المدير العام شو دونيو

المؤتمر العالمي بشأن التحويل المستدام في مجال الثروة الحيوانية الملاحظات الافتتاحية للدكتور شو دونيو، المدير العام لمنظمة الأغذية والزراعة

للدكتور شو دونيو، المدير العام لمنظمة الأغذية والزراعة

25/09/2023

المؤتمر العالمي بشأن التحويل المستدام في مجال الثروة الحيوانية

الملاحظات الافتتاحية

للدكتور شو دونيو، المدير العام لمنظمة الأغذية والزراعة

25 سبتمبر/أيلول 2023

 

أصحاب السعادة،

حضرات السيدات والسادة،

صباح الخير من روما.

 

يمثل هذا المؤتمر العالمي بشأن التحويل المستدام في مجال الثروة الحيوانية الأول من نوعه على الإطلاق إنجازًا عظيمًا في جهودنا الجماعية الرامية إلى مواجهة التحديات وانتهاز الفرص في قطاع الثروة الحيوانية والنظم الزراعية والغذائية العالمية.

 

وهو أيضًا أول مؤتمر دولي أحضره بعد إعادة انتخابي لولاية ثانية كمدير عام لمنظمة الأغذية والزراعة (المنظمة)، ما يكسبه معنى تاريخيًا بالنسبة إلي.

 

لقد بدأ البشر، منذ بزوغ فجر التاريخ، بالصيد، وانتقلوا بعد ذلك إلى تربية الحيوانات؛ ومذّاك، طوّرنا قطاع الثروة الحيوانية الحديث الذي نراه اليوم.

 

وهناك قول مأثور صيني يفيد: حين تجد بين يديك طبقًا من الأرز واللحم، فكُل واستمتع. وأما اليوم، فنحن حينما نتناول أطباقنا، نشكو كثيرًا مما يمكن تحسينه في ما نتناوله.

 

وفي المنظمة، نحن نعمل جنبًا إلى جنب مع الأعضاء من أجل معالجة تلك المشاكل والتصدي لها – ليس تلك المتعلقة بالثروة الحيوانية فحسب، بل أيضًا ما يتعلق، على سبيل الذكر لا الحصر، بالزراعة ومصايد الأسماك والحراجة والمياه والتربة. وقد كان ذلك سببًا أساسيًا وراء تأسيس المنظمة.

 

ولا يمكننا أن نشكو وحسب، بل علينا أن نعمل من أجل إيجاد الحلول لتلك المشاكل.

 

وقد حان الوقت لكي نبدأ حملة توضح مدى أهمية الثروة الحيوانية والإنتاج الحيواني، بما في ذلك مصايد الأسماك وتربية الأحياء المائية.

 

وينبغي أن نبدي تقديرنا لجميع الأشخاص الذين يعملون في القطاعات المعنية المتنوعة، ولا بدّ لنا من أن نعمل معًا بأسلوب شامل بغية إيجاد حلول لمشاكلنا الجماعية بأسلوب متسق.

 

وهذه هي الرسالة التي أودّ إيصالها إليكم أوّلًا اليوم.

 

فنحن نجتمع هنا من أجل مواجهة تحدٍ مُلحٍ: كيف نجعل قطاع الثروة الحيوانية أكثر كفاءة وشمولًا واستدامة وقدرة على الصمود، بموازاة تحسين الآثار الاجتماعية والمنافع التغذوية والعائدات الاقتصادية مع تحقيق قدر أكبر من الإنصاف وآثار بيئية أقل.

 

ويمثل إنتاج الثروة الحيوانية جزءًا حيويًا من نظمنا الزراعية والغذائية، فهو يوفر المغذيات الأساسية للجميع ويحسِّن سبل العيش والفرص الاقتصادية بالنسبة إلى مليارات الأشخاص حول العالم.

 

وذلك جزء من حياتنا المعاصرة، فنحن نريد إمدادات ثابتة من البروتينات. وفي البلدان النامية، ينبغي أن تتاح لنا، على سبيل المثال، إمكانية شرب الحليب كل يوم. بيد أنّ الناس، في الكثير من هذه البلدان، لا يمكنهم في أغلب الأحيان الحصول على مصادر البروتينات الضرورية لضمان مستوى أفضل من التغذية اليومية لأطفالهم ولا يستطيعون تحمّل كلفتها. وهذا ما يدعونا إلى العمل سويًا مع غيرنا من الوكالات والشركاء لكي نضمن حصول جميع الأطفال على الأقل على كوب من الحليب يوميًا.

 

ولا تزال البلدان النامية تعاني من نقص الموارد الطبيعية اللازمة لإنتاج الأغذية الأساسية الضرورية، بما في ذلك بسبب محدودية الأراضي. وفي بعض الأحيان قد تتوفر لديها أراضٍ شاسعة، ولكن يتعذر عليها إيجاد أسواق مستقرة لتصدير منتجاتها. وهذان مثالان في منتهى التناقض على المشاكل المتعلقة بقطاع الثروة الحيوانية؛ ولهذا السبب، نحتاج إلى حقائق مستندة إلى العلوم بغية ضمان رسم سياسات فعالة قائمة على المتطلبات الطبيعية الخاصة بكل بلد.

 

ويواجه قطاع الثروة الحيوانية أيضًا تحديات إضافية معقدة، مثل التدهور البيئي وفقدان التنوع البيولوجي وآثار أزمة المناخ، فضلًا عن ضعف القوة الشرائية في الدول النامية، مما يؤثر على القدرة على تحمّل تكلفة المنتجات.

 

وإن التوقعات الزراعية المشتركة بين منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي ومنظمة الأغذية والزراعة الصادرة مؤخرًا تسلّط الضوء على أنه من المرتقب أن يتوسع إنتاج الثروة الحيوانية ويتعاظم في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل، ما يفضي إلى تزايد الطلب بشكل سريع على الأعلاف خلال العقد المقبل.

 

ولذلك، سنقوم في المنظمة بالتركيز أيضًا على علف الحيوانات، وسنخطط لعقد مؤتمر عالمي بشأن علف الحيوانات في عام 2024.

 

وقد جرت العادة على أن يركّز قطاع الثروة الحيوانية على استخدام بقايا الطعام والخضار كعلف للحيوانات، ولكن ينبغي لنا الآن أن نسير باتجاه تحديث علف الحيوانات لكي نضمن مراعاته للبيئة، مع تحقيق توازن بين الحفاظ على الموارد الطبيعية واستخدام الأعلاف الصناعية، أي القيام بإعادة التدوير وتلافي الفاقد والمهدر من الأغذية.

 

ومن المتوقع أن تشهد الثروة الحيوانية، في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وشمال أفريقيا والشرق الأدنى، زيادة بنسبة تزيد عن 20 في المائة، ويعزى ذلك بصورة رئيسية إلى توسع قطاعي الألبان والدواجن، وكذلك إلى تحسّن سبل العيش نتيجة للتصنيع المقترن بزيادة عدد الأشخاص المنتقلين للعيش في المدن وحاجتهم إلى المزيد من المنتجات الحيوانية.

 

وتزوّد المنظمة الأعضاء بالدعم الفني اللازم لتعزيز مساهمة قطاع الثروة الحيوانية في تحقيق أهداف التنمية المستدامة.

 

ويكمن عملنا بشأن نظم الإنتاج الحيواني المستدامة في صلب الإطار الاستراتيجي للمنظمة للفترة 2022-2031، بهدف دعم الأفضليات الأربع: إنتاج أفضل، وتغذية أفضل، وبيئة أفضل، وحياة أفضل – من دون ترك أي أحد خلف الركب.

 

وينبغي لنا، في المنظمة، أن نركز على إنتاج أفضل، الذي يمثل الولاية الأساسية الملقاة على عاتقنا. وهذه هي المرة الأولى التي نركز فيها على إنتاج أفضل، ولذلك نستضيف هذين المؤتمرين الكبيرين هذا الأسبوع – وأقصد هذا المؤتمر المتعلق بالتحويل المستدام في مجال الثروة الحيوانية، والمؤتمر الذي سينطلق يوم الأربعاء بشأن الميكنة الزراعية المستدامة.

 

فالميكنة تعدّ أمرًا لا غنى عنه من أجل ضمان إنتاج أفضل في القطاعات الزراعية، كما أنها مستقبل الزراعة لجذب الشباب إلى هذا القطاع، وكذلك لتطوير المزارعين أصحاب الحيازات الصغيرة حول العالم.

 

ومن المهم إعادة التركيز وتحديد الأولويات، بما يتماشى مع الروح الحقيقية للولاية المنوطة بالمنظمة.

 

وسيقوم هذا المؤتمر العالمي بتقييم الطريقة التي يسهم بها قطاع الثروة الحيوانية في ضمان الأمن الغذائي والتغذية، ودمج آخر النتائج العلمية مع المعارف المحلية التي اجتازت اختبار الزمن كنموذج أعمال جديد. وينبغي لنا أن نتعلّم من بعضنا البعض، صغارًا كنا أم كبارًا.

 

واسمحوا لي أن أضرب مثالًا على ذلك، فأثناء الزيارة المشتركة التي قامت بها مؤخرًا الوكالات التي توجد مقارها في روما إلى جنوب السودان، رأينا كيف أنّ هذا القطاع، بالرغم من صغر حجمه، يتطوّر بخطى سريعة والإمكانات الهائلة التي يتمتع بها البلد لإنتاج الأرز، على سبيل المثال، مع إمكانية تزويد منطقة شرق أفريقيا بأكملها بالأرز. وهذا يعني أنه ينبغي لكبار المستثمرين من أوروبا أو أمريكا الشمالية أو آسيا الاستثمار في بلدان تتمتع بالقدرة على الإنتاج على المستوى العالمي، مثل جنوب السودان.

 

وينبغي لنا أن نبني اقتصادًا تشاركيًا عالميًا حقيقيًا، يستند إلى الإنتاج الزراعي.

 

وسيوفر هذا المؤتمر العالمي بيانات قائمة على الأدلة من أجل وضع سياسات فعالة لزيادة الإنتاجية عن طريق الابتكارات الهادفة إلى تحسين الأعلاف والموارد الوراثية الحيوانية وممارسات تربية الحيوانات، مع إيلاء اهتمام خاص للصحة الحيوانية والرفق بالحيوان، على طول سلسلة القيمة برمتها وفي مرحلة ما بعد الحصاد وتجهيز الأغذية.

 

وهو منصة فريدة تجمع صانعي السياسات والباحثين والمزارعين والرعاة والشركاء الآخرين، من أجل تبادل الأفكار والخبرات ومناقشة الحلول المبتكرة للتحديات الراهنة وتحديد الإجراءات الملموسة الواجب اتخاذها لزيادة الاستدامة والقدرة على الصمود في قطاع الثروة الحيوانية وخارجه.

 

وتوفر المنظمة، بعقدها هذا المؤتمر، منصة حيادية لجميع الجهات الفاعلة في جميع الأقاليم من أجل تسليط الضوء على المعارف المتاحة وضمان المساواة في حصول الجميع على آخر المعلومات والابتكارات.

 

ويمكننا، من خلال مبادرة العمل يدًا بيد التابعة للمنظمة، أن نوفر تصميمًا شاملًا لتنفيذ المسارات الوطنية. ومن خلال منتدى الاستثمار الخاص بمبادرة العمل يدًا بيد الذي سينعقد كجزء من منتدى الأغذية العالمي لعام 2023، يمكننا أن نجذب الشركاء الرئيسيين لدعم البلدان في تنفيذ خططها الاستثمارية.

 

وستتمثل العناصر الرئيسية التي سيركز عليها أيضًا منتدى الأغذية العالمي في النساء والشباب والمزارعين الريفيين، والعلوم والابتكار.

 

ولعلّ المنظمة كبيرة وقديمة، ولكنها المنصة العالمية الأكثر موثوقية، إذ تتسم بميزة نسبية لا مثيل لها في مجالي الأغذية والزراعة لتقاسم المعارف وجمع كل الجهات الفاعلة والشركاء من أجل استكشاف كامل الإمكانات التي يتمتع بها قطاع الأغذية والزراعة.

 

وهذه هي الطريقة التي يمكن بها للمنظمة أن تغير نموذج الأعمال العالمي.

 

الزملاء الأعزاء،

 

إذا أردنا أن ننتج المزيد بقدر أقل من الموارد، يجب علينا أن نركز على زيادة الكفاءة، عن طريق أمور منها تحسين تحويل الأعلاف، وخفض الفاقد والمهدر من الأعلاف، وتحسين استخدام المغذيات.

 

ومن خلال القيام بذلك، يمكننا تخفيف الضغط على التنوع البيولوجي والأراضي والموارد المائية، وخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، وتقليل التدهور البيئي.

 

وبغية تسريع وتيرة التحويل المستدام في مجال الثروة الحيوانية وتحويل النظم الزراعية والغذائية، يجب علينا أن نعتنق مبادئ صحة واحدة من خلال دمج الخبرات والمنظورات المتعددة التخصصات.

 

ويجب علينا أن نخفّف من مخاطر الأمراض الحيوانية المنشأ، وكذلك مقاومة مضادات الميكروبات، من خلال معالجة الإفراط في استخدام مواد مضادات الميكروبات وسوء استخدامها في الطب البشري والإنتاج والصحة الحيوانيين على حدٍّ سواءٍ، بما في ذلك المحاصيل وتربية الأحياء المائية.

 

ولذلك نبدأ بقطاع الحيوانات ومن ثم ندمج جميع الخبرات من كل القطاعات المعنية في نهج صحة واحدة.

 

وبإمكان المنظمة أن تجمع أبرز العلماء من جميع القطاعات المعنية لكي يعملوا مع الأعضاء من أجل صياغة استراتيجياتهم الوطنية المتعلقة بنهج صحة واحدة.

 

ويبدأ نهج صحة واحدة بالحيوانات، لكنه لا يقف عندها – بل إنّ نطاقه أوسع من ذلك بكثير. وإنّ المنظمة تتطلّع قدمًا إلى العمل مع جميع الأعضاء الراغبين في اتباع هذا النهج الأوسع نطاقًا لصحة واحدة.

 

ويجب أن تسترشد مناقشاتنا هذا الأسبوع بمبادئ الشمول والمساواة والاستدامة للجميع، بالتركيز على إشراك المزارعين أصحاب الحيازات الصغيرة والرعاة ومجتمعات الشعوب الأصلية والفئات المهمشة في رسم معالم نظم الثروة الحيوانية المستدامة التي لا تترك أي أحد خلف الركب.

 

وخلال هذا المؤتمر، سنسمع أيضًا آراء الشباب من خلال "حوار الشباب"، بغية تقاسم الفرص والحلول لتمكين الشباب في قطاع الثروة الحيوانية.

 

وإنني أتطلّع قدمًا إلى المناقشات التي سنجريها وإلى تبادل خبراتنا ورؤانا وتجاربنا الجماعية، وإلى إيصال هذه التوصيات إلى اللجنة الفرعية المعنية بالثروة الحيوانية التابعة للجنة الزراعة في المنظمة. ولن تقف التوصيات عند هذه اللجنة الفرعية الصغيرة فقط، بل ستُرفع إلى مستويات أعلى، من أجل تحديد جميع الإجراءات اللازم اتخاذها في عمل المنظمة لدعم الأعضاء من أجل وضع نموذج يحتذى به لتحويل قطاعي الثروة الحيوانية والزراعة على أوسع نطاق.

 

فلنواصل تعزيز الزخم، بروح التعاون والابتكار، من أجل عقدٍ من العمل من أجل التحويل المستدام في مجال الثروة الحيوانية ومجالات أخرى.

 

ومعًا، يمكننا أن نبني مستقبلًا أكثر كفاءة وشمولًا واستدامة وقدرة على الصمود لقطاع الثروة الحيوانية، ولقطاع الزراعة، وكذلك من أجل التماسك الاجتماعي والبيئي.

 

ونحن بحاجة إلى مياه نظيفة وبيئة سليمة ومنتجات مستدامة وقائمة على الطبيعة – لا يمكن إنتاج جميعها في المصانع. فنحن ما زلنا نعتمد على الطبيعة في تأمين مواردنا.

 

ولننتقل من الأقوال إلى الأفعال، تحقيقيًا للازدهار، ولما فيه صالح الناس والكوكب.

 

وشكرًا على حسن إصغائكم.