالكائنات المحورة وراثيا. وتأكيدا على ذلك، أنشأت منتدى إلكترونيا يعنى بالتكنولوجيا الحيوية، وساهمت في الكثير من المؤتمرات الدولية بشأن هذا الموضوع، مركزة بوجه خاص على السلامة البيولوجية والقضايا المتصلة بسلامة الأغذية أيضا(16). ومخاطر آفات النباتات المرتبطة بالكائنات الحية المحورة ومنتجات التكنولوجيا الحيوية الأخرى، هي موضع اهتمام خاص لأمانة الاتفاقية الدولية لوقاية النباتات، التي توفر خدماتها المنظمة، وفيما يخص سلامة الأغذية، فإن المنظمة تعمل حاليا بالاشتراك مع منظمة الصحة العالمية، من خلال هيئة الدستور الغذائي الحكومية الدولية، على وضع مبادئ وخطوط توجيهية لتقدير المخاطر فيما يتصل بتقييم سلامة الأغذية المستمدة من التكنولوجيات الحيوية. علاوة على ذلك، تروج المنظمة حاليا لوضع مدونة سلوك بشأن التكنولوجيا الحيوية المتعلقة بالموارد الوراثية للأغذية والزراعة.

العولمة، السلع العامة والتجارة

1-42

مع نمو العولمة خلال السنوات القليلة الماضية، زاد التركيز أكثر على التجارة الدولية في المنتجات الغذائية والزراعية، مثلما تزايد الوعي بأهمية ضمان توافر إمدادات كافية من السلع العامة العالمية لضمان الأمن الغذائي العالمي على المدى الطويل، وكذلك الاستخدام المستدام للموارد الطبيعية. وفيما يتعلق بالأغذية والزراعة، هناك اعتراف بالحاجة الإضافية للصيانة والاستخدام المستدام بصورة أكبر لهذه السلع العالمية المشتركة، مثل الموارد الوراثية للأغذية والزراعة والمخزونات السمكية البحرية، إضافة إلى معالجة الاعتماد المتبادل بين الزراعة وتغير المناخ.

1-43

تتعرض الموارد الوراثية للأغذية والزراعة، على الرغم من أهميتها الحيوية لبقاء الإنسان، للفقدان بمعدلات تبعث على القلق المتزايد، بما يقلل بصورة جذرية من قدرات الأجيال الحاضرة والمقبلة على معالجة الصدمات البيئية غير المتوقعة والاحتياجات المتغيرة لسكان العالم. وما من بلد مكتف ذاتيا فيما يتصل بالموارد الوراثية للأغذية والزراعة. وفي حين طور العالم الصناعي آليات قانونية واقتصادية، مثل حقوق الملكية الفكرية، لتوفير الحوافز لاستنباط تكنولوجيات حيوية جديدة ولتعويض مخترعيها، لا توجد حتى الآن آليات اقتصادية أو قانونية فعالة لتقديم الحوافز للمزارعين التقليديين في البلدان النامية أو تعويضهم، وهم الذين يستنبطون المادة الخام، أي الموارد الخام للتكنولوجيا الحيوية.

1-44

منذ مؤتمر القمة العالمي للأغذية، اتخذت الحكومات، من خلال هيئة الموارد الوراثية للأغذية والزراعة التابعة لمنظمة الأغذية والزراعة، خطوة رئيسية نحو إدارة الموارد الوراثية، بتطبيق بنود المعاهدة الدولية الجديدة الملزمة بشأن الموارد الوراثية النباتية للأغذية والزراعة في نوفمبر/تشرين الثاني 2001 وهذا تتويج لسبع سنوات من المفاوضات لتنقيح التعهد الدولي، تمشيا مع اتفاقية التنوع البيولوجي.

1-45

وتغطي المعاهدة جميع الموارد الوراثية النباتية للأغذية والزراعة. وتوفر إطارا دوليا متفقا عليه لصيانة الموارد واستخدامها المستدام، وهو ما يضمن صيانة رأس المال الموروث، الذي تمثله هذه الموارد، واستمرار الإمداد بالخدمات التي يعتمد عليها الأمن الغذائي والتنمية الزراعية. وأنشأت المعاهدة نظاما متعدد الأطراف لتيسير الحصول على الفوائد وتقاسمها بالنسبة لعدد من المحاصيل الأساسية للأمن الغذائي والاعتماد المتبادل، والتي تمثل أكثر من 80 في المائة من السعرات الحرارية في العالم، ويجري إدارة هذه المحاصيل بطرق كثيرة باعتبارها سلعا عامة عالمية.

1-46

ولأول مرة يوفر اتفاق دولي ملزم لمن لهم حق عائد الحصول على موارد مشتركة تجري إدارتها، والحصول على فوائد تجارية من استخدامها، بناء على شروط متفق عليها، دفع عوائد متساوية إلى آلية تمويل تهدف إلى ضمان صيانتها واستخدامها المستدام،

1-47

وتسلم المعاهدة بحقوق المزارعين وبدورهم في خلق وصيانة التنوع البيولوجي الزراعي في كل العهود، أي مساهمتهم في صيانة هذه الموارد وتحسينها وإتاحتها في الماضي والحاضر والمستقبل. ووضعت أحكام بشأن حقوق المزارعين لتكون قيد التشغيل من خلال التشريعات القطرية. وتم التسليم بأهمية جمع الموارد الوراثية النباتية للأغذية والزراعة خارج مواقعها الأصلية والمحتفظ بها كوديعة لدى المراكز الدولية للبحوث الزراعية التابعة للجماعة الاستشارية للبحوث الزراعية الدولية. وتوضع ترتيبات لإتاحة هذه الموارد في إطار النظام متعدد الأطراف.

1-48

ولا تفيد المعاهدة المزارعين فحسب، بل أيضا المستهلكين والمجتمع عامة، وتضمن الإمداد المتواصل من الأغذية المتنوعة واختيار المستهلكين. وستستفيد أيضا صناعة البذور ومنتجو الأغذية من ترتيبات واضحة متفق عليها دوليا للحصول على المواد الخام الوراثية التي يحتاجون إليها لمواجهة الأوضاع البيئية والمناخية المتغيرة بسرعة والحاجات البشرية المتطورة.

1-49

ومنذ مؤتمر القمة العالمي للأغذية، بدأت الهيئة أيضا عملية، كان الدافع وراءها البلدان، لوضع أول تقرير عن حالة الموارد الوراثية الحيوانية للأغذية والزراعة في العالم. وسيشمل هذا التقرير جردا شاملا للموارد وتحليلا لحالتها الآن وفي المستقبل، ومدى مساهمتها في التنمية المستدامة والأمن الغذائي. ولعل الدافع وراء الثورة القادمة في مجال الثروة الحيوانية هو ارتفاع الدخول وزيادة عملية التحضر في بلدان نامية كثيرة، فمن المتوقع مثلا أن يتضاعف نصيب الفرد من إنتاج اللحوم بين 1993 و2020، وفي ذلك دفعة قوية محتملة للنمو الإقتصادي. إلا أن التغيرات الرئيسية في نظم الإنتاج الحيواني ستتوقف على مدى توافر موارد وراثية حيوانية متكيفة، وتعريض الموارد الأصلية للمخاطر، ما لم يقم المجتمع الدولي والبلدان منفردة بدعم وتطوير إدارة لصيانة هذه الموارد واستدامتها. ويتوقع أن تعتمد الحكومات الأعضاء في الهيئة، في عام 2005، تقرير حالة الموارد الوراثية الحيوانية في العالم.

1-50

ومن الأنشطة التكميلية الأخرى للهيئة المذكورة إصدار مدونة السلوك بشأن جمع المادة الوراثية النباتية ونقلها التي أقرها مؤتمر المنظمة عام 1993، ومدونة السلوك بشأن التكنولوجيا الحيوية التي مازالت قيد التفاوض، ووضع استراتيجية دولية بشأن الموارد الوراثية الحيوانية. ومن النماذج الأخرى لمساهمة المنظمة في صيانة السلع العالمية العامة واستخدامها المستدام، مدونة السلوك بشأن الصيد الرشيد التي أقرها مؤتمر المنظمة في 1995.

1-51

وتمثل عمليات العولمة فرصا ومخاطر، في آن واحد، بالنسبة للقطاعات الزراعية للبلدان النامية. ونظرا لأن الزراعة تظل هي القطاع الأهم في كثير من البلدان النامية ومصدرها الرئيسي للصادرات فإن تخفيض الحواجز أمام التجارة يوسع من فرصها لزيادة إنتاج قطاعاتها. بيد أن العولمة تثير مخاطر التهميش للبلدان التي تظل، بسبب ما تملكه من الموارد، وموقعها، وحجمها أو افتقارها إلى المهارات والبنى الأساسية، غير قادرة على المنافسة في الأسواق العالمية وغير قادرة على جذب الاستثمارات. كما أن العولمة تحمل معها، كما تبدي جليا خلال السنوات التي أعقبت انعقاد مؤتمر القمة العالمي للأغذية، خطر التأثيرات التراكمية لعدم استقرار النظم المالية الدولية والتقلبات في أداء الاقتصاديات العالمية الكبرى، على البلدان التي أصبحت تعتمد على التجارة الخارجية والاستثمار. وأكثر البلدان تعرضا لهذه الصدمات، بوجه خاص، هي البلدان التي تصدر عددا محدودا من السلع، مما تترتب عليه عواقب وخيمة على سبل المعيشة والأمن الغذائي لتجمعات المزارعين من سكانها.

1-52

ولقد شهدت السنوات الست الأخيرة تنفيذ اتفاقات جولة أوروغواي، التي وضعت الزراعة ضمن إطار الجات/منظمة التجارة العالمية للمرة الأولى. وفي حين ساهم الإتفاق بشأن الزراعة في تطوير السياسات المحلية والتجارة من جديد، فإن التغيرات الفعلية في مستويات الدعم والحماية لم تكن عميقة على نحو كاف لكي يحدث الاتفاق تأثيرات ملموسة على التجارة العالمية والدخول. وبناء على هذا، فإن إجمالي الدعم الذي قدمته بلدان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية لمزارعيها بلغ 327 مليار دولار في عام 2000 وحده(17). وتظل الرسوم الجمركية الزراعية عالية، خاصة بالنسبة لمنتجات المناطق المعتدلة من البستنة، والسكر، والحبوب ومنتجات الألبان، واللحوم. ويظل تصاعد الرسوم يوفر حماية خاصة للأغذية المصنعة، لاسيما الأشكال ذات القيمة المضافة من البن، والكاكاو، والبذور الزيتية في البلدان المستوردة. كما أن التعقيد الذي تتميز به نظم الاستيراد والوصول إلى حصص معدلات الرسوم، إضافة إلى تكاليف الامتثال لمواصفات الصحة والصحة النباتية، والحواجز التقنية أمام التجارة، تظل عائقا أمام توسع السوق قد يصبح من المستحيل التغلب عليه، خاصة بالنسبة للاقتصاديات الصغيرة. ولا شك في أن استمرار البلدان المتقدمة في تطبيق إجراءات الحماية الزراعية على نطاق واسع سيؤدى إلى فرض قيود على فرص نمو القطاع الزراعي المتاحة للبلدان النامية (18).

1-53

ويتوقف مدى استفادة البلدان النامية من فرص السوق الجديدة الناشئة عن العولمة، في نهاية المطاف، على قدراتها التنافسية وعلى قدرتها لزيادة إنتاجها من السلع المطلوبة، وقد يستلزم هذا استثمارات كبيرة في البنى الأساسية والتكنولوجيا والاتصالات بهدف تخفيض التكاليف والإسراع في عمليات النقل. بيد أنها تستوجب أيضا تنمية القدرات المؤسسية لوضع مواصفات عالية وتطبيقها، ولتدريب المزارعين على إنتاج سلع قابلة للتسويق ذات مواصفات عالية. وتتوقف زيادة حجم الإمدادات وضمان تدفق مستمر من المنتجات على العمل الجماعي للمزارعين، الذين يتجهون في العادة نحو تعزيز الصلات مع القطاع الخاص من خلال خطط الزراعة ا لتعاقدية.

1-54

وتحسبا لما ينشأ عن تحرير التجارة من مشكلات انتقالية بالنسبة لبعض البلدان النامية المستوردة للأغذية، اتخذت بعض التدابير التعويضية في إطار مقرر مراكش بشأن التدابير المتعلقة بالآثار السلبية الناجمة عن عملية الإصلاح في أقل البلدان نموا، والبلدان النامية المستوردة الصافية للسلع الغذائية. وقد ينجم عن الفشل في اتخاذ قرارات فعالة تقويض الثقة بعدالة النظام الدولي في التعامل مع تلك البلدان النامية التي اتخذت خطوات لتحرير نظمها التجارية. ولقد اقترحت المنظمة مؤخرا بدائل تجعل المقرر فعالا (19).

1-55

حظيت المساهمة الكبيرة التي يمكن أن تقدمها فرص التوسع التجاري في التنمية الاقتصادية لأقل البلدان نموا، بالأولوية من جانب الاتحاد الأوروبي(20)، الذي استضاف مؤتمر الأمم المتحدة الثالث المعني بأقل البلدان نموا، في مدينة بروكسل في شهر مايو/أيار 2001(21). وكجزء من نشاط المنظمة في هذا المؤتمر، وافقت على تنظيم اجتماع مواضيعي خاص بشأن قطاع الزراعة والأمن الغذائي. فالقرار الأخير الذي اتخذه الاتحاد الأوروبي بإلغاء التعريفة الجمركية وتحرير الحصص المستوردة من صادرات أقل البلدان نموا، باستثناء السلاح والذخيرة الحربية، يعد مبادرة ملموسة نحو تنفيذ السياسات الجديدة للاتحاد في مجال التنمية. كما أعلنت نيوزيلندا وكندا والنرويج عن إجراءات مماثلة لمصلحة أقل البلدان نموا(22)، وفي المؤتمر الوزاري الرابع لمنظمة التجارة العالمية، الذي انعقد في الدوحة، قطر، في الفترة من 9 إلى 14 نوفمبر/تشرين الثاني 2001، قدم أعضاء منظمة التجارة العالمية التزاما يهدف إلى وصول منتجات أقل البلدان نموا إلى الأسواق دون رسوم جمركية ودون حصص محددة.

1-56

وأهم قضية تتعلق بالعولمة وتحرير التجارة هي توزيع الفوائد الكلية التي ستنجم عنهما. فتخفيض الإجراءات الحمائية للزراعة والأسواق من جانب البلدان المتقدمة، وتخفيض القيود على حركة الأيدي العاملة في العالم، مع الاقتسام الهادف لإنجازات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، يمكن أن تؤدي كلها إلى ضمان مساهمة العولمة في عالم أكثر عدلا كما توقعه إعلان الألفية(23)، وفي تحقيق هدف مؤتمر القمة العالمي للأغذية بصورة خاصة.

1-57

وفي المؤتمر الوزاري الرابع لمنظمة التجارة العالمية، اتفق الأعضاء على البدء في جولة من المفاوضات التجارية متعددة الأطراف، تنتهي في 1 يناير/كانون الثاني 2005، وبالإضافة إلى المحادثات بشأن الزراعة والخدمات التي استمرت منذ أوائل عام 2000، ستشمل الجولة الجديدة قطاعات أخرى في الاقتصاد العالمي وعددا من القضايا المتعلقة بالتنفيذ. وسيكون للجولة آثار مهمة على الزراعة ومصايد الأسماك والغابات. والتزم الوزراء بتوفير معاملة خاصة وتفاضلية للبلدان النامية، بما في ذلك وصول أقل البلدان نموا إلى الأسواق دون رسوم جمركية ودون حصص محددة. وتم التسليم باحتياجات التعاون التقني وبناء القدرات للاقتصادات الصغيرة والمعرضة للتأثر وذات الدخل المنخفض التي تمر بمرحلة تحول، وتم التأكيد أيضا على تقديم المساعدة التقنية. وبالنسبة للوسائل التي تضمن مزيدا من الالتزام بإجراء إصلاحات تجارية في الزراعة، فسوف توضع بحلول 31 مارس/آذار 2003. وبهذا الصدد، سيقدم المؤتمر الوزاري الخامس لمنظمة التجارة العالمية، المقرر عقده قبل نهاية عام 2003، مشاريع جداول شاملة للتنفيذ.

1-58

للمنظمة سجل طويل من العمل في القضايا المتعلقة بالتجارة في السلع والمستلزمات الزراعية، حيث ترفع تقاريرها إلى لجنة مشكلات السلع، والجماعات الحكومية الدولية المنبثقة عنها. ولكن المنظمة زادت من مساعداتها إلى البلدان النامية بمقتضى الالتزام الرابع من خطة العمل الصادرة عن مؤتمر القمة العالمي للأغذية في » مساعدة البلدان النامية على الاستعداد للمفاوضات التجارية متعددة الأطراف، بما في ذلك المفاوضات المتعلقة بالزراعة ومصايد الأسماك والغابات عن طريق جملة أمور منها الدراسات والتحليلات والأنشطة التدريبية « . وفد نشرت المنظمة عدة تقديرات عن تأثير جولة مفاوضات أوروغواي على الأسواق الزراعية والأمن الغذائي، بالإضافة إلى تقرير عن تجارب البلدان النامية في تنفيذ اتفاقية الزراعة التي وضعتها منظمة التجارة العالمية. ومازالت المنظمة تقوم بدور المنتدى الحكومي الدولي لمناقشة صكوك تتصل على نحو خاص بوضع المعايير، مثل ما وضعته هيئة الدستور الغذائي (معايير جودة الأغذية وسلامتها) والاتفاقية الدولية لوقاية النباتات (معايير الصحة النباتية). وفيما يتعلق بالاتفاقية الدولية لوقاية النباتات، أنشأت المنظمة منتدى حكوميا دوليا وآلية لوضع المواصفات وإجراءات الاستجابة للمستجدات التي طرأت على الاتفاق بشأن تطبيق تدابير الصحة والصحة النباتية. وبالإضافة إلى ذلك فقد زادت المنظمة من برامج المساعدة التقنية والتدريب وتوسعت فيها، بهدف بناء قدرات البلدان الأعضاء لكي تفي بالتزاماتها ولكي تشارك في المفاوضات التجارية بشأن الزراعة كشركاء على بينة وعلى قدم المساواة. وقد ركزت الاستراتيجيات الإقليمية للأمن الغذائي، التي أعدتها المنظمة مع أمانات التجمعات الاقتصادية الإقليمية على وضع إطار قانوني وتنظيمي، وإقامة المؤسسات والقدرات العلمية لإقرار مواصفات الدستور الغذائي والاتفاقية الدولية لوقاية النباتات وتنفيذها بمقتضى اتفاقية منظمة التجارة العالمية بشأن تدابير الصحة والصحة النباتية.

سلامة الأغذية

1-59

إن سلامة الأغذية شئ كامن في مفهوم الأمن الغذائي. فهي تتصل بجوانب عديدة من تكنولوجيات الإنتاج الزراعي، وتناول الأغذية وتجهيزها، والتجارة والتوزيع، وتغذية الإنسان. إن أسباب وفئات المخاطر التي تهدد سلامة الأغذية كثيرة. فمن بينها ما يرجع إلى أسباب ميكروبية- بيولوجية، والملوثات التي تدخل في سلسلة الأغذية، ومخلفات المدخلات التي تستخدم في الإنتاج الزراعي ونظم التصنيع. ومن أهم هذه المشكلات هي الأمراض التي تسببها الأغذية والتي ترجع إلى أسباب ميكروبية- بيولوجية، نظرا لإمكانية حدوثها وتفشيها. فهي تحدث في جميع مراحل سلسلة الأغذية، بالإضافة إلى أن طرق تقييم ومكافحة الأخطار المرتبطة بها بحاجة إلى تحسين.

1-60

وقد زاد وعي الجماهير بالقضايا المتعلقة بسلامة الأغذية زيادة هائلة، وعلى الأخص في البلدان المتقدمة، في السنوات الخمس التي أعقبت مؤتمر القمة العالمي للأغذية، وعلى رأسها الاهتمام بمرض جنون البقر، والتقارير عن الكائنات الدقيقة في الطعام المقاومة للمضادات الحيوية، وأزمة الديوكسين في عام 1999، وظهور العديد من الأمراض التي تحملها الأغذية بسبب تلوثها بالميكروبات وظهور أنواع من الذرة المحورة وراثيا في أطعمة الإنسان، رغم أنها معتمدة للأعلاف الحيوانية فقط. والعنصر المشترك في كثير من هذه الأزمات هو أن الرأي العام كان متفقا على أن الإجراءات المطبقة ليست فعالة ولا تطبق بكفاءة أو أنها تطبق بغرض زيادة التجارة ومنافع المنتجين أو الصناعة فقط، ولا تكون بالضرورة لمصلحة المستهلكين.

1-61

ولاشك أن جماعات الضغط التي يشكلها المستهلكون في البلدان النامية ليس لها صيت مرتفع، كما أن القواعد التنظيمية ليست فعالة. فعندما تكون ظروف النظافة العامة سيئة، نظرا لنقص مياه الشرب النقية في أغلب الأحيان، ينتشر تلوث الأغذية ومياه الشرب بالميكروبات، وتصبح هذه الظروف السيئة مصدرا رئيسيا للمرض والموت، وعلى الأخص بين الأطفال. كما أن سوء استخدام المبيدات يؤدي إلى وجود مخلفاتها بدرجة غير مقبولة طبقا لمعايير الدستور الغذائي وأغلب التشريعات القطرية. ولا تتوقف الاجتماعات المشتركة بين المنظمة ومنظمة الصحة العالمية بشأن مخلفات المبيدات عن تقييم المبيدات التي تقترحها المصانع المنتجة للاستخدام، وتقديم توصيات لهيئة الدستور الغذائي والبلدان الأعضاء بشأن الحد الأقصى المسموح به من بقايا المبيدات في الأغذية. وبالمقابل، تواصل لجنة الخبراء بشأن المواد المضافة إلى الأغذية، المشتركة بين المنظمة ومنظمة الصحة العالمية، تقييم المواد المضافة إلى الأغذية والعقاقير البيطرية والملوثات البيئية، وتقديم توصيات بشأن المستويات غير المضرة لهذه المركبات في الأغذية.

1-62

وبدأ الآن تطبيق إجراءات محسنة بشأن سلامة الأغذية، تقوم على المبادئ التي وضعتها هيئة الدستور الغذائي، بهدف الحد من الأخطار الميكروبيولوجية. وتقدم مجموعة الخبراء المشتركة بين المنظمة ومنظمة الصحة العالمية استشارات علمية تحسن من آفاق التحكم في بعض ملوثات البيئة في الأغذية وعلى الأخص السموم الفطرية. فالإجراءات الفعالة لسحب السلع من الأسواق، قللت من تأثير أزمة الديوكسين ومن إطالة فترتها، كما أنها تطبق الآن في حالة الذرة المحورة وراثيا للأعلاف الحيوانية، كما كان هناك ما يشبه توافق الآراء في الهيئة بشأن المبادئ العامة التي ينبغي تطبيقها لضمان سلامة الأغذية فيما يتعلق باستخدامات التكنولوجيا الحيوية في الزراعة والصناعات الغذائية، كذلك يولى الآن اهتمام خاص لمسألة احتمال انتقال الحساسية إلى الأصناف النباتية المحورة وراثيا.

1-63

ورغم ذلك، فإن هناك نداءات من أجل اتخاذ تدابير لضمان سلامة الأغذية تقوم على مجموعة من العوامل أوسع من مجرد التقييم العلمي للمخاطر التي تتعرض لها صحة الإنسان، وإزاء ما هو مفهوم من أن نظم مراقبة الأغذية عاجزة عن توفير الضمانات الكافية للسلامة، فإن هناك إجراءات إضافية تقترح الآن لضمان توافر سلسلة مستمرة من توثيق أصل وطبيعة كل سلعة غذائية أو مكون غذائي. فمثل هذه الإجراءات قد تزيد من تكاليف المعاملات التجارية للأغذية وقد تنعكس أيضا على التجارة الدولية باستثناء حالة البلدان التي تعجز عن إنشاء نظم المتابعة اللازمة.

1-64

وهناك جهود تبذل على المستوى الدولي للتركيز بشكل أوضح على قضايا سلامة الأغذية، مع التركيز بشكل خاص على الأساس العلمي لاتخاذ القرار، وتوخي الحصافة عندما لا تكفي القاعدة العلمية. وتشترك المنظمة مع منظمة الصحة العالمية والمكتب الدولي للأوبئة الحيوانية في تنظيم مشاورة خبراء بشأن » مرض جنون البقر ومخاطره: الصحة الحيوانية والصحة العامة والتجارة الدولية « . وبالتعاون مع منظمة الصحة العالمية، عقدت المنظمة المنتدى العالمي الأول لواضعي اللوائح بشأن سلامة الأغذية (مراكش، يناير/كانون الثاني 2002) والمؤتمر الأوروبي بشأن سلامة الأغذية ونوعيتها (بودابست فبراير/شباط 2002). وناقش كل من المؤتمرين الحكوميين الدوليين القضايا المتعلقة بصناعة القرار على أساس علمي، والترويج لتبادل المعلومات بشأن إدارة سلامة الأغذية. وأقيمت أنظمة إقليمية ودولية للإنذار السريع، أو هي في الطريق، لتطويق وتقليل تأثير الأزمات المتعلقة بسلامة الأغذية في المستقبل.

الحق في الغذاء

1-65

لجميع القضايا التي تم استعراضها أعلاه تأثيرات جوهرية على قدرة العالم على تلبية الاحتياجات الغذائية لشعوبه، والمحافظة على موارده الطبيعية في حالة جيدة للأجيال القادمة. والواقع أن وجود نحو 800 مليون نسمة في البلدان النامية يعانون الجوع المزمن، على الرغم من النجاح الذي حققه المزارعون في توفير أغذية كافية لتلبية احتياجات كل فرد، وأن هناك دلائل واسعة النطاق على تدهور الأراضي، كل ذلك يعني أن هناك قصورا خطيرا في الطريقة التي نمارس بها مسؤولياتنا ونبسط سيطرتنا على موارد العالم. فالاختلال في الحصول على الأغذية والتكنولوجيا، والأضرار التي لحقت بالموارد الطبيعية ذات الصلة ببعض طرق الزراعة، والتقدم العلمي، وتآكل التنوع البيولوجي، والأخطار التي تتعرض لها استدامة المصايد البحرية، والقيود المفروضة على التجارة التي تحول دون البلدان وممارسة ميزاتها النسبية والاستفادة منها، كلها قضايا تنطوي على أبعاد أخلاقية مهمة. فالنظر إلى هذه القضايا من منظور أخلاقي يتعلق بحقوق الإنسان قد يسهم في التوصل إلى توافق في الآراء بشأن الطريقة التي يمكن بها معالجتها بصورة أفضل تحقيقا للمصلحة المشتركة للبشر، فضلا عن قضايا قيمة أخرى قد لا تسند لها الأهمية الكافية عند اتخاذ القرارات المتعلقة أساسا بالأسباب الفنية والاقتصادية أو القرارات المرتبطة بعوامل السوق وحدها.

1-66

وكان من بين نتائج مؤتمر القمة العالمي للأغذية ذلك الاهتمام الكبير، الذي ظهر في السنوات الأخيرة بانعكاسات الحق في الغذاء الذي يشكل حقا أساسيا من حقوق الإنسان المعترف بها في إطار القانون الدولي على النحو الوارد في العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. ويعني الحق في الغذاء حق كل إنسان في الحصول على وسائل إنتاج أو شراء الأغذية الكافية من حيث الكم والكيف، والخالية من المواد الضارة والمقبولة من الناحية الثقافية(24). ولمعالجة الموضوعات الخاصة بتفسير هذا الحق واستكشاف طرق تنفيذه بواسطة البلدان، عقدت مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان سلسلة من المشاورات بمشاركة منظمة الأغذية والزراعة، لتوضيح محتوى هذا الحق واستكشاف أفضل طريقة لتنفيذه. وأسفرت هذه المشاورات عن تزايد الإدراك لدور كل من الأفراد وأسرهم والمجتمعات الريفية ومختلف مستويات الدولة في ضمان الحق في الغذاء(25). واتخذت عدة بلدان خطوات لتفعيل الحق في الغذاء ضمن سياساتها وبرامجها الخاصة بإدارة الزراعة والأغذية، مما وفر خبرات قد تود البلدان الأخرى محاكاتها لدى سعيها إلى تحقيق هدف مؤتمر القمة العالمي للأغذية. وعلى المستوى الدولي، تدعي المنظمات غير الحكومية منظمة الأغذية والزراعة إلى بدء المفاوضات بشأن مدونة سلوك أو مبادئ توجيهية طوعية عن الحق في الغذاء.

1-67

وسعيا إلى معالجة القضايا الأخلاقية على نحو أف0ضل، أنشأت المنظمة عام 2000 فريق الخبراء البارزين المعنى بمبادئ الأخلاق في الأغذية والزراعة، الذي يتألف من ثمانية خبراء دوليين. وقد بدأ فريق الخبراء في تحليل طائفة من القضايا الأخلاقية الناشئة عن إنتاج الأغذية وممارسات استهلاكها، والتنمية الزراعية بما في ذلك الغابات ومصايد الأسماك، وذلك في سياق الأمن الغذائي والتنمية الريفية المستدامة وفي مناخ من التغييرات العالمية السريعة. وبدأت المنظمة في 2001، ضمن هذه العملية، في إصدار سلسلة المبادئ الأخلاقية، بدأتها بمطبوع » القضايا الأخلاقية في الأغذية والزراعة « ، و » الكائنات المحورة وراثيا: المستهلكون وسلامة الأغذية والبيئة « (26). والهدف الشامل هو المساهمة في المداولات العامة غير الرسمية وعملية اتخاذ القرارات ذات الشفافية بطريقة موضوعية، وكذلك توفير منتدى من أجل مناقشة القضايا المعقدة التي تعد موضع خلاف في أغلب الأحيان (27).

ملاحظات ختامية

1-68

من الواضح تماما من هذا الاستعراض السريع أن الزراعة والأمن الغذائي، محليا وعالميا، يتعرضان لمخاطر عديدة يصعب التنبؤ بها في أغلب الأحيان. وربما كانت هذه المخاطر مبالغ فيها، مقارنة بما هو مطلوب من الزراعة لتلبية الطلب للتزايد، مع تكيف نظم الأغذية لتستجيب للتوسع العمراني السريع، ومع زيادة الروابط بين أطراف العالم بتسارع العولمة. ولكن في نفس الوقت، فإن العولمة والإنجازات السريعة الحالية في التكنولوجيا والاتصالات، تستطيع، إذا أحسنت إدارتها، أن تتيح فرصا جديدة أمام التنمية الاقتصادية، وبزوغ عالم أكتر عدل.ا

1-69

والكثير من التحديات التي تواجه قطاعات الزراعة والغابات ومصايد الأسماك، لها أبعادها العالمية. فالآفات والأمراض تعبر الحدود القطرية والمحيطات بسهولة، ونظم التربية الحيوانية الكثيفة في بلد ما، أو قطع الأشجار على نطاق واسع في بلد آخر له تأثيره على تغير المناخ العالمي، كما أن نمط تيارات المحيط الهادي يؤثر على الأمطار الموسمية وغزارتها في جنوب آسيا وأمطار شرق أفريقيا، وعدم الامتثال لمدونات السلوك الدولية قد يضر باستدامة مصايد الأسماك العالمية، وتقديم الدعم للزراعة في بلد ما قد يحدد ما إذا كان المزارعون أم غيرهم في بلد آخر سيجدون منفذا لتصريف إنتاجهم بصورة مربحة. ونحن مازلنا في بداية الطريق لفهم طبيعة وحجم هذه التفاعلات، وكيف نقلل من تأثيرها من أجل مصلحة العالم.

1-70

ولدى معالجة الشكوك والمخاطر، تعتبر تدابير الوقاية والتأني عموما من بين الإجراءات المفضلة للعمل، رغم ما تبين مرارا وتكرارا أن تكاليفها الاقتصادية، والمعاناة البشرية الناجمة عنها بسبب التأخر في تطبيقها، باهظة للغاية. فإذا أمكن تلافي أي صراع عن طريق المفاوضات وأمكن تحذير السكان المعرضين لأي إعصار قبل حدوثه، أو مكافحة مرض من الأمراض التي تهدد الحياة في مكان ظهوره، لأمكن حينئذ إنقاذ حياة الناس وتقليل معاناتهم، وتلافي التكاليف.

1-71

وإذا كانت الحكومات والمجتمع الدولي، بما فيه منظمة الأغذية والزراعة، تقوم الآن بالكثير في حدود طاقاتها من أجل تنفيذ التزامات مؤتمر القمة العالمي للأغذية المتصلة بالتحديات الجديدة، فمازال هناك مجال كبير ومبررات اجتماعية واقتصادية قوية لتحسين القدرة على الاستجابة. فلو أن الأمور سارت سيرا حسنا، لما وجدنا هذه الأعداد الهائلة من البشر على حافة المجاعة في منطقة القرن الأفريقي، ولما ضاعت الأرواح والممتلكات الهائلة في أعقاب إعصار ميتش في أمريكا اللاتينية، ولما أعدمت مئات الحيوانات في حظائرها في أوروبا، ولما جاع مزارعو الكاكاو في غرب أفريقيا الذين راحوا ضحية انهيار أسعار سلعتهم في الأسواق الدولية.

1-72

والنتيجة هي أنه لابد من دراسة دقيقة لمدى كفاية الترتيبات المؤسسية الحالية للتعاون الدولي من أجل مواجهة التحديات العالمية الرئيسية في مجال الأمن الغذائي. وينبغي بصورة خاصة مراعاة قدرتها على تلافي الكوارث والرد بالسرعة والمستوى اللازمين للحد من الأضرار المحتملة. كما أن هناك بعدا أطول مدى يتعلق بالتوقيت المناسب، الذي يتصل بضرورة ضمان كفاية الجهود التي تبذل الآن في مجال البحوث وتوليد المعارف، وتوجيهيها توجيها سليما، حتى يمكن تلبية الطلب العالمي على الأغذية في المستقبل بطريقة مستدامة، وعدم الاكتفاء بقوى السوق في المدى القصير التي لا تعير اهتماما لاحتياجات الأجيال القادمة.

1-73

إن التقدم الذي حدث في تكنولوجيا الرصد والمعلومات والاتصالات يفتح آفاقا جديدة هائلة في مجالات جمع المعلومات واقتسامها وتحليلها وتفسيرها، وكذلك في الإسراع باتخاذ القرارات، فالأساس العلمي لتبرير الأعمال العالمية- مثل معالجة ظاهرة الاحترار العالمي أو نفاد طبقة الأوزون، أصبح يزداد قوة، وأصبح هناك كم متزايد من التشريعات والصكوك التي يمكن الاستناد عليها في القيام بأعمال دولية وقطرية يعزز بعضها البعض لمواجهة التهديدات العالمية. ومع ذلك، حدث في نفس الوقت تراجع مستمر في الموارد المتاحة على المستوى الدولي من أجل الاستجابة في الوقت المناسب للتهديدات والفرص المتاحة.

1-74

إن النقص في توفير السلع العامة العالمية يشكل قضية تحظى باهتمام كبير في ضوء إدارة البيئة العالمية من خلال جدول أعمال القرن 21، وأدى إلى إنشاء أدوات جديدة مثل مرفق البيئة العالمي، ويجرى في الوقت الحاضر الكثير من المداولات العامة بشأن السلع العامة العالمية في مجالات الصحة، وخاصة فيما يتعلق بنقص الاستثمارات اللازمة لاستحداث التكنولوجيات للحد من تزايد الإصابات بفيروس نقص المناعة البشرية/متلازمة نقص المناعة المكتسبة، والملاريا والسل في البلاد النامية، حيث اضطرت الأعمال الخيرية الخاصة إلى التدخل لإنقاذ البرامج الدولية التي تعاني نقص الموارد. كما تتطلب قضية توفير السلع العامة العالمية تحليلا دقيقا فيما يتعلق بضمان الأمن الغذائي العالمي (بما في ذلك سلامة الأغذية) واستدامة الزراعة في المدى الطويل، وهي القضية التي تعتبر ذات صلة كبيرة بالوفاء بكل التزام من الالتزامات الواردة في خطة العمل الصادرة عن مؤتمر القمة العالمي للأغذية. ولذا فإنها قضية سوف توليها المنظمة قدرا أكبر من الاهتمام بالتشاور مع حكوماتها الأعضاء والوكالات الدولية الأخرى التي تعنى بتوفير السلع العامة العالمية.

1-75

إن نطاق ومستوى وتكاليف القضايا الأساسية التي تؤثر الآن على الزراعة والأمن الغذائي وسلامة الأغذية، تشكل مستوى رهيبا، وتتنافس فيما بينها من أجل جذب الانتباه السياسي سواء أكان دوليا أو داخل البلدان ذاتها. إن ازدحام جداول الأعمال بهذا الشكل الكبير، وحدوث سلسلة من حالات الطوارئ التي تطلبت تدخلا فوريا، قد يساعدان قي تفسير ما أقدم عليه عدد قليل من البلدان، سواء المتقدمة أو النامية، من معالجة مسألة الجوع المزمن بالإصرار والالتزام المطلوبين لتحقيق هدف مؤتمر القمة العالمي للأغذية. أما سبب انعقاد المؤتمر الأخير فهو ظهور علامات على عدم الاكتراث العام والتخلي عن الالتزامات، كما ظهر في التخفيض المستمر في الموارد المحلية والدولية المخصصة للتنمية الزراعية والأمن الغذائي.

1-76

وهناك أكثر من 800 مليون نسمة يعانون نقص الأغذية المزمن ولا تتصدر قضيتهم عناوين الأخبار، وليس لهم صوت مسموع أو دور ظاهر في بلدانهم، بل إن هذه الأصوات تزداد انخفاضا في المجتمع الدولي، فهم أفقر الفقراء. ولكن الذي حدث في عام 1996، هو أن كل دولة من دول العالم تقريبا ألزمت نفسها بهدف تخفيض عدد الذين يعانون نقص الأغذية إلى النصف بحلول عام 2015، فهذا الالتزام مازال قائما، ولابد من الوفاء به. والتحدي الذي يواجهنا الآن هو أن نقرر كيف نترجم هذا الالتزام إلى حقيقة واقعة، رغم الطلبات الملحة لكل المشكلات الحادة الأخرى التي تواجه الزراعة في مختلف أنحاء العالم.

1-77

وبغية المساهمة في تعزيز الإصرار على القيام بتدابير محددة سعت المنظمة إلى تركيز الانتباه على تحديين رئيسيين هما: دعم الإرادة السياسية وتعبئة الموارد لمكافحة الجوع.

(1) الإطار الاستراتيجي للمنظمة خلال الفترة 2000-2015، المنظمة، روما، 1999.

(2) إعلان روما بشأن الأمن الغذائي العالمي وخطة عمل مؤتمر القمة العالمي للأغذية، المنظمة، روما، 1997.

(3) القضايا الأخلاقية في الأغذية والزراعة، سلسلة المبادئ الأخلاقية، المنظمة، روما، 2001.

(4) أنظر الحاشية رقم 1.

(5) تقرير » حالة الأغذية والزراعة لعام 2000 « (الفصل الخاص بالصراعات والزراعة والأمن الغذائي)، المنظمة، روما، 2000.

(6) المليار = 1000 مليون.

(7) لجنة الزراعة (الدورة السادسة عشرة) » الحد من تعرض الزراعة للكوارث ذات الصلة بالعواصف « ، المنظمة، روما، 2001.

(8) ورد تلخيص لدراسة الحالة عن هندوراس في التقرير المشترك بين المنظمة ووزارة التنمية الدولية بالمملكة المتحدة عن الاجتماع الذي عقد في بونتينانو، إيطاليا في الفترة 7-11 مارس/ آذار 2001، وعنوانه: Proceedings from the Forum on Operationalizing Sustainable Livelihoods Approaches.

(9) » القضاء على انعدام الأمن الغذائي في القرن الأفريقي- استراتيجية لعمل الحكومات ووكالات الأمم المتحدة « . موجز تقرير فريق المهمات المشترك بين الوكالات بشأن استجابة الأمم المتحدة للأمن الغذائي طويل الأجل والتنمية الزراعية والجوانب المتصلة بذلك في القرن الأفريقي. المنظمة، روما، 2000.

(10) لجنة الزراعة (الدورة السادسة عشرة) تقرير عن سير العمل في تنفيذ جدول أعمال القرن 21: المعالم البارزة لمساهمة المنظمة، روما،2001.

(11) زاد حجم التجارة الدولية في الحبوب من زهاء30 مليون طن قبل الحرب العالمية الثانية، إلى 225 مليون طن سنويا في الوقت الحاضر.

(12) أنظر FAO. 2000. Agriculture towards 2015/30. Rome

(13) لجنة الزراعة( الدورة السادسة عشرة ) تقرير جماعة العمل المشتركة بين المصالح المعنية بالزراعة العضوية، المنظمة، روما،2001.

(14) لجنة الزراعة (الدورة الخامسة عشرة) » التكنولوجيا الحيوية « المنظمة، روما، 1999. عملت المنظمة بنشاط، من خلال القسم المشترك مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، في استحداث طرق التوصيف الجزيئي لتحسين المحاصيل، وفي الترويج لاستخدام الاختيارات الجديدة لتشخيص الأمراض الحيوانية (الطاعون البقري والحمى القلاعية).

(15) أنظر، على الأخص، » الكائنات المحورة وراثيا: المستهلكون وسلامة الغذية والبيئة « ، العدد 2 من سلسلة المبادئ الأخلاقية، المنظمة، روما، 2001.

(16) لجنة الزراعة (الدورة السادسة عشرة) تقرير جماعة العمل المشتركة بين المصالح المعنية بالتكنولوجيا الحيوية، المنظمة، روما،2001.

(17) منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، » السياسات الزراعية في بلدان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية: الرصد والتقييم « باريس،2001.

(18) أنظر IMF Survey, Vol. 30, No. 8, April 2001, quoting the IMF Managing Director's address to the Bundestag in Berlin: It is political an economic madness for OECD countries to spend 360$ billion a year on agricultural subsidies while poverty rages in developing countries, especially in the rural and the farming regions.

(19) أنظر FAO. 2001. Towards making the Marrakech Decision more operationally effective. Rome.

(20) أنظر EU. 2000. La Politique de Développement de Ia Communauté Européenne. Brussels.

(21) من أجل مراجع شاملة لتأثير قضايا العولمة وتحرير التجارة على أقل البلدان نموا، أنظر UNCTAD. 2000. The ,Least Developed Countries 2000 Report. New York and Geneva.

(22) أشير كذلك إلى مبادرة الولايات المتحدة لتنمية أفريقيا وإنعاشها، وهي جزء من قانون التجارة والتنمية الأمريكي لعام 2000، الذي ستستفيد منه أقل البلدان نموا في أفريقيا.

(23) الأمم المتحدة، 2000، إعلان الألفية، القرار رقم 55 / 2 الذي أقرته الجمعية العامة عام 2000، نيويورك.

(24) اللجنة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية (الدورة العشرون) التعليق العام رقم 12 ( (E/C. 12/1999/5 ، الحق في الغذاء الكافي (المادة 11)، 12 / 5 / 1999 ، الفقرتان 6 و8 على وجه الخصوص.

(25) لدراسة القضايا المتعلقة بالحق في الغذاء بصورة أكمل، أنظر الفصل الثاني من هذا التقرير.

(26) سلسلة المبادئ الأخلاقية، العددان 1 و2 على التوالي، المنظمة، روما 2001.

(27) » تقرير فريق الخبراء البارزين المعنى بمبادئ الأخلاق في الأغذية والزراعة « ، الدورة الأولى، 26-28 / 9 / 2000 ، المنظمة، روما،2001.

 

الصفحة السابقةاعلى هذه الصفحةالصفحة المقبلة