الصفحة المقبلةالمحتوياتالصفحة السابقة

3- ما هي حيازة الأراضي 

حيازة الأراضي

3-1     حيازة الأراضى هي العلاقة، المحكومة بالقانون أو العرف، بين الناس سواء كانوا أفرداً أو مجموعات، فيما يتعلق بالأراضي. (من أجل التسهيل تستخدم كلمة الأراضي هنا لتشمل بقية الموارد الطبيعية مثل المياه والأشجار). وحيازة الأراضي يمكن أن توصف بأنها مؤسسة، أي أنها قواعد استنبطتها المجتمعات لتنظيم سلوك معين. فقواعد الحيازة تحدد كيفية تخصيص حقوق الملكية داخل المجتمع. كما أنها تحدد كيفية منح حقوق الانتفاع بالأراضي والإشراف عليها ونقل تلك الحقوق، وتحدد ما يتصل بذلك من مسؤوليات وقيود. وبعبارة بسيطة فإن نظم حيازة الأراضي ثحدد من له حق الانتفاع بالموارد، ولأي مدة وبأي شروط. 

3-2     وحيازة الأراضي جزء مهم من الهياكل الاجتماعية والسياسية والاقتصادية. وهي متعددة الأبعاد إذ يدخل فيها الجوانب الاجتماعية والتقنية والاقتصاثية والمؤسسية والقانونية والسياسية التي كثيراً ما تكون موضع تجاهل والتي لا بد مع ذلك من أخذها في الاعتبار. وقد تكون علاقات حيازة الأراضي محددة تحديدا جيداً وقابلة للإنفاذ أمام المحاكم أو بواسطة الهياكل العرفية فى المجتمع. وعلى العكس من نلك، قد تكون هذه العلاقات غير محددة تحديداً واضحاً ويشوبها الغموض الذى يفتح الطريق للاستغلال. 

3-3     وعلى ذلك فإن حيازة الأراضي هي نسيج متشابك من المصالح. وهذه المصالح تشمل:

مصالح عليا: عندما يكون لسلطة السيادة (أى الأمة أو المجتمع) القدرة على تخصيص أو إعادة تخصيص الأراضى مثلاً بواسطة نزع الملكية. 

 مصالح متشابكة: عندما يكون لعدة أطراف حقوق مختلفة على نفس قطعة الأرض (أى أن يكون لأحد الأطراف حقوق الاستئجار، ويكون لآخر حق المرور... وغير ذلك.) 

مصالح متكاملة: عندما تكون لعدة أطراف نفس المصلحة على نفس قطعة الأرض (كأن يشترك أفراد مجتمع محلي فط حقوق الرعى بطريق المشاع... وغير ذلك.) 

3-4     وأنواع حيازة الأراضي هي:

حيازة خاصة: وفيها تكون الحقوق مقررة لطرف خاص قد يكون شخص فرداً أو زوجين أو مجموعة من الناس أو هيئة مثل كيان تجاري أو منظمة لا تهدف إلى الربح. فمثلا قد يكون لمختلف العائلات في مجتمع محلي ما حقوق حصرية على قطع أراضي إسكان وقطع أراضي زراعية وعلى بعض الأشجار. ويمكن استبعاد بقية أعضاء هذا المجتمع من استعمال هذه الموارد بدون موافقة أصحاب الحقوق عليها. 

حيازة مجتمعية شائعة: وفيها تكون الحقوق على المشاع داخل المجتمع أى أن كل فرد له حق استخدام حيازات المجتمع المحلي. فمثلاً قد يكون لأفراد المجتمع المحلي حق الرعي في المراعى الشائعة. 

حيازة مفتوحة: عندما لا تكون هناك حقوق محددة لأى شخص وفى الوقت نفسه لا يمكن استبعاد أي شخص. وهذا النوع يوجد على الأكثر في الحيازات البحرية حيث تكون أعالي البحار مفتوحة بصفة عامة للجميع ، كما قد يشمل هذا النوع أراضى الرعي والغابات حين تكون هناك حرية أمام الجميع في للحصول على الموارد. (هناك فارق مهم بين الحيازة للمفتوحة ونظم المشاع هي أن النظم الأخيرة تستبعد الخارجين عن للمجتمع المحلي من استعمال مساحات الحيازة الشائعة). 

حيازة الدولة: عندما تكون حقوق الملكية مقررة لجهة ما في القطاع العام. فمثلاً في بعض البلدان قد تكون أراضي الغابات واقعة تحت ولاية الدولة، سواء كان ذلك على مستوى الحكومة المركزية أو على مستوى الحكومات المحلية. 

3-5    ومن الناحية العملية قد تكون معظم أشكال الحيازات موجودة جنبا إلى جنب فى مجتمع ما، فمثلاً قد تكون حقوق الرعي على المشاع موجودة إلى جانب حيازات على أراضي إسكان وعلى أراضي زراعية، إلى جانب ملكية الدولة. والمعتاد أن تتضمن الحيازات العرفية حقوقاً على المشاع في الرعي وحقوقا خاصة حصرية على قطع الأراضي الزراعية والسكنية. وفي بعض البلدان تكون الحقوق العرفية   المعترف بها رسميا على هذه الأراضي مقررة للدولة أو لرئيس الدولة على "سبيل الأمانة" نيابة عن المواطنين. 

3-6     والحق الذي يتمتع به الشخص على أى شيء مثل الأرض يمكن أن يعتبر حق ملكية. وحق الملكية مفهوم واسع المدى يشمل مثلاً الملكية الفكرية. وفي حالة حيازة الأراضي يمكن أن يقال بصورة أدق إن المقصود هو الحقوق العقارية. وغالبا ما يكون هناك تمييز بين الملكية العينية" أي "ملكية العقارات "، و"الملكية الشخصية" أي "ملكية المنقولات ". وفى الحالة الأولى تشمل الملكية الأراضى والأجزاء الثابتة عليها التى يمكن اعتبارها من العقارات (مثل المباني والأشجار وغيرها). وأما فى الحالة الثانية فالملكية تنصب على أشياء لا تكون لاصقة بالأرض مثل الأبقار وغير ذلك. 

3-7     ومن الناحية العملية تكون هناك حقوق متعددة لعدة أشخاص أو مجموعات مختلفة. ومن هنا نشأ مفهوم "حزمة الحقوق". فمختلف الحقوق على نفس قطعة الأرض، مثل الحق فى بيعها أو الحق في الانتفاع بها بطريق التأجير، أو الحق في المرور عبر الأرض، يمكن أن ثسمى بأنها "أعواد فى الحزمة". فكل حق من هذه الحقوق قد يكون في يد طرف مختلف، فمثلاً، قد يشترك في حزمة الحقوق كل من المالك والمستأجر بموجب ترتيبات التأجير أو المشاركة في المحصول التي تسمح للمستأجر أو المشارك في المحصول بالانتفاع بالأرض وبشروط وأوضاع معينة. وقد تكون الإيجارات لمدة 999 عاماً أو مجرد اتفاقات موسمية غير رسمية فإذا كانت المزرعة مرهونة يكون للدائن حق من بين مجموعة الحقوق الموجودة في الحزمة ويسمح له باستعادة الجزء غير المدفوع من الدين وذلك ببيع الأرض المرهونة عند عدم سداد الدين. وقد يكون لمزارع مجاور حق من ضمن حقوق الحزمة يسمح له بمرور حيواناته عبر الأرض للوصول إلى الماء فى النهر. ويبين الإطار رقم 1 أمثلة من هذه الحقوق. 

3-8    وقد يكون من المفيد في بعض الحالات تبسيط عرض حقوق الملكية بالتفرقة بين: 

  حقوق الانتفاع :وهي حقوق استعمال الأرض في الرعي وفى زراعة محاصيل معيشية وفي جمع المنتجات الحرجية الصغيرة... وغير ذلك.

حقوق الإشراف : وهي حقوق اتخاذ القرارات عن كيفية استعمال الأرض بما فى ذلك تقرير المحاصيل التي تزرع، والنفع المالى الذي يعود من بيع المحاصيل وغير ذلك. 

الإطار رقم 1

أمثلة الحقوق

حقوق التصرف: وهي الحق في بيع الأرض أو رهنها، وتحويل الأرض إلى آخرين داخل المجتمع المحلى، أو نقل الأرض إلى الورثة بطريق الإرث، وإعادة تخصيص حقوق الانتفاع والإشراف. 

وفي كثير من الحالات لا يكون للفقراء إلا حقوق الانتفاع. فمثلا قد يكون للنساء حق استعمال جزء من الأرض لزراعة محاصيل من أجل إطعام العانلة في حين أن الزوج هو الذي يجني النفع من بيع أي محاصيل في السوق. وقد يكون هذا التبسيط مفيداً ولكن ينبغى أن يلاحظ أن الطريقة الفعلية المتبعة في الاستفادة من الحقوق العقارية وتوزيعها قد تكون طريقة شديدة التعقيد. 

3-9    وبصفة عامة، ثصنف الحقوق العقارية على أنها "حقوق بسند رسمي " أو "بغير سند رسمي ". وقد تكون هناك مشكلات نظرية في هذا المنهج لأن بعض الحقوق غير الرسمية قد تكون في الحقيقة رسمية ومضمونة في السياق الخاص بها. ورغم هذه المشكلات النظرية فإن التقسيم إلى حقوق رسمية وغير رسمية قد يكون مفيدا فى تحليل بعض الحالات. 

3-10     ويمكن النظر إلى الحقوق العقارية الرسمية على أنها تلك الحقوق المعترف بها اعترافاً صريحاً من جانب الدولة والتي تتمتع بحماية القانون. 

3-11    وأما الحقوق غير الرسمية فهي الحقوق التي لم تحصل على اعتزاف رسمي ولا حماية رسمية. وفي بعض الحالاث قد تكون هذه الحقوق غير مشروعة أي أنها تكون مخالفة تماماً للقانون. ومن الامثلة الواضحة تماماً حالة احتلال موقع بواسطة معتدين رغم وجود إنذار بالإخلاء. وفي كثير من البلدان تنشأ حيازات غير مشروعة بسبب وجود قوانين غير مناسبة. فمثلاً قد يحدد القانون الحد الأدنى لمساحة المزرعة في حين أنها قد تكون في الحقيقة أصغر بكثير بسبب التقسيم بين الورثة بصورة غير رسمية. كما أن الحقوق العقارية قد تكون غير مشروعة بسبب طريقة استعمالها، مثل تحويل الأراضي الزراعية إلى أغراض الإسكان بما يخالف القانون. 

3-12     وفي حالات أخرى قد تكون الملكية "خارج النطاق القانونى"، أي أنها تكون غير متفقة مع القانون وغير معترف بها من القانون. فالملكية العرفية في المجتمعات الريفية الاصلية في بعض البلدان تقع في هذه الفئة. وفى كثير من الحالات يكون هناك تمييز بين حقوق قانونية أى "معترف بها رسمياً"، وحقوق عرفية أو "حقوق تقليدية". وقد اصبح هذا التمييز غير واضح فى عدد من البلدان، وخصوصاً في أفريقيا، لأن هذه البلدان أصبحت تعترف اعترافا قانونياً رسمياً بالحفوق العرفية . 

3-13    وقد توجد الحقوق الرسمية وغير الرسمية على حيازة واحدة. فمثلاً في بلد يمنع تأجير الارض أو المشاركة في المحصول يكون الشخص الذى له حقوق الملكية المعترف بها قانوناً إلى قطعة الأرض قد يؤجرها، بالفعل، بصورة غير مشروعة لشخص لا يملك أرضاً. 

3-14    ومن هذه الأشكال المختلفة في حيازة الأراضي قد ينشأ نمط معقد من الحقوق والمصالح. فينشأ وضع معقد بوجه خاص عندما ثمنح الحقوق القانونية بطريقة لا تراعي الحقوق العرفية القانمة (مثل حقوق الزراعة والرعي). وهذا التعارض   بين الحقوق المعترف بها قانوناً (أي الموجودة بصفة رسمية وقانونية) والحقوق الموجودة بحكم الواقع غالباً ما يحدث في الأراضي الهامشية المجهدة التى ثستعمل في الزراعة البعلية أو في الرعي. وبالمثل فى المناطق التي تنشأ بها نزاعات يؤدى التصادم بين السكان المستقرين والسكان المشردين إلى شك كبير في معرفة من له، أو من يجب أن يكوق له الإشراف على هذه الحقوق. 

3-15     وقد يزداد تعقد طبقات هذا الوضع المعقد واحتمالات النزاع إذا كانت ملكية دولة قد أعلنت بحكم القانون وكانت الدولة قد منح ارضا أو أجرت أرضا دون التشاور مع أصحاب الحقوق العرفية (التي لا تعتبر حقوقاً مشروعة)، أو إذا انتقل إلى الأرض أشخاص احتلوها بدون سند قانوني، كما يظهر فى الشكل رقم 2.

الإدارة العقارية

3-16     المقصود بالإدارة العقارية هى طريقة تطبيق قواعد حيازة الاراضي في الحياة العملية. والإدارة العقارية، سواء كانت رسمية ام غير رسمية، تضم مجموعة واسعة من الثظم والعمليات المقصود منها إدارة ما يلي:

الحقوق العقارية : تخصيص الحقوق على الاراضي ، تحديد حدود قطع الاراضي التي تقع عليها الحقوق ، نقل الحقوق من طرف إلى آخر بطريق البيع او التأجير او الإعارة أو الهبة او الإرث ، الفصل فى النزاعات والحالات المشكوك فيها بشأن الحقوق وحدود قطع الأراضى.

تنطيم استخدامات الأراضي: تنظيم استخدامات الاراضي وإنفاذ هذه التنظيمات والفصل في نزاعات استخدامات الاراضي.

تثمين الأراضي وإخضاعها للضرائب: جمع الضرائب من خلال مختلف أشكال تثمين الأراضي وإخضاعها للضرائب والفصل فى النزاعات الخاصة بهذا المجال. 

3-17     المعلومات: المعلومات عن الأراضي وعن الناس وحقوقهم هي عنصر أساسي في الإدارة العقارية الكفؤة لأن الحقوق العقارية ليست شيئاً مادياً ولكن يجب تمثيلها بأى شكل ما. وفى النطاق القانوني الرسمي تكون المعلومات مسجلة في نظام السجل العقارى وتسحيل الأراضى سواء كانت حقوقاً لأفراد او لعائلات أو لمجتمعات محلية أو للدولة أو لمنظمات تجارية وغيرها. واما في نظام الحيازة العرفية فقد تكون المعلومات غير مكتوبة، ومحفوظة لدى المجتمع المحلي بواسطة الذاكرة الجماعية واللجوء إلى الشهود. وفي عدد من المجتمعات المحلية قد يكون تحت يد أصحابالحقوق غير الرسمية "أدلة غير رسمية" على الحقوق، مثل المستندات التى تقبلها المجتمعات المحلية ولكن لا تقبلها إدارات الدولة. 

3-18    عنصرالإنفاذ أو الحماية: وهو ضروري في الإدارة العقارية الكفؤة لأن الحقوق لا تكتسب قيمتها إلا إذا كان هناك نظام لإعمالها. وهذا العنصر يسمح للشخص الذى لديه حقوق معترفا" لها بالحصول على الحماية من أفعال الاخرين. والحماية توفرها الدولة أو المجتمع لأن هناك توافقاً في الرأى داخل المجتمع كما سيأتي وصفه في القسم الخاص "بأمن الحيازة " فيما بعد. ونطام حيازة الاراضي المستقر هو النطام الذى يسهل فيه التنبؤ بنتانج اعمال الحماية. ففي الوضع   القانوني الرسمي يمكن إعمال الحقوق باللجوء إلى المحاكم بمختلف درجاتها... وغير ذلك من الطرق. وأما في نظام الحيازة العرفي فيكون إعمال الحقوق بواسطة قادة المجتمع المحلي. وفي كلتا الحالتين يمكن أن تكون هناك آليات غير رسمية، مثل الضغط من المجتمع المحلي، تكفل الحصول من الاخرين على الاعتراف بالحقوق. والمؤكد أن الأشخاص الذين يعرفون حقوقهم والذين يعرفون كيف يدافعون عنها عند انتهاكها هم أقدر من غيرهم الذين لا تتوافر لديهم المعارف اللازمة . 

3-19    وتطبق الإدارة العقارية بواسطة مجموعات من الإجراءات لإدارة المعلومات عن الحقوق ولحمايتها :

 إجراءات الحقوق العقارية تشمل تحديد كيفية نقل الحقوق من طرف إلى طرف اخر بواسطة البيع أو التأجير أو  إعارة أو الهبة اوالميراث.

إجراءات تنظيم استخدامات الأراضي تشمل تحديدطرق تخطيط الرقابة  على استخدامات الاراضي وإنفاذ هذه الرقابة.

إجراءات تثمين الاراضي وفرض الضرائب عليها تشمل تحديه مناهج هذا التثمين وفرض الضرائب  . 

والإجراءات الكفؤة تسمح بإنهاء المعاملات بسرعة وبدون تكاليف كبيرة وبطريقة شفافة.  ولكن في أنحاء كثيرة من العالم تكون الإجراءات الرسمية في الإدارة العقارية طويلة وبيروقراطية وباهظة التكاليف وغير شفافة في كثير من الحالات ولا يمكن الاطلاع عليها من جانب سكان الريف وتستعمل عبارات وأشكالاً لغوية لا يفهمها الناس. وفي مثل هذه الحالات قد يكون ارتفاع تكاليف المعاملات سبباً في إجراء معاملات نقل الحقوق بشكل غير رسمي أو بدون تسجيل. 

3-20    وأخيراً تتطلب الإدارة العقارية اشخاصاً عاملين لتنفيذ الإجراءات. وفي نظم الحيازة العرفية قد يضطلع بالدور الرئيسي فى الإدارة العقارية قادة المجتمع المحلي التقليديون، فيخصصون الحقوف للناس ويفصلون في المنازعات. وأما في النطام الرسمي فإن وكالات الإدارة العقارية قد تشمل السجلات العقارية وعمليات مسح الاراضي والتخطيط الحضري والريفي وعمليات التثمين وفرض الضرانب، هذا إلى جانب الهيئات القضانية فإذا كانت الدولة قد اعترفتبالحيازة العرفية يبدأ ظهور روابط وظيفية بين أجهزة الإدارة العقارية الحكومية الأجهزة العرفية. 

3-21    وهناك تشجيع على إدخال نظام رسمي لإدارة الحقوق العقارية باعتباره شرطاً اولياً في التنمية الاقتصادية. ومن المنافع المتصورة في هذا النظام زيادة امن الحيازة وتحسين فرص الحصول على القروض مما يوفر الحوافز والقدرات للمزارعين على الاستثمار في إدخال تحسينات على الأراضي. كما ان الإدارة العقارية الرسمية تعتبر طريقة لتسهيل التعامل في السوق العقارية بحيث تستعمل الاراضي في "أحسن الاستعمالات واعلاها ربحاً". 

3-22    ولكن هناك من يعترض على ما تقدم على أساس أن مشروعات الاعتراف بالحقوق العقارية رسميا قد تكون مشروعات مشوبة بعيوب فى التصميم أو في التنفيذ مما يؤدي إلى تقليل أمن الحيازة وذلك بتركيز الحقوق على قطعة أرض ما في يد شخص واحد وتجاهل ادعاءات الآخرين، وخصوصاً النساء وسائر المجموعات الضعيفة الذيئ لديهم حقوق جزئية أو على المشاع. وبالمثل يقال إن الحصول على القروض قد لا يتحسن عند إدخال النظام الرسمي لان كثيراً من المصارف قد لا تقبل الاراضي الزراعية كضمان عند تقديم القروض. 

3-23    وعلى ذلك يقال إن تسجيل الحقوق العقارية لا يجب اللجوء إليه رسمياً إلا فى المناطق ذات الكثافة السكانية العالية، او إذا كانت نظم الحيازة التقليدية ونظم الفصل في المنازعات نظما غير قادرة أو غير موجودة، أو عند حدوث اضطرابات كبيرة في الحيازات العقارية العرفية. ولكن حتى إذا لم تكن هذه الظروف قائمة فإن هناك اهتماماً متزايداً فى بلدان كثيرة بالاعتراف رسميا بحقوق المجتمعات المحلية لحمايتها من التعدى من جانب آخرين من خارج تلك المجتمعات (من جانب عمليات التجارة الزراعية أو حتى من جانب الدولة نفسها). وفي هذه الحالات ترسم حدود المجتمعات المحلية وثسجل سندات الاراضي باسم المجتمع المحلي. وبعد ذلك يترك للمجتمع المحلي نفسه تنظيم الإدارة العقارية الخاصة به، بما في ذلك تخصيص الحقوق العقارية داخل حدوده. 

 3-24    وفي كثير من البلدان يتعايش نظام الإدارة العقارية الرسمي إلى جانب النظام غير الرسمي عندما لا تكون السجلات الرسمية بديلا للحقوق العقارية او عند بداية تطبيق نظام الحقوق غير الرسمية. ويمكن ان ينشأ تنازع بين الحقوق العقارية المقررة بحكم القانون وتلك الموجودة بحكم الواقع. وتنشأ حالات غموض بسبب الاختلاف بين النطم الرسمية والثظم غير الرسمية وهي حالات غموض يستطيع بعض الناس أن يستفيدوا منها. وفي بعض البلدان التي ليس بها نظم إدارة عقارية كفؤة قد تصدر الدولة سندات حقوق مختلفة على نفس قطعة الأرض. ومن شأن ذلك أن يعقدّ الوضع القانوني للأرض ويفتح الطريق امام ادعاءات متنافسة. فرسم حدود الأراضي وتوثيقها وإصدار السندات لا يكفى في حد ذاته بل يجب أن يكون ذلك قد ثفذ بطريقة لا تجعل الوضع أسوأ مما كان عليه من قبل. ويكون للمجتمعات المحلية دور حاسم فى فحص الادعاءات لأن هذه المجتمعات تملك المعارف اللازمة عن ترتيبات الحيازة المحلية.

الحصول على الأراضي

3-25    غالبا ما يكون حصول الفقراء على الأراضي مستندا إلى العرف الجاري. فمثلاً تنشأ الحقوق العرفية على الاراضي في مجتمعات السكان الاصليين استنادا إلى تقاليد تلك المجتمعات ويكون إنشاء هذه الحقوق بالطرق التي يقررها قادة المجتمع المحلي في تخصيص حقوق استعمال الأراضي لمختلف أعضاء المجتمع. وهذه الحقوق قد يكون منشؤها راجعاً إلى استعمال الارض لمدة زمنية طويلة. وهي في كثير من الحالات ترجع إلى ان الاجداد كانوا يشغلون الأرض وإلى ان مجتمعات الأجداد كانت تستعمل هذه الأرض. وفى مثل هذه الحالات يستند حق استعمال الأرض إلى أن الأجداد هم الذين بدأوا بزراعتها واستقروا فيها من زمن بعيد. 

3-26    وتختلف الاستراتيجيات التي يستعملها الناس للحصول على الاراضي اختلافاً كبيراً، وهي تشمل:

     الشراء، وخصوصاً بعد تراكم رأس المال أثناء العمل في المناطق الحضرية.

التملك بالتقادم أو مضي المدة (أي اكتساب الحقوق بحيازة الاراضي طوال المده القانونية). وفى بعض البلدان قد تكون هذه هي الطريقة الوحيدة أمام صغار المزارعين للحصول بصورة رسمية على الأراضى الخالية أو المهجورة  واستعمالها بطريقة منتجة.

     التأجير، أي الحصول على الأراضي مقابل دفع الأجرة للمالك.

    المشاركة في المحصول، أي الحصول على الأراضي مقابل تسليم نسبة معلومة من المحصول للمالك.

    الإرث، اى الحصول على الأراضى بعد وفاة المورث.

    شغل الأرض بصورة غير مشروعة. 

3-27    وإلى جانب هذه الاستراتيجيات الفردية قد يمكن الحصول على الأراضي بطريقة منتظمة من خلال تدخلات الحكومات لتطبيق الإصلاح العقاري، بموجب سياسات تهدف إلى تصحيح الاختلال القديم وإعادة توزيع الاراضي بصورة عادلة. ويأتي تطبيق هذه الإصلاحات العقارية في العادة عندما تكون الاراضي مملوكة لعدد قليل من الملاك الذين لا يستخدمونها او لا يستخدمونها الاستخدام الأمثل، (ولكن يلاحظ أن تحديد مدى استخدام الأرضي أو عدم استخدامها الاستخدام الأمثل يتوقف على المعايير التى تطبق فى هذا التقييم). وفي بعض البلدان قد يكون رد الأراضي إلى أصحابها شكلاً مهما من أشكال الإصلاح العقاري. وهناك اشكال أخرى تشمل إعادة توزيع الأراضي بهدف توفير حق الحصول على الأراضي للفقراء وتعزيز كفاءة الزراعة وزيادة الاستثمار فيها. وتكون هذه البرامج مصحوبة فى العادة، ولكن ليس دائماً، بتقديم خدمات زراعية مدعومة مثل الإرشاد والقروض. وفي بعض الحالات اتاحت الدولة فرص الحصول على الأراضى الحكومية البور او غير المستعملة بالكامل ولكن الأغلب هو إعادة التوطين على أراض مملوكة ملكية خاصة. 

3-28    وفي حالات الإصلاح العقاري وتوزيع الأراضى جبراً تؤخذ الأرض من كبار الملاك وتنقل الدولة ملكيتها إلى المزارعين الفقراء او المعدمين الذين لا يملكون ارضاً. ويدفع تعويض للملاك الأصليين في بعض الحالات ولكن في بعض حالات أخرى لا يدفع مثل هذا التعويض. وفي بعض الحالات استفاد من هذه الإصلاحات المستأجرون الذين كانوا يزرعون الارض نفسها وهذه الإصلاحات تغير هيكل الملكية العقارية بتحويل المستأجرين إلى محك ولكنها لا تغير طريقة العمل في الحيازات. وفى حالات أخرى كانت الإصلاحات تعني إعادة توطين المستفيدين على الاراضي التي نزعت ملكيتها وإدخال عمليات زراعية جديدة. 

3-29    وهناك حالات إصلاح عقاري حديثة يتفاوض فيها المستفيدون مع الملاك على شراء الأرض باستخدام الأموال التي تقدمها الدولة في شكل منح او قروض. ويكون المطلوب من المستفيدين تأليف مجموعات تتعرف على الأراضي الصالحة وتتفاوض على شرائها من البائع، وتضع مشروعاً يكون مؤهلاً للحصول على القروض أو المنح من الدولة، وتقرر كيفية تخصيص الأراضي بين أعضاء المجموعة والمدفوعات التي يجب عليهم دفعها. 

3-30    وهناك توافق فى الآراء بصورة كبيرة على أن الإصلاح العقاري يؤدي دوراً مهماً في التنمية الريفية عندما تكون ملكية الأراضي مركزة تركيزاً كبيراً، ولكن هناك خلافاً كبيراً على اختيار آليات نقل الأراضي من كبار الملاك إلى صغار الملاك والمعدمين. ولكن هذا النقاش يجاوز نطاق الدليل الحالي. 

أمن الحيازة

3-31    أمن الحيازة يعني أن حقوق شخص ما على الأرض ستكون موضع اعتراف من الآخرين وموضع حماية في حالات وجود نزاع. فإذا كانت الحيازة غير مأمونة فإن أصحابها يواجهون خطر تهديد حقوقهم بادعاءات منافسة لهم، بل يواجهون خطر فقدان الحقوق تماماً. وبدون أمن الحيازة تتأثر العائلات بدرحة كبيرة فى قدرتها على توفير الغذاء الكافي والتمتع بسبل العيش الريفية المستدامة. 

3-32    ولا يمكن قياس أمن الحيازة بصورة مباشرة لأنه يقوم بدرجة كبيرة على مدى تصور الناس لهذا الأمن وقد تتغير خصائص أمن الحيازة بحسب الظروف. فمثلاً قد يكون لشخص ما حق الانتفاع بقطعة أرض لمدة ستة شهور هي موسم الزرع فإذا كان هذا الشخص آمناً من إخراجه من الأرض أثناء هذا الموسم تكون الحيازة مأمونة. ومن ذلك يكون المفهوم أن أمن الحيازة يعني طول مدتها أى المدة اللازمة لاسترداد تكاليف الاستثمارات. أي أن الشخص الذى له حقوق لمدة ستة شهور لن يزرع أشجاراً ولن يستثمر في منشآت الري أو في تدابير تمنع تعرية التربة لأن الوقت أقصر مما يسمح له بالاستفادة من استثماراته. وتكون الحيازة غير مأمونة في هذه الحالة بالنسبة للاستثمارات طويلة الأجل حتى ولو كانت مأمونة بالنسبة للاستثمارات قصيرة الأجل. 

3-33    وبسبب أهمية الأمن في الأجل الطويل رأى البعض أن الأمن الكامل لا يتحقق إلا بالملكية الخاصة الكاملة (اي الملكية الفردية المؤكدة) لأن هذا النوع من الحيازة هو النوع الوحيد الذى لا تكون الحقوق فيه مقتصرة على مدة محددة. وقيل إن المالك هو الوحيد الذي يتمتع بحقوق مأمونة وأن أصحاب الحقوق الأقل من حق الملكية، مثل المستأجرين، هم حائزون في حيازات غير مأمونة لانهم يعتمدون على إرادة المالك والمفترض من ذلك ان أمن الحيازة لا يتوافر إلا إذا كانت هناك قدرة على نقل الحقوق اي القدرة على البيع والرهن. وقد يكون النظر إلى الأمن على أنه مرادف لحق البيع والرهن أمرا صحيحا في بعض أجزاء العالم ولكنه ليس صحيحاً فى أجزاء اخرى. ففي أنحاء كثيرة من العالم هناك نظم حيازة قوية قائة على قواعد المجتمع المحلي ويستطيع الناس فيها ان يتمتعوا بأمن الحيازة دوق رغبة في بيع الأرض أو دون يكون لديهم الحق في البيع، او دون أن تكون لديهم حقوق البيع (إذ إن الحقوق قد تكون مقصورة على الميراث ئو قد تكون حقوق البيع مقصورة على البيع لأعضاء المجتمع المحلي دون غيرهم). 

3-34     كما ان مصادر الأمن قد تختلف بحسب الظروف:

فمن المصادر المهمة يمكن ان نذكر المجتمع المحلي والمجموعات القائمة فيه مثل منظمات المزارعين ومنظمات المنتفعين بالمياه فإذا كان الجيران يعترفون بحقوق شخص ما ويوافقون على إعمالها فإن أمن هذا الشخص يكون مكفولاً. وفي كثير من ترتيبات الحيازة العرفية يحصل الناس على حقوق الملكية بفضل اشتراكهم فى عضوية المجتمعات المحلية. وبذلك فإن الاحتفاظ بحقوق الملكية يدعم العضوية في هذه المجموعات كما أن العضوية نفسها تسهل الحصول على حقوق الملكية والمحافظة عليها. 

والحكومات هي مصدر آخر من مصادر الامن لأنها توفر الاعتراف السياسى ببعض الحقوق. فمثلا قد تقبل الحكومة حدوث تعد غير مشروع واستقرار مجتمع ما على أراضي غابات الدولة دون ان تحاول طرد أفراد هذا المجتمع. ولكن الحكومة إذ تفعل ذلك فابها تعترف في العادة بحق هذا المجتمع في احتلال تلك الارض دون ان تصل إلى الاعتراف بحقوق مختلف الافراد الذين تتألف منهم تلك الجماعة. 

وقد يكون من المصادر الاخرى نظام الإدارة الحكومي والقانوني الرسمي فقد توفر الدولة الحماية بصفة عامة بأن تؤكد الحقوق التي يتمتع بها الناس أو بواسطة تدابير خاصة مثل توفير الحماية ضد التعدي على الأرض. وكثيراً ما يرى الناس أن الأمن هو الحماية التى توفرها نظم تسجيل الأراضي والسجلات العقارية، حيث يكون الفصل فى النزاعات من اختصاص نطام المحاكم القانوني. 

وفي بعض البلدان قد يتوافر الأمن بسبب وجود أنظمة متسلطة مثل "أمراء الحرب " الذين يظهرون عند غياب الدولة أثناء فترات الاضطرابات المدنية وبطبيعة الحال ليس هذا المصدر مصدراً مرغوباً فيه لان هذه الهياكل ربما تمنع ظهور مجتمعات قوية ونظم قانونية لإدارة الحكم الرشيد. 

3-35    ومجموع الامن الذى يتمتع به شخص ما هو حاصل جمع مختلف أنواع الامن التى تتوافر من جميع المصادر. وفى كثير من الحالات يؤدي ارتفاع مستوى الأمن من مصدر أو عدة مصادر إلى ارتفاع مستوى الامن الكلي. وفي كثير من مشروعات التنمية يكون توفير الامن القانونى أو تحسينه هو أهم طريقة لرفع مستوى أمن الحيازة ومن أمثلة إصلاح أمن الحيازة: رفع مستوى الحقوف غير الرسمية إلى مستوى الحقوق الواجبة الإنفاذ قانوناً، رفع مستوى الأذون الصادرة من الدولة إلى مستوى الإيجارات التي توفر حماية أكبر للمنتفعين من الأراضي , إدخال نصوص تجعل المجتمعات المحلية هى المالك القانوني للحيازات العقارية التقليدية بدلاً من أن تكون الحقوق في يد الدولة، تحسين تعريف حقوق الملكية بإدخال تحسينات على النطم الرسمية للإدارة العقارية. 

3-36    وربما يتعرض أمن الحيازة للتهديد بطرق كثيرة ومن المفارقات أن محاولات رفع مستوى الأمن القانوني لدى البعض قد تؤدي إلى فقدان حقوق البعض الاخر. فمثلاً إذا كان مشروعات إصدار سندات الحقوق العقارية وتسجيلها غير موضوعة بشكل سليم فقد يؤدي ذلك إلى تقليل الأمن لدى كثير من المقيمين في المناطق الريفية إذا لم تعترف هذه السندات ببعض حقوق النساء والفقراء والاكتفاء بإدراجها بصورة مبسطة في سندات "الملكية" المزعومة. وربما لا يعترف النظام القانوني بحقوق الانتفاع بالارض التي قد تكوق مهمة والتي تنصب مثلاً على جمع المنتجات الحرجية الصغيرة أو الحصول على المياه، وبذلك تضيع هذه الحقوق بسبب النظام القانونى المذكور. وبطبيعة الحال ربما تؤدي أنواع أخرى من المشروعات الإنمائية إلى فقدان الحقوق العقارية. 

3-37    كما أن مستوى الحقوق قد ينخفض أو ربما تختفى هذه الحقوق تماما إذا بدأت الدولة فى إنفاذ القواعد السارية التى تحول دون الحصول على الموارد. وعلى سبيل المثال، سياسة صيانة الغابات بطريقة جامدة بحيث ينتهي الأمر بطرد سكان القرى من الأراضي التي كانوا ينتفعون بها في أغراض الزراعة والرعي. 

3-38    وقد يكون انعدام أمن الحيازة راجعاً إلى تغيرات اجتماعية. فمثلاً يؤثر مرض الإيدز على أمن النساء في كثير من انحاء أفريقيا. فقد تفقد الارملة حق الحصول على الاراضي بالمعنى القانوني إذا لم تستطع أن ترث الحقوق من زوجها، وإذا اضطرت من الناحية العملية إلى ترك المزرعة لأقربائها من الذكور. 

3-39    وقد تضيع الحقوق عندما يتجاهل الاخرون قواعد حيازة الأراضى. فاستغلال العلاقات غير المتكافئة داخل المجتمعات المحلية مثلا قد يؤدي إلى أن يضع بعض أعضاء المجتمع سياجاً حول قطع من الاراضى الشائعة ويستخدمونها لأنفسهم فقط وبذلك يحرمون غيرهم من الوصول إلى هذه الأراضي والانتفاع بحقوق الرعي فيها. 

3-40    وبطبيعة الحال قد يصبح بعض الناس معدمين لأسباب أخرى غير انعدام أمن الحيازة. فالبعض قد يبيعون أراضيهم بيعاً جبرياً او اضطرارياً حتى يستطيعوا البقاء على قيد الحياة أثناء الأزمات مثل المجاعات وحالات المرض وغيرها من الكوارث. وهناك اسباب أخرى لبيع الاراضي قد يكون منها ضرورة مواجهة ضغوط اجتماعية مثل تقديم مهر في حالة تزويج البنات.

الصفحة السابقةأعلى هذه الصفحةالصفحة المقبلة