الصفحة السابقة بيان المحتوياتلصفحة المقبلة


الإطار 5

برنامج مكافحة للتريباتوزوما في أفريقيا

اقر مؤتمر منظمة الأغذية والزراعة برنامج مكافحة التريبانونما في أفريقيا في عام 1997. وفي سياق تكاتف جهود كل من منظمة الأغذية والزراعة ومنظمة الصحة العالمية والوكالة الدولية للطاقة الذرية والمكتب الأفريقي للموارد الحيوانية التابع لمنظمة الوحدة الأفريقية يسعى البرنامج إلى:

وبرنامج مكافحة التريبانوزوما في أفريقيا يعنى أساسا بوضع وتطبيق معايير مبنية على العالم لتقدير الفوائد والتكاليف الاقتصادية والاجتماعية والبيئية للتحكم في ذبابة التسي تسي والتريبانوزوما. فدراساته وتحليلاته توازن بين احتياجات البشرية من حيث الأمن الغذائي وكفاية سبل الرزق من ناحية والحفاظ على الموارـد الطبيعية والحيلولة دون التدهور البيئي من ناحية اخرى.

ولقد انصب قدر كبير من النقاش في إطار البرنامج على تحديد أولويات التدخلات المتعلقة بذبابة التسي تسي، ودمجها في المخطط الإجمالي للإنتاج الزراعي، في مناطق مختارـة محددة تحديدا جيدا. وقد أصبح هنا المبدأ معترفا به كشرط مسبق للنجاح. فدمج التدخلات المتعلقة بذبابة التسي تسي والتريبانوزوما في عملية التنمية والإنتاج الزراعيين يتيح فرصة لزيادة الفوائد التي تتحقق لفقراء الريف إلى أقصى حد مع تقليل الآثار السلبية على البيئة إلى أدنى حد. ومن ثم فهو سيسهم في تحقيق إدارة مستدامة للآفات في النظم الزراعية المستهدفة، ويعزز فرص تبني ملاك الماشية ومنتجيها لتلك التدخلات.

وتصديا لحجم وتعقد مشكلة ذبابة التسي تسي والتريبانوزوما في إطار خطط العمل القطرية والإقليمية للحد من الفقر، تحل الجهود متعددة التخصصات تدريجيا محل نهج الماضي المبنية على التكنولوجيا.


والاستخدام المنخفض لقوة حيوانات الجر في أفريقيا جنوب الصحراء، حتى داخل المناطق الخالية من التريبانوزوما، معناه وجود حاجة إلى تدابير إضافية، مثل التدريب والائتمان والبنية التحتية، تحقيقا للفائدة الكاملة لمكافحة ذبابة التسي تسي.

ومن بين الآثار المعاكسة الأخرى للتريبانوزوما انخفاض كفاءة إعادة تدوير المغذيات، وانخفاض تنويع الدخل، وانخفاض إمكانية الوصول إلى الائتمان. وعلاوة على ذلك يمكن أن تحدث زيادات كبيرة (عشرية) في إنتاج الألبان نتيجة لاستخدام أبقار حلوب لا يمكنها مقاومة التريبانوزوما (32) .

الجدوى الاقتصادية من مكافحة ذبابة التسي تسي

إن العلاقة بين تكلفة مكافحة ذبابة التسي تسي والتريبانوزوما والقضاء عليهما وما ينتج عنها من فوائد تتوقف على عدد من العوامل. فعلى سبيل المثال، في المناطق التي ينخفض فيها التحدي الذي تمثله ذبابة التسي تسي ربما كانت مكافحة التريبانوزوما من خلال مبيدات ذلك المرض أكثر فائدة من مكافحته من خلال تقنيات أخرى (33) . ويتوقف النوع الملائم من مكافحة ذبابة التسي تسي والتريبانوزوما (أنظر الإطار رقم 6) على نوع الخريطة الزراعية والطبوغرافيا، ودرجة التحدي الذي تمثله ذبابة التسي تسي، ونوع مبيدات الحشرات المستخدمة، وحجم العملية، والإطار الزمني المتوخى لها، ويستتبع ذلك أن ثمة حاجة إلى مجموعة من النهج المختلفة في أفريقيا جنوب الصحراء. ومن ثم فإن أي محاولة لتقدير الجدوى الاقتصادية ونسبة التكلفة إلى الفائدة في مكافحة ذبابة التسي تسي والتريبانوزوما هي عملية معقدة. وتشير دراسة حالة لعدد من التقنيات والفترات الزمنية ودرجات التحدي الذي تمثله ذبابة التسي تسي، لاستخدام بيانات من بوركينا فاصو، إلى أن مكافحة التريبانوزوما في حالة انخفاض مستويات التحدي الذي تمثله ذبابة التسي تسي من خلال استخدام المبيدات هي أكثر الخيارات فائدة إلا إذا كانت الفترة الزمنية طويلة جدا. فمقارنة استخدام الفخاخ مقابل استخدام مبيدات الحشرات تبين أن التقنية الأخيرة لا تحقق عائدا أعلى إلا عندما تكون الفترة الزمنية طويلة ومعدل الفائدة المستخدم لخفض الفوائد التي تتحقق في المستقبل منخفضا. فتقنية الحشرة العقيمة لا تفيد إلا عند تطبيقها على مناطق يرتفع فيها نسبيا التحدي الذي تمثله ذبابة التسي تسي وعلى مدى فترة زمنية طويلة (15 سنة). وحتى في ظل هذه الافتراضات لا تكون تقنية الحشرة العقيمة أفضل بالمقارنة بتقنيات الفخاخ ومبيدات الحشرات (34) .

نصب مصيدة لصيد ذباب التسي تسي تفضل هذه الطريقة عن غيرها من المصايد، بسبب رخصها ومرونتها ومناسبتها للبيئة المحيطة بها.

أظهرت الدراسات أن معدلات التكلفة إلى الفائدة في مكافحة ذبابة التسي تسي إيجابية.

وقدرت دراسة أخرى، استنادا إلى الأدلة المتوافرة عن طائفة واسعة من التقنيات وبعض الافتراضات التبسيطية، نسب التكلفة إلى الفائدة في مكافحة ذبابة التسي تسي على نطاق المنطقة (35) . وهذه التقديرات، التي ينبغي أن تعتبر تقريبية فحسب، تتراوح بين 1 إلى 1.4 و1 إلى 2.6 في فترة مدتها 20 سنة. ويتوقع اكتشاف المدى الكامل للفوائد في نهاية فترة العشرين عاما، التي يقدر أن نسبة التكلفة إلى الفائدة ستكون قد ارتفعت لتبلغ 1 إلى 5.

الخلاصة

يبدو أن مكافحة ذبابة التسي تسي أو القضاء عليها أمر مرغوب وممكن عمليا في ظروف معينة تفضي فيها الأوضاع إلى ذلك ويكون من الممكن تحقيق فوائد زراعية على المدى الطويل. ولقد جرى، ويجري، تطبيق تقنيات مختلفة كثيرة من بينها العلاج بالعقاقير، وزيادة القدرة على مقاومة التريبانوزوما، ومكافحة ناقلات المرض أو القضاء عليها، وتقنية الحشرة العقيمة. إلا أن الجدل مازال مستمرا داخل الأوساط العلمية فيما يتعلق بالمنتجات والوسائل الملائمة وما إذا كانت ستثبت فعاليتها على المدى الطويل.

ولعل من المهم هنا النظر في حملة استئصال التريبانوزوما الأمريكية المعروفة باسم "شاغاس" من أمريكا الجنوبية. ومبادرة ما يسمى المخروط الجنوبي ضد مرض شاغاس هي أحد أكبر برامج مكافحة الأمراض التي اضطلع بها على الإطلاق، إذ تشمل مساحة تتجاوز 6 ملايين كيلومتر مربع ويستغرق تنفيذها عشر سنوات. ويتمثل الهدف منها في القضاء على انتقال العامل المسبب للمرض وهو Trypanosoma cruzi الأرجنتيى وبوليفيا والبرازيل وشيلي وباراغواي وأوروغواي. وقد حقق البرنامج، الذي بدأ رسميا في عام 1991، نجاحا باهرا، بحيث توقف انتقال المرض في أوروغواي عام 1997. ومن المتوقع أن يتوقف انتقال المرض في بلدان أخرى في غضون السنوات القليلة التالية. وقد بدأت مؤخرا مبادرات الأنديز وأمريكا الوسطى لذات الهدف.

وهذا يشير إلى أن تضافر الجهود من جانب البلدان المتأثرة والمنظمات الدولية أمر لا غنى عنه للقضاء على هذا المرض. وانطلاقا من هذه الروح سيسعى برنامج مكافحة التريبانوزوما في أفريقيا (أنظر الإطار 5) إلى توحيد صفوف منظمة الأغذية والزراعة ومنظمة الصحة العالمية والوكالة الدولية للطاقة الذرية والمكتب الأفريقي للموارد الحيوانية التابع لمنظمة الوحدة الأفريقية لتحقيق مكافحة متكاملة للتريبانوزوما في إطار الهدف الأوسع لتعزيز الأمن الغذائي، وتحقيق الزراعة المستدامة، والتنمية الريفية.

وفي وقت ليس بعيدا، أقر مؤتمر قمة رؤساء دول وحكومات منظمة الوحدة الأفريقية الذي عقد في يوليو/تموز 2000 الحملة الأفريقية الكاملة للقضاء على ذبابة التسي تسي والتريبانوزوما. والغرض النهائي من الحملة هو استئصال ذبابة التسي تسي والتريبانوزوما من أفريقيا. وسعيا إلى بلوغ هذا الهدف، ستضطلع الحملة بعملية تنظيم وتنسيق الأنشطة وتعبئة ما يلزم لذلك من موارد بشرية ومالية ومادية.


الاطار 6

طرق مكافحة ذبابة التسي تسي

مكافحة التريبانوزوما عملية صعبة تقنيا وتنظيميا. فأولا، يلزم استقرار مدني لأي برنامج كبير النطاق لمكافحة ناقلات المرض. وعلاوة على ذلك من الضروري استدامة التمويل الذي يراعي فيه دوام الالتزام بالإبقاء على منطقة خالية من التريبانوزوما.

العلاج بالعقاقير

يحمي العلاج بالعقاقير حاليا أعدادا من الماشية تفوق الأعداد التي تحميها جميع التقنيات الاصطناعية الأخرى مجتمعة. فتكاليفه التي تبلغ نحو 35 مليون دولار أمريكي (أي ما يعادل دولارا واحدا يوميا لكل جرعة)، توفر الحماية من التريبانوزوما لما يتراوح بين 10 ملايين رأس و15 مليون رأس من الماشية تعيش في مناطق موبوءة ذبابة التسي تسي ولكن من عيوب العلاج بالعقاقير أن الماشية التي تعالج به تقل إنتاجيتها عن تلك التي تعيش في بيئة خالية تماما من المرض (1) . وعلاوة على ذلك يخشى أن مستوى مقاومة الداء للعقارين الرئيسيين (diminazine, isometamidium) ، اللذين استحدثا في الخمسينات من ا لقرن العشرين، ربما يكون آخذا في التزايد.  

المناعة ضد التريبانوزوما

تشكل الماشية المقاومة للتريبانوزوما أو المقاومة جزئيا لها أو شبه المقاومة لها في غرب أفريقيا حوالي 10 ملايين رأس (في عام 1983) من رؤوس الماشية التي تعيش في المناطق الموبوءة ذبابة التسي تسي أو على مقربة شديدة من تلك المناطق ومجموعها 45 مليون رأس (2) . ومع أن هذه الماشية ليست محصنة فإن لديها درجة مناعة تتيح لها أن تظل منتجة رغم إصابتها بالمرض.

مكافحة ناقلات المرض أو القضاء عليها

تحتاج ذبابة التسي تسي إلى موئل من الأشجار. وفي أوائل القرن العشرين تمت إزالة الأشجار وحيوانات الصيد من مساحات شاسعة من الأراضي. وبعد الحرب العالمية الثانية استحدثت تقنيات المكافحة باستخدام مبيدات الحشرات على نطاق واسع، أي عمليات الرش من الأرض ومن الجو. وقد جرت تجربة الرشالأرضي وخدمات الدعم التقني وثبتت فعاليتهما في الحالات الحقلية، مع تحقيق نتائج متباينة ولكن بنجاح تقني عام في نيجيريا وجنوب أفريقيا وزمبابوي.

واستجابة لتزايد القلق بشأن الأثر البيئي لتدابير المكافحة، ومع تقدم العلم، تم استحداث نظم مختلفة تستخدم فيها الرائحة كطعم وتكون ملقحة بمبيد حشري. وتقنيات الطعم الاصطناعي جذابة لرخص ثمنها ولمرونتها وانخفاض عامل التلوث فيها واشتمالها على مكونات محلية أكبر نسبيا. ولكن من عيوبها التي تحول دون استخدامها على نطاق واسع ما تنطوي عليه من تكاليف متكررة لإخماد نشاط ذبابة التسي تسي بصفة مستمرة وهو أمر لابد منه لإبقاء الذباب المعاود للغزو ساكنا. كما أن استخدام حيوانات القطعان المعالجة بمبيد حشري هو تقنية يجري تقييمها حاليا على نطاق كبير ومن الصعب مقارنة تكلفة طريقة المكافحة هذه بالطرق الأخرى حيث إنها تتناسب مع عدد رؤوس الماشية في كل كيلومتر مربع. ومع وجود بنية تحتية للتغطيس، فإن استخدام الحيوانات الحية كطعم هو أنسب طريقة دائما لمكافحة ذبابة التسي تسي.

أما تقنية الحشرة العقيمة فهي تقنية بالغة التطور ومن الممكن أن تكون فعالة في ظل ظروف معينة. وهي أيضا باهظة الثمن نسبيا ولذلك لا تثبت فعاليتها بالنسبة إلى التكلفة إلا عندما تنفذ على نطاق كبير نسبيا وعلى نحو منظم. وهذه الطريقة استخدمت بنجاح ضد الدودة الحلزونية في الجماهيرية العربية الليبية، والمكسيك والولايات المتحدة، وفي أمريكا الوسطى، وضد ذبابة الفاكهة في عدد من بلدان حوض البحر المتوسط، والشرق الأدنى، وأمريكا الجنوبية. واستخدمت تقنية الحشرة العقيمة بنجاح ضد ذبابة التسي تسي في زنزبار، حيث تحقق القضاء عليها بواسطة إطلاق ذكور عقيمة من الجو فوق جزيرة أونغوجا (1500 كيلومتر مربع) في السنوات 1995-1997.

وبغية إدامة سبل العيش، ينبغي الانتباه إلى إمكانية معاودة غزو الحشرة في أعقاب نجاح المكافحة أو الاستئصال. فذبابة التسي تسي قادرة على إعادة توليد أسرابها من مستويات متدنية للغاية في غضون أربع سنوات. فقد تأتي أكبر تهديدات معاودة الغزو، عمليا، من خارج المنطقة التي يكون قد تم تطهيرها.

(1) J.C.M. Trail, K. Sones, J.M.C. jibbo, J. Durkin, D.E. Light and M. Murray. 1985. Produotivity of Boran cattle maintained by chemoprophylaxis under trypanosomiasis risk. ILCS Research Report No. 9. Addis Ababa, InternatIonal Livestock Centre for Africa

(2) FAO. 1987. Trypanotolerant cattle and livestock development in West and Central Africa. Vol. 1. International supply and demand for breeding stock, by A.P.M. Shaw and C.H Hoste. FAO Animal Production and Health Paper No .67/1. Rome.


الهوامش

  الصفحة السابقة اعلى هذه الصفحةلصفحة المقبلة