مكتب منظمة الأغذية والزراعة الإقليمي للشرق الأدنى وشمال أفريقيا

تخضير الزراعة - معالجة شح المياه وضمان الاستدامة البيئية والعمل المناخي

من العواصف الرملية والترابية إلى الاستدامة: كيف تُنعش المجتمعات الرعوية المراعي

©FAO/Richard Trenchard

فداء حداد - 12/07/2025

في الثاني عشر من يوليو/تموز من كل عام، نحتفل باليوم العالمي لمكافحة العواصف الرملية والترابية، لتوعية السكان حول العالم بخطر هذه العواصف، التي تعد واحدة من أكثر الظواهر الطبيعية انتشارًا في العالم على الرغم من أنها، وإلى يومنا هذا، لا تحظى بالاعتراف المطلوب، وكذلك دعوة السكان إلى التحرك لاتخاذ الإجراءات اللازمة لمواجهتها. وفي منطقة الشرق الأدنى وشمال أفريقيا على وجه الخصوص، أصبح التحدي أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى. فالصحراء الشاسعة، إلى جانب أنماط المناخ المتغيرة وتدهور الأراضي الناجم عن الأنشطة الإنسانية، جميعها عوامل تساهم في توسيع نطاق هذه العواصف وتفاقم من شدتها. ومن الصعب تجاهل العواقب الناجمة عن العواصف الرملية والترابية، مثل عرقلة الطرقات وتلف المحاصيل وإرهاق أنظمة الرعاية الصحية، لأن ذلك كله يهدد أجندات التنمية الوطنية والإقليمية وأهداف التنمية المستدامة.

المشهد المتغير للعواصف الرملية والترابية

من كثبان الصحراء الكبرى الضاربة في القدم، إلى قرى الواحات ومدنها والأراضي الزراعية، فلطالما كانت العواصف الرملية والترابية جزءًا من السمات الطبيعية لمنطقة الشرق الأدنى وشمال أفريقيا، إلا أن مواصفاتها وتواتراها الحديثة تكشف عن تحديات أعمق، حيث أن تغيّر المناخ يزيد من تواتر حالات الجفاف، بينما يحد الرعي الجائر والري غير المستدام من قدرة التربة على الصمود، تاركًا الأراضي الطبيعية عُرضةً للتعرية. ومع انطلاق عقد الأمم المتحدة لمكافحة العواصف الرملية والترابية (2025-2034)، تُواجه الجهات الإقليمية والعالمية الفاعلة تهديدات قد تخفى عن أعين البعض مما يتطلب إجراءات ملموسة.

التداخل بين الرعي وتنمية الموارد الطبيعية

يُحافظ الرعاة والرعاة الزراعيون في منطقة الشرق الأدنى وشمال أفريقيا على نمط حياة متوازن ودقيق، إذ ينقلون مواشيهم عبر المراعي الموسمية وبرك المياه. ومع ذلك، عندما تشتد حدة الجفاف والعواصف الترابية، تتعثر قدرة هؤلاء على التنقل، مما يتسبب في توسع ممرات الرعي مع قلة البراعم الخضراء، واختفاء مصادر المياه أو ميلانها للملوحة، ليواجه الرعاة وحيواناتهم ظروفًا طبيعية جديدة قاسية.

وتُشير العديد من الدراسات إلى أن الرعاة يلجؤون للبحث عن مصادر المياه الآمنة عند رغبتهم بالتنقل والتكيف مع الظروف المناخية القاسية في المنطقة. وفي الوقت نفسه، وسّع المزارعون نطاق الزراعة في الأراضي الرعوية بفضل التحديثات والإصلاحات التي طرأت على الأراضي. وغالبًا ما يؤدي هذا الاستخدام المشترك للأراضي والمياه إلى نشوب بعض النزاعات، لا سيما عندما تُلحق الماشية الضرر بالمحاصيل أو عندما تُصبح موارد المياه شحيحة.

وإدراكًا لهذا الواقع الهش، تُسلّط السنة الدولية للمراعي والرعاة لعام 2026 الضوء على هذه المجتمعات، مُؤكّدةً على الحاجة المُلِحّة للتدخلات التي تُربط بين الأراضي الطبيعية والمناخ وسبل العيش.

السودان: إعادة بناء الروابط بين الأشجار والمراعي والسكان

في السودان، يشكل الرعاة منذ أمد طويل ما يزيد على 20 في المائة من تعداد السكان. وقد تطور الرعي على مر السنين بفعل الظروف المناخية والبيئية، ليصبح أسلوب حياة ونظامًا لاستخدام الموارد الطبيعية وإدارتها. وتبرز في الوقت الحالي حلول عملية لمساعدة المجتمعات المحلية على التكيف وإصلاح النظم الإيكولوجية.

ففي كردفان، تعمل مبادرة الأصماغ من أجل التكيف وتخفيف التغيير المناخي في السودان على عكس آثار التصحر والعواصف الترابية من خلال تعزيز النظم الإيكولوجية ودعم المجتمعات التي تعتمد عليها. وتتلقى أكثر من 500 جمعية منتجة للأصماغ التدريبات، وتتاح لها إمكانية الوصول إلى بنية تحتية عالية الجودة وأسواق القيمة المضافة. وتذهب المبادرة إلى أبعد من ذلك، فتعيد إحياء ممرات المراعي وتأهيل نقاط الري، مما يُتيح للرعاة حرية نقل قطعانهم دون التسبب في تدهور فسيفساء الغابات والحراجة الزراعية الهشة، مما يُؤدي إلى تجديد دورة الحياة، حيث يحتجز الصمغ الأخضر الكربون، ويدعم الأسواق، ويُسيطر على الرمال المتحركة.

وفي سياق آخر، تشهد الغابات النهرية على طول نهر النيل في السودان تحولاً مختلفاً. ففي 33 محمية للغابات، تدمج منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة بين الحفاظ على التنوع البيولوجي وتنمية سبل العيش، مستخدمةً تخطيطاً تكيفياً لاستخدام الأراضي للحد من الرعي والزراعة غير المستدامين. وفي مناطق السهول الفيضية هذه، تساعد المحميات الخضراء على الحد من الرياح الترابية وتساهم في تحقيق العديد من الفوائد البيئية والاجتماعية.

في الوقت نفسه، يستفيد صغار المزارعين والرعاة والرعاة الزراعيون في السودان من الإدارة المتكاملة لمستجمعات المياه. ومن خلال رؤية تتطلع لإنتاجية ذكية مناخياً، يُشجع المشروع المزارعين على تبني تقنيات معالجة زراعية أنظف، وتعزيز مهاراتهم المالية، وتوسيع أسواق منتجات الألبان والحبوب والفواكه واللحوم والأعشاب. وتُعد النساء والشباب عنصراً أساسياً في هذه الجهود، إذ يضطلعون بأدوار قيادية ويغتنمون فرصاً ريادية جديدة. ومن خلال تنويع مصادر الدخل وأنظمة التربة والمياه المدعومة، تصبح هذه المجتمعات أكثر قدرة على مواجهة مواسم الأتربة وآثار الجفاف.

موريتانيا: زراعة الأمل في المراعي القاحلة

في موريتانيا، تعتمد منظمة الأغذية والزراعة نهجًا قويًا في مجال التجديد على نطاق مستجمعات المياه. وفي الجنوب الشرقي من البلاد، تحظى المجتمعات الرعوية بالمزيد من الفرص للوصول إلى استراتيجيات مستدامة لإدارة المياه، وأساليب زراعية مُكيّفة مع الجفاف، وحوكمة تشاركية. وأصبحت الحلول القائمة على الطبيعة، مثل التسوية المحيطية للتربة والغرس المحلي وحصاد المياه، ممارساتٍ شائعة، مما يُقلل من التعرية، ويحجز المياه، ويُغذّي الأعلاف. وتنجم عن هذه الجهود فوائد بيئية واقتصادية، وتُتيح فرصًا مرتبطة بالثروة الحيوانية والحبوب والزراعة الحراجية في ظلّ تزايد مخاطر المناخ.

واستكمالًا لهذا النهج، تدعم مشاركة المنظمة في سلاسل قيمة المنتجات الحرجية غير الخشبية طموح مبادرة (الجدار الأخضر العظيم) الأوسع. في موريتانيا والبلدان الجافة المجاورة، يمكن استخلاص إرشاداتٍ للحصاد المستدام مُستندة إلى البيانات من خلال التقييمات التي يتم إجراؤها على المنتجات الحرجية غير الخشبية. ويؤدي ذلك إلى موارد قابلة للتسويق للمجتمعات، وتعزيز التنوع البيولوجي، ودعم النظم البيئية بحيث تقاوم كلًا من العواصف الرملية وتدهور الأراضي.

في سياق موازِ، يجسد مشروع أوكار للتنمية الشاملة وتطوير الشعب الحيوانية (أوكار) هذه الرؤية في السياسات الوطنية. ويهدف الابتكار المؤسسي هنا إلى المواءمة بين التكنولوجيا والقدرة على الصمود والنهج الشمولي. ويحصل المنتجون على مدخلات وخدمات سوقية مُلائمة للمناخ، بينما تتعلم أنظمة الحوكمة كيفية توقع الجفاف والتصحر وحتى الظواهر الترابية. ويعمل البرنامج على ترسيخ مفهوم الابتكار الرعوي في القطاعين العام والخاص، مما يضمن التكامل بين جهود التعافي المبذولة والفرص الناشئة.

وتُعدّ كل من موريتانيا والسودان جزءًا من مبادرة الجدار الأخضر العظيم. وإلى جانب الإصلاح الإيكولوجي، تلعب المبادرة دورًا حيويًا في تعزيز سبل عيش المجتمعات الرعوية والريفية من خلال تحسين وصولها إلى المياه والمراعي، وإعادة تأهيل المراعي، وإحياء طرق الترحال التقليدية.

الدورة السابعة والعشرون لهيئة الغابات والمراعي في الشرق الأدنى في أبها

في الفترة من 28 سبتمبر/أيلول إلى 2 أكتوبر/تشرين الأول 2025، تستضيف مدينة أبها في المملكة العربية السعودية الدورة السابعة والعشرين لهيئة الغابات والمراعي في الشرق الأدنى، والاحتفاء بمسيرة تمتد إلى 70 عامًا من التعاون الإقليمي المثمر. وبالشراكة مع المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي ومكافحة التصحر في المملكة العربية السعودية، ستجمع الدورة نخبة من صناع السياسات والخبراء الفنيين والقادة الشباب ورواد الابتكار لدراسة الحلول الموجهة نحو الغابات والمراعي في مجال تُعدّ فيه مكافحة العواصف الرملية والترابية في صدارة الأولويات. بالتوازي مع ذلك، يسلّط الأسبوع السادس للغابات في الشرق الأدنى الضوء على الابتكارات المستحدثة في التكنولوجيا البيئية، والجهود التعاونية التي يقودها الشباب، والحوارات بين القطاعات، مُؤكدًا بذلك على الرؤية الجماعية لأراض طبيعية قادرة على الصمود.

رحلة مشتركة للانتقال من التوعية إلى العمل

فيما نحتفل باليوم العالمي لمكافحة العواصف الرملية والترابية، يجب أن نُؤكد على أن هذه العواصف هي عبارة عن قوى عاتية يُمكنها تشكيل الاقتصادات والنظم الإيكولوجية والتقدم البشري. وفي منطقة الشرق الأدنى وشمال أفريقيا، يُثبت التآزر بين قدرة الرعاة على الصمود، وإصلاح الأراضي الطبيعية، والسياسات المتكاملة أن بالإمكان مواجهة التحديات القديمة على نحو أفضل من خلال حلول عصرية تتأصل فيها المعرفة المحلية. من غابات الصمغ في السودان إلى مستجمعات المياه الصامدة في موريتانيا، تُنير هذه المشاريع التي تدعمها منظمة الأغذية والزراعة الطريق نحو مستقبل جديد تتحول فيه الأراضي الترابية إلى ممرات خضراء تُرسم فيها المجتمعات المحلية مستقبلًا مستدامًا، وتتحول فيها الأراضي من حالة الضعف إلى القدرة على الحياة والنَّماء. وبنظرة استشرافية، يُتيح مؤتمر هذا العام الفرصة أمامنا للاحتفال بالتقدم المحرز ويرسم لنا خارطة الطريق نحو المستقبل.

 

بقلم فداء حداد

مسؤول أول برامج الغابات في المكتب الإقليمي للشرق الأدنى وشمال أفريقيا لمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة