الصفحة السابقةالمحتوياتالصفحة المقبلة

توفير مياه الشرب النظيفة للجميع

الحصول بسهولة على المياه النظيفة لمجموعة من الاستخدامات المنزلية وخاصة الشرب والغسيل والطهي يعتبر عنصرا أساسيا للصحة الجيدة والأمن الغذائي. وتكتسي هذه العملية أهمية بالنسبة للتنمية الاقتصادية الشاملة. ويجري العمل باطراد على الوصول بالمياه النظيفة إلى سكان الريف والحضر وإن كان الشوط مازال بعيدا.

ومازالت النساء في المناطق الريفية في أفريقيا وآسيا يقطعن مسافات طويلة تصل في المتوسط إلى 7 كيلومترات إلى أقرب مصدر للمياه. ويمكن الاستفادة من هذا الوقت في نشاطات أكثر إنتاجا أو ربحية مثل إنتاج المحاصيل أو الثروة الحيوانية. فمصدر المياه الوحيد لهؤلاء السكان في كثير من الأحيان عبارة عن بركة موسمية راكدة أو نهر ملوث أو بئر سيئة الصيانة. وكثيرا ما تكون هذه المصادر ملوثة بالجراثيم- كالبكتريا والطفيليات والفيروسات- التي يمكن أن تتسبب في حدوث الإسهال. والإسهال مظهر رئيسي من مظاهر الإصابات المعوية، ويشكل أداة القتل الرئيسية للأطفال الصغار في معطم البلدان النامية. والإسهال يقوض الأمن الغذائي بصورة مباشرة من خلال منع الجسم من امتصاص المغذيات وبصورة غير مباشرة من خلال أضعاف قدرة السكان على العمل وزيادة الوقت والمال اللذين ينفقان على الرعاية الصحية.

والمياه الملوثة ليست العامل الوحيد المشارك في حدوث الإسهال. فعدم كفاية أساليب الصحة العامة والنظافة يضطلع أيضا بدور مهم في هذا السياق. ولاشك في أن وضع استراتيجية شاملة للتغلب على هذه المشكلات المترابطة الثلاث ينطوي على إمكانيات ضخمة في الحد من أعباء المرض ومن ثم المساهمة في تحقيق الأمن الغذائي في العالم النامي. وتتمثل العناصر الأساسية لهذه الاستراتيجية في توصيل المياه بكميات أكبر ونوعية أفضل وإدخال دورات المياه الصحية المصممة بطريقة ملائمة جنبا إلى جنب مع برامج التوعية الملحية النشطة والمستمرة على مستوى المجتمع المحلي.

تركيبة نقص التغذية والإسهال

يمكن وصف العلاقة بين نقص التغذية والإسهال، وصفا دقيقا، بأنها دائرة مفرغة: فنقص التغذية يوهن الأطفال ويزيد من تعرضهم للإصابات المعوية وشدة هذه الإصابات ومدتها. أما الإصابة بالمرض، فتقوض الحالة التغذوية والمناعية لعائليها من خلال نقص الشهية وانخفاض المتحصلات الغذائية مما يؤدي إلى خفض امتصاص الأمعاء للمغذيات الكبيرة والدقيقة.

ويرجع الكثيرمن حالات الوفيات الناجمة عن الإسهال لنوع واحد من البكتيريا هو شيجللا الدوسنتاريا. فالأطفال المصابون ببكتريا الشيجللا يعانون دائما إسهالا دمويا شديدا. وتحدت عمليات نقل الجراثيم المسببة للإسهال بما في ذلك الشيجللا عن طرقي الفم. فالجراثيم تمر من جسم الشخص المصاب في البراز ثم تدخل بعد ذلك في جسم الأشخاص غير المصابين من خلال الفم سواء عن طريق المياه التي يشربونها أو عن طرقي استهلاك الأغذية الملوثة بالأيدي القذرة أو من خلال التنظيف أو الطهي بالمياه القذرة. ولذا فإن المياه تمثل صلة رئيسية في سلسلة نقل الكائنات التي تتسبب في الإسهال.

حجم المشكلة

تعتبر سلسلة نقص التغذية والإسهال من بين الأسباب الرئيسية للمرض والوفاة بين الأطفال في البلدان النامية. فنحو 70 في المائة مما يقرب من 12 مليون طفل دون الخامسة ماتوا في عام 1995 كان مصابا بمرض أو أكثرمن الأمراض الخمسة التالية: الملاريا، الحصبة، إصابات الجهاز التنفسى الحادة نقص التغذية والإسهال.

وترتفع معدلات الوفيات بين الأطفال من ناقصي الأغذية الذين يعانون الإصابة بالإسهال بدرجة كبيرة عن نظرائهم الذين يتمتعون بوضع غذائي أفضل.

ويتضمن الإطار التالي بعض الإحصاءات التي تبين الصلة بين الإسهال والوفيات والحصول على المياه النظيفة والمعدات الصحية. وتقدم هذه الإحصاءات نظرة متشائمة. فعلى الرغم مما يقرب من نصف قرن من الجهود الإنمائية المكثفة التي اضطلع بها المجتمع الدولي، فإن اجتماع النمو السكاني وتعمق جذور الفقر في بعض الأقاليم يعني أن التحديات مازالت بعيدة عن الحل.

تصميم التدخلات

هناك تحسينات كبيرة يمكن إدخالها لتحسين الأمن الغذائي عن طريق تحسين فرص الحصول على إمدادات المياه وتوفير المرافق الصحية. ولابد من أن يكون الهدف من هذه التدخلات هو ضمان إمدادات المياه النظيفة الكافية طوال العام على مسافات يمكن قطعها سيرا على الأقدام بسهولة. غيرأن ضمان فعالية هذا المرفق الأساسي يتطلب ممارسات كافية في النواحي الصحية والنطافة الشخصية سواء على مستوى الأسرة أو المجتمع المحلي. وينبغي أن تستهدف التدخلات الفقراء نظرا لأنهم يتحملون أكبر العبء الناجم عن الأمراض ذات الصلة بالمياه. وينبغي أن يكون التركيز على كل من المجتمعات الحضرية والريفية معا وإن كانت المناطق الحضرية هي التي يوجد بها أكبر عدد من السكان الذين يعانون عواقب المياه غير النظيفة وعدم كفاية المرافق الصحية، فضلا عن كونهم الأسرع نموا. وينبغي تطبيق منهج شامل يعالج الأسباب الكامنة وراء انعدام الأمن الغذائي الناجم عن الإسهال. ويمكن أن يستكمل ذلك باستخدام العلاج المضاد للجفاف عن طريق الفم، والذي أثبت فعاليته الشديدة في علاج الأطفال الذين يعانون الإسهال والذي يمكن توفيره بسهولة في المجتمع المحلي بتكلفة منخفضة. ورغم أن علاج الجفاف عن طريق الفم ينقذ الأرواح إلا أنه لا يحول دون إصابة الأطفال من جديد بهذا المرض. ويمكن توفير المياه العذبة النظيفة بالطريقتين الرئيسيتين التاليتين:

ويعتمد الخياران على وجود إمدادات زاخرة من المياه الجوفية العذبة والنظيفة، وهي المياه التي لا ينبغي الإفراط في ضخها حتى يمكن الاحتفاظ بهذه الإمدادات.

ويعتبربناء دورات المياه الأسرية النظيفة واستخدامها بصورة ملائمة أمرا مهما يمكن أن يقلل من مخاطر الإسهال. وينبغي إقامة دورات المياه على مسافة لا تقل عن 15 مترا عن المناطق التي يقطنها السكان وبعيدة عن أي إمدادات للمياه مثل الينابيع والمجاري والبرك أو الآبار. كما ينبغى تغطية مداخل هذه الدورات وفتحاتها بصورة محكمة لتجنب تحولها إلى أماكن لتكاثر الذباب وغير ذلك من حاملات المرض.

وعلاوة على توفير مياه الشرب النظيفة ودورات المياه فإن العامل الرئيسي للحد من الإسهال هو إحداث تغييرات في السلوك. فإن مجرد مسألة غسل الأيدي بالماء والصابون قبيل الوجبات وبعد استخدام دورات المياه يمكن أن يقلل من حالات العدوى بمقدار الثلث. وتشمل أساليب النظافة الجيدة الأخرى، التي يتعين الترويج لها على نطاق واسع، غلى المياه المستخدمة في الطهي أو الغسيل و/ أو إضافة الكلور إليها. والرضاعة الطبيعية بدلا من التغذية عن طريق الزجاجات تعد أمرا مهما، ويمكن إدخال الأغذية التكميلية السليمة والمغذية في الوقت الملائم. وقد أثبتت التجربة أن جميع هذه الممارسات يمكن نشرها من خلال حملات التوعية العامة، إلا أنه يتعين تكرار هذه الحملات بين فترة وأخرى حتى لا تتبدد تأثيراتها بمرور الوقت.

الاستثمار في نظم إمدادات المياه

ولقد أمكن تعلم الكثيرمن تجارب توفير إمدادات المياه على مستوى المجتمع المحلي. وفي ما يلي بعض المبادئ الرئيسية لضمان فعالية برامج المياه في الريف واستدامتها:

. ينبغي أن يكون تنفيذ البرنامج على أسس تشاركية. فإشراك المجتمع المحلي بأكمله يعتبر عنصرا أساسيا لضمان حصول المؤسسات، مثل لجان المياه القروية، على دعم واسع النطاق. ومن ثم، تحقيق الاستدامة لأي برنامج. وقد أثبتت التجربة أن الناس مستعدون لاحترام القواعد والممارسات البسيطة المتعلقة بالاستخدام السليم لنقاط المياه في القرى بشرط إشراكهم بصورة فعالة أولا في صياغة التدخلات ثم في تقييم فعاليتها.

. لجان المياه القروية التي يتم تشكلها ودعمها من خلال حملات إثارة الوعي العام تعتبر أدوات فعالة في ضمان المحافظة على المضخات وإصلاحها واستبدالها في نهاية المطاف. ويمكن تحمل تكاليف ذلك من خلال أموال تديرها إحدى اللجان ويساهم فيها جميع مستخدمي المياه. ولابد أن يدرك القرويون أهمية الاحتفاظ بمساهماتهم في هذا الحساب إلى أن يأتي اليوم الذي يتعين فيه استبدال المضخات.

. يتعين تدريب عمال الإصلاح المحليين وتزويدهم بالمعدات لصيانة المضخات بصورة منتظمة. ومن الضرورى توفير شبكة قطرية لموردي قطع الغيار لضمان الحصول بسهولة على هذه القطع عند الحاجة. ويمكن تحقيق هذين الشرطين بسهولة عندما يتم تركيب نماذج موحدة من المضخات بواسطة الجهات المصنعة لها وتعميمها على مستوى البلاد. فاستخدام النماذج الموحدة يشجع أيضا على تقاسم المعارف والخبرات بين القرى المتجاورة.

وفي الختام، فإن تنفيذ البرامج المتكاملة التي تجمع بين توفير مياه الشرب النظيفة مع إدخال مرافق الصحة العامة واتباع الأساليب الصحية في الحياة اليومية يمكن أن يحقق خفضا مستمرا في الإصابة بأمراض الإسهال وحالات الوفاة الناجمة عنها. ويمكن أن يؤدي التوسع في تطبيق هذه البرامج إلى الإسهام مساهمة كبيرة في الحد من أعداد ناقصي الأغذية في البلدان النأمية.

الصفحة السابقةاعلى هذه الصفحةالصفحة المقبلة