الصفحة السابقةالمحتوياتالصفحة المقبلة

فيروس نقص المناعة البشرية/متلازمة نقص المناعة المكتسبة (الإيدز):

أزمة لم يسبق لها مثيل

فى حين أن وباء الإيدز مازال يعتبرويعامل أسا سا على أنه قضية صحية، فإن تأثيره على حالة الأغذية أصبح يشكل أولوية متقدمة بالنسبة للملايين من الأسر والمجتمعات المحلية والمناطق الكاملة التي دمرها هذا المرض والموت الناجم عنه.

وتفيد التقديرات الآن بأن 36 مليون نسمة في مختلف أنحاء العالم مصابون بفيروس نقص المناعة البشرية، وأن 95 في المائة من هؤلاء يعيشون في البلدان النامية. إذا افترض أن كل حالة من حالات المرض هذه تؤثر بصورة مباشرة في حياة أربعة أفراد آخرين، فإن هناك ما مجموعه أكثرمن 150 مليون نسمة يتأثرون في الوقت الحاضربهذا المرض. وقد شهد عام 2000 ظهور 5.3 مليون حالة إصابة جديدة بفيروس نقص المناعة البشرية في مختلف أنحاء العالم في حين مات ما يقرب من 3 ملايين نسمة نتيجة للإصابة بالمرض. ومن الأمور المأساوية أن هذا المرض مازال ينتشر في مختلف أنحاء العالم. فالهند وجنوب أفريقيا، حيث يوجد في كل منهما أكثر من أربعة ملايين نسمة مصابين، يضمان أكبر تجمع سكاني يعايش هذا المرض. وعلى الصعيد الإقليمي، فإن أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى تشهد أكبر حجم للإصابة بهذا الوباء، حيث يوجد أكثرمن 25 مليون نسمة مصابون بنقص المناعة البشرية/ متلازمة نقص المناعة المكتسبة. والإناث، بالنظر إلى عوامل بيولوجية وإجتماعية، أكثر عرضة للإصابة بهذا المرض من الذكور وخاصة في فترة المراهقة والشباب. ففي كثير من المناطق، يزيد معدل الإصابة بفيروس نقص المناعة البشرية في الشابات بنحو ثلاثة إلى خمسة مرات عن الإصابة بين الشباب.

ويتقدم الوباء بسرعة مخيفة. فالجنوب الأفريقي، حيث تبلغ معدلات المرض أعلى مستوياتها، يعطي لمحة عن الأمور التي يمكن أن تحدث في الأقاليم الأخرى ما لم تتخذ تدابير وقائية فعالة. ففي بتسوانا، مثلا، كان أقل من 1 في المائة من البالغين مصابا بهذا المرض في 1984 إلا أن هذه النسبة قفزت إلى 35 في المائة في عام 2000. ويضرب هذا المرض عادة أكثر أفراد المجتمع إنتاجا، مما يترك آثارا شديدة على

الزراعة فضلا عن جميع جوانب التنمية الاجتماعية والاقتصادية الأخرى. وقد يصاب بهذا المرض الأغنياء والفقراء على حد سواء إلا أن الفقراء هم الأكثر عرضة لتأثيرات هذا المرض. ففيروس نقص المناعة البشرية/ متلازمة نقص المناعة المكتسبة يطيل الفقر ويعمق جذوره بمرور الوقت، وينزع من الأسر الأصول التي تحتفظ بها، ويستنفد كامل رأس المال البشري والاجتماعي لديها. وتعني هذه الخصائص أن المرض يقوض في نفس الوقت كلا من إنتاج الأغذية وفرص الحصول إقتصاديا عليها مما يوجه ضربة مزدوجة إلى الأمن الغذائي.

تأثيرالمرض على الأمن الغذائي والتغذية

تظهر التأثيرات على الأمن الغذائي والتغذية على النحو التالي:

... على مستوى الأسرة

يبدأ الانحدار في مستوى الأسر المصابة بهذا المرض، عادة بمجرد سقوط أول بالغ ضحية له. إذ يؤدي ذلك إلى انخفاض القدرة على القيام بالأعمال الخاصة بإنتاج الأغذية وتصنيعها وزيادة الوقت والأموال التي تنفق على الرعاية الصحية مما يؤدي إلى تأثيرات سلبية أخرى على النشاطات ذات الصلة بالأغذية. وقد يضطر الأطفال إلى التوقف عن الدراسة نتيجة لحاجة الأسرة إلى مساعداتهم، وعدم قدرتها على سداد رسوم الدراسة. وعندما يموت البالغ الأول، تضاف خسائر أخرى لتغطية مصاريف الجنازة ولتعرض قدرة الأسرة الإنتاجية لأضرار دائمة. وقد تؤدي الممارسات الاجتماعية الثقافية إلى زيادة تفاقم مشكلات الأسرة مثلا عندما لا تستطيع الزوجة أن تحتفظ بحق الحصول على الأراضي التي كانت لزوجها المتوفي. ويمكن أن يؤدي عدم المساواة بين الجنسين، وهو قوة دافعة وراء انتشار الإيدز، إلى زيادة حرمان النساء في المجتمعات المصابة بهذا المرض. وخلال المرحلة التالية، قد يصاب شريك البالغ الأول بنفس المرض ومن ثم تتزايد المشكلات حدة وتتجمع وتتسارع دوامة الانحدار. وقد تجد الأسرة نفسها دون احتياطي نقدي وتتراكم عليها الديون، وتضطر إلى بيع حيواناتها وغير ذلك من الموارد الإنتاجية. وتنزلق الأسرة إلى العجز والفقر. وتستنفد النظم التقليدية للدعم المتبادل وسائلها، حيث يصبح الأقارب عاجزين عن رعاية أطفال الآباء الذين ماتوا. وفى نهاية الأمر تنتهى الأسرة إلى أن تصبح مجرد عجائز وأطفال يعانون الفقر.

ويشكل سوء التغذية والمرض، بالنسبة للفقير المصاب دائرة مفرغة. فعدم كفاية النظام الغذائي يزيد من مخاطر الإصابة الثانية ويسرع بتقدم المرض. ويفدي ذلك بدوره لمزيد من التدهور في الحالة التغذوية. وعلى العكس من ذلك فإن النظم الغذائية الأكثر سلامة وتوازنا التي يتمتع بها عادة السكان الأثرياء تساعدهم في مقاومة المرض والمحافظة على قدر من نوعية الحياة وبعد الإصابة بفيروس نقص المناعة البشرية، تتأخر بداية الإيدز والإصابات الثانوية الأخرى في الأفراد الذين يتمتعون بحالة تغذوية جيدة.

... على مستوى المجتمح المحلي : هناك أشكال عدة يؤثر بها فيروس نقص المناعة البشرية/ متلازمة نقص المناعة المكتسبة في الإنتاج الزراعي والغذائي على مستوى المجتمع المحلي. وأول وأوضح هذه الأشكال هو الخسائر التي تلحق بقوى العمل. وتشير تقديرات منظمة الأغذية والزراعة إلى أن 7 ملايين عامل زراعي، في البلدان الخمسة والعشرين الأكثر تضررا في أفريقيا، قد فقدوا أرواحهم نتيجة للإصابة بالإيدز منذ عام 1985، وقد يقضي هذا المرض على 16 مليون آخرين خلال العقدين القادمين. ويتوقع أن تتقلص اليد العاملة بما يتراوح بين 10 و 26 في المائة في البلدان العشرة الأشد إصابة بهذا الوباء.

وقد تضررت الزراعة التجارية بنفس القدر الذي أصاب الزراعة المعيشية صغيرة النطاق، حيث أن العمال المهاجرين من بين الفئات المعرضة بصورة خاصة للإصابة بهذا المرض. وقد تصبح اليد العاملة الضرورية لنزع الأعشاب والحصاد نادرة. كذلك فإن مرض العاملين ووفاتهم يزيد من التكاليف الاجتماعية والصحية التي تتحملها المنشآت التجارية التي قد تفقد العمال المهرة والمحنكين نتيجة لذلك. وقد تنخفض الإنتاجية والقوة التنافسية نتيجة لانخفاض فرص العمل والتأثيرات المتوالية الشديدة على الأعمال التجارية الأخرى مثل موردى المدخلات.

وكما أن منتجي الأغذية ومصنعيها يتضررون، فإن نفس الشىء يحدث للمؤسسات التي تدعمهم. فخدمات البحوث الزراعية والإرشاد تتوقف هي الأخرى مثلها مثل الخدمات الصحية والتعليمية نتيجة لمرض موظفيها أو وفاتهم. كذلك فإن توفير الرعاية لأفراد الأسرة المرضى، وحضور الجنازات ومراعاة فترات الحداد كلها عوامل تقلل أيضا من الوقت المنتج للموظفين.

وعندما يتضرر الكثير من الأسر في المجتمع المحلي من الإيدز، تصاب بالعجز آليات السلامة التقليدية التي تتولى رعاية اليتامى وكبار السن والعجزة ومن يعانون الفقر الشديد وقد تنهار كلية. ولا يتوافر لدى الناس الوقت أو المال لتخصيصهما للمنظمات الأهلية. كذلك فإن فقد البالغين النشطاء بصورة واسعة النطاق يؤدي إلى توقف آليات نقل المعارف والقيم والمعتقدات من جيل لآخر. وتختفي المهارات الزراعية نظرا لأن الأطفال لن يتمكنوا من مراقبة أبائهم وهم يعملون. ففي كينيا، على سبيل المثال، ذكرت التقارير أن 7 في المائة فقط من الأسر التي يرأسها يتامى لديها معارف كافية عن أساليب الزراعة. وقد تلحق جميع هذه المشكلات أضرارا دائمة بقدرة المجتمع المحلي على إنتاج الأغذية أو شرائها.

... على مستولى البلد: تتجمع التأثيرات على الأسر وعلى المجتمع المحلي بالتدريج حتى يصل الأمر إلى تأثر حياة الأمة بأكملها بهذا المرض. فالبلد يفقد كبار صانعي القرار والموظفين المهنيين ذوي المهارات. وفي البلدان التي ترتفع فيها معدلات الإصابة بهذا المرض، يفقد الكثير من إدارات الحكومة المركزية القدرة على تأخير الخدمات حسبما كان مقررا. ويؤدي تزايد الأعباء على ميزانيات الصحة الحكومية إلى تحويل الأموال بعيدا عن الاستثمارات الإنتاجية مثل الخدمات الزراعية وا لمدخلات والقروض.

وتنخفض الإمدادات الغذائية في البلاد مما يؤدي إلى زيادة أسعار الأغذية، الأمر الذي يضر بالفقراء أكثرمن غيرهم. وقد يؤدي انهيار الأعمال التجارية إلى تقويض قدرة البلد على التصدير، ومن ثم اكتساب عائدات من النقد الأجنبي وفرص عمل جديدة مما يؤثر أيضا على قدرة الفقراء في الحصول على الأغذية.

مطلوب اتخاذ إجراءات عاجلة

يمثل مرض الإيدز تحديا إنسانيا وإنمائيا رهيبا. ومع ذلك فإن الخبرات المستمدة من العديد من البلدان تبين أن من الممكن مواجهة هذا التحدي والقضاء على هذا الوباء. فعلى سبيل المثال/ بلغت الإصابة ذروتها في أوغندا في أوائل السبعينات حيث وصلت إلى ما يقدر بنحو 15 في المائة من مجموع السكان. وبعد ذلك بعشر سنوات، انخفضت مستويات الإصابة إلى النصف بعد تطبيق استراتيجية للوقاية حظيت بدرجة عالية من الإلتزام السياسي والمشاركة العريضة من جانب أصحاب الشأن. كذلك انخفضت معدلات الإصابة المتوقعة في تايلند عام 2000 إلى 9،0 مليون نسمة بعد المستوى البالغ 4. 1 مليون نسمة الذي كان متوقعا عام 1994.

وتبين هذه النجاحات أن المجتمع ليس عاجزا عن التخلص من هذا الوباء وأن بعض البلدان قد أصبح لديه دروسا يمكن أن يلقنها عن المناهج والحلول التي تحقق النجاح. وتتطلب عملية التعامل مع الوباء منهجا متكاملا يجمع بين الاستراتيجيات الوقائية والتخفيف من الإصابة:

الإفلات بصعوبة

تربت "مولينجا" وترعرعت في مدينة ريفية صغيرة في زامبيا. وكان والدها تاجرا يبيع المدخلات للمزارعين في القرى المجاورة وكانت أمها تعمل ممرضة في مستشفى المنطقة. ولم يكن والدا "مولينجا" متزوجين ولكنهـما عاشا معا عدة سنين. وعندما نقلت أمها إلى مستشفى يبعد مئات الكيلومترات عن هذه المدينة، تعرضت علاقاتهما لبعض الضغوط ، وبعد فترة قصيرة انفصلا. وبمرور الوقت. أقام كلا الوالدين سلسلة من العلاقات العارضة. وكان ذلك في أواخر الثمانينات عندما لم يكن أحد يسمع بعد عن فيروس نقص المناعة البشرية. وكانت "مولينجا" مازالت صغيرة؛ وعندما تركتها والدتها بقيت مع والدها الذي كان يرعاها قدر استطاعته.

كانت "مولينجا" ذكية ومتفوقة في الدراسة. وعندما بلغت نحو الثالثة عشرة استطاع والدها. بدخله الهزيل الذي كان يحصل عليه من متجره، إرسالها إلى مدرسة ثانوية. وكان ذلك في الوقت الذي بدأت صحته قي الإنهيار. وقد أصابه الهزال وكثيرا ما كان يقع فريسة للمرض. ولم تكن أم "مولينجا" في حالة صحية جيدة هي الأخرى منذ بعض الوقت ولكنها لم تستطع أن تراها بصورة منتظمة حيث كان السفر إليها باهظ التكلفة. وازداد الأمر سوءا، خاصة وإن صحة والدها الآن قد أصيحت تمنعه من العمل، وسرعان ما أصبحت مصاريف الدراسة بعيدة عن متناول اليد. ولم تكن "مولينجا" قد جاوزت الرابعة عشرة إلا بقليل عندما تلقت رسالة تفيد بأن والدتها قد ماتت فأصابها النبأ بصدمة مروعة، وكذلك فعلت الصدمة بأبيها الذي كان قد بدأ في إنفاق المبلغ الصغير من المال المتبق لديه في احتساء الخمر. غير أنه بات يدرك منذ بعض الوقت أن ما يحدث له هو بالضبط ما حدث لوالدة، "مولينجا"

ولم يكد يمر عام على وفاة والدة "مولينجا" حتى لحق بها والدها نتيجة للإصابة بالإيدز. أدت المشروبات الكحولية إلى الإسراع بتدهور حالته الصحية. ففقد شهيته وسقط صريعا للمرض الشديد. ونظرا لأنه أصبح عاجزا عن العمل، اضطر إلى إغلاق متجره وبيع مبناه.

وأصبحت "مولينجا" مسؤولة الآن عن نفسها. وعندما وصلت إلى سن الخامسة عشرة أصبحت طبقا للعرف المحلي، كبيرة ويفترض أن تكون قادرة على رعاية نفسها. وجاء أقارب والدها إلى الجنازة وآخذوا كل ممتلكاته. وتركت بدون أي شيء باستثناء وعد بأنها تستطيع أن تبقى بعض الوقت في كوخ صغير في الفناء الخلفي لمنزل أحد اصدقاء والدها. وكان شاغلها اليومي هو طريقة تدبيرمعيشتها، فعند ما أصبح والدها في حالة مرضية شديدة وعاجزا عن النهوض من سريره على الإطلاق توقفت عن الدراسة تماما لرعايته وأصبحت تقوم ببعض الأعمال البسيطة لتدبير معيشتها، إلا أن نقص مستواها التعليمي كان يعني أن فرصتها في الحياة أصبحت محدودة وكثيرا ما راودها الرجال عن نفسها فكانت تستجيب أملا في الحصول على مأوى أو وظيفة. ونظرا لأنها كانت صغيرة وليس لها تجارب، سقطت في براثنهم. وكانت تعرف عن مخاطر اللإصابة بالإيدز ولكنها فقدت كل أمل وشعرت بالعجز عن تغيير ما يحدث لها. ولم تكن ترى أي طريق آخر لتدبير أمورها.

كانت الظروف قاسية على الجميع. وعندما أدركت "مولينجا" أن العثور على عمل ثابت بعيد الإحتمال، بدأت تلتقي بالمسافرين الذين كانوا يبقون في المدينة. كانت تقابلهم ليلا في الحانات المحلية ثم تمضي الليل معهم لقاء قدر ضئيل من المال يكفي لمجرد البقاء. وحكى البنات الأكبر سنا عن سفرهن إلى العاصمة حيث يكسبن قدر أكبرمن المال. كان ذلك واضحا عليهن وإن كن في حالة صحية ليست مطمئنة.

وبحثا عن قبس من أمل. انضمت"مولينجا" إلى مجموعة من الشباب كانت قد تشكلت مؤخرا وحصلت على دعم من منظمة إنمائية محلية. وكان أعضاء المجموعة يتقابلون كل أسبوع متحدثون عن حياتهم ومشكلاتهم وآمالهم. وهناك استمعت إلى قصص عن أناس آخرين مروا بنفس المتاعب التي مرت بها. ومن خلال مناقشاتهم، تعلمت "مولينجا" أن هناك وسائل أخرى لمواجهة الموقف. وقررت أن تنضم إلى دورة تدريبية كانت قد عرضت على المجموعة. وما أن تخرجت، اعتزمت التقدم للحصول على قدر صغير من المال لإعادة فتح المتجر الذي كان يديره والدها. فمنذ إغلاق هذا المتجر. كان المزارعين من القرى المجاورة يضطرون إلى إنفاق المزيد من الوقت والمال للسفر إلى المدينة للحصول على المستلزمات التي يحتاجون إليها، مما اضطر بعضهم إلى أن يهجر أرضه. أما "مولينجا" فقد وجدت، من خلال مجموعة الشباب، فرصه لبدء حياتها من جديد.

 

الصفحة السابقةاعلى هذه الصفحةالصفحة المقبلة