حالة الأغذية والزراعة 2023

الفصل 1 مراعاة تكاليف النظم الزراعية والغذائية ومنافعها في اتخاذ القرارات

الاستفادة من حساب التكاليف الحقيقية: تقييمعلى مرحلتين

سيكون تقييم أداء النظم الزراعية والغذائية – والمخاطر والتحديات الرئيسية التي تواجهها – أمرًا بالغ الأهمية من أجل توجيه التغيير الهيكلي نحو النظم الزراعية والغذائية التي توفر أنماطًا غذائية صحية ميسورة الكلفة للجميع إلى جانب الحفاظ على الاستدامة البيئية.45 ومن أجل إجراء هذا التقييم، لا بدّ من التعاون بين جهات فاعلة سياسية واقتصادية واجتماعية، بما في ذلك مجتمع البحوث.47 ويكمن التحدي هنا في مشاركة تلك الجهات في تقييم النظم الزراعية والغذائية الحالية لإعادة التفكير بشكل جماعي في مستقبلها وتحديد المفاضلات وأوجه التآزر المحتملة واستنباط خيارات بديلة وتوجيه النظم إلى مسار مستدام، في ضوء العوائق المذكورة آنفًا.

وتتيح التطورات الأخيرة التي شهدتها أطر المحاسبة والتقييم فرصة غير مسبوقة لإجراء عمليات التقييم الشاملة تلك عن طريق نهج حساب التكاليف الحقيقية، الذي يعرّف كما يلي:

نهج شامل ونظامي لقياس وتثمين التكاليف والمنافع البيئية والاجتماعية والصحية والاقتصادية التي تولّدها النظم الزراعية والغذائية من أجل تسهيل اتخاذ قرارات أفضل من جانب واضعي السياسات والأعمال التجارية والمزارعين والمستثمرين والمستهلكين.48

ويعدّ تعريف حساب التكاليف الحقيقية فضفاضًا ومن الممكن اعتماد مجموعة متنوعة من الأساليب،ب اعتمادًا على موارد البلد وبياناته وقدراته ونظم إعداد التقارير لديه. وحساب التكاليف الحقيقية ليس مفهومًا جديدًا. بل هو بالأحرى نهج متطور ومحسّن يتجاوز التبادلات السوقية بهدف قياس وتقييم جميع التدفقات الداخلة إلى النظم الزراعية والغذائية والخارجة منها، بما فيها تلك التي لا تتناولها معاملات السوق (الشكل 2). ويمكن أن يكون التقييم نوعيًا أو كميًا، بما في ذلك نقديًا. وتتجسد الأبعاد الأربعة المعنية – البيئية والاجتماعية والصحية والاقتصادية – في رؤوس الأموال الأربعة الطبيعية والبشرية والاجتماعية والإنتاجية.

ومع أن نهج حساب التكاليف الحقيقية يعد نهجًا طموحًا، حيث إنّ تغطية جميع التكاليف والمنافع المستترة للنظم الزراعية والغذائية هي عملية تستخدم الموارد والبيانات بصورة مكثفة للغاية، فإن الهدف منه هو مساعدة واضعي السياسات وأصحاب المصلحة الآخرين على تجنّب صنع القرارات من دون إجراء تقييم شامل. ومن الناحية العملية، ينبغي أن تكون عمليات تقييم حساب التكاليف الحقيقية شاملة قدر الإمكان وقائمة على مبدأ "الأهمية النسبية". وتُعرّف الأهمية النسبية بشكل عام بأنها "مقياس لمدى أهمية معلومة معينة عند صنع القرار"،49 وتساعد على حصر نطاق عمليات تقييم حساب التكاليف الحقيقية في التأثيرات والتدفقات القادرة على تغيير عملية صنع القرار.37 ويُطبق مبدأ الأهمية النسبية بصورة رئيسية في اختيار المؤشرات، حيث غالبًا ما تكون هذه العملية مقيدة بالوقت والموارد والبيانات المتاحة، لذا ينبغي أن تنحصر في تلك المؤشرات التي تُعتبر جوهرية لعملية صنع القرار.50

ونظرًا إلى التحديات المتمثلة في جمع البيانات اللازمة وتحديد حجم جميع التدفقات عبر رؤوس الأموال الأربعة (الشكل 1 والشكل 2)، تحظى البيانات والمعلومات المتاحة بالفعل بالأولوية من أجل تكوين فهم أولي للنظم الزراعية والغذائية. ويمكن استخدام هذه التحليلات الأولية لبدء حوار مع أصحاب المصلحة المعنيين في ما يتعلق بأهم قضايا النظم الزراعية والغذائية والفجوات في البيانات التي يجب سدّها بسرعة من أجل توجيه التدخلات بشكل أفضل. وينبغي بعد ذلك استخدام مبدأ الأهمية النسبية لتحديد أهم وأكبر التأثيرات التي لا تتوفر عنها بيانات، للمباشرة بجمعها. ومن شأن ذلك أن يقلل بشكل كبير من كمية البيانات غير المتاحة التي يجب جمعها. ويكتسي مبدأ الأهمية النسبية أهمية خاصة بالنسبة إلى البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل، التي تفتقر إلى البيانات والقدرات العامة ويضطر صانعو السياسات فيها إلى اتخاذ قرارات في ظل الأهداف المتضاربة.

ويعتمد حساب التكاليف الحقيقية، بإطاره الواسع للمحاسبة الرأسمالية، على مجموعة من أعمال القياس الحالية المجسدة في المعايير الإحصائية الدولية المعمول بها. وفي ما يتعلق برأس المال الإنتاجي والطبيعي والتدفقات المرتبطة بهما، تشمل هذه المعايير ما يلي: (1) نظام الحسابات الوطنية وميزان المدفوعات لقياس الأصول المنتجة والتدفقات المرتبطة بالإنتاج والدخل والاستهلاك؛ (2) ونظام المحاسبة البيئية والاقتصادية المعني بقياس التدفقات البيئية (مثل المياه والطاقة والانبعاثات) والأصول البيئية (مثل الأرض والتربة والأخشاب والأسماك). ويتضمن نظام المحاسبة البيئية والاقتصادية أيضًا ملحقات متعلقة بالمحاسبة التجريبية للنظام الإيكولوجي لقياس أصول وخدمات النظام الإيكولوجي والتنوع البيولوجي، ونظام المحاسبة البيئية والاقتصادية المعني بالزراعة والحراجة ومصايد الأسماك الذي أُصدر مؤخرًا من أجل قياس الأصول والتدفقات البيئية في سياق النشاط الزراعي (انظر الإطار 3).

الإطار 3حساب التكاليف الحقيقية تستند إلى عمل نظام المحاسبة البيئية والاقتصادية بشأن الزراعة والحراجة ومصايد الأسماك

يتسم نظام المحاسبة البيئية والاقتصادية بشأن الزراعة والحراجة ومصايد الأسماك بأنه ذو أهمية خاصة بالنسبة إلى هذا التقرير، حيث إنّ الأنشطة الرئيسية التي يقوم بتحليلها تعتمد بصورة مباشرة على البيئة ومواردها وتؤثر عليها. وقد جرى إعداده بالتنسيق مع شعبة الإحصاءات في الأمم المتحدة ومنظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي والمكتب الإحصائي للاتحاد الأوروبي (EUROSTAT) والبنك الدولي وشركاء آخرين، وأقرته لجنة الأمم المتحدة للخبراء المعنية بالمحاسبة البيئية والاقتصادية في عام 2016. ويركز النظام على إدراج البيانات اللازمة بغية توضيح كيفية إدراج المعلومات الفيزيائية البيولوجية والإدارية ذات الصلة بالزراعة والحراجة ومصايد الأسماك في الأطر الإحصائية المعترف بها دوليًا.

وهو يغطي مجالًا يضم البيانات النقدية والفيزيائية البيولوجية المتاحة من عشرة مجالات رئيسية للبيانات (انظر الجدول). وجرى اختيار المجالات العشرة على أساس منتجات الزراعة والحراجة ومصايد الأسماك تماشيًا مع التصنيف الدولي الصناعي الموحد لجميع الأنشطة الاقتصادية (ISIC)، والأصول البيئية ذات الصلة المباشرة بأنشطة الزراعة والحراجة ومصايد الأسماك، والتدفقات المادية الرئيسية المصاحبة لأنشطة الزراعة والحراجة ومصايد الأسماك – المياه والطاقة وانبعاثات غازات الاحتباس الحراري والأسمدة وتدفقات المواد المغذية ومبيدات الآفات – فضلًا عن البيانات المتعلقة بأنشطة الإنتاج والاستثمار في الزراعة والحراجة ومصايد الأسماك ضمن نظام الحسابات الوطني.

الجدول جدول نظام المحاسبة البيئية الاقتصادية الخاص بالزراعة والغابات ومصايد الأسماك: مجالات البيانات، ونطاق الأنشطة التي يجري النظر فيها، والحسابات الأساسية

المصدر: FAO & UN. 2020. System of Environmental-Economic Accounting for Agriculture, Forestry and Fisheries (SEEA AFF). Rome. https://doi.org/10.4060/ca7735en
المصدر: FAO & UN. 2020. System of Environmental-Economic Accounting for Agriculture, Forestry and Fisheries (SEEA AFF). Rome. https://doi.org/10.4060/ca7735en

ويتسم نظام المحاسبة البيئية والاقتصادية وحساب التكاليف الحقيقية بأنهما متشابهان للغاية في جوهرهما، بمعنى أنهما يطمحان إلى توفير إطار داخلي متسق يأخذ في الاعتبار التدفقات غير المذكورة في التدفقات النقدية بالشكل الذي تصدر به التقارير حاليًا بموجب نظام الحسابات الوطني. لكن هناك فارق كبير بين الاثنين، على النحو الوارد في هذا التقرير: حساب التكاليف الحقيقية يشمل نطاقًا واسعًا من النتائج والتأثيرات البيئية والاجتماعية والصحية والاقتصادية. ويرتبط تحقيق هذه النتائج ارتباطًا مباشرًا بمخزونات جميع رؤوس الأموال الطبيعي والبشري والاجتماعي والإنتاجي. ويتميز نظام المحاسبة البيئية والاقتصادية بأنه يركز أكثر على رأسَي المال الإنتاجي والطبيعي.

إطلاق عمليات تقييم على مرحلتين باستخدام حساب التكاليف الحقيقية

استنادًا إلى هذه الخلفية، يقترح هذا التقرير تقييمًا على مرحلتين باستخدام حساب التكاليف الحقيقية من أجل تزويد صانعي القرار بفهم شامل للنظم الزراعية والغذائية الحالية والمستقبلية والنواحي التي ينبغي توجيه التدخلات إليها من أجل تحسين استدامتها. ويرد مخطط لعملية التقييم في الشكل 3. ويهدف التصوير الدوري للعملية إلى التأكيد على طبيعتها المستمرة، حيث يمكن اعتبار تحسين عملية صنع القرار هو الهدف النهائي، ولكنه أيضًا بداية لدورة جديدة من الرصد والتقييم بغية ضمان نتائج إيجابية مستمرة. ويمكن وصف العملية على النحو التالي:

الشكل 3 عملية تقييم النظم الزراعية والغذائية على مرحلتين

المصدر: من إعداد المؤلفين.
المصدر: من إعداد المؤلفين.

تتمثل المرحلة الأولى في إجراء عمليات تقييم أولية على المستوى الوطني تحدد وتحلل قدر المستطاع التكاليف المستترة للنظم الزراعية والغذائية في مختلف رؤوس الأموال باستخدام البيانات المتاحة بسهولة. ويتمثل الدور الرئيسي للمرحلة الأولى في رفع مستوى الوعي بشأن جسامة التحديات ويمكن استخدامها كنقطة انطلاق لتحليل التكاليف المستترة للنظم الزراعية والغذائية الوطنية من أجل إثراء المناقشات والحوارات مع أصحاب المصلحة في بلد معين. وتساعد هذه المرحلة على ربط التكاليف المستترة بالأولويات الوطنية الأكثر إلحاحًا، مثل الحد من الجوع أو الحفاظ على الموارد الطبيعية النادرة. كما أنها تحدد فئات التكاليف المستترة التي قد تكون ذات أهمية، ولكن لم تُحدد كميتها بعد، وتأخذ في الاعتبار البيانات اللازمة لسد تلك الفجوات.

ويعرض الفصل الثاني من هذا التقرير النتائج التي تمثّل مدخلات للمرحلة الأولى. ويقدم تقييمًا أوليًا على المستوى الوطني يحدد قدر الإمكان التكاليف المستترة للنظم الزراعية والغذائية الوطنية في 154 بلدًا، بأسلوب متسق وقابل للمقارنة. وتعتمد النتائج المعروضة في الفصل الثاني على الافتراضات المقدمة والبيانات المدمجة في التقييم، ولا ينبغي النظر إليها على أنها تقييم نهائي، بل على أنها نقطة انطلاق لتحفيز النقاش والحوار. وتساعدنا هذه النتائج على رؤية الصورة الكاملة للتكاليف المستترة وبنيتها وأبعادها. وعند الحصول على مدخلات من أصحاب المصلحة والخبراء داخل البلدان، يمكن تحسين القياس الكمي الأولي والتحليل بناءً على المعلومات الخاصة بكل بلد. وسينير ذلك التخطيط لإجراء تحليل أكثر تعمقًا للمرحلة الثانية.

أما المرحلة الثانية فهي مخصصة لإجراء عمليات تقييم معمقة تستهدف مكونات أو سلاسل قيمة أو قطاعات محددة في النظم الزراعية والغذائية من أجل توجيه الإجراءات السياسية التحويلية والاستثمارات في بلد معين. ويمكن أن يكون اختيار القطاعات المستهدفة مستوحى من نتائج المرحلة الأولى، ولكن قد يكون مسترشدًا أيضًا بأولويات الدولة تبعًا للمشاورات مع أصحاب المصلحة المعنيين. وقد يختلف أصحاب المصلحة المعنيون من سياق إلى آخر، لكنهم بشكل عام صانعو السياسات ومؤسسات البحوث والمحاسبة (لا سيما تلك التي تكون على دراية جيدة بالتحديات الرئيسية التي تواجهها النظم الزراعية والغذائية في البلاد)، بالإضافة إلى ممثلي الجهات الفاعلة الرئيسية في النظم الزراعية والغذائية، مثل المنتجين والمجهزين والموزعين الزراعيين.

ويقدم الفصلان الثالث والرابع إرشادات أكثر تفصيلًا بشأن هذه المرحلة، حيث توضح كيفية إجراء عمليات تقييم محددة الأهداف من شأنها أن توجه الإجراءات المطلوبة لمعالجة التكاليف المستترة وتحسين نتائج النظم الزراعية والغذائية. وهذه المرحلة الثانية ليست مجرد عملية محاسبية، لأنها تتطلب المشاركة المستمرة من جانب أصحاب المصلحة المعنيين، بدءًا من خطوة البداية في تحديد التحديات الرئيسية، ولغاية تنفيذ أي خطة أو مشروع تحويلي. وهذا أمر بالغ الأهمية من أجل جمع البيانات المطلوبة والتحقق من صحة الافتراضات والنتائج وحساب التأثير على مستوى التوزيع لأي إجراء لاحق بغية ضمان شمولية عملية التحوّل. ولذلك فإنّ المشاورات بشأن الأولويات وتسلسل التدخلات وتكاليفها (أي تكاليف تخفيض الأثر)، فضلًا عن الجهة التي ستتحملها، تشكل أهمية أساسية في هذه المرحلة. وسيتباين مستوى تفصيل التحليل تبعًا لدقة البيانات المتاحة، حيث يؤدي التحليل النوعي دورًا أكبر من أجل تناول التجارب والمتغيرات المهمة التي تكون البيانات الكمية الخاصة بها غير جيدة أو غير متوفرة أو غير قابلة للقياس الكمي.

وباختصار، تعتمد المرحلة الأولى من عملية التقييم المقترحة في هذا التقرير على التقديرات المستقاة باستخدام منهجية تتسم بالشفافية والثبات وتعتمد على بيانات متاحة للجميع على المستوى الوطني، توفرها مؤسسات مثل منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة. وتُدرج التكاليف المستترة المقدَّرة بقيمتها النقدية، أي أنها قابلة للمقارنة عبر مختلف تدفقات رؤوس المال والتأثيرات والبلدان. ويمكنها تحقيق نتائج قابلة للمقارنة ضمن فئات التأثير داخل البلدان وفي ما بينها. ويمكن بعدها تجميع تلك النتائج على مستويات الدخل العالمية والإقليمية والقطرية للحصول على الحجم الإجمالي للمشكلة على مستويات مختلفة. غير أن عمليات التقييم الوطنية الأولية هذه غير كاملة وتعاني من عدم اليقين بسبب ندرة البيانات المتعلقة بجوانب قد تكون مهمة في سياقات معينة. وبالتالي، فإن النتائج الواردة في الفصل الثاني هي نتائج أولية وينبغي اعتبارها عملًا قيد التنفيذ. والهدف من النتائج هو رفع مستوى الوعي بشأن التكاليف المستترة للنظم الزراعية والغذائية. لكن بغية زيادة الاستفادة منها واستخدامها كمدخلات لتوجيه الأولويات على المستوى الوطني، يجب تقييم التقديرات من قبل خبراء قطريين، من أجل الحد من عدم اليقين في التقديرات وإدراج الجوانب المادية التي لم تغطيها التقديرات الأولية للتكاليف المستترة الواردة في الفصل الثاني.

وإنّ معرفة التكاليف المستترة ليست سوى مُدخل واحد فقط من المدخلات اللازمة لإسناد الأولوية للموارد والاستثمارات والإجراءات السياساتية بغية تحويل النظم الزراعية والغذائية. ويتطلب توجيه الإجراءات التحويلية معرفة إلى أي مدى يمكن تجنب التكاليف المستترة أو ما هي الكلفة المحتملة لتجنبها. وتتطلب كلفة تغيير السياسات (أي كلفة تخفيض الأثر) نوعًا مختلفًا من التحليل يعتمد على المعلومات والبيانات المحلية، وبالتالي يجب أن تكون في صميم المرحلة الثانية من التقييم.

والقاعدة العامة لاتخاذ القرار في هذه السياقات هي أنّ التغييرات في السياسات أو الاستثمارات تكون مبررة عندما تكون التكاليف المرتبطة بها أقل من المنافع المتوقعة من تخفيف أضرار الوضع الحالي. لكن قد يكون من الصعب عرض التكاليف والمنافع بقيمها النقدية في حالة الأبعاد البيئية والاجتماعية. ومن الممكن أن تؤدي عملية إضفاء القيمة النقدية على هذه الأبعاد إلى تسهيل تحليل الكلفة مقابل المنافع؛ غير أنّ لها حدودها وقد لا تكون الأداة الصحيحة لتقييم التكاليف والمنافع واتخاذ القرارات. وفي هذا الصدد، فإن إطار التقييم التابع لبرنامج اقتصاديات النظم الإيكولوجية والتنوع البيولوجي في مجال الزراعة والأغذية (البرنامج) معترف به على نطاق واسع باعتباره الطريقة الأكثر شمولًا لتطبيق حساب التكاليف الحقيقية في قطاع الأغذية الزراعية، ويجري استخدامه كمرجع عام للتقييم على مرحلتين المقترح في هذا التقرير. انظر الإطار 4 للاطلاع على لمحة موجزة عن إطار التقييم.

الإطار 4برنامج اقتصاديات النظم الإيكولوجية والتنوع البيولوجي في مجال الزراعة والأغذية باختصار

صدر إطار التقييم الخاص ببرنامج اقتصاديات النظم الإيكولوجية والتنوع البيولوجي في مجال الزراعة والأغذية (TEEBAgriFood) في عام 2018 وهو مصمَّم من أجل فهم آثار النظم الزراعية والغذائية وأوجه تكافلها مع البيئة والمجتمع وصحة الإنسان.14 وشارك في تصميمه ما يزيد عن 100 باحث بهدف إدراج كامل نطاق التكاليف والتأثيرات والتبعية على طول سلاسل الإمدادات الغذائية. وتتباين مجالات تطبيق الإطار تبعًا لنوع التكاليف والمنافع قيد التحليل وكيفية تقييمها (على سبيل المثال بصورة نقدية أو غير نقدية) والغاية من تحليلها.19

وفي خضم التحوّل بين الشركات والمؤسسات المالية نحو إصدار تقارير متعددة رؤوس الأموال، فإنّ الخطوط التوجيهية التشغيلية الخاصة بالأعمال التجارية51 الصادرة عن البرنامج تدعم تلك المنظمات من أجل تطبيق إطار التقييم التابع للبرنامج، لكي يتسنى لها فهم ومعالجة تأثيراتها وتبعيتها ضمن رؤوس الأموال الأربعة. ويعدّ ذلك نقطة تحوّل مهمة في تعميم رأس المال الطبيعي والاجتماعي والبشري في عملية صنع القرار في سلاسل القيمة المنوعة والأقاليم الجغرافية. ويمكن للشركات والمؤسسات المالية أن تكوّن فهمًا أفضل لتأثيراتها وتبعيتها وتحسين إدارتها عن طريق اتباع نُهج التقييم، وفي بعض الحالات، إصدار التقارير.

المبادئ التوجيهية لعملية التقييمعلى مرحلتين

يوضح الشكل 4 العناصر المختلفة للعملية المؤلفة من مرحلتين من أجل تحويل النظم الزراعية والغذائية بصورة مستنيرة. وانطلاقًا من الحاجة الأساسية لتحسين الاستدامة الاقتصادية والاجتماعية والبيئية للنظم الزراعية والغذائية (العمود الأحمر)، فإنّ تلبية هذه الحاجة تتطلب إجراء عمليات تقييم (العمود الأخضر) بغية مساعدة ثانعي السياسات على إسناد الأولوية للإجراءات (العمود البرتقالي) التي من شأنها تحويل النظم الزراعية والغذائية. ويتضمن التقييم في المرحلة الأولى قياس أداء النظم الزراعية والغذائية على المستوى الوطني، ويكون ذلك عادة باستخدام المؤشرات التي تحتوي على بيانات متاحة لمجموعة واسعة من البلدان. ومن شأن ذلك أن يسمح لصانعي القرار بتحديد أهم النتائج المنشودة (على سبيل المثال، خفض معدلات السمنة) وقياس المنافع المترتبة عن تحقيقها. وتتمثل المرحلة الثانية من العملية في إجراء عمليات تقييم محددة الأهداف بصورة أكبر على المستوى القطاعي أو دون الوطني. ويحدد التقييم الإجراءات التحويلية المختلفة اللازمة، ويقارن تكاليف ومنافع كل منها من أجل تخصيص الموارد لتنفيذ الإجراءات الأكثر جدوى وفعالية من حيث الكلفة.

الشكل 4 عملية التحويل المستنير للنظم الزراعية والغذائية

المصدر: من إعداد المؤلفين.
المصدر: من إعداد المؤلفين.

وسيكون من الضروري إجراء رصد دقيق للإجراءات (العمود الأزرق)، باستخدام مؤشرات تجسّد الأبعاد البيئية والاجتماعية والصحية والاقتصادية. فيتمكن صانعو القرار حينها من تقييم التأثير التوزيعي والآثار المترتبة على الإنصاف، مثل تحديد الجهة التي ستستفيد والجهة التي ستتحمل تكاليف التغيير. وسيكون من الأساسي المشاركة مع أصحاب المصلحة المعنيين من أجل ضمان توافق المصالح وتنسيق الإجراءات والمساءلة عن النتائج. وأخيرًا، ينبغي تعديل الإجراءات لضمان توافقها بأوثق صورة ممكنة مع الحاجة الأساسية الأولية.

back to top