الصفحة السابقةالمحتوياتالصفحة المقبلة

تباين أداء البلدان

يخفي التقدم العام الذي تحقق في خفض أعداد ناقصي الأغذية في العالم النامي فيما بين 1990-1992 و1997-1999 اتجاهات متعارضة بشدة في كل بلد على حدة. فبعض البلدان حقق تقدما بارزا في حين تحرك البعض الأخر إلى الأمام بصورة أبطأ أو ظل مكانه دون حركة. غير أن هناك بلدان أخرى تعاني انتكاسات معتدلة في معظم الحالات وقد تشتد في حالات بعينها. فالبلدان التي تحقق أداء جيدا قد تصل إلى ذلك من خلال طريق أو أكثر. فقد تخصص المزيد من الموارد لزيادة الإنتاج الزراعي كأفضل خيار لزيادة النمو الإقتصادى، ومن ثم خلق مجتمع أكثر إنصافا إذا تمكن صغار المزارعين وفقراء المستهلكين من المشاركة والإستفادة. وعلى العكس من ذلك، قد تستورد هذه البلدان كميات كبيرة من الأغذية أما بالشراء من أسواق السلع الدولية أو الحصول عليها في شكل معونة غذائية. أما البلدان المتضررة من الحروب الأهلية طويلة الأجل أو التي تعرضت لصدمات مفاجئة قصيرة الأجل، فقد تحقق أداء أفضل من المتوقع من خلال الطريق الثاني. وعلاوة على ذلك، فإن الأداء الجيد قد يعكس حالة انتعاش عن فترة سابقة من الأداء الرديء- مثل الانخفاض الشديد في نسبة ناقصي الأغذية نتيجة لانتعاش الزراعة بعد نهاية الحرب الأهلية. كما أن العكس صحيح في حالة الأداء السلبي.

تباين درجات الأداء

إذا كانت كل الأمور الأخرى متساوية، فإن التغييرات في عدد ناقصي الأغذية في بلد ما سوف يكون بالتناسب مع حجم سكانه، فكلما زاد عدد السكان، زادت الزيادة أو النقص المتوقع. غير أن السكان قد يكون لهم دير آخر مثير للاضطراب في الإحصاءات الخاصة بنقص التغذية. ففي حين أن الإرتفاع في نسبة ناقصي الأغذية يعني ارتفاعا في أعدادهم المطلقة، فإن الإنخفاض لا يعني بالضرورة إنخفاضا في العدد. فارتفاع معدل نمو السكان، مثلا، قد يؤدي إلى زيادة في الأعداد المطلقة. وهكذا فإن التغييرات في نسبة ناقصي التغذية قد توفر مقياسا للأداء منفصلا عن تأثيرات النمو السكاني وما يرتبط به من تغيرات. وانطلاقا من التحليل على هذا الأساس، يمكن تحديد 12 بلدا باعتبارها "من أفضل البلدان أداء"، أي أنها خفضت نسبة ناقصي الأغذية فيها بأكثر من نقطة مئوية واحدة سنويا من 1990-1992 إلى 1997-1999. وعلى الطرف الآخر، نجد ان هناك 10 بلدان يمكن وصفها بأنها "من أسوأ البلدان أداء"، حيث أن نسبة ناقصي الأغذية فيها ارتفعت بأكثر من نقطة مئوية واحدة سنويا (أنظر الشكل رقم 4). وقد يبدو إدراج بعض بلدان هذه القائمة أمرا مخالفا للحقيقة. فعلى سبيل المثال، وبالنظر إلى تصورات اليوم، قد لا يتوقع أن يظهر السودان في الصورة. غير أن النقطة التي تذكر هي أن البيانات تعكس التغيرات فيما بين فترتين إحداهما تتركز حول 1991 والأخرى حول 1998، وعلى ذلك فإن حالة الجفاف الحالية في السودان الذي يعاني الحرب لم تظهر بعد في البيانات. و يوجد أسوأ البلدان وأفضلها أداء في جميع الأقاليم النامية، بما في ذلك أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى حيث توجد أعلى نسبة لناقصي الأغذية بين مجموع السكان. والواقع أن في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى سبعة من أفضل البلدان أداء وأربعة من أسوأ البلدان أداء. ويعكس ذلك جزئيا التنوع الشديد في استجابة السكان للظروف الأيكولوجية الزراعية المتغيرة بصورة مختلفة وسريعة، كما يعكس بيئة السياسات في الإقليم.

غير أن نسبة ناقصي الأغذية في غالبية هذه البلدان الأفريقية كانت مرتفعة للغاية في 1990-1992. وكانت هذه النسبة عالية في 1997-1999حتى في حالة أفضل البلدان أداء، مثل تشاد وموزامبيق وملاوى وأنغولا. ونظرا لارتفاع معدلات النمو في السكان (2. 3 في المائة سنويا)، لم تنجح موزامبيق وأنغولا في خفض أعداد ناقصي الأغذية بدرجة كبيرة على الرغم من أدائهما الجيد. ويؤكد ذلك النمو المرتفع في السكان الذي يلتهم حالات الخفض في أعداد ناقصي الأغذية.

وعلى الرغم من أن هذه النتائج تتأثر بالحجم المطلق للسكان في مختلف البلدان فضلا عن معدلات نموهم، فإن عدد السكان الذي يضاف أو يخصم من مجموع عدد ناقصي الأغذية يتأثر بالمعدل العام للتقدم. ويتضمن الجدول رقم 1 عشرة من أعلى البلدان مساهمة بصورة إيجابية أو سلبية من حيث إضافة أو خصم ملايين السكان من المجموع العالمي. غير أنه يتعين إبداء بعض التعليقات هنا على التغييرات في الأعداد على المستوى القطرى:

دور النمو السكاني والتنميةالزراعية

كما أشير سلفا، يعاني معظم البلدان النامية من زيادة كبيرة في الأعداد المطلقة لنقص الأغذية. ويعتبر ذلك إتجاها مثيرا للقلق يخفيه الأداء الأفضل كثيرا لعدد قليل من البلدان.

ونظرا للنمو السكاني، تتطلب عملية تصحيح الإتجاه إما زيادة سرعة النمو في نصيب الفرد من الأغذية أو الحصول عليها بصورة أكثر إنصافا أو توليفة من الإثنين. غير أن الأهمية النسبية لهذين الطريقين في خفض نقص الأغذية تتباين بحسب الأوضاع النوعية في البلد المعني ومختلف العوامل السائدة في فترة زمنية معينة. غير أنه حيثما يوجد نقص شديد في التغذية بين الفئات شديدة الفقر، يتعين على الحكومات وشركائها في المجتمع الدولي التدخل بصورة مباشرة من خلال مجموعة من "برامج شبكة الأمان".

ويقدم الجدول رقم 2 أعداد السكان والكميات المتوافرة من الأغذية ومعدلات نمو الإنتاج بالنسبة لفئتين من البلدان: تلك التي تزايدت فيها أعداد ناقصي الأغذية بدرجة كبيرة وتلك التي انخفضت فيها هذه الأعداد خلال الفترة من 990 1-1992 إلى 997 1-999 1. وحسبما هو متوقع، فإن الفئة الأولى تتسم بمعدلات نمو أعلى في أعداد السكان ومعدلات نمو أقل في نصيب الفرد من الأغذية بالقياس إلى الفئة التي تنخفض فيها أعداد ناقصي الأغذية.

وعلاوة على ذلك فإن نصيب الفرد من الأغذية ومعدلات نمو الإنتاج الزراعي في الفئة الأولى كانت أقل بكثير من الفئة الثانية، الأمر الذي يبرز الدور الحيوى للتنمية الزراعية في زيادة الكميات المتوافرة من الأغذية على نحو أكثر سرعة.

وأخيرا يوفر الجدول أيضا معلومات عن التغييرات في الموارد المحلية والخارجية المخصـصة للزراعة. ومرة أخرى تتوافق هذهـ المعلومات مع مجموعتي البلدان. فالموارد المحلية الموجهة إلى الزراعة تمثلها القيمة الإجمالية الصافية لرأس المال المخصص للزراعة، أي الثروة الحيوانية والجرارات وأعمال الري والتحسينات في الأراضي والمحاصيل المعمرة وما إلى ذلك. ويعكس التغيير السنوى في هذه القيمة حجم الاستثمارات القطرية في الفراعة. أما الموارد الخارجية (المساعدات الخارجية) الموجهة إلى الزراعة، فتشير إلى الإلتزامات التي أعلنتها الوكالات المتبرعة الثنائية ومتعددة الأطراف التي تقدم الدعم للتنمية الزراعية. وفي البلدان التي زادت فيها أعداد ناقصي الأغذية وانخفض نصيب الفرد من الإنتاج الغذائي والزراعي بشدة ، إنخفض بالتالي إحتياطي رأس المال بوصفه ملازما لنسبة العاملين في الزراعة، في حين ارتفع في الفئة التي ينخفض فيها عدد ناقصي الأغذية. ومن ناحية أخرى فإن مستوى المساعدات الخارجية للزراعة، معبرا عنه بنسبة عدد العمال في الزراعة، انخفض في كلا الفئتين، ولكن الإنخفاض كان أكبر في الفئة الأولى. ويشير ذلك إلى أن الأداء السيئ لهذه الفئة يمكن إرجاعه بسهولة إلى عدم كفاية الموارد المخصصـة للتنمية الزرا عية.

ويظهر التناقض فيما يتعلق بالتغيير في الموارد الموجهة إلى الزراعة بصورة أوضح لدى مقارنة فئة افضل البلدان أداء بتلك الخاصة بأسوأ البلدان أداء (على النحو الوارد في الجدول رقم 3).

تصنيف المتغيرات

في سياق هذا التحليل المبدئي، يمكن تحديد مجموعتين من المتغيرات باعتبارهما من العوامل الأكثر ارتباطا بالتغيرات في مدى إنتشار نقص الأغذية:

1) المتغيرات التي تعكس الصدمات القطرية الشديدة (حسبما تقاس بوتيرة الطوارئ الغذائية، وفقد الحقوق المدنية، وإنخفاض العمر المرتقب عند الميلاد) ؛

2) المتغيرات التي تعكس النمو في الإنتاجية الزراعية.

وبأسلوب آخر، هناك تناسب عكسي واضح بين حدوث الصدمات (سواء كانت كوارت طبيعية أو من صنع الإنسان) وخفض أعداد ناقصي الأغذية، كما أن هناك ارتباطا قويا بين زيادة الإنتاجية الزراعية وخفض أعداد ناقصي الأغذية. وزيادة تعزيز وجهة النظر المتوازنة هذه بشأن الكيفية التي يمكن بها الحد من نقص الأغذية، هو محور دراسة أجراها أخيرا المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية، الذي درس العلاقات بين مجموعة من العوامل وخفض أعداد الأطفأل ناقصي الوزن في 63 بلدا من البلدان النامية فيما بين 970 1- 1995. وأشارت الدراسة إلى أن التأثيرات الإحصائية لانخفاض أعداد الأطفال ناقصي الوزن تركز على المعوقات النسبية التالية:

وفي الختام، فإن أي محاولة للسعي إلى العثور على سبب بسيط للأداء الجيد أو السيئ مصيرها الفشل. ذلك أن عددا قليلا فحسب من المتغيرات لا يفسر الأوضاع القطرية شديدة التنوع بل والفريدة من نوعها. وتبين تحليلات منظمة الأغذية والزراعة أن الإنتاج الغذائي والحصول على الأغذية أمران مهمان، إلا أنهما ليسا العاملين الوحيدين المؤثرين. فالحروب الأهلية والصدمات الشديدة الأخرى تساعد في تفسير الأوضح في مجموعة فرعية من البلدان، إلا أن النتائج هنا قد تعكس دور المعونة الغذائية وصمود القطاعات الزراعية التي تعاني من الإجهاد. ومن الممكن التكهن بأن تعليم النساء ومستويات الصحة الأساسية قد تكون عوامل أكثر أهمية في البلدان ذات الظروف الأكثر إستقرارا. ومن المهم في هذه التحليلات ألا تجري على المستوى الدولي فحسب، إنما داخل البلدان ذاتها باستخدام البيانات الأساسية السليمة وتوظيف الموارد اللازمة لرصد وتقييم التغييرات في المؤشرات الرئيسية من وقت إلى آخر.

نساء يعبئن الفاصوليا في أوعية زجاجية


الصفحة السابقةاعلى هذه الصفحةالصفحة المقبلة