مكتب منظمة الأغذية والزراعة الإقليمي للشرق الأدنى وشمال أفريقيا

خبرات تقنية

دعم أنظمة الغذاء الحضرية والريفية من خلال الإنتاج المحلي والحد من هدر الغذاء

30/10/2024

يفتح تسارع وتيرة التحضر في الشرق الأدنى وشمال أفريقيا، أمام المنطقة المزيد من الفرص، ولكن في الوقت ذاته، يضعها أمام العديد من التحديات الهائلة. وفي ظل التوقعات التي تشير إلى أنه بحلول عام 2050، سيعيش 73 في المائة من السكان في المدن، أي ما يتجاوز 450 مليون شخص، فإن أنظمة الغذاء في المنطقة تتعرض لضغوط شديدة لتلبية المتطلبات المتزايدة لسكان المدن. ويصاحب هذا التوسع الحضري السريع تدهور بيئي وندرة في الموارد وتفاقم لنقاط الضعف في مواجهة تغير المناخ.

ونظراً لذلك، من المهم أن نتساءل كيف يمكن لمنطقة الشرق الأدنى وشمال أفريقيا معالجة التحديات المتقاطعة للأمن الغذائي والاستدامة البيئية. ويوفر المنتدى الحضري العالمي المقبل في نسخته الثانية عشرة والذي سيُعقد في العاصمة المصرية القاهرة، فرصة مناسبة لمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (المنظمة) لمعالجة هذه القضايا، وسيشكّل منصة لمناقشة الحلول المبتكرة التي يمكن أن تعزز الروابط بين المناطق الحضرية والريفية وتروّج للمدن الخضراء.

التوسع الحضري والأمن الغذائي والقدرة على التكيف مع المناخ: مواجهة تحديات الشرق الأدنى وشمال أفريقيا

لقد أدى التحول الذي شهدته منطقة الشرق الأدنى وشمال أفريقيا نتيجة التوسع الحضري السريع، والذي غالباً ما غاب فيه التخطيط الشامل لاستخدام الأراضي، إلى فقدان الأراضي الطبيعية والزراعية لصالح التنمية الحضرية. كما وصل التعدي الحضري إلى الغابات والأماكن الطبيعية والمناطق الخضراء في المدن وحولها، لأغراض الحصول على الوقود ومواد البناء والتوسع، وهو ما يؤثر بشدة على الاستدامة البيئية. وإلى جانب تغيّر المناخ، تفرض هذه الديناميكيات تحديات مهمة على أنظمة الغذاء في المنطقة.

في منطقة الشرق الأدنى وشمال أفريقيا، تُعدّ المدن مراكز الاستهلاك الأساسية، إلا أن قدرتها على تلبية الطلب المتزايد على الغذاء تعوقها ندرة الموارد الطبيعية، ومحدودية المياه، وتغير المناخ، والنزاعات الدائرة. ويؤدي النمو السكاني الحضري إلى تغييرات في الأنماط الغذائية، بما في ذلك تفضيل الأغذية كثيفة الطاقة والأغذية المعالجة، كما يؤدي إلى تعقيد سلاسل التوريد، وانخفاض إنتاج الغذاء الريفي. وتؤثر هذه التحولات بشكل كبير على توفر الغذاء وأسعاره، ملقية بظلالها على الأمن الغذائي والتغذية في المنطقة. لذلك، ثمة حاجة إلى سياسات واستراتيجيات خاصة بأنظمة الأغذية الزراعية للتكيّف مع هذه التعقيدات ومعالجتها في البيئات الحضرية والريفية.

وتزيد الهجرة من الريف إلى الحضر من تعقيد هذه التحديات. فمع انخفاض الإنتاج الزراعي بسبب تغير المناخ وزيادة الفقر وانعدام الأمن في حيازة الأراضي، ينتقل الناس إلى المدن بحثاً عن فرص حياة أفضل. وإلى جانب هذه الهجرة، تعاني المنطقة أيضاً من مستويات عالية من سوء التغذية. ففي عام 2023، عانى 66.3 مليون شخص في البلدان العربية من نقص التغذية، في حين بلغت معدلات السمنة أكثر من 32 في المائة، مما يؤكد العبء المزدوج لسوء التغذية.

الربط بين المساحات الحضرية والريفية من أجل التنمية المستدامة

إن معالجة التحديات المتشابكة في منطقة الشرق الأدنى وشمال أفريقيا المتمثلة في الأمن الغذائي والتوسع الحضري والتدهور البيئي تتطلب نهجاً شاملاً يسد الفجوة بين المناطق الحضرية والريفية. ومن المجالات الحاسمة التي يجب التركيز عليها في هذا السياق تعزيز نظم الأغذية الزراعية المستدامة التي يمكن أن تدعم الاحتياجات المتزايدة لسكان المدن مع ضمان قدرة المجتمعات الريفية على البقاء.

وعلى هذا الأساس، فإن مبادرات منظمة الأغذية والزراعة في جميع أنحاء المنطقة مصممة من أجل تعزيز هذه الروابط بين الريف والحضر. ففي مصر، يعمل مشروع يستهدف النساء والشباب على تحسين الأمن الغذائي للأسر من خلال إنتاج الغذاء في المزارع، وتربية الحيوانات الصغيرة، والتثقيف الغذائي. وعن طريق صقل المهارات وتوفير الفرص أمام الأعمال الريادية، يعمل هذا المشروع على تمكين الفئات السكانية الضعيفة وبناء القدرة على الصمود في مواجهة انعدام الأمن الغذائي. ولا تعمل هذه التدخلات على تعزيز سبل العيش الريفية فحسب، بل تساعد أيضاً في تزويد الأسواق الحضرية بالأغذية المغذية المنتجة محلياً، مما يساهم في إنشاء نظم أغذية زراعية أكثر تكاملاً وقدرة على الصمود.

وفي تونس، تعتمد منظمة الأغذية والزراعة إطاراً استراتيجياً مبتكراً لمعالجة هدر الغذاء في مدينتي تونس وحلق الوادي من خلال إطلاق مشروع "الحد من الهدر الغذائي في الوسط الحضري. من أجل أنظمة غذائية حضرية أكثر استدامة" والذي يهدف إلى التقليص من كمية الفاقد من الأغذية وتعزيز قدرة الجهات الوطنية الفاعلة على إدارة الهدر ومنعه. كما تنفذ المنظمة مشاريع تجريبية أخرى في ذلك البلد لتعزيز أنظمة الغذاء الحضرية المستدامة.

وفي الفترة الممتدة بين 2011 و2012، نفذت المنظمة مشروعاً طارئاً في غزة بعنوان "التخفيف السريع لأزمة سبل العيش في قطاع غزة" ركزت من خلاله على دعم إنتاج الغذاء من خلال الترويج للزراعة المنزلية، وتشجيع زراعة الفاكهة والخضروات، وتحسين سبل العيش القائمة على مصايد الأسماك. وفي المجمل، تعمل هذه المبادرات على تحسين الأمن الغذائي على مستوى الأسرة مع معالجة الطلب الغذائي الأوسع في المنطقة، مما يخلق رابطاً أقوى بين المنتجين الريفيين والمستهلكين الحضريين.

مدن خضراء من أجل مستقبل أكثر صحة

لقد أدت الوتيرة السريعة للتحضر في منطقة الشرق الأدنى وشمال أفريقيا إلى عواقب بيئية خطيرة، حيث تجاوزت مستويات تلوث الهواء في المدن الكبرى الحدود الآمنة التي حددتها منظمة الصحة العالمية بأكثر من عشرة أضعاف. ولا يسبب هذا التلوث مخاطر صحية عامة جسيمة فحسب، بل يكلف المنطقة أيضاً مليارات الدولارات سنوياً. ومع ذلك، تمهد مبادرات التشجير الحضري الطريق نحو مدن أكثر استدامة وقدرة على الصمود. ففي البحرين، تعمل الجهود التي تقودها منظمة الأغذية والزراعة لزيادة المساحات الحضرية الخضراء وتحسين الحدائق العامة على جعل المدن مكاناً أكثر ملاءمة للعيش. ومن خلال التشجيع على زراعة الأشجار واعتماد التصميمات الحضرية المستدامة، تعمل هذه المشاريع على الحد من تلوث الهواء، والتخفيف من آثار الجزر الحرارية الحضرية، وإنشاء بيئات صحية أفضل للسكان. وتؤكد مبادرة البحرين أيضاً على الشمول من خلال تيسير وصول النساء والأطفال وذوي الإعاقة إلى الأماكن العامة، مما يساهم في تعزيز المرونة الاجتماعية والبيئية الأوسع.

وفي مايو/أيار 2024، تم إطلاق مشروع "مبادرة المدن الخضراء: مدن رائدة في الواحات الخضراء المتكاملة وأنظمة الغذاء" لتعزيز التشجير والتخضير الحضري، ودعم صحة ورفاهية المجتمعات وقدرتها على الصمود في الأراضي الجافة. ويركز هذا المشروع على إعادة تأهيل الحدائق العامة في العاصمة الأردنية عمّان، وتعزيز مبادرات الأسطح الخضراء بالتعاون مع المجتمعات المحلية والمدارس، وبناء القدرات الفنية لأصحاب المصلحة لتعزيز الزراعة الحضرية. ومن خلال تضافر هذه الجهود، تهدف المبادرة إلى إنشاء مساحات حضرية خضراء مستدامة تعود بالنفع على البيئة والسكان.

نحو مستقبل أخضر: منظمة الأغذية والزراعة والمنتدى الحضري العالمي

توفر الدورة الثانية عشرة القادمة للمنتدى الحضري العالمي والتي تستضيفها القاهرة من 4 إلى 8 نوفمبر/تشرين الثاني 2024 فرصة فريدة لأصحاب المصلحة للالتقاء معاً لمعالجة التحديات المعقدة للتحضر في منطقة الشرق الأدنى وشمال أفريقيا. ويهدف المنتدى الذي ينظمه برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية، إلى تعزيز الوعي بأهمية التحضر المستدام، وتحسين المعرفة الجماعية بشأن التنمية الحضرية، وتعزيز التعاون بين القطاعات.

وخلال المنتدى، ستقدم المنظمة عرضاً حول عملها بشأن نظم الأغذية الزراعية المستدامة والأمن الغذائي والمرونة البيئية، وستركز المناقشات على الآليات المستخدمة لدمج التنمية الحضرية والريفية بطرق يمكن من خلالها تعزيز المرونة المناخية والأمن الغذائي وسبل العيش المستدامة. وتُجسّد برامج المنظمة في دول مثل مصر وتونس والبحرين كيف يمكن للمدن الخضراء ونظم الأغذية الزراعية والاستدامة البيئية أن تعمل معاً لمعالجة التحديات التي يفرضها التوسع الحضري السريع وتغير المناخ. ويخطط المكتب الإقليمي لمنظمة الأغذية والزراعة للشرق الأدنى وشمال أفريقيا لتنظيم ثلاث جلسات خلال المنتدى. وستركز اثنتان من الجلسات، المقرر عقدهما في 8 نوفمبر/تشرين الثاني، على عرض تجارب بلدان المنطقة مع مبادرات التشجير الحضري الناجحة، والتأكيد على الحاجة إلى وضع استراتيجيات فعالة لمعالجة آثار العواصف الرملية والترابية. وفي 6 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، سيتم تنظيم فعالية رفيعة المستوى للتعارف والتشبيك يتم خلالها عرض خطة الاستثمار الإقليمية، وهي مبادرة تقودها المنظمة وشركاؤها، وتروج لنهج متكامل لاستعادة النظم الإيكولوجية وحلول التنمية.

وتعد الخطوات التالية ذات أهمية حاسمة لتعزيز الروابط الحضرية الريفية المستدامة في منطقة الشرق الأدنى وشمال أفريقيا. ومن خلال توثيق سبل التعاون وتبادل مبادرات التشجير الحضري ونظم الأغذية الزراعية التي أثبتت نجاحها، ستساعد المنظمة في تحفيز تطوير مدن قادرة على الصمود وأنظمة غذاء آمنة. وتعتبر هذه الجهود في غاية الأهمية لضمان قدرة المنطقة على إدارة تحديات التحضر السريع وتغير المناخ على نحو مستدام. وسوف تساعد النتائج التي ستصدر عن المنتدى في توجيه المشاريع المستقبلية وخطط الاستثمار، مما يساعد بدوره على إنشاء مجتمعات متكاملة وقادرة على الصمود في مواجهة تغير المناخ، وتلبي الاحتياجات المتزايدة لسكان الريف والحضر، وإرساء الأساس للأمن الغذائي والاستدامة البيئية على المدى الطويل في المنطقة.

 


 

كبير الاقتصاديين
أحمد مختار

مكتب منظمة الأغذية والزراعة الإقليمي للشرق الأدنى وشمال أفريقيا

[email protected]
مسؤول أول البرامج
فداء حداد

مكتب منظمة الأغذية والزراعة الإقليمي للشرق الأدنى وشمال أفريقيا

[email protected]